عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

بن بورجيس

الحملات المعادية للشيوعية ضد زهران ممداني

2025.07.14

مصدر الصورة : AFP

ترجمة: المرايا

المقال الأصلي منشور في مجلة JACOBIN في تاريخ 7 يوليو 2025 [1]

 

ليس من المفاجئ أن زهران ممداني يؤمن بالسيطرة الديمقراطية على الاقتصاد، وهي الغاية النهائية للاشتراكية. لكن السبب في فوزه هو أنه جمع بين السياسة الاشتراكية والحلول العملية لأزمة تكلفة المعيشة التي تواجه العمال الأمريكيين.

في مؤتمر لـ"الشباب الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا" عام 2021، ناقش زهران ممداني مجموعة من الإصلاحات الفورية التي تؤيدها المنظمة. لكن بجانب هذه الأهداف القريبة، تحدث أيضًا عن "الغاية النهائية" للسياسة الاشتراكية: " الاستيلاء على وسائل الإنتاج .

وخلال الأسبوع الماضي، أعيد تداول مقطع فيديو لهذا اللقاء على وسائل التواصل اليمينية، واعتُبر بمثابة "فضيحة كبرى" لممداني، الفائز لتوه بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك.

هكذا نشرت مجلة National Review خبرًا بعنوان: "أوه، هذه شيوعية حرفية!"، وقال المعلق في CNN سكوت جينينغز إن ممداني "يستخدم لغة البلاشفة". أما النائبة الجمهورية نيكول ماليوتاكيس فقالت إن هذه "أخطر عبارة قالها ممداني" وأنها "مأخوذة مباشرة من كُتيب الشيوعية لكارل ماركس".

هناك افتراض بأن هذه تصريحات صادمة، لكن لا أحد يشرح السر وراء هذه الفرضية. لقد سُئل ممداني من قبل مراسلCNN ، قبل ظهور هذا المقطع بأيام، عمَّا إذا كان "يُحب الرأسمالية؟"، فأجاب بوضوح: "لا، لديّ العديد من الانتقادات". ودائمًا ما كان ممداني يصف نفسه بـ"الاشتراكي" خلال الانتخابات التمهيدية التي هزم فيها الحاكم السابق أندرو كومو بفارق 12 نقطة في الجولة الأخيرة.

وطبيعي تمامًا أن يدعو اشتراكي إلى السيطرة الديمقراطية الجماعية على وسائل الإنتاج، مثلما هو طبيعي تمامًا أيضًا أن يدعو ليبرالي إلى "تحرير" الاقتصاد، أو ينادي المحافظ بالحفاظ على الوضع القائم. السيطرة الديمقراطية الجماعية على الإنتاج هي جوهر الفكرة الاشتراكية، واستغراب الإعلام لتصريحات ممداني هذه يكشف عن مدى اغتراب النخبة الإعلامية عن أفكار اليسار.

 ممداني وساندرز والبلاشفة وحزب العمال

الناقد مات تايبي، الذي كان في الماضي مؤيدًا لبرني ساندرز ومواقفه اليسارية، كتب في Substack مقالة يسخر فيها من ممداني، واصفًا إياه بأنه "بطل خارق من مارفل لكل طالب ناشط يقرأ جاكوبين ويرتدي الكوفية"، وأضاف أن فوزه على كومو "يؤشر على أن اشتراكية الحرم الجامعي بدأت تتجه نحو الساحة الانتخابية السائدة".

لكن تايبي حاول التوفيق بين هذا الهجوم على ممداني وبين دعمه السابق لساندرز بالقول:

"البعض سيقول إننا رأينا تحركًا نحو ممداني عندما صعد ساندرز.. لكن سياسة الأخير عندما وصل إلى واشنطن كانت أقرب إلى أيزنهاور منها إلى ماركس، إذ كان يدعو إلى أفكار، مثل: رفع الحد الأدنى للأجور والتأمين الصحي الشامل وإعادة استيراد الأدوية".

إلا أن هذا التمييز مصطنع، فساندرز بدأ حياته السياسية في "رابطة الشباب الاشتراكيين"، وترشح لأول مرة من حزب اشتراكي صغير هو حزب الاتحاد الحر، ولم يترشح عن الحزب الديمقراطي إلا في الانتخابات الرئاسية. بينما لم يترشح ممداني قط إلا من خلال الحزب الديمقراطي.

والأهم أن كليهما ركز على الإصلاحات قصيرة المدى: حيث دعا ساندرز إلى رفع الأجور والتأمين الصحي، واقترح ممداني توفير باصات مجانية، وبرنامج رعاية أطفال بلديًّا، وإنشاء متاجر بلدية في الأحياء ذات الخيارات القليلة والغالية.

 الاشتراكية: هدف بعيد، ونضال قريب

لطالما ناضلت الحركات الاشتراكية من أجل إصلاحات آنية تُحسّن من ظروف العمال اليومية وتمنحهم الكرامة، كخطوة نحو مجتمع أكثر مساواة. لكن دائمًا ما احتفظ الاشتراكيون برؤية طويلة الأجل تهدف إلى معالجة جذرية لنظام الإنتاج الرأسمالي.

لقد ظل وجه الاعتراض الرئيسي للاشتراكية على الرأسمالية هو أنه عندما تُترك وسائل الإنتاج (أي المصانع والمزارع والخدمات) في يد من يملك الثروة، فإن باقي السكان يصبحون مضطرين إلى العمل لديهم أو الخروج من الاقتصاد كليًّا. وكما قال الفيلسوف الاشتراكي الراحل جي. إيه. كوهين: "إما أن تذهب لتخضع لأوامر رئيس غير منتخب، أو تعيش على الإعانة، أو تتسول، أو تترك أمرك للحظ".

وبينما تعددت الرؤى الاشتراكية حول شكل المجتمع ما بعد الرأسمالي، فإنها تشترك جميعًا في الأساس: امتلاك جماعي أو مجتمعي لوسائل الإنتاج، والسيطرة على عملية الإنتاج من خلال آليات ديمقراطية جماعية بديلة عن سيطرة الأقلية المالكة للثروة.

 لغة البلاشفة؟

عندما يقول سكوت جينينغز إن حديث ممداني عن التأميم هو "لغة البلاشفة"، فهو محق جزئيًّا، لكن كلامه مضلل. فالبلاشفة، مثلهم مثل باقي الاشتراكيين في العالم، كانوا يدافعون عن الهدف البعيد نفسه: تأميم وسائل الإنتاج والسيطرة الجماعية الديمقراطية عليها. الاختلاف كان في الطريقة وليس في الغاية.

ماركس وإنجلز اعتبرا أن الاشتراكية لا يمكن أن تنجح إلا في الدول الرأسمالية المتقدمة، وأن محاولة تطبيقها في بلدان متخلفة (مثل روسيا القيصرية) ستكون مجرد تقاسم متساوٍ للفقر، ولن تدوم.

لكن الثورة في روسيا اندلعت لأسباب تاريخية خاصة، وتحوّلت التجربة هناك لاحقًا إلى نظام سلطوي بسبب الحصار، الحرب الأهلية، والتدخلات الأجنبية. هذا ما أدى إلى انقسام في صفوف الاشتراكيين حول الاتحاد السوفييتي، لكن الطرفين بقيا متفقين على الهدف النهائي.

 زهران ليس الأول.. ولن يكون الأخير

إذا صار زهران ممداني عمدة نيويورك، فلن يكون الأول أو الثاني أو حتى المئة من رؤساء البلديات في دول رأسمالية ينتمون إلى حركات اشتراكية ديمقراطية تؤمن بهذا الهدف الطويل الأمد.

في بريطانيا، مثلًا، نَصَّ البند الرابع من دستور حزب العمال حتى التسعينيات على:

"تأمين ملكية وسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل لصالح العمال يدويًّا أو ذهنيًّا، وتوزيع ثمار العمل بشكل عادل، تحت إشراف ديمقراطي".

لم تُلغَ هذه المادة إلا في عهد توني بلير، عندما نقل الحزب نحو النيوليبرالية مثل ما فعله كلينتون مع الديمقراطيين.

في ذلك الوقت، كان كثير من رؤساء بلديات لندن ومانشستر مؤمنين بالبند الرابع - ولم تحدث أي "كارثة حمراء". بل إن نظام الإسكان البلدي في فيينا، الذي يُشاد به عالميًّا، أنشئ على يد اشتراكيين ديمقراطيين بنفس الرؤية.

 بدلًا من التخويف.. فلنتحاور

بدلًا من استخدام عبارة "تأميم وسائل الإنتاج" كمبرر لهجمات هستيرية، ربما على المدافعين عن الوضع القائم أن يقدموا حجة عقلانية تشرح لنا لماذا، كما قال ساندرز ذات مرة، يجب أن "نتقبل" أن تظل السيطرة على رأس المال في يد أغنى 2 أو 3% من السكان.

وإذا كان مجرد التفكير في تغيير هذه الحقيقة على المدى الطويل يُعد "مرعبًا"، فربما يجب أن يشرحوا لنا: لماذا ينبغي أن نقبل بهذه الحالة… إلى الأبد.

ولا يسعني إلا أن أقول: لا أطيق الانتظار لأسمع تلك الحجة .


1- https://jacobin.com/2025/07/zohran-mamdani-socialism-bernie-taibbi