هموم

دار المرايا

الدراما.. و"ورش" الكتابة في السر والعلن!

2021.06.01

الدراما.. و"ورش" الكتابة في السر والعلن!

عقبات كبيرة وكثيرة يضطر الكاتب المبتدئ إلى مواجهتها.. وهي عقبات قد تقضي على أحلامه ومستقبله.. تبدأ منذ أن يقوم بكتابة الكلمة الأولى، وتستمر حتى بعد أن يظن أنه تمكن من تحقيق قدر لا بأس به من الشهرة والنجاح.. لا أحد، تقريبًا، مستعد لإعطائه حقه دون صراع ومواجهة، ولا أحد يتطوع بالاعتراف بدوره الحقيقي.. في كتابه الشهير "كتابة السيناريو للسينما" يذكر دوايت سوين إن "الكاتب هو أهم عنصر من عناصر العمل، لكن كل العاملين في هوليوود اتفقوا ألا يخبروه بذلك".. وفي مصر لا يكتفون بهذا التواطؤ، بل يقوم الكثيرون بالاستيلاء على حقوق الكاتب وإنجازه؛ فتارة ينسبونها لأنفسهم، أو لأفراد من أسرهم، وآخرون ينكرونها بالكلية. أما عن حقوق الكاتب المادية فدعني أخبرك، أننا وبعد سنوات طويلة من المحاولات والكفاح، لم نتمكن ككتاب من الحصول على حقوق الأداء العلني التي نستحقها، والتي يحصل عليها الكتاب في كل دول العالم!

وفي ظل الاحتكار الحالي صارت البدايات أقرب إلى المستحيل، والعقبات جبال شاهقة لن يتمكن من تسلقها وعبورها إلا قلة، قد لا تكون الأكثر موهبة، ولكنها بالتأكيد الأكثر حظًّا.. وفي خضم كل ذلك يبحث الكتاب الجدد عن فرصة، فيجدون أمامهم ورش الكتابة. والورشة أساس الكتابة للتليفزيون، وقد صار النقاش حول الورش وجدواها، وهل تؤدي إلى الارتقاء بالأعمال التليفزيونية أم لا حوارًا منتهيًا، وتجاوزه الزمن منذ عشرات السنين، هذا لو كان بدأ اصلاً في الخارج؛ حيث الكتابة للتليفزيون لا تعني إلا ورشة من الكتاب يشتركون في كتابة مسلسل تليفزيوني. وانشغالنا في مصر بالنقاش حول جدوى الورش أو هل هي أفضل أم الكتابة المنفردة، هو بالضبط مثل حوار يدور حول الفارق بين السيارة والعربة التي تجرها الخيول، وأيهما أسرع وأفضل.

إن تصور الكاتب كشخص يقوم بمفرده بكتابة عمل أو أكثر من ثلاثين حلقة، هو تصور يعجب الجمهور المصري؛ الذي هو جمهور يميل إلى الإعجاب بالبطولات الفردية، ولكن في الحقيقة لا يوجد كاتب يمكنه أن يقوم بكتابة عمل كامل بمفرده؛ فتدخلات المخرج، وإضافات الممثلين، واقتراحات العاملين في العمل تقوم مقام الورش في كثير من الأحيان. كما أن التعاون بين مجموعة من الكتاب الموهوبين سيؤدي حتمًا إلى عمل أقوى وأكثر تماسكًا لو أديرت الورشة بشكل سليم، وأعطي كل كاتب حقه، سواء أدبيًّا وماديًّا.. وعلى الرغم من ذلك فإن عددًا محدودًا جدًا من ورش الكتابة نجحت على مدار السنوات الأخيرة في كتابة أعمال جيدة، وعددًا أكثر قليلاً تمكَّن من الاستمرار وتقديم أعمال تستحق المشاهدة.. وسوف تزدهر ورش الكتابة لأنها الحل الوحيد الذي يضمن توافر نصوص للأعمال المختلفة التي تحتاج إليها منصات المشاهدة، وإذا كانت تلك الورش تمثل اليوم فرصة جيدة للكتاب المبتدئين للحصول على عمل وتقديم أنفسهم للفنانين، وشركات الإنتاج، فإن إعطاء هؤلاء الكتاب حقوقهم وذكر أسمائهم بشكل واضح على التيترات والاعتراف بفضلهم سيؤدي إلى مزيد من الازدهار والنجاح.. لكن الاستئثار بالفضل والرغبة في "التكويش" على المجهود وثماره واختراع وظائف عجيبة للإيحاء بأن شخصًا معينًا هو الذي قام بكل شيء، وكل ذلك بالطبع يتنافى مع فكرة الورشة والعمل الجماعي..

في أحد المسلسلات كتب اسم أحد الكتاب المعروفين ثلاث مرات على تيتر البداية والنهاية، بالإضافة إلى منصبه "إشراف عام على الكتابة"، وأنا لا أدري ماذا يعني الإشراف "العام" على الكتابة، وهل يوجد إشراف عام وإشراف خاص، وما الفارق بينهما؟ إنه في الحقيقة مجرد عنوان يوحي بالأهمية، وبأن هذا الكاتب هو السبب في ظهور هذا العمل للنور، وأنه من قام بكل المجهود، في حين أنك لو دققت، وقرأت الأسماء التي تطير سريعًا من على التيتر، فسوف تكتشف أن الفكرة فكرة كاتب آخر، والسيناريو والحوار كتبهما كاتبان آخران. وهذا خطأ، يعطي الورش سمعة سيئة، في حين أن الإنصاف يدفع المهنة والصناعة إلى الأمام..

في ٢٠٠٧ بدأت أول ورشة كتابة علنية.. وكان الأمر غريبًا جدًا بالنسبة للمنتجين والمخرجين، لكني أصررت على أن تكتب أسماء كل الكتاب الذين اشتركوا معي، وفي كثير من الأحيان كنت أتنازل عن كتابة اسمي، واكتب أسماء الكتاب الذين اشتركوا معي في كتابة الحلقة فقط، وكانت النتيجة ورشة استمرت لست سنوات، نتج عنها أعمال لا تزال هي الأهم من بين كل ما قُدم في مجال الكوميديا التليفزيونية، وتخرج فيها كتاب كبار صارت لهم الآن أعمال مهمة كثيرة، وورش أخرى يديرونها بكل كفاءة واقتدار..