مراجعات

محمد جبريل

"أكبر من أن تُرى".. عن اقتصاد الأرقام الذي لا ينطق بكلمة عن أزماتنا

2019.03.03

مصدر الصورة : آخرون

 

"أكبر من أن تُرى"..  عن اقتصاد الأرقام الذي لا ينطق بكلمة عن أزماتنا

عرض كتاب: أكبر من أن ترى
الكاتب: محمد سلطان
الناشر: دار المرايا للإنتاج الثقافي
سنة النشر: 2019

"اقتصاد الأرقام لا يجعلنا نفهم شيئًا عن واقعنا اليومي".. هذه هي النتيجة التي نخلُص إليها من قراءة كتاب محمد سلطان الأخير، «أكبر من أن تُرى: عن الإدراك الاجتماعي للأزمات الاقتصادية». ولفهم حيثيات تلك النتيجة يتجول بنا سلطان، بلغة خالية من المفاهيم المقعرة، في دروب الفهم الاقتصادي للأزمات، والتي لا تتوقف عند إيراد أرقام لا تُحصى وحشد مفاهيم غير قابلة للفهم، إلا للاقتصاديين وحدهم، دون قول شيء واحد عن جوهر المشكلة: أثر الأزمة الاقتصادية علينا.

يشرح الكتاب الصادر عن دار المرايا المصرية، في 129 صفحة من القطع الصغير، موزعة على مقدمة وفصلين، كيف أن المصطلحات الفخمة من نوعية «معدل التضخم العام» و«معدل النمو» ليست دليلًا على التملُك المعرفي المحايد للظواهر الاقتصادية بقدر ما تأخذ شكل تعمية عن فهم الطابع الواقعي الذي عليه الأزمات الاقتصادية والمرتبط بصورة عضوية بالموقع الاجتماعي والهوية الاقتصادية؛ فليس الجميع سواسية في تحمل عبء الأزمة الاقتصادية الأخيرة في مصر، وكل فرد يحمل نصيبه من العبء وفقًا لمستوى دخله وموقعه في سلم التراتب الاجتماعي.

ما خفي.. أو المسكوت عنه

التزم سلطان بما وعد به في مقدمة الكتاب (ص 8) ولم يتطرق لموضوعات الساعة في مصر: تعويم الجنيه، ورفع الدعم، والدين العام، وصبّ جلَّ اهتمامه على محورين: يتعلق أولهما بالإدراك الاجتماعي للأزمات الاقتصادية، أو بالأحرى بما لا نراه من الأزمة ولماذا لا نراه؟ فيما يتعلق المحور الثاني بالاشتباك مع التيار الاقتصادي السائد والذي يتعامل مع الآثار الاجتماعية وفقًا لمصفوفة من أدوات القياس والتحليل التي تتعامل مع المؤشرات والنسب فحسب بغض النظر عن علاقتها بالواقع، ومن ثمَّ فإنه على الرغم من أن الأزمة اقتصادية بالأساس إلا أن الاقتصاديين آخر القادرين على تشخصيها أو استشراف مستقبلها.

ما لا نراه هذا هو ما يسميه سلطان بـ «العمى الاجتماعي» عن طبيعة الأزمة، وهنا تتمثل مهمة الكتاب في «محاولة رصد مناطق عماء مشتركة»، وتقديم تفسير لهذا العماء يتضمن قياس كمية الأعباء المختلفة للأزمة الاقتصادية وفقًا للطبقات الاجتماعية المتباينة.

وبالنسبة لطرح سلطان، فإن منطقة «العماء الأكثر إبهارًا» (يمكن الإحالة أسلوبيًّا على رواية الطاهر بن جلون «تلك العتمة الباهرة») يسكنها الغلاء؛ فمع أننا نشعر بثقل الغلاء بشكل يومي إلا أنه سيظل ذو طبيعة مراوغة لارتباطه بالتضخم وبالتالي بانخفاض قيمة الأجور دون تخفيض مباشر للرواتب؛ فعبر الغلاء يُستقطع جزء من دخولنا لم نكن لنرضى أن يقتطع بطريقة مباشرة (ص 24).

لكن مثلما يسقط الاقتصاديون دائمًا في فخ التعامل مع الأزمة الاقتصادية كمسألة تقنية خالصة يمكن قياسها و«تعليبها» في مجموعة من المؤشرات وليس كقضية سياسية، يسقط سلطان في فخ طرحه هو بالذات؛ ففي أثناء محاولته البرهنة على أن التضخم ليس مرتبطًا بالاحتجاجات الاجتماعية واستشهاده ببيانات البنك المركزي التي تشير إلى انخفاض عدد الاحتجاجات في الفترة ما بين 2013 و2016على الرغم من ارتفاع معدل التضخم، يتغافل سلطان عن السياق السياسي المضطرب لتلك الفترة (مع إشاراته إلى دور القبضة الأمنية) وهو السياق المشحون بالصراع المرير بين الدولة والإسلام السياسي، ورفع هذا الصراع سياسيًّا وأمنيًّا وإعلاميًّا فوق كل الصراعات الاجتماعية التي تورات في ظله، إذ يكون التناقض الرئيسي (لو كان لنا أن نستعمل القاموس الماوي) بين الدولة والإسلام السياسي لا بين الأغنياء والفقراء.

ما يحاول سلطان قوله إننا قد لا ننتبه لبعض نواحي الأزمة الاقتصادية الأكثر أهمية والأبعد أثرًا على حياتنا، بينما قد ننتبه لبعضها الأقل تأثيرًا والأكثر ووضوحًا، ويستشهد برصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ 522 احتجاجًا في 2016 (عام التعويم) للمطالبة بتعويضات مالية وعدالة إدارية دون وجود احتجاج واحد على الغلاء الجامح في العام نفسه، ويعقب على ذلك بالتساؤل حول ما إذا كانت نسبة التعويضات التي يطالب بها المحتجون تتساوى ونسب الغلاء الذي عانوه دون احتجاج واحد عليه؟ 

 ويبني سلطان على ذلك أسس روايته: «إننا لا نحتج على التضخم بشكل مباشر بقدر ما نحتج على بعض آثاره، أو أشياء أقل ثقلًا منه» (ص 26) إلا أن ما يفت في عضد هذه الرواية هو: 1- أن الوعي السياسي البديهي لدى هؤلاء المحتجين بأن الاحتجاج من أجل تعويض مالي سيظهر بالضرورة كتضرر من مظلمة بعينها، أما الاحتجاج على الغلاء فهو عمل سياسي يستهدف بالأساس السياسة الاقتصادية للدولة وهو ما يضعهم في موقع أعداء النظام، وما يترتب على ذلك من خطورة على حريتهم (وحياتهم في بعض الأحيان) وهو ما لا يحتمله وضعهم الاجتماعي؛ 2- أن غياب الاحتجاج على الغلاء يتعلق أساسًا بـ: الوزن السياسي للأحزاب والمجموعات السياسية وهو هش في المجمل، وبالخط السياسي الذي تنتهجه هذه القوى وهو خط يتوزع بين «سياسات الهوية» كما لدى الإسلام السياسي وبين الحريات السياسية كما لدى التيار الليبرالي، في غيابٍ فاضح لتيار يساري من المفترض أن تكون السياسة الاقتصادية للدولة على رأس أولويات تحركه.

وهكذا يمكن تقديم رواية سياسية لغياب المقاومة الاجتماعية للغلاء بديلًا عن رواية «التلبد الاجتماعي تجاه الغلاء» التي يطرحها سلطان، ويمكن إضافة عنصر يتم تهميشه في أي كلام سياسي (الخضوع/المقاومة) وهو القدرة على التأقلم والتكيف مع التحولات الاجتماعية عبر اللجوء إلى الأشكال غير الرسمية للعمل، والعمل في أكثر من مجال، والحد من الاستهلاك كبديل عملي عن ضرب الرأس في جدران الدولة الصلبة.

لسنا في مركب واحد

في يوليو 2017، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قياسه لأعلى نسبة تضخم مرت بها البلاد منذ 30 عامًا والتي بلغت32.9 %، في الوقت الذي شعر فيه أغلب المستهلكين، كما يقول سلطان، بأن النسبة كانت أعلى بكثير. هذا التناقض بين التقديرات الرسمية للغلاء وبين التقديرات الواقعية تقف وراءه مغالطة مركبة تتعلق بإخفاء الشريحة الاجتماعية التي تخصها هذه النسبة التي يتم تعميمها على المصريين كافة.

ولتفكيك هذه المغالطة يسوق سلطان افتراضًا لطيفًا حول التقارير الشهرية لـ «معدل التضخم العام» التي يصدرها كل من البنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، والتي تحمل صفة «العمومية»؛ أي تخص كل المصريين على اختلاف مستوياتهم الطبقية، وهي التقارير التي تحظى بتجاهل «عام» من قبل المصريين بدورهم، يتساءل سلطان ماذا لو كانت هذه التقارير خاصة، بمعنى إصدار البنك المركزي نسب تضخم مختلفة لكل شريحة اجتماعية؟ 

مؤكد أن كل شخص حينها سيهتم بمعرفة التضخم الخاص بشريحته ومقارنتها بالشرائح الأخرى، ساعتها لو كنت تواجه تضخمًا15 % في حين تواجه شريحة طبقية أخرى تضخمًا بنسبة 10 % ستكون غاضبًا وحانقًا على الترتيبات السياسية التي سحقتك لصالح الآخرين، وذلك على العكس من أن تكون نسبة التضخم 20 % (وهي نسبة أعلى بالطبع من الـ 15 %) لكن موحدة على الجميع، كما يدعي البنك المركزي. هنا تكمن المفارقة التي يلح الكتاب على إبرازها: حين يصورون لنا أن البؤس عام ونصدق روايتهم سنكون أكثر إذعانًا وخضوعًا، لكن حين نرى الصورة كاملة (وهذا صعب حسب تصور الكتاب) وندرك أن العبء غير متساوٍ بالمرة، لن يكون من الصعب تصور الاحتمالات المفتوحة للغضب الشعبي.

للإجابة عن السؤال الأكثر أهمية: كيف تخدعنا البيانات الرسمية؟ يستدعي سلطان مقارنة مع طريقة لقياس التضخم تعتمد على اختلاف مستويات الدخل، والتي يتم تطبيقها في الولايات المتحدة وإنجلترا وأيرلندا وماليزيا والصين، لكن المؤسسات الاقتصادية المصرية الرسمية تتجاهل هذه التجارب وتحاول قدر الإمكان إخفاء أي بيانات تفصيلية تمكّن الباحثين من إنشاء مؤشرات لحساب التضخم على أساس الدخل، حتى لا يظهر أن أعباء التضخم ملقاة في أغلبها على الأقل دخلًا، وأن الفقراء في مصر يواجهون معدل تضخم أعلى بكثير من الذي يواجهه أصحاب الدخول الأعلى، وحتى لا تصبح حقيقة أن الأزمة الاقتصادية لا تضربنا جميعًا بالقوة نفسها مشاعًا بين الناس.

يجادل سلطان هنا بأن هذه البيانات (بالغة العمومية والتعميم) التي تنشرها المؤسسات الاقتصادية المتخصصة لا تعبر عن شيء، ومع ذلك تتناسل منها مصفوفة من المغالطات التي يتم تداولها كـ «معرفة اقتصادية محايدة» مبنية على أرقام تكمن قيمتها الوحيدة في كونها رسمية. ويخلص إلى استنتاج عام مفاده أن النظرية الاقتصادية والنظام الاقتصادي السائدين يرون أن اللامساواة في توزيع الدخول والثروات عبارة عن أمر طبيعي (غير مطروح على النقاش) وأنها (اللامساواة) سمة مميزة للمجتمع الديمقراطي، وهم إذ يحسبون الغلاء يعتمدون على إحصاءات تتجاهل أثر التفاوت (الذي خلقوه) في توزيع الدخول والثروات، فيجبروننا على العيش تحت وطأة اللامساواة في الواقع، ثم يخفون أثرها عندما يصدرون بياناتهم الاقتصادية.

سنصل مع سلطان إلى حقيقة شديدة الوطأة وهي أنه من الطبيعي والمتوقع في عالم من يصنع فيه «الفقر واللامساواة» هو من يصدر بيانات عن «الفقر واللامساواة» ألا تستطيع النظرية التي تسمى علم الاقتصاد ولاتستطيع «البدل الفارغة» (الخبراء الاقتصاديون بتعبير نسيم طالب الذي يقتبسه سلطان) أن يقولوا شيئًا عن الأزمة الاقتصادية ككل، أو حتى عن شيء محدد وقابل للقياس مثل الغلاء؛ فالغلاء الذي تواجهه أنت بالنسبة إليهم «أمر شخصي» عليك أن تتعامل معه.

ليسدد الفقراء الفاتورة

مرت سنة تقريبًا على كتابة سلطان للفصل الثاني من الكتاب (الاقتصاد العاطفي) إذ كان سعر صرف الجنيه أمام الدولار قريبًا من 18 جنيهًا، وقد استقر هذا السعر في وقتنا هذا، أي منذ أكثر عام، وهو ما مكّن الخائفين من موجات غلاء جديدة من استبعاد أن يأتي الغلاء من هذه الجهة، وولى الجميع وجهه شطر الجهة الأخرى المفتوحة، جهة أسعار الطاقة خصوصًا في ظل المعلومات المؤكدة بأن النظام يمهد لرفع الدعم عن الطاقة كليًّا لتصبح في مستوى الأسعار العالمية.

كان سعر برميل النفط في أوائل 2018 (وقت كتابة الفصل، كما يسجل سلطان) يصل إلى 50 دولارًا، والآن يصل سعره إلى نحو 60 دولارًا للبرميل. هذا التذبذب في أسعار الطاقة، التي كانت حتى منتصف 2014 تبلغ 100 دولار للبرميل ثم تراجعت على نحو مفاجئ إلى 30 دولارًا للبرميل في 2016 ثم عادت للارتفاع في 2018، يعني أنه ليس هناك أي مانع من أن ترتفع مجددًا (خصوصًا إذا تمكن دونالد ترامب من إطباق حصار على صادرات إيران من البترول بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع طهران وحرص السعودية على رفع الأسعار لتصحيح الاختلالات التي تعاني منها ميزانيتها) وهو ما يعني أن أسعار جميع السلع والخدمات في مصر مهيأة للارتفاع بمعدل الضعف أو الضعفين.

ومع ذلك، يفاجئنا سلطان بأنه لن يتحدث عن الارتفاع المحتمل لأسعار الطاقة، ولن يتطرق بعد مقدمة الفصل، المشوقة حقًّا، إلى أي شكل من أشكال التنبؤات بخصوص أسعار الطاقة العالمية ولا أسعار السلع والخدمات، فكل ما في الأمر أنه تعمد جذب انتباهنا إلى ما يفعله فينا اللهاث وراء التنبؤات؛ إذ يعمينا عن رؤية الأبعاد الأكثر أهمية للأزمة ويجعلنا نثبِّت أنظارنا نحو شيء لم يحدث بعد.

تتعلق الأبعاد الأكثر أهمية في الأزمة بشكل أساسي بأسعار الفائدة كما نصل مع سلطان (وأسعار الفائدة تمثل حاليًا قوانين اللعبة الطبقية في أي بلد: إلى من سينحاز النظام السياسي: للأغنياء الدائنين أم للأغلبية الفقيرة؟). في يونيو 2016، رفع قرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة بنسبة 1 %، من 11.25% إلى 12.25 %، وفي نهاية السنة نفسها رفعها بنسبة 3% لتصل إلى 15.25 % ثم ارتفعت بشكل مفاجئ إلى 20 % في منتصف 2017، ومع ذلك حظيت الأخبار والتقارير الصحفية عن هذا الموضوع بأقل قدر من الاهتمام.

يعود ذلك، كما يشرح سلطان، إلى أن الحديث عن أسعار الفائدة دائمًا ما يكون معقدًا، وتأثيرها على حياتنا اليومية يبدو غير مباشر، مما يجعل قرار رفعها أو تخفيضها أقل إثارة للاهتمام من غيرها من الإجراءات الاقتصادية التي يمكن ان تثير الشعور بالظلم الاجتماعي أو الغضب أو الخطر.

لكن عند معرفة أن الدولة المصرية تخصص بندًا في الموازنة العامة يُسمى «فوائد الدين العام» أي تلك النفقات الضخمة التي تمنح للدائنين بعيدًا عن أقساط الدين نفسه، سندرك مع سلطان حجم هذه الكارثة التي حرص على إعطائنا إحداثيات واضحة لها: في موازنة 2017/2018 حصل الدائنون على 381 مليار جنيه كفوائد، بما يساوي 34 % من إجمالي المصروفات العامة لهذا العام، أو 63 % من حصيلة ضرائب العام نفسه. قبل 10 سنوات بالضبط، كان الدائنون يحصلون على نسبة 15 % من إجمالي المصروفات العامة في موازنة 2008/2009. هذا الارتفاع الصاروخي لحصة الدائنين لا يرتبط بحجم الدين بل يرتبط بأسعار فوائده.

ولأن 93 % من إجمالي فوائد الدين العام هي لديون داخلية حصرًا، فإن أسعار الفائدة الأساسية التي يحددها البنك المركزي سيكون لها التأثير الأكبر على حجم الفوائد التي تدفعها الدولة خدمةً لديونها، كما يقول سلطان، مما يعني أن كل قرار رفع لسعر الفائدة سيقتطع من حصة المجالات الأخرى التي تدعمها الدولة، وسيضطرها إلى قرارات من نوعية رفع أسعار الطاقة وفرض ضرائب جديدة كي تضمن لدائنيها حصتهم المتزايدة.

السبب السياسي لرفع البنك المركزي لأسعار الفائدة، كما يحدده سلطان ويتحدى به رواية البنك المركزي بخصوص «مكافحة التضخم»، هو تعويض الدائنين عما أكله التضخم من قيمة أموالهم، أيًّا كان تأثير هذا الرفع على حياة بقية المواطنين الذين سيضطرون إلى مواجهة مزيد من الضرائب من أجل إرضاء الدائنين، ويبرهن سلطان على ذلك بما حدث في موازنة 2016/2017 حيث نال الدائنون 70 % من كل الضرائب التي حصلّتها وزارة المالية، وعندما ارتفع التضخم رفع البنك أسعار الفائدة حمايةً لهم، وكلما عجزت الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها (في خدمة الدين)، قامت بفرض ضرائب جديدة على الناس لإرضاء هذه الفئة المدللة.

«أكبر من أن تُرى» جولة في أدغال السياسة الاقتصادية لمصر تسمح لنا، عن قرب وبلغة بسيطة، برؤية ما تحرص المؤسسات الاقتصادية على إخفائه. بعض هذه الأبعاد المهملة التي يسلط الكتابُ الضوءَ عليها لم نكن ننتبه إليه من قبل، وبعضها كنا نحس به ولو بشكل غامض. وهكذا يمكن القول إن ما لا يُرى نهائيًّا هو بديل الاستغلال والقهر الاجتماعي، وهو مرتبط بسعي الرأسمالية، كجزء من عملية هيمنتها، إلى فرض نفسها كقدر ميتافيزيقي لا يمكن تجاوزه، وتقديم أزماتها كواقع مفروض دون تبريراته وعلى المتضرر التكيف معه أو الهلاك بغض النظر عن رأيه. وهذا هو شرط الرأسمالية، الذي هو نفسه شرط الغابة.