نظر
لوسى ريزوفاأولاد وبنات وكوداك
2018.01.01
تصوير آخرون
إعداد وترجمة: دينا جميل
أولاد وبنات وكوداك
من خلال دستتين من ألبومات الصور الشخصية لشبان وشابات مصريين عاشوا في العقود الوسطى من القرن العشرين، تبحث لوسي ريزوفا في الكيفية التي نمت وتطورت بها شخصيات هؤلاء الشباب.
فمن خلال عملية صناعة الألبومات (اختيار الصور وترتيبها) نفسها كان هؤلاء الشباب الساعين للحداثة يؤكدون ويمارسون حضريتهم المحدودة كطبقة وسطى. وعلى عكس ما هو متداول عن ألبومات الصور، لم يكن الهدف من هذه الألبومات توثيق حياوات هؤلاء الشباب، أو أن تكون أدوات مساعدة للذاكرة يتم تداولها مع الأجيال الأحدث منهم، بقدر ما كانت تقارير بصرية عن الذات وأدوات يصنع من خلالها هؤلاء الشباب عوالمهم وذواتهم.
ما ميز هذه الألبومات كذلك كون «الأقران» كانوا عاملًا هامًا في تكوينها، من حيث أن معظم الصور الموجودة بها تم التقاطها أثناء أنشطة ترفيهية شاركوا بها، أو أنهم أنفسهم من قاموا بالتقاط الصور.
مثلت هذه الألبومات إلى جانب الأنشطة التي كان صناع الألبومات يمارسونها مع أقرانهم مناطق استقلال بعيدًا عن السيطرة الأبوية، لكنها رغم ذلك متداخلة في التكوينات الأبوية الأكبر. وعكست هذه الألبومات خصوصية النوع الاجتماعي، حيث لا يتداخل النوعان في ألبوم واحد. كما استبعدت هذه الألبومات كبار السن من التواجد بها، في نفس الوقت الذي أخفاها صناعها عنهم.
وتختلف ألبومات الأقران بشكل عام عن ألبومات «الأسرة»، وهو ما قد يكون أحد أسباب عدم وجودها ضمن نماذج الألبومات التي عثرت عليها ريزوفا في أسواق القاهرة. فألبومات الأسرة تعامل باعتبارها «جواهر» العائلة التي يتم الحفاظ عليها وتوريثها من جيل للتالي. أما ألبومات الأقران فهي تحيا مختفية، ولا يتم مشاركتها إلا مع قلة مختارة، لينتهي الأمر بنسيانها.
وفي نهاية المطاف تظهر هذه الألبومات كيف تطور فاعلين (الشباب) في مرحلة تاريخية معينة من خلال التفاعل مع «أشياء»، وكيف تبني البطريركية والفردية كل منهما الأخرى.
وحيث أن هذه الصور نابعة من سياق وعلاقات اجتماعية بعينها، فهذه الألبومات تعبر عن الكيفية التي تطور بها أفراد المجتمع بشكل ذو بعد طبقي ومعتمد على النوع في بدايات إلى منتصف القرن العشرين، من خلال مجموعة من الممارسات من ضمنها التصوير وصناعة الألبومات.
جمعت ريزوفا هذه الألبومات على مدار 15 عامًا من أسواق الكتب والأوراق المستعملة في القاهرة. وتحتوي الألبومات على صور شباب في مراهقتهم المتأخرة وأوائل عشريناتهم، حيث يظهرون في الصور وحدهم، أو مع مجموعات صغيرة من الأصدقاء في الحدائق وعلى الأسطح وعلى الشواطئ في الصيف أو على جانبي النهر خلال نزهات نهاية الأسبوع في الشتاء.
وفي كل ألبوم يظهر شاب أو شابة باعتبارهم أصحاب الألبوم وصناعه وموضوع الغالبية العظمي من صوره، وهو ما تطلق عليه ريزوفا المؤلف-الموضوع. تتضمن الصور، بورتريهات رسمية تم التقاطها في استوديوهات تجارية؛ ولكن الأغلبية هي لقطات لصاحب أو صاحبة الألبوم التقطها أصدقاؤهم باستخدام كاميرا شخصية.
عادة ما تبدأ القصة التي يرويها الألبوم بمجموعة من الصور الرسمية الملتقطة في أستوديو للمؤلف-الموضوع وفي الأغلب ما تكون صغيرة الحجم تظهره أو تظهرها في مراحل مختلفة من حياتهم كشباب صغير.
تقدم الصور تسلسل زمني لحياة الشاب من الصبا للمراهقة المبكرة. وتعد الصفحات الأولى نوعًا من التقديم للألبوم بأكمله، حيث يصبح من الواضح تمامًا أن هذا الألبوم ملك له، وكذلك عنه. يقدم الألبوم تاريخ بصري للمؤلف-الموضوع منذ طفولته وحتى اللحظة الحالية التي يتم فيها صناعة الألبوم. إلا أن هدف هذه الألبومات ليس توثيق -الحياة-، فمجموعة الأصدقاء التي تعد جمهور الألبوم تعرف القصة بالفعل. الألبومات هي بالأحرى تعبير مرئي عن الذات في مرحلة تاريخية بعينها، وكذلك واحدة من الأدوات التي يصنع من خلالها الشباب عوالمهم.
وبعد التقديم، تبدأ الحياة تدب في الألبومات، حيث لا يظل المؤلف-الموضوع وحده في الصور ولا تظل الصور ثابتة، بل نجد معه آخرين في مواقف وأوضاع مختلفة.
وتمثل استراتيجيات السرد البصري المستخدمة؛ الصور الرسمية التقديمية واللقطات الملتقطة أثناء الحركة طرقًا مختلفة لقول هذا أنا: هذا هو ما أبدو عليه، وهذه هي الأشياء التي تعرفني كفاعل: أصدقائي وما أفعله من أجل الترفيه. من خلال عملية صناعة الألبوم يبحث الشباب عن ذواتهم، وفي هذا السياق تلعب الكاميرا دورًا أساسيًا.
حسني نموذج لأحد الشباب صناع الألبومات. وكان طالبًا في كلية الفنون الجميلة في وقت عمل الألبوم (1944-1953) كما كتب على غلاف الألبوم الذي نستعرض بعضًا من صوره. كان حسني ممن يطلق عليهم في ذلك الوقت -أفنديات-، وهو ما يشير لجيل صاعد يرتفع طبقيًا ويسعى للحداثة. تأتي هذه الفئة من خلفيات ريفية وحضرية متوسطة مثل عائلات التجار، الحرفيين، أو ملاك الأراضي الصغار والمتوسطين الذين يتميزون بتبني عادات وأساليب حياة تقليدية. كان أبناء هذه الفئة هم الجيل الأول الذي يتم إرساله للمدارس الحديثة وبالتالي الأول في تلقي أشكال حديثة من المعرفة وأنماط الحياة. سعى الأفندية للتوظف في بيروقراطية الدولة أو في المهن الحرة (أطباء، محامين، معماريين)، وشكلوا الطبقة الوسطى الصاعدة في مصر.
ومثل غيره من ألبومات الشباب في هذه المرحلة لا تهدف الصور في هذا الألبوم إلى توثيق الأنشطة التي يقوم بها حسني، ولكن حسني نفسه، وما يدور في ذهنه والحالة المزاجية التي يرغب في إعادة خلقها في الألبوم.
ما تكشفه هذه الألبومات بشكل حاسم هو الممارسات التصويرية السردية التي يقوم بها حسني وأقرانه. ومن خلال التقنيات المستخدمه للسرد عن الذات (التصوير وصناعة الألبومات والكتابة) تظهر ذات تاريخية خاصة. لكن هذه الذات لا تنعكس أو يتم التعبير عنها في -الصورة-، أو النص الذي أحيانًا ما يصاحب الصورة، كما في حالة حسني. في الواقع هي تخرج للوجود من خلال عملية صناعة الألبوم أو كتابة المذكرات. يروي ذلك (الذات): التصوير الفوتوغرافي، صنع الألبوم، الكتابة.
وعلى عكس الشباب الذين صنعوا هذه الألبومات في بدايات إلى منتصف القرن العشرين، كانت الفتيات اللاتي صنعنها من طبقة أخرى. فالشباب من خلفيات متوسطة، ليست فقيرة ولكن ذات أساليب حياة تقليدية، وكانوا في مسار صاعد تجاه الانتماء للطبقة الوسطى الحضرية. كانت أخواتهم وزوجاتهم أميات ورهينات المنازل. ولم يكن لديهن الوقت أو الفرصة لصناعة الألبومات أو كتابة المذكرات.
على العكس من ذلك كانت الشابات اللاتي صنعن الألبومات من طبقة أعلى. كن فتيات المدارس من أبناء النخبة، وأحيانًا بنات أصحاب الأراضي، أو بنات جيل سابق من الأفندية استطاع الوصول للمستويات المتوسطة إلى العالية في الجهاز الإداري للدولة وأصبحوا في مصاف الطبقة الوسطى.
تميزت ألبومات الشابات كذلك بتصويرها لجلسات ارتداء الأزياء التي تقوم بها الشابات، حيث ترتدي مجموعة صغيرة من الفتيات أزياء مختلفة ويقمن بتصوير بعضهن البعض في غرف المعيشة، أو في الشرفات أو الحدائق أو على الأسطح.