فنون

ماجد وهيب

مرسي جميل عزيز شاعرية اللفظ و المعنى

2021.01.01

مرسي جميل عزيز شاعرية اللفظ  و المعنى

كان طاغور، شاعر الهند الكبير، فخورًا جدًا بأنه كتب أغنيات بلاده التي يتغنى بها الناس، وبالمثل سيكون على شعرائنا الغنائيين الكبار الذين عاشت كلماتهم وتغنينا بها نحن، الذين لا نجيد الغناء، أن يكونوا فخورين بأنفسهم. وفي مقدمة هؤلاء يقف مرسي جميل عزيز محتلًا مركز الصدارة، وإذا كان من شعراء القصيدة من يطمع في أن ينظم بيتًا يجري على ألسنة الناس كحكمة يتداولونها كأبيات كثيرة لشعراء قدامى، فإن مرسي جميل العزيز، وهو الشاعر الغنائي وليس شاعر القصيدة، قد تحقق له هذا بالمقطع الذي كتبه في أغنية فات الميعاد لأم كلثوم عندما قالت: «وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان». إننا هنا لسنا فقط أمام جملة تقولها محبة لحبيبها السابق بعدما افترقا وجاء يطلب الوصل مرة أخرى، وإنما أمام جملة تصلح أن نقولها في كثير من الأحيان، فنقولها لأنفسنا إذا تغيرت طباعنا وصار من الصعب علينا العودة كما كنا، وتقولها لنا أحلام أهملناها، أو نقولها لأصدقاء لم يعودوا أصدقاء، تتعدد الحالات وتبقى الجملة صالحة ومعبرة، وهي من دلائل عبقرية شاعرنا، إذ استطاع أن يكتب، وسط أغنية عاطفية، بيتًا من الحكمة دون إقحام ودون إخلال بوزن أو قافية.

ولد في الزقازيق لأب من تجار الفاكهة، وحفظ القرآن منذ صغره والمعلقات السبع وقرأ لشعراء كثيرين من بينهم بيرم التونسي، وكتب، أول ما كتب، القصيدة وليس الزجل أو الأغنية. هذه المعلومات القليلة التي نعرفها عن مرسي جميل عزيز تترجم لنا ما ميزه عن بقية الشعراء الغنائيين في زمانه، فمن قراءة المعلقات وكثير من الشعراء، والبداية بكتابة القصيدة، استمدت أغانيه رصانتها وصورها الشعرية العميقة فبدت وكأنها قصائد بالعامية في قالب الأغنية، ومن الميلاد والنشأة بعيدًا عن العاصمة، جاء انتقاؤه لألفاظ عكست اعتياده على البراح والطبيعة البكر والهدوء وليس على الزحام والضجيج، ومن قراءته وحبه لشعر بيرم التونسي جاءت القدرة على الجمع بين العمق والبساطة، بين الثقل والرشاقة. 

وكانت انطلاقة شهرته عندما غنى له عبد العزيز محمود أغنية: «يا مزوق يا ورد في عود». إنه هنا ليس شاعرًا يطلب بيتًا من الحكمة يخلّده، لكنه شاعر يجيد الغزل في محبوبته بألفاظ عذبة وناعمة، وسوف تظل هذه العذوبة صفة من صفاته يبينها في كثير من أغانيه كما ستظل الرغبة في أن يكون شاعر غزل يصف المفاتن بصور شعرية بليغة، وتحقيقًا لهذه الرغبة، واستمرارًا منه في اظهار عذوبته، سيكتب لعبد العزيز محمود أيضًا «يا أسمر يا جميل» وسوف يضمنها مقطعًا من أروع الصور الشعرية في تاريخنا الغنائي وهو الذي يقول فيه: «يا اللي كعابك فوق قبقابك ورد في مية»، وسيكتب لفايزة أحمد أيضًا: «يا أما القمر ع الباب نوّر قناديله يا أما أرد الباب ولا أناديله»، وعن هذه الأغنية قال الأديب الكبير عباس العقاد إن بها من الشعر ما لا تتضمنه قصائد مطولة، ويستكمل مع محرم فؤاد، فيكتب: «شفة وردي وسنة لولي»، ويكتب له أيضًا: «الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا في البساتين» وهو هنا يبدأ بوصف شباك المحبوبة، ثم ينتقل إليها هي في الشطر الثاني مباشرة ويصف طلتها من هذا الشباك، ثم يصفها هي فيما بعد متغزلًا فيها: «الشفة وردة في عنقودها أما خدودها تفاح الشام». وهو في هذه الحيلة يذكرنا ربما بالشعراء القدامى الذين كانوا ينتقلون في القصيدة الواحدة واصفين أكثر من شيء وأكثر من موضع، بل ينتقلون بين أكثر من غرض شعري، وهو قد فعل هذا، ليتجلى واضحًا تأثره واستفادته من قراءة المعلقات والشعر القديم، في أغنيات كثيرة بما تتيحه طبيعة الشعر الغنائي، ففي أغنية «بتلوموني ليه» يبدأ برد اللوم عنه في حبه، ثم ينتقل إلى الوصف والغزل، وفي أغنية «ألف ليلة وليلة»، يبدأ بوصف ليلة هي عنده بألف ليلة وليلة، ثم ينتقل إلى مدح الحب نفسه كشعور جميل يشعره الإنسان «الحب نعمة مش خطية، الله محبة، الخير محبة، النور محبة». بالطبع كان غيره كثيرون من الشعراء الغنائيين الذين يفعلون ذلك، لكن يمكن القول إن مرسي جميل عزيز تفرد بالقدرة على الانتقال بسلاسة ومنطقية، دون أن يشعر المستمع، بين هذه الأغراض الشعرية المتعددة، وكان رغم هذا التنقل يحافظ على موضوع عام واحد يستند عليه كعمود فقري للأغنية، وبهذه الأغنيات، المذكورة كنماذج لغزليات شاعرنا، سيكون شعره من أجمل الشعر لأنه من أكذبه، كما يقال دائما في وصف الشعر البليغ، فهل أكذب من أن يكون القمر بنفسه واقفًا على الباب يطلب الرضا؟ أو أن يكون رمش عين المحبوب قادرًا على الجرح والذبح؟ أو أن يكون الكعب في القبقاب كالورد في الماء؟

ولم يكن مرسي جميل عزيز مجرد شاعر يجيد صياغة كلماته في صورة شاعرية متكاملة فقط، بل كان أيضًا فيلسوفًا في الحب، إذا جاز القول، وصاحب رؤية وموقف، فلا يترك اللفظ يأخذه إلى معنى لا يريده ويستسلم له حتى إذا بدت الجملة بليغة ومتماسكة وموزونة، وإنما على العكس كان يصطفي الألفاظ بعناية حتى لا تعطيه معنى لا يريده أو يناقض مثلًا ما يؤمن هو به في طبيعة الحب كعلاقة إنسانية، وهكذا لم تكن الأغنية عنده مجرد كلمات تُرص في وزن وقافية، ولأن الحب كان عنده شيئًا مقدسًا يعرف قدره خير معرفة، ويعرف تأثيره على حياة الإنسان وكيف يغيرها للأفضل، حافظ على هذا الرأي في كل أغانيه، فكتب: «ولقيت بيتي بعد الغربة قلبك دا، وعيونك دي.. الليل بعد ما كان غربة مليته أمان، والعمر اللي كان صحرا صبح بستان»، «وقابلتك أنت لقيتك بتغير كل حياتي» أو «وعشانك صحيت أحلامي ورقصت قدامي» أو «أيامي قبلك ندم وأيامي بعدك عدم» أو «ولقانا بيفتح وردي وياسميني». ونادرًا ما تجد عنده أغنيات تحمل إساءة من محب لحبيبه السابق أو رغبة في انتقام، حتى لما كان يكتب عن علاقة لم تنجح كان رقيقًا في عتابه كما بيّن في أغنية فات الميعاد مثلًا: «بيني وبينك هجر وغدر وجرح في قلبي داريته بيني وبينك ليل وفراق وطريق أنت اللي بديته»، أو في أغنية تخونوه «قلبي اللي مهما يشوف منكم عايش بيكوا ويبعدوه الناس عنكوا وبرضو شاريكوا»، وكان إذا ذكر عذاب الحب يذكره كعذاب جميل» يا للعذاب الحلو» كما كتب لنجاة.»وإن قالوا عن عشاقه بيدوبوا في نار أشواقه ناره دي جنتنا» كما كتب لأم كلثوم. ولأنه لم يكن يترك الألفاظ لتقوده هي إلى المعاني، لم يقع، كونه شاعر قدير، في فخ تكرار المعنى الواحد في الأغنية الواحدة، فما يقوله مقطع لا يقوله مقطع آخر.

في ألف ليلة وليلة يقول: «يا رب تفضل حلاوة سلام أول لقا في ايدينا»، وهو هنا رجل خبير بالحب يعرف أن أول لقاء بين حبيبين يكون ذا تأثير فريد والحب الصادق هو ما يظل بتوهجه مهما مرت السنين ويحافظ على لهفة اليدين للمصافحة في كل مرة، وفي أغنية «من غير ليه» تظهر فلسفته أيضًا فيؤكد على أن الحب شيء غير قائم على الفهم، وكما أننا لا نعرف لماذا أتينا إلى الدنيا أو إلى أين ستأخذنا، كذلك لا نعرف كيف نحب ولماذا نحب هذا دون ذاك، إنه هنا يضع الحب كسؤال وجودي كبير يتساوى مع سؤال: «لماذا خُلقنا؟»، ويجيب بأن السؤالين لا إجابة لهما، وهو هكذا يخرج من إطار الشاعر الذي يتكلم في الحب فقط، ويأخذ الوجود كله كمقدمة لما يريد أن يقوله، وفي أغنية سيرة الحب، وهي المكتوبة أولًا، قال أيضًا عن الحب معنى قريبًا «ما أعرفش إزاي أنا حبيتك ما أعرفش أزاي يا حياتي». 

وسنجده أيضًا كان سباقًا في إدخال ألفاظ جديدة، من تلك التي نستخدمها في أحاديثنا اليومية، إلى القاموس الغنائي، فكتب لنجاة «أما براوة»، وهي الكلمة التي نستخدمها كمعادل لـ«عفارم عليك أو برافو»، ونقصد منها أن نمدح شخصًا على فعل قام به، وأدخل أيضًا على لسان صباح كلمة «يا أنا يا أنا»، وعلى لسان عبد المنعم مدبولي: «بقينا انتيكا دقي يا مزيكا والدنيا فبريكا بتفرم الإنسان» وهو لم يكن راغبًا في إدخال ألفاظ جديدة إلى قاموسه الغنائي رغبة فقط في التجديد دون أي اعتبارات أخرى، بل كان ينتقي، من بين كل الألفاظ التي نتداولها كمصريين في حياتنا اليومية، اللفظ الذي يجد فيه ما يوافق ثقافته وشاعريته، ويبتعد متعففًا عن أي ألفاظ تبدو فيها شبهة إسفاف، والحق أن هذا كان منهجًا، أوجبته فطرتهم الشعرية ربما، عند أغلب الشعراء الغنائيين في ذلك الوقت. 

وكان أيضًا كثيرًا ما يصنع مفارقة درامية في خاتمة الأغنية، مثال ذلك أغنية «أما براوة»، فبعد كل ما قيل نكتشف أن الفتاة التي تتغنى بهذا الكلام لا تملك محبوبًا أصلًا وتختم كلامها قائلة: «بحلم وأغني لحبيبي وفين حبيبي ما ليش حبايب يا عيني وأنا ونصيبي»، وكذلك كانت المفارقة أيضًا في أغنية «ابعد يا حب»، التي غنتها عفاف راضي وكتب هو الكلمات على لحن معد مسبقًا لمنير مراد وهو أمر ليس بالهين، وكانت المفارقة في أنه بعد كل الرفض الذي تعلنه الفتاة للوقوع في الحب» يعني النهاردا بقول لك لأ وبكرا مش راح أقول لك آه»، تختم كلامها قائلة: «يعني النهاردة بقول لك لأ وبكرا يمكن أقول لك آه» وهذه الأغنية تبدي دلائل أخرى لشاعرية مرسي جميل عزيز إذا يقول مخاطبًا الحب «وأرمي عليك رمشي يجيبك صاحي ويسهرك زي النجوم صباحي لا تطول سما ولا أرض في محبتنا ولا يتفتحلك حتى شباك بيتنا»، هذه الكلمات لا تقولها فتاة لمغرم تصده عنها وإنما تقولها للحب نفسه، وهو ما يجعلها صورة شعرية بليغة. 

ولا تتوقف عبقرية شاعرنا على كونه كتب صورًا شعرية في غرض الغزل فكانت من خير ما قيل منتقيًا لها أرق الألفاظ وأكثرها تعبيرًا حتى لُقب بجواهرجي الكلمة، وإنما أيضًا سنجده عبقريًّا في قدرته على تضمين مشاهد سينمائية قصيرة وبسيطة في عدد من الأغنيات، مع الحفاظ على شاعريتها أيضًا، والنماذج على ذلك عديدة، منها على سبيل المثال «في موجة عبير م الشعر الحرير ع الخدود يهفهف ويرجع يطير»، أو ما كتبه في أغنية «من حبي فيك يا جاري» لحورية حسن: «لما تصادف ع السلم وتصبح ولا تسلم». وقوله أيضًا على لسان عبد المنعم مدبولي: «دلوقت بقت حتة مرسيدس تسبقني وتعفر على دقني». وتفسر لنا قدرته على تضمين أغنياته للمشاهد البصرية كتابته للقصة والسيناريو لبعض الأفلام. وعلى ذكر الأفلام نرى وجهًا آخر من وجوهه، وهو كتابته للعديد من الأغاني التي تُكتب خصيصًا للسينما لتحكي موقفًا دراميًا ما، فكتب في فيلم «مولد يا دنيا»: «ولما أقول شي الزفة تمشي ولما أقول هس كله سمع هس»، وكتب لفيلم الزوجة رقم 13: «في ايديك قوة تهد جبال في اديك قوة وعليك صبر وطولة بال وعينيك حلوة»، وفي الفيلم نفسه أيضًا كتب «على عش الحب»، وهو خير تعبير ستقوله فتاة وهي ذاهبة مع حبيبها إلى المكان الذي فيه سيعيشان. وبالتمعن في أغنياته سنجده كثيرًا ما يقدم قصة مستترة لها بداية ووسط ونهاية، قصة ليست كالقصص السينمائية أو الروائية، بل فيها من أسس القص ما تتيحه الأغنية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ذلك في أغنية «من حبي فيك يا جاري»، فهي قصة عن جارة تحب جارها منذ زمن وتخفي ذلك عنه خوفًا من الجيران، هنا قدم الشاعر الحدث والشخصية، ووضح لنا ضمنيًا مخاوفها كفتاة شرقية، وتستكمل الأغنية لتصور مشاهد اللقاء بالمصادفة بين الحبيبة ومن تحبه، وببراعة يصف مشاعرها عندما تنعم بهذا اللقاء وما يبدو عليها. وفي أغنية «عوج الطاقية» نجد أيضًا قصة قصيرة مكتوبة بعين سيناريست عن عاشق يعترف بحبه لحبيبته وهي تتدلل عليه، ثم يمشي «على أقل من مهله» كحيلة منه، ولما تعود المحبوبة إلى البيت تسأل أمها هل عوج أبوها الطاقية لها لإبداء الإعجاب، وهنا نجد أنفسنا أمام حكاية داخل حكاية، وهكذا تستمر الأغنية في الحكي بقدرة بارعة على التصوير. 

وعلى ذكر «الطاقية» سنجد أن المجتمع الريفي كان حاضرًا في بعض أغنياته، فتخبرنا الكلمات ضمنيًا بأنها تحكي عن قصة حب بين اثنين يعيشان في الريف، مثال ذلك أغنية «يا أبو الطاقية الشبيكة» لحورية حسن، وأغنية «عوج الطاقية» السابق ذكرها لعفاف راضي، فالطاقية هنا، ملبس من تغني له الحبيبة، تخبرنا بالمجتمع الذي ينتمي إليه المحبوب، وكذلك أغنية مارضيش أبويا التي غنتها أحلام، ويقول فيها: «كتبولي كمان خمسين فدان مارضيش أبويا»، وهنا يحضر الريف متجسدًا في لفظة فدان، ويتجلى تأثير النشأة بوضوح شديد، وكانت الحارة حاضرة أيضًا بعاداتها، ومثالًا على ذلك الأغنية التي كانت أيضًا من نصيب أحلام «زغرودة حلوة رنت في بيتنا لمت حارتنا وبنات حارتنا»، وهي علاوة على كونها دليلًا على حضور الحارة تصور أيضًا مشهدًا سينمائيًا، وتبين أيضًا قدرته على كتابة الأغنية الشعبية وليس فقط الأغنية العاطفية، وقد ظهر تأثره بالمورث الشعبي جليًا في تأليفه للأوبريت الغنائي، وهذ وجه آخر من وجوهه، وهو أوبريت «عواد باع أرضه»، والأرض، باعتبارها بيت، يذكرنا بحضور البيوت أيضًا في أغنياته، فكتب: «بيت العز يا بيتنا على بابك عنبتنا» وكتب أيضًا: «يا بيت أبويا معزتك في عينيا ما شوفت منك غير ليالي هنية». وكما كتب الأغاني الشعبية كتب أيضًا الأغاني الوطنية مثل أغنية «بلدي يا بلدي» لعبد الحليم حافظ، وحتى في هذه الأغنية الوطنية لم يتخل عن ذكر الحب فقال: «عايزين اللي يصون مبادئنا وينور بالحب طريقنا». وكتب في الوطنية بالفصحى «بلدي أحببتك يا بلدي»، وهذا وجه آخر من وجوهه، غناها محمد فوزي، ولم يتخل فيها هي أيضًا عن ذكر الحب فقال: «أهواك ضفافًا لم تزل مرعى للحب وللغزل، أهواك ربيعًا كالأزل للعيش الحلو وللرغد».

ومرسي جميل عزيز، على ما يبدو من أغنيات كثيرة كتبها، كان مؤمنًا بالحب من النظرة الأولى، فكتب لأم كلثوم: «من همسة حب لقتني بحب»، وكتب لعبد الحليم: «بصيتله قوام حبيته»، وكتب لمحرم فؤاد «فات عليا الحلو الأسمر رمشه قال لي حب واسهر». 

كان مرسي جميل عزيز متفائلًا في أغنياته عن الحب، ولم يكتب عنه ليبينه قاسيًا محطمًا لقلوب المحبين وإنما يمدحه» العيب فيكم يا ف حبايبكم أما الحب يا روحي عليه، في الدنيا مفيش أبدًا أحلى من الحب»، ويدعو الناس له «افتح الببان لقلبك ولشبابك ولحبيبك ابعد الخوف عن رموشك اوعي شيء في الكون يحوشك»، وينتقي في الحديث عنه أرق الألفاظ، كذلك أيضًا كتب أغنيات تدعو للتفاؤل عمومًا وحب الحياة بمعناه الأوسع «اضحك وافرح من قلبك وانسى الدنيا وما فيها خلي الأيام تفرح بك وأنت كمان افرح بيها»، وكتب أيضًا: «عيش أيامك عيش لياليك خلي شبابك يفرح بيك عيش بالروح والعين والقلب ضحك ولعب وجد وحب» وهكذا يظهر التفاؤل كطابع لديه، والحب كأسلوب حياة يعيش به ولا يتنازل عنه قط. وتفاؤله يظهر جليًا في الألفاظ التي كان يختارها دون غيرها، فقليلة هي المفردات التي من عينة: بكا، عذاب، ألم، نار.. إلخ، في أغنياته، وكثيرة هي المفردات التي تبعث على البهجة مثل: القمر، الجنة، النجوم، الورد، الربيع، البراح.. إلخ، واختيار مثل هذه الألفاظ، علاوة على أنه دليل على التأثر بالبيئة التي فيها ولد، فهو أيضًا انعكاس لنفسية الشاعر ولرؤيته للحياة، فلو كان يراها قاتمة ويرى الحب عذابًا للقلوب لكثرت الألفاظ التي تعبر عن ذلك وامتلأت أغنياته بالمعاني التي تعكس وجهة نظره واكتئابه. 

وأخيرًا أقول إن هذه السطور، وهي سطور انطباعية في المقام الأول، ليست وافية إطلاقًا لشاعر بحجم مرسي جميل عزيز، لكني كتبتها حبًا في هذا الرجل الذي أراه مهدور الحق في اهتمام النقاد وكاتبي الدراسات الشعرية بشعره الغزيز والأصيل. إن أغنياته ستظل حاضرة وصالحة عند كل تجربة نمر بها، ولن نجد أكثر منه معبرًا عن مشارعنا إذا أحببنا أو افترقنا أو تعذر علينا البوح بالحب أو إذا تعرضنا للخيانة أو إذا جمعنا عش الحب بما نحب، تتعدد التجارب والمناسبات وتبقى كلمات مرسي جميل عزيز قادرة على التعبير عنها جميعًا.