المرايا

بيتر سنودن

تونس: الثورة والصورة والشعب

2018.01.01

تصوير آخرون

ترجمة: مصطفى عبد الظاهر

تونس: الثورة والصورة والشعب

 

"ستائر تفتح، والكاميرا توجه تجاه الشارع".

عبد الناصر:

ما ساعدنا حد! فكينا حريتنا! الشعب التونسي فك حريته! الشعب التونسي فك حريته!

امرأة 1:

"(بالفرنسية)» شجاع جدًا، جدًا...

عبد الناصر:

الشعب التونسي العظيم! يحيا الشعب التونسي! تحيا تونس الحرة! تحيا تونس الحرة!

امرأة 1:

«(بالفرنسية)» إنه شجاع جدًا.

عبد الناصر:

يحيا ولاد تونس! تحيا تونس الحرة! تحيا تونس العظيمة!

«[صوت امرأة تنتحب]»

عبد الناصر:

يا أحرار تونس! راكم اتحررتم! ما عاد مجرم اسمه بن علي!

«[صوت هاتف يرن]»

عبد الناصر:

بن علي المجرم هرب! هرب من الشعب التونسي! بن علي السارق! بن علي الكلب! ماعادش تخافوا ارفعوا رووسكم! ماعادش تخافوا من حد! اتحررنا! الشعب التونسي حر! الشعب التونسي ما يموتش! الشعب التونسي العظيم! تحيا تونس الحرة! المجد للشهداء! الحرية للتوانسة!

امرأة 1:

قديش ماتوا [ليجي ها اليوم]

عبد الناصر:

يا توانسة يا مهاجرين! يا توانسة [يا مسجونين]! يا توانسة ياللي عذبوكم! يا توانسة ياللي قهروكم! يا توانسة ياللي سرقوكم! تنفسوا الحرية! شعب تونس اهدى لنا الحرية! يحيا الشعب التونسي! يحيا شعب تونس العظيم!

الكاميرا تتراجع ببطء إلى الداخل بينما يتحرك رجلان لعبور الشارع إلى الجهة المقابلة.

امرأة 2:

«تتحدث في الهاتف»

آلو! آلو! اسمع! اسمع! تلاته ولاد خرجوا بشارع بورقيبة.

امرأة 1:

[ها هم! تلاته منهم هناك!]

امرأة 2:

صوته واصلنا [لهنا] شيء يقشعر البدن.

«امرأة ثالثة؟ تنتحب»، بينما تدخل الثانية إلى الشقة وتستمر بالحديث.

امرأة 3:

«تظهر على الصورة وتميل إلى النافذة بينما تتحدث في الهاتف». أهلًا، ازيك.

امرأة 2:

«تعود.» اسمع! اسمع! كيفاش هو فرحان كيفاش يحكي! ماعندكش فكرة الواحد لحمه يقشعر من غير ما يشعر! اسمع اسمع!

«صوت بكاء.»

«المشهد ينقطع»

«مشهد علوي للرصيف.»

عبد الناصر:

المجد للشهداء! الفضل للشهداء! الفضل لكل شهيد وكل قطرة دم من امبارح لليوم! تونس حرة! وامبارح اكراها المزغرطات اللي شاريهم بن علي وينهم!1

رجل آخر:

وينها [(السيارات المستأجرة)]

عبد الناصر:

وينها [(السيارات المستأجرة)]

امرأة 1:

مفماش

امرأة 2:

[فين البوليس]

امرأة 3:

[مابيعملوا شي]

عبد الناصر:

تحيا تونس الحرة! أنا بحتفل بالحرية!

النساء:

«في صوت جماعي» : تونسنا!

«زغاريد»

«انقطاع»

«الكاميرا تعود للداخل.»

شرطي:

[اقفلوا الشبابيك! اقفلوا كل الشبابيك!]

«الكاميرا تتحرك، وتظهر البنايات المقابلة، وتترك الشارع.»

امرأة 1:

[رجل الشرطة قال اقفلوا الشبابيك، ادخلي، افعلي كما قال، أوقفي الفيلم الآن]

امرأة 3:

[ أنا لا أصنع فيلمًا، أنا فقط أصور فيديو]2

ليس لديك أدنى فكرة عن هذا الشعور ...

في هذا المقطع القصير، نسمع أكثر مما نرى رجلًا يسير ذهابًا وإيابًا بطول الطريق الرئيسي (الجادة، كما يُطلق عليه) في مدينة بشمال أفريقية. وبينما يمشي يرتجل مديحًا لبني وطنه، وللحرية التي انتزعوها بأيديهم. لكننا لا نرى في المشهد الناس الذين يتحدث عنهم أو إليهم. في الحقيقة، ومع تطور المشهد، يبدو أنه لا يفترض وجودهم بقدر ما يحاول أن يستحضره. يبدو أن أداءه كله مبني على إظهار ما لم يظهر بعد، أو لمنع أو إرجاء اختفاء ما ظهر بصورة موجزة أو مؤقتة، أو ربما مزيج منهما. 

ولا نشعر بشكل مؤثر بهذا التردد بين الواقعي والمحتمل والماضي إلا في استخدامه المركب للضمائر بالتناوب للإشارة إلى "الشعب" الذي يحتفي به. فمرة يدخل نفسه ضمن "الشعب" (فكينا حريتنا!)؛ ومرة يخرج نفسه من الشعب ويشيئه على أنه مستقل عن نفسه وعن أي طرف خارجي آخر.

(الشعب التونسي فك حريته!)؛ وأحيانا يخاطب الشعب التونسي بشكل شخصي رغم عدم وجود تونسيين. وحقيقة، أنه عندما يفعل هذا للمرة الأولى يلجأ لنوع من التكرار (يا أحرار تونس! أنتم الآن أحرار!) لا تشير فقط إلى البهجة التي تتجاوز في بعض الأحيان المخيلة اللغوية العفوية، بل تشير أيضًا إلى الشك الحقيقي، وإن كان خفيًّا، في أن أولئك الذين تحرروا أحرار بالفعل، أو الشك في عدم حاجتهم لأن يطالبوا بحريتهم مرة تلو المرة (تلو المرة) للتأكد من أنهم قد حصلوا عليها.

بهذه الطريقة، لا يُمكن أن يُرى الأداء المسيطر على قلب هذا المقطع على أنه حالة من اليقين والإنجاز، بقدر ما هو علامة على فشل الناس في الظهور الكامل إلى المشهد، حتى في لحظة الانتصار تلك. وهكذا، فإن فراغ الشارع من الناس حول هذا الخطيب يمكن أن يكون طباقًا ساخرًا لكلماته المظفرة؛ وكأن الشعب التونسي قد اختار أكبر لحظات انتصاره ليختفي ببساطة تحت جنح الظلام. لكن بينما يحاول أن يملأ الليل بظلال شعب ما أن لمح وجوده فقط حتى أفلت منه، تبقى عزلته مُؤكدة ومشوشة في آن واحد، بوجود المصورة التي صنعت هذا الفيديو ورفاقها، وخصوصًا بردود أفعالهم المعقدة بين المشاركة والانسحاب من المشهد الدرامي الذي تكشف تحت نافذتهم.

تتأكد هذه المسافة بين الأشخاص في النافذة والرجل في الشارع الذي يحث الشعب، عن طريق تدخلات الجمهور، الذي ننتمي له، نحن مشاهدي المقطع، لكن لا يدري عنهم هذا الخطيب شيئًا بعد. وبينما يستحث هذا الرجل الشعب التونسي، تخبر إحدى المشاهدات من النافذة صديقًا لها عبر الهاتف: "تلاتة ولاد خرجوا بشارع بورقيبة". وبعد لحظات قليلة، تفرّد قصتها وتضخمها في آن واحد قائلة: "رجل فرحان كيفاش يحكي! ماعندكش فكرة الواحد لحمه يقشعر من غير ما يشعر!" يتم تلقي هذا المشهد بشكٍل ما كمعجزة، لكنها معجزة تحرك النساء في النافذة كمشاهدات لا كمشاركات. وبينما يزداد أداء هذا الرجل السعيد تعقيدًا وتناقضًا أكثر مما بدا في أول الأمر، تبقى لحظة عظيمة من البهجة. ولا يقوض ذلك الغياب الظاهر للشعب الذي يخاطبه، ويشجعه على حضور أكثر ديمومة مما يبدو أن أحداث ذلك اليوم الصاعقة في حد ذاتها قادرة على الحفاظ عليه.

إذا كان الأمر كذلك، ربما يكون السبب هو أن هناك أشخاص حاضرين في هذا الفيديو أكثر من الرجال الثلاثة في الشارع والنساء الثلاث اللاتي يشاهدنه من النافذة3. ولقد صادفتنا إشارة مبكرة حول طبيعة هذا الحضور المتعدد عندما همهمت المرأة الأولى: «قديش ماتوا [ليجي ها اليوم]». فالأشخاص الذين أثبتوا أن الشعب موجود ليسوا حصرًا، ولا حتى في المقام الأول، الأشخاص الأحياء الموجودين أو غير الموجودين في الشوارع الليلة.

إنهم الناس الذين ضحوا بحياتهم، ليس فقط خلال الأسابيع السابقة، بل على مدى العقود الماضية، وهم الذين دفعوا ثمن رفض الإذعان لسلسلة من الأنظمة السلطوية قبل وبعد التحرر من الاستعمار الفرنسي. إنه شعب تونس الحقيقي، الحر بشكل واضح لا تراجع عنه، وليس هؤلاء الذين يختبئون في بيوتهم ويراقبون بعاطفة وعصبية من نوافذهم: إنهم شهداء نظم ما قبل الاستقلال وما بعده، وشهداء الانتفاضة التي بدأت قبل هذا المشهد بثلاثة أسابيع في 18 ديسمبر 20104.

إيقاف تشغيل الكاميرا!

بطبيعة الحال، هناك تفسير بسيط جدًا وعملي لغياب الشعب التونسي «الحالي» عن هذا الفيديو. فهذا المقطع قد تم تصويره في 14 يناير 2011، وهي الليلة التي حل فيها بن علي حكومته، ثم هرب من البلاد. بعد يوم طويل من المظاهرات والاشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب خارج وزارة الداخلية -وهي على مرمى حجر من شارع بورقيبة في العاصمة تونس- بدأت أخبار سقوط النظام في الانتشار. تم تعيين رئيس الوزراء محمد الغنوشي رئيسًا مؤقتًا للبلاد، كما تنص المادة 56 من الدستور، وبدعم من الجيش. وبينما نجح بن علي نفسه في الهروب من البلاد تم اعتقال العديد من أفراد عائلته أثناء محاولتهم الفرار. تم إعلان حالة الطوارئ في أرجاء البلاد، وشملت حظر التجول من الخامسة مساءً إلى السابعة صباحًا، وتم حظر التجمهر وكافة المظاهرات والتجمعات العامة، وكانت لدى الشرطة أوامر بإطلاق النار على أي شخص يشتبه أنه يخالف تلك الأوامر. في مثل تلك الظروف، ليس من المستغرب وجود عدد قليل جدًا من الناس في الشوارع. لابد أن المزاج في هذه الليلة كان مزيجًا غريبًا من الانتشاء والارتباك والقلق العميق. وهذا يفسر أيضًا الملاحظات الافتتاحية للمرأة الأولى بالفرنسية: "يا لشجاعته! يا للشجاعة!". كان الرجل المحتفل بالحرية في الشارع - واسمه في "حياته المدنية" المحامي محمد عبد الناصر العويني- يفعل هذا في تحد واضح لحظر التجول، في منطقة قريبة من وزارة الداخلية،  على الرغم مما في ذلك من خطر على حياته5.

كان الحدث الذي تم تسجيله في هذا الفيديو من أوائل الأحداث التي خرجت من هذه الثورات من خلال يوتوب ليأسر المخيلة الجماعية الأوسع، ليس في تونس فحسب، بل عبر المنطقة وما هو أبعد. إنني أولي عناية كبرى للصياغة هنا، لأن بعض الدلائل القولية تُشير إلى أنه لم يكن هذا الفيديو بالتحديد، بل تصويرًا آخر لنفس المشهد، قام بتصويره صديق عبد الناصر الواقف بجواره في الشارع (واحد من الثلاثة رجال الذين أشارت إليهم المرأة في الشباك في تعليقها) هو الذي انتشر بشكل كبير في يناير 20116.

في الحقيقة، لم ينتشر هذا الفيديو على وسائل الإعلام الرئيسية بشكل ضخم، فقد ظهرت مقتطفات منه في تكرار شبه دائم على العديد من القنوات الفضائية العربية على مدى الأسابيع التي تلت سقوط نظام بن علي، لكن القوة العاطفية في الفيديو موضع المناقشة هنا تبدو أكبر بشكل لا يمكن مقارنته بالمقطع المنافس الأكثر شهرة. فبينما يسجل الفيديو على مستوى الشارع أداء عبد الناصر بشكل مسطح إلى حد ما، يبدو الفيديو المصور من نافذة عالية في شارع بورقيبة أكثر درامية بطريقة تعزز وتعمق التعقيد والتضارب في المشهد.

وأزعم أنه يحقق هذا بثلاث طرق رئيسية:

أولًا: يظهر التصوير من هذه المسافة عبد الناصر بالكاد كشخص، نراه بصعوبة أغلب الوقت، وعندما نراه، نرى نقطة بيضاء صغيرة، وهذا يؤكد حقيقة أن صوته هو المهم بالنسبة لنا، لا وجوده الجسدي، وحقيقة وحدته، على الرغم من استجدائه المتكرر للشعب. وبتصويره لقطاع عريض من الشارع الفارغ أساسًا، وبتقليصه الرجال الثلاثة لعلامات يصعب تمييزها تقريبًا، عبر "اختيار" وضع الكاميرا، يفتح هذا الفيديو فجوة عميقة بين من يستحثهم عبد الناصر، وبين موقفه الشخصي، في ذهابه وإيابه عبر الطريق، وعزلته وهشاشته.

ثانيًا: عبر وضع المُشاهد، ليس على هذه المسافة فحسب، بل بين الثلاثة نساء في شقتهم، واللاتي نراهن بالكاد أيضًا، لكن نعرفهم ونشعر بهم من خلال الاختلاف البيّن بين أصواتهم و«أجسامهم»، من خلال تعليقاتهن ومناقشتهن ونحيبهن واحتفالهن، كل ذلك يعزز الإحساس بالمسافة التي تفصل أولئك الذين بقوا في بيوتهم طائعين وبين عبد الناصر الذي غامر بحياته ليخرج إلى الشارع. وهكذا تسمح لنا ردود أفعال النساء الدرامية أن ندرك عددًا من ردود الفعل المختلفة تجاه عمل عبد الناصر الجسور. يشعر المرء أن رد فعل المرأة، التي تبدو أكبرهن سنًا، أكثر تعقيدًا وحذرًا، بينما يبدو أن الأخريات الأصغر سنًا أكثر اندفاعًا، واجتاحتهن موجة المشاعر الدافقة بشكل أسرع وأسهل. بهذه الطريقة، فلا يصلنا تأثير كلمات عبد الناصر من خلال ردود أفعال هؤلاء النساء فحسب (أثر كلماته على كلماتهن، وعلى أجسادهن حيث يتحركن بحماسة، أو يرتجفن وهن يذرفن الدموع). بل يصلنا أيضًا طرف من ردود الفعل المتوقعة تجاه ما يقوله، والتي تعكس اختلاف الميول بين الناس وأمزجتهم. ربما لم يكن ثمة «شعب» في الشارع، لكن هناك بالفعل صورة مصغرة لهذا الشعب معنا في الغرفة بالأعلى. وهذا الشعب ليس كتلة موحدة، بل رقصة لأجساد مفردة، وهي سلسلة من وجهات النظر المتجسدة، التي على الرغم من وجودها المشترك، إلا أنها لا تتفق فيما بينها بالضرورة.

ثالثًا: إن شكل الفيديو نفسه يعزز هذا الشعور بالدرامية، أو بالأحرى «المسرحة». يبدأ الفيديو بإزاحة الستائر جانبًا عن النافذة، وينتهي بإغلاق النافذة مرة أخرى، بناءً على إصرار أكبر النساء الثلاثة سنًا. أما الفيديو بأكمله، فهو مكون أساسًا من مشهدين أساسيين؛ مشهد شبه رأسي من أعلى يظهر الشارع في الأسفل، وآخر من زاوية مسطحة أكثر تظهر الرصيف على الجهة المقابلة من الطريق، ويظهر أيضًا، حين ينسحب إلى الداخل، صورة ظليّة لامرأة أطلت من النافذة تعيد حكي الحدث لصديق عبر الهاتف. لكن الطريقة التي يتحرك بها الفيديو تقدمًا وعودة بين زوايا الكاميرا، والطريقة التي تشكل بها القطعات -التي تمت من خلال الكاميرا على الأرجح- تصورنا عن الزمن والمكان، توازي التلاعب الواعي في التأثيرات.  تتآزر تلك العوامل فيما بينها في إنتاج شعور متصاعد بالتوتر. فأولًا نشاهد الشارع، ثم ننسحب قليلًا لنرى تأثير الحدث على النساء المشاهدات، وبالتالي، علينا نحن كمشاهدين أيضًا. ثم نعود لاشتباك أكثر مباشرًة. وفي هذه اللحظة تظهر النساء فجأة وتكسرن الحاجز غير المرئي الذي يفصل المشهد عن جمهوره، لتقدمن رد فعل جماعي على نداء عبد الناصر الفردي. ثم فجأة، أو هكذا بدا الأمر، تظهر الشرطة من العدم (في الحقيقة، ظهرت الشرطة خلال الانقطاع بين آخر مشهدين)، وكل شيء أن يجب أن يغلق، النافذة، والكاميرا كذلك.

تونسنا!

تجسد هذه المتوالية التي وصفتها للتو حركتين منفصلتين -ولكن بينهما صلة- مركزيتين في طبيعة توثيق الفيديوهات «العامية» للثورات العربية بشكٍل عام7. نحن نرى تلك الدراما التي تتكشف أمامنا، ويتحول فيها المتفرج السلبي إلى مشارك إيجابي لا يستطيع أن يقاوم نداء عبد الناصر وصوته، إنهم يتحملون مخاطرة المجاهرة بالكلام، وتجاوز الحدود بين الفضاء الخاص والعام. وبهذا، يتوقف الشعب الذي يستحثه عبد الناصر عن كونه مجرد شبح غائب (كانوا حاضرين فحسب من خلال أرواح الشهداء)، محض إسقاط مجرد سواءً ذكرى ماضية أو احتمال مستقبلي (وهو ما يسميه كانيتي بالـ «الحشد غير المرئي»)8.

فجأة تجسد الشعب التونسي في هواء تلك الليلة معه، في صوت النساء الثلاثة المجلجل بالاستجابة لندائه. بمقولتهن الواثقة والدافقة «تونسنا!» لا تقف تلك الشظية تحت ضوء الشارع وحدها، وهتافهن المستجيب لندائه بثقة، الذي بدا في جزء منه كانفجار مفاجئ لا يشبه الابتهالات المطولة التي قد يساعد ترديدها على تخفيف وطأة الشك الذي ينتاب الإنسان. لقد كان كفيًا بالنسبة للنساء أن يقولوها مرة واحدة لتسطع حقيقتها الواثقة. لم يعد الشعب غائبًا، ولم يعد المشهد يفتقر إليه، إنهم هنا، ونحن -المشاهدين- لا ننظر إليهم، بل بينهم، جزء منهم9.

وبطبيعة الحال، لا ينتهي الفيديو على هذه الحالة من اليقين الجازم، فمع الاستفادة، أو العرقلة، الناتجتين من الإدراك بأثر رجعي، يصبح من المغري جدًا أن نرى تدخل الشرطة في نهاية الفيديو، وإنهائها للاحتفال، وإصرارها على إغلاق النوافذ، وتأكيدها على أنه «ليس هناك شيء لتروه» على أنه بادرة للثورة المضادة التي تلت حتى الثورات العربية التي بدا، لفترة، أنها أنجح محاولات تحويل التمرد الاجتماعي إلى تغيير سياسي01.

من الممكن حينها أن نخرج بقراءة سلبية تمامًا للأحداث التي ظهرت في هذه الدقائق الثلاث المصورة. في هذه القراءة، بينما تفتح الستائر على مشهد احتفال، سنجد أن الرجل الوحيد الذي يحتفل يخدع نفسه، وأن الناس الذين يخاطبهم ليسوا موجودين على الإطلاق؛ لقد ماتوا، أو اختاروا أن يبقوا في منازلهم من الجبن. وعندما تظهر الشرطة، فالذين تصوروا لوهلة أن بإمكانهم أن يتمردوا يخضعون مرة أخرى ببساطة ولا يقوموا إلا بما أمروا به.

ومع ذلك، لست متأكدًا من أن هذه القراءة صحيحة. ولنتذكر كيف انتهى المشهد بإشارة المرأة الثالثة -التي تحط ذاتيًّا من شأن ما تفعله- إلى فيلمها باعتباره "مجرد مقطع فيديو". هذه الملاحظة يمكن أن تقرأ على أكثر من مستوى. فعلى جانب، فهي محاولة ساخرة تنكر بها الطابع الفني لما تقوم بتصويره، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على تعقيد الفيلم القصير الذي صنعته، ويشير إلى أنها تتساوى بعملها "الفني" مع عبد الناصر هذا الخطيب "الخبير". وعلى جانب آخر، فهو نوع من أنواع الرفض الضمني لإصرار قريبتها الأكبر سنًا على أن تتوقف عن التصوير، وأن تتوقف عن المخاطرة من أجل الثورة. فهي بإنكارها لفكرة أنها تقوم بتصوير فيلم تشير إلى أنها ليست في حاجه للتوقف عن تصوير الفيلم، لأنها لم تبدأ فيه من الأصل (على الرغم من أنها في هذه اللحظة بالتحديد قامت بإغلاق الكاميرا). وبالتالي، تنهي فيلمها بالتأكيد على عصيانها الثابت وغير النادم، حتى أنها لا تمتثل لأوامر الشرطة، بل لنصيحة قريبتها بتوخي الحيطة11.

موضوع الشعب

في كتابه "السينما 2" يقتبس جيل دولوز عبارة منسوبة إلى بول كلي وهي: "الشعب مفقود" ليحاول أن يلخص ما رأى أنه أهم عوامل قوة أفضل الأفلام السياسية التي أنتجت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية21.

وبينما تقدم تيارات السينما السائدة في أمريكا وأوروبا صورة متخشبة غير مقنعة للشعب كحشد متكتل موحد، عرض لنا مخرجون مثل جان ماري ستروب ودانيال هويلي وآلان رينيه بدلاً عن ذلك غياب الشعب كموضوع ممكن لأي تاريخ غربي معاصر. إلا أن دولوز أشار في الوقت نفسه إلى نمط بديل من الذاتية السياسية التي اكتشفها خارج، أو على الهوامش الداخلية للغرب. وفي كل من السينما المباشرة لدى بيير بيرولت وجان روش والسينما الثالثة عند جلاوبر روشا ولينو بروكا ويلماز جونيه وعثمان سيمبين، لا يبدو الشعب مفقودًا بقدر ما هو مُنتَظَر. وفي سياق مشروعات بناء الأمة التي رافقت كفاح دول العالم الثالث من أجل الاستقلال بالتحديد، لم يكن من الممكن اختزال إمكانية الشعب في ماض يتوارى باطراد. فالشعوب التي بدأت في البروز والظهور خلال هذه النضالات كانت تنتمي إلى مستقبل ينظر إليه باعتباره وشيك وحتمي. وإن كانوا غائبين، فإن مرد ذلك ليس لاعتزالهم حركة التاريخ، بل لأنهم كانوا في طور الولادة.

لاقت المعارضات الثنائية لدولوز في كتابيه عن السينما، وتقسيمه لتاريخ الأفلام لحقبتين متميزتين، عبر توصيفهما بنمطين فينومينولوجيين من أنماط الصور نقدًا أساسيًّا في أعمال جاك رانسيير. في أحد مقالاته المهمة يستخدم رانسيير قراءته لفيلم روبرت بريسون "بالتازار" Au hasard Balthasar (1966)”  ليوضح أن إمكانية الصورة - الزمن تتطلب في في الواقع استمرار الصورة - الحركة في السينما الكلاسيكية التي سبقتها في الأعمال التي ميزت سينما "الحداثة"31. وفي الوقت نفسه، يفتتح دولوز لوحته المزدوجة "السينما" في الصفحة الأولى من "الصورة - الحركة" بالتأكيد على أنها لا تشكل تاريخًا بل هي تاريخ طبيعي، وهو مقال موسع في التصنيف41. لقد جادل دورك زابونيان أن الانتقال بين الصورة-الحركة والصورة-الزمن يجب في الواقع أن يفهم على أنه ذو طابع غير خطي، تماشيًا مع الأولوية التي منحها دولوز لعمليات الصيرورة على أي تأريخ زمني وفقط51.

ربما يبدو أن كتابات دولوز حول «الشعب المفقود» تعتمد بشكل مكثف على التقسيم المسبق لتاريخ الأفلام إلى مجموعتين متتاليتين، وبالتالي كانت موضع نقد في أعمال رانسيير. لكن مرة أخرى، من الواضح أنه بالنسبة لدولوز نفسه، غياب الشعب لم يكن أبدًا انقطاعًا تاريخيًا مطلقًا،  شيء حدث مرة واحدة وإلى الأبد. ففي محاضرة ألقاها عام 1987 حول فعل الخلق في المدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت بباريس (La Fémis) يوضح دولوز موقفه حول الصورة-الزمن، قائلًا:

"ما العلاقة بين الصراع الإنساني والعمل الفني؟ بالنسبة لي، العلاقة بينهما أشد أنواع العلاقات وثوقًا، وأكثرها غموضًا أيضًا. هذا بالضبط هو ما كان يقصده بول كلي عندما قال: "الشعب مفقود، كما تعرف". إن الشعب مفقود، وغير مفقود في الآن ذاته61.

وتأكيدًا لهذه المفارقة، يستخدم دولوز أطروحة جورج ديدي هوبرمان الأخيرة في كتابه "بقاء اليراعات"، وقراءته ونقده لعمل بازوليني المحتفى به، أنه بينما الشعوب نفسها يمكن أن توجد فقط كتتابع، أو فواصل متلاحقة (يرمز إليها هنا بومضات الحشرات المضيئة في ليلة متوسطية) لكن يظل هناك ثمة شيء ثابت وغير قابل للتدمير، وهو الرغبة في وجود الشعب.

من الصعب أن نتصور أن هناك فيلمًا يناسب بشكل أفضل هذا المفهوم للشعب كفواصل منقطعة متتابعة، كغائب وحاضر، وكوجود يظهر فحسب من خلال رغبتنا في ظهوره، أكثر من هذا المقطع القصير من تونس.

تمدنا تلك الدقائق الثلاث، التي لا تعد فيلمًا، بل "مقطع فيديو قصير" بملخص حول الثورات العربية، وقدراتها التحررية، والعقبات الساحقة التي واجهتها، وفي هذا من التعقيد والسخرية الممزوجة بالوضوح ما يتوفر في أي فيلم طويل أعرفه. وهم لا يقومون بذلك من منطلق الفنان الفرد، ولا من منطلق الخطيب عبد الناصر العويني في الشارع، الذي لم يكن يعلم حتى آخر لحظة بوجود هؤلاء النساء اللاتي يشاهدوه من النافذة، لكن من وجهة نظر الشعب نفسه.

أما في المشهد من الشارع، فما زال الناس غير مرئيين، فهم مخفيين تحت جنح الظلام أو بداخل بيوتهم، هم خارج النطاق تمامًا71. لكن على الرغم من هذا الغياب، يظهر الناس بالفعل في المشهد المصور من النافذة، وظهورهم هذا ليس أمرًا مرتقبًا فحسب، بل يظهرون على أنهم كانوا هنا دائمًا حتى قبل أن يبدأوا بالحديث، أو أن يعلنوا أنفسهم على الملأ81.

لكنهم عندما يظهرون لنا لا يظهرون كشخص أو كرمز أو كشيء يُرى من مسافة آمنة يُمكن تعريفها أو تمثيلها أو تجريدها، ولكن كطيف متعدد من الأصوات والأجساد ووجهات النظر التي تتعدى كونها موضوعًا واحدًا. باختصار، الأمر شديد القرب منا، شديد التعقيد، وشديد التجسيد وشديد القطعية، لدرجة أنه لن يمكننا أن نراه أو نحدده بدقة.

الهوامش

1  إشارة إلى مساء 13 فبراير عندما اُتبع خطاب بن علي المتلفز الثالث بتقرير عن "الحشود المبتهجة" التي اجتاحت الشوارع في سياراتهم تعبيرًا عن احتفالهم بالإصلاحات التي أعلنها بن علي. وسريعًا ما تبين أن هؤلاء الناس مستأجرون لدعمه بالتظاهر، وأن السيارات كانت مستأجرة خصيصًا لهذا المشهد.

2   قام المؤلف بترجمة هذا النص إلى الانجليزية من العربية "اللهجة التونسية-  والفرنسية، وأعدته إلى أصله في الترجمة من تفريغ الفيديو المُشار إليه، بعباراته الأصلية " قدر المستطاع لعدم وضوح الأصوات في بعض المواضع- والكلمات والجمل بين الأقواس مترجمة عن النص الانجليزي لعدم وضوحها بالقدر الكافي في الفيديو الأصلي. [ المترجم]

3  وهناك تصوير آخر لنفس المشهد متاح على: (www.youtube.com/watch?v=TNzC4O1Qh1c)يوضح أن الشارع لم يكن خاليًا كما يظهر الفيديو من الزاوية العليا. ومع ذلك، ولأغراض التحليل هنا، فمن هم أهم هم أولئك الذين نستطيع او لا نستطيع أن نراهم في تلك اللقطات، وليس الذين كان من الممكن أن يظهروا في المشهد.

4   لعله ليس من قبيل المصادفة أن المرأة التي قالت تلك العبارة انتقلت من اللغة الفرنسية - اللغة الاستعمارية السابقة، واللغة الأولى لدى قطاعات واسعة من النخبة المتعلمة في المجتمع التونسي إلى يومنا هذا- إلى اللغة العربية، في اللحظة التي تنتقل فيها من خارج المشهد إلى الاعجاب الجم بشجاعة المنادي (كأنه تصرف لا يمكن أن تتخيل نفسها تقوم به) لتشرك نفسها ضمنيًا في « الشعب» الذي يستحثه هو على الظهور.

5   تمت الإشارة لعبد الناصر العويني في عناوين نفس الفيديو بعد إعادة رفعه المتكررة التي تخلد كلماته. ولقد ظل منذ ذلك الوقت، كما يمكن التوقع، في كونه شوكة في حلق الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. ويمكن العصور على صفحته الرسمية على الفيس بوك في:

www.facebook.com/pages/Abdennaceur-Aouini-Officiel/199065426798148.

إن سردي للثورة التونسية معتمد على:

Abdelwahab Meddeb, Printemps de Tunis. La métamorphose de l’Histoire (Paris: Albin Michel, 2011), Jocelyne Dahklia, Tunisie. Le pays sans bruit (Arles: ActesSud, 2011), and Pierre Puchot, Tunisie.

كما اعتمدت على المواد الصحفية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما التي تم جمعها في مدونة:

www.nawaat.org.

6  هناك تصويرين - في حدود علمي - لهذا المشهد: أحدهما هو موضع المناقشة هنا، والثاني الأقصر موجود على :

         www.youtube.com/watch?v=TNzC4O1Qh1c

وأثناء حديثي مع مجموعة من الأصدقاء من جميع انجاء العالم العربي اكتسب انطباعًا بان معظمهم قد عرف هذا الحدث من خلال الفيديو البديل ، المصور من زاوية أرضية، وأنهم شاهدوا المقطع لأنه أذيع بشكل متواصل تقريبًا على القنوات الفضائية العربية مثل قناة الجزيرة في الأيام التالية للإطاحة بابن علي، وليس لأنهم قد شاهدوه على الانترنت. على سبيل المثال، عندما واجه راشد الغنوشي، مؤسس المشارك لحركة النهضة الإسلامية المعارضة، هذا الفيديو على قناة "الحوار" الفضائية بعد عدة أيام، وهو لقاء متاح على:

         www.youtube.com/watch?v=j1mqHVAN6bQ

من الملفت أن نقارن دموع الغنوشي، التي تبدو عفوية وغير قابلة للتصديق بأي شكل، بما سمعناه ولم نره من النساء الثلاث في الفيديو موضع المناقشة.

7  استخدم هنا كلمة «توثيق» “anarchive” لأشير إلى الطريقة التي تم بها رفع المقاطع المصورة عن الطريق الثوريين عبر أنحاء العالم العربي ، وهي الطريقة التي لا تشكل قاعدة بيانات تراتبية بقدر ما تشكل نوعًا من التنظيم الأفقي « مساحة ذاتية مؤقتة» داخل بنية يوتيوب. وللمزيد من التفصيل يُراجع:

Peter Snowdon, The Revolution Will Be Uploaded (London and New York: Verso, forthcoming).

8  Elias Canetti, Crowds and Power (Harmondsworth: Penguin, 1973), pp.47-54.

لقد استخدمت اندريا خليل مصطلحات كاليتي بما فيها الحشود غير المرئية، والحشود المزدوجة (مثل حالة الإشارة إلى أحياء الشعب وأمواته) لوصف أهمية الشهداء لدى الحشود الثورية في كل من تونس والجزائر وليبيا:» لقد شهدت الحشود هؤلاء «الآخرين» غير المرئيين، سواء من ماتوا، أو المعتقلين، أو المعذبين أو المهجرين، الذين كانوا، بالغرم من قمع الدولة، جزءًا من الدستور الشخصي» ومن الملفت، أن أحد الحشود التي أشرت إليها هو الحشد الافتراضي على الإنترنت. يراجع:

Andrea Khalil, Crowds and Politics in North Africa. Tunisia, Algeria and Libya (London and New York: Routledge, 2014), pp.3, 13.

9  ينبغي مقارنة هذا الفيديو بمقاطع ليلية أخرى تم تسجلها لحركة الخضر الإيرانية وه متاحة على:

www.mightierthan.com/2009/07/rooftop/.

لقد تم الاقتباس من هذه المقاطع في أفلام مثل:

David Dusa’s fiction feature Fleurs du mal (2012), BaniKhoshnoudi’sThe Silent Majority Speaks (2014), and the anonymous documentary Fragments d’unerévolution (2011).

يمكن أن توفر هذه المقاطع معيارًا لقياس ما إذا كانت حركة الخضر الإيرانية قد مهدت الطريق للثورات العربية. ولتفسير أوسع للمقاطع الإيرانية، بالارتباط مع مفهوم جورجيو أجامبن حول السياسة «غير الفاعلة» يراجع:

Etrag Manoukian, “Where Is This Place? Crowds, Audiovision, and Poetry in Postelection Iran”, Public Culture, 22:2 (2010), pp.237-263

10  للاطلاع على تشكيك في قدرة الثورة التونسية على اقتلاع نظام بن علي، يراجع:

Gilbert Achcar, Le peupleveut. Une exploration radicale du soulèvementarabe (Arles: ActesSud / Sindbad, 2013), pp.15-21, and Khalil, Crowds and Politics in North Africa, pp.62-65.

11  ولمثال آخر بليغ على كيفية تمثيل الثورات العربية لمناسبة وحافز لأشكال معقدة من التمرد ضد بنى السلطة العائلية، خاصة لدى الشابات، ومع الكاميرا كناقل متمز لهذه الخلافات. انظر:

Sara Ishaq’s moving portrait of her Yemeni family during 2011, The Mulberry House (2013).

 

12   يقدم دولوز أصلين لعبارة «الشعب مفقود، أولهما: محاضرة كلي في 26 يناير 1942، حيث قالها بلفظة:

 “Wirhabennochnichtdieseletzte Kraft, denn: unsträgtkein Volk”

 ونقلها بول فيندالي إلى الإنجليزية بمعنى: " ما زلنا نفتقر إلى القوة الحاسمة / الشعب ليس معنا" ويتتبعها أيضًا في نصين لكافكا :

         (a diary entry, and a letter to Max Bro)

حيث لا تظهر تلك العبارة بهذا الشكل، لكن بدو أنها لعبت دورًا كبيرًا ف دفع دولوز لاستخدام تلك العبارة. يُراجع:

Qu’est-ce que la philosophie? (co-written with Félix Guattari in 1991). See Gilles Deleuze, Cinéma 2: L’Image-Temps (Paris: Editions de Minuit, 1985), pp.282-83.

13  Jacques Rancière, “D’une image à l’autre? Deleuze et les âges du cinéma”, in *La fable cinématographique* (Paris: Le Seuil, 2001), pp.145-163.

14  تقول أولى كلمات هذا المجلد:" هذه الدراسة ليس تاريخًا للسينما، إنما هي تصنيف، وأطروحة حول تصنيف الصور والعلامات

” Gilles Deleuze, Cinéma 1: L’Image-Mouvement (Paris: Editions de Minuit, 1983), p.7. 

والترجمة للمؤلف عن الفرنسية.

15 Dork Zabunyan, Les cinémas de Gilles Deleuze (Montrouge: Bayard, 2011).

وخصوصًا في الصفحات:

pp.34-82 and pp.161-178.

وحول الانقطاع الذي وصفه دولوز بعد الحرب العاليمة الثانية ككارثة في مفهوم التاريخ ذاته، يُراجع:

Paola Maratti, GillesDeleuze. Cinema and Philosophy, (Baltimore: John Hopkins University Press, 2008), pp.64-65.

16 Gilles Deleuze, “Qu’est-ce que l’acte de création?” in Deux régimes de fous (Paris: Editions de Minuit, 2003), p.302, ,

والترجمة عن الفرنسية إلى الإنجليزية والتشديد للمؤلف.

17  في المشهد البديل الموجود في هامش 5، لا تتحول الكاميرا إلى الأعلى أبدًا لترى إن كان أي شخص يراقب المشهد من شرفته.

18  وهذا هو العبء الذي يأخذه طارق تقية على عاتقه في فيلم ثورة الزنج (2013) والذي يجسد شخصية صحفي جزائري سُمّي على اسم الرحالة العربي الكبير ابن بطوطة، ينتقل عن طريق لبنان إلى العراق ليتتبع أثر ثورة الزنج التي حدثت في القرن التاسع الميلادي، حين أسقطوا أسيادهم وبنوا مدينة حرة لم تدم لوقت طويل. وقبل نهاية الفيلم، يصل الصحفي الى مدينة شط العرب ( لكن المشاهد تم تصويرها في الواقع في الدلتا بمصر) بصحبة دليل محلي ملثم تمامًا ليحمي وجهه من الرياح، ومن أعين الآخرن. ينظر ابن بطوطة إلى الأسفل في المياه الضحلة التي يقف عندها، عندما خبر ان هذا هو الكان، يصيح غاضبًا " ليس ثمة شيء"كما لو كان يتوقع ان يجد أية شظايا عشوائية ذات أهمية أثرية. وردًا على ملاحظته البليدة إلى حد ما يكشف الدليل عن وجهه الأسمر، ويبتسم لابن بطوطة قائلًا:" لا نزال هنا". يتسائل رانسيير عن مدى نجاح طارق تقية في إقامة ربط بين الفردي والجماعي، وبهذا التتابع، يصل بمشكل مباشر تقريبًا إلى أن رحلة ابن بطوطة كانت ناجحة وبلا معنى في آن واحد. ليس عليك أن تبحث عن الناس، لأنهم دائمًا هنا، أو بمصطلحات دولوز: المثقفون والفنانون هم من فقدوا، ليس الناس. راجع:

Jacques Rancière, “Le reste, c’est à vous de l’inventer”, interview with Cyril Béghin and Dork Zabunyan, Cahiers du cinéma 709 (March 2015), p.87.