قضايا

محمد عبد السلام

أحمد شرف الدين.. القائد اليساري المدافع عن العمال

2021.12.01

أحمد شرف الدين.. القائد اليساري المدافع عن العمال

 

في شهر نوفمبر تحل الذكرى الخامسة عشرة لرحيل المناضل أحمد شرف الدين. الاسم الكامل: أحمد محمد شرف الدين، محامي العمال والفلاحين، وذلك تمييزًا له عن مناضل آخر يحمل الاسم نفس، وكثيرًا ما جرى الخلط بين الشخصين من قبل جهات الأمن.

ولد أحمد شرف في (عزبة أولاد علام) أحد الأحياء الشعبية في قلب الدقي بمحافظة الجيزة، وكان هذا المكان تجمعًا لكل أبناء الصعيد والريف الوافدين للعمل والإقامة في القاهرة وضواحيها، ومع نمو حركة العمران، واستبدال المنطقة الزراعية المحيطة بها بالعمارات الشاهقة والفلل للصفوة والقادرين، اعتبروا أن بقاء أولاد علام «سُبة» في جبين الدقي، وجرت المحاولات العديدة لإزالتها، وكانت معركة التصدي لهذا التفكير البرجوازي المعادي لمصالح الفقراء والبسطاء وسكان المنطقة، همًّا ملازمًا لأحمد شرف، فحشد له إمكاناته الفكرية والسياسية في تنظيم الأهالي للدفاع عن مساكنهم، وتواصل هذا الجهد طيلة حياته منذ كان طالبًا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة حتى وفاته، ونجح في إبقاء هذا المكان حتى الآن، واستقرت أوضاعه وأصبح اسمه (أولاد علام) بعد استبعاد كلمة «عزبة».

التحق أحمد شرف بمنظمة الشباب الاشتراكي فور دخوله مدرسة السعيدية الثانوية، وعرف أولى خطوات الفكر الاشتراكي، لكنه سريعًا ما تخطى هذه المرحلة، ونهل الفكر الاشتراكي من مصادره الأصلية، وتبنى بعدها الفكر الماركسي منهجًا للتفكير، وطريقًا للتغيير. وبعد دخول الجامعة، وتأسيس أسرة «الفجر» بكلية الحقوق، بدأ يكتب الكثير من المقالات لمجلات روز اليوسف، والطليعة وغيرها.

عندما اختار الالتحاق بصفوف «الحزب الشيوعي المصري 8 يناير» الذي حمل اسم الحزب الموحد للحركة الشيوعية المصرية التى جرت أواخر عام 1958، وإيمانًا بدور قادة هذا التنظيم الوليد في تصويتهم برفض حل الحزب الذي جرى التصويت عليه في معتقل الواحات أوائل عام 1964، وسميت هذه المجموعة الصغيرة من رافضى الحل بمجموعة «النواة».

شغل أحمد شرف موقعًا قياديًّا بهذا الحزب، وتبنى رؤيته السياسة، وخطه السياسي الذي رأى أن السلطة الحاكمة هى سلطة (البرجوازية البيروقراطية)، وكتب ردًّا على القائلين (بحل الحزب) دراسته المهمة عن: التحريفية هي الخطر الرئيسي داخل الحركة الشيوعية. ورد فيها على القائلين بنظرية (النمو اللارأسمالى)، وعدم ضرورة الحزب.. وغيرها من المقولات التحريفية التي سادت حركة اليسار المصري وقتها، وسلمها (من خمسة مقالات) لأحد المسؤولين بمجلة الطليعة، لكن الظروف حالت دون نشرها.

شغف أحمد شرف بالفلسفة والاقتصاد كأحد أقسام الاشتراكية العلمية، وتخصص فيها في (مدرسة الكادر) داخل الحزب. ولم يقتصر اهتمام أحمد شرف على ذلك فقط، بل انغمس في دراسة قانون العمل وقانون المنظمات النقابية العمالية، حتى صار واحدًا من أبرز المدافعين عن حقوق العمال، وقد نشرت له مجلة الطليعة في عدد أغسطس 1976 دراسة نقدية لقانون المنظمات النقابية العمالية رقم 35/1976 الصادر قبلها بقليل.

كما اهتم بتقديم رؤية نقدية شاملة لمشروع قانون العمل قبل صدروه بالقانون 12/2003 ، وذلك من خلال اللجنة القومية للدفاع عن حقوق العمال التي أسسها مركز العدالة بالتعاون مع أحزاب اليسار المصري الموجودة وقتها، فضلاً عن العديد من القادة النقابيين العماليين من مختلف المواقع والمصانع على امتداد الوطن، وظلت اللجنة تتناول نسخ مشروع القانون المتتالية بالنقض وتقديم البديل لعشر سنوات كاملة حتى صدرت النسخة الأخيرة، وعقدت اللجنة اجتماعاتها بالتناوب بين الأحزاب المشاركة (كان من المشاركين قيادة عمالية رائعة تنتمي للطليعة الوفدية)، فكانت الاجتماعات والمؤتمرات الدورية تعقد في أحزاب التجمع والناصري والوفد وغيرها..

في مارس 2003 وفي أثناء مناقشة مشروع القانون بالبرلمان، تجمع العديد من المشاركين في اللجنة أمام البرلمان في وقفة احتجاجية وطلبوا مقابلة رئيس البرلمان، وسمح لعدد بالدخول، وعرضوا ورقة أحمد شرف النقدية مع المواد البديلة عليه بحضور نحو 15 نائبًا من المتعاطفين مع اللجنة والداعمين لها.. ونجحت المساعي (بتحسين) بعض المواد بالقانون من أهمها استحداث المادة (119) من القانون والتي أعطت للعامل المستقيل الحق في الرجوع عن استقالته خلال أسبوع من إخطاره بقبولها، وذلك لإبطال الاستقالات المسبقة التي يفرضها أصحاب الأعمال وتقدم مع أوراق التعين.

ونجح أحمد شرف في صفوف هيئة دفاع عمال السكة الحديد بعد إضرابهم الشهير في أغسطس 1986، ونجح في التشاور مع الأستاذ نبيل الهلالي في طرح قضية (مشروعية حق الإضراب) بعد توقيع مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966، وبالفعل حكمت المحكمة ببراءة جميع العمال.

سبق ذلك إعداد مؤتمر موسع للتضامن مع العمال في نقابة المحامين، وتخصيص عدد من مجلة «صوت العامل» غير الدورية لشرح القضية ومطالب العمال المشروعة والتضامن معهم، بعد أن زارهم أحمد شرف في محبسهم، وطمأنهم على سير القضية.

أهتم مركز العدالة لحقوق الإنسان (غير الممول) الذي أسسه أحمد شرف مع نخبة مخلصة من أبناء الطبقة العاملة من المحامين والمثقفين والقادة العماليين، اهتم بقضية فلاحي سراندو بالبحيرة، وزارهم أكثر من مرة بقريتهم، بالرغم من الحصار الذي كان مفروضًا عليهم، وترافع عن الفلاحين المتهمين بالشغب والاستيلاء على أرض الغير، ومقاومة السلطات، وحصل لهم جميعًا على البراءة بمشاركة زملاء المركز وقتها الأساتذة: أحمد كامل، ماجدة فتحي وغيرهم.

وبعد أن أسس أحمد شرف مجلة «صوت العامل» غير الدورية، وشارك في تحريرها الكثير من قادة وشيوخ الحركة النقابية والعمالية، لتصدر بقروش المؤسسين البسيطة 9 أعداد خلال الفترة من فبراير 1985 حتى أغسطس 1989، توقفت بعد القبض على بعض محرريها بعد أحداث شركة الحديد والصلب، واتهامهم بتحريض العمال على الإضراب!

كما أصدرت «كراسات صوت العامل» وحمل الكراس الأول عنوان: الحركة النقابية العمالية.. المأزق والحل. وصدر العدد الثاني في أثناء القبض على عمال السكة الحديد تحت عنوان: كفاح عمال السكة الحديد في ثمانين عامًا، بمشاركة زملاء من هيئة التحرير ومن بينهم أحمد شرف الدين. وبعد توقف المجلة عن الصدور أصدر مركز العدالة كتاب: عمال بلا حماية.. رأسمالية بلا قيود.. نقد مشروع قانون العمل الجديد.

وقد شارك أحمد شرف في تأسيس (اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية) التي استضافها مركز هشام مبارك للقانون عدة سنوات، وكان يحضر اجتماعها الشهري الكثير من القيادات العمالية من مختلف المحافظات، لتداول أخبار النقابات والحركة العمالية في المواقع المختلفة، ووضع برامج التثقيف لرفع وعي قيادات الحركة العمالية، ووضع خطط المستقبل.

وكانت اللجنة تعقد مؤتمرًا سنويًّا في نقابة الصحفيين لتكريم قادة الحركة، ولدراسة بعض المشكلات والتحديات التي تواجهها، واستمرت هذه المؤتمرات على مدار خمسة أعوام، شاركنا فيها أحمد حتى رحل عن دنيانا في عام 2006، وواصل رفاقه العمل باللجنة حتى ثورة يناير 2011 المجيدة.