سجالات
نفيسة دسوقيهل ربح الداعون للتطبيع المعركة؟
2021.03.01
هل ربح الداعون للتطبيع المعركة؟
منذ أن أبرم السادات اتفاقية «كامب دايفيد» ودعوات المثقفين والفنانين المصريين لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني لم تنقطع، قد تخبوا أحيانًا لكنها لم تمت، ومع كل محاولة جديدة لفرض مظاهر التطبيع الفني والثقافي كواقع معاش، ينهض نخبة من ألمع المثقفين والفنانين المصريين للتأكيد على رفضهم للتطبيع جملة وتفصيلاً. وكان المطبعون يحاولون طول الوقت، لكن الكلمة الأقوى كانت لرافضي التطبيع. والأمر تغير في الفترة الأخيرة، مهرجان سينمائي مثل «الجونة» أعلن تكريم ممثل فرنسي هو جيرارد ديبارديو المعروف بانحيازه للصهيونية وإسرائيل، وأصرت إدارة المهرجان على المضي قدمًا في اختيارها، رغم الدعوات المتصاعدة بالرفض وبمقاطعة المشاركة في المهرجان، بعد ذلك بأسابيع قليلة التقط الفنان الشعبي محمد رمضان صورًا مع مطرب إسرائيلي في حفل خاص بدبي نظم خصيصًا من أجل هذا اللقاء. ليس فقط خرقًا كبيرًا لقرارات النقابات الفنية وغيرها، بل صدمة كذلك لمناهضي التطبيع لفجاجته. ولم يكن محمد رمضان الوحيد، فاجأ محمد منير، الجمهور ليعلن سفره إلى إسرائيل لـ«يغني للسلام على خطى السادات»، كما قال. ما الذي تغير؟ وكيف أصبح التيار الرافض للتطبيع غير قادر على وقف هذا؟ هل بات التيار الرافض للتطبيع أقلية؟
هذه الأسئلة ناقشناها مع المخرجين علي بدرخان وأيمن مكرم، والاثنان ينتميان إلى جيلين مختلفين، وينتميان إلى تجربتين مختلفتين فنيا، لكن يجمعهما رفض التطبيع الفني والثقافي مع إسرائيل، ولنبدأ من البداية..
يشهد تاريخ مناهضة التطبيع بمصر للنقابات الفنية بأنها كانت سباقة في مجال رفض التطبيع، وما زالت لوائح النقابات الفنية تتضمن ذلك القرار الخاص برفض التطبيع مع العدو الصهيوني، كما يشهد تاريخ مقاومة التطبيع لعدد من الفنانين المصريين بأنهم كانوا من أبرز المبادرين في المشاركة في أعمال «لجنة مقاومة التطبيع والدفاع عن الثقافة القومية» التي تأسست عام 1979 كمنبر أول للتأكيد على رفض جموع الشعب المصري، ومع تفجر الانتفاضة الفلسطينية بادر عدد من الفنانين في المشاركة بتأسيس «لجنة دعم الانتفاضة الفلسطينية» وما زلت حتى يومنا هذا أذكر تلك المناقشات المستفيضة التي كانت تشارك فيها بهية مصر الفنانة الراحلة محسنة توفيق حول القضية الفلسطينية وسبل تفعيل آليات مقاومة التطبيع، ومن هذا الذي كان يمكنه أن يضاهي بهية مصر في تلك المناقشات التي كانت دائما وأبدًا تأتي مفعمة بالحب والشغف.
استهل علي بدرخان حديثه حول دور الفن والثقافة في مقاومة التطبيع بالإشارة إلى أن للفن دور محدد، يتمثل في توضيح القضية الفلسطينية وطرح طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وكيف تمكن الإسرائيليين من اغتصاب الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وما طبيعة الممارسات شديدة العنصرية والإجرامية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني «الفن دوره في تجسيد المأساة الإنسانية التي يعاني منها الشعب العربي الفلسطيني».
يذكرنا أيمن مكرم، خلال حديثه عن دور الفن والثقافة في مقاومة التطبيع، بتحفة المخرج المبدع توفيق صالح «المخدوعون» وكيف تمكن من تجسيد فداحة المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وكيف تزداد تلك المعاناة كلما كان الشخص المعني أكثر فقرًا واحتياجًا وفيلم «ناجي العلي» الذي تعرض بسببه الفنان نور الشريف ومختلف أفراد طاقم العمل بالفيلم للكثير من النقد والتشهير من قبل بعض الصحفيين والفنانين على حدا سواء.
اتفق بدرخان ومكرم على أن مقاومة التطبيع تحتاج إلى مجتمع مدني قوي يضم نقابات وأحزاب سياسية فاعلة واتحادات عمالية وجامعات ووعي شعبي وحراك شعبي يستند إلى تلك الكيانات.. استعاد بدرخان خلال حديثه تلك الفترة من تاريخ مصر حين تم عقد اتفاقية «كامب ديفيد» والحراك الشعبي المصري الذي اتسم بالوعي الشديد الرافض لإبرام تلك الاتفاقية وتشكيل لجنة «الدفاع عن الثقافة القومية» وكيف شارك جموع المثقفين والفنانين المصريين بأعمال تلك اللجنة: «الفنانون في نقابتهم.. والمحامون في نقابتهم.. والصحفيون في نقابتهم.. اجتماع في مسرح البالون واجتماع في نقابة المحامين واجتماع في نقابة الصحفيين.. الحراك شعبي والوعي الشعبي كان أعلى».
هنا يتوقف أيمن مكرم ليؤكد على أن جيل علي بدرخان كان أكثر قربًا من القضية الفلسطينية؛ فهو الجيل الذي عاصر نكسة 1967 وهو الجيل الذي شاهد حرب أكتوبر 1973 وعاش مبادرة كامب ديفيد، فلم يكن غريبًا عليهم أن يكون أكثر قدرة على رفض ومقاومة التطبيع، فالأحداث كانت حاضرة ودماء شهداء الحرب كانت حاضرة وكذلك جيلي فقد نما وعينا مع الانتفاضة الفلسطينية وحادث اغتيال الطفل الفلسطيني محمد الدرة، وما تلاها من أحداث أيقظت الشارع العربي من العدوان الأمريكي على العراق وتظاهرات 20 و21 مارس 2003 وما تلاها من حركات احتجاجية وصولاً لثورة 25 يناير 2011.
الفيلم الذي لم يشاهده أحد
«الفنانون والمثقفون.. صوت الناس.. احنا صوت الشعب».. هكذا عبر بدرخان عن دور الفنانين والمثقفين في مقاومة التطبيع منتقلاً من الحديث عن «لجنة الدفاع الثقافة القومية» إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكيف توجه حينها بصحبة مجموعة من الفنانين المصريين لنقابتهم للحصول على تصريح للسفر باسم نقابة الفنانين المصريين للوقوف بجوار الشعب اللبناني والفلسطيني خلال فترة الاجتياح. ولم يكتف علي بدرخان بمشاركة العالم في الوقوف حزنًا على تلك المشاهد المؤلمة الخاصة بمجزرة «صبرا وشاتيلا» التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون بمخيم صبرا وشاتيلا بلبنان في سبتمبر من عام 1982 بل سعى لتوثيق تلك المذبحة عبر فيلم وثائقي من إنتاج جامعة الدول العربية.
المؤسف حقًا بشأن هذا الفيلم الذي حمل عنوان: «هل هناك أحد؟» أنه بعد أن نُفِّذ لم ير النور.. يروي لنا بدرخان عن ذاك الفيلم وذاك المشهد الذي حرص فيه على أن ينتقل ما بين جموع الفلسطينيين وهم يعبرون ذاك الجسر شبه المحطم ومعهم الكثير من العجزة والأطفال، ومن يحملون على أكتافهم أطفالهم وعجائزهم، وعلى الجانب الآخر كان هناك ذاك الإسرائيلي الذي كان يرقص وهو يحمل الرشاش بجوار حائط المبكى.
أفاض بدرخان في الحكي عن طبيعة المشكلات التي واجهته خلال تنفيذ ذلك الفيلم لبناني الجنسية وكيف اعترض مسؤول لبناني على بعض مشاهد الفيلم التي كانت مشاهد وثائقية نقلها عن وكالات أنباء عالمية، ومنها ذاك المشهد الذي وقف فيه الضابط اللبناني «سعد حداد.. قائد جيش لبنان الجنوبي» الذي شارك في تنفيذ مذبحة صبرا وشتيلا وهو يجلس على دبابة إسرائيلية، وحين مر أمام تبة صغير رُفِعَ فوقها «العلم الإسرائيلي» رفع يده مؤديًا التحية العسكرية لذاك العلم.. وطلب ذلك المسؤول من بدرخان حذف ذاك المشهد خشية أن تتوالى الأحداث ويتولى ذاك الضابط منصب كبير بلبنان، لكن كان لمسؤولي جامعة الدول العربية توازناتهم الخاصة التي أسفرت في النهاية عن حجب الفيلم حتى يومنا هذا، وبات الفيلم الذي طرح تساؤل «هل هناك أحد معني بالدفاع عن القضية الفلسطينية؟» هو ذاته فيلمًا لم يشاهده أحد.
سفينة العودة
توالت الرحلة وحين حاول بعض الإسرائليين التسلل للمشاركة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقف المثقفون والفنانون المصريون موقفًا حاسمًا ضد التطبيع، ولم يكن بدرخان مشاركًا بتلك التظاهرة التي شهدها معرض الكتاب آنذاك، إلا أنه تحدث عنها وعن تعرض بعض المشاركين بها للاعتقال جراء تنظيمها.
وفي ذات السياق يروي أيمن مكرم عن كيف احتلت القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني حيزًا كبيرا لدى أبناء جيله؛ فما من أديب أو شاعر من أبناء هذا الجيل إلا وكتب عن القضية الفلسطينية، وما من فنان إلا وتغنى بأغاني المقاومة، وجاءت أعمال السينمائيين الفلسطينين تتوج هذا الشغف والإيمان بطرح القضية الفلسطينية وضرورة الدفاع عنها.
وروى بدرخان عن تجربة مشاركته بإحدى رحلات «سفينة العودة»؛ تلك الرحلة التي شارك فيها مع المخرج الكبير يوسف شاهين والفنانة تحية كاريوكا وعدد آخر من المثقفين والفنانين المصريين والعرب من سوريا ولبنان والمغرب وتونس، المؤيدين والداعمين للقضية الفلسطينية، حين غالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وزادت من حدة حصارها على الشعب الفلسطيني، وكان من المقرر أن تنطلق تلك الرحلة من أحد موانيء قبرص وصولاً للأرض المحتلة بفلسطين، غير أن الرحلة لم يُكتب لها أن تكتمل، إذ بادر أحد مسؤولي الموساد الإسرائيلي قبل أن تتحرك السفينة من الميناء بتهديد ربانها والسبب في تفجير بجوار المركبة أسفر عن تحطم محركاتها ما أدى لإلغاء الرحلة.
الفن والقضية الفلسطينية
أزمة العلاقة ما بين فن السينما والقضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع من وجهة نظر بدرخان تتمثل في عدم إقبال الدولة على إنتاج تلك النوعية من الأفلام. فما قُدِم حول القضية الفلسطينية من أعمال سينمائية يقتصر على ما قدمه «الفلسطينيون والسوريون»، فهم وحدهم من تمكنوا بالفعل من طرح القضية الفلسطينية بعمق خلال أعمالهم السينمائية أما الفنانون المصريون فلم تتح لهم تلك الفرصة على الإطلاق، نظرًا لانعدام فرص الإنتاج المتحمسة لطرح القضية الفلسطينية فهذه النوعية من الأفلام في حاجة إلى إنتاج ضخم تدعمه الدولة وليس مؤسسة خاصة أو فردًا. وهنا يشير أيمن مكرم إلى أن هناك بعض الأفلام التجارية التي حاولت استخدام القضية الفلسطينية، وطرحت بشكل عابر فكرة مقاومة التطبيع مثل فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، غير أن تلك النوعية من الأفلام لا يمكن لها أن تدعم بشكل فعلي قضية مقاومة التطبيع مع إسرائيل.
وتطرق علي بدرخان الخطوات التي اتخذتها الإمارات والمغرب أخيرًا تجاه التطبيع مع إسرائيل، مُشيرا إلى أنها خطوات اتخذها الحكام سعيا وراء الحصول عن الرضا الأمريكي «حفاظًا على كرسي الحكم» غير أن شعوب تلك البلدان مثلهم مثل الشعب المصري لم يقبلوا بذاك التطبيع.
وانتقد أيمن مكرم «مهرجان الجونة» السينمائي في دروته الرابعة الذي تضمن تكريم الفنان الفرنسي «جيرارد ديبارديو» المعروف بدعمه وعلاقته القوية بالكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أنه بالرغم من عدم استجابة مسؤولي المهرجان لحملة رفض هذا التكريم. فإن ذاك الحدث قد أحيا من جديد تراث مقاومة التطبيع، إذ هب عدد غير قليل من المثقفين والفنانين المصريين معلنين رفضهم لهذا التكريم، وتجاوب قطاع كبير للغاية من جيل الشباب مع تلك الحملة عبر وسائل السوشيال ميديا «فيسبوك وتويتر»، وهو ما يدل على أن قضية مقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي ما زالت باقية.
كذلك صرح بدرخان بأنه كان ممن عارضوا ما حدث بمهرجان الجونة. وتساءل عن طبيعة الأزمة التي سيتعرض لها الإنتاج المصري المأزوم أساسًا في حالة دخول شركة «نتفليكس» منافسًا له؟!
وقد أجمع بدرخان ومكرم على أن حادثة التطبيع التي وقع فيها محمد رمضان؛ تختلف عن حادثة مهرجان الجونة، فمحمد رمضان في النهاية «مجرد شخص ذي وعي ثقافي محدود، وأقصى ما يمكن فعله مع مثل هذه الواقعة أن يتم إستدعاء محمد رمضان وإيضاح طبيعة المشكلة التي عرض لها نفسه» أما الأزمة الكبرى في مهرجان الجونة فتتمثل في هؤلاء الفنانين الذين شاركوا بذلك المهرجان الذي احتفى بشخص ينحاز لإسرائيل بوضوح وعلنًا.
وعقب أيمن مكرم على تصريح محمد منير والخاص بنية المشاركة بسلسلة حفلات داخل الأرض المحتلة بفلسطين بدعوى دعم الفلسطينيين ثم انسحابه وتراجعه عن المشاركة مصرحًا أن هناك العديد من الطرق التي يمكن للفنان أن يدعم بها الفلسطينيين والقضية الفلسطينية دون الحاجة للسفر للأرض المحتلة بموجب تأشيرة إسرائيلية تمنح الكيان الصهيوني المحتل شرعية لا يستحقها.
الفن والوعي والمقاومة
الفن والوعي؛ تلك القضية الشائكة التي طالما حيرت الكثيرين يطرحها علي بدرخان مؤكدًا أن الفن يمتلك هذه القدرة على خلق وعي جديد، شريطة أن يكون للفنان ذاته هذا الوعي والأزمة الحقيقية التي يعاني منها الفن في مصر الآن تتجسد في الاستسهال التي يلجأ إليه بعض الفنانين حين يقدمون على ترجمة الأفلام الأمريكية والفرنسية على سبيل المثال ومحاولة تقديمها للمشاهد المصري دون أي جهد يذكر من جانبهم.
على الجانب الآخر أكد أيمن مكرم على أن جيل الشباب الذي شارك بثورة 25 يناير 2011 قد طرح عددًا غير قليل من المبادرات الشبابية الفنية المبشرة، صحيح أن أغلب تلك المبادرات قد أجهض ولكن يظل لهذا الجيل خبرته المميزة ورؤيته المختلفة التي جاءت وليدة اعتماده على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويؤكد بدرخان على وعي الفنان ودوره في تطوير دور الفن والفنانين، ويضرب المثل بتلك الفترة التي كان يدرِّس لطلاب معهد السينما، حيث كانت تتاح أمامه فرصة التواصل مع طلاب المعهد خلال السنوات الأربع، ما ممكنة من نسج علاقة قوية بهؤلاء الطلاب جعلته يتمكن من طرح ومناقشة العديد من القضايا الخلافية معهم.. تغير الحال كثيرًا الآن بعد أن أصبح تواصله مع طلابه مقتصرًا على فصل دراسي واحد، إلا أن فكرة وعي الفنان ما زالت تمثل من وجهة نظر بدرخان عصبًا رئيسيًّا في طرح أي رؤية تقدمية للفن والفنانين.
الأزمة الراهنة من وجهة نظر بدرخان تكمن في غياب الرؤية العامة، فوزارة الثقافة على سبيل المثال مثلها مثل وزارة الإعلام، تفتقد إلى وجود أي رؤية لما يجب طرحه على الجمهور، ما انعكس بدوره على مختلف الفنون «فلا السينمائيون لديهم رؤية لما يجب عليهم أن يقدموه، ولا المسرحيون لديهم بدورهم رؤية فبات المسرح المصري مجرد محاولات فردية لا تشملها حركة مسرحية كما كان حال المسرح من قبل».
وعلى الرغم من سوداوية معالم المشهد الذي طرحه علينا علي بدرخان فيما يتعلق بدور الفن والثقافة في مقاومة التطبيع، فإنه لم يتوان عن الإشارة إلى تلك البارقة من الأمل التي تكمن بمسرح الثقافة الجماهيرية، حيث ما زالت قصور الثقافة تمتلك بعض الفرق المسرحية التي تعمل بالأقاليم، والتي يمكن لها أن تعلب دورًا مؤثرًا في طرح العديد من القضايا المجتمعية ومن بينها بالطبع قضية مقاومة التطبيع.
في ذات السياق يطرح أيمن مكرم رؤيته الخاصة بآليات مقاومة التطبيع عن طريق الثقافة والفن مشيرًا إلى أن هناك دائمًا فرصة لطرح سبل مقاومة التطبيع مع الحرص على دراسة الواقع المعاش، وتقديم رؤية علمية لما يحدث على أرض الواقع دون الاعتماد على تلك الخطب الرنانة، فالجيل الجديد جيل يسهل عليه البحث عن المعلومة لذا فهو في حاجة إلى من يخاطبه وفقًا لأدلة ورؤية علمية سليمة، وبهذا السياق يوصي مكرم بضرورة عقد العديد من الورش التدريبية للعاملين بمجال الفن والثقافة والصحافة والإعلام بشكل عام حول السبل المثلى لطرح قضية مقاومة التطبيع.
كما أن غياب الرؤية العامة السائد حاليًا لا ينفي أبدًا عن «الفن والثقافة» كونهما أبرز سلاح يمكن استخدامه في توجيه وتوعية المجتمع، فعن طريق الفن والثقافة يمكن بث ذلك الوعي المغاير المقاوم للتطبيع كما يمكن طرح مجمل القضايا المجتمعية، بكل جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. ويظل الأمل معقودًا على ذلك الجيل الجديد من الشباب؛ الذي بدأ يشق طريقه عبر إنتاج الأعمال الفنية المستقلة محدودة التكلفة التي نجم عنها ظهور العديد من الأعمال السينمائية الروائية القصيرة والأفلام الوثائقية الكثيفة والتجارب المسرحية والفرق الغنائية التي تبشر بميلاد جيل جديد مختلف يمكنه طرح مختلف القضايا المجتمعية بطريقة مغايرة ومن ثم يمكنه لعب دور مميز في طرح قضية مقاومة التطبيع.
إجمالاً، لم يكسب المطبعون بعد تلك الجولة من محاولة فرض التطبيع كأمر واقع بأرض مصر؛ فما.