هوامش
رشا رمزيأزمة التيجراي.. صراع سياسي أم أزمة دولة؟
2021.03.01
أزمة التيجراي.. صراع سياسي أم أزمة دولة؟
على نحو سريع ومتصاعد، تطورت المناوشات لتشعل المنطقة الشرقية من القرن الأفريقي في المنطقة الفاصلة ما بين إريتريا وإثيوبيا، أعداء الأمس أصدقاء اليوم، في الإقليم الخاص بإثنية التيجراي، لتسفر عن أزمة إنسانية حادة في ظل الظروف الإقليمية؛ إلى درجة أن عدد المنشأت التي تقدم الخدمات الطبية، في ظل هذه الظروف الصحية، لا تتجاوز 4 أماكن من أصل 5 منشآت، كلها توقفت، نتيجة للقصف سواء من الجيش الإثيوبي أو من القوات الإريترية.
والواضح أن القرار السابق لرئيس الوزراء آبي أحمد بتأجيل الانتخابات في إثيوبيا قد أسفر عن خلق أزمة دستورية، وكانت جائحة كوفيد-19 (19-COVID) هي الحجة المستخدمة لهذا التأجيل، ولكنها لم تكن السبب الحقيقي. فإثيوبيا تتسم من حيث الشكل بكونها فسيفسائية التركيب؛ إذ تتكون من أقاليم إثنية؛ فالأمهرة يشكلون 27%، والتيجراي 6%، وهم المنافسون التقليديون لجماعة الأورومو؛ البالغة نسبتها 34.4% من الشعب الإثيوبي والتي ينتمي إليها أحمد؛ رئيس الوزراء.
هذا التشكيل والتكوين المصطنع لدولة إثيوبيا نتج عنه عدم استقرار صاحب هذه الدولة العملاقة، وعليه إذن ينبغي أن تُحكم بالقوة الديكتاتورية، أو بخلق عدو خارجي على الدوام، كي تظل محتفظة بتماسكها الشكلي، لكنها داخليًّا معرضة للانقسام إلى دول. فقد كان قرار الحكومة الإثيوبية بتأجيل الانتخابات المقررة لفترة غير محدودة نتيجة للوباء، هو الشرارة التي أشعلت فتيل الصراع؛ إذ أطلقت المعارضة الإثيوبية على هذا التمديد مصطلح "أزمة دستورية"، كون مدة حكم آبي أحمد المقررة بخمس سنوات انتهت بالفعل، وكذلك فإن فترة الهيئات التشريعية الاتحادية والإقليمية المنتخبة قد انتهت بالفعل في 30 سبتمبر، وهو ما اعتبره التيجراي تحديًا واضحًا للدستور الإثيوبي.
لكنها لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الخلاف الإثيوبي/الإثيوبي؛ فقد أعلنت السلطات الأمنية إلقاء القبض على 45 شخصًا، في تشكيل سُمي "أبا توربي" عام 2018، للاشتباه في تورطهم بالتخطيط لتنفيذ عملية اغتيالات ضد مسؤولين حكوميين كبار وشخصيات بارزة ومسؤولين حكوميين وقوات نظامية في أديس أبابا، والمثير أنهم كانوا من قوات الحرس الرئاسي الخاص. وذلك إثر قيام نحو 250 من أفراد القوات الخاصة بالجيش الإثيوبي في أكتوبر من نفس العام (2018) باقتحام مكتب آبي أحمد حاملين الأسلحة، للتعبير عن شكاواهم المتعلقة بالأجور ومطالب أخرى، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي وصف تلك المحاولة بأنها "خطيرة، واستهدفت تصفيته وإجهاض التغيير الذي تشهده البلاد". ومن ثَم صدرت عليهم أحكام بالسجن تراوحت ما بين 5-14 عامًا.
الأزمات والدولة
الحال نفسها تكررت مع إثنية الأورومو، وذلك عندما تولي آبي أحمد الحكم؛ فكيفما طارد الذباب الملك النمرود ذو الجبروت واستقر في رأسه ومن ثم قتله؛ هكذا فعلت حركة "القيروو" Qeerroo، والتي تعني "الشباب" بلغة الأورومو، الذين دعوا ونجحوا في تنظيم إضراب سلمي في مدينة "أداما"، ثاني أهم المدن الإثيوبية، والمدينة الرئيسية للأورومو؛ وهي الإثنية المهمشة منذ حكم هيلاسلاسي الإمبراطوري وحتى يومنا هذا. هذه الحركة المكونة من الشباب طاردت الحكومة الإثيوبية، إذ دعت إلى الإضراب العام، وتم إغلاق جميع المكاتب والمحال التجارية، بل وصل الإضراب إلى المكاتب الحكومية، التي أغلقت فخلت الشوارع والطرق من ماسحي الأحذية حتى!
والناظر للجبهة الديموقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (EPRDF) سيجد أن ميلسي زيناوي ارتكب نفس ما عابه على الأوربيين؛ من إنشاء دول بشكل مصطنع لا يربط بينها رابط. كذلك فعل زيناوي بأن أنشأ عقب انقلابه على منجستو هيلا مريام في 1991؛ فقد أنشاء زيناوي، وهو في الحكومة المؤقتة الجبهة الديموقراطية لثورة الشعب الإثيوبي، وذلك من الإثنيات الرئيسية في إثيوبيا، مثل الأمهرة التي حكمت البلاد لفترة طويلة حين تولى الإمبرطوار هيلا سيلاسي الحكم في الماضي، والتيجراي التي حكمت منذ تولي أحد أفرادها الحكم وهو ميلسي زيناوي. والأورومو، وهي الإثنية صاحبة الأغلبية العددية، والتي ينتمي إليها أحمد، ثم الصوماليين في إقليم أوجادين الصومالي المحتل من قبل إثيوبيا.
هذا التشكيل الذي وضعه زيناوي فتح المجال أمام الإثنيات، والاعتراف بها وإعلانها. فبعد أن كان ينظر إلى الانتماء الإثني باعتباره جريمة، وفقًا لسياسات الاستيعاب التي طبقها النظامان الإمبراطوري والشيوعي؛ تم الاعتراف بكل الإثنيات، بل وتمكنت من تشكيل الأحزاب.
فما المشكلة إذن إن كانت كل الإثنيات ممثلة في الجبهة الحاكمة في العاصمة أديس أبابا؛ السر يكمن في الممثلين عن هذه الإثنيات؛ فقد تم اختيارهم بعناية من طبقة تخدم مصالحها فقط، ولا تخدم مطالب وحقوق الإثنية التي تمثلها في الجبهة الحاكمة. وليس أدل على ذلك من اتحاد آبي أحمد، وهو من الأورومو، مع رئيس أركان الجيش سيري مكونن، وهو من التيجراي، لتقوية مركز الأول، لكن الأقدار شاءت أن يُقتل الأخير على يد الجنرال أسامنيو تسيجي رئيس جهاز الأمن في إقليم الأمهرة.
وهو ما يفسر ثورة شباب القيروو، ضد رئيس الدولة، الذي ينتمي للجماعة الإثنية نفسها، وبالمنطق نفسه يفسر الأزمات الإثيوبية المتتالية والتي لا يمكن وصفها إلا بأنها صراع على السلطة، لكنها ليست بين جماعات إثنية وبعضها بعضًا، بل بين الجبهة الحاكمة والشعوب المحكومة في جميع الأقاليم.
كلمة السر: الانتخابات
كان تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا عقدها في سبتمبر 2020 سيناريو مماثلاً ومكررًا من التلاعب في موعد الانتخابات. فقد شهدت الانتخابات السابقة في إثيوبيا مشكلات تصاعدت من عام 2000 إلى عام 2005 ثم عام 2010 وصلت ذروتها فى انتخابات عام 2015، التى لم ينجح فيها أحد من المعارضة تقريباً، فشككت المعارضة فى نتائجها وطعنت عليها بالتزوير، وكانت هذه الانتخابات المعيبة هى الشرارة الأولى للاحتجاجات على ديسالين، ومن ثم أُجبر على تقدم استقالته. وهو السيناريو نفسه الذي تكرر تمامًا مع أحمد بعد أن أجَّل انتخابات البرلمان من 2020 الى 2021، تحت دعوى منع انتشار الكورورنا، مما أدى لتصاعد الأصوات المعارضة ضده. ولم يكتف الرئيس الإثيوبي بتأجيل الانتخابات فقط؛ بل قام أيضًا بحل الجبهة الديموقراطية الثورية للشعب الإثيوبي التي حكمت منذ 1991 وحتى 2020، وهي من اختارته رئيسًا.
ثم قام آبي أحمد بدمج معظم الأحزاب الأعضاء المتخلفين عن الجبهة المنحلة؛ فيما سمي بحزب الازدهار، الذي ورث دور الجبهة كحزب حاكم. وبناءً عليه رفضت جبهة تحرير شعب تيجراي الدخول في هذا الاندماج وهي الحزب التأسيسي الممثل لشعب التيجراي، بل أعلن أن الحزب سيشارك في الانتخابات كحزب منفصل. ومن ثَم يصبح من المبرَر جدًا نشوب صراع في إقليم التيجراي كي يكون مبررًا مقبولاً للقضاء على معارضي نظام أحمد، الذي يبدو أنه ينحو نحو اتباع مسار مثله الأعلى زيناوي؛ ليس في تحقيق حلم الأخير بتنفيذ سد النهضة، بل أيضًا بالجلوس على عرش إثيوبيا لما يزيد عن 20 عامًا، وهذا ما جعل أحمد يحقق المصالحة مع العدو التقليدي والجار الملاصق؛ إريتريا، كي يقلل من جبهات المواجهة، بل إنه تمكن من استخدام إريتريا في ضرب التيجراي وحصارهم كون أسمرة هي الاقرب للإقليم. ومن هنا فإن كل ما يقوم به آبي أحمد يبدو أنه لا يسير في سبيل الاصلاح السياسي بتاتًا، على الرغم من تحقيق إصلاحات اقتصادية محدودة في نهاية مدته القانونية. بل قد يؤدي إلى نشوب المزيد من الصراعات التي تجعل من إثيوبيا قنبلة موقوتة، في انتظار من يشعل فتيلها، لتنفجر في الإقليم بكامله.