هموم

المرايا -1

هالة خليل: طريقة الإنتاج الحالية ودورة رأس المال أضرت بصناعة الدراما

0202.07.01

هالة خليل: طريقة الإنتاج الحالية ودورة رأس المال أضرت بصناعة الدراما

هالة خليل إحدى أبرز المخرجات المصريات التي استطاعت فرض اسمها فنيًّا بقوة، عبر أعمال قد تكون قليلة لكنها أثرت في المشهد الفني المصري بقوة، واقتنصت لتلك الأعمال رقمًا على الخريطة، واستطاعت الحصول على جوائز مهمة منذ عملها الأول، وبمرور الوقت تحولت جُملها السينمائية والدرامية إلى أيقونات تعيش سنوات وسنوات..

خاضت هالة خليل تجربة العمل في الدراما بعد تجارب سينمائية شديدة الأهمية، وفي هذا الحوار نركز معها على رؤيتها لحال الدراما، صناعة وإنتاجًا.. كمًّا وكيفًا، وكيف ترى الإنتاج المقدم على الشاشات، والمشكلات خلفها.

- لماذا اختفت هالة خليل من السباق الدرامي بعد تجربة "بالحجم العائلي"؟

لم يكن مقصودًا، كان لديَّ مشروع فني أعمل عليه منذ فترة، وحين عُرض عليَّ مسلسل "بالحجم العائلي" أجلت مشروعي، لأنني لم أستطيع رفض عمل مع الأستاذ يحي الفخراني، فهو يمثل نقطة ضعف لي، وبعدها عدت مرة أخرى إلى تجهيز العمل المؤجل.

- كيف ترين هموم الدراما المصرية الحالية التي قد تصنع ملامح جديدة للمشهد؟

أهمها في رأيي فكرة أن يكون العمل 30 حلقة، بجانب أن طريقة العمل نفسها لتحضير الدراما بها الكثير من المشكلات التي تحولت إلى أمر معتاد، قد يكون بالفعل حجم الإنتاج كبيرًا، وهناك أعمال درامية كثيرة وحالة من السباق، وهو ما يعني منافسة أكبر وبيزنس واستثمارًا أكبر في المجال، وتنشيطًا للصناعة نفسها.. وكلها أمور إيجابية لا أرفضها ولست ضدها، فالأعمال الكثيرة أقرب إلى بوفيه كبير في توقيت واحد وهو شهر رمضان، ولكن من غير المنطقي أن تتناول البوفيه كله مرة واحدة.

-   ما سبب تلك الحالة في رأيك؟

لا أعرف السبب في تلك المعادلة، ولو أنها في الأغلب مرتبطة بالإنتاج نفسه، ودورة رأس المال ولكنه أمر مؤذٍ للصناعة، فطول العام لا نفعل شيئًا وينتج عن هذا التسرع والجدول الغريب دخول مصطلحات جديدة في المشهد، منها على سبيل المثال أن يدخل على المخرج مخرج أول وثان وثالث للمساعدة في تصوير المشاهد لإنجاز العمل، وهو أمر كان في السابق يعد جريمة "ما معنى أن يدخل مخرج يشيل مع مخرج تاني!". هذا بخلاف مشكلات الكتابة نفسها، يبدأ تصوير العمل والورق غير جاهز.

هناك مسلسلات هذا العام مكتوبة جيدًا، وواضح أن الكتابة أخذت حقها، ولكنها ليست سمة غالبة للأسف، في الخارج الخواجة لا يصور عمل جيد قبل "درافت 10"؛ أي بعد تعديلات كثيرة ونسخ متعددة من الكتابة، وهو ما يمنح العمل جودة مطلوبة، نحن نذهب لمرحلة التصوير من نسخة الكتابة الأولى غير المكتملة في الأساس، الكتابة غاية في الأهمية لأنها يجب أن تكون ناضجة ومعدلة ومرضيًا عنها وبها تعديلات كثيرة، وإذا لم يحدث فقد تهاونت في أهم عنصر في الدراما.. لدرجة أن هناك بعض الأعمال التي تتغير فيها النهايات في أثناء العرض، لذلك فعنصر الكتابة بالنسبة لي هو العنصر الأهم على الإطلاق، وهو أكثر عنصر مظلوم، وهو العنصر الذي إذا أخذ وقته "يشيلك" في أثناء التنفيذ لأن الأساس قوي، أما الأعمال المكتوبة باستعجال، والمخرج يصور حتى إذا كان يفهم في الورق لا يكون لديه طاقة يعطيها للتعديل ولا يخرج العمل في أحسن حال، لكن للأسف الواقع الحالي فرض تلك الملامح.

-  هل حدث معك هذا في أي وقت؟

كان لديَّ مشكلة أخرى وهي محاولتي الابتعاد عن فكرة المخرج الثاني، وقد حاولت قدر استطاعتي عدم الاستعانة به، و"قتلت نفسي في العمل"، ولم أضطر إلى هذا إلا في المشاهد التي صورت في ألمانيا خلال مسلسل "بالحجم العائلي"، وفيما عدا ذلك لم يحدث.

- هل كسرت الدراما الحالية مبادئ العمل في المهنة؟

بالطبع، هناك ملامح جديدة مختلفة وترسخت للأسف، مثلاً خلال التنفيذ نفسه يمنتج المسلسل والمخرج مشغول في التصوير، وهو أمر خارج المبادئ التي تربينا عليها في عملنا، وكسرت في الدراما الحالية، أيضًا الممثل المشارك في أكثر من عمل في نفس الموسم مما يؤثر على جودة العمل نفسه وتركيزه فيه، وإلمامه بالشخصية.

- هل تمنحك فكرة الكتابة والإخراج معًا إشباعًا لرؤيتك الخاصة؟

الفارق يكون في علاقتي بالحكاية نفسها، أصبحت مخرجة لأن لديَّ ما أريد أن أقوله، أريد أن أتحدث إلى الناس وأعبر عن رأيي، حين دخلت معهد السينما قدمت فيلم "طيري يا طيارة"؛ وهو روائي قصير كان عن تجربة البلوغ لدى الفتاة المصرية ونظرة الأنثى إلى نفسها ونظرة المجتمع إليها.. بعدها عملت "أحلى الأوقات" وكان أيضًا عن تجربة شخصية حين تنقلت من حي إلى آخر، وبعدها قدمت "قص ولزق" وكان مولود من تجربة لي حين جهزت أوراقي للهجرة وعمري 21 عامًا، وعبرت عن أزمة الشباب المستمرة حتى الآن، فهو غير قادر على الحب لأنه لا يمكنه دفع ثمن الحب، وأيضًا كان فيلم "نوارة" عن تجربة مشاركتي في ثورة يناير.. وحتى العمل الذي أعمل عليه الآن "شرط المحبة" أعده من منطق معايشة ما، وهكذا فكل أعمالي من باعث شخصي وليست عن قصة حياتي، وهناك فرق.. وبعد أحلى الأوقات شعرت بالحاجة إلى تعلم كتابة السيناريو جيدًا، فاشتريت كتبًا من الخارج وحضرت ورش للسيناريو ولا زلت أتعلم، فالتعليم لا يتوقف عند حد بعينه، وأهتم بالكتابة أكثر من الإخراج نفسه، لأنني أري أن المشكلة في الورق أكثر من التكنيك.. ففكرة "إزاي أحكي الحكاية" هي الأهم في رأيي. 

- أطلقتِ سؤال عبر صفحتك الشخصية على فيسبوك منذ عامين حول عدم وجود منتجين لأعمالك رغم نجاح أفلامك والجوائز التي تحصل عليها السيناريوهات التي تكتبينها.. هل كل المخرجين يعانون مثلك من تلك المشكلة؟

هناك نوع من المخرجين يريد عمل سينما تخصه، ولديه أسلوب يريد العمل به وفرضه، وشيء ما يريد قوله، وهذا النوع من المخرجين لديه مشكلة في العالم كله، وإنتاجه قليل، بخاصة في الدول التي بها صناعة سينما كبيرة على عكس توقعات الكثيرين، ومصر بها صناعة كبيرة، ولكن المنتجين ينظرون أكثر إلى المكسب التجاري، لا يريدون عمل فيلم يخص المخرج نفسه بل صناعة فيلم يخص المنتج، فيأتي الممثل الفلاني ويصبح المشروع إنتاجيًّا أكثر منه إخراجيًّا، من قبل كان من الممكن حدوث توافق بين المخرج والكاتب على قيمة بعينها ويخرج العمل ممتازًا، ويحدث "دويتو" بديعًا بينهما، مثلما حدث مع المنتج حسين القلا وأفلام الأستاذ محمد خان، الآن الموضوع اختلف، والدويتو السابق لم يعد موجود، ولدينا 3 شركات مسيطرة على المشهد والمنتج الصغير ليس لديه قدرة على التغيير في المعادلة بسبب ضخامة الشركات الكبرى المسيطرة.

- البعض رد على سؤالك بإجابات شبيهة بـأنك "خارج السياق، وهناك شلة " كيف رأيتِ تلك الإجابات؟ 

أيا كانت الإجابات أو الواقع أنا لا أيأس، ولا أستسلم، قد أكون خلال 20 سنة قدمت 3 أفلام فقط، وقدمتهم بصعوبة، وكنت أعثر على منتج بصعوبة أكبر، وهناك سيناريوهات لم أجد لها منتجًا، لكني شخص لا يمل المحاولات.

 - هل يحتاج هذا التصالح منك إلى مجهود؟

يحتاج إلى أشياء أقوم بها طوال الوقت وهو ما يحدث بالفعل، فيومي مزدحم ما بين قراءة وكتابة ومشاهدة، ولا أترك فرصة للتفكير أو تقييم بناءً على المعايير الحالية، كما أن رحلة الفيلم أو العمل تأخذ مراحل كثيرة، كل مرة أقوم بمونتاج فيلم تولد فكرة فيلم آخر، أسير خلفها بشغف.. ورحلة الكتابة في أي سيناريو لديَّ لا تقل عن عام حتى تنضج الفكرة، وبعدها أبدأ رحلة البحث عن منتج، ووقتها "أنا وحظي"، فقد يستغرق إيجاد منتج عامًا أو عامين، وأطرق كل الأبواب ولا أترك جهدًا لإخراج السيناريو إلى النور، لأنه شغلة المخرج أن يجد إنتاجًا، كما حدث في نوارة؛ إذ ظللت طوال عامين أبحث عن منتج، ثم قررت إنتاجه بنفسي، وأنشأت شركة إنتاج، وكلمت منة شلبي وكل الناس، وقد اختاروا أن يتبرعوا بجزء من أجرهم من أجل الفيلم، ثم ظهر منتج أخيرًا في اللحظة الأخيرة، هي رحلة طويلة لا تجعلني أنتظر شيئًا فخلق عالم بشخصياته يخصك، ويمثل أي هم من همومك أمر يستحق التعب، لا أشعر أنني في حالة انتظار، وأعطي لورقي مهلة سنتين، لأن بعض الناس تقع في شرك أن تظل رهينة تنفيذ فيلم واحد، لكني لا أفعل هذا؛ أتركه بعد عامين إن لم أجد منتجًا وأكتب فيلم آخر وأقول: له وقته قد يأتي!

- متى أنهيت داخلك الصراع ما بين كيف وكم ومعادلة تخصك بمفردك؟

أنهيت تلك القصة بعد "أحلى الأوقات"؛ حين عرضت عليَّ أفلام كثيرة جدًا، وكانت أنواعها إما أفلام 3 بنات، أو أفلام مقتبسة من أفلام أمريكاني، أو أفلام ضعيفة جدًا، وجلست بيني وبين نفسي وطرحت سؤال "أنت بتخرجي ليه؟" هل لأصبح مشهورة، أم لأجمع فلوس كتير، أو حتى يتكالب عليَّ المنتجون أو لأصنع أفلامًا تخصني؟ وكانت الإجابة الأخيرة هي الحقيقة، وهو ما يعني أنني قد لا أجد منتجين بسهولة، وأنني أمام هذا أصنع أعمالاً أظل أحبها طوال عمري وفخورة بها، وأكون المنظور الخاص بي، وهو ما حقق لي أمرًا جيدًا منها أن تناقش أعمالي مع جنسيات مختلفة في أثناء ندوات وحضور مهرجانات كبرى، وهو تعويض كبير جدًا، أكتفي به فلا يوجد من يحصل على كل شيء في الحياة، هو اختياري وأكمله، ولا أجري مع التيار السائد. 

- ما رأيك في فكرة الاحتكار في الدراما المصرية؟

لا يوجد احتكار جيد يعطي ثقل لجهة عن الأخرى، وفكرة الدويتو بين المخرج والمنتج لعمل مشروع لم تعد موجودة.

- كيف ترين المنصات الجديدة التي ظهرت مثل نتفليكس وغيرها؟

متفائلة بتلك المنصات لأنها ستغير المشهد والخريطة تمامًا، فبداخلها منصات عالمية تنافس المنصات المحلية وتفتح منفذًا للعاملين إذا لم يجدوا لهم مكانًا في الداخل، وأتمنى أن يؤثر وجودها على الكواليتي نفسه، والمنافسة تجعلك تبحث عن معايير عالمية، لأن التليفزيون لم يعد له مستقبل، الجميع ينسحب إلى المنصات، ليشاهد ما يريد في أي وقت وبالتالي سيتحول الجميع إلى دراما المنصات. 

- ما البوصلة التي تقودك؟

أفعل ما أومن به فقط، وأكون حريصة طوال الوقت أن أقدم عملاً جيدًا يحترم الجمهور وقريبًا منهم، يلمسهم لأني منهم وأشبههم.

- هناك تعبير للمخرج الكبير داوود عبد السيد يقول فيه إن السينما التجارية حولت المخرج إلى "سائق تاكسي".. أين يقف المخرج في تقديرك؟

الأستاذ داوود أستاذنا كلنا، وطبعًا رأيه يحترم، لكن السينما التجارية في العالم كله منتج استهلاكي، ولا بد من التفكير ماذا يريد الناس، حتى في الدول التي بها صناعة سينما جيدة، لكن تلك الدول تضع قوانين تحافظ على نوع آخر من السينما بجانب هذا، مثل فرنسا وغيرها.. حتى إن بعض الدول العربية تفعل ذلك، ويظهر في المنح التي تقدم لمشروعات السيناريوهات ذات القيمة الفنية كي يصبح لها مكان، وتدعمها أيضًا بجانب الأفلام الأخرى المحسوبة على السينما التجارية. 

- كان لك تجربة لم تر النور لتحويل رواية إلى سيناريو وكانت "تغريدة البجعة"، لماذا عدلت عن التجربة وأعلنت أنه سيناريو غير جيد؟

لا يجب حين أحول نصًا أدبيًّا للسينما أن ألتزم بالنص المكتوب، وقتها من كثرة غرامي بالنص التزمت به، وهذا خطأ.. لأن أدوات الحكي السينمائي تختلف تمامًا عن الحكي الأدبي، ولدينا تجربة عظيمة وبها مثال كبير جدًا للتحرر من النص، هي فيلم "الكيت كات" عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان؛ فلم يكن الشيخ حسني بطلاً أساسيًّا في الرواية، ولكن الأستاذ داوود عبد السيد أخذ الشخصية وبنى عليها عالمًا سينمائيًّا عظيمًا، وهذا ضروري، لأن الأدوات مختلفة، وعناصر الجذب مختلفة عن عناصر الجذب في الأدب. 

- في تقديرك ما ملامح العمل الدرامي الذي يتفاعل معه الجمهور بشكل جيد؟

سؤال صعب لا يمكنني الإجابة عليه.. لأن الجمهور يفاجئ الجميع كل فترة بذائقته، سواء جمهور التليفزيون أو السينما، لهذا اعتدت أن أسأل الناس في الشارع أو المحلات عما يشاهدونه الآن ويعجبهم، وأحاول بقدر الإمكان أن أراهم جيدًا وأقترب منهم لتقديم ما يناسب ذوقهم ويهمهم. 

- ما حكاية مشروعك الحالي "شرط المحبة"؟

هو عمل سينمائي في طور الإعداد، وهناك فيلم آخر مع العدل جروب اسمه "ليلة الحنة" ولكن أموره الإنتاجية لم تضبط بعد، وبالتالي شرط المحبة سابق له، ولم أستقر بعد بشكل نهائي على أبطاله، وقد نبدأ العمل فيه بعد العيد.

- هل تفضلين السينما أم الفيديو؟

أحب حدوتة الساعتين عن حدوتة الـ15 ساعة.. إذ لا تجد حدوتة لا يمكن حكيها في ساعتين، وهناك حواديت لا يجوز حكايتها في 15 ساعة، لذا أفضل الحكي المكثف.. يستهويني أكثر.

- هل تفضلين العلاقة بينك وبين الممثل تعتمد على عفوية الممثل أم ذكائه؟

بالنسبة لتجاربي الشخصية في التعامل مع ممثلين كبار منهم ليلى علوي ومنة شلبي ومحمود حميدة ويحي الفخراني وحنان ترك وهند صبري وغيرهم، تجربتي واحدة؛ إذ يحدث التالي، الممثل كما لو كان يمتحن المخرج ليرى ما إذا كان يترك له القيادة أم لا؟ وهو أمر منطقي لأن أي شخص يترك القيادة لشخص لا بد أن يكون قد اقتنع به، وبالتالي تتحدد شكل العلاقة طوال العمل، وأري أنه يجب عليَّ كمخرجة أن أطمئن الممثل بأنني أقود العمل بنسبة ما، من خلال شرحي للورق ولأسلوبي، وبأن لديَّ إجابات على كل شيء، وبعد لقائين أو ثلاثة يسلم لي نفسه، ومن المهم أيضًا سماع الممثل ووجهات نظره ومناقشته، فهذا يعني أنه منتمٍ للمشروع ومؤمن به لا يفعل ما يقال له فقط.

- وكيف تحددين حجم الانفعال المطلوب منه؟

بالطبع لا بد أن أخبره في وقت ما إذا كان الانفعال لا يناسب بالمشهد، فالممثل يشعر أن المخرج هو المرآة الخاصة به، وحين يسمع كلمة "ستوب" تذهب عيناه إلى المخرج فورًا.. والممثل لا يشعر بالأمان في حالة عدم توجيهه في مشهد انفعال أو أمر غير مريح.