هموم

دار المرايا

حينما وقف الخيال على عتبات شركات الإنتاج!

2021.06.01

حينما وقف الخيال على عتبات شركات الإنتاج!

تولد الدراما من الخيال، من شخصيات تعيش داخل ذهن الكاتب/ة، من أماكن وتجارب وافتراضات تعكس أحلامه/ا، رغباته/ا، واقعه/ا، مخاوفه/ا، ذاكرته/ا، قراءاته/ا، وأحيانًا كثيرة هواجسه/ا. يقع مفجر الخيال لتبدأ الرحلة الدرامية، قد يكون ذلك المحفز: تهويمة بصرية، لحظة صمت، حادثًا مروريًّا، لحظة كبت، رغبة في الصراخ، خبرًا حزينًا، أو آخر مفرحًا، وأحيانًا مجرد صوت داخلي وغيرها من مئات المسببات التي قد تساعد على تشكل فكرة ما، لتتجسد شخوصها، وتبدأ في التطور التدريجي على المستوى الشكلي والنفسي والاجتماعي حتى تصبح واضحة، تنبض بالحياة. تمر بتجاربها وتتخذ مسارها الذي حدده الكاتب/ة لتبدأ رحلتها (بداية/ وسط/ نهاية) فتتشكل المعالجة الدرامية، التي هي باختصار القصة مروية بشخصياتها ورحلتها وتقاطعاتها وصعوباتها وتغيراتها التي تصوغ السيناريو وينطق أبطاله بالحوار للتعبير عما يهدف إليه الكاتب/ة (السيناريست).

كانت البداية حواديت الجدة، التي أشعلت فتيل الخيال لدى طفلة صغيرة، فجالت في عوالم سحرية لا تخضع لقوانين البشر ليس لها منطق أو حدود، سافرت مع الجدة إلى بلاد لم تطأها قدم إنسان من قبل، جالت في حدائق غناءة تسلب العقل الرصين، وسبحت في أنهار وبحور تلتهم البشر أحيانًا وتصادقهم أحيانًا، صادقت حيوانات تتحدث، وتغضب، وتنتقم من بني الإنسان وربما تدافع عنه. ولكن مع بداية سن المدرسة، لم يتح للطفلة العيش في ظل الجدة كما اعتادت، وانتقلت إلى منزل والديها، وجف نهر الحواديت، فشعرت الطفلة بالوحدة في أرض الواقع بلا خيال، وكأنها تعيش في عالم لا تنتمي إليه، تطفأ الأنوار استعدادًا للنوم، وتبقى الصغيرة يقظة، كان التليفزيون حينها، في الثمانينيات، ينهي البث في الحادية عشر مساء، ينام أهل البيت، ولا تجد الطفلة ما يؤنس الصمت، فتحضر الراديو وتلصقه بأذنها لتستمع إلى صوته الهامس كي لا توقظ والديها فيفسدا عليها لحظتها الأثيرة، كانت تعيش لساعات وساعات بخيالها داخل هذا الصندوق السحري، تسبح في عوالمه بين الغناء، والقرآن الكريم، والمسرحيات والأفلام المسموعة. لتساعدها تلك الحكايات على الوقوع في النوم، عوضًا عن حواديت الجدة. وتمرست على هذا العالم المسموع، وأغرمت بالمسرحيات والأفلام بشكل خاص، وأسرها صوت المعلق الذي يخبر المستمع بحركة الأبطال داخل الفيلم أو المسرحية ويشرح ما لا تراه الأذن، ويصمت عند الحوار، وهنا اتندهت.

أصبحت الحكايات والقصص والأساطير والدراما الاجتماعية (النفسية والبوليسية والرومانسية وغيرها) التي ينقلها الراديو هي الدهشة والونس، لم تمتعني الحكاية وحدها، بل أغرمت بالراوي وحلمت أن أصبح مثله ذات يوم، وصرت أبحث عن الحكايات في كل ما تقع عليه عيني. أحكيها بداخلي لجمهور افتراضي وأعقب على الأحداث وأشرح الموسيقي (كما يفعل عمار الشريعي في غواص في بحر النغم) التي هي لسان حال الشخصيات، وجدت الحكايات ليس فقط في الراديو والتليفزيون بل في كل شيء من حولي؛ في الفوتوغرافيا والسفر والتسكع في شوارع مدن غريبة، وجدت الحكايات في الأدب والسينما والمسرح والموسيقى والأصدقاء والأهل والغرباء، وكانت المفاجأة عندما وجدتها بداخلي. فتشكلت شخصية الراوية. ولكن ماذا حدث للخيال بعدما وقف على أعتاب شركات الإنتاج!

عندما يصبح الخيال سلعة

تحول الخيال إلى مهنة، لا تخضع للهوى الشخصي وحده، بل لقانون السوق وقواعد المهنة. وتحولت الحكايات إلى سلعة؛ فالنص (السيناريو) هو كل شيء، وهو لا شيء أيضًا. النص الدرامي هو الأساس الذي يبنى عليه العمل/ المسلسل الذي يشاهده المتفرج، يحمل النص بداخله كل التفاصيل التي يراها ويسمعها المشاهد، ولكنه أيضًا قد يصبح لا شيء سوى مجرد نص مقروء، إذا لم يتحول إلى منتج مرئي. ولكي يتحول إلى منتج يراه المشاهد عليه أن يمر بمراحل كثيرة، تبدأ بشركة إنتاج تتحمس للنص، ومخرج يعجب بالنص ولديه رؤيته الفنية لتنفيذه، وممثلون ومدير تصوير ومدراء إنتاج، ومهندس صوت، وموسيقيون، ومونتير وتقنيون ومئات من المساعدين والفنيين. ولكي يتحول هذا النص إلى منتج جيد (سلعة ذات جودة عالية) على جميع الأطراف المشاركة فيه أن يؤدوا عملهم بإتقان وحرفية، وعلى رأسهم شركة الإنتاج التي يجب ألا تبخل على العمل وتخصص ميزانية مناسبة لتنفيذه، الدور الأهم في تلك المرحلة يقع على عاتق مخرج العمل الذي يرى العمل وتتوافق رؤيته مع روح النص ويولف العناصر الإنتاجية والإخراجية والفنية لتنفيذه، وذلك في إطار الميزانية التي حددها المنتج المنفذ. وليظهر المسلسل على الشاشة كل له دوره في تطويره وتنفيذه، وإذا تخاذل أي من أطراف العمل عن أداء وظيفته تصبح جودة العمل على المحك. والنص هو ملكيتي الفكرية والأدبية الخالصة، والآن على أن أضعه في أيادي فريق العمل كي يتشكل في صورته المرئية، بأقرب شكل ممكن لما هو في خيالي. الآن لم يعد النص خاصًا بي وحدي، كأم تترك طفلها في أيدي الغرباء.

عندما يصل النص الجيد إلى يد مخرج متفانٍ في عمله، أمين على النص يصبح عملاً جيدًا بلا شك، وهناك نص متواضع يخرجه مخرج متميز ويضيف إليه رؤيته الفنية فيصبح عملاً استثنائيًّا، وهناك نص جيد يقع في يد مخرج نحيت (لفظ من النحت، يسعى وراء السبوبة والوجود على الساحة دون طموح وقدرات فنية فذة) ليصبح مصير النص على الله. ومن العجيب أن هناك مسلسلات تليفزيونية لا تهتم بالمحتوى أو الفنيات ولكنها تستقبل بحفاوة من الجمهور الذي لديه القدرة على استحسان وهضم الزلط. المتفرج هو المستهلك النهائي، والإنسان لا يستهلك الأفضل بالضرورة، في هذا العصر الاستهلاكي كله موجود وكله بيتفرم. وحينها يكون العمل الدرامي ما هو إلا منتج يهدف صناعه إلى الربح، وفن مين يا أم/ أبو فن! المحظوظون بنص متميز وإخراج متميز وإنتاج داعم قلة. وتلك هي الأعمال التي لا خلاف عليها سواء من الجمهور أو النقاد. 

أما كلمة السر لنجاح أي عمل فهو دور المخرج ومسؤوليته عن العمل، مخرج لديه رؤية للنص (لا تتعارض مع رؤية الكاتب أو تهدمها بل تطورها وتضيف إليها) المخرج هو المايسترو الذي يختار العاملين معه وفقًا لما يراه مناسبًا، لذا لا بد للكاتب والمخرج أن يتحدثا نفس اللغة، وهناك لغات كثيرة؛ اللغة التجارية واللغة الفنية، ولغات أخرى في المنتصف. البطل أو البطلة لهم رؤية في العمل الدرامي، هدفها الأساسي تحقيق نجاحه/ا الشخصي كممثل/ة من خلال هذا العمل، وهذا مسار آخر قد يؤدي إلى تضارب في الآراء. فالممثل تعنيه مكانته لدى الجمهور وكيف يرى نفسه وكيف يقدمها، هناك من النجوم من يتحكمون في كل تفصيلة وفقًا لأهوائهم دون رادع. ولم لا وهم السبب الرئيسي لبيع هذا المنتج. وهناك ممثلون يتركون أنفسهم للنص ولتوجيهات المخرج الواعي دون حسابات شخصية.

أحد المعوقات التي تحد الإبداع عند الكتابة للدراما التليفزيونية هي توجيهات الإنتاج في أماكن التصوير (لو مش هصور في اللوكيشن ده ٨ مشاهد على الأقل مش هروحه.. أي لوكيشن على الأقل يوم تصوير). لذلك تجد الكثير من الدراما التليفزيونية تدور على الكنبة (شخصان يتحدثان) وقولي بقي أيها المؤلف السعيد اللي إنت عايز تقوله، مع اعتبار المحاذير الرقابية طبعًا، المهم شخصان يتحدثان.

كنت أحضر لمسلسل "نادي السيارات" عن رواية علاء الأسواني مع المخرج الراحل شوقي الماجري. في أثناء جلسات التحضير للعمل قال لي "لا تفكري لحظة عند كتابتك للعمل بكيفية تنفيذه، هذا هو دوري أنا، ولا تفكري بتكلفته الإنتاجية هذا دور فريق العمل الذي أختاره بعناية ليحقق رؤيتك.. دورك أن تروي الحكاية كما هي في خيالك، وأن تلهميني كمخرج بتفاصيل المشاهد، ولا تبخلي عليَّ بالتفاصيل البصرية والشعورية لأبطالك في كل مشهد". هذا مخرج بدرجة شاعر، ومثله قلة قليلة، لروحه المبدعة الرحمة ولنا الصبر. وهناك بعض المخرجين لا يعنيهم فنيات العمل، ينفذون العمل وفقًا لطلبات المنتج. شركة الإنتاج في النهاية تستهدف الربح، وهو يأمل أن يوفر لشركة الإنتاج كي تكلفه بمسلسلات أخرى، لذا يرجى ربط الحزام وتحجيم الخيال. وللمخرج رؤيته التي قد تتطلب بعض التعديلات في العمل، وللأبطال طلباتهم، التي قد تكون طلبات منطقية، وللرقابة دورها أيضًا، لذا يتوجب على الكاتب/ة أن يتمتع بدرجة من المرونة كي ينفذ ما يطلب منه/ا من تعديلات. ولكن متى تكون تلك التعديلات المطلوبة على النص تخدم النص ومتى تأخذه لمنحى آخر!

أحيانًا يقرر المنتج تقليل أيام التصوير المتبقية (أنا كده هخسر، مش هكسب ولا مليم) ولذا لا بد من تقليص المشاهد المتبقية بدمجها أو إلغائها، أو (اللي نعرف نقوله بحوار في مشهد تاني إلغيه). أشعر حينها بالعجز التام، بالقهر، أندم على العمل بإخلاص لشهور طويلة، أود الاعتذار لشخصياتي التي كنت أضحك وأبكي معها بلا فارق بين الحقيقة والخيال، فقد تماهيت معهم بمشاعري، والآن على أن أتلاعب بمصائرهم وأبتر مشاهدهم بما يتماشى مع عدد أيام التصوير المتبقية، وإذا اعترضت "اخبطي راسك في الحيطة، أنا مش هخسر، المخرج كان المفروض ينجز المسلسل في عدد أيام معينة، ولم يحدث". هل أرفض وأترك لهم الجمل بما حمل؟ وماذا بعد؟ هل أترك طفلي بين أيدي الغرباء ينتهكون كرامته، ومن المؤكد أني لن أتقاضى باقي مستحقاتي المالية، وسيتداول القائمون على العمل أني صعبة المراس وغير متعاونة، وتصبح هذه سمعتي في السوق! أم أقبل بالحذف والدمج وتلازمني خيبة الأمل.

حقوق المؤلف

لكي تحصل الشركة المنتجة على التراخيص الخاصة بالتصوير لا بد للمؤلف من التنازل عن المصنف الفني، النص الدرامي/ القصة والسيناريو والحوار، في الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة. تشتمل شهادة التنازل التي يقدمها المؤلف لشركة الإنتاج على التصريح بالاستغلال المالي عن تأليف المصنف بأشكاله المختلفة (العروض التليفزيونية ومواد الدعاية، البث بالأقمار الصناعية، الكابلات الهوائية، البث عبر الإنترنت، العرض في الطائرات والبواخر وكل ما يستحدث مستقبلاً لنقل المصنف بالصوت والصورة وذلك لمدة ٤٩ سنة (غالبًا) داخل مصر وخارجها).

في كثير من الأحيان يبدأ التحضير والتصوير ولم تنته عملية الكتابة، أي أن الكاتب لم يتلق إلا جزءًا ضئيلاً من قيمة العقد (غالبًا ما تكون ٢٠٪) والكارثة التي يشملها ذلك التنازل هي جملة كتبت بفونت أصغر بكثير من باقي بنود التنازل نصها كالتالي (وقد تم ذلك نظير مقابل مالي تم قبضه كاملاً بإقرار الطالب) الذي هو السيناريست في هذا التنازل. ومن المؤسف أنه حتى في حالة عدم تقديم تلك الوثيقة لشركة الإنتاج (واحتفاظ السيناريست بها في حوزته) تستطيع شركة الإنتاج أن تتوجه مباشرة إلى الرقابة على المصنفات الفنية وإصدار بدل فاقد لتلك الوثيقة. وهو ما حدث معي مع أحد شركات الإنتاج، التي لها منتج فني كل عام، أصدرت التنازل بناء على طلب شركة الإنتاج وإلحاحهم وعندما توجهت لمقرهم لتحصيل باقي مستحقاتي المالية بعد عرض المسلسل بالفعل، وطالبت ببقية مستحقاتي المالية لم يستجب المنتج، وكانت الطريقة مهينة، خصوصًا عندما علمت أنهم استخرجوا بدل فاقد عن التنازل الذي ينص أني تقاضيت حقوقي المالية كاملة، فتوجهت للقضاء في الحال لسوقية الفعل. علمًا أنه هناك مرات لم أتلق بقية مستحقاتي المالية، من شركات إنتاج أخرى، واستعوضت الله. وما كان من المنتج إلا أن رد على تطاولي وتقديمي دعوى قضائية بدعوى قضائية من جانبه يطالبني بتعويض مالي ضخم جدًا لأنني، حسب عريضة الدعوى، لم أقدم له بقية حلقات المسلسل مما تسبب له في خسائر فادحة. وهذه القضية لا زالت تنظر في المحاكم، وحتى وإن تم البت في قضيتي وصدر الحكم لصالحي (نفذي الحكم بقي ووريني إزاي هتاخدي فلوسك)! وقد رفضت النقابة التدخل نظرًا إلى أن القضية تنظر في القضاء. فلماذا لا تتدخل نقابة المهن السينمائية لمؤازرة المؤلفين ودعم حقوقهم، خصوصًا وأنني عضو عامل في النقابة. لماذا تضع الرقابة هذا السطر الذي يسلم رقبة المؤلف للمنتج داخل شهادة التنازل. ولماذا لا توجد جهة أو رابطة لحماية حقوق المؤلف؟

دور الدراما في المجتمع

الدراما قائمة على الصراع ورحلة الأبطال، ولكن ماذا إذا كان المجتمع الذي نتحدث عنه ونعيش بداخله لا يريد أن يظهر بشكل معيوب؟ وربما يبدو الأمر مفاجأة لك عزيزي المشاهد، لدينا في مصر مهمشون وأقليات، ولدينا مثليون، ولدينا دعارة ولدينا بلطجة، ومن يستعملون الألفاظ الخادشة للحياء في مواقف حياتية، ولدينا خيانة، وعلاقات خارج إطار الزواج، ولدينا لصوص ومجرمون ومنحرفون ولدينا ملحدون أيضًا، لدينا كل شيء ببساطة لأننا مجتمع بشري ولسنا بطارية أرانب. وحتى بطارية الأرانب يوجد فروق بين سلالاتها. نعم نحن مجتمع شرقي محافظ يتمسك بالعادات والتقاليد، ومتدينون بفطرتنا، ولكن هناك ولو نسبة لا تتعدي ١٠٪ ممن يختلفون عنك أيها المشاهد المستقيم. هل دوري كصانعة دراما هو الحديث فقط عن الغالبية العظمي (الخيرة - المستقيمة) أم أن أتناول بعض الطبقات المهمشة، والنماذج غير الشائعة؟ وإذا تحدثنا عنهم فهم بشر وليسوا قوالب مصمتة، فالخير ليس خيرًا على طول الخط، والشرير ليس مطلق الشر. ربما تجد أستاذًا جامعيًّا يتحرش بالأطفال، هل كفه علمه عن سلوك يرفضه المجتمع، هل درأه عن هواجسه الجنسية ولحظات خلله وانعدم توازنه، ربما يكون أبًا حنونًا على أطفاله وربما يكون قد تعرض لمشكلات في الطفولة سببت له هذا الخلل السلوكي. فهل نتعرض لهم داخل الدراما، أم أننا مجتمع متدين لا توجد به مثل هذه الأشكال الضالة؟

أقرر الاختباء بعيدًا عن السوشيال ميديا والصحافة، فأنا لا أبرر أفعال شخصياتي الدرامية، أنا لست أيًّا منهم، هم شخصيات درامية قائمة بذاتها، إن أردتم أن تحاسبوهم، هم أصحاب الفعل ولست أنا. هم شخصيات شاهدتهم أو شاهدت أفعالهم في الحياة، ما أنا سوى مؤلف، ألفت بين التفاصيل وجمعتها معًا لأقدمها في شكل فني. وعلي أن أوضح بأنني لا أكتب كي أغير المجتمع، أنا أكتب لأعبر عما حولي وعما بداخلي وعن هواجسي وأحلامي وأحيانًا أكتب بتكليف، أنا أكتب لأنها مهنتي. والعمل في هذه الصناعة يستلزم الكثير من الصبر، وتطالني الكثير من الصعوبات، ولدي بعض الهموم ولكنني أيضًا من القلائل المحظوظين الذين يعملون بمهنة خلقوا من أجلها. فهذه مهنتي التي سعيت خلفها لسنوات طوال، والتي سأموت عليها إن شاء العليم القدير، فالكتابة هي وجودي، وهي مصدر دخلي، وسبب توازني في الحياة، وهي شقائي الذي أنعم به وأشكر الله عليه.

لقطات متفرقة

أسعى خلف مستحقاتي المالية لدى المنتجين بعد الانتهاء من كتابة الحلقات وعرضها؛ لتبدأ فقرة الشحاتة، أتحول لمتسولة تدق الأبواب وتجري العشرات من المكالمات التليفونية والرسائل على الواتس آب، والرد دائمًا "ربنا يسهل"، التي أسمعها في أذني "ربنا يسهل لك يا ماما".

يضحك صديق عندما أتحدث عن عملي كسيناريست وتفلت مني كلمة "العوالم الدرامية".

تسرق حقيبتي وأتجه إلى قسم شرطة للإبلاغ عن الواقعة، وعندما يعلم الضابط أني كاتبة دراما يسألني: وما الفرق بين السيناريو والحوار؟

تسألني صديقة عن جمال هيفاء وهبي في الحقيقة، وتفاجأ عندما أقول لها إنها من أكثر من تعاملت معهم مهنية واحترامًا لنفسها وللآخرين.

أجلس مع مدير شركة إنتاج في أثناء تنفيذ مسلسل وأتمسك ببعض العناصر الدرامية لدواعي فنية (والتي ستكلفه قليلاً). فيحدثني بلغة الصديق الواعظ "أنت فاكرة نفسك جاية تفني، فيه ميزانية وفيه مواعيد عرض وفيه طلبات نجوم. طب مش أنت عايزة النجم الفلاني عشان هو الأنسب، كلمته قبل كده في شغل وقالي أنا ما يفرقش معايا غير هاخد كام. المسلسل ينجح المسلسل يفشل دا رزق ما لناش يد فيه".

أجلس مع مسؤول في شركة إنتاج بعد أن هاتفني وطلب مقابلتي لأنه يريدني أن أكتب له عملاً دراميًّا، وبمجرد جلوسي أمامه يطعنني سائلاً "هااا قولي لي بقي عندك إيه؟".. "حضرتك طلبتني علشان عايزني في شغل".. "آه عايز آخد فكرة، أصلي مطلوب مني شغل منصات" أنظر إليه ببلادة متنمرة، وربما تربكه النظرة وأغير مسار الحديث، ثم أفتعل أمرًا طارئًا يستدعي انصرافي بعد دقائق قليلة. وأتساءل ما الذي كان يدور بذهنه عندما هاتفني؟ هل كان يتوقع مني أن أحضر "مشنة" بها عدد من منتجاتي (باعتباري فرخة بتبيض) وأرد عليه في سعادة غامرة عندي ٣ مسلسلات حب، و٢ انتقام، و٤ قصة صعود وواحد أكشن.. ها شاري إيه فيهم؟