دراسات
ستيفاني كونتز"تفسيرات" هَيمنة الذَكَور
2018.01.01
تصوير آخرون
ترجمة: مروة الناعم
"تفسيرات" هَيمنة الذَكَور
في إطار البَحث حول الأساس الاجتماعي- التاريخي لعَدم المساواة على أساس النوع الاجتماعي، نُشرَكتاب Women’s Work, Men’s Property: The Origins of Gender and Class (عمل النساء وملكية الرجال: أصول النوع والطبقة) عام 1986؛ ويتألَّف من خمس مقالات لمجموعة من المؤرخين النسويين وعلماء الأنثروبولوجيا الفرنسيين والأمريكيين، حَرّرها كلٌ من ستيفاني كونتز وبيتا هيندرسُن.فيما يلي مقدمة المحررتين، وتستعرض الجهود المبذولة سابقًا- على أصعدة التحليل الأنثروبولوجي والاجتماعي-البيولوجي والنفسي والتاريخي- بغرض استقصاء جذورهيمنة الذَكور، ثم ملخّص لنتائج الدراسة الخاصة بهما.
تعد الهيمنة الذكورية مِن بين أقدم الأشكال المعهودة لعَدم المساواة وأوسعها انتشارًا في تاريخ البشرية. ويرى البعض أن الفكرة ذاتها في وجود كتاب يطرح أصول عدم المساواه على أساس النوع الاجتماعي ضربًا من العبث، إذ تبدو لهم هيمنة الذكور علاقة عامة وشاملة، إن لم تكن لا مَناص منها، طالَ عهدنا بها منذ بدء الخليقة. بيد أن ثمة مجموعة متزايدة من الأدلة والنظريات تشير إلى أن الأمر على غير ما يبدو عليه، وقد بدأ عددٌ من الباحثين المتخصصين في تناول مسألة هيمنة الذكور باعتبارها ظاهرة تاريخية، نشأت وسط مجموعة محددة من الظروف، وليست ناجمة عن بعض العوامل العامة الجامعة في صميم الطبيعة والثقافة الإنسانيتين.وتقدّم المقالات الواردة في هذا المجلد وجهات نظر متباينة حول تطور تمييز الأدوار على أساس النوع وعدم المساواة الجنسانية (وهما أمران غير متطابقين بالمرّة)، لكنّها [المقالات] تشترك في الاعتقاد بأنَّ لهذه الظواهر أصولًا وجبَ التنقيب عنها في السيرورات والأحداث الاجتماعية-التاريخية. وقبل أن ننتقل إلى تلك النظريات، نودُ تقديم مراجعة نقديةلبعض التفسيرات البديلة لعَدم المساواة الجنسانية.
بات الافتراض بأنَّ عِلم الأحياء هو القدر المحرّك لكل شيء نقطة الانطلاق للعديد من نظريات عدم المساواة على أساس النوع الاجتماعي؛ إذ ذاعَ القولُ بأنَّ الأدوار التي يلعبها الرجال والنساء في المجتمع، وكذلك الامتيازات المختلفة التي ارتبطت بهذه الأدوار، تتحدّد وفقًالجِيناتنا وتلك بدورها نتاجٌ لعملية الانتقاء الطبيعي. ومن المَناحي الشائعة في هذا الإطار العام للاختزال البيولوجي هو شرح أنماط الأدوار المتعلقة بنوع الجنس البشري وعَدَم المساواة من خلال إحالتها إلى إرث الرئيسيات1. وتعد قردة البابون2 أكثر النماذج شيوعًا على هذا المَنحى. إذ يجري الأمر على النحو التالي: يفوق ذَكر البابون أنثاه في الحجم بمقدار الضِعف؛ فترتبط ثنائية الشكل الجِنسية (أي التمايز في الخصائص الجسدية الثانويةللجنسين من نفس النوع كاللون والحجم) بالاختلافات المنوطة بالوظيفة والوضع أو الحالة؛ فيعد حجم الذكر وقوته ودرجة عدوانيته من مقوّمات التكيّف للدفاع عن القطيع والمحافظة على النظام بداخله، كما يعمل التدرج التراتبي للهيمنة الذكورية على تكاثر وتزايد هذا العنف، وذلك بحصول الحيوان الأشد عُنفًا وهيمنة على النصيب الأكبر من الإناث والطعام. ومع وجود تفاوتات طفيفة في درجة تأكيد الأدلة وسُبل استخدامها، يذهب قطاعٌ عريض من المؤلفين إلى أنَّ الهيمنة والعدوان الذكوريين(وبطبيعة الحال يلازمهما سلبية وتبعية مِن جانب الإناث) هما بالتالي جزءٌ من موروثنا الجيني البدائي/الرئيسي.ويُقال إنَّ الغرائز العدوانية للذكور قد خدمت البشرية الأولى على نحو جيد كآكلي لحوم3.
ينطوي هذا المَنحى على عدة مشكلات. ففي المقام الأول، ثمَّة تنوُّعٌ بالغٌ في سلوك الرئيسيات يفوق ما سَلَّم به هؤلاء المؤلفين؛ إذ تتمتع بعض الأجناس على نحو كبير بثنائية في الشكل على عكس البعض الآخر. تختلف أنماط التزاوج ما بين التزاوج الأحادي إلى التعددية /الفوضويةالتناسلية (مِن قِبل الذكور والإناث على السواء) في حين تتنوّع سلوكيات الأبوة والأمومة والتنشئة الاجتماعية بشكل خاص بين مختلف الأنواع الحيوية، أو حتَّى داخل نفس النوع في ظل ظروف بيئية مختلفة4.فعلى سبيل المثال، تختلف قردة البابون الشَجَرية عن تلك التي تقطن السافانا التي يُولعُ بها المنظّرون المشار إليهم أعلاه حيث [لدى الأولى]: «يندر العنف بشكل عام ويصعب تمييز تراتبية هيمنة الذكور». فنادرًا ما تحدث معارك وسط القطيع كما يغلب عليها طابعٌ وديٌّ.وإذا ما أصيبَ القطيع بالذعر يلوذ الجميع بالهرب، وكثيرًا ما يهرع الذكور- على ضخامتهم وقوتهم - إلى الأشجار قبل الاناث بدلًا من تشكيل مجموعات للحماية5.وعلى العكس، تقوم الإناث البالغات بتحديد اتجاه وتوقيت حركة القطيع بدلًا من اتّباع الذكور في سلبية. وبالمثل، تعد قردة الشيمبانزي، تلك التي تشاركنا نحن البشر نحو 99 % من جيناتنا والتي قد نكون حِدنا عنها منذ خمسة ملايين عام على الأقل، من الحيوانات شديدة الاجتماعية التي تُظْهر درجةً منخفضةً للغاية مِن هيمنة الذكور والتراتبية والعنف6.
وإذ نجد العنف والهيمنة الذكورية في مجموعات الرئيسيات، فهناك بعض التساؤلات من شأنها أن توضح إلى أي حد يكون هذا العنف طَبيعيًا وإلى أي حد يكون نتيجةً للضغط والتوتر. تعيش الذكور المهيمنة لبابون السافانا في محميات طبيعية تتركز فيها أعداد الحيوانات المفترسة والبشر بقدرٍ يتجاوز المعتاد في ظروف موطنها الأصلي. وثمَّة أدلة كثيرة على أنَّ هذه الظروف الباعثة على التوتر، لا سيما الأَسْر، ترفعُ التراتبية والعنف بدرجةٍ واضحة. الباحثون البارزون الذين صوّروا شريطَ (المنظومة الاجتماعية لقردة البابون-1963)، استحدثوا ما أسموه سلوك الهيمنة «الكامِنة» وذلك عن طريق التغذية الاصطناعية، في حين أنَّ قردة البابون قاطنة الغابات، عندما وُضعت في أقفاص وغُذّيتْ على كتل مجمّعة مِن الطعام لا بدَّ مِن التنافس عليه، فقدأظهرتْ [تلك القردة] قَدرًا متزايدًا من العنف والقتال وسلوك الهيمنة7.فهل يُعدُّ مِثل هذا السلوك طبيعيًا أم مَرَضيًّا؟ يذهب العديد من العلماء الباحثين اليوم إلى أنَّ أنماط السلوك الطبيعي لأسلافنا من الرئيسيات قد انطوت على المشاركة والتعاون وليس العنف والمنافسة والهيمنة الذكورية8.
وأخيرًا، لا توجد أدلةٌ كثيرةعلى أنَّ السلوك العدواني أو المهيمن يمنح الذكور امتيازات الوصول للإناث، ما يسمح لهم بتمرير أو توريث جيناتهم التي يُفترض أن تكون أشدَّ عدوانية9. فلا تتسم الغوريلا والشيمبانزي عادةً بالعدوانية من الناحية الجِنسية، كما تميل الذكور إلى الانتظار في صبر إلى حين الحصول على أنثى شَبقة تقدِّم نفسها. وعادةً ما تقوم الإناث من فصيلة الشيمبانزي والسعلاء بالمبادرة الجنسية وقليلًا ما ترتبط اختياراتهن بمكانة الذكور.
بطبيعة الحال، شكَّلت القُدرة على تَبني السلوك العدواني والمهيمن بلا شك جزءًا هامًا في عملية استمرار وبقاء الرئيسيات، لكنَّ هذا لا يعني ضرورة امتلاكها ذلك السلوك حَتمًا بفِعل الجينات. وعلى وجه العموم، يُوضِّح البحث قدرة الرئيسيات على التعلُّم التكيفي. فلم تكن قردة الشيمبانزي قادرة فقط على تعلم الكلام (الإشارة) ولم تستطع ذكور القردة صغيرة الحجم فقط تعلم تربية الصغار في الأسر01، بل إنَّ التقنيات فائقة التطوُّر التي تُستَخدم لمراقبة الحياة البرية قد أظهرت قُدرة الرئيسيات على ابتكار سلوكيات تعاونية جديدة11. فإذا كان سلوك الرئيسيات بهذه المرونة، فمن البديهي أن نفترض وجود مرونة أكثر وضوحًا لدى البشر، التي تدفعهم فترة النمو الأطول (عدم اكتمال النضج البدني عند الولادة) إلى الاعتماد شِبه التام على التعلُّم.
ثمة مَنحى آخر في تفسير جذور عَدم المساواة على أساس النوع الاجتماعي، لا يقل اختزالية عمَّا سبق، في نظريات علم البيولوجيا الاجتماعية21.فبدءًا من الأنواع الحيوية (كالنمل والنحل وكائنات العَفَن الغروي) التي تعمل فقط بدافع الغريزة ولا تستطيع أفرادها اتخاذ قراراتٍ فردية أو حتى العيش بمفردها، ذهب علماء البيولوجيا الاجتماعية إلى الاعتقاد بأن هناك سلوكيات معينة تحددها الجينات ويتم تَبنيها لأهميتها في استمرار النوع. ومِن المُعتَقد أن الأفراد تحركهم جيناتهم من أجل تحقيق أقصى درجة ممكنة مِن «اللياقة الكُلية»؛ فهم يكافحون من أجل تحقيق أقصي عدد من الجينات يمكن تمريره إلى الأجيال التالية حتى لو كلَّفهم هذا انخفاضًا في لياقتهم الفردية. وهذا ما يفسر السلوك «الانتحاري» للنحل والنمل الذي يضمن البقاء لجماعتهم (الأمر الذي يضمن بدوره - بما أن الجماعة كلها مرتبطة ببعضها البعض- استمرار جينات أكثر عددًا مِمَّا قد يبقى إذا ما أنقذوا أنفسهم على حساب الجماعة). وبالتالي فإن للإيثار قاعدة وراثية، حيث يتم توجيه مثل هذا السلوك نحو أولئك الذين ترتبط بهم المنظومة أوثق ارتباط، مع استثمار أقل نسبيًا في الأقارب بعيدي الصلة والغرباء. وبتطبيق هذه النظريات على البشر، يذهب إدوارد أوزبورن ويلسون إلى أن النماذج العَرَضية لسلوكيات المساعدة والتعاون نحو الغرباء يمكن تفسيرها من خلال مفهوم إضافي يتكفَّل بباقي الحالات: ألا وهو «الإيثار المتبادل». وهذا يشير إلى أن الأفراد سوف يتصرّفون في بعض الأحيان على نحو إيجابي نحو آخرين، لا يمتون إليهم بصلة، ممن يتوقَّع منهم القيام برد فعلٍ مماثل أو أكثر سخاءً في وقتٍ لاحق. يتم تفسير مثل هذا السلوك على أنه مُبرمج جينيًّا، ويفترض ويلسون أيضًا أنه ربما كان هناك أساس جيني لعددٍ آخر من الطباع والسمات التي يُزعَم بأنها عامة وشاملة، بما في ذلك «المؤامرة الخبيثة» والعنف والشوفينية القومية والزواج الأحادي للإناث والفوضي/التعدديةالتناسلية للرجال، وحقيقة أن «البشر يسهل تلقينهم لدرجةٍ عبثية»نظرًا لأنهم «يفضلون الإيمان على المعرفة»31. ومن خلال هذه النظرية المركبة «لِلّياقة الكُلّية»، تُتَرجَم اللياقة الفردية (الدارونية) إلى نظرية حول سُبل بقاء واستمرار الثقافات وليس الأنواع الحيوية. إذ ينتقل السلوك الثقافي الناجح بين الأجيال والثقافات عَبرَ الجينات.
وكما هو مُتوقَّع، يفترض علماء البيولوجيا الاجتماعية وجود أساس بيولوجي وراثي لتقسيم العمل على أساس النوع وهيمنة الذكور والمعايير المزدوجة بين الذكور والإناث. فيتم النظر إلى عدم المساواة الجنسانية باعتبارها نتاج سلوك ذكوري مُبرمَج وراثيًا قد استمد من موروث الصيد عند الأنواع الحيوية ويتم اختياره وتَبنيه منذ ذلك الحين بفعل الحروب والنزعات الاستعمارية. وِفقًا لويلسون:
في مجتمعات الصيد وجمع الثمار، يقوم الرجال بالعمل بينما تمكث النساء في المنزل. ولا يزال هذا التحيز القوي قائمًا في معظم المجتمعات الزراعية والصناعية، وعلى هذا الأساس وحده، يبدو أن َّله أصلًا وراثيًا. وفي ظني أن التحيز الوراثي شديدٌ بما يكفي لأن يؤدي إلى تقسيم حقيقي للعمل حتى في أكثر المجتمعات حريةً ومساواة. ويستمر الرجال على الأرجح، حتى في ظل وجود تعليم متكافئ وفرص عمل متساوية، في لعب أدوار أوفر حظًا في الحياة السياسية والأعمال التجارية والعلوم41.
وعلى هذا فإنَّ الانتخاب الجِنسي المبني على التقسيم ماقبل التاريخي للعمل باعتبار النوع يميلُ إلي خلق ذكور مهيمنة متوجّهة نحو الخَارج والحياة العامّة، وإناثٍ سلبيات مُلازماتٍ للبيوت. تتعزّز تلك الفكرة من خلال الاستراتيجيات الوراثية المختلفة التي يتطلَّبها الذكور والإناث لتحقيق أقصي قدر من اللياقة الكُلّية. ونظرًا لما ينتجه الذكور من ملايين الحيوانات المنوية حرفيًا، فإن لدى أي ذكر فرصة أفضل لتنشئة العديد من الأفراد إذا ما قام بنشر حيواناته المنوية على نطاق واسع بدلًا من الإستثمار في حفنةٍ قليلة من الأطفال قد يلقوا حتفهم. وبالتالي هناك قاعدة وراثية للفوضي التناسلية للذكور. وعلى الجانب الآخر ليس بوسع الإناث سوى إنتاج عدد قليل نسبيًا من البويضات على مدار حياتهن. وبالتالي، يذهب علماء البيولوجيا الاجتماعية إلى أن رغبة الإناث في رابطة زواج أحادية هي سمة وراثية ذات طابع تكيفي. كما يؤكدون أن النساء أيضًا لديهن تحيّز وراثي نحو تركيز اهتمام همن الإنجابي على الرجال المتفوقين عليهن اجتماعيًا وماديًا أو تعليميًا، فضلًا عن تفضيلهنّ لذوي القدرة الجسدية الكافية لتوفير مايلزمهن وأطفالهن.وهكذا يُنظَر إلى أنماط هيمنة الذكور وتبعية الإناث، فضلا عن المعايير الجنسانية المزدوجة، باعتبارها نتيجة لعملية اختيار شريك مُحدّدة سلفًا مِن الناحية الجينية.
إن الافتراض الأساسي لعلم البيولوجيا الاجتماعية هو أن السلوكيات «المتشابهة» تتبدَّى في الحيوان والإنسان على حدٍ سواء (يتحدث ويلسون عن النمل وما لديه من حروب وعبيد)، ومن ثَمَّ فإنهما حتمًا يتشاركان أصولًاوراثية متماثلة (برامج وراثية). يعاني هذا الافتراض في المقام الأول مِن الخلط والالتباس بين القِياس (أي وجود سمات مُتماثلة نتيجة لوظائف متماثلة) وبين التماثل التام (جينات سلفية مشتركة).حتى إن اتفقنا على وجود أوجه تشابه سلوكية، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة وجود أساس جيني أو وراثي مشترك. وكما يقول ريتشارد لويس، المتخصص في علم الوراثة السكاني بجامعة هارفارد: «لا شك أنَّ قيام جميع المجتمعات الإنسانية بالطَهْو هو نتيجةٌ لجيناتهم الوراثية، لكن ليس لأنَّ لديهم جينات خاصة بالطَهي، بل لأنَّ لديهم جينات لحل المشكلات في عالمهم»51. علاوةً على ذلك، يعقدُ علماء البيولوجيا الاجتماعية مقارناتٍ قياسية شديدة الغموض بين السلوكيات الحيوانية والإنسانية المتميزة مُسبغين دوافعًا إنسانية على الحيوانات إذ يقال إنها تُبدي سلوكياتٍ مِن قبيل رُهاب الأجانب والإيثار والضغينة61. ونظرًا لما تنطوي عليه هذه السمات الخاصة بالحيوانات من روابط جينيةقابلة للإثبات، فقد ذهبَ الجدلُ إلى أن الأمر نفسه يصدقُ حتمًا على البشر. وفي هذا الاستدلال مغالطةٌ مَنطقية،نظرًا لأن «نتاج النموذج تُحدّده افتراضات مقدّر وجودها في النموذج سَلفًا»71. إنَّ احتمال وجود تفسير ثقافي للسلوكيات المتشابهة، كنقيض للتفسيرالجيني،أمرٌ «مُستَبعَد مَنهجيًا»81.
وعلاوةً على ذلك، وعلى غرار نظريات الحتمية البيولوجية الأخرى، يميلُ عِلمُ البيولوجيا الاجتماعية إلى تجاهل التباين القائم بين النظم والسلوكيات الحضارية. ووفقًا لما اظهره أحد النقاد91، فمن غير المُرجّح أن يسلك الناس فعليًا كَمَا هو متوقعٌ مِنهم. وأحد الأسباب هو أنه من المعروف أن النفعية، في المجتمعات القائمة على صلات الدم كقاعدة تنظيمية، هي مايملى التفاعلات بين الأفراد وليست روابط الدم الحقيقية. ففي صورة التبني، يتم استيعاب الأشخاص الغُرباء تمامًا داخل الجماعة، ومعاملتهم كما لو كانوا أخوة أو أخوات أو عمات أو أعمام وما إلى ذلك. وبالرغم من أنَّ التعاون أوالمساعدة المتبادلة هي بالتأكيد عاملًا في معظم العلاقات بين الأشخاص، إلا أنَّ العلاقة الوراثية ليستْ هي العامل الأساسي في مثل تلك الأنظمة القائمة على روابط الدم. فمِن بين سكان جزر تروبرياند على سبيل المثال، يتمتع ابن الأخت بحقوق لدي الرجل تفوق ما يتمتع به ابنه على الرغم مما يحمله الابن من جينات وراثية أكثر تخص الأب. وبين قبائل لاكِر جنوب شرق آسيا، يرتبط الطفل بأمه فقط بمُوجَب زواجها من والده، وتنقطع سبل التعاون والتفاعل بينهما بانفصال الأب والأم عند وقوع الطلاق. وفي بعض القبائل الأفريقية والأمريكية الأصلية قد تلعبُ المرأة دور الزوج في صورةٍ مؤنّثة، وتُعَامَل معاملة الأب للأطفال الذين تحمل بهم زوجتها من عُشّاق متنوّعين. فيذهب ولاء الطفل إلى الأب/الأم الاجتماعي/ة وليس البيولوجي/ة. وفي عديد من المجتمعات، يتسع محيط الولاء والمشاركة لما وراء حدود العائلة.
رَدًا على هذه الانتقادات، حاول علماء البيولوجيا الاجتماعية مؤخرًا شرح التغيرات والتباينات الثقافية من خلال نظرية مفادها أنَّ الجينات والثقافة «ينشآن ويتطوّران جنباً إلى جنب»02. لا يعني مضمون هذه النظرية فقط أنَّ الجينات والثقافة قد تفاعلا في البداية مع تَطوُّر المخ/الذكاء البشري (العقل)، أو حتى أنَّ السلوك الثقافي يقتصر على سماتنا البيولوجية (الجينات) ويتحدّد بناءً عليها، وكلاهما مفهومان لا يثيران الجدل؛ فما يرمي إلى توضيحه هو أنَّه حتى اختلافات الماضي والحاضر بين الثقافات والسلوكيات الإنسانية لها أصول جينية وراثية12. وهذا لا يعني أنَّ تقسيم السكان الأصليين للعمل يحدث وفقًا للنوع فحسب وإنما يمكن تفسير التنوعات الموجودة في تفاعلات الذكور والإناث عبر التاريخ باعتبارها نتاج للانتخاب الطبيعي.
وكما برهنَ نقادٌ متنوعون فإنَّ هذه النظرية مَعيبة إلى درجةٍ خطيرة22. فهي أولًا تستند إلى معرفة غير كافية للعلاقة الدقيقة بين تركيبتنا الوراثية (النمط الجيني) وصفاتنا البدنية (النمط الظاهري)، ومدى تأثير ذلك على السلوك32. فالجينات ليست وحدات التطور، كما أن العديد من الجينات، الكائنة في مختلف الكروموسومات والتي تعمل في مجموعات، تؤثر على الخصائص والصفات البدنية. فضلًا عن أنَّ آليات الوراثة أمر معقَّد مفهوم على نحوٍ واضح. وقد بدأ علماء البيولوجيا في الاعتراف بأنّها [آليات الوراثة] نتاج للتفاعل الجدلي بين البيولوجيا والبيئة42.
إنَّ النظرية البيولوجية-الاجتماعية لتطوُّر الجينات والثقافة على نحوٍ مُشترك تقومُ على مفهومٍ غير وافٍ للثقافة يرى أنها مؤلّفة من سلسلة من الخصائص الأحادية (خصائص جينية-ثقافية) تتطور كلٌ منها مستقلةً عن الأخريات «خلال السُكَّان بفعل قُوّة التكيّف للانتخاب الطبيعي»52. وفقًا لهذا الرأي، فإن السمات الثقافية، كبعض الطقوس المعينة او المفهوم الذي يعتبر المرأة كائن دنس، هي نتاج للانتخاب الطبيعي الذي يعمل وسط فئات معينة من السكان لتسهيل عملية بقاء الجماعة. ومثل هذه النظرة التَفتيتية تفشل في تناول الثقافة باعتبارها نظام لسمات متشابكة62. وعلاوة على ذلك، فهي مرة أخري حُجّة تنطوي على مغالطة منطقية: فإذا استطاعت النظم والمؤسسات البقاء فهي إذن تكيفية؛ وإذا كانت تكيفية فسيتم اختيارها لهذا السبب؛ وبالتالي فان النظم القادرة على البقاء هي إلى حد ما نظم مستمدة من الوراثة. إنّه تفسير ينتقص من قدرة العقل البشري على الابتكار ويتجاهل حقيقة أن عجز البرمجة الوراثية ربما يكون أهم طرق التكيف التي توصَّل اليها البشر. فعلى سبيل المثال، هناك أدلة من البحوث البيئية الحديثة على انخفاض معدلات التغير في وجود صفات أو خصائص محددة وراثيًا بين عدد من السكان، وأن الأمر يستغرق وقتًا أطول لتعيين صفة واحدة للجماعة مما قد يكون عليه في حالة الانتقاء الفردي. فاذا كان التكيف على الظروف الجديدة يعتمد على التغيرات الجينية في السكان لانقرضت البشرية على الأرجح منذ زمن بعيد. وبالتالي فان السلوك الحضاري الأكثر اكتسابًا ليس جينيًاعلى الأرجح حتى وإن كان تكيفيًا72.
وباختصار، فعلى الرغم من اختلاف البعض حول تحكم العوامل الوراثية في طبيعة السلوك الإنساني (فلا يستطيع الإنسان على سبيل المثال الطيران مِن دون طائرة)، تعجز نظرية البيولوجيا الاجتماعية عن تقديم تفسير مُرْضٍ لإمكانية إحالة التشابهات أو الاختلافات في السلوك الثقافي إلى العوامل الوراثية. فتقتصر الدلائل على الإشارة إلى أن العقل البالغ يوفّر إمكانية القدرة على حل المشكلات (مثل اختراع الطائرة)، وليس إمكانية تحديد سلوك بعينه (مثل التعددية التناسلية لدى الذكور)، مهما ساد ذلك السلوك وانتشرت تجلياته عبر الزمان والمكان82.
مِن الصحيح، بطبيعة الحال، أنَّ هناك بعض الاختلافات الجسدية المرئية التي يمكن قراءتها بسهولة بين الرجال والنساء والتي يبدو أنها ترجع إلى أصول جينية بدرجةٍ كبيرة، وقد يذهب البعض إلى أن تلك الاختلافات من شأنها أن تخول تحديد الأدوار والأوضاع إلى النوع. يفوق طول الذكر المتوسط الأنثى المتوسطة عند أغلب السكان (وليس جميعهم)، سواء عند الولادة أو بعد سن البلوغ، وعلى الرغم من أن متوسط الفارق بين النوعين لا يتعدى بضع البوصات، يصل معدل التفاوت داخل كل جنس إلى أكثر من قدمين. ويتمتع الذكور بوزن أثقل كما يتفوقون كما يبدو في القوة البدنية، ومرة أخرى على الرغم من تجاوز الفروقات بين أفراد الجنس الواحد حجم الفروقات بين النوعين إلى حدٍ بعيد، فإنَّ تباين الشكل الجنسي البدنيبين النوعين، وفقًا لما يشير إليه ليبويتز هُنا وفي أماكن أخرى92، لا يمكنه تفسير تباين الأدوار المتعلقة بالنوعين، أو حتى تفسير هيمنة الذكور. وعلى الرغم من ميل الذكور في العديد من المجتمعات البدائية إلى القتال، تؤدي النساء أعمالًا شاقة كالتي يؤديها الرجال،إن لم تكن أشقّ03. وإلى جانب هذا، يشهد التاريخ الغربيأنَّ أقوى العمال وأفضل المحاربين كثيرًا ما يخدمون الأفراد المهيمنين في المجتمع، الذين قد يكونون شديدي الضعف جسمانيًا. فمن بين قبائل القرن السابع عشر مثل الايروكواس13، كانت أهمية التفوق البدني لدى الذكور تضاهي تمامًا مكانة النساء الرفيعة، وبالفعل ليست هناك أدلّة كافية على استخدام الرجال سواء لقوتهم البدنية أو للأسلحة كوسيلة للسيطرة على النساء في مجتمعات الجمع والالتقاط23.
بيد أن بعض الكتاب يجادلون بأنَّ الذكور أكثر عدوانية من الإناثبحُكم الفطرة.وبالرغم من نبذ الدراسات الحديثة لفكرة وجود تباينات جنسية بارزة فيما يتعلق بالفكر والقدرة التحليلية والمهارات الاجتماعية أو الدوافع الشخصية، يبدو أنَّ ثمَّة تباينًا قويًا على مستوى العنف البدني الذي يظهر على الأقل في وقتٍ مُبكر من سنوات رياض الأطفال. ويشير بعض المراقبون إلى أنَّ هذا الأمريحملُ أصلًا بيولوجيًا بدرجةٍ ما33.
ترتكز محاولات تفسير وجود ميل بيولوجي للعنف (في مقابل القدرة البيولوجية الموجودة بوضوح) على دراسات الهرمونات. فقد تمَّ ربط وجود معدلات مرتفعة لهرمون التستوستيرون الذكري بارتفاع مستوى العنف، إذ أسفر حَقن هرمون التستوستيرون للفئران عن زيادة في السلوك القتالي. بيد أن التفسير الهرموني لعدم المساواة بين النوعين لا يبدو مقبولًا إذ لا أنَّ حتى عنف الحيوانات لا يضمن بالضرورة هَيمنة الذكر على الأنثى43، وفي العديد من المجتمعات تعد الأفراد العنيفة منبوذة اجتماعيًا كما يواجهون عقوبات شديدة53. إضافةً إلى ذلك، تُظهر الدراسات العابرة للثقافات بعض الاختلافات الهامة في معدلات العنف لدى الذكور. فقد وجدت مارجريت ميد أنَّ النساء في قبيلة تشامبولي كُنَّ أشد عنفًا من الرجال، بينما اتسمت النساء والرجال في قبيلة المانديجامور بالشراسة على نحو متساو، في حين لم يتمتع أي من الرجال أو النساء بالعنف فيما بين قبائل الأرابيش63.والتفسير الوحيد لمثل هذا التباين هو أن التنشئة الاجتماعية أهمّ من الهرمونات في تحديد السلوك الملائم فيما بين الرجال والنساء.
علاوةً على ذلك، فإنَّ تفسير سلوكٍ اجتماعي كالعنف من خلال العامل البيولوجي وحده يعكس ضعفًا جوهريًا في معظم الحتميات البيولوجية. وتنطوي منهجية هذه النظريات الاختزالية عمومًا على طرح اختلالٍ ماللوظائف الطبيعية للكائن الحي ثم توضيح الآلية الطبيعية لعمله من خلال استجابته لهذا الاضطراب». وتخلط النتائج بين طبيعة الاضطراب نفسه وبين سَبَب أداء النظام لدوره بصورة عادية»73. فإذا كان حقن أحد الهرمونات يزيد من السلوك العدواني، فلا يعني ذلك أن المعدلات الاعتيادية لهذا الهرمون نفسه في الحيوان هي سبب سلوكياته العُدوانية الأخرى. وعلى هذا، فإنَّ حقن هرمون الأستروجين الأنثوي هو أيضًا يزيد من السلوك القتالي في الفئران،في حين أنَّ حقن التستوستيرون أمام منطقة التصالبة البصرية مِن مُخ الفئران الذكور83يُحفِّز سلوك بناء العش المختص بالأمومة.
أمَّا الدراسات على البَشَر فهي لا تُظهر ارتباطاتٍ متماسكة أو ثابتة بين معدلات الهرمونات ومستويات العنف93. وحتى في الحالات التي توجد فيها علاقات، لا تتضح حقيقة ما إذا كان الهرمون أو العنف قد سبق أحدهما الآخر. فعندما يتم وضع القِرَدة منخفضة الهيمنة مع القِردة التي يمكن بسهولة ممارسة أداء عدواني تجاهها، ترتفع معدلات هرمون التستوستيرون لديهم؛ وعندما يتم إعادتهم لمجموعة مُستقرة حيث يتعين عليهم الإذعان لها، تنخفض مستويات الهرمون لديهم بدرجة هائلة04.
حتَّى مع التسليم بأنَّ مستويات الهرمون أو التغيرات الكيميائية الأخرى فيالجسم تؤثر على المزاج، فان تفسير هذا المزاج أو السلوك الذي «يحفّزه» يعتمد على البيئة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تمكن الباحثون في مركز يركس للرئيسيات من تحديد «مركز للعدوان» في أدمغة الشيمبانزي. فعندما يتم تحفيز هذه المراكز كهربائيًا في مختبر الحيوانات، يسفر ذلك عن ارتفاع سلوكيات القتال. ومع ذلك، فعندما يتم تطبيق ذلك على القرود التي يتم إطلاقها في البرية، يُسفر الأمر عن زيادة في سلوك الاعتناء بالجسد وتنظيفه14. على الغرار ذاته، فإنَّ الأشخاص الذين حُقنوا بالأدرينالين (وهي مادة تحفيز «الكَر والفَر» الكيميائية)،عِند وضعهم في أوساط سلمية،يُظهرون سلوكًا اجتماعيّ النزعة24. وكما استنتج أحد رواد أبحاث الهرمونات: «كثيرًا ما تكون الهرمونات ضرورية ولكنها ليست سببًا كافيًا لظهور السلوك على الإطلاق»34.
كل السلوك البشري، بطبيعة الحال، لديه قاعدة بيولوجية، وإلَّا لما كان وُجد. بيد أن الهيمنة الموجودة لدى البشر ذوي القشرة الدماغية تعني أن ما نفعله اعتمادًا على قدراتنا البيولوجية غالبًا ما يكون مسألة تعلُّم. وينبغي النظر للاختلاف في درجة العدوان بين الفتيان والفتيات في ضوء التنشئة الاجتماعية المختلفة التي يتلقونها. وبشكل ملحوظ، وجد سيرز، وماكوبي وليفين44 ان أكبر تمييز أبوي بين الفتيان والفتيات في مرحلة رياض الأطفال يتم من خلال مساحة العنف المسموح بها. أظهر العديد من الدراسات أنَّ توقعات الأدوار وفقًا للنوع تُحدّد تقييم الأشخاص المبدئي لقدرات الأطفال وسلوكياتهم (حتى عند العام الأول لعمر الطفل) مما يخلق اختلافات لا يمكن في الواقع قياس أي منها بأي معايير موضوعية54، ويُنشئ مِن غير شك عددًا من التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها. ويمكن ملاحظة التأثير الحيوي للتوقعات في دراسة الأشخاص الذين وُلدوا مُخَنّثين [أي جَامعين في أجسادهم بين أعضاء الأنوثة والذكورة]: ففي خمسة وتسعين بالمائة من الحالات، لم تعتمد الهوية الجنسية للأشخاص، أو ما يتسق معها من سلوك اجتماعي، على التكوين الجيني الفعلي، بل على اختيارات الآباء في تنشئةالطفل المخنّث باعتباره ذكرًا أو أنثى. وكان هذا صحيحًا «حتى بالنسبة لأولئك الذين تَعارضَنوعهم بحسب تنشئتهم معنوعهم بحسب تكوينهم البيولوجي الذي تُحَدّده الكروموسومات والهرمونات والغدد التناسلية وشكل الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية»64.
ونخلص إلى أنَّ الأدلة تفتقر إلى وجود اختلافات عقلية أو مِزاجية واضحة بين النوعين. وحتَّى في الحالات التي يمكن تعيين فيها تلك الاختلافات، فلا يوجد ما يبرر بأي حال، كما تفعل معظم هذه النظريات، أن تكون الفوارق الجنسية بين النوعين تفسيرًا لعَدم المساواة بينهما. وهذه قفزة مفهومية قام بها عدد من المؤلفين الآخرين، ممَّن انطلقوا مِن حقيقة أن معظم المجتمعات تقوم بتمييز وتحديد الوظائف الاجتماعية والرمزية المختلفة للنوعين. ويجادل هؤلاء المؤلفون بأنَّ أصول عدم المساواة لا تكمن في القدرات أو الأمزجة المختلفة بحكم الطبيعة، بل تكمن في المحاولات الثقافية لشرح أو التحكم في دور المرأة المركزي في التكاثر. فإن تكوين المرأة البيولوجي لا يجعلها أضعف أو أقل ذكاءً أو أشد ميلًا للخضوع من الرجل، ولكنه يجعل منها مورّد الأعضاء الجدد للمجتمع. ووفقًا لهذه المدرسة الفكرية، تميل الثقافات إلى تفسير أو تنظيم الأمومة بطرق تشدّد على الاختلافات بين النوعين وتؤدي إلى التفاوت الجنساني. وهناك عدد لا بأس به من الاختلافات في هذا السياق تقدم تفسيرًا ثقافيًا أو رمزيًا لعدم المساواة على أساس النوع الاجتماعي.
مِن بين هذه الاختلافات التفسير التحليلي- النفسي الذي يفترض وجود خوف عام لدى الذكور من القوى الإنجابية للإناث. وبدءًا من حقيقة أنَّ أعدادًا كبيرة من المجتمعات البدائية تعتقد أنَّ النساء الحائضات يُشكلنَّ خطرًا على الرجال والحيوانات، فإن مؤيدي هذا الرأي يجادلون بأن الرجال يتملّكهم الخوف ومِن ثمّ يحاولون السيطرة على الطبيعة الجنسية الأنثوية والتناسل74. إحدى المشكلات التي تواجهها هذه النظرية أنَّ مثل هذه المعتقدات غالبًا ما يتم تفسيرها على نحو مُنحاز للذكور ويتسم بالمركزية العِرقية، ما يترك انطباعًا بأن النساء يتسمن بالدنس أو الشر بدلًا من الاعتراف بأن بعض الأشياء المحددة، مثل الدم، تُعدّ خطرًا سواء كانمصدرها النساء أو الرجال84. المشكلة الأخرى أنَّ بعض مجتمعات الجمع والالتقاط الأكثر بساطة تفتقر تمامًا إلى مثل هذه المعتقدات، بينما يحاول الذكور في مجتمعات أخرى تقليد الممارسات التناسلية للإناث بدلًا من تجنبها. وقد ذهبت اليزابيث ثيلمان94 إلى أن الاعتقادات في التلوث الأنثوي تجيز العَزل الجنسي المتطرّف، في حين أنَّ الطقوس الذكورية التي تحاكي عملية الانجاب للإناث، مثل طقوس الكوفيد05، تعزّز درجة عالية من المرونة فيما يتعلق بالأدوار. ما يشير إلى أنَّ المخاوف المتعلقة بالجنسانية الأنثوية والإنجاب ليست سببًا للتوترات الاجتماعية في علاقات الرجال والنساء بقدر ما هي عرض من أعراض تلك التوترات15. وثمّة تقرير توصّل لاكتشافٍ بالغ الدلالة قدمه رايموند كيلي يلاحظ فيه أنَّ المعتقدات الخاصة بالتلوث تكثر في مناطق مثل غِينيا الجديدة حيث تعتمد قوة الذكور واعتدادهم بأنفسهم على عَمل الإناث.
وهناك وجهة نظر تحليلية-نفسية أكثر ثراءً تَبنتها نانسي شودورو25، تشير إلى أنَّ دور المرأة الرئيسي في الحمل والحضانة وتنشئة الأطفال اجتماعيًا يؤدي إلى ديناميكية نفسية مختلفة لكل جنس. فتكتشف الفتيات هويتهن الجنسية عن طريق محاكاة أنثى بعينها تقودهن، كما تقول نانسي شودورو، إلى الارتباط بالآخرين بطريقة محددة وشخصية. فيصبحن أكثر ذاتية وأكثر توجهًا نحو الحاضر من الفِتيان الذين يتحتم عليهم تعلّم كيفية التماهي معجنس غالبًا ما يكون غائبًا وغير متاحٍ لمَن حوله، والذي يصعب عليه التماهي مع بني نوعه إلا من خلال تعلّم الدور المُجرَّد للذَكر. وفي محاولة لاكتساب تلك الهوية الذكورية، يميل الفتى إلى تعريف نفسه بأنه ليس امرأة، قامعًا صفاته الأنثوية الخاصة به ومُشوهًا صُورة الأنوثة على العموم.
بالرغم من تحليل شودورو لاستنساخ وإعادة إنتاج الأدوار القائمة على النوع في مجتمعات الهيمنة الذكورية من الناحية الإدراكية، فإنَّ عملها لا يعالج أصول هيمنة الذكور، ذلك لافتراضها الكثير مما يحتاج الشرح والتوضيح: فعلى سبيل المثال، تقييد وحبس المرأة في إطار خاص أسري بمنأى عن المجال العام لنشاط وسلطة الذكور. فحتى في الحالات التي تكون فيها النساء مسؤولة بشكل أساسي عن رعاية الطفل بينما يقوم الرجال بأعمال بعيدة عن المحيط الأسري، لا يحدث، إلَّا في المجتمعات المنحازة جنسيًا بالفعل، أن ينتقل الفتى من تعريف نفسه باعتباره ليس امرأة إلى تشويه صورة الأنوثةعلى العموم؛ حتى أنه من غير المنطقي أن يستطيع مثل ذلك التشويه للطفولة (والذي كثيرًا ما توجّهه الإناث أيضًا نحو الذكور) في حد ذاته أن يُنتِج أو يَنتج عنه تَبعية مُؤسساتية عِند النساء البالغات.
ثمة نظرية أخرى تقوم على الأدوار التناسلية تركِّز على الرمزية بدلًا من الآليات النَفسية. تحاول شيري اورتنر35أن توضح كيف تستطيع الهوية الجنسية أن تؤدي إلى تشوّه صورة النساء البالغات عند كلا النوعين عن طريق الزعم بأن بيولوجية المرأة ودورها الأسري يجعلانها تبدو أقرب إلى الطبيعة. تستطرد شيري اورتنر مجادلةً بأنه يُنظَر إلى الطبيعة باعتبارها أدنى من الثقافة، وهكذا يُنظَر إلى النساء باعتبارهنَّ أدني منزلة على المستوى الاجتماعي وباعتبارهنَّ تابع خاضع للقيود التي تفرضها الثقافة على كلٍ من الطبيعة ووِحدة الأُسرة. ويستند مؤلفون آخرون على ما طرحتاه اورتنر وشودورو مشيرين إلى أن هناك «تعارض هيكلي عام وشامل بين المحيط العام والمحيط الأسري»45 يضع المصالح الخاصة المشتتة للنساء جنبًا إلى جنب الأنشطة العامة التكاملية الأعلى للرجال. فالرجال يهتمون بالشؤون الجماعية كالسياسة والحكم والعلاقات الخارجية بينما تميل النساء فَرادى إلى المنزل والأطفال. وتؤكد اورتنر وايتهيد أنَّ «مجال النشاط الاجتماعي المرتبط بالدرجة الأولي بالذكور يُحيطُ بالمجال المرتبط بالدرجة الأولي بالإناث، ولهذا السبب يكتسب قيمة أعلى ثقافيًا»55.
بالرغم مِن ذلك، فان مثل تلك الصيغ المذكورة أعلاه تميل إلى فرض ثنائية غربية، وتراتبية لا تُنصف تعقيدات أنظمة السلوكيات والمعتقدات الثقافية الأخرى. في المقام الأول، يُعدُّ ارتباط النساء بالطبيعة والرجال بالثقافة هو أبعد ما يكون عن وصفه بالحقيقة العامة عالميًا. إذ كان لدى العديد من المجتمعات القديمة آلهة ثنائية الجنس عكست تكاملًا واندماجًا لمبادئ الذكور والإناث على حد سواء مع القوى الطبيعية والثقافية65. فتعتبر الأرض لدى كلٍ مِن قبيلة الماندان والسومريين القدماء رمزًا أنثويًا بينما يرى الإيروكواز وقدماء المصريون السماء -التي هي بالتأكيد رمزًا ساميًا- باعتبارها أنثى. وبين شعوب الشيربرو، يُنظَر إلى الأطفال باعتبارهم قريبين من الطبيعة بينما يرتبط البالغون من الرجال والنساء على حد سواء بالثقافة75. ويعزو سكان استراليا الأصليين تلك الصفات كالإيجابية والشراسة والعذوبة إلى أفراد العائلة وفقًا لأواصر القرابة بدلًا من عزوها إلى نوع الجنس. وبالمصادفة، جرى الاعتقاد بأن الحيوان المنوي ينتمي إلى فرعٍ من القَرابة يتسم بالسكون ويرتبط بالقمر والمياه الهادئة والطقس المعتدل85.
مِن ناحيةٍ أخرى، لا تعمد جميع المجتمعات إلى الانتقاص من قيمة الطبيعة.فالطبيعة والشأن الأسري عند الهاجانر «تجمعهما علاقة تناقضية بدلًا من كونها علاقة تراتبية إجرائية. فتطور الوعي الاجتماعي عند الأشخاص لا يُقدّم باعتباره ثقافة تتجاوز الطبيعة»95.إذ يرتبط النهج المناوئ للطبيعة بصعود مجتمع الدولة، كالفكرة القائلة بأن النساء والطبيعة على حد سواء قُوى لا بدَّ أن تروّض06. وتعد تلك الفكرة الأخيرة نتيجة لهيمنة الذكور وليست سببًا لها.
مِن الصحيح أنَّ الرجال يميلون إلى الارتباط بالمجال السياسي في معظم المجتمعات التي يتوفر فيها هذا المجال، غير أنَّ الساحة السياسية ليست هي الساحة العامة الوحيدة في مجتمعات اللادولة، إذ يتم اتخاذ القرارات الحيوية الجماعية من خلال التجمعات الأسرية16. وفكرة أنَّ السياسة هي مجال اجتماعي أسمى هي فكرة مستمدة من مجتمعات الدولة حيث عالم السياسة بوسعه أن يقهر عالم الأسرة. لكنَّ هناك جانبًا ثابتًا بدرجةٍ ملحوظة فيما يخصّ المجتمعات البسيطة وهو أنَّ القيادة السياسية لا تمنح السلطة ولا الهيبة، بل كثيرًا ما تتجاهلها الجماعات الأسرية26. وقد يكون من المعقول للغاية وصف الشؤون السياسية باعتبارها هامشية في مثل تلك المجتمعات بدلًا من وصفها كأمور ذات أهمية قصوى.
وفي الحالات التي تُمارِس فيها الأنشطة السياسية للذكور تأثيرًا هامًا على التفاعلات الاجتماعية الأوسع نطاقًا، لا يزال من غير المحتّم ارتباط الذكور حصريًا «بالمشاغل التكاملية ذات الطبيعة العامة36» التي تمنحهم هيبة و/أو سلطة. يشير دينيز بولم إلى أن:
الرجال في العديد من المجتمعات الأفريقيةيبدو أنهم لا يتصوّرون بالمرة علاقات أخرى غير تلك التي تتعلق بروابط الدم المرتبطة بالإقامة المشتركة.. في حين أن مجرد الانتماء إلى الجنس ذاته بين النساء يكفي لتأسيس علاقة تضامن فعالة. فالاستغاثة التي توجهها امرأة لنساء أخريات سوف تتجاوز حدود القرية الواحدة، وسوف تظل حركة التمرد بين النساء دائمًا مسألة خطيرة حتى وإن كان سببها المباشر لها ذا أهمية ثانوية46.
كان الرجال في القرن التاسع عشر لأمريكا هم من يتم تصنيفهم وقولبتهم كمتمردين (أو لاجئين) ضد النظام الاجتماعي الذي كثيرًا ما مَثلت النساء استمراريته. وقد يرتبط الرجال أيضا بأعمال الحرب المدمرة والمنافسة الشخصية. وفيما بين الأوروكواز، كان الرجال هم الأكثر ميلًا للانخراط في السلوكيات الفردية التي تتطلب رقابة اجتماعية، «بينما توافقت الأنشطة الأنثوية مع المبادئ التعاونية والسلمية التي اعتمد عليها تأسيس رابطة الإيروكواز».
ما لا شك فيه أنَّ هناك أدلة إثنوغرافية56 كثيرة على أنَّ المرأة يُنظر إليها في العديد من المجتمعات باعتبارها قوّة مُوزعة ومشتتة، وتنتمي للمجال الخاص. برغم ذلك فمن المحتمل، مرة أخرى، ألَّا يكون هذا سببًا بل نتيجة للعمليات التي يتم فيها الاستيلاء على كدح المرأة وقدرتها الإنجابية، لخدمة زعامة الذكور للمنزل ومن أجل أغراض كثيرًا ما يطلق عليها «اجتماعيًة»لكنَّ الأنسب تصنيفها داخل منظومة العشيرة أو الأسرة الأبوية. وبالتالي فإنَّ نظرة الهاجنر للمرأة باعتبارها منعزلة ومنتمية للمجال الخاص، بل وغير اجتماعية في حين أنَّ الرجال اجتماعيون، تتوافق مع حقيقة أنَّ النساء يغيرن إقامتهن عند الزواج ولا يمكن الاعتماد عليهن دائمًا في وضع مَصَالح عشيرة أزواجهنّ فوق مصالح عشائرهن السابقة على الزواج66.
غالبًا ما تُقدِّم محاولات شرح وضع المرأة المتدني عن طريق العمليات النفسية، أو الرمزية المرتبطة بتناسل الإناث، تحليلًا ثاقبًا حول كيفية استمرار وتخليد هيمنة الذكور، وتطرح تساؤلات حول أسباب تعقُّد العلاقات بين الذكور والإناث وصِبغتها بطابع التوتر. فهي تساعدنا على فهم ديناميكيات عدم المساواة بين النوعين بطريقة لا تقترب مقالات هذا المجلد حتى من السعي إليها.غير أنها لا تستطيع في نهاية المطاف تفسير أصول عدم المساواة على أساس النوع، حيث تفترض وجود روابط نفسية عامة لا تصمد أمام الفحص المدقق.وثمَّة نظرية تبدو أكثر تاريخية ومادية قدمها كلٌ مِن ويليام ديفال ومارفن هاريس، إذ يعتقدان أنَّ الضغط السكاني على الموارد، خاصة عقب الثورة الزراعية (الانتقال من مرحلة جمع الطعام إلى مرحلة الإنتاج؛ كالبستنة والرعي على سبيل المثال) أدَّى عبرَ سلسلةٍ مُعقّدة مِن الأسباب والنتائج إلى تَبعية النساء.
يؤكّد كُلٌ من ديفال وهاريس على «وجود انتشار لعقدة مؤسسية وأيديولوجية متعلقة بسيادة أو تفوّق الرجال داخل النظم الاجتماعية الثقافية للعُصبة والقرية»76. وتشمل هذه العقدة أصلًا وموروثًا أبويًا، كما تشمل أبوية السكن (أي الاقامة بعد الزواج في نطاق إقامة أسرة الزوج)، والزواج عن طريق الاستيلاء على الزوجات، وتعدّد الزوجات، وشراء الزوجات (في المجتمعات القبلية)، والقيود الجنسية المفروضة على النساء بعد الزواج، وحقوق ملكية النساء، والمجتمعات السرية للذكور، ودرجات سن الذكور، وبيوت الرجال (مباني في بعض المجتمعات القبلية مخصصة للاستعمال الحصري للذكور وتعمل كمساكن للعزاب، ومراكز ترفيهية، وبيوت طائفية، أو كمركز لبعض الأنشطة الاشتراكية الأخرى للذكور)، وتفضيل الأطفال الذكور. ويطرحان تساؤلاتٍ حول جذور هذه الظاهرة، ويشيران إلى أن الأصول التي ترجع إليها عقدة سيادة الذكور تكمن في حالة الحرب التي ترفع من قيمة الصفات الذكورية وتسمح باستخدام النساء كمكافآت مقابل بسالة وبطش الذكور. وقد انبثقت الحرب بدورها بفعل الضغط السكاني لا سيما عقب الثورة الزراعية التي أدّت إلى نمط حياة أكثر استقرارًا وكسلًاونظمٍ غذائية نشوية مما تسبب في زيادة الخصوبة. وكانت أكثر الطرق فعالية للحد من التضخم السكاني، في غياب طرق تحديد النسل، هي تقليص عدد الأمهات المحتملات عن طريق وأد الإناث من الأطفال. ومع ذلك، ومن أجل تبرير قتل الأطفال الإناث، كان وجود عقدة سيادة الذكور المذكورة أعلاه أمرًا ضروريًا. فاتخذتْ الحرب هنا، والموجودة «دائمًا» في المجتمعات الإنسانية، أهميةً متزايدة من أجل «الحفاظ» على عقدة تفوق وسيادة الذكور. فأدَّت الحرب إلى ارتفاع نسبة الذكورة وسمحت باستخدام النساء، اللاتي تقلصت أعدادهنّ بالفعل جراء الوأد، كمكافآتٍ نظير أعمال الرجال البطولية في الحرب. الأمر الذي تطلَّب تربية الإناث على مفاهيم الخضوع. وإجمالًا، يذهب ديفال وهاريس إلى أنَّ خضوع أو تبعية (الحط من قدر) النساء كان ضروريًا لتبرير وأد الإناث (الممارسة التي كانت مطلوبة للحد من تضخم السكان)، وأنَّ الحرب كانت تعمل على الحفاظ على هذا النظام من خلال تعزيز قيم «الفحولة» والحفاظ على توازن معدّل الجنس بين البالغين إلى حدٍ ما عن طريق وفيات الذكور أثناء الحرب.
مِن نواحٍ أكثر أهمية، تبدو لنا الحجة المطروحة هنا فاسدة ومتناقصة.ففي هذا التحليل، تقوم الحرب لفرض تبعية وخضوع الإناث؛ غير أنّها تفترض أيضًا وعلى نحو مسبق تبعية وخضوع الإناث، حتَّى يمكن استخدامهنّ كمكافآتٍ للمحاربين الذكور. الحرب هي نتيجة لوأد الإناث مما يساعد على خلق توازن في معدلات الجنس من خلال وفاه الذكور البالغين؛ ولكنها أيضا سببًا لمثل هذا الوأد بتقديمها للسبب الرئيسي. لا طائلَ إذن مِن قراءة مثل هذا الطرح بغرض الوصول إلى تفسير واقعي لأصول الهيمنة الذكورية والحرب. إننا ندرس فقط الوظائف التي افترضاها، أمَّاالقول بأن هناك ظاهرة تعزز من هيمنة الذكور فلا يعني أنها تسببتْ في تلك الهيمنة. كما لا ينبغي استخدام عواقب عُقدة سيادة الذكور أو الحرب في تفسير أصوليهما. وبمساواتهما -عواقب المشكلة وأسبابها- كما تفعل مثل هذه النظريات الوظيفية تسمح بتفسير التطورات التاريخية المحددة باعتبارها أمورًا حتمية، في حين أن السؤال هو لماذا لم يتم اختيار البدائل!
واقع الأمر أنَّ الخلل الكبير في حجة ديفال وهاريس هو الافتراض بأن طريق الحرب والتنظيم الأبوي هو المسار الأكثر شيوعًا أو الأنجح لمجتمعات العصر الحجري القديم والحديث. وقد اسْتُمِدتْ عيناتهم لمجتمعات العُصبة من إثنوغرافيات القرن العشرين الخاصة باقتصاديات الجمع شديدة التأثر بالثقافة الغربية وضروراتها؛ والتي ساهمتْ مِن دون شك في تشويه مفهومنا عن طبيعة العصبة في العصر الحجري القديم ومجتمع القرية في العصر الحجري الحديث.ومِن ثَمّ فإنَّ انتشار الحرب المؤكد في جدولهم التاسع (ص 532) هو نتيجة محتملة لتزايد الضغط الثقافي بسبب التغلغل الرأسمالي في العديد من مناطق العالم في هذا القرن. فعلى سبيل المثال، يشير نابليون شانون، المؤلف الإثنوغرافي الأصلي لهذا المجتمع النموذجي للفحولة والولع بالحرب، مجتمع اليانومامو الجنوب أمريكي، إلى أنَّ الحرب كانت مُدخلًا حديثًا وبأنَّ هذا الرأي أيده باحثون آخرون86. وبالمثل، وتأكيدًا على غَلبة خط النسب الأبوي، يُخفق ديفال وهاريس في الاعتراف بالبحوث الحديثة التي تشكّك في نموذج «عصبة النسب الأبوي» وتقترح بدلًا مِنه أنَّ مجتمعات الجمع في كثير من الأحيان لديها تنظيم ثنائي بالغ المرونة، تنظيم يسمح للرجال والنساء باختيار محل إقامتهم وفقًا للظروف، كما يسمح لهم بالتنقّل بحرية بين الجماعات. فعُصبة البوشمان، على سبيل المثال، توجد في القلب مِنها مجموعةٌ من الأخوة والأخوات تربط بينهم صلة الدم، إلا أن عضويتها متغيّرة للغاية وتتذبذب وفقًا للظروف الموسمية96. وقد تكون عصبة النسب الأبوية التي تتسم ملامحها بإثنوغرافيات القرن العشرين أضيفتْ وأدخلت بدرجةٍ كبيرة مِن خلال التجارة والاستعمار07.
وثمّة دراسة أخرى، هي أكثر توجهًا نحو البُعد التاريخي، تخلصُ إلى استنتاجاتٍ مختلفة تمامًا، مشيرة إلى أنَّ الحرب تتواتر فقط في ثمانية بالمئة من مجتمعات الصيد والجمع، وبأنها تصبح أكثر شيوعًا في النظم البستانية المتقدمة بينما لا تصبح «مزمنة» إلَّا في الدول الزراعية البدائية17.ويشير السجل الأثري إلى أن المستويات المرتفعة للحروب لم تأتي نتيجة اعتماد البستنة أو الزراعة في حد ذاتها،لكنها لم تتطوّر إلا بعد تطوّر النظم الاجتماعية السياسية المعقدة27.فقد كانت كاتال هيوك، وهي إحدى أفضل النماذج الموثَّقة على المستوطنات المتحضّرة للعصر الحجري القديم، خالية بدرجةٍ ملحوظة من المنشآت والنُظمذات الطبيعة الدفاعية37.
علاوةً على ذلك، فإن العلاقة المُحكمة بين الحرب وإنتاج الغذاء والنمو السكاني تعد علاقة إشكالية ومثيرة للجدل بدرجةٍ بالغة47. ولا يَستشهد ديفال وهاريس سوى من عملهما الخاص كدليل للتأكيد على أنَّ الحرب في مجتمعات العصب والقرى «تمثل محاولة منهجية للوصول إلى الاستقرار أو شبه الاستقرار السكاني»57. ولا يوجد هناك الكثير من الأدلة على وجود ضغوط سكانية مزمنة في مجتمع العصر الحجري القديم كما لا يوجد ما يدعو للتفكير في أن الثقافات المبكرة للعصر الحجري الحديث قد تعمد إلى تصعيد أي مشكلة موجودة. والواقع أنه في غياب الدليل على عكس ذلك، يمكن للمرء أن يفترض بأن التقنيات الزراعية المحسَّنة قد تكون خففت من الضغوط السكانية في بعض المناطق.
وإجمالًا فإنَّ هذه «النظرية» الخاصة بأصول هيمنة الذكور ليست مُرضية على كافة مستويات التحليل. وحتى إذا سَلّمنا بفرضية أنَّ الزيادة السكانية كانت المشكلة التي واجهتها مجتمعات العصر الحجري القديم والحديث، فقد نتساءل أولًاإذا ما كان وأد الإناث هو الحل الوحيد. ومن المعروف جيدًا أن الثقافات ما قبل الصناعية عرفتْ العديد من الوسائل الاصطناعية لتحديد النسل بعيدًا عن الوأد67. وثانيًا، ومع افتراض وجود حاجة ثقافية لوأد الإناث، فلماذا كان من الضروري الانتقاص مِن قَدر النساء البالغات كإجراء في عملية تأسيس مثل هذا التركيب المعقَّدللمؤسسات والأيديولوجيا؟ فإنَّ العديد من المجتمعات البدائية يستبعد المسنين والعجزة دون أن يوهن هذا مِن احترامهم المفرط لكبار السن77. فنحن نرى أن «عقدة سيادة أو تفوق الذكور» قد نشأت في ظل ظروف تاريخية معينة تتفاعل مع أنماط محددة من البِنى الاجتماعية ولم تنشأ كحل ميكانيكي لتبرير قتل الأطفال الإناث. (في الواقع، يمكن للمرء أن يقرأ بسهولة الأدلة التي قدمها ديفال وهاريس لإظهار أن قتل الإناث نشأ لتحقيق التوازن بين وفيات الحرب، على الرغم من أننا نرفض استخدام نفس النهج الميكانيكي حتى في الاتجاه المعاكس). فينبغي أن نبحث من زاوية أخرى عن تفسير للدليل التاريخي لتزايد هيمنة الذكور في المجتمعات البستانية المتقدمة ومجتمعات الدولة المبكرة.
وهناك نظرية أشد تعقيدًا تزعم تفسير هذا الدليل يقدمها باركر وباركر87. فهما يقترحان أنَّ التطور المبكر لسلطة ومكانة الرجال المميزة والتفاضلية كانت بمثابة مكافأة لنزعة المخاطرة لدي الرجال (في الصيد والحرب وما إلى ذلك)، وأن ذلك قد عززته وزادت من حدته التطورات التكنولوجية في المجتمعات المركبة الأولى. ويعتقد الاثنان أنَّ البيولوجيا البشرية والثنائية الجنسية قد هيئتا الرجال والنساء للعب أدوار محددة في تقسيم العمل. فيصفان دور الرجل فيما يتضمَّن وجود الرجال في الأعمال التي تتطلب قوة بدنية أكبر ومستويات مرتفعة من المغامرة والخطر والتنقل والتعاون والمهارات التكنولوجية، أي باختصار، هو مزيج بين العقل والعضلات97. وعلى الجانب الآخر، تميل النساء إلى الانخراط في الأنشطة التي تنطوي على خطر أقل وحركة أقل، والتي تقتضي تركيزًا أو مهارات أقل ويسهل تعليقها أو استبدالها08. وبينما لم يصرحا بأنَّ المهام كانت غير متكافئة في جوهرها في سياق تقديم أحد الجنسين لمساهمة أهم من الآخر، يعتقد كلاهما بأنَّ الرجال في أغلب فترات التاريخ كانت تُخوَّل إليهم على الدوام المساهمات الأصعب والأخطر. وقد أدّت متطلبات مهام الذكور، المرتبطة بحساسية الذكور المبنية على عوامل بيولوجية-نفسية (كقابلية الذكور للإصابة بالأمراض والوفاه وما إلى ذلك)إلى وضع أصبحت فيه مستلزمات وتجهيزات عمل الذكور مُكلّفة نسبيًا وغير مرنة (صعبةالاستبدال). فمِن أجل حَث الذكور على المُبادَرة، بأعدادٍ كافية ومهارات لازمة، نحو تأدية المهام الاجتماعية الضروريةلنظام اجتماعي اقتصادي متزايد التعقيد، كان لا بُدَّ مِن ابتكار نوعٍ من المكافأة. ومن هنا نشأت «أسطورة هيمنة الذكور» كتعويض ومكافأة (في شكلٍ مِن أشكال المُقايضة الاجتماعية).
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الباركران أنَّ لهيمنة الذكور مزايا تكيفية تعزَّزت بمرور الزمن مع ازدياد تعقد المجتمعات وتطلبها مستوياتٍ مهارة تكنولوجية أعلى. وبالرغم من اعتقادهما بأنَّ هذا الوضع قد سادَ منذ أن تمَّ تقسيم العمل بين النوعين، فالواقع أنه قد ازداد حدةً مع ازدياد التعقيد، فهما يريان أنَّ «الوسائل الفعَّالة لتحديد النسل وغيرها من الوسائل التكنولوجية» للمجتمع الصناعي المعاصر قادرة على وضع حد لتلك الهيمنة، وسوف تفعل، وهكذا تتبدد «أسطورة هيمنة الذكور».
قد يتم انتقاد باركر وباركر لتسليمهما على نحو غير نقدي بالقولبة العالمية لأدوار الجنس باعتبارها نتاج لثنائية الشكل الجنسية. وثمة مجموعة متنامية من البحوث تعطي مصداقية للتأكيد المضاد على [أنَّ النساء في مجتمعات الجمع والمجتمعات البستانية البسيطة يباشرن مهام تتطلب نفس القدر من القوة العضلية والعقلية التي تتطلبها مهام الرجال18. ويشير بحث آخر إلى أنَّ النساء كنَّ قابلات للتنقل تمامًا كما هو الحال مع الرجال، على الأقل ما لم يكنَّ حوامل أو منشغلات بالحضانة والرضاعة،وبأنَّ هذا الأمر كان كثيرًا ما يحدث في مجتمعات العُصبة.وبالمزج بين المباعدة بين مرّات الولادة (كلأربع سنوات في المتسوط) وتقاسُم مهام رعاية الأطفال بين النوعين لدى قبائل البوشمان مثلًا، يعمل هذا النموذج على تمكين العديد من النساء من التنقل بعيدًا عن المنزل بحثًا عن الطعام28. كما تشتهر نساء غرب أفريقيا بنجاحهن- وبالقدرة على التنقل- كتجّار ومتعهدي أعمال، ما يثبت أن النساء، وحتى العائلات لأطفال منهنّ، لسن مضطرات لأن يكنّ مقيمات في أماكن ثابتة. وعلى أي حال، يوضّح السجل الثقافي المشترك المزيد من التغيرات في عملية تخصيص المهام، كما يُظهر قدرًا من التباين الاجتماعي السياسي أكبر بكثير مما هو مشار اليه هنا.
لن ننكر وجود نمط عام لتقسيم العمل. والواقع أنَّ مقالنا هذا يشير إلى وجود بعض الأنماط الثابتة في المجتمعات المبكرة التي يكلَّف فيها الرجال بمهام ذات أبعاد واسعة جغرافيًا،وكثيرًا ما تتضمن قدرًا أكبر من المخاطرة (وليس قدرًا أكبر من القوة العضلية أو العقلية) عن مهام النساء. إلا أنَّ نظرية المقايضة الاجتماعية لا تنجح في تفسير سبب إضفاء الاعتراف والتقدير على مهام الذكور «بصورة عامة عالمية». فإن كانت سيادة وتفوق الرجال هي المكافأة، فعلامَ كانت هذه المكافأة على وجه التحديد؟ ويعتقد باركر وباركر فيما يبدو أن المكافأة في المجتمعات المبكرة كانت على قدرة الذكور على الأعمال الثقيلة المضنية بينما تعلّق الأمر في مرحلة لاحقة «بالمهارة».غير أن الإناث ينخرطن في أعمال ثقيلة جنبًا إلى جنب مع الرجال في مجتمعات كثيرة، ومن المؤكّد أنهنّ يتعرضنّ للخطر أثناء الولادة، وهو بالتأكيد نوعًا من الأعمال الضرورية اجتماعيًا. علاوة على ذلك، فالمهارة هي مسألة تدريب، لذا علينا أن نتساءل لمَيُمنَح الذكور هذا التدريب والمهام الموكلة التي تتطلب مستوى مرتفع من المهارة. ومن المسلّم به عموما أن المرأة كانت أول الخزَّافين: فكيف ولماذا أصبحت صناعة الخزف حِكرًا على الذكور؟ ولماذا لم يتم منح مبتكري هذه الحرفة مكافآت اجتماعية؟ فلم يكن الأمر يتعلق بالمهارة إذن، بل لابدَّأنها العلاقات الاجتماعية المصاحِبة لتطوّر التخصص الحِرفي هي التي أقرّت تدريب الرجال على تلك المهام.
مِن جانبٍ آخر، وفي المجتمعات الأشد تعقيدّا- حيث أشار الباركران إلى تفاقم هيمنة الذكور فيها بفعل المكافآت المخصّصة لمخاطر ومهارات أعمالهم - كان يتم منح بعض الرجال فقط، وليس جميعهم، المكانة والسلطة. والسؤال هو ما نوع تلك الأعمال التي قام بها أصحاب الرقيق أو أرباب العائلات فسوَّغت مكانتهم وسلطتهم إزاء العبيد والزوجات أو الصغار من الرجال؟ ولمَ حظيتْ المرأة بمكانة دُنيا وسط مجتمعات العبيد كما كان الحال في أثينا في القرن الخامس حيث لم يخاطر الرجال الأحرار إلا قليلًا ولم يقوموا سوى بالقليل من الأعمال؟ وفي المقابل، لمَ حظيت النساء في العديد من المجتمعات بمكانة عُليا، امتدادًا من مجتمعات كريت القديمة وحتى الإيوكواز في القرن السابع عشر حيث أقبلَ الرجال بلا شك على اتخاذ مخاطر جسدية عظيمة؟ لا ينبغي أن تعتمد الإجابات عن هذه التساؤلات على طبيعة العمل ذاتها والتي لا يعتقد الباركران نفساهما بأنها تراتبية في جوهرها وإنما تكمن في جذور التراتبية نفسها. أمَّا نحن فنرى أنَّ تلك الجذور تكمن في علاقات العمل، وفي مسألة مَن يسيطر على عمل مَن. ولكي نتمكَّن من تفسير جذور تبعية الإناث، نحتاج إلى نظرية توضّح أو تبرّر سيطرة الرجال على عمل المرأة. ولا يمكن أن تُستَمد مِثل هذه النظرية من مُجرّد طبيعة مهام الرجال والنساء، ولا من أي نزوع تكنولوجي ذي طبيعة حتمية، ذلك لأنَّ الثقافات البشرية قد أظهرت تباينًا شديدّا للغاية لا يمكن معه افتراض وجود أي علاقة ضرورية بين المهمة أو الأداة من ناحية، وبين علاقة اجتماعية محدَّدة للسيادة أو التبعية من ناحية أخرى.
وهذا يقودنا إلى افتراض مَركزي في جميع النظريات السابقة، افتراضلم ننجح حَتَّى الآن في مجابهته وتحدّيه وهو التأكيد على أنَّ «في جميع المجتمعات المعروفة لنا، تتم المفَاضلة فيها بين الرجال والنساء من حيث القيمة، يحتل الرجال مكانةً أرفع لمجرد كونهم رجال»38.ورغم أنَّ هذا التأكيد يبدو مدعومًا بمجموعة هائلة من الملاحظات الأنثروبولوجية والتاريخية، فإنَّ هناك أسباب وجيهة لمجابهة فكرة أنَّ هيمنة الذكور لطالما كانت أمرًا ساريًا عَالمَيًا في المجتمعات البشرية على مَر الزمن.
في المقام الأول، لم يتمكَّن العديد من المراقبين ببساطة مِن التجرُّد مِن أفكارهم وتصوراتهم الثقافية المسبقة.فعِندَ تعامُّل علماء الاثنوغرافيا الذكور مع الذكور مِن الرواة، كانوا يتقبَّلون أي ملاحظات قد يدلون بها تنتقصُ مِن قدر النساء بوصفها حقيقة اجتماعية، ويتجاهلون التعليقات المتساوية في الذَم التي تدلي بها النساء عن الرجال48. وقد رجع عددٌ من علماء الأنثروبولوجيا مؤخرًا إلى المصادر الأنثروبولوجية الأصلية في مختلف الثقافات فوجدوا أنَّ «السيادة» كانت تطلق وبشكل حصري على أنشطة الذكور وصلاحياتهم مع التجاهل والتقليل من قيمة الأنشطة المعادلة والحقوق والمكانة الخاصةبالنساء58.ففي قبائل الاشانتي قبل الاستعمار، على سبيل المثال، كانت رئاسة الدولة منصبًا نسائيًا، إلا أنه في عرف الأشانتيين لا يُذْكر غالبًا إلا عرضًا على نحو عابر،وهو ما كان يشير خَطأً إلى «الملكة الأم»، على الرغم من أنها لم تكن ابدًا زوجة الملك كما لم تكن بالضرورة أمه.لم تكتسب «الملكة الأم» ذلك المنصب بحكم علاقتها بالملك؛ ففي الواقع، كانت هي التي قامت بتعيينه، كما كانت أرفع منه منصبًا في الدولة ذات التراتب الهَرمي68.
وكثيرًا ما استندتْ أدلة هيمنة الذكور على معايير غامضة وغير ثابتة: فإذا تم استبعاد النساء من بعض الأنشطة، يعد ذلك دليلًا على سطوة الرجال؛ وإذا تم استبعاد الرجال، فيعد ذلك دليلًا على «حَصْر» النساء في إطارٍ تابع.اعتمد اختيار الأمثلة أيضًا على مجموعة منتقاة من النماذج الجديرة بالتأمُّل. ففي حين يؤكد روزالدو على قيام نساء يوروبا «بالانحناء وسحب القدم الى الوراء أثناء التحية والانحناء» أمام أزواجهن78، تضيف سودركاس أن الرجال يمارسون نفس السلوك، فيقومون«بالانبطاح أمام أمهاتهم وأخواتهم الأكبر سنًا وغيرهنّ من النساء اللاتي يقتضي عمرهنّ أو مكانتهنّ فعل ذلك الأمر»88. وبالمثل، المراقبون الذين يؤكّدون اقتصار رقصة الانتشاء لدى قبائل البوشمان على الذكور وحدهم، يغفل [هؤلاء المراقبون] ذكر أنَّ تلك الرقصة لم تكن لتكتمل دون قبول النساء عزف موسيقاها98.
ويبدو أيضًا أن الكتَّاب الغربيين غير قادرين على فهم العالم الذي يفتقر إلى علاقاتٍ تراتبية بين أشياء مُختلفة. فغالبًا ما تمتلك مجتمعات ما قبل الدولة مفهومًايجمع بين «الانفصال والتساوي» وهو ما تفتقر إليه مجتمعات الدولة09 وقد تكون أفضل طريقة لتوصيف الاختلافات بين الذكور والإناث هي وصفها من حيث الوظائف التكميلية وليس من حيث السيادة/التبعية19.الواقع أنَّ محاولة تعريف «المساواة» في حد ذاتها قد تطمس وتموّهالعمليات الحيوية الخاص بتلك المجتمعات»حيث المساواة مِن طبائع الأمور، وليستْ مبدأ ينبغي تطبيقه... وفي كثير من الأحيان، لا توجد بالمرةوسائل لغوية مِن أجل المقارنة والتفضيل بين حَدين. فما نجده هو احترام مطلق لجميع ... الأفراد، بصرف النظر عن السِن والنوع»29.
ثمّة مشكلة ثانية أساسية، بشأن النماذج المجموعة عبر ثقافاتٍ مختلفة، ثم استخدامها «دليلًا» على عالمية الهيمنة الذكورية، وهي مسألة الطبيعة غير التاريخية لمثل هذه الأدلة. إذ تُعدّ ميلانيزيا وجنوب أمريكا أكبر منطقتين جغرافيتين توثّقان لممارسة أقصى درجات هيمنة الذكور على الإناث في مجتمعات اللادولة. غير أنَّ ميلانيزيا تُعدَّ منطقة تسارعتْ فيها وتيرة التفاوت الاجتماعي-الاقتصادي وتباين المكانة بين النوعين بما يسبق عمليات الرَصد الغربية، كما يبدو وضع النساء قد أخذ في التدني بعد أن كان مرتفعًا39. أمَّا في أمريكا الجنوبية، فقد أتى التراجع والتدهور في أوضاع المرأة مِن كياناتٍ سياسية أضخم حجمًا49، فضلًا عن الحروب وتعرّض السكَّان لضغوطٍ قصوى (غير قياسية)59. وفي كلتا الحالتين، ربما ينبغي ربط تدني وضع النساء بالتوترات والضغوط التي أعقبت التحولات الاقتصادية والسياسية والديموغرافية وليس «بطبائع الأمور»69. وفي الواقع، وبالنظر من كثب، نجد كثيرًا من حالات الهيمنة الذكورية في المجتمعات «البدائية» تبدو أنها لم تنشأ إلَّا تحت ضغط التجارة أو الحرب بعد الاحتكاك بمجموعات أوسع أو تحت التأثير المباشر للاستعمار79.
وأخيرًا، هناك أمثلة على مجتمعات مِن الصعب فيها، إن لم يكن مستحيلًا، تمييز التفاوت بين النوعين. فمِن بين شعوب المبوتي «يرى الرجال والنساء على حد سواء أنفسهم على قدم المساواة في جميع النواحي باستثناءالناحية الوحيدة شديدة الحيوية والتفرّد، ففي حين تستطيع المرأة أن تقوم بعمل كل شيئ يقوم به الرجل تقريبًا (وهو ما يحدث بالفعل أحيانًا)، تقوم المرأة بفعلٍ واحد لا يستطيع أي رجل تأديته: وهو منح الحياه»89.ويذكر جون نانس أنَّ «صنع القرار بين قبائل التاساداي - على ما يبدو - كان يُبنَى على نقاشٍ يُعرب فيه الرجال والنساء عن وجهات نظر متساوية، مع الاعتماد على السن والخبرة في تحديد درجة النفوذ»99. وكذلك يصف بيجي سانداي خمسة مجتمعات تقدّم أو قدمت بالفعل «مخطوطات ووثائق حول سطوة النساء»001. وتعليقًا على البحوث الأنثروبولوجية التي أجريت مؤخرًا حول المرأة، تقول ناعومي كوين: «قد يبدو أنَّ تحيّز الرواة الذكور في تقديم تقاريرهم، وعلماء الاثنوغرافيين في وصفهم ، والعاملين عبر الثقافات في تفسير مختلف العادات المتفاوتة، ذلك إلي جانب الآثار المحبطة التي خلفها الاستعمار على شتى مناحي حياة النساء، كل هذه الأشياء مجتمعة قد لا يبدو أنّها تركت الكثير ممّا يمكن شرحه فيما يتعلق بتبعية الإناث عبر الثقافات»101.
هذه بالطبع مُبالغة. فهيمنة الذكور واقعٌ ماديّ ذو تبعات ملموسة على النساء في معظم أنحاء العالم، وأمثلة المساواة التي لدينا تأتي من مجتمعات بسيطة ومعزولة نسبيًا. وحَتّى قبل ظهور التجارة الغربية والاستعمار بوقت طويل، كانت المجتمعات القديمة في الشرق الأوسط والبحر المتوسط وجزر بريطانيا قد مرّت عبر مراحل مبكرة تدهورت خلالها أوضاع النساء. فالمطلوب إذنهو نظرية تفسّر السبب في أن هيمنة الذكور،رغم عدم حتميتها، كانت على الأرجح نتيجة لعمليات تتعلق بالتوسُّع الاجتماعي الاقتصادي والتعقيدات الاجتماعية المتزايدة.
من النظريات التي طُرحتْ لشرح أدلة تدني وَضع النساء بعد أن كان مرتفعًا هي تلك التي تتناول النظام الأمومي ( قِوامة أو سيادة المرأة في المجتمع). ووفقًا لهذا الرأي، كانت النساء ذات مرة فيما مضى لهنَّ مكانة بارزة في الاقتصاد والسياسة حتى أطاح الرجال بالنظام الأمومي في مرحلة ما مبكرة من التاريخ الانساني201. وأكّد إنجلز أنّ هذا «الحق الأمومي» كان مرحلةً عامة من مراحل الإنسانية فيما قبل التاريخ [المكتوب]، وقد أطاح به الرجال مع تطويرهم الثروة التي يمكن حملها ونقلها وخلقهم الميراث الأبوي الذي يجب تمريره إلى أبنائهم301.
ولا يتسع المجال هنا لطرح النظريات المختلفة للنظام الأمومي، غير أننا نستطيع ببساطة ملاحظة عدم وجود دليل على مرحلة للنظام الأمومي في تاريخ البشرية. وهكذا تنطوي النظريات المذكورة أعلاه جميعها على مغالطات كالتالي: (1) يتم الخلط بين النظام الأمومي و خط نسب الأم، فيتم التأكيد على أن آثار نسب الأبناء للأم في السجل التاريخي، دون سواها من دلائل اخرى، هي دليل على وجود نظام أمومي منذ القدم. (2) وكثيرًا ما يُقال إن أهمية المرأة في الأساطير القديمة والقطع الأثرية الدينية تعكس «استمرارتنظيم أمومي اجتماعي سابق». وتشير بوميروي401مع ذلك إلى أنَّ دور المرأة في الأساطير قد تعرَّض لتفسيرات خاطئة، كما تذهب مونيك سالوا (في هذا المجلد) إلى أنَّ مثل تلك الأساطير قد تنطوي على قدر أكبر من المساواة للمرأة في الماضي لكنها ليست دليلًا على حُكم فعلي للإناث. ويتساءل تشيلد501«هل تعد التماثيل النسائية الصغيرة دليلًا أفضل على النظام الأمومي من تماثيل فينوس والعذراء التي تنتمي بلا شك للمجتمعات الأبوية» (راجِع فلير لوبون601 لمزيدٍ من النقد حول نظريات النظام الأمومي).
إنَّ مسألة البحث عن الجذورلا يمكن تسويتها بصورة حاسمة بالمرة.ولكن إذا كان من شأننا التصدي للتأكيدات القائلة بأنَّ هيمنة الذكور أمر حتمي وعالمي، ينبغي علينا تقديم أسباب متماسكة للصورة التاريخية لهيمنة الذكور وانتشارها في الثقافات القديمة. ولا يوجد على الأرجح سبب تاريخي واحد يكفي لشرح جميع الحالات: وكما يشير راب في دراسة استقصائية ممتازة للمشكلة701، نحن في حاجة للنظر إلى فترات زمنية مختلفة وسيرورات متباينة. وترجع أهم محاولتين حديثتين للتفسير التاريخي إلى بيجي ساندي والينور ليكوك801. فقد جمع كلاهما نهجًا تاريخيًا يأخذ في الاعتبار تباين الخبرات الاجتماعية-الثقافية في إطار تفسيري يحدد الأنماط الكامنة المتكررة للتطور.
تركز بيجي سانداي على الطرق التي تستخدم فيها المجتمعات الجنس كقاعدة تنظيمية على المستويين الهيكلي والرمزي. وقد قدمت تفسيرًا معقدًا للظروف التي استبدل فيها التفاوت وهيمنة الذكور بعلاقات القوى المتوازنة والمتماثلة. وباستناد تحليلها على الأدلة التي تظهرها كل من المعطيات الكَمّية عبر الثقافات ودراسات الحالة المتعمقة على حد سواء، تجد سانداي أنَّ «الأنماط الثقافية» النوعية تنتج عن تفاعل البيئات الطبيعية وممارسات تربية الأطفال والسلوكيات الأدوار الخاصة بكل نوع. فعلى سبيل المثال، تميل مجتمعات الصيد والمجتمعات التي تلعب فيها الحيوانات الضخمة دورًا هامًا إلى إنتاج آباء نائين ورموزًا ذكورية للخالق وتوجُّه «خارجي» له صور حيوانية نحو قوى الكون. في حين تميل مجتمعات الجمع والالتقاط والمجتمعات التي تكون فيها الحيوانات أقل أهمية إلى إنتاج أباء ذكور مشاركين ورموزًا مؤنثة أو مثنوية للخالق وتوجه «داخلي» له صورة نباتية.ويحدث التوجُّه «المزدوج» أحيانًا في المجتمعات التي تجمع بين « التعلق الشعائري بكل من جمع النباتات أو الحرث الأولي وأنشطة الإغارة والقنص للرجال»901.
وتعتقد سانداي أنَّ البيئة الطبيعية وطرق الإعاشة «تؤديان» بالأساس إلى منظومة الرموز وتخطيط الأدوار القائمة على النوع لأي مجتمع. ومع ذلك، فهي معنية بالتأكيد على الدور المستقل الذي تلعبه الرموز في تحديد سلوكيات الأدوار القائمة على النوع وعلاقات السلطة. فتذهب إلى أن هناك أسس ضمنية بيولوجية نفسية للمفاهيم الجنسانية والتي تقدم بدورها «سيناريوهات» للسلوك. فتشير على سبيل المثال إلى ان النساء في جميع المجتمعات يرتبطن بالقدرة على منح الحياة في حين يرتبط الرجال بالقدرة على سلبها. وبالاعتماد على الظروف الطبيعية والتاريخية، قد يتم تقدير إحدى القوى أو كلتيهما ثقافيًا ويلقيان تفخيمًا طقوسيًا. فحيثما يتوفر الغذاء وتكون الخصوبة مرغوبة، تميل النساء إلى امتلاك سلطة منسوبة إليهم ويتم التأكيد على المبادئ الأنثوية. ومن ناحية أخرى، أينما يكون سلب الحياة أمرًا هامًا، كما هو الحال في مجتمعات الصيد أو الحرب، يميل الرجال إلى ممارسة السلطة وتبرز المبادئ الذكورية في الطقوس والحياة الاجتماعية. ومع ذلك، فان تعليق قيمة أو أهمية كبيرة على العنف الذكوري لا يترجم بالضرورة أو على نحو تلقائي إلى هيمنة الذكور، إذ يمكن للنساء الوصول إلى السلطة في ظل بعض الظروف.
ووفقًا لسانداي، يميل الرجال والنساء إلى أن يكونوا أكثر تمييزًا وتنافسية في المجتمعات التي لديها شكلًا ذكوريًا/خارجيًا. وتزاداد احتمالات وجود مستويات أعلى من التكامل والتعاون بين الجنسين في المجتمعات التي لديها منحى نباتيًا/داخليًا(توجهًا داخليًا نحو صورة النباتات)011. ولا يستدعي الفصل الجنسي، مثله مثل العنف الذكوري، بالضرورة هيمنة ذكورية. فقد تقوم بعض المجتمعات بالفصل بين الجنسين ولكن تظل العلاقات بينهما متوازنة وتعاونية. ومع ذلك، تعتقد سانداي أن هيمنة الذكور هي نتيجة محتملة للشكل الخارجي- المُبعَد حيث عملت الظروف البيئية لصالح توسيع مجال الذكور مما أدى إلى اعتماد متزايد من النساء على الرجال.
وقد نشأت هذه الظروف وسط مجموعة متنوعة من السياقات التاريخية. أدَّى التعقيد التكنولوجي المتزايد وكذلك الحرب والمجاعات والهجرة والاستعمار- وكلها ظروف تؤدي إلى ضغط اجتماعي محتدم- إلى توسُّع وانتشار دور الذكور. وهنا تستعير سانداي من نموذج «المقايضة الاجتماعية» في إشارة إلى أنَّ هيمنة الذكور «الفعلية» تنشأ من الحقوق السياسية التي تُمنَح للذكور كتعويض عن دورهم و «كامتياز لكونهم نوعًا قابلًا للنفاد»111. ولكنها تقول أنَّ «التكيُّف مع الضغط لا يشمل دائمًا إخضاع النساء»211. فقد يؤدي الضغط، في المجتمعات ذات التوجُّه الداخلي أو المجتمعات المزدوجة التي لاتزال النساء فيها يتمتعن ببعض القوة، إلى هيمنة ذكورية «أسطورية» «تتعايش فيها المبادئ المتناقضة للنوعين»311. وقد تؤدي الضغوط الخارجية - على سبيل المثال - إلى إسقاط المخاوف الثقافية المرتبطة بخصوبة الإناث على النساء. وفي ظل هذه الظروف، قد تتنازل النساء طوعًا عن القوى الأسطورية لصالح الرجال لأن القيام بذلك يعد أكثر فعالية من ناحية التكاثر كما يسمح لكلا الجنسين بالتحكَم في مساحته الخاصة. وبالتالي فبالنسبة لسانداي، يعد اقتران الظروف التاريخية الضاغطة مع التكوين الثقافي السابق هي العوامل الرئيسية المحددة لهيمنة الذكور.
تكمن القيمة العظيمة لكتاب سانداي في محاولتها إظهار كيفية استخدام المجتمع لنوع الجنس «كاستعارة متوفّرة ولها سطوتها» من أجل تنظيم المجتمع، وكيف تتفاعل منظومة الرموز الجنسية مع المؤسسات البيئية والاجتماعية للتأثير على العلاقات بين النوعين. فتقدّم رؤى جديرة بالاهتمام حول ثراء وتعقُّد المخططات المتعلقة بالأدوار القائمة على نوع النوع وآليات عدم المساواة بين النوعين. ومع ذلك، فإننا لا نشعر بأنها وُفقتْ تمامَ التوفيق في ادعائها لشرح جذور عدم المساواة حتى وإن كانت قد فعلت الكثير لتوضيح آلياتها الحيوية. وكما رأينا، فهي تسعى للوصول إلى جذور عدم المساواة بين النوعين،عبرَ تأمُّل ضغط الظروف التاريخية المُنهِكة على التكوين الثقافي والمخططات المتعلقة بالأدوار القائمة على النوع في وقت سابق. وكما تقول، فعلى الرغم من أنَّ الضغوط المولَّدة خارجيًا لا تؤدي لزامًا أو تلقائيًا إلى هيمنة الذكور، ففي التحليل الأخير يبدو أنَّ التكوين الثقافي السابق هو العامل المسؤول عن تحديد النتائج. غير أننا نجد بعض الصعوبات في قبول تركيزها على الدور المستقل لتلك التكوينات التي تميل إلى معاملتها باعتبارها منفصلة عن العلاقات الاجتماعية المتغيّرة داخل الثقافة. وبدلًا من فحص التفاعل الجدلي بين التطوُّر الداخلي للثقافة وتشكيل الأدوار القائمة على النوع، تتعامل سانداي مع تشكيلات الأدوار القائمة على النوع وكأنها تنشأ مُستقلةً عن العمليات الاجتماعية الداخلية، وتحدّد العلاقات الاجتماعية الداخلية، وتقوم بتغيير تلك العلاقات الداخلية فقط عندما تتفاعل مصادر الضغط الخارجية كالمجاعات والغزو أو الاستعمار. ولا نزال غير مقتنعين بميلها إلى التركيز في تحليلها لأصول تلك التشكيلاتعلى العوامل البيئية في الأساس. كما نتشكك كذلك فيزعمها بأن المجتمعات تتفاعل تجاه الضغوط بطرق مختلفة جذريًا وفقًا لتكويناتها الثقافية السابقة.
وتستند سانداي في شرحها لجذور التكوينات الثقافية السابقة إلى مزيج مربك بدرجةٍ ما مِن العوامل البيئية والبيولوجية-النفسية التي لا تستطيع أي منها، سواء منفصلة أو مندمجة وسط مجموعة، تفسير غموض الحقائق والمعطيات. فعلى سبيل المثال، لماذا تمتلك شعوب الكوبر سكيمو، وهي مجتمعات صيد بكل وضوح، توجهًا «داخليًا»؟ ولماذا تقوم 28 % من المجتمعات ذات التوجُّه النسائي باصطياد الحيوانات الضخمة؟ ولماذا تمتلك 73 % من المجتمعات القائمة على صيد الأسماك توجهًا ذكوريًا411في حين أن 54 % من هذه المجتمعات نفسها تنطوي على مساواة بين الجنسين ولا تتعدى نسبة عدم المساواة أكثر من 15 % 511؟
إلى جانب ذلك، لا تقوم سانداي فعليًا بإثبات امتلاك المجتمعات ذات التكوينات الثقافية المختلفة ردود أفعال متباينةمِن حيث النوعية تجاه الضغوط. فهي لا تقدّم أمثلة على المجتمعات ذات التوجُّه الداخلي أو المجتمعات المزدوجة التي تفاعلت مع الضغوط دون تقويض وضع المرأة. إذ لم تستطع حتى شعوب الشايين والإيروكواز في نهاية المطاف التصدي للضغوط الاجتماعية للاستعمار والضغوط التي تصب فياتجاه هيمنة الذكور. إنَّ تمييزها بين الهيمنة الذكورية «الفعلية» و «الأسطورية» لا يساعد حقًا على تفسير أوجه الغموض في الأدلة. فهل تجعل حقيقة تنازل المرأة عن السلطة طوعًا لصالح الرجال هيمنة الذكور «الأسطورية» أقل واقعيةً من تلك التي تتطوّر في المجتمعات ذات التوجُّه الخارجي؟ ففي بعض الأحيان، يبدو أن سانداي نفسها تشير إلى أنَّ هيمنة الذكور «الأسطورية» ليست سوي مرحلة انتقالية: «محطة تتلاقى فيها مبادئ القوى الجنسية المتعارضة والمتضاربة»611. وإذا كان الأمر كذلك، فلا تكمن النقطة الحاسمة في تفسيرجذور الهيمنة الذكورية في التكوينات الثقافية السابقة بقدر ما تكمن في طبيعة وأصل الضغوط. وعلى الرغم من توضيح سانداي لفعالية بعض الضغوط كالحرب والهجرة أو الظروف البيئية في رفع دور الذكور ووجود مخاوف وتوترات جديدة تتعلق بالجنس، فإنها تميل إلى إغفال منابع الضغوط الداخلية التي قد تساعد على تفسير التنافس الاجتماعي المتزايد وسلوك الفَزع تجاه البيئة. ومن المرجَّح أن ترتبط هذه العوامل بانهيار المقايضة الاجتماعية أو المعاملة بالمثل وبازدياد التفاوت في الرتب وحيازة الممتلكات. فعلى سبيل المثال، تشير سانداي في مناقشتها لمجتمع البيلاكولا إلى أنهم كانوا يعتبرون البيئة عدائية ومهدِّدة بسبب الندرة الموسمية للغذاء. ما يفسر بدوره التصور الثقافي لدي مجتمع البيلاكولا للمرأة باعتبارها مصدرخطر، غير أنه مِن غير الواضح لماذا كان ينبغي أن يكون هذا هو رد الفعل الثقافي بين مجتمع البيلاكولا ولم ينتشر بين مجتمعات البيمبا التي عانت من نقص أفدح في المواد الغذائية الموسمية والتي على العكس ارتفعت فيها المبادئ الأنثويةمن ناحية الطقوس711. ومن المؤكد أن بيئة البيلاكولا (الساحل الشمالي الغربي للمحيط الهادئ في أمريكا) كانت خصبة مقارنةًبالمجتمعات الأخرى حيث لم توجد فيما مضى أو لا توجَد في الحاضرحاجة مؤسساتية للتحكُّم أو ممارسة الهيمنة على المرأة. والواقع أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي الندرة التي تسببت فيها البيئة دائمًا إلى صراع ومنافسة متزايدة داخل المجموعات. إذ قد يؤدي ذلك في بعض المجتمعات إلى تعزيز التعاون والمشاركة811.
وفي حالة بيلاكولا، ربما اعتبرت سانداي كلًا من السيطرة على المرأة والخوف من البيئة عواقب للتوترات الاجتماعية الأخرى التي كانت تعطّل التفاعل التعاوني والثقة. ففي الواقع، يذكر تبريرها911 بأنَّ تلك المجتمعات تُصنَّف كمجتمعات عبودية. وهذا بالتأكيد قد يشير إلى أنهم كانوا يعانون من تنافس متزايد على الموارد وتوترات تخص الوضع الاجتماعي. وقد تساعدنا مثل هذه الضغوط الداخلية ذات الأساس الاجتماعي على شرح تطور مخطط الجماعة للأدوار القائمة على النوع وتغيرات وضع المرأة شرحًا أفضل مِن تحليل سانداي البيئي، لا سيما وأن العدوانية كانت موجَّهة فقط نحو بعض النساء في حين شارك البعض الآخر على قدم المساواة مع الرجال. وعلى مستوى أمثلة أخرى كذلك قد يقدّم هذا النهج تفسيرًا أفضل لأوجه النقص في المُعطيات التي طرحتها ويتيح لها استغلالًا أكبر لأفكارها ثمينة القيمة.
الإنجاز الأساسي الذي يقدّمه كتاب سانداي أنَّه يوضّح لنا عدم إمكانية تفسير المكانة والأدوار القائمة على النوع بطريقةٍ ميكانيكية. فإنَّ نوع الجنس طريقة مشحونة بقدرٍ بالغ من الفعالية في تنظيم التفاعلات الاجتماعية، ونظرًا لما ينطوي عليه من العديد من العمليات البيولوجية النفسية الأساسية، فقد يكون لاضطراب التنظيم الاجتماعي والأدوار المتعلقة بالذكور والإناث تداعيات بعيدة المدى وشديدة التعقيد. فلا يمكن فهم هيمنة الذكور باعتبارها مجرد مسألة مصالح اقتصادية أو سلطة سياسية؛ إذ أنّها تتفاعل مع كل مايتعلق بنسيج الحياة الاجتماعية وبالتالي قد يكون لديها ديناميكية مختلفة في كل مجتمع حيثما تم تفعيلها.
ولن تكتمل أي نظرية حول أصول عدم المساواة بين النوعين دون الإشارة إلى اليانور ليكوك التي قامت بعمل خلّاق في تطبيق إطار مادي تاريخي للسجل الإثني-تاريخي، وفي استنباط رؤية بديلة للعلاقات الاجتماعية في مجتمعات الجمع والالتقاط. واستنادًا إلى بحثها فيما بين هنود مونتاغنيز-ناسكابي (وهو مجتمع يقوم على صيد الحيوانات ذات الفراء عن طريق إعداد الفخاخ)، تَحدَّت ليكوك النموذج المسلَّم به على نطاق واسع الخاص بعُصبة النسب الأبويةوما يصاحبها من افتراض لعدم المساواة بين النوعين، وافترضت بدلًا من ذلك أن العلاقات بين النوعين كانت مرنة ومتساوية021. وقد ذهبت إلى إنه لا يوجد ما يدعو لوجود تدرّج أو تراتب نوعي [جندري] لمجرد تقسيم العمل وفقًا للنوع؛ في الواقع، لقد أظهرت أنَّ العلاقات الاجتماعية في العديد من مجتمعات الجمع والالتقاط تتسم بالضرورة بالتساوي والمشاعية121. وقد بدأ جيلٌ كامل من علماء الانثروبولوجيا النسويات، استلهامًا من ليكوك، في اكتشاف مضامين نموذج «المشاعية البدائية» الذي طرحته والذي يتضمن المساواة القصوى والقاطعة في العلاقات الاجتماعية بين النوعين.
إضافةً إلى ذلك، قامت ليكوك بدورٍ رائد في إطار الجهود الرامية إلى مراجعة نظريات إنجلز الأصيلة حول جذور الدولة الأبوية والبناء عليها221. مرة أخرى، قامت ليكوك، انطلاقًا من عملها الميداني الخاص وسط مجتمعات المونتاغنيز-ناسكابي، باستكشاف العمليات التاريخية التي تحولت فيها ثقافات المساواة عن طريق الاتصال بمجتمعات الدولة الأبوية، وخاصة الاستعمار الرأسمالي خلال القرنين الماضيين321. وباستناد نظريتها المبكرة لتطور عدم المساواة بين النوعين على فكرة إنجلز المركزية التي تربط عدم المساواة بتفكك وانهيار المنظومة الاجتماعية القائمة على صلات الدم (العشيرة) وتحوّلات متعاقبة لتقسيم العمل، عملت ليكوك لعقدٍ من الزمان على تحسين نموذجها. ونجد أحدث وأكثر آراؤهاتنقيحًا في مقالها «النساء والقوة والسلطة»421.
وتعتقد ليكوك أن هيمنة الذكور كانت نتيجة لتطوير إنتاج السلع الأساسية، والتي صاحبها تطور في تراتبية المجتمعات وطبقيتها:
فقد المنتجون المباشرون سلطات صنع القرار التي تتعلق بحياتهم عندما أدّى التخصص في العمل وإنتاج السلع من أجل التبادل إلى تشكيل طبقات الرقيق والارستقراط والتجار. وهُزمت النساء على وجه الخصوص لأن العلاقات الاقتصادية الجديدة القائمة على التبادل كانت في أيدي الرجال (فمن وجهة نظر إنجلز، كانت أهم السلع التي يتم استبدالها مِن مسؤوليات الرجال، وهي الماشية)؛ ولأنَّ هذه العلاقات قد قوَّضت منظومة الحياة المنزلية والعائلية ذات الطبيعة المشاعية والتي سيطرت عليها النساء كما حوّلت عمل النساء المنزلي إلى خدمات خاصة؛ ولأن خصخصة الممتلكات من خلال الميراث الفردي في الطبقات العليا الناشئة اقتضى السيطرة على جنسانية النساء521.
وفقًا لليكوك، فمعَ زيادة أهمية التبادل بين الجماعات، خاصة وأن تلك الجماعات أصبحت أكثر استقرارًا، كانت هناك حاجة متزايدة إلى منتجات لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق التبادل. وخلال هذه العملية، كان بعض الناس في وضع أفضل من الآخرين يسمحُ لهم بالاستفادة من العلاقات الجديدة للإنتاج. ترى ليكوك عندئذٍ، متتبعة طرح مورتون فريد621، علاقةً وثيقة بين تطوّر التراتبية الاجتماعية وبدء إعادة توزيع السلع بطريقة مركزية. فهي تعتقد أنَّ النساء فقدن سلطتهن العامة مع تطور التبادل وعدم المساواة الاقتصادية، وعلى وجه التحديد نظرًا لميلهن إلى تقديم جهد العَمل اللازم لإنتاج السلع التي يتبادلها الرجال (الماشية على سبيل المثال، أو الخنازير في غينيا الجديدة). وتعتقد ليكوك أيضًا أن الحروب قد تكون ازدادت مع توسُّع المجتمعات الطبقية، وبأنَّ هذاالأمر ربمَّا منح مزيدًا من السلطة للرجال. علاوةً على ذلك، تشير ليكوك إلى أن النساء قد شاركن على نحو عفوي ودون قصد في عملية «تسليع» أنفسهن إذ كان التأكيد على أن يكون الزوج «رجل كبير» ناجح في التبادل التجاري أمرًا هامًا لديهنَّ، ولأنه كان بإمكانهنَّ الاستفادة من عمل الرجال الأدنى مكانة. باختصار، فقدت النساء استقلالها كعاملات عندما حولت عمليات أو إجراءات التفاوت الاقتصادي العُمَّال بالفعل إلى سلع. وقد ساعد إنتاج السلع بدوره في عملية تخريب المنظومة القائمة على صلات الدم وعلى نمو وتزايد الملكية الخاصة كما وصفها إنجلز.
ونحن نتفق مبدئيًا على الخطوط العريضة التي طرحتها ليكوك بشأن التطور التاريخي لهيمنة الذكور، وآثار إنتاج السلع على المشاعية البدائية، لكننا بحاجةٍ إلي شرح أكثر تفصيلًا لكيف ولماذا أصبحت المجتمعات- الأولى في حالتها «البكر»-في مرحلة التحوُّل من مجتمعات مساواة إلى مجتمعات تراتبية تُنتِج مِن أجل التبادل، ولماذا يبدو أنَّ النساء فقدن على وجه التحديد استقلالها السياسي والاقتصادي في مثل هذه المجتمعات. وبعبارةٍ أخرى، نحن بحاجةٍ إلى نظرية توضّح سبب اقتصار الفوز بالمناصب القيادية المؤسسية على الرجال «الكبار» فقط، وتندر في حالة النساء الكبيرات، في الوقت الذي ظهرت فيه التراتبية الفعلية في شكل عدم المساواة المؤسساتية في القدرة على الإنتاج والتبادل والتوزيع. ونحن نتفق مع ليكوك على أن وضع المرأة في المجتمعات التراتبية عاملًا يتسم بالتبدّل تمامًا، وأنه لا يوجد ما يدعو لافتراض «نظرية مؤامرة» بشأن ظهور عدم المساواة بين النوعين. إلَّا أن إجابة السؤال الأساسي، حول ما الذي حَفّز الرجال على مصادرة الأنشطة الإنتاجية للنساء من أجل الانخراط بنجاح في عمليات التبادل التجاري، لا تزال غير واضحة. فحتى إذا كانت الماشية هي أولىالسلع القابلة للاستبدال، فإنها لم تكن السلعة الوحيدة بالمرّة؛ ولم تكن الحرب كذلك مرافقًا حتميًا لمرحلة التحول إلى التراتبية. لذا فمن الضروري أن ندرس على نحو أعمق سبب تمكُّن الرجال من خصخصة خدمات النساء ولماذا لم تقاوم النساء في العديد من المجتمعات مقاومة ناجحة.
ويقوم بتحليل هذه الأسئلة وغيرها في هذا المجلد مؤلفون يقومون بالتحليل من زاوية تخصصات كلٍ منهم (التاريخ والانثروبولوجيا) ووفقّا لأعرافهم العلمية (الفرنسية والأمريكية). ففي المساهمة الأولى، تقدم ليبويتز، وهي عالمة أمريكية متخصصة في الأنثروبولوجيا الفيزيائية، نموذجًا على أصول تقسيم العمل على أساس النوع، والتي ترى أنها نشأت عن ظروف الإنتاج المبكرة والتي سبقت منذ زمن طويل أي صورة رسمية أو غير رسمية لللامساواة بين النوعين. كما يوجد ورقتان بحثيتان قدّماهما شيفيلارد وليكونتيه بعنوان «فجر خَط نَسب المجتمعات: أصل قمع النساء»، وكونتز وهيندرسون بعنوان «صور الملكية، السلطة السياسية، وعمل المرأة في ظل تطور المجتمعات الطبقية والدولة»،ثم نعرض تحليلات متباينة حول أصول عدم المساواة بين النوعين في مجتمعات ما قبل الدولة والمجتمعات القائمة على روابط الدم. ويلي ذلك إسهامًا ثانياً لشيفيلارد وليكونتيه، وهو «العبودية والنساء»، والذي يناقش وضع النساء في مجتمعات الدولة المبكرة القائمة على العبودية. وأخيرًا، ينظر مونيك ياليو، وهو مؤرخ ديني فرنسي، إلى الأدلة داخل الأيقونات الكلاسيكية وما قبل الكلاسيكية والأدب المتعلقة»بعمليات إخضاع النساء في اليونان البدائية القديمة». وننتقل الآن إلى البحث في مختلف الآراء المطروحة في هذه المقالات. (كُتبَ القسم التالي من المقدمة بالتعاون مع اثنين من المساهمين الفرنسيين، هُما نيكول شيفيلارد وسيباستيان ليكونتي).
من اللافت للنظر أن يجد المؤلفون أنفسهم في اتفاق أساسى حول العديد من العوامل الأساسية لتطوّر تبعية الإناث على الرغم من العمل بشكلٍ مستقل في إطار تقاليد علمية وقواعد بيانات تجريبية ونظم لغة تختلف جميعها عن بعضها البعض. فأولًا، تتفق نقطة الانطلاق لدى الجميع على أنَّ تفسير عدم المساواة على أساس النوع ينبغي أن يتم التماسه من خلال الأولويات أو الضروريات الاجتماعية لا البيولوجية. فتذهب ليبويتز إلى أن تقسيم العمل على أساس النوع لم يتحدّد بيولوجيًا إنما كان مفهومًا اجتماعيًا نشأ عن التغيرات في تقنيات وعلاقات الإنتاج. ويؤكد مؤلفون آخرون على وجود مقررات اجتماعية مختلقة لمختلف أنشطة الرجال والنساء، متفقين على أن البيولوجيا لا تتطلب تقسيمًا ثابتًا للعمل بين الجنسين. وهم يتفقون أيضًا على أنه حتى وإن حدث تقسيم للمهام، فإن ذلك لا يشكل في ذاته قاعدةً أساسية لافتراض عدم المساواة على أساس النوع. فهم في الواقع يشيرون إلى مؤشرات مختلفة تفترض أن المجتمعات المبكرة كانت تقوم على التكافل والمساواة.
ثانيًا، وبعد استبعادهم للتفسيرات البيولوجية للعلاقات الاجتماعية المتعلقة بالذكور والإناث، يتفق المؤلفون على أنه ينبغي البحث عن جذور الطبقية الجنسانية في دور المرأة في الإنتاج وليس في قدرتها على الإنجاب. فقد لعبت النساء بلا شك دورًا محوريًا في مجتمعات الجمع والالتقاط المبكرة والمجتمعات البستانية، ويقترح المؤلفون أنَّ أصول هيمنة الذكور ارتبطتْ بالصراع من أجل السيطرة على عمل المرأة وإنتاجها. ثم تلا ذلك السيطرة على قدرات النساء الإنجابية. فلم يكن هناك سببًا ديموغرافيًا [خاص بالتوزيع والتشكيل السكّاني]، منفصلًا عن ذلك السبب الاجتماعي، يدفع الرجال لقمع النساء لمجرد حملهن للأطفال.
وهناك نقطة اتفاق ثالثة تصاحب استبعاد المؤلفين للحتمية البيولوجية تصب في صالح التفسيرات التي تركز على الإنتاج الاجتماعي. فهم يتفقون على أنه في حين لم توجد هيمنة الذكور في المجتمعات المشاعية البدائية، فإنها كانت موجودة بالفعل في المجتمعات الطبقية المبكّرةوفقًا للمعني التقليدي للمصطلح (مجتمعات الرق على سبيل المثال). فهم بالتالي يرفضون التحليلات التي تتحرك مباشرة من المجتمعات المشاعية إلى الأنظمة الطبقية المتقدمة القائمة على الملكية الفردية الخاصة مِن غير تمييز للتكوينات الاجتماعية أو أنساق الإنتاج المتداخلة. وبالرغم من اختلاف المؤلفين في تصوّرهم لهذه المجتمعات المتداخلة،فإنهم يتفقون على أنَّ المجتمعات القائمة على الملكية الخاصة الفعلية قد سبقتها أشكالٌ أخرى لأنظمة اجتماعية تقوم على تنمية الملكية الجمعية أو ملكية الجماعة. وفي هذه المجتمعات المتكوّنة بناءً على خط النسب أو صلات القرابة، تحدد روابط الدم تنظيم العمل وتخصيص السلع، وكانت تلك هي المجتمعات التي بزغت فيها هيمنة الذكور لأول مرة.
ويترتب على ذلك حتمية وجود صلة بين جدلية علاقات النسب وأصول عدم المساواة على أساس النوع.وبالرغم من تشعب المؤلفين في إعادة هيكلتهم للعمليات المعنية، فقد اتفقوا على البحث عن أصول الهيمنة الذكورية في بعض عوامل نهوض تلك المجتمعات السلالية أو مجتمعات خط النسب. ويتفقون على وجه التحديد حول الأهمية الحاسمة لقواعد السكن ما قبل الزواج في تحديد العلاقات الجندرية داخل مجتمعات مؤسسة العشيرة أحادية النسب. ويجادلون بأن أبوية السكن وهو النظام الذي تنتقل فيه النساء عند الزواج للعيش عند عشيرة الزوج- قد مكّنت الرجال من استغلال عمل النساء وإنتاجهن والانتفاع بهما بطرق عزَّزت في نهاية المطاف سُلطة كبار الذكور داخل عشيرة الزوج.
إجمالًا يتفق المؤلفون على أنه لولا أبوية المسكن، لأصبحت هناك حدودًا على إمكانية أي مؤسسة أو جماعة عشائرية على استغلال عمل وإنتاج النساء.ولأنهم يؤكدون على أهمية قواعد المسكن لدى السلالات أحادية خط النسب، فهم يوافقون على وصف النظم الأمومية أبوية المسكن، التي تذهب فيها المرأة بعد الزواج للعيش في منزل خال زوجها، باعتبارها تفضي بالمثل إلى هيمنة الذكور كما هو الحال في المجتمعات الأبوية أبوية السكن، بالرغم من خط النسب الأمومي. وأثر قاعدة الإقامة هذه على البالغات من النساء يعمل بالمثل على توطيد علاقتها بعشيرة مولدها وعلى تشجيع اعتمادها على عشيرة زوجها. ويفسر المؤلفون النظم الأمومية أبوية المسكن باعتبارها تكوينات اجتماعية متناقضة وبأنها ليست دليلًا على أن هيمنة الذكور «الطبيعية» من شأنها أن تتحقق حتى في المجتمعات الأمومية كما يتم الادعاء في كثير من الأحيان. ولذلك، تصبح نماذج تلك المجتمعات مادة مثيرة لدراسات الحالة للعمليات الانتقالية قيد العمل في الوقت الراهن.
وبعد أن توصل المؤلفون إلى مصدر قمع الإناث في آليات المسكن الأبوي، بقوا بحاجةٍ إلى شرح سبب هيمنة هذه الوسيلة في تنظيم العلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات العشائرية (وبناءً عليه، لماذا أصبحت هيمنة الذكور واسعة الانتشار بالرغم من كونها ليست أمرًا «طبيعيًا»؟). وعلى الرغم من اختلاف الطرق التي حدث بها ذلك، وجد الكتاب الفرنسيون والأمريكيون أنفسهم متفقين جوهريًا فيما يتعلق بديناميكيات التطوّر الإجمالية التي أدّت إلى تعزيز هيمنة الذكور وتحويلها إلى مؤسسة اجتماعية. فهم متفقون على أن مجتمعات المسكن الأبوي، التي تنتقل فيها النساء عند الزواج، كان لها إمكانية للتوسع حيث أنها أتاحت مزيدًا من الفرص والحوافز لتكثيف الإنتاج إلى ما هو أبعد من المستوى الضروري للعيش اليومي. ويرجع ذلك إلى الأهمية الكبيرة والمتزايدة لعمل النساء وقدراتهن الإنجابية في النظم الزراعية ما قبل استخدام المحاريث. فكلَّما ازدادت إنتاجية المجتمع ازداد توسّعه واستحواذه على أو إخضاعه للمجتمعات الأكثر استقرارًا، أي مجتمعات الدولة المستقرة. ومع ذلك، فمن الضروري التأكيد على أنَّ هذا التحليل لا ينطوي على أي أحكام قيمية تفيد بأن مجتمعات المسكن الأبوي كانت «أفضل» بطريقة أو بأخرى. بل كانت بالأحرى أكثر قدرة على ممارسة السلطة القسرية على أفرادها أنفسهم (النساء، الرجال الأصغر سنًا والأطفال) من أجل تكثيف الإنتاج مما كانت عليه النظم الاجتماعية الأكثر تمتعًا بالمساواة.
تؤدي نقاط الاتفاق المذكورة أعلاه إلى مساحة أخيرة ذات قواسم مشتركة. فيتفق الكُتَّاب على أن تبعية المرأة قد سبقت بالفعل بل ووضعت الأساس لظهور الملكية الخاصة الحقيقيةوظهور الدولة.لقد تنوعت العمليات التاريخية المعنية من نواحي الزمان والمكان، ولكن بمجرد تفعيلها وانطلاقها، أصبح تطور الطبقية الجنسانية والاجتماعية متواشجًا على نحو وثيق. وقد أتاح قمع النساء وسيلة لتراكم مميز ونوعي بين الرجال، والذي منح بدوره بعض الرجال نفوذًا خاصًا على عمل النساء وقدراتهن الإنجابية فضلًا عن خدمات الرجال الآخرين. وبتحويل الطبقية المرتبطة بفئات وطبقات المجتمع إلى مؤسسة اجتماعية، نجد أن رجال الطبقات الدنيا غالبًا ما تشابهت أوضاعهم مع أوضاع النساء، في حين تم تخصيص النساء قانونيًا كفئة ليس لها الحق في الملكية، في ظل نظام يقوم على الملكية الخاصة بإطراد. ويطرح المؤلفون في هذا الكتاب وجهات نظر تاريخية واجتماعية مختلفة حول هذه العمليات، إلَّا أنهم يتفقون على أن قمع النساء كان أساسًا لظهور المجتمع الطبقي التقليدي، وعلى أن القمع الجنسي والطبقي قد تطورا بطرق جعلت لا يمكن الفصل بينهما تقريبًا على المستوى التحليلي.
بالرغم من هذه المساحة العريضة من التوافق، يختلف الكُتَّاب في هذا المجلد في نواحٍ هامة. أحد هذه الاختلافات يدور حول كيفية شرح وتحليل تطور تقسيم العمل على أساس النوع. فتذهب ليبويتز إلى ان الحضارات الهوميندية721 المبكرة اعتمدت على إنتاج لا يستهدف نوعًا اجتماعيًا محددًا، في حين تطور لاحقًا تقسيم جنساني غير رسمي للأنشطة مع استخدام الأنظمة الحية للقذائف في الصيد وغيرها من الاختراعات التكنولوجية التي أدت إلى أنشطة منزلية.وتستكمل قائلة إنَّ التقسيم الجنساني الكامل للعمل مع القواعد المقننة للذكور والإناث في العمل والزواج قد نشأ عندما بدأت الجماعات المقايضة فيما بينها، وأنه عمل على خدمة تلك «المقايضة» وتسهيلها. (وقد ميّزت بالحرف الأوّل الكبيرفي كلمة «المقايضة»، «Exchange not exchange» لتفرق بين هذا النمط غير الرسمي من التبادل الذي كان يتم بين الأفراد بوتيرة غير منتظمة). ولا يشكّل أي من التقسيم الجنساني للمهام أو التقسيم الجنساني للعمل على أي حال سببًا أو عَرَضًا لهيمنة الذكور التي ينبغي البحث عن جذورها في موضعٍ آخر.
ويتفق كلٌ من كوونتز وهيندرسون إلى حد كبير على هذا التفسير الذي يرتبط فيه التقسيم الجنساني للعمل مع تنويع تقنيات الإنتاج بما يسمح لبعض الأفراد بالصيد أو نصب الشراك أو التجارة، في حين ينخرط البعض الآخر في الأنشطة المنزلية، بينما يتطوّر نمطٌ آخر له صبغة أكثر رسمية للتقسيم الجنساني للعمل مع احتياج الجماعة إلى تنظيم الإنتاج وتداول السلع والخدمات. كما تتفق كلتاهما على أن تبادل الأزواج، من النوعين، يعد وسيلة تؤسس تعزيز التفاعل الاجتماعي وليس لهيمنة الذكور.
ومع ذلك، يعتقد كلُ من شيفيلارد وليكونتي أنَّ وجود تقسيم اجتماعي واضح المعالم للعمل بين الرجال والنساء، وإذا ما صاحبه تداول للزوجات الإناث، هو بالفعل أحد أعراض هيمنة الذكور. وبالتالي يرفضان التحليل الذي يُرجع جذور تقسيم العمل وفقًا للنوع إلى التاريخ السحيق. ويجادلان بأن تحليل ليبويتز يغطي فترة طويلة جدًا من تاريخ البشرية. ولم تكن هناك فرصة تُذكَر للاستمرارية التامة، لا سيما في مجال السلوك الاجتماعي، ما بين شعوب هذه الأزمنة والأمكنة شديدة التباين. لذلك، ينبغي توخي الحذر عند تحليل دور الاختراعات التكنولوجية مثل استخدام النار والأسلحة القاذفة في التنظيم الاجتماعي. إذ ربما كان تطبيق بعض التقنيات المحددة تأثر بدرجةٍ كبيرة، أو كان مشروطًا، بالتنظيم الاجتماعي للجماعات البشرية التي تمّ «اختراعها» فيها.بعبارةٍ أخرى، يبدو أن الصلة التي أنشأتها ليبويتز بين تلك الاختراعات والتقسيم الجنساني للعمل، ثم بين العمل والأدوار الاجتماعية، جامدة ومتزمتة للغاية وتقلل من تأثير العوامل التطوّرية الأخرى. ويري شيفيلارد وليكونتي التقسيم الجنساني للعمل باعتباره مفهومًا ليس شديد الدقة ولا هو مُعينًا على الفهم فيما يتعلق بديناميكيات هيكل وتطور الجماعات البشرية الأولى.
وثمة نطاق آخر للاختلاف بين بعض الكُتَّاب يتعلق بدرجة وعي الرجال، الذين رغبوا في استغلال عمل الإناث، لخلق الهيمنة الذكورية، أو كنتيجة مخطط لها سلفًا بدرجةٍ أقل وعيًا للعمليات الاجتماعية التي لم ترتكز ديناميكيتها الأصلية على قمع الجنس. فعلى سبيل المثال، وبالنسبة لشيفيلارد وليكونتي، يكمن التناقض المركزي المؤدي إلى حل المجتمعات المشاعية المبكرة في العلاقات بين (بعض) الرجال و(كل) النساء. وبتطوير المجتمعات البدائية لمستويات مادية أرفع للمعيشة، ولفائض القيمة وبتأكيدهم على تقسيم المهام وفقا للجنس والسن، بدأت تلك المجتمعات في تقنين وتنسيق قواعد العشيرة/القرابة التي سمحت بتشكيل مجموعات بشرية أكبر وأكثر استقرارًا. أصبحت هذه المجتمعات تستند على كل من الأمومية والنسب الأمومي، ومن ثَمّ كان هناك اتجاه إلى تراكم الفائض فيها تحت سيطرة النساء. وأدَّى هذا التراكم إلى تناقضات قادت في النهاية إلى مواجهات بين النساء والرجال (الذين ينتمون على الأرجح إلى مجموعات عشائرية مختلفة)، ممن كانت لديهم الرغبة في السيطرة على هذا الفائض. ويستكمل الاثنان، شيفيلارد وليكونتي، ذاهبين إلى أنه إذا كان التطور الطبيعي للمجتمعات الأمومية والنسب الأموي يعمل في اتجاه منح قدر معين من السلطة للإناث، فإنه لا يمكن تفسير عكس ذلك إلا بنوعٍ من الانتصار الذكوري على النساء، الذي تتسلمه مجموعة من الرجال المهيمنين يسيطرون على الفائض وكذلك على القوى العاملة النسائية. ومن هنا نشأ المسكن الأبوي. ولم تكن هناك حاجة لتعميم المواجهات بين النساء والرجال، إذ أنه حتى وإن حدث هذا الانقلاب في حالات قليلة فقط، لانتشرت إذن أبوية المسكن وهيمنة الذكور عبرَ سَطوة المثال وقوة الجيوش. وتقول مونيك ساليو أن الأساطير الإغريقية التراجيدية تقدم دليلًا على الصراع الواضح بين الذكور والإناث حول السلطة.
مِن ناحية أخرى، يرى كلٌ من كونتز وهيندرسون أنَّ هيمنة الذكور هي نتيجة عمليات اجتماعية واقتصادية أكثر تدرُّجية وسلمية. فمع تراكم الفائض وتغير آليات الإنتاج، طورت المجتمعات المشاعية مجموعة متنوعة من قواعد الإقامة والنسب التي لم تنطوِ، أو تعنِ ضمنا في حد ذاتها، على خضوع أو تبعية فورية لأحد الجنسين للآخر. غير أنَّ ظهور ملكية ونسق إنتاج مؤسسة العشيرة أدى إلى خلق تناقضات محتملة بين العشيرة/صلات الدم مِن ناحية وبين الإقامة من ناحية أخرى. ويستند أسلوب إنتاج مؤسسة العشيرة الجديدعلى استيلاء مجموعة مؤسسة النسب أو رئيسها على عمل المنتِجين غير المالكين- في حالة انتساب الزوجين لنفس العائلة. ولا تعتقد كونتز وهيندرسون أنَّ أبوية النسب، أينما ظهرت، قد تطوَّرت بفعل أي مواجهات بين الرجال والنساء أو أنَّ تكون قد نشأت بالضرورة بهدف قمع النساء والاستيلاء على عملهن.
إلا أنهم أدرجوا عددًا من سمات النسب الأبوي التي سمحت للتفاوتات المحتملة في نسق إنتاج مؤسسة العشيرة بأن تتطوَّر على نحو أسرع من أنظمة تداول العمل البديلة (كأمومية المسكن على سبيل المثال). كما ذهبوا إلى أنه تم الإبقاء على التبعيات التي فاقمت وضع النساء قَسرًا، على أيدي زعماء النَسب أولًا ثم الدولة مِن بعد ذلك.
بالنسبة لشيفيلارد وليكونتي إذن، فإنَّ بزوغ هيمنة الذكور، الذي تحقق من خلال الإطاحة بالنظام الأمومي القديم، يدشن نهجًا جديدًا للإنتاج. وهما يريان أنه كان هناك تمزقًا حاسمًا داخل مجتمعات المساواة الأولى (التي كانت تميل إلى الأمومية وخط النسب الأمومي). تسبب هذا التمزق في خلق نمط جديد للإنتاج يقوم على استغلال القوى العاملة النسائية (على أساس أنَّ عددًا من المحاولات ربما كان قد تمَّ قبل ظهور النمط الجديد للإنتاج بجميع خصائصه).وتؤكد كونتز وهندرسون، على النقيض من ذلك، تطور نمط جديد للإنتاج، من داخل المجتمع المشاعي،قائم على ملكية مؤسسة العشيرة وتداول العمل من خلال الزواج. وفي رأيهما، تتطور هيمنة الذكور على نحو أكثر تدرّجا، بعد ظهور نمط جديد للإنتاج، بفعل ديناميكيات العمل والملكية والتبادل داخل مجتمعات مؤسسة العشيرة وكذلك بفعل أبوية وأمومية المسكن.
ولا يبدو أنَّ هناك حلًا نهائيًا لهذه الاختلافات. فيستطيع مؤيدو النهج الأول الإشارة إلى انتشار الأساطير حول إطاحة الرجال العنيفة للنساء، مُشيرين إلى أنَّ هذه الأساطير تمثل ذاكرة تاريخية لتلك الأحداث؛ وسوف يشدّد مؤيدو النهج الثاني على التنوع الفعلي في وضع النساء داخل مجتمعات مؤسسة العشيرة مشيرين إلى وجود نوع من الاستمرار التطوري. ويمكن تفسير حتى الظاهرة الواحدة بسُبلٍ متعارضة تمامًا. فتشير كل من شيفيلارد وليكونتي إلى التناقضات بين المجتمعات أمومية النسب أبوية المسكن (تلك التي يرجع فيها النسب إلى نسل الأنثى بينما تكون الإقامة لدى أقارب الزوج الأموميين/مِن ناحية الأم) كدليلٍ على الفرض القسري لأبوية المسكن.فمثل تلك المجتمعات، بالنسبة لهما، تفتقر إلى المنطق تمامًا ومتناقضة بدرجة يصعب معها أن تنشأ نشأةً طبيعية: «هذه التعقيدات، كما سنرى، علامة على أن أبوية المسكن لا تتطور من تلقاء نفسها فحسب، بل إنها تتدخَّل كتمزق جذري في المجتمعات التي لابد أنّها نشأت على أساس أمومية النسب وأمومية المسكن معًا».
على العكس من ذلك، ترى كونتز وهندرسون أنَّ تناقضات المجتمعات أمومية النسب أبوية المسكن تشهد على طبيعتها الانتقالية. فيشيران إلى أنَّ التحول نحو أبوية المسكن قد يحدث على نحو تدريجي داخل مجتمع سابق أمومي النسب وأمومي المسكن، ما يخلق صراعات بين النزعات الفردية لأبوية المسكن والإقامة والممارسات الجمعية للهياكل والأيديولوجيات أمومية النسب.
بالرغم من خلافاتهم حول أصول هَيْمنة الذكور وخصائص التكوينات الاجتماعية المبكرة، يحدّد المؤلفون من كلتا المجموعتين فئة مجتمع ما قبل الدولة الذي انحصرت فيه أشكال القمع والاضطهاد الأولى بين الجنس والسن. غير أنهم يختلفون حول كيفية وصف تبعية النساء في مثل هذه المجتمعات.فعلى الرغم من وصفهم لنفس الظاهرة الموضوعية- الاستيلاء على إنتاج النساء- تصف شيفيلارد وليكونتي هذا الأمر على انه قمع واضطهاد طبقي، بينما تطلق عليه كوونتز وهندرسون قمع (جنساني)قائم على النوع. وتفضّل شيفيلارد وليكونتي التعامل مع النساء باعتبارهن طبقة مضطهدة لأن ذلك يعزّز استمرارية استبعاد النساء من السيطرة على وسائل الإنتاج؛ بينما تفضّل كونتز وهيندرسون استخدام مصطلح الجنس المضطهد لأن هذا يترك مجالا أكبر لتحليل ما يعتبرونه تنوعًا دالًّا وبارزًا في وضع ومصالح النساء وفقًا لسنهن ولحالتهن الزوجية.
ويعد هذا الاختلاف دلاليًا بكل معنى الكلمة في مناقشات مجتمعات مؤسسة العشيرة؛ غير أنه يكتسب مغزى هامًا عند ربط قمع النساء بالقمع الذي تمارسه المجموعات الاجتماعية الأخرى بمجرّد أن تُفسِح مجتمعات مؤسسة العشيرة المجال لمجتمع مقسَّم طبقيًا وفقًا لعوامل اجتماعية اقتصادية أخرى. تعتقد شيفيلارد وليكونتي أنَّ الطبقة الاجتماعية الاقتصادية قد صيغت واُستمدت من قمع وإخضاع النساء. وتعتقد كونتز وهيندرسون أنَّ في مجتمعات ما بعد مؤسسة العشيرة، تنقسم النساء وفقًا للطبقة ويتحدنَّ كذلك في ظل تجربة مشتركة لتبعية الذكور.
ووفقا لكونتز وهيندرسون، فإنَّ التناقض الأصلي في مجتمعات مؤسسة النسب أبوية المسكن هو ذلك الذي يحدث بين الرجال والنساء داخل مجموعة مؤسسة المُلاّك من ناحية وبين النساء اللاتي يتزوجن من ناحية أخرى. إن تبعية المرأة كنوع هي نتيجة للعمليات الاجتماعية التي تبدأ فيها الأنساب أبوية المسكن في ممارسة السلطة على عمل الزوجات اللاتي تزوجن من نفس العائلة وعلى قدراتهن الإنجابية. وتستفيد النساء الأكبر سنًا وكذلك الرجال من هذا العمل، بالرغم مِن أن المنافع التي يكتسبها معظم النساء تأتي على حساب اضطرارهنَّ لتجربة مرحلة سابقة من القمع والاضطهاد كزوجة. وترى كونتز وهندرسون أنَّ للنساء مصالح متضاربة ما بين كونهم ملّاك داخل إحدى مؤسسات العشيرة ومنتجاتٍ داخل مؤسسة أخرى. وفي هذا التحليل، قد يفاقم نمو الطبقية الاجتماعية الاقتصادية هذه المصالح المتضاربة، رغم أن النساء كنوع قد تظل أقل شأنًا من الرجال. وفي المجتمعات الطبقية المبكرة، تشير كونتز وهيندرسون إلى أنَّ النساء الأرستقراطيات قد يمارسن سلطة كبيرة على الرجال والنساء من الطبقة الدنيا على حد سواء، حتى لو بقين أقل شأنًا من رجال طبقتهنَّ، وبالتالي فقد تنقسم نساء الطبقة العليا والدنيا في مصالحهن ووعيهن، في حين قد يطمس القمعُ وفقًا للنوع بعضَ مصالح الرجال والنساء المشتركة داخل الطبقات الأدنى.
من ناحيةٍ أخرى، فالتناقض بالنسبة لشيفيلارد وليكونتي، هو مايحدث بين بعض الرجال وكل النساء كمجموعة اجتماعية. فلا توجد مصالح متضاربة بين النساء في مجتمع مؤسسة العشيرة أو في مجتمع الطبقة الارستقراطية. فلا تتقاسم نساء الارستقراط الوضع الاجتماعي الاقتصادي لرجال تلك الطبقة، إذ لا يمتلكن نفوذًا مستقلًا على وسائل الإنتاج، بل وقد يُنزلن منزلة العبيد أو ما هو أدني منزلة إذا ما مسسن أو أسأن إلى امتيازات الذكور.إنَّ مصالح نساء الطبقة العليا ليست معادية على الإطلاق لرجالأو لنساء الطبقة الدنيا، ولكنها تتعارض مباشرةً مع مصالح رجال الطبقة العليا. فعلى غرار كبار الموظفين، ترتبط نساء الارستقراط على نحو مصطنع بطبقة أزواجهن أو آبائهن، بينما ينتمين في الحقيقة إلى الطبقات الخاضعة المهيمن عليها، حتى وإن لم يكنَّ على وعيٍ بذلك.
ومرة أخرى، الأرجح أن هذا الخلاف غير قابل للتسوية. فهي مسألة تتعلَّق بجوانب مختلفة يتم التأكيد عليها عند التحليل. ومن الواضح أنَّ الاختلاف له مضامين تتعلق بتحليل دور نساء الطبقة العليا في أي نضال نسوي أو طبقي، ولكن نظرًا لأن نسبة النساء المنتميات للطبقة العليا لا تشكّل إلَّا أقلية من مجموع السكان الإناث، فإن التحليلات لا تزال تؤكد على الترابط بين «مسألة المرأة» والصراع الطبقي.
الهوامش:
1 [الرئيسيات أو الرئيسات أو المقدمات رتبة من طائفة الثدييات، تضم السعالي البدائية. تطورت الرئيسيات من أسلاف شجريّة (قاطنة للأشجار) كانت تعيش في الغابات الاستوائية؛ وبرزت خصائص العديد منها نتيجة التأقلم مع الحياة في هذه البيئة الصعبة. جميع أنواع الرئيسيات الباقية شجريّة ولو جزئيًاً، ما عدا قلَّة قليلة تخلَّت عن الحياة على الأغصان. ويكيبيديا]
2 [رُبَّاح أو البابون (الاسم العلمي: Papio) (بالإنجليزية: Baboon) هو جنس من الحيوانات يتبع فصيلة سعادين العالم القديم من رتبة الرئيسيات. وهو قرد من القرود الكبيرة في مملكة القرود البدائية. يكبره فقط في تلك الفصيلة قرود الماندريل والدريل. فهي قرود كبيرة ذو خطوم طويلة تشبه الكلاب، وتعيش حياة برية. فهذه الخطوم تحوي على اسنان كبيرة مما يجعلها كانها كائنات حية شرسة. ويكيبيديا]
3 Robert Ardrey, African Genesis, New York 1961, p. 36. See also, Sherwood Washburn and Irven DeVore, Baboon Social Organization (film), 1963; Washburn and Chet Lancaster, “The Evolution of Hunting,” in Robert Lee and DeVore eds., Man the Hunter, Chicago 1968; Desmond Morris, The Naked Ape, Lon don 1968; Desmond Morris, The Human Zoo, London 1969; Lionel Tiger, Men in Groups, New York 1969; Konrad Lorenz, On Aggression, New York 1966,
4 Lila Leibowitz, Females, Males, Families: A Biosocial Approach, North Scituate, Mass. 1978; Ruby Rohrlich-Leavitt, Barbara Sykes and Elizabeth Weatherford, “Aboriginal Women: Male and Female Anthropological Perspectives,” in Rayna Reiter ed., Toward an Anthropology of Women, New York 1975.
5 . David Pilbeam, “An Idea We Could Live Without: The Naked Ape” in Ashley Montagu ed., Man and Aggression, New York 1973, pp. 110–21.
6 Nancy Tanner and Adrienne Zihlman, “Women in Evolution: Part 1”, in Signs, no. 1, 1976, pp. 585-604.
7 Thelma E. Rowell, “The Concept of Social Dominance,” in Behavioral Biology HI, 1974, pp. 131—54; Pilbeam, pp. 114—15. 8.
8 Jane Lancaster, Primate Behavior and the Emergence of Human Culture, New York 1975; Leibowitz, Females, Males, Families; M. Kay Martin and Barbara Voorhies, Female of the Species, New York 1975; W. C. McGrew, “The Female Chimpanzee as a Human Evolutionary Prototype,” in Frances Dahlberg ed., Woman the Gatherer, New Haven 1981, pp. 35-74; Nancy Tanner, On Becoming Human, Cambridge 1981.
9 Ruth Bleier, “Myths of the Biological Inferiority of Women,” University of Michigan Papers in Women’s Studies no. 2, Ann Arbor 1976, p. 50; Thelma E. Rowell, “The Concept of Social Dominance,” p. 131.
10 Leibowitz, Females, Males, Families.
11 . Emily Hahn, On the Side of the Apes, New York 1971,
12 Edward O. Wilson, Sociobiology: The New Synthesis, Cambridge, Mass. 1975; On Human Nature, Cambridge, Mass. 1978; Charles J. Lumsden and Edward O. Wilson, Genes, Mind and Culture: The Evolutionary Process, Cambridge, Mass. 1981; David Barash, Sociobiology and Behavior, New York 1982; Richard Dawkins, The Selfish Gene, New York 1976.
13 Wilson, Sociobiology, ch, 2.
14 Edward O. Wilson, “Human Decency is Animal,” New York Times Magazine, 12 October 1975.
15 Richard Lewontin, interview, Dollars and Sense, December 1978, p.9. 15. Gould, Ever Since Darwin. 16. B. J. Williams, “Have We a Darwin of Biocultural Evolution?,” American Anthropologist 84, 1982, p. 849.
16 Gould, Ever Since Darwin.
17 B. J. Williams, “Have We a Darwin of Biocultural Evolution?,” American Anthropologist 84, 1982, p. 849.
18 Richard Burian, “A Methodological Critique of Sociobiology,” in Arthur Caplin, ed. The Sociobiology Debate, New York 1978, pp. 376-95.
19 Marshall D. Sahlins, The use and Abuse of Biology, Ann Arbor 1976.
20 Charles J. Lumsden and Edward O. Wilson, Genes, Mind and Culture; Promethean Fire: Reflections on the Origins of Mind, Cambridge, Mass. 1983.
21 Stephen Jay Gould, “Genes on the Brain,” New York Review of Books, June 983.
22 Williams; Burian; Gould, Mismeasurement of Man; Gould, “Genes on the Brain.”
23 Burian.
24 Richard Lewontin, “The Corpse in the Elevator,” New York Review of Books, January 1983.
25 Gould, “Genes on the Brain”.
26 Williams.
27 Burian.
28 Gould, Ever Since Darwin; Science for the People: Sociobiology Study Group, “Sociobiology - Another Biological Determinism,” in BioScience 26, 3, pp. 182-90; Stuart Hampshire, “The Illusion of Sociobiology,” New York Review of Books, October 1978.
29 Lila Leibowitz, “Perspectives on the Evolution of Sex Differences,” in Reiter, Toward an Anthropology of Women; Leibowitz, Females, Males, Families.
30 Ann Oakley, Sex, Gender and Society, New York 1972, pp. 128-49.
31 لايروكواس (بالإنجليزية: Iroquois) هي تسمية لرابطة قبائل للأمم الأولى من الأمريكيين القدماء التي اتحدت في منطقة البحيرات العظمى. تتألف من خمس قبائل: الموهوك، أونايدا، أنونداجا، كيجا، وسينيكا. اتحدوا في القرن الثاني عشر وأسسوا كونفدرالية. انضمَّت اليهم قبيلة سادسة سنة 1720 وهي قبيلة توسكارورا. تعتبر رابطة الإيروكواس واحدة من أقوى التأثيرات على الديمقراطية الحديثة. مقرهم كان حيث تقع اليوم مدينة سيراكيوز بولاية نيويورك. [المترجم، المصدر: ويكيبيديا]
32 Paula Webster, “Matriarchy: A Vision of Power,” in Reiter, pp. 141-156. 31. Irene Frieze, Jacquelinne Parson, Paula Johnson, Dian Ruble and Gail Zelman, Women and Sex Roles: A Social Psychological Perspective, New York 1978; Ruth Lowe and Miriam Hubbard, Genes and Gender Two, New York 1979; Eleanor Maccoby and Carol Jacklin, The Psychology of Sex Differences, Stanford 1974; Marie Richmond-Abbott, “Early Socialization of the American Female,” in Richmond-Abbott ed. The American Woman: Her Past, Her Present and Her Future, New York 1979. For a critical review of recent theories about differences in male and female brains, see Freda Salzman, “Are Sex Roles Biologically Determined?” Science for the People 9, 1977, pp. 27-33; Joseph Alper, “Sex Differences in Brain Asymmetry,” Feminist Studies 11, 1985, pp. 7-37.
33 Maccoby and Jacklin.
34 Robert Rose, Thomas Gordon and Irwin Bernstein, “Plasma Testosterone Levels in the Male Rhesus: Influences of Sexual and Social Stimuli,” in Science 178, pp. 643-45; Rowell, The Concept of Social Dominance; Maccoby and Jacklin, p. 274
35 Ruby Rohrlich-Leavitt, “Peaceable Primates and Gentle People,” in Barbara Watson ed., Women’s Studies: The Social Realities, New York 1976.
36 Margaret Mead, Sex and Temperament in Three Primitive Societies, New York 1963.
37 Lewontin, “The Corpse in the Elevator,” p. 34; Steven Rose ed., Against Biological Determinism, New York 1982; Rose ed., Towards a Liberatory Biology, New York 1982.
38 التصالُبَة البصرية هي جزء من الدماغ حيث يتقاطع العصبان البصريان جزئياً. تقع التصالبة البصرية في قاع الدماغ مباشرةً أسفل تحت المهاد. وتوجد في جميع الفقاريات، ولكنها في حلقيات الفم ( أنكليسات البحر و أسمالك الجريث ) تقع بداخل الدماغ. [المترجم- المصدر: ويكيبيديا]
39 Beier; Frieze et al. p. 85. 38, Oakley, p. 26; Carol Tavris and Carole Otis, The Longest War: Sex Differences in Perspective, New York 1977; Frieze et al., p. 88.
40 Rose, Gordon arid Bernstein.
41 New York Times, 11 September 1974.
42 Stanley Schacter and Jerome Singer, “Cognitive, Social and Physiological Determinants of Emotional State,” in Psychological Review, no. 69, pp. 379-99.
43 Beach, 1974, quoted in Bleier, 1976, p. 48.
44 R. R. Sears, E. E. Maccoby and H. Levin, Patterns of Child Rearing, Evanston 1957.
45 Letty Pogrebin, Growing up Free, New York 1980, pp. 123-8; C. A. Deavey, P. A. Katz and S. R. Zalk, “Baby X: The Effect of Gender Labels on Adult Response to Infants,” in Sex Roles, no. 2, 1975, pp. 103-11.
46 Oakley, p. 164.
47 H. R. Hays, The Dangerous Sex: The Myth of Feminine Evil, New York 1964; Wolfgang Lederer, The Fear of Women, New York 1968.
48 Elizabeth Faithorn, “The Concept of Pollution Among the Kafe of the Papua New Guinea Highlands,” in Reiter; Evelyn Reed, Women’s Evolution, New York 1975, pp. 95-101.
49 Elizabeth Zelman, “Pollution and Power,: in Dorothy McGuigan, New Research on Women and Sex Roles, Ann” Arbor 1976.
50 كوفاد هو المصطلح الذي صاغه الأنثروبولوجيا أ.ب. تيلور في عام 1865 للإشارة إلى طقوس معينة في العديد من الثقافات التي يتبناها الآباء أثناء الحمل كأن يذهب الرجال إلى السرير ويقومو بطقوس كما لو أنهم يتأثرون جسديا بالولادة. ويرتبط هذا المصطلح في علم الطب بما يسمي الحَمل التعاطفي: هو شعور الشريك أو الزوج ببعض أعراض وآلام الحمل المطابقة للأعراض التي تمر بها الشريكة أو الزوجة الحامل [المترجم، مصادر متنوعة: ويكيبيديا وقواميس]
51 Edward Harper, “Fear and the Status of Women,” in Southwestern Journal of Anthropology, no. 25, 1959; pp. 81-95; Mary Douglas, Purity and Danger, London 1966.
52 Nancy Chodorow, “Family Structure and Feminine Personality,” in Michelle Zimbalist Rosaldo and Louise Lamphere eds., Women, Culture and Society, Stanford 1974, pp. 43-66; Chodorow, The Reproduction of Mothering: Psychoanalysis and the Reproduction of Mothering, Berkeley 1978.
53 Sherry Ortner, “Is Female to Male as Nature is to Culture?,” in Rosaldo and Lamphere, pp. 67-88,
54 Rosaldo, Women, “Culture and Society: An Overview,” in Rosaldo and Lamphere, pp. 17-42.
55 Ortner and Whitehead, pp. 7-8.
56 Joseph Campbell, The Masks of God, New York 1962, 1964; James Melaart, Catal Huyuk: A Neolithic Town in Anatolia, New York 1967; Eleanor Leacock and Jill Nash,“Ideologies of Sex: Archetypes and Stereotypes,” in Annals of the New York Academy of Sciences, no. 285, 1977, pp. 618-45; Peggy Sanday, Female Power and Male Dominance. Cambridge 1981.
57 Carol MacCormack, “Proto-Social to Adult: A Sherbro Transformation,” in Carol MacCormack and Marilyn Strathern, eds., Nature, Culture and Gender, Cambridge 1980, pp. 95-118.
58 Maurice Godelier, “Modes of Production, Kinship and Demographic Structures,” in Maurice Bloch ed., Marxist Analysis and Social Anthropology, New York 1975.
59 Marilyn Strathern, “No Nature, No Culture: The Hagan Case,” in MacCormack and Strathern, pp. 174-222.
60 Leacock and Nash; MacCormack and Strathern.
61 Eleanor Leacock, Myths of Male Dominance, New York 1981; Nicera Suderkasa, “Female Employment and Family Organization in West Africa,” in Yugan Judith Brown, Iroquois Women: An Ethnohistoric Note, in Reiter.
62 Robert Lowie, “Political Organization Among the Australian Aborigines” in Ronald Cohen and John Middleton eds., Comparative Political Systems, New York 1967; Marshall Sahlins, Stone Age Economics, Chicago 1972.
63 Ortner, “Is Female to Male,” pp. 67-88.
64 Denise Paulme, Women of Tropical Africa, Berkeley 1960, p. 7.
65 خاصة بوصف الأجناس البشرية [المترجم]
66 Stratherra.
67 William Divale and Marvin Harris, “Population, Warfare and the Male Supremacist Complex,” in American Anthropologist no. 78, 1976, pp. 521-38.
68 Ibid., p. 521.
69 Dorothy Lee, Freedom and Culture, Englewood Cliffs 1959.
70 Eleanor Leacock, “Class, Commodity, and the Status of Women,” in R. Leavitt, ed., Women Cross-Culturally, The Hague 1975, pp. 601-18.
71 Gerhard Lenski and Jean Lenski, Human Societies, New York 1974, p. 138.
72 Gordon V. Childe, What Happened in History, Harmondsworth 1942; Julian Steward, The Theory of Culture Change, Urbana 1955; Robert M. C. Adams, The Evolution of Urban Society, Chicago 1966.
73 Meiaart.
74 Ester Boserup, The Conditions of Agricultural Growth, Chicago 1965.
75 Divale and Harris, p. 531.
76 Carol Ember, “The Relative Decline in Women’s Contribution to Agriculture with Intensification,” in American Anthropologist, no. 85, 1983, pp. 285.
77 Stephanie Coontz, “Insult and Injury: Growing Old in America” in Coontz and Frank eds., Life in Capitalist America, New York 1975; Leo Simmons, The Position of the Aged in Primitive Society, New Haven 1946.
78 Seymour Parker and Hilda Parker, “The Myth of Male Superiority: Rise and Demise,” American Anthropologist, no. 81, pp. 289-309.
79 George P. Murdock and Caterina Provost, “Factors In the Division of Labor by Sex: A Cross-Cultural Analysis,” in Ethnology, no. 12, 1973.
80 Parker and Parker, p. 293.
81 Frances Dahlberg, Woman the Gatherer, New Haven 1981.
82 Richard Lee, The !Kung San: Men, Women and Work in a Foraging Society, Cambridge 1979; Patricia Draper, “Kung Women: Contrasts in Foraging and Sedentary Contexts,” in Reiter, 1975, pp. 77-109.
83 Ortner and Whitehead, p. 16.
84 Naomi Quinn, “Anthropological Studies on Women’s Status” in Annual Review of Anthropology, no. 6, 1977, p. 183; Susan Rogers, “Woman’s Place: A Critical Review of Anthropological Theory,” in Comparative Studies in Society and History, 20, 1978, pp. 143-7.
85 nnette Weiner, Women of Value, Men of Renown: New Perspectives on Trobriand Exchange, Austin 1976; Quinn, p. 184; Rogers, p. 185; Rohrlich-Leavitt, Sykes and Weatherford.
86 Rogers, p. 146.
87 Rosaldo, “Women, Culture and Society.”
88 Suderkasa, p. 61.
89 Elizabeth Marshall Thomas, The Harmless People, New York 1959, pp. 31-5
90 Karen Sacks, “State Bias and Women’s Status,” in American Anthropologist, no. 78, 1976, pp. 131-54,
91 Suderkasa, p.52; Colin Turnbull, “Mbuti Womanhood,” in Francis Dahlberg, p. 219.
92 Lee, 1979, p. 40.
93 Irving Goldman, ‘Status Rivalry and Cultural Evolution in Polynesia’, in Cohen and Middleton eds.; Eleanor Leacock, Women, Power and Authority’, in Leela Dube, Eleanor Leacock and Shirley Ardener eds., Visibility and Power: Essays on Women in Society and Development, Delhi forthcoming,
94 Kay Martin, “South American Foragers: A Case Study in Devolution,” in American Anthropologist, no. 71, 1969.
95 Leacock, “Women, Power and Authority.”
96 مفهوم يستخدم في الفلسفة الأخلاقية والسياسية والدين والعرف الاجتماعي والقانون الدولي للدلالة على الوضع الافتراضي لما كانت عليه حياة البشر قبل ظهور أو نشأة المجتمعات[المترجم].
97 Ester Boserup, Woman’s Role in Economic Development, New York 1970; Leacock, Myths of Male Dominance; Rogers, p. 158; Rayna Rapp Reiter, “The Search for Origins: Unravelling the Threads of Gender Hierarchy,” in Critique of Anthropology, no. 3, 1977, pp. 13-14; Peggy Sanday, Female Power and Male Dominance, Cambridge 1981; Judith Van Allen, “’Sitting on a Man’: Colonialism and the Lost Political Institutions of Igbo Women,” in Canadian Journal of African Studies, no. 10, 1972.
98 Turnbull, p. 206.
99 John Nance, The Gentle Tasaday, New York 1975, p. 24.
100 anday, pp. 15-34.
101 Quinn, p. 186.
102 Robert Briffault, The Mothers, London 1952; Johan Jacob Bachoven, Myth, Religion and Mother-Right, Princeton 1967; Helen Diner, Mothers and Amazons, New York 1965; Reed; George Thompson, The Prehistoric Aegean, London 1965.
103 Friedrich Engels, The Origin of the Family, Private Property and the State, New York 1972.
104 Sarah Pomeroy, Goddesses, Whores, Wives and Slaves: Women in Classical Antiquity, New York 1975.
105 Gordon V. Childe, Social Evolution, London 1951, pp. 64-5.
106 C. Fuehr-Lobban, “A Marxist Reappraisal of the Matriarchate” in Current Anthropology, no. 20, 1979, pp. 341-8.
107 Reiter, “The Search for Origins.”
108 Sanday; Leacock, “Women, Power and Authority.”
109 Sanday, p. 248.
110 Ibid., p. 90.
111 Ibid., p. 9.
112 Ibid., pp. 185-6.
113 Ibid., p. 179.
114 Ibid., p. 69.
115 Ibid., p. 170
116 Ibid., p. 116.
117 Audrey Richards, “Some Types of Family Structure Amongst the Central Bantu” in A. R. Radcliffe-Brown and O. Forde, eds. African Systems of Kinship and Marriage, London 1950; Richards, Land, Labour, and Diet in North Rhodesia, London 1940.
118 Sahlins, Stone Age Economics.
119 Sanday, pp. 102-3.
120 Leacock, “The Montagnais Hunting Territory and the Fur Trade,” American Anthropologist, 78, 1954.
121 Leacock, 1957; “Women’s Status in Egalitarian Society,” Current Anthropology, 19, 1978, pp. 247-75.
122 Engels.
123 Mona Etienne and Eleanor Leacock, eds., Women and Colonization, New York 1980.
124 Leacock, “Women, Power and Authority.”
125 Ibid.
126 Morton Fried, The Evolution of Political Society, New York 1967.
127 تتعلق برئيسيات الهومينيداي أو القردة العليا التي تضم البشر وأسلافهم [المترجم، المصدر: ويكيبيديا]