هوامش

دار المرايا

إبراهيم رئيسي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخسر الانتخابات

2022.01.01

إبراهيم رئيسي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخسر الانتخابات

انتهت الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في إيران، يوم الجمعة 18 يونيو 2021، بإعلان رجل الدين الأصولي المتشدد إبراهيم رئيسي، رئيسًا للجمهورية الإسلامية، بعد خسارته للمنصب في عام 2017 بحصوله على 16 مليون صوت، أمام المعتدل حسن روحاني بنحو 23 مليون صوت، بنسبة إقبال تجاوزت الـ70 %. لقد تمكن المسؤول القضائي البارز أخيرًا من الفوز بـ18 مليون صوت، في أسوأ انتخابات رئاسية في تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ إذ شهدت نسبة الإقبال الانتخابي 48.8 %، بالإضافة إلى غياب المنافسة بالكامل. وفي غضون 40 يومًا سينتقل إبراهيم رئيسي، البالغ من العمر 60 عامًا، من منصبه كرئيس للقضاء، إلى القصر الرئاسي. ومع سيطرة الأصوليين على البرلمان أيضًا، تكون جميع أركان السلطة داخل المؤسسة السياسية الإيرانية، بيد الأصوليين والمتشددين، وقد أزيح أي صوت إصلاحي أو معارض من المشهد السياسي.

طريق ممهد

جاء رئيسي من بلدة بعيدة في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، والتي تتمتع بمكانة دينية كبيرة لدى المسلمين الشيعة، لتلقي دروس الفقه وتعاليم الدين الإسلامي في الحوزة الدينية في مدينة قُم، وهناك تتلمذ على أيادي كبار رجال الدين المؤثرين في الثورة الإيرانية عام 1979، وعلى رأسهم آية الله على خامنئي، الزعيم الأعلى الحالي للبلاد. وفي عمر التاسعة عشر، تقلد أول منصب له في القضاء، كباقي زملائه من رجال الدين بعد انتصار الثورة، حتى وصل سريعًا إلى منصب النائب العام لمدينة طهران، في عام 1985، وبعد ثلاث سنوات، ضمه آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، إلى اللجنة القضائية، أو كما تعرف باسم «لجنة الموت»، التي حققت مع الآلاف من السجناء السياسيين المعارضين للجمهورية الإسلامية حينها، وحُكم عليهم بالإعدام، بشكل سريع بعد أن كانوا على وشك انقضاء عقوبتهم. وبعد أن تولى آية الله خامنئي، قيادة البلاد في عام 1989، بدأ تقرب رئيسي، من القائد الأعلى، وعيِّن نائبًا لرئيس الهيئة القضائية، في عام 2016، بدأ تمهيد رئيسي، ليخرج من وراء الكواليس إلى الحياة السياسية الفعلية، فعينه آية الله خامنئي، على رأس أهم وأكبر شركة اقتصادية في الشرق الأوسط «آستان رضوي»، التي تشرف على ضريح الإمام الرضا، الإمام الثامن عند المسلمين الشيعة، في مدينة مشهد. ومن هذا المنصب، تمكن رئيسي، من التواصل مع كبار المسؤولين في الدولة، وتعميق علاقته برجال الدين الحكوميين، مما دفع التيار الأصولي، إلى الاعتماد عليه في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، لهزيمة حسن روحاني المعتدل والمغضوب عليه من الأصوليين والمتشددين، لكنه لم يستطع كسب هذه الجولة. وفي عام 2019، عينه آية الله على خامنئي، رئيسًا للسلطة القضائية، ومنذ الأيام الأولى لتوليه هذا المنصب، بدأ في تصدير نفسه رجلاً محاربًا للفساد، من خلال تقديم العديد من المسؤولين البارزين إلى المحاكمات بسبب تورطهم في قضايا فساد مالي وإداري.

ومنذ توليه رئاسة القضاء، بدأت وسائل الإعلام الحكومية في الدعاية الهائلة لـرئيسي، مما زاد التكهنات بتجهيزه ليكون الرئيس القادم، كخطوة أولى، في طريق قيادة البلاد، وبعد وفاة آية الله على خامنئي البالغ من العمر 82 عامًا، ذهب رئيسي لتسجيل اسمه كمرشح محتمل للانتخابات، في وزارة الداخلية في آخر يوم للتسجيل.

كما سجل عدد من السياسيين الإصلاحيين والمعتدلين، أسماءهم استعدادًا للتنافس مع المرشح «المفضل»، إبراهيم رئيسي، لكن وجه «مجلس صيانة الدستور»، وهو الهيئة المسؤولة عن فحص أوراق المرشحين لأي انتخابات عامة في إيران، ويسيطر عليه المتشددون، ضربة قوية لكل من تخيل أنه يمكنه منافسة رئيسي، فاستبعد جميع المرشحين الإصلاحيين، لكن كانت المفاجأة الكبرى باستبعاده السياسي الإيراني البارز، ورئيس البرلمان لمدة 12 عامًا، والمستشار الحالي لخامنئي؛ السيد علي لاريجاني، المحسوب على المعتدلين. فوجد رئيسي نفسه أمام 6 مرشحين آخرين، كان نصفهم غطاء له، والبقية لا يتمتعون بدعم أي تيار أو حتى شعبية بين الناس، لدرجة أن رئيسي نفسه قال إنه تحدث مع «مجلس صيانة الدستور»، لجعل الانتخابات أكثر تنافسية، بإرجاع عدد من المرشحين المستبعدين للسباق الانتخابي، في إقرار ضمني منه بأنه المرشح الفريد الذي لا ينازعه منافس آخر في هذه الانتخابات.

هل يمثل «رئيسي» الحكومة الثورية الشابة؟

صرح آية الله على خامنئي مرارًا بأنه يطمح بأن يكون الرئيس القادم وحكومته «ثورية، شابة، ومتدينة»، قادرة على حل مشكلات البلاد الاقتصادية، هذه المواصفات تنطبق على إبراهيم رئيسي، في الأفلام الدعائية التي أنتجتها حملته الانتخابية، صوِّر «رئيسي»، على أنه محارب الفساد في القضاء، كما وصف في أحد هذه الأفلام بأنه «خادم الناس»، مع زياراته المستمرة للعمال والمصانع، وتركيزه على تسهيل عقبات الزواج أمام الشباب، وحل الأزمات الاقتصادية؛ فقدم 50 وعدًا اقتصاديًّا، من بينها خفض معدلات البطالة والتضخم، وزيادة القدرة الشرائية، وبناء ملايين من الوحدات السكنية بسعر زهيد، ومنع التهرب الضريبي، وضبط أسواق العملات، لكن جميع تلك الخطط لا يوجد لها تفاصيل ملموسة، أو تصور لتحقيقها على أرض الواقع. كما أنه لم يتناول أي من القضايا الثقافية والاجتماعية، أو حقوق الإنسان، أو حقوق المرأة، ووضع الأقليات في البلاد. وكان تركيزه الأهم هو السير على الخارطة التي وضعها خامنئي في تصوره للحكومة القادمة، والمتمثلة في حل المشكلات الاقتصادية، وتعزيز الإنتاج المحلي.

أما فيما يخص تصور رئيسي وخططه للسياسة الخارجية لحكومته، فاختار السير على النهج الأساسي لعلي خامنئي، والمتمثل في لا للمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة والغرب، العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، إذا التزمت واشنطن به ورفعت جميع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على طهران في مايو 2018، وبالتأكيد أكد على عدم قابلية التفاوض على البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني، وسياسات البلاد الإقليمية.

هل فهم خامنئي، الرسالة؟

منذ اليوم الأول لتسجيل المترشحين أسماءهم لدخول السباق الانتخابي، وما تلا هذه الأمور، وجميع الظروف والتحركات تقول إن المؤسسة السياسية العليا في إيران تبذل قصارى جهدها لتمهيد الطريق لرئيسي، لإحكام سيطرة التيار الأصولي على جميع مؤسسات الدولة، وإزاحة الإصلاحيين والمعارضين من المشهد السياسي إلى الأبد. لكن في نفس الوقت، تملك الخوف المؤسسة السياسية والأصوليين من تدني نسب الإقبال على التصويت، كما حدث قبل عام في الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت أقل نسبة تصويت في تاريخ الجمهورية الإسلامية. إذ وصلت نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، إلى 48.8 %، أي من بين 59 مليون ناخب مؤهل، قرر أقل من 29 مليون الإدلاء بأصواتهم، وصوت منهم نحو 18 مليون لرئيسي؛ أي أقل من ثلث الناخبين. لكن، الجدير بالملاحظة في لعبة النسب هذه، أن عدد الأصوات الباطلة وصل إلى أكثر من 12 %، وهي أكبر نسبة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الـ12 الماضية، مما يعني أن المنافس الوحيد لرئيسي في هذه الانتخابات، كان الأصوات الباطلة، فلم يحصل أي مرشح آخر تنافس مع رئيسي على هذه النسبة، ولا حتى اقترب منها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك دعوات واسعة النطاق لمقاطعة التصويت، سواء من المعارضين داخل إيران، أو نشطاء تغيير النظام خارج البلاد، أينعم لم تجد هذه الحملات صدى واسعًا بين الإيرانيين العاديين، وفشلت في مساعيها في نهاية المطاف، لكنها تبدو بداية للإعلان عن عدم رضا قطاع واسع من الإيرانيين عن الجمهورية الإسلامية، لأسباب مختلفة.

لا فائز في هذه الانتخابات

بعد فوز رئيسي في هذا المناخ السياسي الكئيب، ونسب الإقبال المخجلة، التي تقوض شرعية الجمهورية الإسلامية، يتوقع المرء، بأن القيادة العليا للبلاد، قد حققت ما أرادت منذ اليوم الأول لهذه الانتخابات، وسيطرت بشكل كامل على السلطات الثلاث في البلاد. لكن في حقيقة الأمر، أنه حتى بالنسبة للأصوليين، فإن هذه الأجواء، قد تلقي بظلال سلبية للغاية على الحياة السياسية في إيران، ومن المتوقع أن يشهد المعسكر الأصولي الكثير من الانقسامات بسبب الصراع على تقاسم السلطة، مما يؤدي إلى الكثير من الخلافات، كما حدث مع التيار الإصلاحي، عندما كان في السلطة، وبدأت الانقسامات التي أثرت عليه إلى يومنا هذا. فمع احتمالية ظهور الخلافات داخل التيار الأصولي، وازاحة المعسكر الإصلاحي من المشهد، وفشل حركة المعارضة ومقاطعة الانتخابات في تحقيق هدفها، وحصول إبراهيم رئيسي، على منصب الرئاسة بأدنى نسبة مشاركة في الانتخابات، لا يوجد فائز في هذا الاستفتاء.

الكثير من الأسئلة

بعد انتهاء الانتخابات، ومحاولات رئيسي الدعائية لحكومته القوية كما وصفها، وبعد أن أسفر تمهيد الطريق أمامه إلى خسارة الجمهورية الإسلامية الكثير والكثير من الشرعية، توجد عشرات الأسئلة، ومنها: هل بفوز إبراهيم رئيسي وسيطرة الأصوليين على السلطة، سيتم التأسيس لطريقة جديدة لحكم الجمهورية الإسلامية؟ هل سيكون هناك أي فرصة لانتخابات رئاسية قادمة في إيران؟ هل يمكن اعتبار هذه الانتخابات، نهاية مأساوية لبعض مظاهر الديموقراطية في إيران؟ هل ستدخل إيران في عزلة دولية جديدة كما كان الحال مع الرئيس المتشدد السابق، محمود أحمدي نجاد؟ والأهم من ذلك، هل سيتمكن الشعب الإيراني من مواصلة الحياة في مثل هذه الظروف؟ تكمن الاجابة على هذه التساؤلات في السنوات الأربع المقبلة، وهي فترة الولاية الأولى لإبراهيم رئيسي، بعد أن أصبح ثاني أهم شخصية في الهيكل السياسي الإيراني.