ذخائر
لطيفة الزياتشهادة مبدعة
2019.06.01
تقديم: شيرين أبو النجا
شهادة مبدعة
واحدة من أصعب المهام هي الكتابة عن لطيفة الزيات، يحتار المرء في اللقب الذي يجب أن يسبق اسم العلم: لطيفة. هل أقول الدكتورة أم الكاتبة أم المترجمة أم المناضلة أم السياسية أم اليسارية؟ ربما تساعد تواريخ وصولها ورحيلها: 8 أغسطس 1923، 11 سبتمبر 1996.
كانت البداية المبكرة والمواجهة الأولى مع الاحتلال البريطاني؛ فانتخبت وهي طالبة في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة سكرتيرًا عامًا للجنة الوطنية للطلاب والعمال؛ كان ذلك عام تخرجها: 1946. واستمر تمسكها بالمبادئ القائمة على مقاومة الاحتلال والاستعمار حتى آخر يوم في حياتها؛ من مناهضة معاهدة 1936 إلى الاعتقال بتهمة الانضمام لتنظيم شيوعي عام 1949. وعلى الرغم من أن معاهدة 1936 سقطت بالفعل وسقطت معها الملكية إلا أن المعاهدات كثيرة، وعلى رأسها معاهدة كامب ديفيد التي وقعَّها السادات مع العدو الصهيوني عام 1978 وكانت بمثابة صدمة للمثقفين النبلاء، فترأست لطيفة الزيات لجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية التي تشكَّلت في حزب التجمع في 2 أبريل 1979. كان الهم الأول لها هو مناهضة التطبيع الثقافي، ولم تنس السلطة دور اللجنة فكانت لطيفة من ضمن معتقلي حملة سبتمبر 1981. لقد ناضلت هذه السيدة حتى الرمق الأخير من حياتها.
لكنها أيضًا أكاديمية؛ حصلت على الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1957 وعُيِّنت أستاذة للأدب الانجليزي في كلية البنات بجامعة عين شمس. وفي عام 2017 نشر المركز القومي للترجمة رسالتها التي كانت عن حركة الترجمة الأدبية في مصر، ولم تكن دراسات الترجمة قد عُرفت بعد. كما قامت هي نفسها بترجمة أعمال مهمة، كل ما في الأمر أن النضال الوطني الذي انخرطت فيه مبكرًا طغى على إنجازاتها في مجالات أخرى. فهي روائية معروفة؛ لها رواية “الباب المفتوح” التي صدرت عام 1960، وحُوِّلت إلى فيلم قامت فيه فاتن حمامة بدور ليلى البطلة التي فتحت لها لطيفة الزيات الباب لتخرج من بورجوازية الطبقة المتوسطة إلى عالم أكثر رحابة وإنسانية في بحثها الدائم عن العدل والحرية. إلا أن قصة “الشيخوخة” والتي صدرت عام 1986 تمثل علامة فارقة في توظيف الرسائل والمذكرات واليوميات.
كانت لطيفة الزيات تُمثل مناضلة من العالم الثالث بحق، فكان العمل النسوي ينطلق من المطالبة بحق النساء في الانتخاب والتصويت، التعليم والصحة، كلها حقوق سياسية واجتماعية لا تتعلق بخصوصية النساء بقدر ما هي تتعلق بالمواطنة. تبدو لي هذه مفارقة بعض الشيء لأن المجال الخاص الذي عاشت فيه الزيات لم يكن موفقًا بالقدر الذي يسمح بتجاهله، فقد اضطرت مثلاً إلى أن تسمع من زوجها الثاني جملة كلاسيكية من طراز “أنا صنعتك”. لم تخض معارك نسوية حول حقوق النساء في المجال الخاص، لكنها قامت بما هو أصعب؛ إذ قررت أن تواجه ذاتها وتسعى إلى فهمها عبر الكتابة؛ فصدر لها “أوراق شخصية: حملة تفتيش” في عام 1992. يحتل سؤال الذات النص؛ فهي تكتب الفشل وتواجهه وتتصالح معه، أو تخفق، أو يبقى السؤال معلقًا.
تأتي أهمية هذه الشهادة المنشورة من أنها غير معروفة لدي الكثير من قراء لطيفة الزيات والذين يضعون “الأدب النسوي” في مرتبة أدنى من الأدب المعترف به. ترسي لطيفة في شهادتها أهمية الموقع الجغرافي والتاريخي والسياسي الذي يؤطر الفكر النسوي ويجعله نابعًا من الواقع المادي، ليكشف عن نفسه كاملاً في الكتابة الإبداعية، فيمنحها صوتًا متميزًا في حسمه ومختلفًا عن السائد، صوتًا يجمع في نبرته حياة ثرية لا تُنسى.
من العسير أن يعرف الإنسان نفسه، وأن يُعرفها، وأنا أدرك هذه الحقيقة الآن من الأعماق، وأنا أدلي بهذه الشهادة. وعلى المستوى السطحي يسهل أن أعرف بنفسي، فأنا أستاذة للأدب الإنجليزي بإحدى الجامعات المصرية، وأنا كاتبة مبدعة مقلة في كتاباتها الإبداعية، وأنا ناقدة مارست النقد الأدبي على الرواية والمسرح العربي ولها كتاباتها في هذا المجال، وأنا حيوان سياسي من الطراز الأول. انشغلت منذ صباي بالتحرير الوطني ومازلت إلى اليوم، ودفعت ثمن هذا الانشغال بالسياسة كما دفعه الآلاف المؤلفة من المثقفين العرب، ولي بالتالي كتاباتي السياسية. وأنا في السياسة اشتراكية، وفي الهوية مصرية عربية. ولي اهتماماتي الصميمة بالثقافة وكتاباتي في هذا المجال، وهذه كلها صفات وصفات من المفروض أن تعرفني، ولكن هل عرفت نفسي فعلا؟ أم أن تلك الصفات هي خانات مبوبة نحتمي بها خوفًا من التعرف على الذات، وبالتالي التعريف بالذات؟ ومن عسى أن أكون إن لم أهتم بهذه الخانات المبوبة؟
أنا امرأة، وهذا في يقيني عنصر مهم جدًا للتعريف بالذات. والوصف يرسم على الفور حدود الحركة، وحدود القهر المادي والمعنوي الذي ينزل بالمرأة، والوصف يرسم على الفور آلاف نقاط الضعف الموروثة، وآلاف نقاط القوة المكتسبة في وضعية المرأة عامة، وفي وضعية المرأة الفرد التي هي أنا. عانيت كما يعاني الإنسان كل أنواع القهر التي تنزل بالإنسان، وعانيت كما تعاني كل امرأة كل أنواع القهر المعنوي الذي ينزل بالمرأة، وعايشت القهر أحيانًا وتجاوزته أحيانًا أخري، وما بين المعايشة والتجاوز، التي استحالت إلى قانون يحكم حياتي، تم إهدار الكثير من طاقاتي الإنسانية، التربوية والإبداعية والنقدية والنضالية، وجاء ما أنجزت فعلاً، أيًا كانت حدود هذا الإنجاز، أقل بكثير مما كان من الممكن أن أنجز. فإلى أي مدى يصح ما ينطبق علي على بقية النساء؟!
وأنا امرأة، وهذا في يقيني، عنصر مهم جدًا في التعريف بالذات، ولكن أي امرأة هي أنا؟ وأعتقد أن إجابة هذا السؤال تكمن في كتاباتي الإبداعية، فهذه دون غيرها من الكتابات تعرفني وتعرّفني. في الكتابة غير الإبداعية أنشغل بجانب من قدراتي، وفي الكتابة الإبداعية بمكتمل قدراتي العقلية والحسية والوجدانية، أملك أن أرفع اسمي عن مقال نقدي أو ثقافي أو سياسي، فلا يملك القارئ أن يعرف إن كان صاحب المقال رجلاً أم امرأة، أما أعمالي الإبداعية فتحمل بصمتي كامرأة، كهذا النتاج التاريخي الاجتماعي لمجتمع معين في فترة من فترات تطوره، وتحمل بصمتي كهذه المرأة الفريدة التي هي أنا. في الأعمال الإبداعية أكتشف رؤيتي للحياة وأبلورها، أخلع أقنعتي فلا أبقي شيئًا سوى وجه «الحقيقة» العاري. أبدد أوهامي عن الذات ستارًا بعد ستار، أعلو على توجساتي ومخاوفي، أحس، أجرؤ، أنطق صدقًا، ولو على ذاتي، وأكون المرأة الخائفة المقدامة الضعيفة القوية، الهشة الصلبة، المتمزقة بين العقل والوجدان، التي هي أنا، كتاباتي الإبداعية تعرفني وتعرّفني، وما يصدق علي يصدق على كل امرأة عربية مبدعة.
وكتاباتنا الإبداعية بالتالي تختلف عن كتابات الرجل الذي ينتمي لنفس المجتمع الذي أنتمي له، قد تتساوى فنيًا، وقد تتميز، وقد تتخلف، ولكنها في كل الحالات تختلف. فلم كان من الصعب علينا الإقرار بهذا الإختلاف؟ ولم عاندت ونعاند أية محاولة لتوصيف أعمالي الإبداعية كأدب نسائي أو نسوي. أهو عيب في توصيف هذا الأدب النسوي، أم العيب فيّ؟ هل أرفض أنوثتي أم أتقبلها مزدهية؟
وقد تخندقت كمعظم الكاتبات في خندق الأدب، ورفضت في إصرار أن تبوب كتاباتي الإبداعية في باب الأدب النسائي. أدب أو لا أدب، فن أو لا فن، وما من أدب رجولي وآخر نسائي: دأبت على القول لكل من يوجه إلي السؤال كما تفعل معظم الكاتبات العربيات. وكان هذا القول دفاعًا عن النفس في وجه محاولة مستمرة في أمتنا العربية لتبويب الأدب الذي تكتبه المرأة في مكانة أدبية وفنية أقل من ذلك الذي يكتبه الرجل، وفي استخدام وصف الأدب النسائي كوصف يتضمن تحقيرًا لهذا الأدب، وتهوينًا من أهميته، وكوصف يرسي محدودية الموضوعات التي يعرض لها ومحدودية الاهتمامات الإنسانية التي يطرقها.
وكان مثل هذا التوصيف للأدب النسائي مرفوضًا من معظم الكاتبات العربيات، ومرفوضًا بنسبة أحد مني. كان هذا التوصيف يضع قدراتي الفنية والتقنية موضع المساءلة، لا عن فحص وتقويم، بل لمجرد أني امرأة، ويستبعدني من تراث الأدب قبل أن أبدأ، وأيًا كان اجتهادي، ويقصيني ككاتبة بالأدب النسائي في ركن قصي لا يتحمل المنافسة ولا الاجتهاد تحت خانة ما يسمى تحقيرًا بالأدب النسائي. وقد رفضت هذا التوصيف لأكثر من سبب. فأنا لم أبدأ الكتابة الإبداعية هاوية، وإنما صدرت عن دراسة طويلة لتقنية الرواية الأوروبية والأمريكية سبقت كتابتي لرواية «الباب المفتوح» 1960. وكنت على قدر لا بأس به من المهارة التقنية وأنا أكتب هذه الرواية. وأنا لا أدلق أحاسيسي كما هي على الورق، ولا أكتب انطباعات ذاتية في تلقائية، ولا اعترافات حميمية. وقد أستخدم وسائل التعبير الذاتية كاليوميات والمذكرات والرسائل، ولكني استخدمها بطريقة فنية تموضعها، وتنقل التجربة من فوضى الحياة المعاشة إلى إطار الفن، ومن إطار التجربة الخاصة إلى التجربة العامة. وأنا أبني بناءً معماريًا شديد الخصوصية وبالغ التركيب، يستهدف أولاً اكتشاف رؤيتي للحياة وبلورتها، ويستهدف ثانيًا توصيل هذه الرؤية للقارئ والتأثير فيه، ومحاولة تغيير قيمه الأخلاقية والسلوكية وجذبه إلي، وإذا كنت أبني مثلما يبني، وربما أفضل، فلماذا كانت مصادرة قدراتي لمجرد أني امرأة، ولماذا الإصرار على تبويب ما أكتب في إطار هذا الركن القصي عن التراث القصصي الذي خصص للأدب النسائي، بما ينطوي عليه هذا التوصيف من تعريض بكتابة المرأة، ككاتبة انطباعية تفتقر إلى الأصول الفنية، وككاتبة ذاتية تفتقر إلى الموضوعية؟!
ولم يكن هذا هو اعتراضي الوحيد على توصيف ما أكتب بالأدب النسائي بمفهوم الأدب النسائي في أمتنا العربية، بل امتد هذا الاعتراض إلى ما ينطوي عليه هذا المفهوم من تعريض بمحدودية اهتمامات المرأة، واقتصار هذه الاهتمامات على جدران البيت. فاهتماماتي واهتمامات العديد من الكاتبات العربيات تمتد إلى البشرية عبر الوطن، وإلى العروبة عبر الإقليم، وإلى الافتقار المزري للديمقراطية في أمتنا العربية، وإلى التفاوت الهائل بين الطبقات والدخول، وإلى أبدية القيم والسلوكيات في مجتمعاتنا.
وكان هذا هو موقفي الثابت والأكيد في الستينيات، تخندقت في خندق الأدب، ورفضت إدراج كتاباتي الإبداعية في باب الأدب النسائي، ودأبت على القول أدب أو لا أدب، فن أو لا فن، وما من أدب رجولي وآخر نسوي. ومر الزمن، وكان أن نضجت وتعلمت أن الإقرار بالندية ما بين الرجل والمرأة يتضمن إقرار بالاختلاف، وأن تمييع نقاط الاختلاف ما بين الرجل والمرأة يعصف بالضرورة بالندية فيما بينهما، وأن الاختلاف لا يعني بالضرورة تفضيلاً لجانب على الآخر، ولا تميزًا فنيًا لجانب على الآخر. وحين أتطلع الآن من بعيد إلى رواية «الباب المفتوح» أدرك أنها صادرة عني أنا، امرأة الطبقة الوسطى في مصر العربية في العالم الثالث الذي انشغل في الأربعينيات والخمسينيات بقضايا التحرر الوطني. وأدرك أن وجودي كهذه المرأة المعينة يشكل مستوى من المستويات تفتقر الرواية إلى المعنى بدون وجوده. وحين انتهيت سنة 1986 من كتابة «الشيخوخة وقصص أخرى» أدركت أن رجلاً ما لا يستطيع أن يكتب مثل هذا الكتاب، وأصبحت على استعداد للإقرار بأني أكتب أدبًا يختلف عن ذلك الذي يكتبه الرجل، ويتشابه معه في ذات الحين من حيث يندرج في التراث الأدبي يغنيه ويثريه. ومازلت على هذا الاستعداد رغم رفضي لتوصيف الأدب النسائي كما تعارف عليه العالم العربي، وتوصيف الأدب النسائي كما تعارف عليه العالم الغربي في كتابات النقد النسوي الجديد، فهل نأمل في توصيف جديد للكتابة العربية النسوية يأخذ في الاعتبار الأوضاع التاريخية والاجتماعية التي تنشأ المرأة العربية في ظلها وتكتب في ظلها؟ والتي تسم أعمالها الإبداعية بسمات تختلف في كثير عن تلك السمات التي تحددها على وجه المقال سوزان جوبار، وهي واحدة من أبرز ناقدات النقد النسوي الجديد في الغرب.
في معرض التعريف بسمات الأدب النسوي الغربي، تذهب سوزان جوبار في مقالها «الصفحة البيضاء» إلى أن المرأة الغربية تتبني منظورًا عن الذات تكون بمقتضاه المفعول به، والرجل هو الفاعل، والمصنوع والرجل هو الصانع، وذلك نتيجة لعوامل التربية والمنظور الذكوري للمرأة. والمرأة وفقًا لسوزان جوبار هي الصفحة البيضاء التي يسطرها الرجل. والمرأة نتيجة لذلك ترى نفسها كأثر فني جميل، أو كتحفة فنية، ويكون اهتمامها بالكتابة الإبداعية امتدادًا للاهتمام التقليدي بمستحضرات التجميل والموضة والديكور الداخلي للمنزل. وتكثر المرأة بالتالي في استخدام طرق التعبير الذاتية كالخطابات والسير الذاتية واليوميات، وتخلط المرأة بالتالي بين الحياة والفن، وتعيش حياتها كعمل فني، وتستعرض شخصيتها كتحفة فنية في كتاباتها استعراضًا نرجسيًا بالطبع، وتخلص سوزان جوبار من كل هذا إلى أن الذات الأنثوية تكون في العادة النص المكتوب، وهي الصفحة البيضاء التي يسطرها الرجل، وهي التمثال لا المثال، والمصنوع لا الصانع. والمرأة بهذا المفهوم لا تصنع فنًا، بل تستحيل إلى النص، أي أنها تعكس ذاتها من خلال منظور الرجل وتستعرضها متوهمة بأن هذا هو الفن. وهذه هي سمات الذات النسوية الغربية وسمات كتابتها الإبداعية كما تخلص إليها سوزان جوبار.
وقد سألتني الأستاذة سمية رمضان إلى أي مدى تنطبق هذه المقومات التي تعرفها سوزان جوبار على مجموعتي القصصية «الشيخوخة وقصص أخرى»، وذلك في حوار لم ينشر بعد، أجرته مجلة «ألف» الصادرة في القاهرة عن الجامعة الأمريكية برئاسة تحرير الدكتورة فريال غزول. وألجأني يومها السؤال إلى دفاع طويل وحار عن منظوري للذات كامرأة، وعن نوعية الكتابة التي أكتبها لكي أتنصل من مقومات الكتابة الغربية النسوية كما ترسيها سوزان جوبار، ووضعت ماضي السياسي والنضالي تحت المجهر لأثبت أني فاعلة لا مفعول بها، وأني لم أتمتع قط برفاهة الشعور بأني تحفة فنية ولا بهوان هذا الشعور، ولا خلطت قط بين الفن والحياة، فعشت حياتي كفن وفني كحياة. ونفيت أن يكون اهتمامي بالكتابة الإبداعية امتدادًا للاهتمام بمستحضرات التجميل والموضة والديكور المنزلي التي لا أهتم بها أصلاً، وأبرزت حقيقة أن الكتابة الإبداعية عندي هي قبل كل شيء رسالة وإبلاغ للرسالة، والتزام ووفاء بالالتزام. وباختصار وقعت في الفخ، وانشغلت بالدفاع عن نفسي عن مسائلة صلاحية السؤال أصلاً. ولو توقفت لأتأمل السؤال لأستعديه بداية، فمقومات كتابة المرأة الغربية لا تماثل بالضرورة كتابة المرأة العربية نتيجة لاختلاف المجتمعين، واختلاف مرحلة التطور التاريخي الاجتماعي التي تمر بها المرأة في كل من المجتمعين، والاختلاف بين النوعين من الكتابة النسائية اختلاف جذري بمدى ما هو اختلاف في التاريخ والجغرافيا، والوضع السياسي والاجتماعي القاهر في كل وطن عربي، وفي الأمة العربية مكتملة يفرض نفسه على الكاتبة العربية أرادت أم لم ترد، ويخرجها عن التحلق حول ذاتها في معظم الوقت، وينعكس في كتابتها سواء بوعي أو بلا وعي، والكاتبة العربية محكومة بهذه الأوضاع القاهرة في واقعها أو لا، ومحكومة ثانية بنوعية الجمهور القارئ، لا تملك كاتبة عربية أن تنفصل انفصالاً كاملاً عن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مجتمعها، ولا تملك بحكم نوعية الجمهور القارئ أن تمارس الكتابة الإبداعية كامتداد لاهتمامها بمستحضرات التجميل. وينأى هذا الواقع الموضوعي بالكاتبة العربية عن الكاتبة الأوروبية، وبمقومات كتابتها الإبداعية عن مقومات الكتابة الإبداعية الغربية، ويهيئ لنا أن نبدأ في محاولة للتعريف بمقومات الكتابة النسائية العربية، تلك المقومات التي تدرجنا في التراث الأدبي لأمتنا، وتميزنا في ذات الوقت، من حيث تجعل مساهمتنا في هذا التراث مساهمة فريدة متميزة.