قضايا
دار المراياالوحدة والكرامة والأمل التطلع إلى الأمام لا العودة
2022.01.01
تمت الترجمة بواسطة: أميمة صبحي
الوحدة والكرامة والأمل التطلع إلى الأمام لا العودة
تكرار ما حدث في عام 1948
في فلسطين، وفي مايو 2021، حاول المستوطنون الإسرائيليون بعنف إخراج الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس، كي يحلوا محلهم. في هذه الجولة الأخيرة من محاولات الطرد، شُردت 28 عائلة فلسطينية، وذلك في إطار الجهود الإسرائيلية المستمرة لتهويد المدينة التي طالما كانت تاريخيًّا ملاذًا للتنوع. في حوار صوِّر بهاتف محمول، أخبرت منى الكرد البالغة من العمر 22 عامًا يعقوب فوسي؛ المستوطن القادم من لونج آيلاند في نيويورك، أنه يسرق منزلها، فأجاب "إذا لم أسرقه، سيسرقه غيري". ويتساءل فوسي لماذا هي مستاءة منه شخصيًّا. فقد استقر في ذهن المستعمر أن مصير الفلسطينيين الحتمي أن يُسلبوا ممتلكاتهم، فلماذا لا يكون هو الشخص الذي يسرق منزل عائلة الكرد، الذي يقطنونه منذ عشر سنوات؟ لكن عائلة الكرد كانت مصممة على عدم الخروج. وكانت "رفقة" جدة منى الكرد، التي توفيت فقط في يونيو 2020 عن عمر يناهز 103 أعوام، رمزًا للمقاومة الفلسطينية والإصرار على حق العودة. وكما كتب شقيق منى الكرد التوأم؛ محمد، فإن رفقة كانت "أكبر من إسرائيل نفسها. لهذا فقد أشاد المقدسيون بـها كـ"أيقونة المقاومة الفلسطينية". ويُذكر أنها خلال نكبة عام 1948، غادرت رفقة "منزلها المرتب النظيف، ولم تكن تعلم أنها ستجهزه للمستعمرين". يذكرها محمد الكرد، الذي نشر كتابًا شعريًّا يحمل اسم جدته بأنها "مناضلة من أجل الحرية، مسعفة للجميع، تساعد المتظاهرين المصابين بالغاز المسيل للدموع بالزبادي والبصل". وقد اشتهرت رفقة الكرد بقولها إنها لن تترك منزلها في الشيخ جراح إلا لتعود إلى المنزل الذي فرت منه عام 1948 في حيفا.
لكن في عام 2021، وفي حيفا نفسها، وكذلك في الرملة واللد، كان الإسرائيليون يتجولون مرة أخرى في الشوارع بحثًا عن منازل بأسماء عربية، ويهددون بمهاجمتها في الليل. وتمتعت الحشود المشاركة في عمليات "لينش" والتي كانت تهتف "الموت للعرب" بحماية ضباط الشرطة الإسرائيلية، الذين قاموا لاحقًا باعتقال المتظاهرين الفلسطينيين، بدلاً من مثيري الشغب اليهود الإسرائيليين. أما قطاع غزة، الذي عُزل عن بقية العالم لما يقرب من أربعة عشر عامًا، فقد تعرض مرة أخرى لهجوم عسكري إسرائيلي، بضربات جوية وتهديدات بالاجتياح البري. كما نزل الفلسطينيون إلى الشوارع في الضفة الغربية، احتجاجًا على تصرفات إسرائيل داخل حدود عام 1948، وكذلك ضد ما يحدث في قطاع غزة؛ في عرض للوحدة الوطنية ضد الاستعمار الذي لم نشهده منذ ثورة 1936 ضد بريطانيا العظمى القوة الاستعمارية الكبرى آنذاك. الرعب الذي يعيشه الفلسطينيون في جميع أنحاء الوطن يعادل رعب السنوات الكارثية من 1947-1948؛ أي في بداية النكبة.
التحرير في متناول أيدينا
لكن هذه المرة كان هناك أيضًا شعور جديد بالتحدي، والتفاؤل الحذر، وقناعة بأن التحرير كان في متناول اليد أخيرًا، وذلك بسبب القيادة الشعبية الجديدة للشباب، مع وجود قوي للنساء وأعضاء من مجتمع الكوير، سواء في الوطن أو في الشتات، وقد كانوا يرتفعون فوق الانقسامات التعسفية التي فرضها الظالمون. حتى مع كل ما يذكر بالماضي المروع، والمخاوف الهائلة، والخسائر، كان الفلسطينيون في اللحظة الحالية يتطلعون إلى الأمام، وليس إلى الوراء، ويؤكدون أن "التحرير في متناول أيدينا". لقد أوجد المزاج السائد في الشوارع طاقة جديدة. وكانت هذه انتفاضة الوحدة والكرامة والأمل، ليس فقط من النهر إلى البحر، بل أيضًا من النهر إلى قلب أرض العدو، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل الداعم الأول لجرائم إسرائيل؛ الولايات المتحدة، الدولة التي كانت تموِّل أمثال يعقوب فوسي للسيطرة على القدس.
على الرغم من بشاعة اللحظة الحالية، فقد ساد شعور مماثل بالتفاؤل في الولايات المتحدة أيضًا. لم يكن هذا بالتأكيد بسبب حقيقة أننا تخلصنا أخيرًا من دونالد ترامب. فلم يتوهم أي ناشط حقوقي فلسطيني أن الرئيس الجديد، جو بايدن، سيكون أقل صهيونية من سلفه. ويتذكر الكثير منا أنه في وقت مبكر من عام 1986، صرَّح بايدن "إذا لم تكن هناك إسرائيل، فسيتعين علينا ابتكارها"، مضيفًا أن "دعم أمريكا لأمن إسرائيل لا يتزعزع". وقد أثبت بايدن وفائه بكلمته، إذ فشل في توبيخ وإدانة إسرائيل بشكل مناسب على هجماتها على الشعب الفلسطيني في عام 2021.
وهكذا فإن التفاؤل في أمريكا الشمالية لم يأتِ من تغيير القيادة في هذه القوة الإمبريالية، التي أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها ستقف دائمًا إلى جانب المستعمر، الظالم. إن "القيم المشتركة" التي يتم الترويج لها كثيرًا بين إسرائيل والولايات المتحدة متجذرة بالفعل في كونها دولاً استعمارية تجرد السكان الأصليين وتدمر ثقافات السكان الأصليين من أجل خلق ثقافة جديدة بالعنف.
لقد كُتب على اللافتات التي رُفعت في الاحتجاجات التي طالت جميع أنحاء العالم "كل مدينة إسرائيلية كانت ذات يوم الشيخ جراح"، لكن الفلسطينيين، وكذلك حلفائنا يتذكرون أيضًا أن كل قرية وبلدة ومدينة أمريكية كانت ذات يوم ملكًا للأمريكيين الأصليين. لقد بدأت النكبة الفلسطينية عام 1948، وبدأت نكبة الأمريكيين الأصليين قبل ذلك بقرون، مع وصول الأوروبيين الأوائل إلى هذه الشواطئ في أواخر القرن الخامس عشر. وكان هذا الاعتراف بالتأكيد في طليعة المسيرات في مايو 2021، حين خرجت مختلف المجتمعات المحرومة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا مع ملايين الأشخاص المضطهدين هنا؛ في الولايات المتحدة الأمريكية.
حل الشعور بالتفاؤل في الولايات المتحدة من موجة التأييد الشعبية والتضامن الشعبي، كما شوهد في مسيرات إحياء ذكرى النكبة في جميع أنحاء البلاد. فيما وُصف بحق بأنه "لحظة تاريخية"، كانت بعض أكبر الاحتجاجات والتجمعات على الإطلاق لدعم حقوق الفلسطينيين تحدث في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأظهرت هذه الاحتجاجات أيضًا وحدة لم نشهدها على هذا النطاق من قبل. رفعت عشرات الآلاف من الأعلام الفلسطينية في جميع أنحاء البلاد، لكن هذه لم تكن الأعلام الوحيدة التي رفعتها الحشود المتنوعة عاليًا؛ ففي شيكاغو ونيويورك وسان فرانسيسكو وسياتل ومدن أخرى كبيرة وصغيرة، وكان إحياء ذكرى النكبة أيضًا احتجاجًا ضد جميع أشكال الإمبريالية والعنصرية والعسكرة والتفوق العرقي. تضمنت جميع مسيرات حقوق فلسطين تقريبًا، وحملة "حياة السود مهمة"، وسيادة السكان الأصليين، وحقوق اللاجئين، ومنظمين وناشطين مناهضين للإمبريالية في الفلبين. وفي بعض المدن الكبرى مثل شيكاجو ونيويورك، وانضمت أعلام أيرلندا، وبورتوريكو، وكولومبيا، والأرجنتين، وهايتي، والعديد من البلدان الأخرى إلى الأسود والأحمر والأخضر والأبيض؛ لنصرة فلسطين. من ناحية أخرى، كانت المسيرات المؤيدة لإسرائيل عبارة عن بحر من الأزرق والأبيض، وعلم إسرائيل مع نجمة داود في الوسط، مع بعض النجوم الأمريكية والأعلام المخططة، وكما هو متوقع الآن بعض من أعلام ترامب، وبعض أعلام الكونفدرالية.
وبعيدًا عن المسيرات، أصدرت مئات المراكز والمجلات الأكاديمية في جميع أنحاء البلاد بيانات دعم لفلسطين. وهذا أمر مهم بشكل خاص بالنظر إلى حقيقة أن أعضاء هيئة التدريس والطلاب طالما تعرضوا للرقابة والتخويف والمضايقة والتهديد منذ فترة طويلة في الجامعات الأمريكية، بسبب دعمهم لفلسطين. وبالمثل، فإن وسائل الإعلام الرئيسية، من نيويورك تايمز إلى سي إن إن CNN، والتي كانت دائمًا لسان حال الدعاية الصهيونية، نشرت وأجرت مقابلات مع فلسطينيين. يبدو إذن أن مثابرتنا قد أحدثت فرقًا، حيث وصلنا أخيرًا إلى الكتلة الحرجة، مع تحول كبير في الخطاب النقدي. بالإضافة إلى نخبة الأوساط الأكاديمية وقراء نيويورك تايمز، كانت مجموعات مسرحية مستقلة تنظم ندوات لمناقشة المقاطعة الثقافية، استجابة للدعوة الفلسطينية لحركة BDS؛ وهي حركة مقاطعة البضائع، التي انتشرت للمرة الأولى في عام 2005. وقد حاول اللوبي الإسرائيلي جاهدًا تجريم حملات المقاطعة في الولايات المتحدة، لكن المنظمات الشعبية وجماعات الحقوق المدنية مثل منظمة فلسطين القانونية، عملت بجد لضمان عدم حدوث ذلك. وبنفس القدر من الأهمية، إن لم يكن الأهم، كانت النقابات العمالية أيضًا تقف إلى جانب فلسطين، ورأت نفسها في صراع مشترك ضد طبقة مضطهدة. وهكذا دعا المركز العربي للموارد والتنظيم في كاليفورنيا إلى تحرك "إيقاف السفن"، ورفض عمال الرصيف تفريغ سفينة شحن، الأمر الذي كلف شركة "زيم" الإسرائيلية ملايين الدولارات.
ومع انتشار تسجيل الهاتف المحمول ليعقوب فوسي وهو يصرخ في منى الكرد على وسائل التواصل الاجتماعي، أدرك العديد من الأمريكيين أخيرًا ما فهمه الفلسطينيون وحلفاؤهم منذ فترة طويلة: الصهاينة هم المعتدون. وهذا ما يثبت أن عقودًا من العمل التي قام به الفلسطينيون وحلفاؤهم، والتي غالبًا ما كانت مكلفة للغاية، لم تذهب سدى.
القيم المشتركة للقوى الاستعمارية
في الولايات المتحدة، كان السكان الأصليون، والمستَعمرون، والمضطهدون المحرومون من حق التصويت، قد فهوا الأمر، وصاروا في صف الفلسطينيين. وقد عبّرت The Red Nation عن هذا بشكل أفضل، في بيانها الذي يؤيد مقاطعة البضائع الإسرائيلية، إذ أكدت أن "فلسطين هي المقياس الأخلاقي الأساسي لأمريكا الشمالية". ويتضح أيضًا في التضامن الأسود الفلسطيني الذي يظهر الآن في كل احتجاج ضمن حملة "حياة السود مهمة" في البلاد. وهذا التضامن ليس بأي حال من الأحوال ظاهرة جديدة، فقد بدأ في الستينيات، مع حركة العالم الثالث لمناهضة للاستعمار، وحركة الفهود السود وأنجيلا واي دايفيز، ولكن تم إحياؤه مجددًا في شوارع المدن الأمريكية الكبرى، حيث كانت أعمال الشغب التي اندلعت ضد وحشية الشرطة الأمريكية. واعترف الفلسطينيون على الفور بالشرطة الأمريكية كشكل من أشكال الاحتلال، وقدموا نصائح للمحتجين السود، بينما أوضحوا أيضًا أن العسكرة المفرطة لقوات الشرطة الأمريكية مرتبطة بتدريبهم مع القوات الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، أصبح واضحًا أيضًا أن أسوأ العنصريين في الجانب الأمريكي مع إسرائيل. وينجذب هؤلاء إلى الإحساس المطلق بالاستحقاق، والتقدير المبالغ فيه للنفس الذي يشعر به الصهاينة.
وفقًا لملفه الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن يعقوب فوسي، المستوطن الذي كان يجلس في منزل عائلة الكرد، من المعجبين بالرئيس السابق دونالد ترامب. قبل بضع سنوات، في عام 2017، أوضح ريتشارد سبنسر، المؤمن بسيادة العرق الأبيض، والزعيم الفعلي لليمين البديل في الولايات المتحدة، لمذيع إخباري إسرائيلي أن "مواطنًا إسرائيليًا، شخصًا يفهم هويتك، لديه إحساس القومية والشعبية، وتاريخ وخبرة الشعب اليهودي، يجب أن تحترم شخصًا مثلي، لديه مشاعر مماثلة تجاه البيض. يمكنك القول إنني صهيوني أبيض - بمعنى أنني أهتم بشعبي، أريد أن يكون لنا وطن آمن لنا ولأنفسنا. مثلما تريد وطنًا آمنًا في إسرائيل ".
ومن أقوال بايدن في عام 1986 أنه "إذا لم تكن هناك إسرائيل، فسنضطر إلى اختراعها"، إلى زعيم العرق الأبيض ريتشارد سبنسر الذي قال إن الصهاينة يجب أن يتواصلوا معه، لأن الصهاينة مثلهم مثل المتعصبين للبيض، حتى وصلنا إلى يعقوب فوسي؛ الذي أخبر منى الكرد أن بيتها سوف يُسرق، إن لم يكن من قبله، فمن قبل مستوطن آخر. وهذا ما يؤكد أنه خيط واحد يمر عبر تاريخ الولايات المتحدة وإسرائيل: الاستعمار، وخلقه العنيف لدولة متعصبة. هذا، أيضًا، لم يمر دون أن يلاحظه أحد من قبل التقدميين، الذين كانوا يؤمنون تمامًا بالدعاية الإسرائيلية، وادعائها بأنها "ديموقراطية".
الإلغاء لا الإصلاح
الاستعمار في الأساس نظام عنصري وعنيف. وهو على هذا النحو، مثل غيره من الأنظمة القمعية العنيفة بشكل فاضح، لا يمكن إصلاحها، بل ينبغي إلغاؤها. على سبيل المثال، لم يكن مؤيدو إلغاء العبودية يسعون إلى عبودية "ألطف وأطيب". لقد عرفوا جيدًا أنه لا توجد فائدة من الاعتقاد بأنك قادر على إصلاح نظام يجرد الآخرين من إنسانيتهم. وبالمثل؛ لا يمكنك "إصلاح" الاستعمار الاستيطاني، الذي يقوم على "القضاء على السكان الأصليين"، كما كتب باتريك وولف، الباحث الراحل في دراسات السكان الأصليين، أو كما كتب أراد كيرتس كتابته في كتاب "الإبادة الوحشية"، وهو كذلك الشخصية المحورية في رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، القصة اللعينة للاستعمار البلجيكي في الكونغو.
بالطبع لا يمكنك إصلاح الفصل العنصري؛ ولا التكييف القانوني لعدم المساواة. إذ كيف سيكون شكل "الفصل العنصري اللطيف الطيب" بالضبط؟ ينبغي إلغاء الأنظمة التي تقوم على الظلم. وحتى في أثناء عملنا على إلغائها، يجب أن نبني بنشاط البديل. وفي مايو 2021، بينما يحيي الفلسطينيون وحلفاؤنا ذكرى النكبة، لم نكن فقط ندين الاستعمار الاستيطاني، بل إننا من خلال تحليلنا متعدد الجوانب، وفهمنا العضوي للنضال المشترك ضد العنصرية البنيوية، وتشريعنا للتضامن، كنا نبني البديل.