عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

أندريه ديمون

خطاب التحدي والتباهي بالاغتيالات

2025.09.28

مصدر الصورة : آخرون

خطاب التحدي والتباهي بالاغتيالات

 

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة الماضي (26 سبتمبر)، تعهّد فيه بتحدي القانون الدولي، وتباهى بارتكاب جرائم قتل جماعي وأعمال إرهابية، وأكد عزمه على مواصلة إبادة غزة متحديًا الرأي العام العالمي.

جاءت زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، في وقت تخضع فيه غزة، بفعل حكومته، لأسوأ مجاعة يشهدها العالم، إذ يُهجّر الفلسطينيون قسرًا من أرضهم، ويُقتَل عشرات منهم يوميًّا في الهجوم على مدينة غزة.

نتنياهو، الذي يواجه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، سافر إلى الولايات المتحدة عبر طائرة حلّقت تقريبًا بالكامل فوق المياه، متعمدًا تجنّب أجواء اليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، حيث كان سيواجه خطر الاعتقال وتسليمه للمحاكمة. وما إن دخل الأجواء الأمريكية حتى حظي بالحماية الكاملة من إدارة ترامب، التي تعهّدت بتحدي مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.

إن مجرد سماح الأمم المتحدة لهذا السفاح الفاشي بدخول مبناها، فضلًا عن منحه منصة لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة، يمثل إدانة لعجز هذه المؤسسة وتواطئها، هي التي وصف لينين سابقتها، عصبة الأمم، بدقة بأنها «مطبخ للصوص».

خارج مبنى الأمم المتحدة، شارك الآلاف في مظاهرات ضد ظهور نتنياهو، بينما غادر معظم المندوبين قاعة الاجتماع، تاركين نتنياهو يخاطب قاعة شبه فارغة. لكن الوفد الأمريكي سعى إلى تعويض مشهد الانسحاب عبر التصفيق والهتاف بحرارة لمباهاة نتنياهو بعدد من قتلهم وتعهداته بقتل المزيد.

كان خطاب نتنياهو موجهًا أساسًا للرد على تهم المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي خلصت هذا الشهر إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

لم يحاول نتنياهو تفنيد أو دحض هذه الاتهامات. بل إن خطابه، الممتد 45 دقيقة، كان أشبه بصرخة متبجحة تقول: «أنا مدان بجرائم حرب وأخطط لارتكاب المزيد، فماذا ستفعلون»؟

«تطهير عرقي»

سرد نتنياهو قائمة من القادة السياسيين، وحتى العلماء، الذين زعم أنه أمر باغتيالهم. قال: «نصف قادة الحوثيين في اليمن انتهوا. يحيى السنوار في غزة انتهى. حسن نصر الله في لبنان انتهى. نظام الأسد في سوريا انتهى… أما كبار القادة العسكريين الإيرانيين وعلماؤهم النوويون… فحسنًا، انتهوا أيضًا».

كما تباهى بتدبير هجوم إرهابي أصاب أكثر من 4 آلاف شخص في لبنان في سبتمبر 2024، عبر أجهزة البيجر، وأجهزة الاتصال. قال: «تتذكرون تلك الأجهزة، البيجر؟ لقد أرسلنا رسائل إلى حزب الله، وصدقوني، استوعبوا الرسالة. آلاف الإرهابيين… سقطوا على الأرض».

وردًّا على اتهامات ارتكاب إبادة جماعية في غزة، قال نتنياهو: «هل يعقل أن دولة ترتكب إبادة جماعية تتوسل إلى السكان المدنيين الذين يُفترض أنها تستهدفهم أن يخرجوا من طريق الأذى؟ هل نخبرهم بالمغادرة ونحن نحاول ارتكاب إبادة؟»

حجته السخيفة تلخّص إلى: «نحن لا نرتكب إبادة جماعية لأننا نرتكب تطهيرًا عرقيًّا».

بلغت الوقاحة والسخف ذروتهما عندما قال نتنياهو، محتجًّا على تشبيهه بهتلر: «نحن نحاول إخراجهم… هل طلب النازيون من اليهود المغادرة؟»

والجواب هو: نعم. فقبل تطبيق «الحل النهائي» عام 1941، كانت السياسة الرسمية للحزب النازي الألماني تشجع على هجرة اليهود. في الواقع، غادر أكثر من نصف يهود ألمانيا البلاد قبل بدء المحرقة بفعل سياسات نازية هدفت إلى دفعهم إلى الفرار.

بكلمات أخرى، كان التطهير العرقي والإبادة يسيران جنبًا إلى جنب في ألمانيا النازية، كما يسيران معًا اليوم في اجتياح إسرائيل لغزة.

منهج الكذبة الكبيرة

ردًّا على اتهام المحكمة الجنائية الدولية ولجنة التحقيق الأممية بأن إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب، قال نتنياهو: «إسرائيل تُتهم عمدًا بتجويع سكان غزة، بينما إسرائيل عمدًا تُطعم سكان غزة».

لكن مجاعة غزة تمثل أسرع تدهور للأمن الغذائي سُجِّل في التاريخ، وأول مجاعة حديثة خارج القارة الإفريقية. وهي تجري في قطاع تحاصره إسرائيل بالكامل، القوة المحتلة، بينما تنتظر أطنانًا من الغذاء على المعابر ليُسمح بدخولها.

منهجيته واضحة: أن يأخذ جريمة حرب ترتكبها إسرائيل على مرأى العالم، ثم يزعم عكسها، فبدلًا من تجويع الفلسطينيين، يزعم أنه يُطعمهم.

إنها نسخة من نظرية «الكذبة الكبيرة» التي قال هتلر إن الناس يصدقونها لأنهم «لا يتخيلون أن أحدًا يملك الوقاحة لتشويه الحقيقة بهذا الشكل الفاضح». لكن في حالة نتنياهو، لا يتوقع أحد أن يصدق الكذبة، وكل ما يتبقى هو الوقاحة.

عبث التعويل على الإمبريالية

كان هناك جزء واحد في خطاب نتنياهو قال فيه الحقيقة. مخاطبًا قادة القوى الإمبريالية، قال: «أنتم تعلمون في قرارة أنفسكم أن إسرائيل تخوض حربكم». وأضاف: «في يونيو الماضي، حين قصفت إسرائيل منشآت إيران النووية، اعترف المستشار الألماني ميرتس بالحقيقة. قال: إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعًا».

هنا أصاب نتنياهو كبد الحقيقة بشأن قادة الإمبريالية. فالولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا وبريطانيا وألمانيا، موّلت وسلّحت الإبادة في غزة ودافعت علنًا عن حرب إسرائيل غير القانونية للإبادة. ومهما أطلقوا من انتقادات تكتيكية هنا وهناك، فإنهم جميعًا متورطون في الجرائم الكبرى التي ارتكبها نتنياهو. أما الانتقادات الجزئية فمجرد غطاء لإخفاء هذه الحقيقة الجوهرية.

المظاهرات التي جرت خارج الأمم المتحدة، يوم الجمعة، لم تكن سوى تعبير جزئي عن المعارضة الجارفة التي تسود صفوف العمال والشباب حول العالم ضد إبادة غزة، وهي معارضة تتصاعد مع ازدياد أعداد الضحايا.

ونحن نقترب سريعًا من إتمام عامين من القتل الجماعي في غزة، وهو ما يفرض استخلاص دروس أساسية.

أولها وأهمها هو عبثية التعويل على الحكومات الإمبريالية والمؤسسات الدولية لوقف الإبادة. فجميع هذه الحكومات متورطة في حمام الدم، الذي يشكل جزءًا من حرب كونية تخوضها القوى الإمبريالية لإخضاع العالم. وأهداف هذه الحرب العالمية لا تقتصر على الشرق الأوسط، بل تشمل روسيا والصين أيضًا.

الحكومات ذاتها التي ترعى إبادة غزة تقود أيضًا هجمات واسعة على الحقوق الاجتماعية والديمقراطية للطبقة العاملة. وهناك صلة عميقة بين إجرام الإبادة في غزة، التي يعد ترامب أبرز داعميها دوليًّا، وبين جهود البيت الأبيض لإقامة ديكتاتورية داخل الولايات المتحدة.

إن الحركة المناهضة للحرب يجب أن تتوحد مع النضال من أجل الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والديمقراطية للطبقة العاملة، في جهد مشترك للإطاحة بالنظام الرأسمالي، الذي يمثل الجذر الحقيقي للهمجية الإمبريالية والديكتاتورية.