يقوم كاوتسكي في هذا الكتاب بتتبع خيطًا تاريخيًا يمتد من زمن الإنجيل إلى زمن دعاة تجديد العماد في أوروبا في القرن السادس عشر، معتمدًا على منهجية تؤكد على أهمية دور الأفكار في صنع التاريخ. ويقدم من خلال ذلك تحليلات لرؤى وأفكار الجماعات والشيع الدينية الأوروبية في القرون الوسطي، المعادية للإقطاع والمتمردة على سلطة الكنيسة، متتبعًا لهم على امتداد مساحة جغرافية شاسعة تغطى إنجلترا وفرنسا وسويسرا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وبوهيميا ومورافيا. ويقوم بشرح الدوافع الاقتصادية والاجتماعية لتلك الشيع، وكيف أثرت بأفكارها على جموع الفلاحين والصنَّاع المأجورين وعامة الناس في أوروبا في ذلك الوقت. حيث عبرت عن وعيها من خلال كتابات دينية، حملت في مضمونها التحرر من المراتب الهرمية الإقطاعية والكنسية. 

ويعتبر كاوتسكى أن قيام الإمبراطورية الرومانية بتبني المسيحية أدى إلى تفريغ المسيحية من نقاءها الأولي. ونتيجة لذلك بات هناك مساران لتطور المسيحية: الأول هو تحولها لأيديولوجية السلطة القائمة وأداة هيمنتها؛ والثاني هو مثاليتها ودوافعها النقية الأولى التي لم تخمد لكنها ظلت تعاود الظهور في القرون التالية. 

قد قام المترجم بضم مقالين أخرين لكاوتسكي في نهاية هذا الكتاب، كان قد كتبهما في وقت تالي، ويتعلق مضمونهما بنفس مضمون الكتاب. الأول عن القديس فرانسيس الأسيسي 1181–1226 مؤسس طائفة الفرنسيسكان؛ والثاني عن مفهوم الانتفاضات الدينية التي يحدد  مضمونها مستوى تطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، الطبيعة الطبقية للنظام الاجتماعي القائم، وكذلك الأساس الاجتماعي له. والهدف الذى يريد أن يحققه المنتفضون. 

ويُعد كارل كاوتسكي (1854–1938) أبرز منظري الأممية الثانية، والخلف النظري لماركس وأنجلز. وقد تتلمذت على يديه أجيال من الماركسيين في أوروبا وأمريكا. وكان أهم ممثلي الوسط داخل الأممية. ورغم النقد المرير الذى وجهه إليه لينين بسبب دعمه للحرب عام 1914، لكنه أكد في ذات الوقت –لينين- أن مؤلفاته ستبقى مثالًا على الماركسية إلى الأبد.