دراسات

ناصر إبراهيم

الحملة الفرنسية بعين فرنسية

2017.09.12

مصدر الصورة : ويكيبديا

الحملة الفرنسية بعين فرنسية

خلال1 النصف الأول من القرن التاسع عشر ظهرت في فرنسا ثلاثة اتجاهات تؤرخ للحملة على مصر، اتجاه منها اتخذ من شخصية قائدها الأول بونابرت محورًا للأحداث، وهـم من يعرفون بـ«مؤرخي البلاط النابوليوني». حيث قدمت أعمالهم عن هذه الحملة زلفى لهذا النابوليون، وأحيانًا بدافع منه، لتمجيد شخصيته، أو للتغطية على مواطن ضعفه التي كان يخشى أن يتسرب للرأي العام الفرنسي أي معلومات بشأنها. وظهر الاتجاه الثاني بعد سقوط نابوليون في 1815

وهو الذي اكترث لموضوع «حملة مصر» باعتبارها أولى حملاته الفاشلة. وقد لاقى هذا الاتجاه دعمًا كبيرًا من الملكية العائدة (1815–1830) التي أرادت فضح البروباجندا النابوليونية، وكشف أكذوبة الأسطورة التي دارت حول شخصيته، التي عُرفت وقتها بـ«الأسطورة السوداء» (légende noir). أما الاتجاه الثالث فهو اتجاه القوميين، الذين ارتأوا ضرورة الحفاظ على إنجازات الثورة والانتصارات العسكرية التي تحققت باعتبارها تراثًا قوميًّا أصيلاً، لا يتعين ربطه بشخص معين مهما كان دوره، وإنما لابد من الاهتمام بالجيل الذي صنع هذه الأمجاد. وقد رأى هذا الاتجاه أن «حملة مصر» كانت واحدة من حروب الثورة الفرنسية الأكثر تميزًا. ولما كانت معظم الأفكار والتصورات التي شاعت عن الحملة قد أنتجها هذا التيار القومي، فإنه من المهم فهم هذا النمط من الكتابة.

المخطوط الذي نولي اليوم اهتمامًا لدراسته من أولى هذه الكتابات التي ظهرت في مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر، وهو لضابط فرنسي (21) شارك في جيش الشرق يسمى أويه (Haue) كان من الضباط الذين انضموا لجيوش نابوليون بعد عودتهم لفرنسا، فظل يعمل بالمؤسسة العسكرية حتى أُحيل للتقاعد في عام 1816، كغيره من جنرالات وضباط الجيش الإمبراطوري الذين سُرِّحوا عقب استعادة الملكية زمام السلطة، ونجهل تمامًا ماذا كان مستقبله بعد التقاعد، وتخلو كتابات الببليوجرافية النقدية التي اهتمت برصد كل مذكرات الثورة الفرنسية3 ومذكرات العصر النابوليوني4 من أي إشارة إليه، وأغلب الظن أنه ظل مجهولاً، لكونه من صغار الضباط الذين لم تكن لهم علاقات مهمة مع الشخصيات الكبرى التي لعبت دورًا محوريًّا على مسرح أحداث تلك الفترة، فضلاً عن أنه قد تعذر عليه نشر مؤلفه لأسباب سنعرض لها بعد قليل؛ الأمر الذي جعله بعيدًا عن الأضواء، على الرغم من أهمية عمله الموسوعي.

ولما كان مؤلفه ليس مذكرات أو يوميات خاصة يرتبط فيها تطور مسار الأحداث بتحركات أصحابها، فإن شخصيته ودوره في تاريخ الحملة يتوارى خلف ضجيج سرده الصارم للأحداث العسكرية، التي مثلت الموضوع المحوري في مشروع كتابته ككل. الإشارة الوحيدة التي كتبها، في مقدمة المخطوط، تشير إلى أنه كان يعمل في فرقة الجنرال رينيه (Reynier)، وهي واحدة من أهم الفرق التي شاركت في العمليات العسكرية في مصر وسوريا، باستثناء المعارك التي دارت بالصعيد، وهو يُقدِّر انتماءه إلى هذه الفرقة وجنرالها الكبير «رينيه» إلى حد التأكيد على أنه «ممثل لهذه الفرقة وشاهد عيان»5.

على أن هذا لا يعني أن مشروع كتابه قد استند على يومياته، خلال مشاركته هذه الفرقة في العمليات العسكرية وحسب؛ إذ اعتمد بشكل أساسي على المادة الوثائقية الهائلة التي تجمعت تحت يديه، وقُدِّر له أن يحصل على نسخة منها خلال الشهور الأخيرة للحملة في مصر6، هذا إلى جانب مذكرات بعض الجنرالات، وكتابات فنانين وعلماء شاركوا في الحملة7.

ماهية المشروع

 

جاءت المادة الوثائقية الضخمة التي أتيح لأويه التعامل معها نتيجة لتكليف القيادة العامة له بعمل ملخص وافٍ لكل التقارير التي تم الحصول عليها من جميع فرق الجيش. وقد أنجز هذا الملخص التاريخي في مجلدين كبيرين، وسلمه لحاكم القاهرة الجنرال بليار (Belliar) في عام 1801، ليدفع بالمجلدين لوزارة الحربية، حال عودة الجيش لفرنسا، فتتمكن الوزارة من الرد على جميع تساؤلات العائلات الفرنسية، وخصوصًا من قُتل ذويها أو من عُدَّ من المفقودين العسكريين في مصر وسوريا8.

تعود فكرة جمع الكشوف والتقارير الخاصة بكل من أصيب أو جرح أو قتل إلى القائد العام «كليبر»، الذي عهد إلى رئيس الأركان داماس (Damas) بإصدار «أمر يومي» يلزم كل فرقة من فرق الجيش بتقديم تقرير شامل عن حالة كل مقاتل لاقى حتفه أو أصيب في ميدان القتال، يدون به «الاسم والرتبة ومكان الميلاد وتاريخ وسبب الوفاة أو الإصابة، وتحديد نوع العجز وظروفه» ويرفق بهذا تقرير آخر عن حالة هؤلاء الرجال عند نزولهم الإسكندرية في بداية الاحتلال، وحالتهم التي انتهوا إليها9. ويخبرنا أويه أن الجنرال داماس ظل مكترثًا بالعمل على استمرار هذا الحصر الشامل للتقارير والمعلومات حتى نهايـة الحملة10.

وشكّل هذا الاستقصاء المعلوماتي الثمين الظرف التاريخي الذي أغرى أويه بفكرة «وضع مؤلف شامل لكل العمليات العسكرية» (un historique complete de toutes les operations militaire). وكان قد زاد اقتناعًا بأهمية إنجاز هذا المشروع، بعدما تأكد له، من واقع مشاركته في حروب نابوليون، أن حملة «جيش الشرق» كانت أهم حرب خاضتها جيوش الثورة الفرنسية11. غير أنه قرر إرجاء نشر مؤلفه، وهو إرجاء امتد نحو ثلاثة عقود، حتى عاد في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات تراوده بقوة الرغبة في إخراج المشروع للنور. ويبدو أنه بعد أن أعد مخطوطه واجهته ظروف أدت في النهاية إلى تعذر النشر، حتى بيع المخطوط، بمجلداته السبع، ضمن المجموعات الوثائقية الأخرى التي اهتمت الملكية في مصر بشرائها، وضمها للأرشيف المصري القومي في أربعينات القرن العشرين.

ويظل مهمًا تحليل الأسباب التي دفعت بـأويه إلى قراري الإرجاء وعدم النشر، لما لهما من دلالة في توضيح العلاقة بين ما اشتملت عليه مخطوطته من معلومات وبين الظرف السياسي (المتقلب) الذي عاشته فرنسا، وهو ما يلقى بظله، في النهاية، على مدى أهميــة «حملة مصر» وما رمزت إليه على الصعيدين السياسي والاجتماعي لفرنسا في هذه المرحلة الزاخمة بالتطورات المتلاحقة.

كذلك من الضروري أن نفهم هل كان قرار أويه مجرد حالة فردية، أم أن موقفه كان انعكاسًا لظاهرة عامة، شملت أبناء جيله ممن شاركوا معه في حروب الثورة والإمبراطورية، وشغلتهم طويلاً مسألة تسجيل شهادتهم أمام المجتمع الفرنسي والتاريخ؟ 

ظروف تعقد نشر المخطوط

 

تكشف الملاحظة الأولى على مقدمة المخطوط عن حالة من التردد بين الإفصاح عن الأسباب التي حالت دون نشر المخطوط وبين تعمد إهمالها. فبعد أن كتب أويه عنوانًا طويلاً على هامش المقدمة «العوامل التي حالت دون طبع ونشر العمل التاريخي الرسمي الكامل للحملة الفرنسية على مصر وسوريا تحت حكم القنصلية والإمبراطورية» وجدناه يتجاوز هذه النقطة، ويعرج بالقارئ على الأسباب الأخرى التي برزت، بعد سقوط نابوليون وانهيار إمبراطوريته، منذ عام 181512. وهذا يعني أنه حسم تردده في النهاية بأن اختار تركيز العدسة على مساوئ الحكم الملكي، التي اعتبرها عاملاً أساسيًّا في استفزازه هو وغيره من الجنرالات والضباط للكتابة، من أجل تصحيح وعي الأجيال القادمة بحقائق هذه الفترة، وكشف ما أرادت الملكية سوقه من معلومات مزعومة عبر نقدها المرير للمؤسسة العسكرية الثورية13.

على أن لتجاوز أويه المتعمد لشرح الأسباب المتعلقة بطبيعة النظام النابوليوني وتوجهاته مغزى مهم مرتبط بالضرورة بمضمون المخطوط وهدفه النهائي من الكتابة. إذ ليست المسألة مجرد موقف من النظامين «النابوليوني والملكي»، وهي نقطة أساسية في هذا العمل، سنعود إلى تحليلها لاحقًا. من المهم أن نستقرئ الظروف التي عزف أويه عن ذكرها، وخصوصًا تلك التي تتعلق بالمناخ العام لحركة نشر الكتب، ولاسيما «مذكرات شهود العيان» خلال هذه الحقبة المهمة من تاريخ فرنسا.

كان أويه يأمل، حال عودة الحملة لفرنسا، أن ينكب على ترتيب المادة الوثائقية التي تجمعت تحت يديه للنشر، بل إنه اعتبر ذلك «واجبًا» تعيَّن عليه إنجازه14. لكنه ما إن شرع في العمل، حتى وجد موقفًا صارمًا مـن قبل السلطة، الممثلة في شخص القنصل الأول، ثم الإمبراطور، نابوليون بونابرت، من كل ما يُنشر من مذكرات القادة والجنود الذين شاركوا في حملة مصر، الأمر الذي أثار قلق أويه وجعله يحذر ويقاوم رغبته في طرح مؤلفه للنشر. فقد كان أول إجراء اتخذه بونابرت بعد قراءته مذكرات الجنرال رينيه التي نشرها فور عودته بعنوان «مصر بعد معركة هليوبوليس» (Égypte aprés la bataille d’Héliopolis) أن أصدر قرارًا بحظر تداولها، لأنها تكشف عن حالة التخبط التي انتابت الجيش، وتسبـب فيهـا الجنـرال منو، وكيف أدى هذا إلى تدهور الأوضاع وتكبد الجيش المزيد من الخسائر البشرية. لقد أدرك بونابرت أن نشر مثل هذه المعلومات سيضر مستقبله السياسي، ويفقده رصيده لدى المجتمع الفرنسي، ويعطى الفرصة لخصومه لفتح باب الأسئلة والمراجعة لكل وقائع هذه الحملة، ما قد يعرضه لتحمل النصيب الأكبر من أسباب فشلها. لذلك لم يتردد في مصادرة معظم النسخ التي وُزعت على المكتبات15، على حين تلقف الإنجليز نسخة منها، ونشروها في العام نفسه بالإنجليزية16.

تابع أويه عن كثب هذه الأحداث، خصوصًا وأن الجنرال رينيه كما ذكرنا سابقًا كان قائدًا للفرقة التي عمل بها، مما جعله يصدم في إمكانية نشر مؤلفه، وظل الأمل يراوده في الحصول على تصريح بالنشر17، لكن بونابرت حسم أمره في كل ما يتعلق بحملة مصر التي مثلت هاجسًا مخيفًا ظل يطارده حتى سقوطه ونفيه إلى سانت هيلانة. فعمل في أعقاب مصادرة مذكرات رينيه مباشرة على نزع الوثائق والتقارير التي تدينه من دور الأرشيف الفرنسية. حيث أرسل بوريـان (Bourrienne )  يوم 17 يونيو 1802 إلى المسؤول عــن الأرشيف، البــارون فـان (Fain )، وطالبه بأن «يسلِّمه كل الأوراق الخاصة بمصر في أرشيف الحكومة الفرنسيــة». وبعدهـا في عام 1807 قرر نابوليون، وهو إمبراطور، حرق كل هذه الأوراق18.

ظل أويه يترقب الموقف، وكلما زادت قوة نابوليون كان أمله في تحقيق مشروعه يتضاءل. وفي 1804 سيتابع أويه مصادرة مذكرات ميو، الجندي البسيط الذي شارك في حملة مصر وسوريا، وفضح في مذكراته الحالة السيئة التي كان عليها وضع الجيش، كاشفًا عن الحقائق المريرة التي عاناها الجنود في تلك الفترة. وهو ما أثار بونابرت كثيرًا19، بشكل جعله لا يكتفي بسحب الكتاب من دور النشر، بل اتجه لتشكيل «لجنة» لمراجعة الكتب قبل أن تطرح للنشر، تعمل على مراجعة كل المنشور بالمكتبات، وأطلق عليها لجنة المراجعة (commission de revision). وفضلاً عن هذا كلَّف الشرطة بتلقي أي كتاب قبل طبعه، وصار بيد الشرطة وحدها قرار التصريح بالنشر والتوزيع. وعممت هذه الإجراءات على كل الكتابات المتعلقة بالحملة أو بحروب الثورة أو العهد الملكي20.

ومع توطد حكم نابوليون، واستمرار حروبه الأوروبية، زادت إجراءات الرقابة على نشر المذكرات تعقيدًا. وبين عامي 1808 و1810 شهد أويه وأبناء جيله اتجاه نابوليون إلى منح مجلس الدولة صلاحيات واسعة. فهذا المجلس يقرر ما يسمح له بالنشر ويحظر في المقابل كل ما يتعارض مع توجهات الإمبراطور نابوليون، وللمجلس أيضًا أن يحدد عدد النسخ التي تطبع من كل كتاب، وله حق حذف أشياء من مضمون التأليف، وتجديد وتحديد غلاف الكتب، إلى جانب صلاحيات أخرى أكثر صرامة فيما يتعلق بمصادرة الكتب، وفرض الغرامات المالية على المؤلفين، وإصدار قرارات الاعتقال والسجن ومصادرة الممتلكات. فالمجلس في النهاية منوط به منع أي شخص يمس أو يعيب في السلطة وممثليها، وكل ما يضر بمصالح دولة الإمبراطور21. وفي عام 1810 زادت وطأة الرقابة على النشر مع إنشاء «الإدارة العامة للطباعة والمكتبات» التي عُهد إليها بالإشراف الكامل على الأنشطة الثقافية، كما أصبح منوطًا بها توجيه هذه الدفة عبر تعبئة الفنانين والكتاب لتمجيد حكم الإمبراطور22.

وفي خطٍ موازٍ مع الرقابة المشددة على نشر مذكرات القادة والجنود، رأى نابوليون ضرورة طرح البديل الذي يمكِّنه من السيطرة على الخطاب التاريخي لقصة «حملة مصر». وكي تصبح وسيلته تلك قوية التأثير، تعيَّن أن يقدم هذا الخطاب من خلال مذكرات أخرى لقادة يدينون له بالولاء والطاعة. لذلك بدا شديد الرغبة في إصدار مجلـد ضخـم يحمـل عنـوان «مذكرات عن مصر» (Mémoire sur l' Égypte ) سيصدر خلال فترة حكمه بالفعل على يد ديدو (Didot)23. وخلال سنوات النفي بجزيرة سانت هيلانة ستعظم لديه الرغبة في إملاء تصوراته وتفسيراته لأحداث الحملة التي يرويها مرتين، مرة على نحو موجز ضمن ذكرياته لتاريخ حروبه وبطولاته المعروفة بـ»الميموريال» (Le Mémorial de SaintHélene)، ومرة أخرى بصورة مستفيضة وزاخمة بالتفاصيل في المذكرات التي أملاها على الجنرال برتراند (Bertrand)، وهذه الأخيرة تبدو الأكثر أهمية لأنها تعكس مخاوفه ممن سيتناولون تاريخ هذه الحملة. فلم يخص حملة من حملاته العشرين بكتابة مذكرات عنها مثلما خصَّ «حملة مصر» التي أفرد لها ذلك المجلد الضخم الذي روى فيه فصول القصة كاملة24.

كان نابوليون منشغلاً طول الوقت بإحكام قبضته على كل ما يمكن أن يصدر عن هذه الحملة. ولن يعدم وسيلة للتعتيم على حقائقها أو طرح أفكار جديدة يفرضها فرضًا على التاريخ، ليستبدل بها كل الحقائق المشينة التي تُدينه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك لاعتقاده بأن «التاريخ مجرد أسطورة يُدفع الناس لتصديقها»25. إن هذه الهيمنة الشديدة التي دعمتها التهديدات بالزج في غياهب السجون لكل من عارض توجيهات السلطة، وتعميم هذه العقوبة على الناشرين كذلك، وهم الذين وقعوا تحت سلطة الرقباء26، مكنت الإمبراطور نابوليون من الانفراد بالساحة الإعلامية ومن صناعة أسطورته.

وإذا كان أويه قد أمسك عن نقد هذه التسلطية في مقدمته النقدية، إلا أنه لم يستطع تجاوز النتيجة التي تمخضت عنها، والتي ذكرها في جملة واحدة وسريعة «ظل التاريخ الرسمي للحملة مجهولاً حتى سقوط نابوليون في عام 1815»27. إذ بعد هذا التاريخ ستشهد حركة نشر المذكرات تقدمًا ملحوظًا. حيث أرادت الملكية استغلال روح السخط على الرقابة الصارمة، بفتحها المجال واسعًا أمام نقد النظام السابق. في مقدمة ليوميات ضابط فرنسي في حملة مصر أعرب موريسو، أحد الناشرين المعروفين، عن امتنانه للتحول السياسي الذي جعلهم يتنفسون الصعداء: «الآن أصبح بإمكان الأفكار إجلاء الحقيقة، ما عاد ثمة سبب للصمت، لم نعد نخشى سطوة الرقباء»28.

لكن هذا لا يعني أن المناخ الجديد مع عودة الملكية قد أتاح للفرد حرية التعبير عن الرأي دون تدخلٍ من السلطة. فالملكية أتاحت نشر المذكرات، لكنها في الوقت نفسه واصلت العمل بالنظام الرقابي الصارم. فمنعت نشر الكتابات التي من شأنها أن تفتح الطريق أمام الجمهوريين أو البونابرتين (Bonapartists Les)، بل ويؤكد أويه أنها أجبرت الصحف على الحط من الأمجاد العسكرية التي تحققت في تلك الفترة29. كما امتدت يد الرقابة إلى الإنجاز العلمي الذي تمخضت عنه «حملة مصر» باعتبارها عملاً بونابرتيًا. فلم تسلم مجلدات «وصف مصر» من مقص الرقيب الملكي، الذي عُيِّن ليراجع كل صفحات هذا الكتاب الضخم، فيحذف منها كل التلميحات الأكثر وضوحًا إلى بونابرت30.

إذن بدا المناخ غير مختلف عما ساد الفترة النابوليونية. والمفارقة الأكثر سخرية أن النظامين (الإمبراطوري والملكية العائدة) اتفقا على الحيلولة دون نشر حقائق حروب أو حملات الثورة الفرنسية. ومن ثم ظلت «حملة مصر» في رأي أويه تعاني على مدار ثلاثة عقود، منذ عودة الجيش لفرنسا، قدرًا كبيرًا من التشويه والتزييف، حتى أنه يصف الكتابات المتعلقة بالحملة التي أتيح نشرها بالحمق أو الغباء (Sottes production)31. كذلك عدها آخرون، أمثال الجنرال بوريان، نوعًا من الخزعبلات أو الشعوذة (mystification La) التي كتبها محتالون (Des impostures) قدموا أعمالهم المليئة بالأخطاء، بعد أن أضفوا عليهـا قالبًا تاريخيًّا32.

على أن صمته وانتظاره للحظة التي تتلاءم مع «المضمون» الذي حرص على البوح به باستقلالية تامة، إنما يرمز إلى بصمة أساسية في شخصية هذا الرجل، الذي رفض أن تُملي عليه السلطة توجهاتها. ومن هذه الزاوية تحديدًا يعد أويه نموذجًا لشاهد العيان المؤمن برأيه، الحريص على تقديم شهادته للتاريخ في اللحظة المناسبة التي لا يتعرض خلالها لأية ضغوط، وذلك بصرف النظر عن مدى موضوعية الرؤية التي سجلها في مؤلفه.

تجدد الرغبة في إنجاز المشروع

 

ظل أويه على هذا الحال حتى أواخر عشرينات القرن التاسع عشر. غير أنه كان يتابع باهتمام كل الإصدارات المختلفة عن «حملة مصر». ولما كانت في معظمها كتابات موجهة ومن النوع الذي يُعمم النقد السلبي على كل انجازات الحملة، فقد استفزت أويه وزملاءه العسكريين. حيث مسَّت بدرجة عميقة، شخصية ودور كل منهم. ولتوحيد موقفهم من هذه المسألة، أخذوا يعقدون اللقاءات المتتالية ليناقشوا التفسيرات المغلوطة والتمويهات والأفكار الكاذبة التي لفقت ودمجت في وقائع الحملة33.

ويبدو أن هذه اللقاءات قد أصبحت ظاهرة متكررة عمّت الكثيرين من قادة وضباط «جيش الشرق» الذين وجدوا متنفسًا لهم في تلك المسامرات، يراجعون عبرها كل أحداث الحملة، بعد أن تقاعدوا وتجاوزوا سن الخمسين، ما جعل رحلة التذكر الجماعية ممتعة. كان هذا مفيدًا في إثراء الذاكرة بتفاصيل حية عن تجربتهم في أرض الفراعنة. كما أن هذه اللقاءات حفزت الكثيرين على مراجعة أوراقهم الخاصة، وكتابة مذكراتهم34.

ويبين أويه أنه شارك زملاءه من القادة العسكريين المميزين في هذه الحوارات الجماعية، وأنه كثيرًا ما كانت حواراته وتحليلاته تحظى بالإعجاب والتقدير، إذ تستند رؤيته وتفسيراته على ترسانة هائلة من المعلومات الموثقة. وهكذا وجد أويه نفسه يعود إلى مشروعه القديم. ومن ناحية أخرى، ونتيجة للإحساس بالمسئولية، دبت روح حماسية في مجموعة الضباط، رفاقه، الذين قرروا أن يروي كل منهم شهادته فيما يشبه «المظاهرة الجماعية»35 للرد على الكتابات (الاستفزازية) التي علا طنينها، بشكل أصبح السكوت معه أمرًا غير محتمل.

والواقع أن قرار هؤلاء العسكريين بالخروج عن صمتهم كان في إطار حركة واسعة عمت المجتمع الفرنسي، الذي بات ساخطًا على الأوضاع التي انتهت إليها فرنسا بعد انهيار الإمبراطورية. وبلغ السخط ذروته مع تعمد الملكية تطبيق سياسة قمعية ضد الأهالي، الأمر الذي أدى إلى اندلاع ثورة يوليو 1830 التي أطاحـت بأسـرة البوربـون نفسهـا36. وفي هذه الفترة نفسها بدأت الألوان القاتمة عن ماضي الفترة الثورية ونابوليون تتراجع، لا سيما بعد انتشار «الميموريال» على نطاق واسع37، مما دعم موقف أويه ورفاقه في استغلال هذه اللحظة لرد الاعتبار لـ«جيش الشرق».

مثَّل عقد الثلاثينات لأويه ولغيره من شهود العيان فترة فاصلة حسمت ترددهم في كتابة مذكراتهم، خصوصًا بعدما أصبح جيل الشباب الباحث عن الحقيقة متلهفًا وفضوليًّا في تطلعه إلى فهم طبيعة المسار الذي سلكته فرنسا على مدار العقود الأربعة الماضية. وهنا تحديدًا تلاقت رغبة الجيل الجديد في المعرفة بحماسية شهود العيان للإفضاء والحكي38. ونجد في دراسة فيررو «الببليوجرافية النقدية لمذكرات الثورة» ما يؤكد ذلك بالفعل. فكثير من المذكرات الأكثر أهمية من الناحية التاريخية، والأكثر أصالة بما حوته من معلومات دقيقة، إنما تعود إلى العشرينات والثلاثينات، أي إلى الفترة عينها التي أنجز خلالها أويه مؤلفه الكبير الواقع في سبعة مجلدات. وتفيض مقدمة أويه بتحمسه الشديد لنشرها، بعد أن شجعه زملاؤه الضبـاط، على إخراجها للنور «حتى لا تتبدد في زوايا النسيان»39.

وعلى ذلك فإن مسودة مخطوطه التي وصلتنا كانت معدة بالفعل للنشر. فما الأسباب التي عاقته أو جعلته يتخلى في النهاية عن نشرها؟ الواقع أننا نجهل حقيقة تلك الأسباب، وإن كنا نميل إلى أن الأمر له صلة بطبيعة التطورات التي أفرزتها ثورة 1830، والتي يأتي في مقدمتها أن الوضع السياسي لم يطرأ عليه تغير حقيقي. فالإطاحة بملكية «البوربون» لم تؤد إلى إعلان الجمهورية. إذ كانت أوروبا تخشى قيام نظام جمهوري في فرنسا على غرار ما حدث في أعقاب ثورة 1789. ومن ثم شعر الفرنسيون بخيبة الأمل عندما ظلت البلاد تدار من خلال النظام الملكي40. وكان من البديهي أن تواصل الملكية الجديدة (أسرة أورليان) رقابتها على كل ما قد يُهدد بقاءها في السلطة. لذلك فإن الرقابة على نشر مذكرات القادة والجنود الذين غالوا في افتنانهم بالنظام الجمهوري وبالعهد الثوري ظلت قائمة، فأخذ الكثيرون منهم حذرهم. ومن بين النماذج المعروفة يوميات الضابط الفرنسي ريشاردو (Richardot) الذي ظل متوخيًّا الحذر التام من نشرها حتى سقوط النظام الملكي وإعلان الجهورية الثانية في عام 1848. ولذلك وصف فيررو هذه المذكرات، بأنها «شهادة مؤجلة عن حملة مصر». كذلك كان الجنرال ديفرنوا (desvernois)، الذي خاض معظم حروب الثورة الفرنسية في ألمانيا وإيطاليا ومصر، عازفًا عن نشر مذكراته. حيث كان يكره الملكية ويخشى سطوتها ويعتبرها سببًا في بؤسه وإحساسه بالمهانة، من حيث أنها أسدلت الستار على ماضيه العسكري41. ولم تنشر مذكرات ديفرنوا إلا على يد ابنة أخيه التي تحمست لنشرها في عام 189842. ووفقًا للببليوجرافية النقدية للمذكرات لفيرو يتبين أن العديد من قادة وجنود الحملة تراجعوا عن نشر مذكراتهم التي كتبوها في ظل حكم الملكية، وطال انتظارهم للحظة المناسبة حتى وافتهم المنية، ولم تصلنا تلك المذكرات مطبوعة إلا على أيدي المهتمين من عائلاتهم في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين43.

وعلى ذلك يفترض بأن هذه الظروف نفسها هي التي حالت دون نشر عمل أويه. ومن المدهش أنه آثر إيداع «يومياته» في الأرشيف الوطني بباريس44، وهي مسألة تضع علامة الاستفهام حول الجهة التي امتلكت موسوعة أويه والتي تولت بيعها للأرشيف المصري في عهد الملك فاروق.

وكيفما كان الأمر، فالرغبة في حفظ يومياته (وربما كذلك موسوعته التاريخية) بالأرشيف كانت، في تقديرنا، الخيار الأخير الذي يحمل دلالة قوية على رغبة مؤكدة في تقديم شهادته للتاريخ لا للمجتمع الفرنسي. وتلك هي حال بيروس سكرتير مالية الحملة، الذي آثر أيضًا إيداع شهادته عن «مالية مصر تحت الاحتلال الفرنسي» بأرشيف وزارة الشئون الخارجية في عام 1833، حيث آلمه كثيرًا أن اتهمه مسؤولو المالية في جيش الحملة بالاختلاس45.

ولعل هذا ما يفسر ميل الكثيرين في مطلع القرن العشرين إلى نشر الوثائق نفسها، لتنطلق الحقائق من عقالها بطريقة مستقلة ودون تدخل من أي طرف خارجي. وهذه النتيجة نلمسها عنـد دي لا جونكيير الذي أشار في مقدمة كتابه «حملة مصر»، الذي نشر بين عامي 1897-1906، إلى أن ظروف فرنسا الحرجة هي التي أعاقت نشر الحقائق غير المعروفة، وأن موضوع الحملة بصفة خاصة كان مقلقًا لكل من تصدى لنشر مؤلف عنها «أما اليوم بعد مرور قرن كامل فالجدل فقد جدواه، وفقدت الأسطورة روعتها، وأصبح التاريخ الموضوعي، غير المتحيز، وبصورة حاسمة، كتابًا يمكن فتحه»46.

هذه النتيجة لا تعني أن كل ما لم ينشر من المذكرات والمصادر المختلفة في تلك الحقبة يتسم بالضرورة بالحيدة والنزاهة والموضوعية في كتابة وقائع الحملة. فالأمر يظل نسبيًّا إلى حد بعيد، خصوصًا مع وجود أهداف معينة خلف مؤلف أي نص. ومؤلف أويه ليس استثناءً من هذه المسألة. فقد كان نمط كتابته أيديولوجيًا، على الرغم من ادعائه المتكرر الالتزام بالحيدة والموضوعية في عرض الحقائق. ويصبح مهمًا تحديد الإطار الذي انطلق منه أويه في بناء مؤلفه، حتى نلم بالقضية المحورية من ناحية، ولتقييم الأهمية التاريخية والجديد الذي أضافه المخطوط مقارنة بما هو معروف من المصادر المنشورة من ناحية أخرى.

نمط الشهادة التاريخية عند أويه

 

أتاحت الفترة الزمنية الطويلة التي توالت على أويه قبل أن يحرر موسوعته عن الحملة –نحو ثلاثة عقود– الفرصة لأن يعيد ترتيب أفكاره على ضوء الكتابات والمذكرات التي نُشرت على مدار هذه الفترة. وقد ساعده ذلك في النهاية على بلورة رؤية خاصة في منهج كتابته عن الحملة، وهي رؤية اتضحت معالمها في المقدمة والمعالجة العامة للأحداث بطول المخطوط. فلقد بدا شديد الاعتقاد بأن «الشهادة التاريخية» لا يجب أن تنحو منحى الكشف الكامل عن كل الحقائق، وبالذات إذا ما كانت تمس التاريخ القومي الفرنسي. ولذلك أدان كل الجنرالات الذين أخذتهم الرغبة الجارفة في الدفاع عن أنفسهم وفي تبرئة ساحتهم من تحمل مسئولية ضياع «مستعمرة مصر»، فأطلقوا العنان لأقلامهم بغير وعي بخطورة المعلومات التي تسيء إلى سمعة المؤسسة العسكرية ودورها. ولم يستثن من نقده جنراله المفضل «رينيه» قائد لواء الفرقة التي كان يعمل بها. حيث كشفت مذكرات هذا الأخير الكثير من سوءات الجيش، خصوصًا الانشقاقات التي انتابت القيادة في السنـة الأخيـرة (1801). يقول أويه: «مثل هذه الحقائق ما كان يجب كشفها للجمهور الفرنسي.»47

لكن أويه كان أكثر حدة في نقده للكتابات التي رعتها الملكية وقصدت بها إهالة التراب على ماضي الفترة الثورية والنابوليونية معًا، فكانت «حملة مصر» من بين أبرز الموضوعات التي عُرِّضَ فيها بالمؤسسة العسكرية الثورية. إذ أن «جيش الشرق» كان في الأساس جيش بونابرت، ولهذا حذر أويه من تشويه «حملة مصر» لأن هذا الاتجاه إن لم يتم إيقافه سيكتسب قوة الحقيقة، الأمر الذي يؤدي إلى طمس حقائق النضال والنتائج العظيمة والمبهرة التي صنعها أبطالنا البواسل بالجيش48؛ النتائج التي يرى أنها جديرة بأن يُشاد بها «لتكون محل فخر الأجيال المتعاقبة في فرنسا».

كان أويه ينظر للحملة على أنها جزء أساسي من التاريخ القومي الفرنسي الحديث، لذلك كان يخشى أن تُطوع الشهادات التاريخية في خدمة أغراض السلطة، مما يمكن الخصــوم (الإنجليز) من امتلاك الشواهد على مزاعمهم ومراميهم المتحيزة. ولذلك رمى الملكية بقصر النظر واللاوعي. إذ «لم يكن لها مـن هدف سوى تدمير الشـرف الـقـومي والتطاول على الأمجاد والانتصارات المشرفة»49.

المضمون المحوري في النص

 

لعل الوسيلة الأساسية للإلمام بالمضمون المحوري في أي نص تبدأ بتحديد هدف الكتابة. وقد كان أويه واضحًا في بواعثه على الإدلاء برؤيته شاهدًا للعيان؛ لقد كتب ليرد على الكتابات التي طُرحت على مدار ثلاثين عامًا، منذ عودة الحملة، كي يجلي «الصورة الحقيقية» لهذا الحدث، ومن هنا فإن كتابته تضرب في اتجاهين، الأول: تقويض الركائز التي استند عليها «خصوم نابوليون» في نقدهم لمشروع الحملة، والثاني: إبراز الدور الإيجابي الذي تحقق رغم عودة الجيش إلى فرنسا. ونزعم بأن هذين الاتجاهين قد شكلا الركيزة التي أقام عليها بناء مؤلفه ككل. وليس من العسير تقديم أهم النماذج الاستدلالية التي تبرهن على ذلك والتي عنى هو نفسه بتسليط عدسته عليها.

كانت أبرز الانتقادات الشائعـة فـي مصـادر «خصـوم نابوليـون»، الذيـن وصفهـم بـ«الكتاب الساخطين»، متمثلة في مسألتين أساسيتين، الأولى: عملية تحطم الأسطول الفرنسي بعد أيام قليلة من وصول الفرنسيين للقاهرة، ودورها في تحديد النهاية المبكرة لمشروع إقامة «مستعمرة فرنسية في الشرق»، والثانية: الخسائر البشرية الفادحة التي أسفرت عن عودة 7000 فرنسيًّا من إجمالي جيش قوامه أكثر من 36000 جنديًّا50.

يبدو من القراءة التحليلية لمخطوط أويه أن هاتين المسألتين كانتا نصب عينيه وهو يحاول تقديم صياغة متماسكة لرؤية مغايرة حاول إكسابها، جهد استطاعته، طابع الإقناع، وإن كانت نقطة بدايته ضعيفة، إذ انطلق من مسلماته الخاصة التي يجزم من خلالها بأن الحملة لم تفشل، بل كانت، على النقيض من ذلك، «فتحًا عظيمًا أضفى المجد والرفعة على الجيش وذلك في عيون العالم أجمع.»

يؤكد أويه أن نجاح الحملة هذا يعد نتيجةً طبيعيةً، لأن الجيش الذي فتح مصر كان «جيش إيطاليا المتميز الذي حقق الفتوحات الأولى» ولأن «الجيش طيلة سنوات احتلاله لمصر كان سعيدًا بالمهمة ومتفوقًا في أدائها... وبالجملة كانت كل النتائج المتمخضة عن هذه الحملة مبهرة للغاية... وأن الجيش عندما غادر بلاد الشرق إنما غادر مضطرًا الساحة التي كان يحقق فيها الانتصارات». ويختم أويه مقولاته في هذا الصدد بما ينسب للجيش طابع العطاء والتفاني في أداء الواجب «فعندما عادوا لفرنسا كان هؤلاء الجنود والضباط على استعداد لتلبية نداء الأمة لخوض فتوحات جديدة»51.

يبدو جليًّا إذن، منذ الصفحات الأولى، أن موضوع أويه الرئيسي هو الإدلاء بشهادته على وجـود «ملحمة بطولية» صنعها الجيش وليس القادة. فالبطولة المحورية في النص تدور حول بطولة العمل الجماعي وليس بطولة الفرد/ القائد العام، حتى ولو كان نابوليون بونابرت الذي كان أويه معجبًا بشخصيته وبدوره الكبير. لقد كان أويه في الحقيقة مهمومًا بقضية أكبر من ربط أحداث الحملة بشخصية فرد فذ، وهي قضية الجنود الذين أبدوا صمودًا في مواجهة كل الأعداء، على رغم قلة الإمكانات المادية وتناقص الجنود وانقطاع الصلة بالوطن الأم52. ويفسر لنا ذلك السبب في عدم اندماج أويه وسط «مؤرخي البلاط النابوليوني» عندما كان نابوليون في السلطة.

وانطلاقًا من رفضه لمقولة «الفشل»، راح أويه يركز على معالجة كل مواطن الضعف والقصور التي انتابت «جيش الشرق» فيما يشبه جراحة التجميل، وذلك حتى يحفظ «البطولة الملحمية» التي وعد بها قراءه، دون اكتراث لتجاوزه الرؤية الواقعية للأحداث. ومن السهل ملاحظة ذلك في تحليله لوقائع الحملة، خصوصًا فيما تعلق بمسألة تحطم الأسطول وارتفاع نسبة الخسائر البشرية في الجيش. ففي مسألة انهيار البحرية ووقوع الجيش بكامله تحت الحصار، نجده يعيد بناء المشهد من خلال تحكمه الواعي في العناصر التي ترسم خطوطه العريضة. إذ يتجاوز عن التفاصيل ويجمل الأحداث في عبارات سريعة: «كانت معركة حامية الوطيس»، لأنها كانت سجالاً بين الجانبين، ولم تكن كما قيل «حربًا غير متكافئة»، وأن البحارة الفرنسيين أظهروا شجاعة منقطعة النظير، وصمدوا في مواجهة الإنجليز على مدار 18 ساعة متصلة من القتال المستمر، وأن هذا كبَّد البحرية الإنجليزية الكثير، ومن ثم كانت «الندِّية» طابعًا غالبًا على هذه المعركة، وأن الخسائر المادية والبشرية كانت فادحة على الجانبين. وينتهي بالقارئ إلى أن المعركة لم تكن سهلة، وأن الانتصار الإنجليزي في النهاية جاء بعد أن أُريقت الدماء الذكية، حتى أنه يصف انتصارهم بــ«الانتصار الدامي» (la victoire sanglante)53.

وعلى مستوى آخر، يدير أويه عدسته ليركزها على ما يوحي للقارئ بارتفاع معنويات الجنود وعدم تأثرهم بنبأ تحطم الأسطول. فالجميع كان منشغلاً بالاحتفال بالنصر الذي تحقق على المماليك وبفتح القاهرة، وحتى القائد العام كان مهمومًا بالاستعدادات اللازمة للاحتفال بعيد الثورة الفرنسية. وبهذا الأسلوب نفى أويه الآثار السلبية للحادث. ويلاحظ أنه تجنب كل المعاني والمفردات الدالة على الهزيمة والإحباط التي انتابت الجيش، تلك المفردات التي يفيض بها نص الجنرال «بوريان» الذي تمسك، على النقيض من أويه، بتعرية الحقائق وكشفها في صورتها الواقعية54.

تبدو هذه الملاحظة شيئًا ثابتًا في معالجة أويه للأحداث. فهو يمجد كل لحظات القتال التي خاضها «جيش الشرق»، في مقابل الإقلال إلى أقصى حد من أهمية المواجهة الإنجليزية والعثمانية، فضلاً عن المقاومة المملوكية والشعبية. وسعيًا إلى إظهار «بطولة الجيش» ينزع أويه في كل مناسبة إلى إبراز الكثافة العددية الكبيرة لجيوش الحلفاء، ويبين جدارة الفرق الفرنسية، على تناقص صفوفها المستمر، في النيل من هذه الجيوش جميعًا، داعمًا تحليله بأرقام يصعب الوثوق في دقتها55.
على أنه مهما تنوعت الصورة الزاهية التي أراد أويه تقديمها عن «جيش الشرق»، فإن النتيجة النهائية تظل متناقضة تمامًا معها. ونستطيع أن نؤكد بأن أويه لم تغب عنه هذه الإشكالية، لكنه سوف يبذل قصارى جهده للتقليل من أهميتها وتحويل نظر القارئ عن الفشل، موحيًا له بوجود انتصارات مهمة تحققت. من هنا يعمد أويه إلى تذييل مؤلفه بصفحات طويلة عن معارك الجنرال ديزيه (
Désaix) مع الفصائل المملوكية، التي كان مسرحها صعيد مصر، على امتداد العام الأول 1798-1799. فهو يعتبرها على رأس كل الحروب التي خاضها الجيش في الشرق56. فهي «الحملة المجيدة» ( La Glorieuse Campagne). ولذلك لم يعبأ بالترتيب الكرونولوجي للأحداث، وآثر وضعها في خاتمة المخطوط، حتى يخرج القارئ بانطباع عام، يصور الحملة كواحدة من أهم الحملات التي حققت انتصارات مبهرة تنفي من تلقاء نفسها مقولة «الفشل».

كانت القضية الأخرى التي اتسعت المناظرات بشأنها بين شهود العيان هي «ارتفاع عدد ضحايا الجيش». ويبين أويه أن «النقاد المغرضين» قاموا بدمج فضيحة تسميم الجنود المصابين بالطاعون في يافا مع هذه القضية، وأنهم بالغوا في أرقام الضحايا من أجل النيل من بونابرت57. ولما كانت مثل هذه المقولات لا تدين القائد بقدر ما تسيء لسمعة الجيش، وتكشف عن الوجه القبيح للقادة في تعاملاتهم مع جنودهم، فقد كان من الصعب أن يتجاوزها أويه، ولا سيما مع تركيز الدعاية الإنجليزية عليها، وتشبث مروجي الأسطورة النابوليونية السوداء بكل وقائعها58. لهذا كان تصديه لهذه المسألة جزءًا من قضيته الأساسية. ووفقًا للمبدأ الأكثر تحيزًا الذي تمسك به على مدار كتابته لوقائع الحملة أعلن، مرة أخرى، عن ضرورة التحكم في عملية البوح بالشهادة التاريخية، خصوصًا في مثل هذه القضايا التي تمس وجدان كل فرنسي. إذ يُصرح «بأنه ليس من المفيد (لشهود العيان) أن يضعوا تحت عين القارئ العام كل الاتهامات المقيتة التي قذف بها بونابرت في مسألة المصابين بالطاعون»59. لقد أصبح بونابرت والحملة وجهي عملة واحدة، ومن ثم تحتم الدفاع عنه للحفاظ على الصورة التي كافح أويه في رسمها لجيش الشرق.

لذلك حاول أويه إثارة الشكوك حول وقائع هذه الحادثة من خلال استعانته ببعض الاقتباسات التي نقلها عن تقريرين، أحدهما لكبير الجراحين بالجيش لاري (Larrey)، والآخر لكبير أطباء الجيش ديجينت (Desgenettes) باعتبارهما أهم المسئولين عن صحة الجيش، ومن ثم تصبح شهادتهما هي الأكثر حسمًا لكل ما تردد عن سوء معاملة المصابين، وهي القادرة على كشف ما بُذل من جهود مضنية لإنقاذهم، ولفت نظر القارئ الفرنسي إلى أن الحالة المستعصية لشفائهم هي التي حتمت إعطاءهم الأفيون لوضع نهاية لآلامهم من ناحية، وكي لا يتركوا، في ظل ظروف الانسحاب من سوريا، فريسـة للعـرب والتـرك الذين، على حد قولـه، سيذبحونهم من ناحية أخرى. ومن ثم كانت انتقادات «الخصوم» مغرضة ومجحفة لأنهم لم يأخذوا هذه الظـروف في الاعتبار60.

وتظل هذه السياسة التبريرية سمة أساسية في دفاع أويه. وسعيًّا إلى تدعيم آرائه وأفكاره بقوة الأرقام الإحصائية، فإنه يحرص، بطول المخطوط، على عمل جداول بيانية في كل مناسبة، معتمدًا على المادة الأرشيفية الضخمة التي توفرت لديه عن سائر فرق الجيش.

على أن دفاع أويه عن الشق الثاني في المسألة –نعني ارتفاع عدد القتلى في جيش الشرق– كان أكثر صعوبة، خصوصًا مع تضارب البيانات بين ما ذكره نابوليون في مذكراته بسانت هيلانة61، وبين ما ساقته كتابات خصومه، وهو ما مثَّل لأويه مشكلة حقيقية، لذلك أرجأ معالجتها إلى «الخاتمة» حتى يمكّن نفسه، على ضوء المعطيات الرقمية التي طرحها عن عدد القتلى والجرحى والمرضى في كل العمليات العسكرية، من حسم هذه المشكلة التي يرى أن النقاد اختلقوها من فرط سوء نواياهم الراغبة في الإساءة إلى جيش الشرق62.

وكيفما كان الأمر، فإن تحليل أويه لتطور الرقم الإجمالي لعدد الجيش، من فترة إلى أخرى، مكَّنه من تضعيف الرقم من 7000 إلى 14000 فرنسي63. وبغض النظر عن مدى دقـة هذا الرقـم الأخير، فإنه يظل يدعم حجة «الخصوم» لأنه يعني أن نحو ثلثي الجيش (على الأقل) قد لاقوا حتفهم في المعارك. لكن أويه الحريص دائمًا على الدفاع عن «بطولة الجيش» سيجعل الإصابة بالطاعون ضمن الأسباب الفاعلة في ارتفـاع عـدد الوفيات64، وذلك على الرغم من أن البيانات التي قدمها في مواضع كثيرة لم ترصد سوى أعداد محدودة للغاية لقتلى الطاعون. لكن المؤرخين الفرنسيين المحدثين سيتلقفون هذا التحليل ويتمسكوا به في دفاعهم عن انجازات الحملة65.

 

الرهان الأخير في القضية

 

 لم يعتمد أويه في بناء مؤلفه على تقديم تبرير لكل وقائع الحملة وحسب، وإنما سعى إلى إثبات وجود إنجازات ونتائج أخرى خلافًا للنتائج العسكرية. ويلاحظ أنه كان حريصًا على استبعاد فكرة أن هدف الحملة كان «إقامة مستعمرة فرنسية في الشرق». إذ أن من شأن ذلك أن يؤكد على فشلها. لذا استعاض عن هذا الهدف بآخر يضفي أهمية خاصة على مشروع الحملة، وفي الوقت نفسه يبرر أطروحة احتلالهم لمصر، فالهدف هو «توجيه مصر نحو الحضارة»66. هذا السبب الأخلاقي هو الغاية الوحيدة التي سعت فرنسا إلى تحقيقها.

والواقع أن هذا التبرير ليس من بنات أفكار أويه، وإنما جاء تأثرًا بالتراث النظري لكتابات فلسفة التنوير، وببعض كتابات الرحالة والقناصل في القرن الثامن عشر. وكان أول انعكاس لهذه الأفكار واضحًا في صحف الحملة، كورييه دى ليجيبت ولا ديكاد إيجيبسيين، التي أثرت بدورها على أويه وسائر جنرالات وجنود الحملة الذين باتوا معتقدين أن فرنسا بثورتها المجيدة حملت لواء الحضارة للإنسانية ككل.

الجيش إذن في مهمة حضارية سامية، ولإضفاء المنطق على هذه الفكرة، كان لابد من الإشادة بالحضارة الفرعونية، واعتبار الفترة الزمنية الفاصلة بين وقوع مصر تحت حكم البطالمة والرومان وبين مجيء الحملة، فترة انحطاط وتدهور. وعلى هذا النحو جري تجريد مصر من كل مقومات الحضارة، والتأكيد على أن المجتمع قبل وصول الفرنسيين كان غارقًا في ظلمات الجهل والتخلف اللذان تسبب فيهما نظام سياسي استبدادي. من هنا اعتبـر الدين الإسلامي عقبة في مسيرة التقدم، لأنه كرس الاستبداد وأعطى الشرعية للمستبدين. وهذا الاستبداد هو السبب الرئيسي في شيوع الإهمال في شتى مجالات الحياة، وبالتالي فإن إمكانية إعادة الازدهار لهذا البلد، أي لوصل حاضر مصر بماضيها التليد، تظل مشروطة بإحداث تغيير في بنية النظام السياسي، وهو تغيير ليس من الممكن على الإطلاق أن يأتي من الداخل، لأن المجتمع المصري في حالة عقم تام، ومن ثم «ليس هناك مخرج إلا بتدخل أوروبي»67.

انعكس تبنى أويه لمجمل هذه الأفكار على مؤلفه، إذ أفرد لها مقدمة طويلة (شغلت أكثر من ثلث حجم المخطوط) حاول خلالها قولبة تاريخ مصر، قبل وصول جيش الشرق، على ضوء تلك الأفكار، للبرهنة على صحة مقولة التدهور والانحطاط68. والواقع أن الربط بين المقدمة والخاتمة يبلور الإطار الكامل لهذه النظرية. فإذا كـان «الاستبــداد قــد سحـق كل المصريين»69 فإنه يجب النظر إلى الحملة على أنها سفينة الإنقاذ التي طال انتظارها لاثني عشر قرنًا على الأقل (أي منذ دخل مصر الإسلام) كي تنتشل المجتمع من الهوة السحيقة التي وصل إليها، وأنه لا سبيل آخر لتحقيق هذه النتيجة: «فحملة الشرق كانت الوسيلة الوحيدة للخروج من حالة التوحش والهمجية التي ألمت به»70.

ويطيب لأويه بعد ذلك أن يؤكد أن المصريين استوعبوا هذا المغزى تمامًا، والدليل على ذلك هو «الطريقة التي أعربوا بها، خلال فترة جلاء الجيش، عـن تعاطفهـم وتفضيلهـم للفرنسييـن علـى غيرهم»71. وبطريقته المعتادة يقدم أويه أفكاره وتصوراته كحقائق ثابتة. حيث يقرر أن رسالة الفرنسيين السامية حققت نتائج طيبة وأنه «بات على المصريين، مع الوقت، مواصلة الإصلاح»72، ولا يخفى أن فكرة تعليق مسيرة الإصلاح على مدى قدرة المصريين على مواصلة ما بدأه الفرنسيون لها مغزاها. فهي من ناحية تبرئ ساحة الفرنسيين إذا لم يوجد ما يدل على حلول حضارتهم على ضفاف النيل بأن ذلك مرده تقاعس المصريين عن قطع الشوط إلى نهايته، وهي من ناحية أخرى تطرح أنه إذا ما تمخضت الظروف عن ميلاد مصلح يقود إلى التغيير فإن هذا يكون نتيجة للحملة. وكان هذا في الواقع عين ما قام به المؤرخون الفرنسيون بعد ذلك، عندما اعتبروا الحملة سابقة ضرورية للإنجازات التي أدخلها محمد علي، لتصبح المعادلة الجديدة: لولا الحملة ما كانت النهضة قد عرفتها مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

في التحليل الأخير كان أويه يقود القارئ الفرنسي إلى نتيجة واحدة مثلت حجز الزاوية في مؤلفه، وهي أن «حملة مصر» كانت حملة فريدة وغير عادية، ليس بفضل ما حققته من أمجاد عسكرية رائعة فحسب، وإنما أيضًا لأنها أعطت، حسب زعمه، نموذجًا للاحتلال الذي بشَّر بالحرية والحضارة.

 من المهم أن ندرس هذا النمط من الكتابة، خصوصًا وأن أويه كان صريحًا للغاية، وهي سمة ينفرد بها بين أبناء جيله. إذ أنه يؤكد أنه لن يكتب تاريخ هذا الحدث إلا من خلال المنظور الذي يبرز البطولة التي صنعها الجيش في بلاد الشرق. ومن ثم كانت معالجته أشبه بمرافعة طويلة حاول من خلالها أن يقوض انتقادات خصوم نابوليون، بهدف رد الاعتبار للمؤسسة العسكرية الثورية التي مثلها «جيش الشرق».

ولا ريب أن هذا «الخطاب القومي» يكشف حقيقة الأفكار التي ما نزال نتعامل معها في مناهجنا التاريخية على أنها حقائق موضوعية متماسكة وثابتة. إذ تؤكد دراستنا لنص أويه النتائج التي توصلت إليها ليلى عنان في دراستها النقدية لمصادر الحملة73. ولا شك أن توسيع النقاش حول المزيد من المصادر الجديدة سوف يجلي الصورة تمامًا أمام المهتمين بدراسة هذه الفترة.

عكست كتابة أويه وجود أزمة حقيقة في التأريخ لحملة مصر، وفي بلورة تصور واضح عنها يقدم للرأي العام الفرنسي طيلة النصف الأول من القرن التاسع عشر. وإذا كان التيار القومي الذي مثله أويه وبعض أبناء جيله من رجال العهد الثوري قد بدا ضعيفًا في ظل الحكم الملكي، إلا أن الأفكار والتفسيرات التي انتحلها هؤلاء القوميون ظلت تشق طريقها بقوة وثبات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي بعد قيام ثورة 1871 وإعلان الجمهورية الثالثة 1880-1940 التي تبنت هذا الاتجاه الذي تلاءم مع توسعاتها الاستعمارية الجديدة، فقامت بإعادة تشكيل المناهج التاريخية، وركزت على حروب الثورة الفرنسية والنابوليونية وإنجازاتها74. ولهذا أهميته لأنه توافق مع الفترة التي خضعت فيها مصر للاحتلال البريطاني الذي تعمد تهميش تدريس «تاريخ مصر» في المدارس75، حتى جاء فؤاد الأول إلى السلطة فوّجه الاهتمام نحو كتابة تاريخ «الأمة المصرية».

ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها جيهان القاضي76، فقد عهد الملك فؤاد بهذه المهمة إلى مؤرخين فرنسيين، كان على رأسهم «جابرييل هانوتو» (Hanataux) الذي أشرف على تحرير المشروع، وتم تخصيص مجلد كامل عن الحملة الفرنسية كتبه المؤرخ الفرنسي هنري ديهران (Deherain). وكان مجمل الأفكار التي سيقت في هذا المجلد صورة كاملة لكل الأفكار والتحليلات التي أنتجها جيل ثلاثينات القرن التاسع عشر من الفرنسيين الذي مثله أويه.

 وعلى هذا النحو وجدت الكتابة القومية طريقها للانتشار في المناهج المصرية، حيث تم التعامل مع هذا المنتج على أنه يمثل الحقائق الكاملة، ليس لموضوع «حملة مصر» وحسب، وإنما كذلك للقرون السابقة على وصول الفرنسيين كالفترة العثمانية. وكانت المرحلة التاريخية التي مرت بها مصر في النصف الأول من القرن العشرين، واهتمام ملكية مصر بتاريخ محمد علي قد ساعد على الترويج لهذه الأفكار التي وضحت عند صاحبنا أويه.

من هنا تتبدى أهمية نشر هذا المخطوط الذي يضع أيدينا على الأصول الأولى لبزوغ النزعة القومية في كتابة تاريخ «حملة مصر»، لعل هذا يساعدنا على إعادة تقييم الحدث بعيدًا عن التنميط الأيديولوجي الصارم، من أجل بلورة رؤية جديدة أكثر موضوعية تضع هذا الحدث في موضعه من السياق العام لتاريخ مصر الحديث.

 

هوامش

______

 

وجد هذا المخطوط في محفظة بقاعة دار الوثائق القومية، وهي المحفظة التي تحوي وثائق أصلية عن الحملة الفرنسية. والمخطوط يحمل رقــم (2402) وهو ملخص لستة مجلدات من تأليف الضابط أويه ويحمل المخطوط عنوان: Résumé de la Historique des 4 Campagnes de 1798 - 1801, Paris, par E. L.F. Hauet.

A. Fierro, Bibliographie critique des mémoires sur la révolution, écrits ou traduits en français (Paris, 1980).

J. Tulard, Nouvelle bibliographie critique des mémoires sur lépoque napoléonienne, écrits ou traduits en français (Genève, 1991).

Hauet, pp. 2, 97.

Id, p.1.

أبرز من ورد ذكرهم مذكرات الجنرال رينيه Reynier، ومذكرات مهندس الطرق والكباري مارتان Martin، والفنان دينون Denon

Id, pp. 2,96-97

نشرت هذه الأوامر في جريدة كورييه دي ليجيبت، ترجمة صلاح الدين البستاني، العددان 52 و59 وتاريخ الأمرين 4 يناير و1 فبراير. 

Hauet,p1-2.

Id, p.96.

Id.

Id, p.3.

Id, pp.2,97.

ظلت هذه المذكرات محجوبة عن القارئ الفرنسي حتى أعيد نشرها في عام 1827، أي بعد وفاته بثلاثة عشر عامًا. انظر هنري لورنس، الحملة الفرنسية في مصر: بونابرت والإسلام، ترجمة بشير السباعي (القاهرة: دار سينا للنشر، 1995) ص601  وFierro, A:op.cit,p.387

State of Egypt after the battle of Heliopolis, by Reynier, London 1802.

Hauet, p.97

e la Jonquière, LExpédition dÉgypte,1798-1801, 5 vols (paris, 1899-1907) t.I, p.8, Rigault, G, Le     Général Abdallah Menou et la Dernière Phase de LExpédition dÉgypte, (1799-1801), Paris 1911, P.X1X, Yves Laissus, LÉgypte, une Aventure Savante avec Bonaparte, kléber, Menou 1798-1801, Paris, fayard, p. 557

  Miot, Mémoires pour servir á Lhistoire des Expéditions en Égypte et en Syrie, 2e édition, (Paris 1814) pp. II-IV; Fierro, A:op.cit, p. 326. pp. II-IV; Fierro, A:op.cit, p. 326.  F. Ponteil, Napoléon 1er et lorganisation autoritaire de la France (Paris 1956) pp.142,

F. Ponteil, Napoléon 1er et lorganisation autoritaire de la France (Paris 1956) pp.142, 146.

Id, p.146-7.

 فيليب تايلور، قصف العقول: الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي، ترجمة سامي خشية (الكويت: عالم المعرفة، 1998) ص228.

  R.G Canivet, LImprimerie de lexpédition (les Journaux et les procès-verbaux de LInstitut 1798-1801)   dans Bulletin de LInstitut Égyptiens, t.111, Alexandrie, Déc. 1909, p.21.

  Napoléon, Campagnes dÉgypte et de Syrie, mémoires pour servir à lhistoire de Napoléon, dictes par lui-même à Sainte- Hélène, publiés par le général Bertrand, Paris 1847. وقد أعاد هنري لورنس نشر هذه المذكرات في عام 1998، وللأسف حذف منها مقدمة الجنرال برتراند بالغة الأهمية، انظر: Campagnes dÉgypte et de Syrie, par Napoléon Bonaparte, (présentation Henry Laurens), Paris 1998.

  . تايلور: المرجع السابق، ص 229.

  Ponteil, F,  op.cit, p.147, 210.

  Hauet, pp. 1, 96.

  انظر مقدمته لمذكرات مواريه: Moiret, J.M: Mémoires sur LExpédition dÉgypte, paris 1984, pp.13-14.

  Hauet, p.98.

  Fourier et Napoléon, LÉgypte et les Cent Jours, (Mémoires et documents inédites), par ChampllionFigeac, Paris 1844, P.171, Note (2).

  Hauet, p.97.

  Mémoire de M. De Bourrienne, Ministre dEtat Sur Napoléon (le Directoire, le Consulat, LEmpire et la Restauration), Paris 1929, t.1, p.2.

  Hauet, pp.3, 97, 98.

  Chalbran, Les Français en Égypte ou Souvenirs des Campagnes dÉgypte et de Syrie, Recueillis et mis en ordre par Roy, Sixiéme éditions, Paris 1855; Mémoire de Bourrienne, t.1, pp. II-III, 10.

  Hauet, pp. 97, 98.

  محمد فؤاد شكري، الصراع بين البورجوازية والإقطاع 1789 ـ  1848 (دار الفكر العربي، 1958) ج2، ص484ـ509.

  Manuscript venu de SainteHélène dune manière inconne, Gallimard 1974, (note de léditeur), pp.9-18.

  Mémoire de Bourrienne, t. 1, p. III.

  Fierro, A: op. cit, p.10.

  محمد فؤاد شكري، المرجع السابق، ج2، ص502ـ510.

  Avec Bonaparte en Italie et en Égypte, Mémoires du général Baron Desvernois, publiés par Albert Dufourcq, Paris 1933, pp.12-13.

  Fierro, A: op. cit, p. 145.

  راجع تواريخ نشر مذكرات حملة مصر في: Fierro, A, pp. 32, 45,87,98,143,145,147,150,190,213,219,241,276,304,311,359,364,399,420,444,447,456.

  Vincennes, Série Mémoires et reconnaissances, No 583 (Hauet).

  يبدو أن إنجلترا وهي بصدد احتلالها لمصر قامت بنشر هذا التقرير للإفادة مما جاء به من بيانات مهمة عن مالية مصر. انظر: André Peyrusse, Les Finances de lÉgypte Pendant LOccupation Française, Dans La Revue Britannique, 1882, [pp. 437- 497].

  De la jonquiére, C: op.cit, t. 1, p .g.

  Hauet, p.96.

  Id, pp. 3, 97.

  Id.

  Hauet, pp. 104, 229

  Id, pp. 95, 101, 102,114.

  Id, p. 102.

  Id, pp. 101-102, 133-134.

  نظر بوريان إلى تحطم الأسطول على أنه كارثةdésastre  une تحطمت معها كل الحسابات والترتيبات، وتحول على إثرها حلم بونابرت إلى      تصورات غريبة وشاذة. وكل النتائج كانت أكثر تشاؤميةles funestes consequences  انظر:Bourrienne T. 2 pp.  131-135.

  على سبيل المثال يشير في موقعه أبو قير (البرية) 1799 إلى أن خسائر الجيش التركي كانت 15000 جنديًّا، بينما لم تتجاوز خسائر الفرنسيين 250 جنديًا. ومن غير شك تحتاج هذه الإحصاءات إلى مراجعة دقيقة. انظرHauet, p.16

  Id, pp.4, 240-262.

  Hauet, p. 158

  يعد لا جونكيير أهم من عرض الوثائق المختلفة لكل الآراء والتفاصيل التي طرحها شهود العيان، حول هذه المسألة. انظر:De La Jonquière: op.cit, t. 4, pp. 575-83.

  Hauet, p. 158

  من الواضح أن أويه تأثر بالتبريرات التي طرحها نابوليون في مذكراته بسانت هيلانة بخصوص هذه المسألة. انظر:   Hauet, pp. 158-159. Napoléon: op. cit, p.253.

  حاول نابوليون رفع رقم العائدين من جيش الشرق إلى 26192فرنسي، ليدلل على أن الخسائر البشرية لم تكن كارثية على الإطلاق. انظر                                     Napoléon: op. cit, p.345.

  Hauet, p. 229.

  يحتفظ الأرشيف الفرنسي بفانسان بقائمة دقيقة لعدد الجنود والمدنيين الفرنسيين الذين أقلتهم بالفعل المراكب إلى مرسيليا، ومنها يتضح أن عددهم 10508 عسكريًّا و686 مدنيًّا، انظر: Vincennes, B6 73: état de la distribution de larmée Française en Égypte par les forces combinées de Grand- Bretagne et la Turquie.

  Hauet, p. 231.

  على سبيل المثال انظر دراسة هنري لورنس الحملة الفرنسية في مصر: بونابرت والإسلام، ترجمة بشير السباعي (القاهرة: سينا للنشر، 1995) ص624.

  Hauet, p. 228.

  قدم هنري لورنس تحليلاً واسعًا لهذا الخطاب الأيديولجي الاستشراقي في أطروحته الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر: الاستشراق المتأسلم في فرنسا، 1698- 1798، ترجمة بشير السباعي، (القاهرة : دار شرقيات للنشر والتوزيع، 1999)

  Hauet, pp. 8-94.

  Id.

  Id, p. 228.

  Id.

  Id.

  ليلى عنان: الحملة الفرنسية تنوير أم تزوير؟ جزآن (القاهرة: دار الهلال،1998).

  نفسه، ج 1، ص222، ج 2، ص243، 256.

  جرجس سلامة، أثر الاحتلال البريطاني في التعليم القومي في مصر (1882 ـ 1922)، ط1 (القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1961) ص288ـ289

  Gihane elkadi, Limage dÉgyptien et des français de lexpédition dÉgypte chez certains historiens égyptiens et Français durant le règne de Roi Fouad Première, Thèse de Doctorat, université du Caire 1999.