دراسات

كاميلا رويل

الإنسان كعصر جيولوجي

2017.09.12

مصدر الصورة : ويكيبديا

الإنسان كعصر جيولوجي

بينما تقرأ هذه المقالة ، يحتوي كل نفس تستنشقه على حوالي أربعمئة جزء في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يساوي حوالي مرة وثلث ما تنفسه أجداد أجدادك من هذا الغاز قبل مئة عام2. وعلاوة على ما يُفضي إليه ارتفاع نسبة ثاني أكيد الكربون في الجو من احتمال حدوث كارثة احتباس حراري، يؤدي وجود هذا الغاز في الغلاف الجوي إلى تغيير عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات، وكذلك إلى تحويل مياه البحار والبحيرات لتصبح أكثر حمضية مما كانت عليه خلال الثمانمئة ألف عام الأخيرة3.

يري عدد متزايد من المفكرين أن تأثير النشاط الإنساني في العالم بلغ حدًا ضخمًا تخطو بسببه الأرض نحو عصر جيولوجي جديد يعرف بعصر النشاط الإنساني. وباستخدام الكلمة الإغريقية أنثروبوس، أي الإنسان، اقترح العلماء تسمية هذا العصر بالأنثروبوسين.

لا يقتصر الأمر على انبعاث ثاني أكسيد الكربون فحسب. فالبلاستيك، الذي لم يتم اختراعه إلا قبل مئة عام، يشكِّل الآن جزرًا دوَّامية ضخمة داخل المحيطات. كما يمكننا أن نجد النفايات البلاستيكية ونفايات الألومنيوم، التي يشير إليها الدارسون بـ«الحفريات التكنولوجية»، في الرواسب4. وقد قامت إحدى الدراسات بفحص عينة من الأسماك البحرية ووجدت أن أكثر من ربعها يحتوى على مواد بلاستيكية داخل أجسامها5. كذلك أدى اختراع الأسمدة المُخلّقة إلى أن أصبحت نسبة النيتروجين التي يضيفها البشر إلى الأرض أكثر من مجموع النسب التي تضيفها كل العمليات البيئية الأخرى، مما أدى بدوره إلى مضاعفة معدلات النيتروجين والفوسفور في التربة خلال القرن الماضي6.كما يمكن أيضًا اكتشاف نويدات مشعة7 في التربة8 ناجمة عن استخدام الطاقة النووية وتجارب الأسلحة النووية، مما يزيد من معدل انقراض السلالات إلى مئة ضعف على الأقل.

يمكننا ملاحظة هذه التغيرات عبر مساحات شاسعة من الأرض وفي البحر والجو وفي أجساد الكائنات الحية. ولم تكن تلك التغيرات جميعها لتحدث ما لم يتدخل البشر.

يعني الأنثروبوسين أننا إزاء مستقبل غامض، لأننا نواجه خطر أن يُحوِّل النشاط الإنساني الظروف في كوكب الأرض من فضاء آمن للبشرية إلى عالم من نوع مختلف تمامًا، قد لا يمتلك البشر فيه حتى الوقت اللازم للتكيف9.

صاغ مصطلح «الأنثروبوسين» لأول مرة اثنان من علماء نظم الأرض، بول كروتزن ويوجين ستورمر، في مقال قصير نشراه عام 2000 في نشرة البرنامج الدولي للغلاف الأرضي-الحيوي الإخبارية10.

تقليديًا يقوم علماء الجيولوجيا بتقسيم الأزمنة التاريخية إلى: دهور، وعهود، وفترات، وحقب، وعصور11. نحن نعيش حاليًّا في الفترة الكواتيرمارية (الرباعية) من العهد السينوزويكي (الحديث) من الدهر الفانيروزويكي (دهر الحياة الظاهرة).

تنقسم الفترة الكواتيرمارية تقليديًا إلى مرحلتين: الحقبة الجليدية (البلايستوسين)، تليها الحقبة الحديثة (الهولوسين). تميز البلايستوسين بتقلبات مناخية ضخمة وعصور جليدية متكررة في نصف الكرة الأرضية الشمالي. أما الهولوسين، فقد بدأ مع آخر انحسار للكتل الجليدية12.

يطرح كروتزن وستويرمر أنه لم يعد من الممكن وصف المرحلة الحالية بالهولوسينية. فبالنسبة لهم، أصبح البشر في الآونة الأخيرة يشكلون قوى أكثر تأثيرًا مما كان عليه الأمر في مرحلة الهولوسين، كما أنه من المرجح أن «يظلوا محتفظين بمكانتهم تلك كقوى جيولوجية عظمى لآلاف، وربما ملايين، السنين قادمة».

«التغييرات الكبرى في وضع الأرض، التي تؤدي إليها أسباب متنوعة مثل ضربات النيازك وحركة القارات والانفجارات البركانية المتواصلة، هي ما يهم حقًا عندما نقوم بتحديد الأزمنة الجيولوجية.»13 في هذا السياق، يرى البعض أن تأثير الجنس البشري على الكوكب أصبح عميقًا جدًا، حتى إنه من الممكن تشبيهه بالأسباب السابق ذكرها. فتأثيرنا يشبه اصطدام الكويكبات الذي أفنى الديناصورات غير الطائرة وأدى إلى بداية العهد السينوزويكي (الذي يشار إليه أحيانًا بعصر الثدييات) قبل 65 مليون سنة. وعلى صعيد آخر، يرى آخرون أن وجود البشر مُتضمَن في كل ما يحدث في كوكبنا، لدرجة أنه يمكننا اعتبار أنهم يمثلون حضورًا دائمًا؛ فنحن مثل الطقس14.

وكما يشير سيمون لويس، تمثل فكرة الأنثروبوسين تحوّلاً في الطريقة التي ترى بها البشرية نفسها. فقد دأب العلماء في الماضي على إظهار مدى ضآلة تأثير البشر. حيث اكتشف كوبرنيكوس أننا لا نمثل مركز الكون، وبيَّن تشارلز دارون أننا لا نعتلي قمة التسلسل الهرمي للتطور. لكن ما يحدث الآن هو أن «مستقبل المكان الوحيد في الكون الذي نعرف أن فيه حياة [الأرض] يقبع بين أيدينا. فجأة، وبعد مرور خمسمئة عام، تعود الإنسانية لتصبح في المركز مرة أخرى»15.

منذ عام 2000، انتشر استخدام مصطلح الأنثروبوسين على نطاق أوسع من المجموعة الصغيرة من العلماء الذين ابتدعوا الفكرة16. فهناك الآن عشرات الكتب التي تحمل عناوينها ذلك الاسم، متناولةً موضوعات تتنوع بين «تأثير التغيرات المناخية على الأغطية الجليدية القطبية»، و«إيكولوجيا الأنظمة البيئية الساحلية»، و«الفلسفة والفن والعمارة في ظل الأنثروبوسين».كما أُنشئت المدونات وكُتبت المقالات وعُقدت المؤتمرات لمناقشة هذه المسألة. حتى أن الفكرة استحوذت على مخيلة فنانين من أمثال جاسون ديكايير تايلور، الذي جسدت قطعته الفنية «الأنثروبوسين» (2011) منحوتةٍ تحت الماء لسيارة فولكس ڤاجن «بيتل» تعتليها فتاه منكمشة في وضع جنيني أعلى الزجاج الأمامي. يوضح النحت العلاقة بين الأشياء التي صنعها الإنسان وحياة الأجناس الأخرى، وذلك من خلال تصويره للسيارة والفتاة كشعاب مرجانية اصطناعية تجذب الكائنات البحرية الأخرى، مثل سرطانات البحر، للعيش بداخلها.17

يستطيع الأنثروبوسين أن يدفعنا نحو إعادة التفكير بشأن تصوراتنا عن العلاقة بين البشر و(باقي) الطبيعة، وبشأن الدور الذي قد يلعبه العلماء في السياسة التقدمية، وبشأن محورية الأفكار المتعلقة بالبيئة في النظرية الماركسية. إلا أن نظرية الأنثروبوسين لم تحظ بالقبول التام من قبل الماركسيين. إذ يؤيد بعضهم، مثل جون بيلامي فوستر وإيان أنجوس، مفهوم الأنثروبوسين قلبًا وقالبًا18، بينما يذهب آخرون، من بينهم نعومي كلاين، إلى أنه لا جدوى من تلك الفكرة، بل أنها حتى مدمرة لهدف خلق مجتمع أكثر عدالة على الصعيد البيئي.

وتلخِّص هذه المقالة بعض المناقشات التي دارت بين العلماء، وتشرح الانتقادات التي قدمها البعض من اليسار، لتخلص من الجدل إلى أن الفكرة تظل ذات أهمية، وبأنه على الماركسيين أن يسعوا لاستخدام الأدوات المتاحة لفهم هذه الظاهرة.

متى بدأ الأنثروبوسين؟

 

لم يكن أيًا من الكاتبين اللذان استخدما هذا المصطلح لأول مرة من علماء الجيولوجيا؛ فكروتزن كيمائي وعالم أرصاد جوية حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء الجوية واشتهر بدراسته حول استنفاد طبقة الأوزون، وستويرمر عالم أحياء متخصص في المياه العذبة. لكن العادة هي أن مهمة تحديد متى ينتهي عصر ما ويبدأ آخر تعود إلى الجيولوجيين.

تمثل الحدود الفاصلة بين العصور الجيولوجية لحظات تغير كبرى في النظام الأرضي. وكثيرًا ما تضمنت هذه اللحظات تغيرات سريعة في أنواع السلالات الموجودة على الأرض، فضلاً عن تغير البصمات الموّقعة على الطبقات الصخرية للأرض. فمثلًا تميزت بداية العهد السينوزويكي (الحديث) بالفقدانٍ المفاجئ والمثير لأعدادٍ ضخمة من السلالات، تضمَّن انقراضًا لجميع الديناصورات الطائرة (انقراض العصر الطباشيري)19. وقد شكلت تلك الأحداث بدايةً لعصر الطيور والثدييات.

وفضلاً عن التغيرات الحاصلة في السجل الأحفوري، يفضل العلماء العثور على علامة تشير إلى حدث بعينه لتحديد العصور الجيولوجية، علامة تسمى «الحربة الذهبية»20. فمثلًا الارتفاع الشديد في مستويات عنصر الإيريديوم في الصخور الموجودة في مدينة «الكاف» بتونس يتسق مع الفكرة التي تقول إن نيزكًا ما قد اصطدم بالأرض في تلك النقطة في ذلك الوقت، مما يقدم علامة جيولوجية رسمية لبداية العهد السينوزويكي21. ولا تمثل الحربة الذهبية بالضرورة أهم الأحداث التي وقعت في الحدود التي تفصل بين الأزمنة الجيولوجية، إنما هي مجرد علامة يمكن أن يتفق عليها الجيولوجيون22. ففي الواقع، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الديناصورات كانت بالفعل في طريقها إلى الانقراض، ممهدة الطريق لتطور الثدييات، وأن اصطدام النيزك بالأرض لم يكن سوي المسمار الأخير في نعش ذلك العهد23.

وفي وقت كتابة هذه المقالة لا تزال مجموعة العمل المعنية بدراسة الأنثروبوسين في اللجنة الدولية لعلم طبقات الأرض تناقش مختلف الخيارات لتحديد تاريخ بداية هذه الحقبة الجيولوجية. تخطط المجموعة لتقديم مقترح رسمي بنهاية عام 2016 إلى «اللجنة»، حيث أن تلك الأخيرة هي التي لديها السلطة النهائية لتحديد الأزمنة الجيولوجية. لكن حتى هذه اللحظة يقول أعضاء مجموعة العمل إنهم لم يتوصلوا إلى قرار بعد24.

ولكن على الرغم من الوتيرة المتباطئة لصنع القرار الجيولوجي، فهناك بالفعل نقاش حول موعد البدء المقترح للحقبة الجديدة. يقول أحد المقترحات إن البداية الفعلية لعصر الأنثروبوسين كانت منذ 11,700 عام، وهو التوقيت الذي جري العرف على اعتباره الزمن الذي بدأت فيه حقبة الهولوسين (لذا فإنه يمكن إعادة تسمية الهولوسين بالأنثروبوسين، أو أن يحتفظ الجيولوجيون بالمصطلح الحالي ويتقبلون ببساطة فكرة أن الهولوسين كانت هي حقبة الإنسان طيلة الوقت). فقد ارتبطت بداية حقبة الهولوسين بانتهاء آخر العصور الجليدية. حيث سمحت درجات الحرارة الدافئة نسبيًّا في نصف الكرة الشمالي للحضارات الإنسانية بالانتشار عبر العالم وكذلك بتطور الزراعة.

غير أنه هناك اقتراحات أخرى حول «عصر أنثروبوسين مبكر» ترجع بدايته إلى زمن أقدم بكثير، عندما تمكن الإنسان من إبادة العديد من الثدييات الضخمة، أو حتى إلى الوقت الذي يشير إليه أقدم دليل باق على وجود نشاط إنساني.

هناك ما يمكن أن يبرر ميل البعض إلي تبكير بداية عصر الأنثروبوسين. فحتى في الكتابات الجيولوجية المبكرة تم وصف الهولوسين بـ«الأنثروبوزويك» وبـ«زمن العقل وعصر الإنسان». وفي الاتحاد السوفيتي طور ألكسي بافلوف وفلاديمير فيرنادسكي فهمًا لدور الفاعلية الإنسانية في التحول البيئي على غرار النظريات الحديثة للأنثروبوسين التي نراها اليوم. ففي 1945، كان فيرنادسكي بالفعل يصف البشر بالقوى الجيولوجية 25.

إن تحديد توقيت مبكر لحقبة الأنثروبوسين من شأنه أن يعكس حقيقة أن السلالات البشرية طالما عاشت في إطار علاقة معقدة ومتنامية مع بيئتنا الخارجية، وذلك بتكييف ظروفنا البيئية المحلية مع احتياجاتنا على مدار ردح كبير من التاريخ الإنساني. فقد قمنا بتدجين الحيوانات والمحاصيل الزراعية لآلاف الأعوام26. وقد أثر تطور الزراعة في عصر الهولوسين على طريقة تطور المجتمعات البشرية، حيث أنه أتاح إقامة مجتمعات مستقرة وخلق الانقسامات الطبقية والنوعية/ الجندرية داخل هذه المجتمعات. وتقدم جوديث أور رؤية عامة لكيفية تطور المجتمعات الإنسانية في علاقتها بالبيئة عبر التاريخ، مع التركيز بشكل خاص على العلاقات بين الجنسين. تشير أور إلى أنه بخلاف كون البيئة «خلفية ثابتة في حياتنا، فإنها تخضع لتغيير دائم، وتمثل في حد ذاتها، وإلى حد ما، جزءًا من صنع الإنسان»27.

ثمة اقتراح آخر قدمه مارك ماسلين وسيمون لويس في جامعة لندن حول تاريخ بدء الأنثروبوسين. وهو يُرجع تاريخ بدئه إلى لحظة الالتقاء الأولى بين العالمين الجديد والقديم بعد عام 1492. فقد أدخل البشر في هذا العصر محاصيل زراعية جديدة، مثل الذرة والبطاطس، إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا، كما قاموا بنقل القمح وقصب السكر إلى الأمريكتين، مما تسبب في حدوث تغيرات خطيرة لا رجعة فيها في الأنظمة البيئية. اجتاحت تلك التغييرات العالم كله، بحيث يمكن أن نجد أثرها مثلًا في الشكل الخارجي المميز لأنواع جديدة من حبوب اللقاح المتحجرة.

يصف كريس هارمان تلك الفترة من الزمن في كتابه «تاريخ شعبي للعالم» بـ«التحول الكبير»، حيث أنها كانت أيضًا فترة «عصر النهضة» بما صاحبه من «ازدهار في مجالات الفن والأدب والأفكار العلمية»28. إلا أن هارمان يقول أيضًا إن «اكتشاف» وغزو العوالم الجديدة قد جلب معه العبودية والمجاعة والمرض للعديد من الشعوب. على سبيل المثال وصف أحد المراقبين الإسبان أثر تلك التطورات على إمبراطورية الإنكا بالقول إنها تحوّلت إلى «عدد لا متناهٍ من القرى المهجورة المبعثرة على جانبي كل طرق المملكة»29. فبحلول 1650 انخفض عدد سكان الأمريكتين من نحو 54 مليون إلى 6 مليون. ومع انخفاض عدد الأشخاص الذين يقومون بزراعة الأرض، بدأت الغابات في الظهور مرة ثانية، ومن ثم انخفضت معدلات ثاني أكسيد الكربون في الجو. ويمكننا اعتبار انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون (والتي بلغت أدنى مستوى لها في عام 1610) علامة على ذلك التحول الجيولوجي، علامة من الممكن تقصيها في جليد أنتركتيكا30. إن ما يمكن تسميته بالفرضية الجنائزية في مسألة بداية عصر الأنثروبوسين إنه ربما كان موت ملايين البشر هو العلامة التي تشير إلى اللحظة التي أصبحت فيها البشرية قوة عالمية مميزة.

وقد اقترح كروتزن وستويرمر أنفسهم بشكل مبدئي أن عصر الأنثروبوسين قد يكون بدأ نحو نهاية القرن الثامن عشر. فقد قام جيمس واط بتطوير المحرك البخاري في أواخر القرن الثامن عشر، مسجلاً براءة اختراع حجرة التكثيف التي سمحت ببناء محركات كبيرة في عام 1769. وكان أول استخدام لمحرك بخار يعمل بالفحم لتشغيل مصنع قطن في نوتنجهام شاير في عام 178631. حيث كان ذلك أيضًا الوقت الذي ازدادت فيه، وفقًا لكروتزن وزملائه، تركيزات غازات الاحتباس الحراري الدفيئة في الجو32. وعلى هذا، فبينما تذبذبت معدلات ثاني أكسيد الكربون في أغلب فترات عصر الهولوسين، بمعدل لا يزيد في حده الأقصى عن خمسة أجزاء في المليون صعودًا وهبوطًا، نجد أن معدلات زيادة هذا الغاز في الجو وصلت منذ بدء الثورة الصناعية إلى جزئين في المليون سنويًّا33.

في هذا السياق يطرح كروتزن وستويرمر أيضًا أن «تسارعًا عظيمًا» قد حدث حوالي منتصف القرن العشرين؛ المقصود بهذا التسارع التزايد الملحوظ في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، التي بدأت في التصاعد على نحو أشد سرعة من ذي قبل34.

وأخيرًا، ذهب البعض إلى الاقتراح أن البداية الفعلية لعصر الأنثروبوسين كانت عام 194535. إذ أُجري أول اختبار للأسلحة النووية (وبالطبع أول استخدام لأسلحة نووية في الحرب) في ذلك العام، واستمرت الاختبارات طوال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ثم انخفضت على نحو حاد بعد معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية عام 1963.

ويمكن الكشف عن آثار التجارب النووية على نطاق عالمي عن طريق قياس مستويات النظائر المشعة في الجليد القطبي ورواسب البحيرات والحلقات العمرية للأشجار. فهناك ارتفاع واضح في مستويات نظائر الكربون المشع الناتجة عن الأسلحة النووية التي تظهر بداخل الحلقات العمرية للأشجار نحو ذلك الوقت، بالقدر الذي يسمح باعتبار ذلك «حربة ذهبية»، حيث أنه من الواضح تمامًا أن ذلك ناجم عن النشاط الإنساني36. وهذا بالطبع يعد زمنًا قريبًا للغاية بالنسبة للجيولوجيين الذين اعتادوا التعامل مع فترات زمنية تبلغ مئات الآلاف من السنوات37.

وكما هو الحال مع رواسب الإيريديوم التي تميز بداية العهد السينوزويكي، فإن هذا لا يعني أن اختبارات الأسلحة النووية كانت أهم ما حدث بتلك الفترة. لكن حتى تعتبر تلك الاختبارات بداية عصر الأنثروبوسين، يكفي فقط أن تمثل زمنًا حدثت فيه نقلة عميقة للمجتمعات الإنسانية وللتفاعلات على كوكب الأرض.

هذا بالضبط ما يقول علماء الأنظمة الأرضية إنه قد حدث في ذلك الوقت تقريبًا: «يتفرد النصف الثاني من القرن العشرين عن مجمل تاريخ الوجود الإنساني على الأرض. إذ بلغت العديد من الأنشطة الإنسانية نقطة انطلاقها في وقت ما في القرن العشرين، ثم تسارعت بشكل حاد نحو نهاية القرن. فقد شهدت السنوات الخمسون الأخيرة، دون شك، أكثر التحولات سرعة في علاقة الإنسان مع العالم الطبيعي في تاريخ النوع الإنساني»38.

وأفادت دراسة حديثة صادرة عن مجموعة عمل الأنثروبوسين بأن منتصف القرن العشرين يعد منطقيًّا من الناحية الجيولوجية كتاريخ لبدء هذه الحقبة، حيث أن ذلك الوقت قد مثَّل «بداية واضحة وحادة نسبيًّا للتعديل الذي أحدثه الإنسان في البيئة العالمية»39. تضمنت تلك الفترة، منذ الحرب العالمية الثانية، نموًا سريعًا في عدد السكان، وتوجهًا نحو التحضر40، وتكثيفًا للزراعة، واعتمادًا واسع النطاق على السلع الاستهلاكية على شاكلة أجهزة التليفزيون والسيارات والثلاجات. كما أن الزيادة الملحوظة في اعتماد استخدام العبوات غير القابلة لإعادة الاستعمال في ذلك الوقت، والتي تسببت في حدوث مشكلة تراكم نفايات ضخمة، هي مجرد مثال على العواقب البيئية التي خلفتها تلك النقلة41. وتأخذ الرسوم البيانية لاستخدام الطاقة الأولية ولانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ذلك الوقت «شكل عصا هوكي»، حيث تؤشر على ارتفاع ملحوظ قرب منتصف القرن (الرسم البياني رقم 1).

قد تبدو المناقشات التي تدور بين علماء الجيولوجيا حول تاريخ بدء حقبة الأنثروبوسين بعيدة، أو حتى ضربًا من الإلهاء، عن المهمة الأكثر إلحاحًا المتعلقة بالتعامل مع قضايا مثل تغير الطقس. إلا أنه كثيرًا ما ارتبط تعدد وجهات النظر المختلفة حول تاريخ بدء الأنثروبوسين بشروحات شديدة الاختلاف حول أسباب ظهوره، وكذلك حول الحلول الممكنة لعواقبه. وقد تعرَّض مؤيدي فرضيات الأنثروبوسين المختلفة لنقد كبير بسبب «تطبيعهم» للتغيرات البيئية العالمية43. فبميلهم إلى أن جذور المشكلات البيئية التي نواجهها اليوم تعود إلى نشأة الحضارة الإنسانية، يقلل منظرو الأنثروبوسين المبكر من خطورة تبعات تغير الطقس ويهملون ضرورة الإسراع في مواجهة تلك المشكلات البيئية لتجنب كارثة محققة. إن هذا التطبيع هو أصلًا واحد من العناصر المثيرة في تحليل الأنثروبوسين. ولذا يفترض إيان أنجوس أن وجهات النظر هذه تروِّج لها جماعات الضغط المناهضة للبيئة44.

قطعًا لا يمكن وصف الآثار البيئية للهولوسين بالحميدة. فثمة كوارث قد وقعت خلال تلك الحقبة، كالزلازل والبراكين والتسونامي والمجاعات. وخلالها أيضًا كانت حياة الكثير من سكان العالم محفوفة بالمخاطر. ومع ذلك، كثيرًا ما ينظر إلى حقبة الهولوسين كباعث على رفاهية الإنسان مقارنةً بما قد يجلبه الأنثروبوسين «فالظروف المتعلقة بحقبة الهولوسين هي الوحيدة التي نعرف على وجه اليقين أنها تتسق مع المجتمعات الإنسانية المعقدة»45. لذلك يميل أنجوس إلى الفكرة التي ترجع بداية عصر الأنثروبوسين إلى منتصف القرن العشرين والتي تنذر بكارثة بيئية ذات هجمة شديدة السرعة إلى ذلك الحد الذي يتوجب معه تحرك اليسار لمعالجتها.

ما لا ينبغي قوله عن الأنثروبوسين

 

ثمة سردية محددة بخصوص حقبة الأنثروبوسين ذات أثر إشكالي على المستوي السياسي. يمكننا تلخيص السردية هذه التقليدية السائدة على النحو الآتي: هناك شيء مدمر بطبيعته فيما يخص البشر؛ لذا كان وصولنا إلى حقبة الأنثروبوسين أمرًا حتميًّا؛ وكل البشر متورطين في هذا إلى حد ما؛ ولأنه لا يوجد إلا القليل لفعله لتغيير الطبيعة البشرية، فربما نحتاج إلى اتخاذ تدابير جذرية صارمة (مثل: الهندسة الجيولوجية) لمعالجة الأزمة.

يرى بعض مؤيدي هذه السردية التقليدية أن قدرة البشرية على استخدام وتطويع النار قد ساقتهم إلى التلاعب بالكوكب على نحو لم يفعله سواهم من الكائنات الأخرى. فقد أدى اكتشافنا لكيفية إشعال النار في الماضي السحيق إلى تطور خطي متصاعد باتجاه وضع أصبح فيه الإنسان في مرحلة ما قادرًا على استخراج الوقود الحفري. وسينتهي الأمر لا محالة إلى إحراقه هو الآخر. وقد أطلق هذا سلسلة من التفاعلات أدت إلى توسع شديد في استخدام الوقود الحفري، وبالتالي إلى الانبعاثات شديدة الارتفاع التي نلحظها اليوم للكربون. ووفقًا لأحد الأبحاث «فإن تمكّن أسلافنا من استخدام النار أتاح للبشرية احتكار أداة جبارة لا تتوفر للأنواع الأخرى، وهو الأمر الذي ثبت أقدامنا على الطريق الطويل المؤدي إلى الأنثروبوسين»46.

إلا أن هذه السردية تنطوي على مفارقة ما. فمن ناحية يبدو أن البشر يمتلكون الآن قدرات وأدوات أكثر مما كان لدينا في أي وقت مضى. فلأول مرة في التاريخ الإنساني نحن نستطيع الدفع بالكوكب نحو عصر جديد. نحن نسيطر على عجلة القيادة على نحو غير مسبوق قط، لكن يبدو أننا نعتزم تحطيم القطار. لكن من ناحية ثانية، وفي المقابل، فالافتراض –وفقًا للسردية التقليدية – هو أننا عمليًا لا نمتلك القدرة الكافية التي تمكننا من تغيير الموقف، كوننا، كما هو الحال الآن، في مواجهة قوى عالمية جامحة محتملة لا نملك أي قدرة للسيطرة عليها، ربما إلا عن طريق تدخل تكنولوجي غير مسبوق.

يشير علماء الأنثروبوسين إلى «القوى العظمى للطبيعة» قائلين إن «الأنشطة الإنسانية قد أصبحت ذات أثر عميق إلى حد منافسة القوى العظمى للطبيعة»47. وهذا يستدعي المفهوم النرجسي القائل إن البشرية منفصلة عن باقي الطبيعة، بل وتعمل على نحو مناهض لها. ووفقًا للفلسفة البيئية المعاصرة، ومن ضمنها نقاشات حول الأنثروبوسين، فإن ذلك الفصل بين الطبيعة والمجتمع أمر إشكالي على نحو جليّ. فهو يقدم أساسًا فلسفيًّا لفكرة أن البشر ليسوا سوى مؤثر على «الطبيعة» وأن أفضل ما يمكننا القيام به «لإنقاذ الطبيعة» سيكون بتقليل «آثارنا» تلك، ومحاولة ترك باقي العالم وشأنه قدر المستطاع.

تفترض السردية التقليدية ضمنيًّا أن «الطبيعة» كانت إلى حد ما بكرًا وعلى الفطرة، وأنها لم تفسد حتى وصلت سطوة الإنسان إلى المستويات التي تشهدها حاليًّا. حتى أن العلماء قد ذكروا أن «الأرض قد تركت الآن عصرها الجيولوجي الطبيعي»48، في إشارة ضمنية إلى أن عصر الهولوسين كان «طبيعيًا». تَذَكَّر هنا أن عصر الهولوسين نفسه لم يمثل سوى فترة زمنية قصيرة جدًا في الحيز الزمني الجيولوجي، فهو بشكل أساسي مجرد فترة فاصلة بين الأزمنة الجليدية، وبأن البشر في أثناء تلك الفترة كانوا قد بدأوا بالفعل التأثير على البيئة الخارجية.

وهكذا، فالمنظور التقليدي يقدم الأمر على النحو الآتي: الإنسان يتغلب على قوى الطبيعة، ولكن الإنسان نفسه يعد أحد قوى الطبيعة، الدمار الناجم عن الإنسان عنصر جوهري في طبيعتنا البشرية، والأنثروبوسين ظاهرة طبيعية وغير طبيعية في آن واحد49.

في مواجهة كل هذه التناقضات، يتطلب النهج الماركسي (الذي سنتحدث عنه أكثر لاحقًا) الانطلاق من فهم أكثر تعقيدًا وجدلاً لدور الإنسان في إطار العالم الطبيعي.

قدم البعض نقدًا للسردية السائدة حول الأنثروبوسين بأنها «ما بعد سياسية». إذ أنها تطرح موقفها على أنه دعوة إلى خلق «نظام اجتماعي-سياسي يهمش التنافس والصراع الأيديولوجيين ويستبدلهما بتخطيط إداري-تقني تتقلص فيه مساحة التنافس السياسي والمناقشة وإعادة التوجيه»50. بعبارة أخرى، فإن ذلك السرد (كما هو الحال مع بعض السرديات حول تغير المناخ) يخبرنا بأننا نتشارك في الوضع معًا. ونحن جميعًا، أيًا كانت وجهات نظرنا السياسية، نواجه التهديد والخطر الجامح الذي يمكننا جميعًا أن نتفق على خطورته. لذا ينصح بأننا يجب أن ننحي جانبًا أية اختلافات في الرأي حول طبيعة الأزمة وأن نعمل معًا، عوضًا عن ذلك، من أجل التوصل إلى حل مشترك. وهذا توجه ينحو تقليص مساحة الجدل السياسي وتحديدها فقط في الأسئلة الضيقة المتعلقة بنوع التكنولوجيا التي ينبغي اعتمادها لحل المشكلة.

ربما لا يثير الدهشة بعد ذلك أن كروتزن نفسه قد اقترح أننا قد نكون في حاجة إلى استخدام حلول الهندسة الجيولوجية المتقدمة تكنولوجيًا من أجل حل مشكلة تغير الطقس. فقد كان متشككًا إذا ما كان باستطاعة البشر الخروج من الحالة المناخية بسرعة كافيه عن طريق الوسائل السياسية، وفضَّل اتباع استراتيجية من شأنها تبريد المناخ عن طريق حرق الكبريت في الهواء51.

يجب أن يدور نقاش واسع في أوساط اليسار حول الهندسة البيئية، وهذا أمر لا تتسع هذه المقالة لمناقشته بالكامل. لكن الواقع أن أحد الانتقادات للمنهج ما بعد السياسي، باعتباره يقدم حلاً تكنولوجيًّا لمشكلة تسببت فيها المجتمعات الرأسمالية، أنه حتى لو نجح أحد هذه المقترحات التقنية (وهو أمر لا يمكن ضمانه)، فإنه سوف يعالج العَرَض وليس السبب الجوهري في تغير المناخ. فتبريد الكوكب لن يفضي إلى حل أي من المشكلات البيئية المتعددة الأخرى التي تتخطى الاحتباس الحراري، بل من المؤكد أنه ستكون له عواقبه السلبية الخاصة.

ومن ناحية أخرى، فإن مشكلة أكثر مباشرة بخصوص هذا التوجه ما بعد السياسي. أشار إلى هذه المشكلة عالم الطقس كيفين أندرسون عندما طرح أن الوعود بإصلاحات محتملة في المستقبل عن طريق استخدام الهندسة البيئية يمكنها أن تؤدي إلى التقاعس السياسي. فالمستهدفات التي تم إقرارها في آخر محادثات للأمم المتحدة في باريس بشأن تقليل حجم غازات الاحتباس الحراري أقل من مستوى التغيير الجذري المطلوب. إذ أنها تقوم على فكرة أن الإنسانية ستقوم ، يومًا ما، بابتكار طريقة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو. وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن مقصد كروتزن، إلا أن الهندسة البيئية ربما تكون قد تحولت من خطة بديلة للإنقاذ الأخير إلى كونها جزء من الخطة الوحيدة المتاحة52.

وفي صلة بالسردية ما بعد السياسية، هناك فكرة شاذة تقول إن الأنثروبوسين حدث «جيد» أو «عظيم» من شأننا تبنيه واحتضانه. تقول إيل إيليس إن الهومو سابينس (الإنسان البدائي الأول) لم يكن أول من قام بتغيير بيئته الخارجية، فعندما بدأت النباتات الخضراء في التطور، أحدثت تغيرًا جذريًّا في الغلاف الجوي عن طريق إنتاج الأكسجين على سبيل المثال. بيد أن البشر مناقضين للنباتات، فنحن لدينا الوعي بالتأثير الذي نحدثه على باقي الكوكب وكذلك القدرة على تغيير أفعالنا.

هذه فكرة سديدة، إلا أنها بالنسبة لإليس مرتبطة بفكرة أننا قد «استيقظنا» أخيرًا لنرى العواقب والآثار السلبية لما فعلناه، وبأننا فقط في حاجة إلى الاستفادة من معرفة أننا في عصر الأنثروبوسين والعمل وفقًا لهذه المعرفة على أكمل وجه: «الانتعاش في المناقشات حول الأنثروبوسين ينم عن إفاقة المجتمعات من غفلتها على حقيقة تحولها إلى قوى عالمية مؤثرة في النظام الأرضي... ويمكننا توجيه تلك القوة الجبارة الجديدة للطبيعة نحو نتائج أفضل للبشرية وللموجودات غير البشرية على حد سواء. لقد حان الوقت لاعتناق ما يميزنا ويجعلنا آدميين، التعاون الاجتماعي، ونطوعه في مواجهة التحديات الصعبة التي يطرحها الأنثروبوسين، من أجل بناء واع لمجتمعات وثقافات طبيعية أفضل53.

وقد ذهب الذين استحسنوا عصر الأنثربوبوسين إلى وصفه بأنه يشكل فرصة عظيمة لتقديم «رؤية إيجابية تفاؤلية» لمستقبل قائم على استخدام متطور للتكنولوجيا. بل إنهم ذهبوا إلى انتقاد أنصار البيئة من الاتجاه العام السائد لكونهم شديدي التشاؤم في طرحهم لملاحظاتهم ومخاوفهم حول الكوارث الطبيعية واستنفاد الموارد. ومرة أخرى يبدو أنه ليس هناك ما يكفي من المناقشات لتحديد من سيتحمل مسؤولية تنفيذ جميع تلك الابتكارات التكنولوجية المقترحة54.

ومع ذلك، لم يتبن كل من استخدم مصطلح الأنثروبوسين الأفكار المزدوجة التي تطرحها السردية التقليدية. إذ يرى بعض المعلقين على العكس، أن فكرة الأنثروبوسين مفيدة تحديدًا ليس لأنها تقدم الدليل على تأثير الإنسان على الطبيعة، بل لأنها تدفعنا للاعتراف والإقرار بمدى التداخل الوثيق بين النشاط الإنساني وباقي الطبيعة. فواقع الأمر أن كل كائن حي على ظهر الأرض يعيش الآن في بيئة تحتوي على تركيزات من غازات الاحتباس الحراري أعلى من الحال لو لم يتدخل الإنسان. لذلك، فقد تساهم فكرة الأنثروبوسين في تطوير عمل تيار الباحثين في العلوم الاجتماعية الذي طالما انتقد اعتبار «الطبيعة» شيئًا منفصلاً عن المجتمع الإنساني. وأحد الأمثلة على هذا، على الرغم من أنه لم يكتب من وجهة نظر ماركسية، كتاب «الحياة البرية في عصر الأنثروبوسين» للكاتب جيمي لوريمر، الذي استخدم فكرة الأنثروبوسين ليلفت الانتباه نحو الحياة البرية التي تعيش في البيئات التي صنعها الإنسان، مثل المدن، والذي يطرح نقدًا لاعتبار الطبيعة مجرد «حياة برية»55.

 

 

هل الأنثربوسين خرافة؟

 

أندريا مالم هو أحد أكثر النقاد اليساريين مثابرة في نقده لسردية الأنثروبوسين. وهو أكاديمي وناشط من جامعة لند في السويد، انتقد بحق وصرامة عدم اتخاذ اجراءات من قبل المفوضين بمحادثات باريس 2015. كما يدعو إلى «مقاومة نضالية عنيفة في الشوارع» لمواجهة التغيرات المناخية56. ومن الواضح أنه أبعد ما يكون عن الرضا والإذعان لحجم المشكلات البيئية الراهنة. تُرى لم يشير إلى «الأنثروبوسين بالأسطورة»؟

في نقده لتلك الأفكار، يرجع مالم إلى اقتراح كروتزن بأن بداية عصر الأنثروبوسين تزامنت مع اختراع المحرك البخاري والثورة الصناعية التي صاحبتها زيادة استخدام الوقود الحفري، فيقدم سردا مهمًا مناهضًا لتلك الفكرة التي تقول إن ما نشهده هو نتيجة تفوق الجنس البشري في مرحلة سابقة وسيطرته على النار، مشيرًا إلى أن كروتزن وغيره لا يقدمون الكثير عن الأسباب الحقيقية وراء تبني فكرة البخار كمصدر للطاقة في بريطانيا إبان ثلاثينات القرن التاسع عشر. وباستناده في طرح حججه على تحليل تاريخي مفصل، يوضح مالم أن المحرك البخاري ظهر في مجتمع رأسمالي، وأنه ظهر ليخدم غرضًا محددًا في ذلك الوقت.

من المثير للاهتمام، يقول مالم، إن المحركات البخارية لم تتفوق على غيرها من النماذج التكنولوجية البديلة مثل سواقي المياه، سواء في حجم الطاقة التي يمكن أن تولدها أو رخص تكلفة إنتاجها. ففي الواقع، كان شراء الفحم لمالك مصنع مستقل هو الخيار الأكثر تكلفة. ومع ذلك، فقد قدم الفحم العديد من المزايا الأخرى للرأسمالية: فقد كان يوفر إمدادات منتظمة للطاقة، كما أنه لم يتطلب جمع رؤوس أموال مختلفة لتستثمر في تأسيس بنية تحتية كما كانت المياه تتطلب، وكان يمكن استخدامه في أوقات ملائمة من اليوم، والأهم من ذلك كله أن طاقة البخار جلبت الإنتاج الصناعي إلى مدن مثل مانشستر.

على نحو متزايد، وفرت المدن إمدادات غزيرة من القوى العاملة الرخيصة والقابلة للاستغلال. وكان المأمول أن يكون العمال في المناطق الحضرية أكثر مرونة إزاء إجبارهم على قبول نظام حياة المصنع57. لاحظ أنه بالنسبة لمالم، كان «الافتراض المسبق» لطاقة البخار قد اقترح من قبل نظام رأسمالي مبكر امتلكت فيه أقلية صغيرة وسائل الإنتاج بينما تم استدراج الغالبية المتبقية من المجتمع نحو العمالة مدفوعة الأجر: «قد تبدو ملاحظتنا هذه من نافلة القول، ولكن الحقيقة أن من قرروا استخدام المحركات البخارية لم يكونوا نوابًا اختارتهم الطبيعة ليمثلوا الجنس البشري. الأكيد أن اختيار المحركات كوسيلة لإنتاج الطاقة لم يكن أمرًا في سلطة الجنس البشري، ذلك أنه –أي هذا الاختيار– افترض أصلًا وجود العمل المأجور. واقع الأمر أن مُلاك وسائل الإنتاج [الرأسماليين] هم من اختاروا واستخدموا مصدر الطاقة الجديد.»58

الأمر الجوهري في هذا الطرح هو فكرة أن تغير المناخ شأن سياسي، وأن اعتماد الفحم ظهر نتيجة للصراع الطبقي. وفي هذه المعركة النضالية، التي دارت في بريطانيا في القرن التاسع عشر على وجه التحديد، كانت الطبقة الحاكمة هي المنتصرة وعملت على تطبيق تكنولوجيتها على حساب العمال. ومن هنا تم استدعاء الأنثروبوسين عن وعي، ليس بمعني أن الرأسماليين في ذلك الوقت كان باستطاعتهم فهم تغييرات المناخ أو التنبؤ بها، ولكنهم بمعنى أنهم اتخذوا إجراءات مدبرة مشتركة، في مواجهة مقاومة عنيفة، للتحول نحو حرق الوقود الحفري. هذا التحول لم يحدث إذن كجزء من عملية تطور طبيعي للإنسان.

ثمة نقطة أخرى يمكن استنتاجها من المسار العام لأطروحة مالم، وهي أننا بالطبع كجنس بشري لا نتساوى جميعًا في المسؤولية عن إحراق الوقود الحفري. فقد جاء التحول إلى مثل هذا الاختيار عن طريق مجموعة محددة من النوع البشري في القرن التاسع عشر: الذكور، البريطانيون، البيض، الأثرياء. إن الاحتباس الحراري أمر بشري الصنع، ونتيجة للنشاط البشري. غير أنه حتى يومنا هذا لا يمكننا القول إن مسؤولية انبعاثات الكربون تقع على عاتق البشرية ككل. فإن حجم استهلاك الفرد الواحد من الطاقة يتوقف إلى حد كبير جدًا على نوع المجتمع الذي يعيش فيه. إذ يفوق حجم استهلاك الطاقة لمواطن كندي عادي (ناهيك بكندي ثري لديه ثلاث سيارات) ألف مرة استهلاك مزارع تقليدي في غرب أفريقيا. وبشكل عام، فإن أفقر 45٪ من البشرية يولِّدون 7٪ فقط من انبعاثات الكربون59.

ومن الجدير بالذكر هنا أن حجة مالم ليست بالضرورة نقدًا لكلمة أنثروبوسين في حد ذاتها. فما يعترض عليه هو سرد محدد مرتبط باستخدامه60. ولكن بالمثل، فإنه من المنصف القول إنه متشكك حول مدى فائدة تناول مصطلح الأنثروبوسين للماركسيين. وبالإضافة إلى وصفه الأنثروبوسين بأنه «أسطورة»، ذكر مالم كذلك أن شعبية الفكرة «قد تكون جزءًا من المشكلة» وبأن ذلك «تجريد يصعب تبرير كونه نقطة انطلاق أساسية»61.

هناك الكثير مما يمكن أن نتفق عليه في أطروحات مالم. فمن المنطقي أن نحاول تسييس تغيرات المناخ وأن نشير بأصابعنا نحو الرأسماليين بدلاً من إلقاء اللوم على «الأنثروبوس/الإنسان» أو البشرية في العموم. فقد استطاعت البيئة مرة أخرى العودة لتصبح ساحة للمعارك الطبقية. إذ بدأ الناس بأعداد هائلة في الانخراط في حراك معنيّ بالمناخ وفي تبني شعارات جذرية على شاكلة «تغيير النظام وليس المناخ». وهكذا أصبح النضال من أجل وظائف معنية بالمناخ، حيث يطالب النقابيون وغيرهم بوظائف من شأنها وقف الانبعاثات، وكذلك النضال حول العواقب البيئية المحلية الناجمة عن استخلاص مصادر الطاقة (مثل تكسير وتفتيت الصخور من أجل استخراج الغاز والنفط وكذلك استخراج النفط الصخري والتنقيب عن الذهب.. إلخ)، وكذلك النضال حول تأثيرات أحداث الطقس شديد السوء التي تأتي نتيجة تغير المناخ؛ نقول أصبحت كل هذه النضالات علامات تؤكد فكرة أنه عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، فإننا لسنا «جميعًا سواء»62.

وعلى الرغم من ذلك، عارض العديد من المعلقين، بمن فيهم الماركسيين، رفض فكرة الأنثروبوسين. من المهم هنا أن نتذكر أن جزءًا أساسيًا من أطروحة مالم يقوم على نقد كروتزن وقلة آخرين من ذوي وجهات النظر الإشكالية. إلا أن المناقشات التي تدور حول الأنثروبوسين أصبحت أكثر اتساعًا من ذلك. وعلى ما يبدو، فإنه من السابق لأوانه ربط الأنثروبوسين بالثورة الصناعية. فتلك هي فقط واحدة من بين عديد من المقترحات حول تاريخ بداية العصر، وكذلك من المرجح ألا يتم الاتفاق على قبولها. كروتزن وستورمر نفسهما كانا شديدي الوضوح بتأكيدهما أن تأريخ بداية الأنثروبوسين بالثورة الصناعية كان مجرد اقتراح وأنهم يتوقعون أن يكون هناك المزيد من النقاش حول هذه المسألة63.

ولكي نكون منصفين لهذين العالمين، علينا القول إنهم يدركون بأن البشر لا يتساوون جميعًا في مسؤوليتهم عن تغيير المناخ. وقد ذهب كروتزن نفسه منذ فترة مبكرة إلى أن 25٪ فقط من البشر يمكن تحميلهم المسؤولية64. وبعد تلقي بعض الانتقادات من قبل علماء الاجتماع، تم تقديم دراسات إضافية تفرق بين البشر على أساس محل إقامتهم على الأقل، سواء في بلدان ثرية أو فقيرة، على الرغم من أن هذا بالطبع لا يضاهي التحليل التاريخي والطبقي لجذور المشكلة الأساسية65.

ويميل مالم نحو شرح التطورات التاريخية من منطلق الصراع الطبقي بين مجموعة من البشر وأخرى، حيث تنتصر دائمًا المجموعة الأقوى (وهو نهج يمكن وصفه بالنظرة الحتمية للصراع الطبقي). مشكلة هذه النظرة لما يحدث بين البشر أنها لا تعطي أهمية كافية للطريقة التي تتطور بها المجتمعات البشرية في علاقة مع باقي الطبيعة. وقد انتقد جايسون مور بحدة هذا النوع من التفكير، مشيرًا إلى أن «النشاط الإنساني لا يقوم فقط بإحداث تغير في المجال الحيوي الطبيعي، بل إن العلاقات بين البشر هي في حد ذاتها نتاج للطبيعة»66.

يرى مور أن بداية حقبة الأنثروبوسين يجب أن تُعزى إلى التحولات العميقة في العلاقات الاجتماعية-الطبيعية التي بدأت منذ أواخر القرن الخامس عشر مع نشأة النظام الرأسمالي، وليس إلى توسعات القرن التاسع عشر في استخدام الوقود الحفري. يقول مور «إن ربط بداية العالم الحديث بظهور الثقافة الرأسمالية بعد عام 1450 وما تحمله من استراتيجية جامحة نحو غزو العالم وتسليع غير متناه وتبرير متعنت، يعني إعطاء الأولوية لتجاوز علاقات السلطة والمعرفة ورأس المال، التي شكلت العالم الحديث كما عرفناه. إذا أغلقت مصنعًا واحدًا للفحم، يمكنك إبطاء الاحتباس الحراري ليوم واحد. وإذا انهيت العلاقات [الاجتماعية] التي أسست ذلك المصنع، ستنهي الاحتباس الحراري للأبد67.

بالنسبة لكثيرين، يصف الأنثروبوسين ظاهرة تحدث فعليًّا في الواقع لا يُمكن إنكار الدلائل العلمية على وجودها بأي حال. لذا فإن ما نحتاجه هو فهم لمسببات الأنثروبوسين لا رفض المصطلح ذاته. فقد أفسح بروز هذا المصطلح المجال، إلى حد ما، للمناقشة بين العلماء والناشطين وأفراد من العامة حول البيئة ودور البشرية فيها. ومن المؤكد أن زيادة الوعي العام بخطورة تغير المناخ والقضايا البيئية الأخرى لهو تطور إيجابي.

نحو نهج ماركسي

 

إن فهم الأنثروبوسين يتطلب بلورة منظور يقوم بدراسة الأرض باعتبارها نظام معقد تقوم فيه الكائنات الحية، بما فيهم البشر المنتظمين في مجتمعات، بدور حيوي. إذ يقول لويل ستيفين وآخرون «كان بزوغ الوعي بجانبين من طريقة عمل النظام الأرضي عنصرًا جوهريًا في بلورة هذا المنظور. أول هذه الجوانب هو أن الأرض ذاتها تمثل منظومة واحدة يعتبر المحيط الحيوي (biosphere) جزءًا منها؛ جزءًا يلعب دورًا أساسيًا نشطًا. وثاني هذه الجوانب أن الأنشطة البشرية أصبحت الآن متفشية وعميقة العواقب إلى الحد الذي تؤثر فيه على الأرض على مستوى كوكبي بطرق معقدة وتفاعلية ومتسارعة على نحو واضح»68.

إن فهم هذا النظام يحتاج إلى أفكار من العلوم الاجتماعية والطبيعية على حد سواء. كما أنه يتطلب تفسيرًا لكيفية تغيّر هذا النظام المعقد، سواء بشكل تدريجي أو على نحو مفاجئ. من الممكن بالتأكيد القول إن البشر كانوا دائمًا في علاقة معقدة مع بيئاتهم، لكن هناك تحولات حديثة حاسمة في طبيعة هذه العلاقة تجبرنا على أخذ مقترحات الأنثروبوسين الحديثة على محمل الجد.

لا يختلف هذا التصور عن الفكر الماركسي. فالواقع أن النهج الذي حدده ماركس وإنجلز لدور البشرية داخل/خلال العالم الطبيعي، والذي طوره بعد ذلك أجيال حديثة من الماركسيين (المتخصصين في علوم اجتماعية وطبيعية مختلفة) يقدم أساسًا معقدًا من شأنه تمكيننا من تقييم آثار الأنثروبوسين.

يري إيرل إيليس أن الأنثروبوسين يتطلب منا أن نفهم لماذا أصبح البشر يمثلون قوة كوكبية دون سواهم من باقي الأنواع الأخرى: كيف ولمِاذاَ تحولنا من الصيد والجمع والالتقاط إلى الحياة في مجتمعات زراعية؟ ثم كيف انتقلنا بعد ذلك إلى مجتمعات أكثر تعقيدًا بما تشتمله من مدن ووظائف متنوعة وتطور تكنولوجي سريع؟ كيف وصلنا إلى حد أن تغييرنا للطبيعة لم يعد ظاهريًّا فحسب، بل أصبح عميقًا بحيث يمكن قياس تأثيرنا في السجل الجيولوجي؟69 هذه أسئلة يمكن للماركسية أن تلعب دورًا في الإجابة عليها.

يبدأ ماركس تحليله الخاص لعملية العمل في كتابه رأس المال مشيرًا إلى أن البشر يؤثرون على الطبيعة الخارجية وفي الوقت نفسه يقومون بتغيير أنفسهم. ولعله كان سيتفق مع وجهة النظر التي تقول إن البشر قد ميزوا أنفسهم عن سواهم من الحيوانات بقدرتهم على تغيير باقي العالم. وقد اشتهر عنه أنه قد جادل قائلاً «يقوم العنكبوت بعمليات تشبه تلك التي يقوم بها الحائك، كما تستطيع نحلة أن تتفوق على مهندس معماري بدقة خلايا العسل التي تصنعها. إلا أن ما يميز أسوأ مهندس معماري عن أفضل نحلة هو أن المهندس يقوم ببناء الخلية في ذهنه أولًا قبل أن يبنيها من الشمع»70. لذلك فإن البشر لديهم القدرة على تشكيل الطبيعة باستخدام درجة أعلى نوعيًا من الفعل الواعي والإرادي تميزهم عن الحيوانات (وعلى الرغم من أننا لسنا جميعا خارقين في قوتنا، إلا أنه يمكن أن تكون لأعمالنا عواقب غير متوقعة أو مقصودة).

تطور البشر من أسلاف أوائل مشتركين مع حيوانات أخرى. لذا لا يمكن أن تكون قدراتنا المميزة تلك فطرية، بل لابد وأنها ظهرت من خلال عملية تطور. وقد قدم فريدريك إنجلز في مقاله القصير «دور العمل في التحول من القرد إلى الإنسان»71 فرضية حول كيفية تطور القدرات البشرية بداية من أجدادنا الأوائل. حدث هذا التحول، كما يفترض إنجلز، نتيجة لتغيير أجدادنا للبيئة الخارجية بواسطة العمل. يقول إنجلز: «كل الأنشطة المخططة التي قامت بها جميع الحيوانات أخفقت أن تترك بصمة لتلك المخلوقات على الأرض. نجح في هذا الإنسان وحده. اختصارًا، الحيوان لا يستخدم سوى بيئته فقط، وهو يجلب إليها التغيير على نحو غير معقد بمجرد وجوده؛ أما الإنسان فيخضعها من خلال التغييرات التي يحدثها ليجعلها تخدم غاياته. وهذا هو الفرق النهائي والجوهري بين الإنسان والحيوانات الأخرى، وأؤكد مرة أخرى أن العمل هو الذي أحدث ذلك الفارق.»72

مثَّل التحول من القرد إلى الإنسان «نقلة نوعية» في الطرق التي تواصل بها البشر مع الطبيعة الخارجية. إذن، فقد وضع ماركس وإنجلز بالفعل حجر الأساس الذي يمكننا من فهم الطرق التي ربما تكون قد حدثت من خلالها نقلة أخرى بينما كنا –نحن البشر– ندفع بالظروف الكوكبية من حقبة الهولوسين نحو حقبة الأنثروبوسين.

إن الفكرة التي طرحها ماركس، والقائلة بإننا نغير طبيعتنا بينما نقوم بتطويع الطبيعة الخارجية، هي أيضًا نقطة انطلاق لفهم للطبيعة البشرية أكثر تعقيدًا من النهج المبسط المرتبط ببعض تفسيرات الأنثروبوسين. إذ يتقاسم جميع البشر الاحتياجات الأساسية بسبب طبيعتنا البيولوجية، مثل الحاجة إلى الغذاء والماء والنوم والمأوى وما إلى ذلك؛ و يمكننا انتقاد الرأسمالية على أساس أنها لا تستطيع تلبيه احتياجاتنا على نحو كاف. ولكن ليس هناك ما يدعو إلى الافتراض بأننا كنا دائما كائنات فردية أنانية عنيفة أو تنافسية. في الواقع «طبيعتنا هي عملية مستمرة للتطور»73. فقد تغير سلوكنا وسيكولوجيتنا على نحو هائل عبر التاريخ، ذلك أننا عشنا في أنواع مختلفة من المجتمعات. فعند ماركس، لا يوجد «جوهر إنساني» أساسي يمكن تجريده أو استخلاصه بعيدًا عن العلاقات الاجتماعية74.

ولأن البعض يرى أن هناك شيئًا فطريًّا ما في البشر يدفعهم نحو حرق الوقود الحفري، فإن الفهم الماركسي لطبيعة الإنسان وكيفية تطورها بما يتماشى مع احتياجات المجتمعات المختلفة يصبح ذا صلة واضحة. الواقع أن فكرة الطبيعة البشرية الثابتة المدمرة بطبيعتها والمسئولة عن المشكلات البيئية قد انتقدت بشكل فعال في هذه المجلة75. فعلى سبيل المثال، يشير إيان رابيل في مقال عن الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى أن أصول هذا الفكر الكاره للبشر تعود إلى فرضية الحتمية البيولوجية التي تفترض بأن نزوعنا الواضح نحو السلوك التدميري يمكن أن يفسره تكويننا الجيني76.

ينطوي الفعل البشري على علاقة معقدة مع العالم الطبيعي، ولكننا لا نرتبط بهذا العالم فقط كأفراد. فنحن كائنات اجتماعية تتنوع علاقتها بالطبيعة بتنوع المجتمعات التي تعيش فيها. إن إدراك هذه النقطة الأساسية أمر محوري في للمنظور المتبع في فهم القضايا البيئية الذي يتبناه كتاب هذه المجلة وغيرهم. فهو يتيح لنا أن نتبيَّن كيف نشأت المشكلات البيئية مع تغير المجتمعات عبر التاريخ، كما يشكل أساسًا لدراسة الطرق المحددة التي تمثل بها الرأسمالية ضررًا، وهو أيضًا يساعدنا على تصور إمكانية مجتمع اشتراكي مستقبلي يتماشى فيه فهم أكثر منطقية للبيئة مع علاقات اجتماعية أكثر ديموقراطية ومساواة77.

فعلى الرغم من أن المجتمعات البشرية تنطوي على علاقة مع البيئة، تختلف الرأسمالية عن المجتمعات السابقة من حيث آثارها الضارة. فبينما كان يقوم كبار الإقطاعيون، على سبيل المثال، باستغلال مزارعيهم وعبيدهم، إلا أنهم كانوا فقط يحتاجون إلى القيام بذلك من أجل تلبية احتياجاتهم المادية وكذلك احتياجات حاشيتهم وذويهم. أما في المجتمع الرأسمالي، فإن الرأسماليين الأفراد يُجْبَرون على منافسة بعضهم بعضًا لمراكمة المزيد من فائض القيمة عن طريق استغلال العاملين لديهم. فإذا ما أخفق أحد الرأسماليين في استخلاص فائض القيمة واستثماره في مزيد من الإنتاج، فهو بذلك يواجه خطر الخروج من المنافسة78.

تشرح ناعومي كلاين كيفية حدوث ذلك في مجال صناعة الوقود الحفري. فالشركات التي لا تتمتع بإمكانية توفير احتياطيات من الغاز والنفط من أجل تلبية المطالب المستقبلية المتوقعة لا تستطيع الصمود. حيث يقوم المستثمرون بوضع أموالهم في مكان آخر. ومن ثَم يتم إجبار تلك الشركات أن تجوب العالم بحثًا عن المزيد من الأماكن التي تستطيع الحفر والتنقيب فيها79. ويعمل هذا الدافع المستمر نحو التراكم إلى تحويل المزيد والمزيد من الطبيعة إلى سلع يمكن استخدامها. وكما يصف جايسون موور، فمنذ أن ثبتت الرأسمالية أقدامها عالميًّا بدايةً من منتصف القرن الخامس عشر فصاعدًا، وهي تتحرى الأرض بحثًا عن المزيد من السلع كالحديد والفضة والخشب والسكر، قاطعة في طريقها، وأينما حلت، الغابات بمعدلات سريعة80. ولذلك فإن تطور الرأسمالية قد سار جنبًا إلى جنب مع توسع ضخم في قوى الإنتاج، كالتكنولوجيا والموارد والممارسات والمعارف المتاحة للاستخدام في عملية الإنتاج81.

ويوافق إيان أنجوس على أن المشكلة تكمن في الرأسمالية، إلا أنه يقول إننا يجب أن نسعى إلى فهم الآثار البيئية المصاحبة لتطور محدد نشأ في الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ظهور رأس المال الاحتكاري. إذ تؤدي الهيمنة المتزايدة للاحتكارات الكبيرة إلى الحد من المنافسة، حيث يتم منع المؤسسات والشركات الصغيرة من الوصول إلى السوق، مما يؤدي إلى خلق فائض قيمة زائد لا يتوفر له منافذ إنتاجية كافية تُمكِّن الشركات من الاستثمار فيها82.

ويضيف أنجوس أيضًا أن الحرب العالمية الثانية لم تكن مجرد علامة تفصل بين أوائل القرن العشرين وأواخره، بل أنها كانت أيضًا، وفي حد ذاتها، ذات أهمية كبيرة للتغيرات الاجتماعية التي تلتها. فيقول إن الحرب تركت الولايات المتحدة في وضع اقتصادي أكثر رخاءً مقارنة بالدول الأوروبية، وكذلك تحولت تكنولوجيا التصنيع جذريًا في أثناء الحرب، واستمر استثمار الدولة في مجال التسليح، والتصنيع بشكل عام، بعد الحرب مما كان يصب في صالح الاحتكارات الأمريكية على وجه الخصوص83. ويخلص أنجوس من هذا إلى نقطة عامة، وهي أن على الاشتراكيين تحليل الطرق المحددة التي تغيرت خلالها الرأسمالية إبان القرن العشرين، فضلاً عن طرق عمل الرأسمالية في المطلق.

لكن منظور رأس المال الاحتكاري الذي شرحناه حالًا تعرض للنقد بسبب تركيزه المفرط على حالة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، وتقليله من الدور الذي تلعبه المنافسة في التحليل الماركسي84. وكما هو موضح أعلاه، فإن المنافسة والسعي وراء الربح هما القوى الأساسية الدافعة وراء الدور البيئي المدمر الذي تلعبه الرأسمالية، وليس الركود والاحتكار.

وقد طرح الماركسيون أيضًا أن الرأسمالية ليس فقط تستخدم الطبيعة، بل كذلك تعيد تنظيمها. فعلى سبيل المثال، يصف رابيل عملية صناعة «بيئة رأسمالية» لها خصائصها المميزة، بما في ذلك الاتجاه نحو زراعة المحصول الواحد، واستهلاك وإنهاك الإمدادات من الموارد، وتصريف النفايات مرة أخرى إلى الطبيعة بما في فيها تلوث. يقول رابيل: «البيئة التي يتم بنشاط تشكيلها في ظل الرأسمالية هي البيئة التي تحددها تطلعات الطبقة الحاكمة نحو تحقيق الربح»85.

إذن، فإذا ما تقبل الماركسيون فكرة أن الرأسمالية تؤسس منظومة بيئية معينة على المستوى العالمي، فلن يصبح الافتراض بأننا في عصر الأنثروبوسين ضربًا من المبالغة. وبعبارة أخرى، فقد سمحت الرأسمالية ببناء وسط بيئي معين على نطاق عالمي إلى ذلك الحد الذي يمكن فيه فهم آثار ذلك الآن من خلال التحول الذي نشهده من عصر جيولوجي إلى آخر.

وقد اقترح البعض أنه إذا لم يكن هناك بد من ربط المشكلات البيئية بالرأسمالية وليس بالبشرية، فقد يكون استخدام مصطلح «كابيتالوسين» (Capitalocene) هو الأنسب في تلك الحالة86. يقترب هذا المصطلح من الوصول إلى جذور المشكلات البيئية الراهنة، وربما يصبح أكثر شعبية يومًا ما، خصوصًا بين علماء الاجتماع الراديكاليين. ومع ذلك، ثمة عائق واحد، وهو أنه ليس من المرجح أن يقبل الجيولوجيون هذا المصطلح، ولا غيرهم من علماء الفيزياء (فهو لا يتفق مع عرف المصطلحات الجيولوجية)، وكذلك لن يقبله المهتمون بالبيئة من غير أن يلقوا باللوم، حتى الآن على الأقل، على الرأسمالية87. وبينما بدأ بالفعل إدراج كلمة «أنثروبوسين» في الاستخدام العام، قد يكون ببساطة قد فات الأوان للبدء باقتراح مصطلحات بديلة.

يشكو أندرياس مالم من أن علماء الطبيعة يسيطرون على المناقشات حول الأنثروبوسين، مما شكَّل هيمنة غير منطقية وغير مبررة على وجه الإطلاق للعلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية. ويذهب مالم إلى أن مثل أولئك الناس يقومون «بربط رؤيتهم للعالم بالمجتمع»، وأن «الجيولوجيين وعلماء الأرصاد الجوية وزملائهم ليسوا بالضرورة مؤهلين على نحو كاف لدراسة الظواهر التي تدور بين البشر»88.

وفقًا لهذا الطرح، فقد يقول قائل إن فهم التوسع في استخدام الوقود الحفري على سبيل المثال ينبغي أن يُترك للمؤرخين والعلماء الاجتماعيين [وينزع من يد علماء الطبيعة]. ولكن ماركس وإنجلز أنفسهم ما كانوا ليستهتروا بالرؤى العلمية على هذا النحو، وما كانوا ليقبلوا الادعاء بتجاوز علماء الطبيعة لحدودهم إذا ما عقبوا على قضايا تتعلق بالبشر. فكلاهما اهتم بالاكتشافات العلمية الخاصة بزمنه، وخصوصًا نظريات داروين حول التطور. وهذا لا يعني أنهم لم ينتقدوا آراء داروين، والتي غالبًا ما كانت أصولها ذات مرجعية ليبرالية، لكنهم أدركوا مدى أهمية جوهر تفكيره لتطوير رؤاهم الخاصة.

من هذا المنطلق يدعو إيان أنجوس إلى توليف رؤى تجمع مابين علم نظام الأرض والماركسية البيئية، كما يتذمر من حالة الترصد وتصيد الأخطاء لافتقار تحليلات العلماء للجانب الاجتماعي، ويذهب إلى أنه ينبغي على الاشتراكيين أن يولوا اهتمامًا أكبر بما يقوله علماء الفيزياء، قائلاً «يحتاج علماء البيئة الاجتماعية إلى تناول مشروع الأنثروبوسين كفرصة لربط التحليل البيئي الماركسي بأحدث البحوث العلمية، في توليفة جديدة تعمل بمثابة تفسير بيئي-اجتماعي لأصول وطبيعة ومسار الأزمة الراهنة للنظام الأرضي»89.

وهناك خطر آخر في قبول الأفكار والروايات القادمة من بعض الدوائر بغير نقد، ولا سيما من جانب مفرطي التفاؤل [من الثوريين] من أنصار شعار «دعونا لا نضيع فرصة هذه الأزمة» الذين يروجون لفكرة الأنثروبوسين. إلا أن هناك عديد من الحالات، بما في ذلك حالة تغير الطقس، التي قد لا نتفق مع الرواية السائدة فيها، أي الرواية التي تقدمها الطبقة الحاكمة، فيما يتعلق بأسباب وحلول مشكلة ما، بينما يمكن أن نتفق على وجود المشكلة. وإذا كان لدى بعض العلماء أفكار قد نجدها إشكالية، فإن رفض الاشتراكيين لفكرة الأنثروبوسين إجمالاً لن يقدم أي عون في هذا الصدد، بل سيترك الأمر ليصبح فعليًّا تحت تصرف اليمين90.

يخبرنا العلماء الآن أن «ترك الأمور كما هي... ليس خيارًا صالحًا»91. فإذا سمح للرأسمالية بالاستمرار، فسيصبح انقراض البشرية احتمالاً حقيقيًّا لا مفر منه. وفي هذه الحالة لن يكون من المحتمل أن يستمر الأنثروبوسين لفترة طويلة، وسيسجل كمرحلة جيولوجية قصيرة. الحل البديل هو الإطاحة بالرأسمالية واستبدال مجتمع مستدام ومحتمل بها؛ مجتمع يسمح لنوعنا بالاستمرار.

 

هوامش

______

 

1 استفدت عند كتابة هذه الدراسة من تعليقات أليكس كالينيكوس وجوزيف شونارا ومارتن إمبسون وإيان رابيل.

 

2 يُراجع www.co2.earth.

 

Simon Lewis, A Force of Nature: Our Influential Anthropocene Period, Guardian, 23 July 2009.

 

Jan Zalasiewicz & many others, When did the Anthropocene begin? A Mid-Twentieth Century Boundary Level is Stratigraphically OptimalQuaternary International, volume 383, 2015.

 

Karl Gruber, Plastic in the Food Chain: Artificial Debris Found in Fish, New Scientist, 25 September 2015.

 

Adam Vaughan, Human impact has pushed Earth into the Anthropocene, scientists say, Guardian, 7 January 2016.

 

7 النويدات أنواع ذرية تُميَز عن بعضها بواسطة بنية النواة المحددة لها، أي عن طريق عدد البروتونات Z أو عدد النيوترونات N أو حالة الطاقة النووية الخاصة بها. وتترجم في العربية أحيانًا إلى «نويكدات». [المحرر]

 

Richard Monastersky, First Atomic Blast Proposed as Start of Anthropocene, Nature News, 16 January 2015.

 

Ian Angus, Entering the Age of HumansSocialist ReviewMay 2016.

 

10  Paul Crutzen and Eugene Stoermer, The Anthropocene, International Geosphere-Biosphere Programme (IGBP) Global Change Newsletter, number 41, May 2000.. وقد أنشئ المعهد الدولي للغلاف الأرضي-الحيوي عام 1987 نتيجة لازدياد الوعي بضرورة دراسة التفاعل بين المجتمعات الإنسانية وعمليات الأرض الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، والتي كثيرًا ما توصف بـ»أنظمة الأرض» الاستثنائية.

 

11 Eon  هي فترة غير محددة وطويلة جدًا من الزمن؛ eras هي فترات ومتميزة من التاريخ تميزها خاصية ما؛ periods فترات من الوقت تعد فاصلاً زمنيًّا بين حالات متتالية من نفس النوع؛ epochs وهي فترات تاريخية جرت فيها أو تميزها أحداث مهمة؛ ages وهي فترات الزمن التي عاش فيها شخص/كائنات ما أو شهدت وجود شيء بعينه. [المترجم]

 

12 Ian Angus, The Anthropocene: When did it begin and why does it matter? Monthly Review, vol.67, no.4, 2015.

 

13  Simon Lewis & Mark Maslin, Defining the Anthropocene, Nature, issue 519, 2015.

 

14 هذا التعبير مُستقى منErle Ellis, Evolving Toward a Better Anthropocene, Future of the Earth Blog (www.futureearth.org/blog), 29 March 2016.

 

15  Lewis, A Force of Nature.

 

16  Angus, The Anthropocene.

 

17انظرwww.underwatersculpture.com/sculptures/anthropocene/

 

18  John Bellamy Foster, John Bellamy Foster Answers Three Questions on Marxism and Ecology, La Revue du Projet, 2016 (http://climateandcapitalism.com/2016/03/21/marxism-and-ecology-three-questions-for-john-bellamy-foster/)’ & Ian Angus, Facing the Anthropocene, (New York: Monthly Review Press, 2016).

 

19 العصر الطباشيري (الكريتاسي)، 135 إلى 65 مليون سنة مض؛ في نهايته انقرضت الديناصورات بعد أن عاشت فوق الأرض نحو 200 مليون سنة. غالبًا يرمز إلى العصر الطباشيري بالحرف K بسبب ترجمة اسمه من كلمة Kreide (طباشير) في اللغة الألمانية. [المترجم]

 

20 يمكن الإشارة إلى الحربة الذهبية أيضا بـ(GSSP)، وهو اختصار لـGlobal Stratotype Section and Point.

 

21 لم يحدث التأثير الفعلي في تونس، بل وقع في شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية.

 

22  Simon Lewis & Mark Maslin, Defining the Anthropocene, Nature, issue 519, 2015.

 

23  Eleftheriou-Smith & Loulla-Mae, Dinosaurs werein Decline’ 50 Million Years Before Asteroid Strike Wiped Them Out, Study SuggestsIndependent, 19 April 2016

 

24 Monastersky, First Atomic Blast Proposed as Start of Anthropocene; see also http://quaternary.stratigraphy.org/workinggroups/anthropocene/

 

25  من أجل نظرة شاملة على مساهمة علماء الاتحاد السوفيتي في التفكير البيئي، والتي يعتقد بأنها تدين بالكثير للفكر المادي الجدلي الماركسي، يُراجع:

Lewis & Maslin, Defining the Anthropocene & John Bellamy Foster, Late Soviet Ecology and the Planetary Crisis, Monthly Review, volume 67, number 2, 2015.

 

26 أثرت الزراعة والانبعاثات من الماشية وإزالة الغابات على درجة حرارة الكوكب منذ بداية عصر الهولوسين، وهو ما قد يكون قد مثّل حائلاً دون انخفاض درجات الحرارة العالمية. انظر: Jan Zalasiewicz, Mar Williams, Will Steffen & Paul Crutzen, The New World of the Anthropocene, Environmental Science and Technology Viewpoint, issue 44, 2010.

 

27  Judith Orr, Marxism and Womens Liberation, (London: Bookmarks, 2015), pp34-51.

 

28  Chris Harman, A Peoples History of the World, (London: Bookmarks, 1999) p.175.

 

29 Ibid, p.171.

 

30 Lewis & Maslin, A Force of Nature.

 

31  Andreas Malm, Fossil Capital, (London: Verso, 2016). p54.

 

32  Crutzen & Stoermer, The Anthropocene.

 

33  Andreas Malm, Fossil Capital (London: Verso, 2016).

 

34  Steffen, Crutzen & McNeill, The Anthropocene.

 

35. ويبدو أيضًا أن مؤلفي هذه الدراسة قد أعجبوا بالفكرة التي تقول إن بداية عصر الأنثروبوسين قد وقعت مع انفجار اصطدم بالأرض، نسبة إلى التشابه بين ذلك الحدث والاصطدام النيزكي الذي بشر ببداية العصر السينوزويكي. يُراجع:Jan Zalasiewicz & many others, When did the Anthropocene begin?

 

36 Lewis & Maslin, Defining the Anthropocene.

 

37 الممارسة المعتادة في علم الجيولوجيا تعمد إلى الإشارة إلى الأول من يناير عام 1950 بوصفه «الحاضر».

 

38 ستيفين وآخرون، 2004، ص258. الفترة الزمنية منذ ما يقرب من 50 عامًا تتسق أيضًا مع مفهوم «التسارع العظيم» على الرغم من أن ذلك الأمر سينظر إليه على نحو متزايد كبداية عصر الأنثروبوسين بدلاً من اعتباره نقطة تحول داخله.

 

39 Zalasiewicz & others, When did the Anthropocene begin.

 

40 يسكن أغلب شعوب العالم الآن في مدن.

 

41 لمعرفة المزيد عن السياسة وراء التعبئة والتغليف غير القابل لإعادة الاستعمال وتقادم أو تخريب السلع الاستهلاكية الآيلة للزوال، انظر:Zalasiewicz & others, When did the Anthropocene begin.

 

42  مصدر الرسم البياني Will Steffen, Wendy Broadgate, Lisa Deutsch, Owen Gaffney & Cornelia Ludwig, The Trajectory of the Anthropocene: The Great AccelerationAnthropocene Review, 2015.

 

43  Lewis & Maslin, Defining the Anthropocene.

 

44 Ian Angus, Hijacking the AnthropoceneClimate and Capitalism, 19 May 2015.

 

45 Angus, Entering the Age of Humans.

 

46 Will Steffen, Paul Crutzen & John McNeill, The Anthropocene: Are Humans Now Overwhelming the Great Forces of Nature? Ambio: A Journal of the Human Environment, volume 36, number 8, 2007.

لنقد هذه الفكرة، راجعAndreas Malm, The Anthropocene Myth , Jacobin, 30 March 2015 .

 

47 Ibid.

 

48  Ibid.

 

49  Eva Lövbrand, Silke Beck, Jason Chilvers, Tim Forsyth, Johan Hedrén, Mike Hulme, Rolf Lidskog & Eleftheria Vasileiadou, Who Speaks for the Future of Earth? How Critical Social Science Can Extend the Conversation on the AnthropoceneGlobal Environmental Change, volume 32, 2015; and Jason Moore, The Capitalocene Part 1: On the Nature & Origins of Our Ecological Crisis, 2014  (www.jasonwmoore.com/Essays.html).

 

50 Lövbrand, Who Speaks for the Future of Earth.

 

51 Steve Connor, Scientist PublishesEscape Routefrom Global WarmingIndependent, 30 July 2006

 

52  Kevin Anderson, The Hidden Agenda: How Veiled Techno-utopias Shore up the Paris Agreement, 6 January 2016 (http://kevinanderson.info/blog/the-hidden-agenda-how-veiled-techno-utopias-shore-up-the-paris-agreement/).

 

53 Ellis, Evolving toward a better Anthropocene.

 

54 Angus, Hijacking the Anthropocene.

 

55 Jamie LorimerWildlife in the Anthropocene: Conservation after Nature, 2015, (Minnesota: University of Minnesota Press, 2015).

 

56 Andreas Malm, Our Fight for SurvivalJacobin, 29 November 2015

 

57 Malm, Fossil Capital; Martin Empson, Why Capitalism is Addicted to Oil and Coal, Climate and Capitalism, 17 December 2015.

 

58 Malm, The Anthropocene Myth.

 

59 Malm, Fossil Capital, p.269; Andreas Malm, & Alf Hornborg, The Geology of Mankind? A Critique of the Anthropocene Narrative, Anthropocene Review, vol.1, no.1, 2014.

 

60         طرح مالم هذه النقطة في حفل إطلاق كتابه السابق ذكره في لندن في 2 مارس عام 2016.

 

61         Malm, Fossil Capital, pp.32 & 391..

 

62 Suzanne Jeffery, Up Against the Clock: Climate, Social Movements and Marxism, International Socialism, no.148, Autumn 2015.

 

63 Crutzen and Stoermer, TheAnthropocene’.

 

64 Paul Crutzen, “Geology of Mankind, Nature, volume 415, 2002.

 

65 Steffen and others, The Trajectory of the Anthropocene.

 

66 Moore, The Capitalocene Part 1. See also Jason MooreCapitalism in the Web of Life, (London, Verso, 2015).

 

67 Moore, The Capitalocene Part 1.

 

68 Will Steffen & many others, Global Change and the Earth System, International Geosphere-Biosphere Programme, 2004p.1.

 

69 Ellis, Evolving toward a better Anthropocene.

 

70 Karl Marx, Capital, volume 1 (London: Penguin Classics, 1990), p.284.

 

71         Frederick Engels, The Part Played by Labour in the Transition from Ape to Man (Moscow: Progress Publishers, 1934).

 

72 Ibid.

 

73 Paul Blackledge, How Humans Make Themselves, International Socialism no.117, winter 2007.

 

74 Ibid; Elizabeth Terzakis, What do Socialists say about Human Nature? International Socialist Review, issue 47, (May-June 2006).

 

75 المقصود مجلة (International Socialism) التي نُشر فيها هذا المقال.

 

76 Ian Rappel, Capitalism and Species ExtinctionInternational Socialism, no.147, summer 2015

 

77 Martin EmpsonLand and Labour: Marxism, Ecology and Human History (London: Bookmarks, 2014); Martin Empson, Can we Build a Sustainable Society? Socialist Review, December 2015

 

78 Empson, Land and Labour, chapter 11.

 

79 Naomi KleinThis Changes Everything: Capitalism vs the Climate, (London: Penguin, 2015)..

 

80 Moore, The Capitalocene Part 1  & Capitalism in the Web of Life.

 

81 Empson, Land and Labour, chapter 11.

 

82 Angus, The Anthropocene.

 

83 Angus, Facing the Anthropocene, pp137-145.

 

84 Joseph Choonara, Marxist Accounts of the Current CrisisInternational Socialism 123, Summer 2009.

 

85 Rappel, Capitalism and Species Extinction, p.110.

 

86 Moore, The Capitalocene Part 1.

 

87 Angus, Facing the Anthropocene, pp.230-231

 

88 Malm & Hornborg, The Geology of Mankind.

 

89 Angus, The Anthropocene.

 

90 Angus, Entering the Age of Humans.

 

91 تأييد ويل ستيفين لأنجوس في عمله:"Facing the Anthropocene «