هوامش
إيفيلينا يوهانسون ويلينالأسرة ليست عائقًا.. بل انعدام الأمان
2025.09.28
مصدر الصورة : آخرون
الأسرة ليست عائقًا.. بل انعدام الأمان
تشهد الدعوات النسوية إلى «إلغاء الأسرة» رواجًا ملحوظًا في الوقت الراهن. هذه الفكرة تطرح أسئلة حادة حول كيفية تنظيم الرأسمالية للرعاية والعمل الإنجابي، لكنها تنطوي أيضًا على ثغرات كبيرة. فكثيرًا ما يعتمد أنصارها على نوع من الوظيفية، إذ يختزلون الأسرة إلى آلة أيديولوجية لإنتاج عمّال ومواطنين مطيعين، بينما يغفلون الحقائق الأكثر تعقيدًا للعيش مع الآخرين: الحب، والاعتماد المتبادل، والكرم.
كما تقلّل هذه الطروحات من شأن حقيقة أساسية: أن الحياة الأسرية تفرض على الناس التواصل مع أشخاص خارج مناطق راحتهم، عبر الأجيال، وبعيدًا عن «المساحات الآمنة» الأيديولوجية. وفي غياب إساءات أو أمراض اجتماعية سامة، فإن هذا التنوع -مهما كان مزعجًا- يشبه العالم الواقعي أكثر بكثير من «الأسر المختارة» التي يحتفي بها دعاة الإلغاء، وغالبًا ما يكون أكثر إفادة وصحة. سيقول دعاة الإلغاء إن مثل هذه اللقاءات لا تفعل سوى تكريس المعايير الاجتماعية الضارة، متجاهلين أن هذه أيضًا الطريقة التي يتعلم بها الناس العيش مع الاختلاف.
ومن هنا، غالبًا ما تنزلق هذه الانتقادات نحو طوباوية حالمة. فيُتخيَّل أن إلغاء الأسرة لن يطيح بالهرميات الاجتماعية فحسب، بل سيمحو أيضًا صراعات الحياة اليومية، مقدّمًا رؤية مفعمة بالأمل تذكّرنا بالمفكر الاشتراكي الطوباوي في القرن التاسع عشر شارل فورييه، الذي اعتقد أن إعادة تنظيم المجتمع ستضمن الحب الحقيقي، بل وستحوّل المحيطات إلى ليمونادة.
ومع ذلك، فإن دعاة إلغاء الأسرة لا يستهدفون دور الأسرة النووية في إعادة إنتاج الرأسمالية فحسب، بل يسلّطون الضوء أيضًا على الطابع الاعتباطي المحض لكون الفرد يولد في أسرة دون أخرى. فالحياة تحت الرأسمالية أشبه باليانصيب: بعضهم يحظى بوالدين قادرين وراغبين في رعايته، بينما ينال آخرون الإهمال أو الإساءة أو أثقال الالتزام الساحق. بهذا المعنى، فإن نقد دعاة الإلغاء هو إدانة لنظام كامل تُوزَّع فيه المحبة نفسها بشكل غير متساوٍ وغير عادل. كما تقول إم. إي. أوبراين في كتابها عن إلغاء الأسرة: «خلف الأبواب المغلقة، تظل الأسرة مقامرة». أو كما عبّرت صوفي لويس في مواجهة منتقدي هذا الطرح: «في الأثناء، إذا كان رد فعلك التلقائي على عبارة "إلغاء الأسرة"، هو: "لكنني أحب أسرتي"، فيجدر بك أن تدرك أنك واحد من المحظوظين. وأنا سعيدة من أجلك. لكن ألا يجدر بالجميع أن يكونوا محظوظين مثلك»؟
تسييس الرعاية لا الحب
انتقاد شائع آخر للأسرة هو أنها نادرًا ما تكون مسألة اختيار حقيقي. فبعض الناس يبقون مع أقاربهم بدافع الحب، نعم -لكن كثيرين يفعلون ذلك بدافع الضرورة الاقتصادية. الأجور الراكدة، والعمل الهش، وتكاليف السكن الباهظة تجعل مغادرة المنزل أقل خيارًا منها اضطرارًا. وفي هذه الظروف، فإن ما يبدو ولاءً أسريًّا يخفي غالبًا غياب البدائل. فالاختيار الحقيقي يتطلب حرية المغادرة، وبدون هذه الحرية يصبح الالتزام وظيفة بقاء لا تعبيرًا عن المودة. كما تقول أوبراين: «إذا لم يكن من السهل الرحيل، فلن يكون البقاء خيارًا حقيقيًّا».
يُشير دعاة إلغاء الأسرة هنا إلى مشكلات حقيقية جدًّا. فكثيرون ينشؤون في أسر غير محبة أو مؤذية، وبالنسبة إليهم فإن المغادرة ليست صعبة عاطفيًّا فحسب، بل مستحيلة عمليًّا في كثير من الأحيان. لكن الفكرة القائلة إن إلغاء الأسرة سيمنح الناس مزيدًا من الحرية أو يضمن لهم جرعات متساوية من الحب تبدو، كما تلاحظ أنكا جيوس، ساذجة إلى حد ما. فالناس يختلفون في قدرتهم على الحب، وبعض خيرات الحياة الأعمق ليست أشياء يمكن إعادة توزيعها. وغالبًا ما تحدد الصدفة، لا السياسات، ما إذا كنا سنجدها أم لا.
لكن إذا نقلنا التركيز من الحب إلى الرعاية، فإن الحجة تصبح أكثر واقعية وإلحاحًا. يجب على المجتمع أن يضمن ألا يعتمد أحد اعتمادًا كليًّا على أسرته للحصول على الدعم الأساسي. يجب أن يتمكن الأفراد من مغادرة الأسر الضارة أو المختلة دون مواجهة الخراب الاقتصادي، سواء كان ذلك العجز عن دفع الإيجار أو الحصول على سكن مستقر. لا ينبغي أن تكون الرعاية مشروطة بالبقاء في علاقات مدمرة، ولا ينبغي أن يحول الخوف من الفقر دون الاستقلالية الشخصية. فالمجتمع العادل هو الذي يضمن ألا تُربط الرعاية حصريًّا بالأسر الخاصة، التي غالبًا ما تُوزَّع بشكل غير متكافئ.
نحو سياسة مؤيدة للأسرة
بالطبع، للحب أبعاد اقتصادية وسياسية أيضًا. ورغم أن الحب ذاته يقاوم منطق إعادة التوزيع، فمن المعقول القول إن مجتمعًا أكثر عدلًا يمكن أن يهيئ ظروفًا يُعبَّر فيها عن الحب والرعاية بشكل أكثر حرية وعدالة. فعندما تستنزف الضغوط الاقتصادية والالتزامات الاجتماعية طاقة الناس، يصبح من الأصعب عليهم أن يمدّوا أيديهم حتى إلى من يحبون.
لكن إلغاء الأسرة لن يحل هذا. لن يقرّبنا أكثر من أقاربنا، ولن يصحح التوزيع غير المتكافئ للمودة الحقيقية. وكما تلاحظ جيوس بحق: «في غياب الأسرة، سيظل الأطفال يتعرضون لمقدمي رعاية بمستويات متفاوتة من الكفاءة، والاستثمار في التربية، والانحياز المفيد».
الإصلاحات السياسية الضرورية لتقليل الاعتماد على الأسرة وجعل الرعاية جماعية لا تحتاج إلى أن تكون معادية للأسرة. بل على العكس، يمكن تقديم مثل هذه السياسات على أنها مؤيدة للأسرة، طالما أنها تدعم علاقات أكثر صحة وطوعية بإزالة التبعية الاقتصادية القسرية. فالأمن السكني، ورعاية الأطفال الشاملة، ورعاية المسنين، والأجور المستقرة، على سبيل المثال، تجعل من الأسهل للناس أن يعيشوا معًا دون ضغوط خارجية.
وعلى نطاق أوسع، تشكّل هذه الإصلاحات جزءًا من التزام سياسي بتمكين الأفراد من أن يعيشوا الحياة التي يريدونها حقًّا، حياة لا تحددها الالتزامات أو الضرورات الاقتصادية، بل الكرامة، وفي أفضل الأحوال، السعادة. والأسرة نفسها ليست بالضرورة عائقًا أمام ذلك. بل يمكن أن تزدهر حين تُحرَّر من ضغوط الرعاية الخاصة وغير المتكافئة.
العلاقة بين الحب والعدالة لا شك أنها أساسية. لكن فكر إلغاء الأسرة يتجاوزها إلى حد كبير، تاركًا وراءه تصورًا مسطّحًا للعدالة، تصورًا عاجزًا عن التعامل مع التعقيدات العاطفية والنفسية للحياة الحميمة. فالوعد بالحب للجميع ينطوي على تصور لعالم أكثر مثالية مما هو ممكن، رؤية لا تقل استحالة عن السباحة في بحر من الليمونادة.