قضايا
أحمد حسنيوسف درويش.. محامي العمال بتوصية من الحزب الشيوعي الفرنسي
2021.12.01
يوسف درويش.. محامي العمال بتوصية من الحزب الشيوعي الفرنسي
الاسم: يوسف موسى يوسف فرج درويش الشهير بيوسف درويش
تاريخ الميلاد: 2 أكتوبر 1910
تاريخ الوفاة: 7 يونيو 2006
المهنة: محام
من مواليد حي العباسية لأسرة يهودية من اليهود القرائين (يؤمنون بالتوراة المكتوبة فقط ويرفضون التلمود المكون من أقوال الحاخامات والشريعة الشفوية) من المعروف أيضًا أن تلك الطائفة رفضت التقوقع في الأحياء اليهودية ودوائر اليهود فقط، وانفتحت على الاختلاط بالمجتمعات التي استقرت بها والاندماج فيها. وهو ما جعل اليهود الآخرين (الربانيين) يتنكرون لهم، وساعدهم هذا الاندماج على النجاة من المذابح الفاشية، إذ اعتبروا غير يهود بدرجة أو أخرى. ثم انتقل هو والأسرة إلى مصر الجديدة وانتهى به المطاف إلى الإقامة بباب اللوق حتى وفاته.
درس التجارة والحقوق في فرنسا، وبعد عودته إلى مصر درس القانون في جامعة الإسكندرية. وفي بداية حياته المهنية عمل في القضايا التجارية وقضايا العمال والنقابات، ثم غيَّر مساره بعد ذلك وتخصص في قضايا العمال وفي النشاط النقابي العمالي. وقد بدأ اهتمام يوسف درويش بالسياسة منذ مرحلة الصبا، وكان وفديًّا متحمسًا، وشارك في استقبال سعد زغلول في محطة مصر عند عودته من المنفى وعمره أقل من 15 سنة، وتردد مرارًا على بيت الأمة لسماع سعد أو رؤيته، وعند وفاة سعد في عام 1927 ارتدى زيًّا أسود لمدة عام كامل حدادًا عليه. وتشير ابنته نولة إلى أنه كان يحضر بانتظام اجتماعات وجلسات مجلس الأمة، وكان حاضرًا بالمصادفة في جلسة النواب التي هاجم فيها عباس العقاد الملك فؤاد الذي قرر إبعاد الوفد عن الحكومة وسمعه يقول كلمته الشهيرة "إذا وجب علينا فسوف نقضي على أكبر رأس في البلد"، كما قام مع صديقه حامد سلطان عام 1930 بتظاهرة خارج البرلمان ضد الملك الذي كان قد قرر إقالة وزارة النحاس باشا.[1]
عمل محاميًّا بالمحاكم المختلطة من 1935 وقد أتاح له ذلك إسهامه الأول في قضايا العمال إذ كان الكثير من ملاك المصانع والشركات من الأجانب، الذين لا يمكن مقاضاتهم وقتذاك إلا أمام المحاكم المختلطة، وذلك حتى إلغاء هذه المحاكم عام 1949، وبناءً على تكليف من الحلقة الماركسية التي كان ينتسب إليها درس الحقوق في جامعة الإسكندرية ليتسنى له العمل والدفاع عن العمال أمام المحاكم الأهلية ابتداء من عام 1944.[2]
بدأ اهتمام يوسف درويش بالحركة العمالية وقضاياها عندما كان في فرنسا، حيث كان يتردد على الحزب الشيوعي الفرنسي ويحضر ندوات ومحاضرات ويتناقش معهم، وسألهم يوسف: بماذا تنصحوني؟ فاقترحوا عليه أمرين؛ الاتصال بالحركة العمالية، والاتصال بحركة السلام. وعند عودته إلى مصر ذهب إلى مركز الاتحاد العام للنقابات الذي كان يقوده النبيل عباس حليم، وتعرف هناك على نقابي ماركسي هو محمد يوسف المدرك، وشعر يوسف أن الطريق إلى الاتصال بالحركة العمالية يبدأ أولاً بمعرفة تاريخها وما كتب عنها، فذهب إلى المكتبة الخديوية واطلع على كل ما كتب عن العمال في صحيفة الأهرام، من 1919 إلى 1935، كما تابع صحيفة عمالية كانت تصدر وقتذاك باسم "اليراع" وبذلك تكون لديه فهم مناسب شكل خلفية توجهه إلى الحركة العمالية.
أول قضية عمالية ترافع فيها كانت قضية زوج خادمة عند أسرته، عندما عرفت أنه محام طلبت منه الحضور مع زوجها الذي كان عضوًا في نقابة النسيج مع النقابي الشهير محمود العسكري، وبسبب تلك القضية التقي بنقابيي عمال النسيج طه سعد عثمان والعسكري ومحمود قطب، وعندما وثقوا فيه طلبوا منه العمل كمحامي للعمال والنقابات، ويسر له ذلك الاتصال مباشرة بعمال النسيج في شبرا الخيمة التي كانت وقتها أحد قلاع صناعة النسيج في مصر. وكي يزيل الحواجز الثقافية أو الاجتماعية بينه وبين العمال قرر ألا يتعامل معهم كأستاذ أو كمثقف، كما قرر التوقف عن احتساء البيرة في مقهى بنصف البلد كي لا يراه أحد العمال ويفقد ثقته فيه. وبسبب طول المسافة إلى شبرا التي كان يضطر أحيانًا لقطعها سيرًا على الأقدام، ومع ذلك يذهب إليها يوميًّا، وقد عرضت عليه مجموعته الماركسية أن يشتروا له سيارة خاصة يستخدمها في تنقلاته فرفض، لأن ذهابه بسيارة خاصة سيصنع مسافة بينه وبين العمال البسطاء[3]
وتحضرني هنا مقارنة بين سلوك يوسف درويش للتواصل مع العمال، وسلوك إسماعيل صبري عبد الله الذي سافر أيضًا إلى فرنسا واختلط بالحزب الشيوعي الفرنسي ودرس الحقوق في جامعة القاهرة وانضم إلى منظمات ماركسية، في مؤتمر انتخابي لحزب التجمع حزب التجمع في دائرة حلوان حضره الآلاف من عمال وأهالي حلوان جلس إسماعيل صبري على المنصة يخاطب العمال مرتديًا بدلة فخمة وممسكًا بسيجار ضخم.
يشير يوسف إلى فارق مهم بين الحركة العمالية في الأربعينيات، حين كان بإمكان العمال الخروج في تظاهرات عمالية ضخمة، كما كان العمال لديهم حس تضامن كبير فيما بينهم، بل وتضامنوا مع إضراب ضباط الشرطة في الأزبكية وإضراب عاملات التمريض[4]
حفلت حياة يوسف درويش بنضالات اجتماعية وسياسية ونقابية متنوعة، سواء المعركة ضد الاستعمار أو ضد الصهيونية كما شارك في نضالات المحامين وفي الحركات الاجتماعية والمنظمات السياسية طيلة حياته. وفيما يتعلق بالنضال النقابي كان القطر المصري برمته يضم 170 نقابة فقط في الأربعينيات، وكان درويش محاميًا لأهم 70 نقابة بينهم، منها نقابة عمال النسيج الميكانيكي في شبرا وضواحيها، والنسيج اليدوي بالقاهرة، وعمال البواخر البحرية، ونقابة المحلات العمومية، وعمال الفنادق والأندية، والحلاقين، والنسيج اليدوي، وبائعي البترول. وفي فترة لاحقة أضيفت إليهم نقابة عمال إسمنت طرة، ونقابة رؤساء النسيج.
الطبقة العاملة والسياسة
لم يكن درويش مجرد رجل حقوقي بين العمال، فقد سعى وزملاؤه إلى إكساب العمال فهمًا ينطوي على إدراك حقوقهم القانونية، وأيضًا الإحاطة بالقضايا الاجتماعية العامة، فقدم العديد من المحاضرات حول المسائل القانونية والفهم الاجتماعي، كما قام أيضًا بدور مدرس في المدارس المسائية التي أسسها نقابيو النسيج، وكان يدرس اللغة الفرنسية للعمال في تلك المدارس.
كان من المهم أولاً الحفاظ على استقلال الحركة العمالية التي كانت تتعرض لمحاولات السيطرة بواسطة كل من الوفد وعباس حليم، وتشكلت مجموعة من طه سعد والعسكري ويوسف المدرك رفعت شعار استقلال النقابات عن الدولة والأحزاب السياسية، وحافظت على استقلال الحركة العمالية فعلاً. وفي سبيل السعي لتحقيق استقلال النقابات التقي يوسف بالمحامي الدولي بريت pritt عضو حزب العمال البريطاني والمعروف بتبنيه قضايا العمال عالميًّا في أثناء زيارته لمصر، ضمن لجنة مكونة منه والعسكري والمدرك وطه سعد ومحمود قطب، وكان النبيل عباس حليم على صلة معروفة بالحزب الإنجليزي، فعرضوا عليه مذكرة بوجهة نظر العمال المصريين في علاقة حليم بحزب العمال، وطلبوا منه أن يقطع حزب العمال صلته بحليم وأنه لا يمثل العمال المصريين، وقد أسفر اللقاء فعلاً عن استجابة حزب العمال لطلب اللجنة.
ويشير طه سعد عثمان إلى بعض الأدوار التي قام به درويش بين هؤلاء النقابيين:
(بدأ يوسف درويش في انتقاء عدد من العمال منهم محمود العسكري ومحمود قطب وأنا وعدد من عمال البواخر البحرية، منهم الشيخ محمد عبد الرحيم رئيس النقابة، ومحمد مدبولي السكرتير، وسيد الإسناوي أمين الصندوق، وبعض عمال نقابة الصيني والفخار الذين ساعدتهم نقابة عمال النسيج في تكوين نقابتهم، وكانوا يجتمعون مرة كل أسبوع مع مجلس إدارة نقابة عمال النسيج لمناقشة مشكلات العمال، كما انتقى عدد من عمال مصنع ياسين للزجاج، وبدأ درويش في التكلم معنا على استحياء في مبادئ الاشتراكية دون أن يقول كلمة اشتراكية أو شيوعية، كان يحدثنا عن فائض القيمة الذي يسرقه منا أصحاب العمل، بدأ يوسف درويش العمل معنا بطريقتين، الأولى أننا كنا نجتمع في بيت أحدنا وهو يتكلم معنا كلامًا مفتوحًا أكثر دون ذكر كلمة الاشتراكية أو الماركسية، ثم بدأ يأتي بأوراق مطبوعة مثل "البيان الشيوعي" وأوراق أخرى تتعلق بأدبيات الماركسية مكتوبة على آلة كاتبة وأخرى بخط اليد، وكنا نتبادل هذه الأوراق بيننا[5]).
مسألة ثالثة بالغة الأهمية، لم يقتصر نشاط العمال على النقابات والمطالب الاقتصادية، شكل العمال في عام 1945 "لجنة العمال للتحرير القومي، الهيئة السياسية للطبقة العاملة" التي تكونت، كما يشير درويش، لتحقيق أهداف سياسية، وكما يشير سعد عثمان (لتكون نواة حزب سياسي للطبقة العاملة). وأصدرت تلك اللجنة برنامجًا سياسيًّا وبيان تأسيس مذيل بأسماء عدد من أعضائها ، ليس من بينهم يوسف درويش وذلك لأنه محام وليس عاملاً، وذلك لنفي شبهة أن اللجنة تدار من خارج العمال، ويذكر درويش أن برنامج اللجنة تم توزيعه في القطر المصري كله بواسطة 30 عاملاً في نفس التوقيت، كما أصدرت مجلة اسمها "الضمير[6]".
تمرد العمال على المحامين
مفارقة لافتة في قضية استقلال الحركة العمالية، كانت قضية استقلال النقابات والعمال في تحركاتهم هامة للغاية، لم يكن يوسف درويش، رغم ثقة العمال به تمثيله لأهم النقابات العمالية، هو محامي العمال الوحيد من الأربعينيات حتى الخمسينيات. وكان هناك علام حسن، رئيس اتحاد خريجي الجامعة ومؤلف أول كتاب قرأه درويش عن العمال، ومحمد الفولي الذي درس الحقوق وهو عامل في مصانع نسيج كفر الدوار والذي تولى الدفاع في قضية خميس والبقري، وإبراهيم طلعت، وعبد المجيد نافع وعبد الحميد لطفي وأحمد حسين ومحمد فهيم ولطفي الخولي وغيرهم من المستشارين القانونيين للنقابات والعمال من الاتجاهات المختلفة، في نهاية الثلاثينات كان لهؤلاء المحامين هيمنة على أمور النقابات العمالية مما أضر بمصالحها، ونتيجة لذلك ولتنامي ميول الاستقلال النقابي ظهرت حركة تمرد ضد هيمنة المحامين على النقابات.[7] وكان درويش استثناءً من هذا التمرد، إذ لم يتصرف كمحام، ولم ينفرد بقرار، واندمج معهم إلى درجة كبيرة مما جعله ليس فقط ممثلهم في المحاكم، بل وفي المفاوضات ومستشارهم في الإضرابات.
حفلت حياة يوسف درويش بالنضال السياسي بجانب النضال النقابي، فشارك في إنشاء منظمات سياسية ماركسية تهتم بشؤون ونضالات العمال بجانب القضايا الوطنية العامة. وفي الفترة من 1967 حتى 1973، تولى منصب سكرتير الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، وسافر بعد ذلك إلى كل من رومانيا وبلغاريا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا والاتحاد السوفييتي، وكانت النقطة الأساسية في جدول أعماله هي الدفاع عن القضية الفلسطينية. وقد تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب نشاطه المناصر للعمال ومواقفه السياسية ومع ذلك استمر طيلة حياته متسقًا مع مبادئه ومتمسكًا بالنضال من أجل الاشتراكية وتحرر العمال، كما شغل مناهضة الصهيونية ومناصرة القضية الفلسطينية جانبًا كبيرًا من اهتماماته، فقد رفض قيام الدولة الصهيونية ورفض حتى أن يعتبره الآخرون يهوديًّا ولم يقم أي فرد من أفراد عائلته بزيارة إسرائيل أو الدعوة لمناصرتها. وقد توفي يوسف درويش عن عمر يناهز 96 عامًا.
الهوامش
[1] كتاب "العمال في الحركة الشيوعية المصرية حتى عام 1965"، مركز البحوث العربية، لجنة توثيق الحركة الشيوعية. شهادة يوسف درويش. ص 9.
[2] المرجع السابق ص 13.
[3] - المرجع السابق ص 9 ،10
[4] السابق ص 10
[5] السابق - تعقيب طه سعد. ص 20.
[6] السابق - تعقيب لطه سعد ص 24
[7] المرجع السابق. درويش في الرد على تعقيب لعطية الصيرفي، ص 14