مراجعات

منى أبو النصر

أشباح بروكسل".. جغرافيا سردية للخوف

2020.07.01

أشباح بروكسل".. جغرافيا سردية للخوف

 

لعل العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب واحدة من أبرز ثيمات رواية «أشباح بروكسل» للكاتب المصري محمد بركة، وهي أيضًا واحدة من أبرز تحديات الرواية، التي يبدو أن مؤلفها قد بحث مليًّا في حلول لتفادي التورط في تلك التحديات الروائية، فالعلاقة بين الشرق والغرب في حد ذاتها ثيمة مُكررة ومطروقة، وتم تناولها في العديد من الأعمال الأدبية العربية، لا سيما علاقة الحب التي تجمع شرقي بغربية، ومآلاتها ثقافيًّا واجتماعيًّا وإنسانيًّا، لعل أبرزها «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، ورواية «أصوات» لسليمان فياض، و«موسم الهجرة إلى الشمال» لعَلم الأدب السوداني الطيب صالح، وهي أعمال اعتبرت أيقونات لتلك الثيمة الأدبية، وهي على رأس قائمة تطول من العناوين.

إلى جانب ثيمة الشرق والغرب المُكررة، فإن بطل الرواية، الذي هو أيضًا اللسان السردي لها، هو صحفي مصري يُنتدب إلى العاصمة بروكسل، ليخوض رحلة صحفية تتعرض للعديد من المشاهد التي يقابلها اللاجئون إلى أوروبا، والهجرة غير الشرعية، والعمليات الإرهابية التي زعزعت الاستقرار الأوروبي، وعمليات الاشتباه الواسعة ضد العرب، لتجمع الحابل بالنابل، وغيرها من المشاهد التي ملأت الفضاء الصحفي ولا زالت، وهي هنا في الرواية تحدٍ آخر أمام السرد، فهي تمثل مساحة أفقية رئيسية للأحداث ضمن مهمة بطل الرواية «مكاوي» الصحفية، وفي الوقت نفسه فإن الاستسلام لقبضة تلك المساحة ذات الملامح الصحفية الواقعية والتقريرية أحيانًا، كان من الممكن أن يقضي على فنيات الرواية، وهو الأمر الذي أدركه الكاتب فحاول خلق مساحة موزاية للسرد، تُسلط الضوء على شخصية البطل وعالمه، وخلفيات حياته المُمتدة مع الفرص الضائعة، وألاعيب الوقت والمكان، والحاضر المرتبك لدرجة فقدان الاتزان، وذلك بالاستعانة بتقنيات تنحاز للوصف الجمالي، ما منح النص الروائي قدرة على مقاومة تحدياته السردية والانطلاق دون قيوده، والعزف بخفة على أوتار اليوميات والذاكرة والوصف والتقاط المعاني.

بدايات شاعرية

بطل الرواية «مكاوي» لا يُعاني أزمة هُوية بمعناها التقليدي؛ فهو يرحل عن مصر في مهمة صحفية، ظاهرها مهمة ربما يحسده عليها زملاؤه، إذ يتجه إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي بكل ألقها الكلاسيكي وتحضرها الشديد، أما باطنها فهو إبعاده عن العمل بالصحيفة عبر تهميشه وإقصاء صوته المُشاكس في جريدته القومية المُحافظة، فيذهب إلى مأموريته الجديدة إلى بروكسل حاسمًا موقفه من صحيفته، وكذلك حاسمًا لموقفه الاجتماعي؛ فهو مُنفصل عن زوجته أم ابنته، ويختار الكاتب أن يظهر منذ الأعتاب الأولى للرواية تماهي بطله في علاقة عاطفية شفيفة، استهل بها الكاتب روايته بإيقاع خفيف، ولغة لامعة عبر مشهد خلال جولة استكشافية يشارك بها «مكاوي» و»كارلا» ضمن رحلة جماعية تقصد محمية طبيعية ذات زهور نادرة وطيور مُهاجرة، وعلى الرغم من أن مظاهر الطبيعة الخلابة مسيطرة على المشهد فإن المؤلف يضع القارئ سريعًا في قلب هذا التوتر المُزاحم لسياق العلاقة بين عربي وغربية، حتى ولو كانت تلك العلاقة لا زالت في بدايات الحب الشاعرية الأولى.

صنيع المطر

رواية «أشباح بروكسل»، صادرة في 2020 عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهي العمل الثامن في رصيد الكاتب محمد بركة الذي يتنوع بين القصة والرواية. يصنع بركة في روايته الأحدث كثيرًا من محطات المجاز الجمالية التي يُشيد بها عالمًا موازيًا لعالمه مع صديقته الإيطالية «كارلا» وعالم مُهمته الصحفية، من بين مواطن المجاز تلك التقاطه لحركة المطر، ما بين نعومة وقسوة، وصنيع الطقس كحركة توازي صنيع حركة الأحداث وتقارب إيقاعاتها وحذرها، فالمطر في الرواية حارس لحب مجنون أحيانًا، وكما يذكر «وتحت المطر الذي يتساقط عنيفًا وكأن شيئًا ما أغضبه، نركض مثل مجاذيب السيدة زينب وأولياء سيدنا الحسين دون مظلة في الحواري الضيقة ذات البلاط الأسود والمباني العتيقة الملاصقة لعاصمة حكمت يومًا ما ثلاثة أرباع الكرة الأرضية». وفي مواضع أخرى يمرَّر الكاتب المطر في السرد كمُحرض على تأمل صخب الحياة الجديدة للبطل، ونوستالجياه التي تقتحم يومياته الباردة في بروكسل، حيث المطر هناك قاعدة لا استثناء، يتأمل في واحد من مشاهد هطول المطر الرمزية في الرواية «أحببت المطر.. ظل أحد مصادري السرية للحصول على هذا المزيج النادر من السعادة والعزلة معًا.. كنت كتكوتًا لم يخرج بعد من البيضة، وأنا أركع على فراشي المُلاصق لنافذة تُطل مباشرة على الطريق، لأراقب انفجارات حباته الفضية.. كلما مسَّت صفحة المياه في ترعة صغيرة تروي حقول البرسيم.. رومانسيًّا أبعث برسائل معه إلى الطبيعة، وساذجًا أجهل ما سيحدث بعد دقائق للطرق والشوارع الطينية في البلدة، التي يقول أهلها إنه ما أسهل أن تغرق في شبر ميه» في تراسل شجي محفوف برغبة البطل في الانزواء في كنف دائرته النادرة من السعادة والعزلة معًا.

يستدعي البطل «مكاوي» حقول البرسيم، ورائحة الطين وهو في قلب العاصمة بروكسل في مقر إقامته الجديد الذي يفصل بينه وبين مكتبه الصحفي خمس دقائق، فأسئلة الهُوية والمكان تُزاحم هذا البطل، إلى الحد الذي لا يمكن التحرر منها، حتى وهو في غمرة يوميات وتجارب جديدة، وحتى في علاقته بـ»كارلا» التي تتأرجح على مدار الرواية، فهو الغارق في الأسئلة، وهي الفنانة والمصورة الغارقة في الأحلام، وهي الملامح الشخصية التي لا يُصرح بها السرد بقدر ما يُلمح بها عبر تفاصيل يومية عادية، كأن يقول على لسان بطله «وضعت رأسها على كتفي وراحت سريعًا في النوم كما هي عادتها التي أحسدها عليها من كل قلبي أنا المنذور للأرق وعذابات النوم المتقطع».

مُدن عجوز

يُضيف المؤلف محطة أخرى بالإضافة إلى بروكسل والقاهرة التي لم تظهر في الرواية سوى في ذكريات صاحبها، وهي روما؛ موطن كارلا، التي يذهب لزيارتها، ويُفاجئ بأن توقعاته الساحرة عن روما كانت تفيض عن واقعها، ويغرق في مقارنة هوامش تلك المدينة العجوز بعاصمته القاهرة، وهي مقارنة لصيقة بالنزعة الشخصية لبطل الرواية الغارق داخل ذاته ومشاهداته، يقول «روما هي النسخة الأوروبية من القاهرة، أو لنقل إن الأخيرة تُعد النسخة الشرقية من الأولى، أي أنه باستثناء جرعة الفوضى التي زادت في العاصمة المصرية، ونسمات النظام التي لا تزال تهب على نظيرتها الإيطالية، فأنت أمام مدينتين عجوزين ولدتا للأب نفسه مُتعدد العلاقات الغرامية، البحر المتوسط يفصل كلتيهما عن ساحله ما يقرب من ساعتين، غير إن إحداهما جاءت شبه شقراء، بينما الأخرى شبه سمراء، وفي الحالتين بقيت الأم مجهولة». 

ولعل تلك القراءة التي يتركها الكاتب محمد بركة منطوقة ولامعة داخل عقل بطل الرواية، واحدة من مُرتكزات الرواية، التي تتأمل المكان، وروابطه التاريخية، وسياقاته الرمزية، فيجمع بين القاهرة وروما برباط الدم، وديمومة الأنوثة، ولعل هذه المقاربة بين المدينتين «العجوزين» هو ما جعل الكاتب يختارهما كخلفية ومرجعية مكانية لبطلي قصة حب الرواية، حيث الطابع الثقافي المشترك، ذلك الذي يسعى إلى إيجاد مسارات للقاء على ضفاف البحر المتوسط، وكأن انحياز الكاتب هنا للقاء والتواصل الممكن دائمًا، تواصل روحي وجسدي، ما بين جنوب وشمال، شرق وغرب، مد وجزر، انطلاق وانكماش، جميعها أوجه للعلاقة بين «مكاوي» و«كارلا» على مدار الرواية.

زحام وعزلة

تنزع شخصية مكاوي إلى التأمل النابع من خلفيته الصحفية والثقافية، والرومانسية أيضًا، فهو يتأمل علاقته بكارلا التي يخشى وقوعها في فخ الفقد، ولا يستطيع مصارحتها بتلك الهواجس. تتيح له زيارة روما فرصة أخرى لتأمل ذاته، هو المسافر من النقيض للنقيض، من الفوضى إلى الانضباط، من زحام القاهرة إلى عزلة بروكسل، من الشمس إلى الغيوم، لتكون روما هي محطته الانتقالية «من جنوب مُثقل جئت منه وشمال يشف ويرف في نسيم الرفاهية حللت به». في وعي كامل بجغرافيات التغيير التي تعصف بحياته.

يطرق الكاتب أبواب اللاجئين وملفاتهم المُكدسة عبر مهمة «مكاوي» الصحفية في بروكسل، الذي يقترب من معسكرات اللجوء العشوائية، والنشطاء البلجيك، واللجوء الاقتصادي المُتحايل الذي يرتدي قناع اللجوء الإنساني، يلتقي بطل الرواية في لحظة تشتت داخل مخيمات اللجوء بـ «هيثم العراقي» اللاجئ الذي يُحرك المياه الراكدة في تحقيقه الصحفي، بعد أن يشرع أمامه بابًا واسعًا من الحكايات التي مرّ بها بداية من عصابات الهجرة، مرورًا بهروبه من السواحل التركية إلى بلجيكا المُتحررة نسبيًّا من التحرش العنصري لتعددها الثقافي، والثمن الباهظ الذي دفعه لمغامرة الوصول لها «فليست الجنة الأوروبية كُلاً واحدًا وإنما حتى في الفردوس الناس طبقات» حسب اللاجئ العراقي الذي صار عين مكاوي على دراما الهجرة.

يجعل الكاتب من خيط اللجوء وحكاياته، التي يتتبعها مكاوي صحفيًّا، واحدًا من خيوط السياق المشهدي في بروكسل أو «المدينة الرمادية» كما كان يسميها، فبروكسل التي يصفها لاجئ بأنها الأقل في التحرش العنصري، تدخل في موجات من عمليات «الذئاب المنفردة» التي اجتاحت أوروبا في فترة من الفترات، لتتصاعد معها كوامن الغضب تجاه كل ما هو عربي، وإسلامي، وتوجس أكبر تجاه اللاجئين، يُسجل البطل (بروكسل تحت الحصار) العنوان الأشهر في الصفحات الأولى، للمرة الأولى تشهد المدينة تظاهرات حاشدة ضد كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة. تراجعت الحكومة الفيدرالية عن خطط سابقة لاستيعاب خمسين ألف لاجئ مسلم. وحين كان أحدهم يجادل بأنه ليس كل المسلمين إرهابيين، يجد الجميع يصرخ بوجهه: نعم، ولكن الصحيح أيضًا أن كل الإرهابيين مسلمون.

لم يعد المتسولون من أوروبا الشرقية يطاردون الخارجين من المركز الإسلامي بعد صلاة الجمعة بالكلمة العربية الوحيدة التي يحفظونها: صدقة! صدقة! وقد تبنت البلاد مصطلح الدواعي الأمنية بمعناه الشرق أوسطي، أي أن يظل فضفاضًا دون تحديد لتستخدمه السلطة في التنكيل بمعارضيها. وتحت هذا العنوان المطاط شهدت المملكة الهادئة التي اعتادت أن تستحم في نهر التسامح أكبر برنامج لترحيل الأجانب.

لغة شعرية على الرغم من الخوف

وجد الكاتب في سرد تلك التطورات التي نمت داخل المدينة الأوروبية، لا سيما بعد وقوع هجوم على مفاعل نووي بشمال بلجيكا، ما يوقظ المارد الكامن، لتبدأ حملة مداهمات تشكيكية ضد كل من هو عربي، فأوجد محاولات للخروج من فخ الكتابة التقريرية المباشرة، مخافة تحويل الرواية إلى منشور سياسي، أو رصد وثائقي لأحداث بعينها حتى لو كانت مفصلية، وربما هذا ما جعله يصنع لبطله «مكاوي» سياقًا دراميًّا موازيًا لفوضى المدينة الرمادية، حيث يجد فيه نفسه متورطًا في ابتزاز يُهدد مهنته ووظيفته وسمعته، ما يجعله يبحث لنفسه عن خطة إنقاذ، وهجرة جديدة بحثًا عن النجاة، تتزامن مع رفع حالة الاستنفار الأمني في البلاد إلى الدرجة الرابعة «القصوى»، في تصعيد سردي للحالة الخاصة لمكاوي، والسياق السياسي والاجتماعي والإنساني في بروكسل، باعثًا برائحة الخوف لتضرب الأجواء في مقتل.

تحتفظ لغة الرواية حتى مع احتدام الحدث السياسي والشخصي للبطل، بأسلوبها الشعري المتأمل في الجماليات المُحيطة، أو المُتخيلة التي يضعها الكاتب على لسان بطله، فوصف الطبيعة، كما أشرنا سابقًا إلى ثيمة «المطر»، متواصل على مدار الرواية، في وعي من الكاتب باعتداده بالوصف، وتقصي الجماليات كأسلوب أدبي لا ينفصل عن السياق السردي المُرتكز على أحداث واقعية، وحرص عليه أكثر مخافة التورط في الانسحاب السردي لصالح الأحداث الصحفية في الرواية التي هي من صميم مهمة البطل، وكذلك في صميم رحلة الرواية.

فترى البطل وكارلا وهم في وداع بروكسل مُدججين بالخوف، يجران حقائب صغيرة تمنحهما بعض الخفة التي تعوض ثقل القلب والخيبة، ولكن هذا لا يُنسي البطل أن يُلقي بنظرة أخيرة على بروكسل، بطابعه الشخصي المتمعن في التقاط التفاصيل الشعرية التي تعكس دومًا مشاعره بذكاء كمرآة صدق «الثلوج قبلات ناعمة تطبعها على خدك امرأة مجربة تعرف فضيلة البطء وتتمرد على عصر السرعة. الرذاذ معلق بالرموش، وهداياه التذكارية معلقة بمداخن البيوت والواجهات الزجاجية المضاءة طوال الليل. ملاءة بيضاء هائلة تفرش الطرقات والأشجار».

أشباح الحياة

مع تصاعد الحدثين الخاص والعام في الرواية، ودخول الرواية في نفق النهاية تكون ثيمة «الخوف» قد تمكنت من عروق السرد، لتتسع دائرة تأويل ثيمة «الأشباح» التي عنون بها الكاتب روايته «أشباح بروكسل» فالأشباح في معناها الأقرب ربما تُحيل إلى عناصر «الذئاب المنفردة» الإرهابية، التي تُشعل الفوضى والقتل والدماء في ضربات قاسمة سرعان ما يتبخر أصحابها في أداء يُحيل للصورة الذهنية لـ»الأشباح»، وفي رؤية أخرى ربما تنطلي ثيمة الأشباح على جميع التساؤلات، الوجوه، الابتزازات، الدفاع عن الذات، القصة القديمة التي انتهت بالانفصال في مصر، زخات المطر، جميعها «أشباح» تذوب وتهب في الوقت الذي لا تقرره، فالبطل الذي تنتهي الرواية بمشهد يجمعه وكارلا في المطار استعدادًا لسفر جديد، لم يقرر من الأصل أن يأتي إلى بروكسل، لم يسع إليها، لم يرى نفسه يومًا في مشهد مُطاردة عابرًا بوابات المطارات بخوف، ورعدة، فهو مُشتبه به، وضحية ابتزاز، ربما الأشباح قابعة داخل أسوار عقله الذي لم يتوقف عن سؤال «من أنا.. وأي شيء جئت أبحث عنه في أوروبا؟». صورة الشبح مُتمكنة منه حتى في أقصى درجات قربه من كارلا، كما حدّث نفسه مرة عن تعلقها به بقوله « كانت تلح دائمًا على الإشارة إليَّ، أنا الذي تعبت من الالتزام ولم أعد أعرف معنى للانتماء، باعتباري مكونًا أساسيًّا من مكونات وجودها. حاولت مرارًا أن أقنعها أنني مجرد موجة أخرى ستتحطم عما قريب على الشاطئ، وأنها لا يمكن أن تتعلق بشبح عابر، لكني توقفت عن محاولاتي حين لاحظت أنها لا تزيدها إلا عنادًا وإصرارًا على إثبات العكس».

ولعل هذا البطل الروائي الذي يصف نفسه ذات مرة بـ«الشبح العابر»، هو البطل المُتنقل غير المستقر بحال، بما يقترب من واحدة من التأملات الذاتية التي كتبتها الأديبة الفلسطينية اللبنانية الرائدة مي زيادة (1886 - 1941) عن نفسها ذات مرة تقول فيها «وُلدت في بلد، وأبي من بلد، وأمي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد»، أشباح البطل كذلك تتنقل معه من بلد إلى آخر، فهو مزدحم بأشباح المكان، والحب، والمهنة، والإخفاق، والابنة البعيدة، والرغبة، والآخر، وهي جميعها ثيمات لم تصل إلى درجة من اكتمال المعنى، ما يستقر بهم كأشباح؛ أشباح الحياة، التي تأملها الروسي أنطون تشيخوف (1860-1904) ذات يوم في مقارنة مع أشباح الموت، تساءل «لماذا شقي هاملت بأشباح ما بعد الموت، في حين أن الحياة نفسها مسكونة بأشباح أشد هولاً؟».