قضايا
محمد عبد السلامكنت هناك.. شهادتي على أخصب سنوات العمر
2021.12.01
كنت هناك.. شهادتي على أخصب سنوات العمر
جئت إلى القاهرة في عام 1969 باختيار مسبق، بعد سماعي الكثير عن أن حلوان هي قلب الطبقة العاملة النابض، للالتحاق بشركة وسائل النقل الخفيف بوادي حوف، بعد تلقي جزء مهم من الوعي المبكر من أصدقاء ينتمون لجماعة د. على النويجي في دسوق؛ موطني ومحل نشأتي، ومنهم تعلمت الخطوات الأولى للانحياز للفلاحين والعمال والفقراء عمومًا. وعندما التحقت بعملي في المصنع، كانت الحركة النقابية مجمدة لعدم إجراء الانتخابات في موعدها، لنظرًا لظروف حرب 1967 وما تلاها، وكانت الحركة السياسية مصادرة بعد حل الأحزاب، فبحثت حولي ولم أجد إلا منظمة الشباب الاشتراكي التنظيم الشبابي التي تعمل باستقلال نسبي عن الاتحاد الاشتراكي العربي الذي لم أشرف بعضويته ولم أنتم إليه في يوم من الأيام.
كان عددًا معقولاً من شباب المصنع وعماله ينخرطون في هذا التنظيم الشبابي، ويعقدون اجتماعا دوريًّا لتدارس الموقف السياسي، ويستمعون لبعض المحاضرات التثقيفية. وكان ذلك ربما هو الطريق الوحيد وقتها للاقتراب من العمال، ومحاولة نقل بعض أقسام الوعي الاشتراكي إليهم، خصوصًا وقد كان للمنظمة برنامج تثقيفي للأعضاء المختارين على مستوى الجمهورية لإعداد الكوادر الاشتراكية التي ستقود المرحلة المقبلة كما كانوا يرددون. وكان البرنامج ينقسم إلى عدة مراحل وكانت المرحلة الأولى منه في معسكر حلوان الدائم، وفي شبرا الخيمة، والمرحلة الثانية كانت في أبي قير بالإسكندرية، والمرحلة الثالثة "وكانت مخصصة لإعداد الموجهين السياسيين" في مركز شباب الجزيرة بالقاهرة.. وكان البرنامج التثقيفي معدًا من قبل بعض ممن كانوا قادة في الحزب الشيوعي "المنحل" بعد انضمامهم لتنظيم الحكومة الأوحد "الاتحاد الاشتراكي العربي"، وكانت هناك محاضرة عن المنهج العلمي في التفكير للدكتور حسين كامل بهاء الدين، وأخرى عن حتمية الحل الاشتراكي من إعداد الدكتور فؤاد مرسى، وأخرى عن تطور الصراع العربي الإسرائيلي، وغيرها.
وكان وضع كاتب هذه السطور في منظمة الشباب كأمين لشباب حلوان سبيلاً لحركته في المصنع، والمصانع الأخرى، وعدم الاكتفاء بعضوية لجنة المصنع في المنظمة، ولكنه نجح في عقد عدد من برامج التثقيف خارج المنظمة من أبناء المصنع، ضم كل منها نحو ستة أفراد، وتعقد في أحد منازل المشاركين بالتناوب، وهناك درست المادية التاريخية وتطور المجتمعات والصراع الطبقي، بجانب تدريس مفاهيم الاقتصاد الاشتراكي، والفلسفة والتفكير العلمي، ومشكلات العمال في المصنع وإعداد مجموعة لخوض الانتخابات النقابية وانتخابات مجلس الإدارة بعد السماح بالانتخابات عام 1971، ونجح عدد من الزملاء في الموقعين.. وفي تلك الفترة وفي العام 1976 عرض السادات فكرة "المنابر" للمناقشة بديلاً للاتحاد الاشتراكي، وانعقد بالشركة مؤتمر جماهير حاشد، شارك فيه مئات من عمال أقسام الشركة المختلفة، وأعضاء منظمة الشباب، وأعضاء لجنة الاتحاد الاشتراكي بالوحدة، وجرت مناقشات ساخنة برفض فكرة المنابر والمطالبة بإطلاق حق تكوين الأحزاب وعلى رأسها "حزب الطبقة العاملة".. وانعقد المؤتمر في اليوم التالي لمناقشة مشروع البيان الصادر عن المؤتمر، وتمت الموافقة عليه بإجماع الحاضرين، ووقع عليه أمين منظمة الشباب، وأمين الاتحاد الاشتراكي بالوحدة "الزميل محمود صيرة"، وطُبع البيان ووزعت منه مئات النسخ داخل المصنع، بل تسرب خارجه، حتى وصل لطلاب الجامعة، ولبعض المنظمات السرية القائمة وقتها! وقامت الدنيا ولم تقعد، فاستدعى صيرة للتحقيق معه في أمانة الاتحاد الاشتراكي بحلوان التي كان يرأسها د. محمد على محجوب؛ وزير الأوقاف فيما بعد، وانتهى التحقيق بتوجيه اللوم للزميل محمود صيرة دون زيادة تحسبًا من ردود فعل العمال الذين كان يحسب لهم ألف حساب[1].
انتفاضة يناير 1977[2]
هل كانت انتفاضة الشعب المصري يومي 18 و19 يناير 1977 مجرد رد على قرارات القيسوني وزير مالية السادات برفع أسعار بعض السلع الأساسية والضرورية للطبقات الشعبية؟ أم كانت تعبيرًا عن تراكم سابق عليها؟ والإجابة أن الطبقة العاملة المصرية في حلوان والمحلة دأبت في كل يناير في السنوات السابقة عليها على الاحتجاج على الأوضاع المعيشية الصعبة التي تحيط بهم وتضغط عليهم، وعرف ميدان باب اللوق جزءًا مهمًا من هذه الاحتجاجات في شكل تجمع وتظاهر يحمل أرغفة الخبز على العصى، للمطالبة بتحسين هذه الظروف، كما نجح عمال غزل المحلة في تظاهرة في عام 1975 في المطالبة بمعالجة أوضاع الرسوب الوظيفي للعمال والموظفين مما أجبر الحكومة على إصدار قانون الإصلاح الوظيفي.
وجاء عام 1976 بعدد من الاحتجاجات من بينها
- إضراب عمال هيئة النقل العام، وتظاهرته الشهيرة في أنحاء القاهرة وصولاً لميدان التحرير، وقد شاهدت هذه المسيرة الحاشدة التي انضم إليها الآلاف من المواطنين في أثناء سيرها في شارع قصر العيني أمام دار روز اليوسف.
- كما كنت شاهدًا على تظاهرة كبرى خرجت من نادى المعلمين بالجزيرة صباح أحد أيام شهر مارس 1976، حيث عقد مؤتمر لأعضاء نقابة التطبيقيين بحضور رئيس الوزراء ممدوح سالم، للوفاء بوعد كان قطعه على نفسه بمنح أعضاء النقابة ميزة ما أو علاوة ما، ولكنه اعتذر عن الوفاء بالوعد، فخرج الحشد الكبير المكون من آلاف قادمين من مختلف المحافظات في تظاهرة كبرى مرددين (أين وعدك يا ممدوح؟!). واتجهت التظاهرة عبر كوبري قصر النيل إلى مجلس الشعب وقتها. وظلت الهتافات الاجتماعية والسياسية مدوية طوال اليوم حتى قرب المساء، وشارك في هذه التظاهرة العديد من أبناء حلوان، ومن شركة وسائل النقل الخفيف.
وقاد الهتافات أمام البرلمان أحد ابناء النقل الخفيف، المرحوم عويس عبد الفتاح، الذي أحاط به رجال الأمن من كل جانب في محاولة للإمساك به، لكننا في عصر هذا اليوم ابتدعنا حيلة واستطعنا إفلاته من قبضة رجال الأمن، وطبعًا أكدنا عليه بالمبيت خارج المنزل على سبيل الاحتياط. وقد تُوِّج كل ذلك بالانتفاضة الشعبية الواسعة للشعب المصري من أسوان إلى الإسكندرية، والتي بدأها هتاف عمال مصر حلوان للغزل والنسيج، الذين خرجوًا احتجاجًا على رفع الأسعار، ومروا على المصانع في طريقهم فالتحموا بهم، أهمها مصانع الطائرات، ومعدات الغزل، وإسمنت حلوان، ثم اتجهوا إلى مجموعة المصانع في عين حلوان ووادي حوف وغيرها، ونزلوا إلى القاهرة، قبل توقف حركة المترو، وملأوا ميادينها، وتصادف مقابلتي في السيدة زينب مع بعض عمال شركة الحديد والصلب من بينهم المرحوم سيد عبد الراضي الذي رافقني طيلة اليوم، نجوب الشوارع حتى وصلنا إلى شارع خيرت في طريقنا إلى ميدان باب اللوق وسط التظاهرة، وأمام وزارة الداخلية فوجئنا بوابل من الرصاص ينطلق على المتظاهرين، وأصيب أحد الاشخاص بجوارنا، وسرعان ما أخرجناه خارج التظاهرة، وتولت مجموعة أخرى نقله على تريسيكل إلى مستشفى المنيرة القريب.
كنا أنا والزميل سيد بلا طعام طيلة النهار، وبالمصادفة قابلنا أحد عمال المخابز يحمل الأرغفة الساخنة لتوصيلها إلى أحد المحلات فاستأذناه في رغيف واحد اقتسمناه، دون غموس، واستكملنا المسيرة حتى إعلان حالة الطوارئ، ونزول الجيش إلى الميادين اعتبارًا من الساعة الرابعة عصرًا.. فافترقنا بعد أن اتفقنا على مواعيد نلتقي فيها في الأيام التالية حسب ما تسمح به الظروف. وتوجهت إلى حجرتي في السيدة زيت وأكلت ما قسم، ولجأت إلى بيت أحد الأصدقاء قريب من سكني، وبت ليلتي مع بقية الشباب، نتناقش وندرس الاحتمالات، وفي الصباح توجه أحد زملاء المصنع إلى مسكني بحجة السؤال عني وعلمت أن رجال الأمن حضروا في المساء للقبض عليَّ، وتركوا حرس على البيت بنظام "الورادي" النهارية والليلية، وهربت.
التضامن.. التضامن
قام أحد الزملاء في الشركة بعمل أورنيك عيادة لي وطلب انتقال طبيب الشركة إلى للكشف، لكنه اكتفى بكتابة روشتة علاج، وتقرير إجازة لمدة أسبوع، بتدخل من رئيسي المباشر لديه، حتى تستقر الأوضاع وأعود للعمل، لكن الأمن تدخل في اليوم الخامس وطلب من الإدارة إصدار قرار بفصلي، بسبب الانقطاع عن العمل (وهو إجراء باطل كما وصفته المحكمة، في الدعوى المرفوعة باسمي في مكتب الأستاذ أحمد نبيل الهلالي، وحكمت المحكمة بالتعويض الذي لا تملك غيره.
كان يومًا من أتعس أيام حياتي عندما حضر أحد الزملاء لمقابلتي حاملاً مبلغًا محترمًا من تبرعات الزملاء لإعاشتي، وشخص آخر من الشركة كان مطلوبًا معي، بعد أن أرسلوا لأهله قيمة مرتبه كاملاً. وأبلغني بصدور قرار إنهاء الخدمة من الشركة التي أحببتها، وأحببت كل عمالها، وأسست فيها عملاً نقابيًّا وسياسيًّا ظل موجودًا لسنوات طوال.
شكَّل عمال الشركة صندوقًا للتضامن مع العمال المطلوبين، أنا والشخص الآخر، وجرى جمع إسهامات الزملاء الشهرية طوال ستة شهور حتى صدر قرار الاتهام، دون شموله على اسمي، وأن تضمن اسم الشخص الآخر الهارب معي، وكان ذلك منهجًا متبعًا في الشركة بتكوين هذا الصندوق نصف السري نصف العلني، إذ كنا نجمع تبرعات بسيطة لتعويض الزملاء الذين يلحقهم الضرر بسبب مواقفهم النقابية أو السياسية المنحازة للعمال أو بسبب النشاط النقابي. وهكذا كانت انتفاضة الشعب المصري في يناير 1977 تتويجًا لحالة الغليان التي كانت تجتاح المجتمع المصري في هذا العام والأعوام السابقة عليه.
إضراب عمال السكة الحديد 1986[3]
تراكمت مطالب عمال وسائقي القطارات عبر سنوات عديدة سابقة على إضرابهم الشهير في يوليو 1968، وتطورت هذه المطالب عبر "رابطة عمال السكة الحديد" وتحولت المطالب إلى عرائض وطلبات أرسلت لجميع المسؤولين، ولا مجيب! لذلك وبعد عدم وفاء وزير النقل بوعده لهم بالاجتماع بهم في مقر الرابطة يوم 7 يوليو 1968، وبعد انتظاره لساعات، لجأ العمال إلى إضراب تباطئي لمدة ساعتين (خفضت فيه سرعة القطارات)، بعدها تحول الإضراب في السادسة مساءً إلى إضراب شامل على أغلب خطوط القاهرة وحلوان والمرج وشبين القناطر، وخط القاهرة - الإسكندرية، والقاهرة بنى سويف - السد العالي. عند ذلك تحركت قوات الأمن المركزي المحاصرة لمقر الرابطة في القاهرة في تظاهرة تخويف صاخبة، ووصل عدد سيارات الأمن إلى قرابة 100 سيارة لوري، واقتحم المبنى والقبض على العمال الموجودين داخله بما فيهم رئيس الرابطة، ورحلوا إلى العديد من أقسام الشرطة، وبعد فرز المقبوض عليهم وترحيل 46 منهم إلى نيابة أمن الدولة التي أصدرت قرارًا بحبسهم حبسًا مطلقًا اعتمادًا على قانون الطوارئ الساري وقتها، وأودعوا سجن مزرعة طرة بتهمة التحريض على الإضراب، وتعطيل وسائل المواصلات العامة. وقد أصدر زملاؤهم السائقون المقبوض عليهم بيانًا دافعوا فيه عن حق الإضراب كحق طبيعي للعمال، وأكدوا فيه على المطالبة بالإفراج الفوري عن زملائهم المعتقلين، وأنهم في حالة اجتماع دائم حتى يفرج عنهم، كما أدانوا قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية بحل وإلغاء رابطتهم الشرعية، التي أثبتت الأحداث أنها منظمتهم الشرعية الحقيقية عكس النقابة التي أدانت الإضراب وأثبتت تبعيتها للحكومة، حسب قولهم.
وإزاء صلابة موقف بقية العمال والسائقين اضطر الوزير إلى قبول أغلب المطالب، ووعد بسرعة البت في بقيتها، كما أجبر موقف العمال وزيرة الشؤون الاجتماعية على إنكارها بصدور قرار بحل الرابطة، وتكذيب الصحف، كما أجبر هذا الترابط العمالي النقابة العامة لسكك الحديدية على تغيير موقفها الذي أعلنته بإدانة الإضراب، واضطرت إلى المطالبة بالإفراج عن العمال المعتقلين والاستجابة لمطالبهم. ومن جانب آخر فقد تشكلت "لجنة للتضامن مع عمال السكة الحديد" وضمت العديد من المحامين، وأعضاء لجنة الحريات بنقابة المحامين، والمثقفين والكتاب، والنقابات العمالية والمهنية، والقيادات النقابية والعمالية، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقامت بدور رائع في الدعاية والإعلام بالقضية وعدالتها، وتشكَّل وفد منها لزيارة المحبوسين في محبسهم، وأقيم مؤتمر جماهيري حاشد بنقابة المحامين، تحدث فيه ممثلون عن كل أطراف اللجنة، وتم توزيع الكتيب المهم الذي أعدته كراسات صوت العامل بعنوان "كفاح عمال السكة الحديد في ثمانين عامًا"، وصدر في نهاية المؤتمر بيان للمطالبة بالإفراج عن العمال بلا قيد ولا شرط. وترافعت نخبة رائعة من المحامين عن العمال في جلسات المحاكمة، ودفعوا ببطلان تجريم حق الإضراب بعد توقيع مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما أخذت به عدالة المحكمة، برئاسة المستشار محمد أمين الرافعي، وأصدرت حكمها التاريخي ببراءة جميع العمال مما نسب إليهم يوم 16/4/1987.
إضراب عمال الحديد والصلب أغسطس 1989
{للاختصار أحيل إلى مقالين كتبهما الزميل صلاح الأنصاري في الحوار المتمدن عن تفاصيل الأحداث بالعددين: 2676، 2678 - d 13/ 6 / 2009، 15 / 6 / 2009. كما يمكن الرجوع لكتيب "ملحمة عمال الصلب" الذي شارك في تحريره المرحومين يوسف رشوان ومصطفى نايض مع صلاح الأنصاري وآخرون}.
"لم ينل إضراب من الإضرابات التي حدثت في هذه الفترة، وهي كثيرة، من الاهتمام وعناية الرأي العام والصحافة. مثلما نال إضراب عمال شركة الحديد والصلب بحلوان عام 1989". (جمال البنا - الحركة النقابية المصرية عبر مئة عام، ص 585). وهو بالفعل كذلك، وخصوصًا ما ترتب بعده من أحداث، وما نتج عنه من نتائج:
1- قاد وزير الداخلية زكي بدر عملية فض الاعتصام بنفسه، بمصاحبة جحافل الأمن المركزي بمصاحبة العربات المدرعة.
2- أدى الاقتحام إلى إصابة عشرات العمال، واستشهاد العامل عبد الحي سيد سلمان بعد رصاصة قاتلة في صدره، اخترقت الصدر وأدت إلى تهتك الرئة اليسرى وفق ما جاء بتقرير "الصفة التشريحية الابتدائي"، كما جاء في مقال الدكتور محمد حلمي مراد في صحيفة الشعب 8 أغسطس 1989.
3- شملت عمليات القبض، بعد وفي أثناء الفض، مئات العمال، الذين أهينوا بشكل لم يسبق له مثيل، وأودعوا عشوائيًّا سجون أقسام القاهرة المختلفة، حتى صعب على ذويهم معرفة أماكن احتجازهم، وذلك حتى اختير العشرات منهم وأودعوا سجن أبو زعبل.
4- الطامة الكبرى هي ما تلا ذلك في فجر 24 أغسطس بإلقاء القبض على المئات من القيادات العمالية، والمثقفين، والصحفيين، والمحامين، والمهندسين وغيرهم من كل محافظات مصر، واتهامهم بالاشتراك في تنظيم يساري وقف وراء الأحداث وحرض العمال على الإضراب والاعتصام!
ومن القيادات العمالية الذين شملتهم الحملة الزملاء: صابر بركات، ومحمود مرتضى، ومحمد زكي الحفناوي، وصبري زين العابدين، والعبد لله، ومحروس سرور، ومن السويس محمد شعلة، ومن المحلة خمسة من العمال، ومن الإسكندرية وهكذا. ومن الصحفيين الأساتذة: د. محمد سيد سعيد (انتقامًا من مقاله عن "الضابط البلطجي")، ومدحت الزاهد، ومصطفى السعيد. ومن المحامين الأستاذين: أمير سالم، وهشام مبارك. ومن المفكرين والكتاب الأساتذة: د. فخري لبيب، والناقد والمفكر إبراهيم فتحي، وعبد الخالق فاروق. ومن المهندسين: كمال خليل، ورياض رفعت، وأحمد الصياد، والصاوي، وغيرهم كثيرون لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم الآن. وجرى تعذيب المعتقلين "السياسيين" في مذبحة شهيرة يوم الاثنين الأسود، بعد حفلة الضرب وإتلاف الشنط والأدوات الشخصية والملابس عند الاستقبال. وسُمع صدى ما جرى في اليوم التالي مباشرة بعد زيارة وفد من نقابة الصحفيين، والعلم بالتعذيب البشع الذي وقع على كل من محمد سيد سعيد، وكمال خليل الذين تعرضت حياتهما لخطر حقيقي. وقامت صحف العالم ووسائل إعلامه المسموعة والمرئية بالتنديد بما حدث، وفضح الأساليب الوحشية التي تعرض لها المعتقلون، ووصلت الأنباء إلى المسؤولين فلم يكن أمامهم إزاء الضغط الدولي والمحلى (قامت صحيفة الوفد بالدور الأكبر لفضح ما جرى)، وعليه انكشفت المؤامرة واضطر النظام للإفراج تدريجيًّا وعلى مدى شهرين وبضعة أيام من إخلاء سبيل عمال الصلب، ثم المعتقلين السياسيين على دفعات، وكانت ترتيب كاتب السطور في آخر دفعة التي شملت إبراهيم فتحي، ومحروس سرور. لكن الإضراب حقق أهدافه وتحققت مطالب العمال، وبعد صدور قرارات نقل خارج الحديد والصلب من وزير الصناعة شملت الزملاء كمال عباس، ومصطفى نايض، ومحمد مصطفى، وعم هريدي، ومحمود بكير، وصدرت أحكام قضائية بإلغاء قرارات النقل وعودة المنقولين إلى الشركة مرة أخرى. إنها بالفعل ملحمة نضال وكفاح تلطخت بدماء الشهيد عبد الحي، وإصابات زملائه، وفشلت محاولات الانتقام من الصحفيين والمهندسين والمحامين والقادة العماليين، وبقية المعتقلين. وسطر عمال الصلب صفحة مجيدة في دفتر أحوال الوطن.
الهوامش
[1] - (للمزيد يمكن الرجوع لكتابنا: النقل الخفيف مصنع له تاريخ، مركز العدالة ومركز الأرض لحقوق الإنسان. 2004.
[2] - للمزيد عن هذه الأحداث يمكن العودة لكتاب الكاتب الصحفي حسين عبد الرازق، العدد الأخير من مجلة الطليعة، فبراير 1977.
[3] - (للمزيد، انظر العدد الثامن من مجلة صوت العامل غير الدورية، نوفمبر 1986.