عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

تحقيقات

أشرف إبراهيم

الاستعمار الجديد في أفريقيا ونهب المعادن

2025.07.14

مصدر الصورة : آخرون

تمت الترجمة بواسطة: كيف تسرق أوروبا والصين مستقبل أفريقيا

كيف تسرق أوروبا والصين مستقبل أفريقيا

 

يعيش العالم لحظة مفصلية من تاريخه البيئي والاقتصادي، حيث تبرز قضية التحول الطاقي كواحدة من أعقد قضايا التحولات وأكثرها تأثيرًا في العلاقات الدولية والتنمية المستدامة. ومع اقتراب عصر الوقود الأحفوري من نهايته، لم تعُد الحروب والمعارك الجيوسياسية تُخاض من أجل النفط والغاز فقط، بل صارت المعادن والمواد الخام -مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس- هي جوهر المنافسة العالمية.

تدخل إفريقيا ، الغنية بثرواتها الطبيعية والفقيرة سياسيًّا واقتصاديًّا، مرة أخرى في قلب هذه الديناميكيات، بينما تسعى أوروبا إلى تأمين استقلالها الطاقي من خلال شراكات بديلة ومستدامة. في المقابل، تحركت الصين بخطى سريعة ومبكرة، لتكسب مواقع إستراتيجية في القارة السمراء عبر استثمارات ضخمة وتحالفات طويلة الأمد.

وسط هذا المشهد، تظهر تساؤلات ملحّة: هل يعاد إنتاج الاستعمار، ولكن بأدوات اقتصادية جديدة؟ وهل تملك الدول الإفريقية القدرة على مقاومة هذه الضغوط وتوظيف مواردها لخدمة تنميتها؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا في صياغة نموذج أكثر توازنًا؟ هذه المقالة تحاول سبر أغوار هذه الأسئلة.

أولًا، المعادن والمواد الخام: الثمن المدفوع للتحول الطاقي

مع تصاعد الطلب العالمي على الطاقة النظيفة، صار الحديث عن الليثيوم والكوبالت والنحاس شبيهًا بما كان عليه النفط في القرن العشرين. هذه المعادن تمثل العمود الفقري للتقنيات الخضراء الحديثة مثل البطاريات، السيارات الكهربائية، الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح. إلا أن هذا الطلب المتزايد جاء على حساب الإنسان والبيئة في الدول المنتجة، وخاصة في إفريقيا وأميركا اللاتينية.

الإنتاج العالمي للمعادن الحيوية  (2023)

المعدن

الإنتاج السنوي (2023)

الدول الرئيسية المنتجة

الليثيوم

180,000 طن متري

أستراليا، تشيلي، الصين

الكوبالت

170,000 طن متري

الكونغو الديمقراطية (%70)

النحاس

22,000,000 طن متري

تشيلي، البيرو، الكونغو الديمقراطية

كما يوضح الجدول السابق، يحتل النحاس الحصة الأكبر من الإنتاج عالميًّا، بينما يشهد الليثيوم والكوبالت نموًّا سريعًا بفعل الطلب الصناعي.

  • ثمن بيئي وبشري باهظ

في الكونغو الديمقراطية، التي تنتج أكثر من 70% من الكوبالت عالميًّا، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 40 ألف طفل يعملون في مناجم الكوبالت في ظروف قاسية، دون حماية صحية أو قانونية. وتشير دراسات طبية إلى أن المجتمعات القريبة من المناجم تعاني من نسب مرتفعة من أمراض الجهاز التنفسي والسرطان، إلى جانب تلوث المياه والتربة.

التحديات المرتبطة بهذه الموارد

التحدي

التفاصيل

الاستغلال غير العادل

أجور متدنية، غياب الحقوق، العمل القسري خاصة للأطفال

التلوث البيئي

تلوث المياه بالمعادن الثقيلة، انبعاثات سامة من التفجيرات

الفساد والاحتكار

تداخل مصالح شركات أجنبية مع نخب محلية تعيق التنمية المستدامة

توقعات مستقبلية

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الليثيوم بنسبة %700+ بحلول عام 2040، وعلى الكوبالت بنسبة +500%. وسيزيد الطلب العالمي على النحاس بنسبة +40% بحلول 2040، نتيجة لتوسع البنية التحتية للطاقة المتجددة.

رغم أهمية هذه المعادن في بناء مستقبل منخفض الكربون، فإن تكلفة استخراجها تحمل أوجهًا من اللاعدالة البيئية والاجتماعية. ما لم يتم فرض معايير دولية شفافة لتنظيم السوق، وضمان حقوق المجتمعات المنتجة، فإن التحول الطاقي الأخضر قد يتحول إلى شكل جديد من الاستغلال العالمي، يحمل الطابع "الأخضر" لكنه يخفي وراءه مآسي إنسانية وبيئية.

ثانيًا، الصين في إفريقيا - شراكة أم هيمنة جديدة؟

  • الصين اللاعب الأبرز في إفريقيا

خلال العقدين الماضيين، استطاعت الصين أن تفرض نفسها كأقوى فاعل اقتصادي في القارة الإفريقية، ليس فقط عبر التجارة، ولكن عبر الاستثمارات المباشرة، وخصوصًا في قطاع التعدين ، حيث تتواجد معادن إستراتيجية ضرورية للتحول الطاقي العالمي.

  • نمو الاستثمارات الصينية في إفريقيا

وبحسب تقارير البنك الدولي، ارتفع الاستثمار الصيني المباشر في إفريقيا من نحو 26 مليار دولار في 2013 إلى حوالي 49 مليار دولار في 2022 ، ما يجعل الصين أكبر شريك استثماري للعديد من الدول الإفريقية.

يوضح الرسم البياني أعلاه النمو المطّرد في الاستثمارات الصينية خلال العشر سنوات الماضية، وهو ما يعكس توسعًا إستراتيجيًّا مدروسًا.

  • الصين والكوبالت في الكونغو الديمقراطية

تستحوذ الشركات الصينية على 15 من أصل 19 منجمًا رئيسيًّا للكوبالت في الكونغو الديمقراطية. وتشير التقديرات إلى أن 70% من الكوبالت الذي يُستخدم عالميًّا يأتي من الكونغو، وتذهب النسبة الأكبر منه إلى الصين، حيث يُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والإلكترونيات. وتتهم منظمات حقوق الإنسان هذه الشركات باستغلال العمالة المحلية ، والتسبب في تلوث واسع النطاق للمياه والهواء، إلى جانب العمل مع نخب فاسدة لضمان الامتيازات.

أهم مجالات النفوذ الصيني في إفريقيا

القطاع

ممارسات الصين

الأثر في الدول الإفريقية

التعدين

استحواذ على المناجم، غياب الشفافية في العقود

فقدان السيطرة الوطنية على الموارد

البنية التحتية

بناء طرق، موانئ، وسكك حديدية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"

ديون متراكمة، تحكم إستراتيجي في المرافق الحيوية

التجارة

واردات ضخمة من المواد الخام، وصادرات صناعية

عجز تجاري لصالح الصين، قتل الصناعات المحلية

 

  • التحديات والمخاوف:
  1. ديون مرهقة : بعض الدول الإفريقية مثل زامبيا وأنغولا، تعاني من ديون ضخمة للصين، تجاوزت نسبتها 30% من الناتج المحلي.
  2. انعدام القيمة المضافة : تستخرج الصين الموارد الخام دون أن تستثمر في تطوير الصناعات التحويلية محليًّا.
  3. التأثير السياسي : الصين تستخدم قوتها الاقتصادية للضغط على الحكومات، وشراء النفوذ، وغالبًا تتجاهل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
  • رؤية مستقبلية

رغم ما توفره الصين من فرص تمويل وتنمية للبنية التحتية، فإن الشراكة غير المتكافئة تثير تساؤلات عميقة حول السيادة الاقتصادية و العدالة البيئية . في حال لم تُقيد هذه العلاقة بأطر قانونية عادلة، فقد يتحول التعاون الصيني-الإفريقي إلى نسخة معاصرة من الهيمنة الاستعمارية الناعمة ، بثوب حديث لكنه محمّل بأعباء الماضي.

ثالثًا، أوروبا - بين الاستقلال الطاقي والمسؤولية الأخلاقية

أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى قلب المعادلة الطاقية في أوروبا، حيث كانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على روسيا بنسبة تتجاوز 40% من واردات الغاز و 30%من النفط . ومع اندلاع الصراع عام 2022، وجدت أوروبا نفسها أمام حاجة ملحّة لإعادة هيكلة منظومتها الطاقية ، وبسرعة.

  • تحوّل استراتيجي بعد 2022

وفقًا للمفوضية الأوروبية، انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي من 50 مليار يورو سنويًّا قبل 2022 إلى 20 مليار يورو فقط بعد 2023، بينما تراجعت واردات النفط من 60 مليارًا إلى 25 مليارًا .

أبرز خطوات أوروبا نحو الاستقلال الطاقي

المبادرة / الأداة

الهدف

الدول المستهدفة

REPowerEU

خفض الاعتماد على روسيا وزيادة الطاقة المتجددة

 دول الاتحاد كافة

مبادرة البوابة العالمية (Global Gateway)

استثمارات بـ 300 مليار يورو في البنية التحتية العالمية

إفريقيا، أمريكا اللاتينية، آسيا

مشاريع الهيدروجين الأخضر

خلق مصادر بديلة للطاقة النقية

ناميبيا، مصر، تشيلي

 

  • الهيدروجين الأخضر: رهان أوروبا الجديد

تراهن أوروبا على أن تصير القارة الرائدة في إنتاج واستهلاك الهيدروجين الأخضر بحلول 2030، عبر شراكات إستراتيجية مع دول جنوبية ذات قدرة شمسية عالية. أبرز هذه الشراكات:

  1. ناميبيا : مشروع Green Hydrogen بمليارات الدولارات لتصدير الهيدروجين إلى أوروبا.
  2. مصر : شراكة استراتيجية تشمل منشآت ضخمة لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية والرياح.
  • التحدي الأخلاقي: الاستدامة أم الاستغلال؟

رغم الطابع "الأخضر" لهذه المبادرات، يواجه الاتحاد الأوروبي انتقادات متزايدة بأنه يعيد إنتاج نمط غير متكافئ من الشراكات :

  1. تمويل المشاريع من الخارج دون تمكين محلي حقيقي.
  2. غياب الشفافية في العقود والضمانات البيئية.
  3. إغفال البعد الاجتماعي وحقوق المجتمعات المحلية.
  • مستقبل الشراكة: الفرص والمخاطر

رغم الفرص الهائلة التي توفرها هذه المبادرات لدول الجنوب، فإن نجاحها يتوقف على:

  1. إشراك المجتمعات في التخطيط والتنفيذ.
  2. نقل التكنولوجيا، لا مجرد التصدير الخام.
  3. الالتزام بالقيم البيئية والاجتماعية.

ولا يمكن تحقيق استقلال طاقي حقيقي لأوروبا إذا ما كان مبنيًّا على الاعتماد غير العادل على الدول الأخرى. فالتحول الأخضر يجب أن يكون شاملًا وعادلًا في آنٍ واحد.

رابعًا: البعد التاريخي والاستعمار الجديد

لا يمكن فهم الواقع الطاقي والاقتصادي الحالي في إفريقيا دون التطرق إلى الإرث الاستعماري الثقيل الذي لا يزال يلقي بظلاله على القارة. فبينما انتهى الاستعمار الرسمي منتصف القرن العشرين، فإن أنماطًا جديدة من السيطرة ظهرت تحت مسمى "الاستثمار" و"الشراكة"، تُعرف اليوم باسم الاستعمار الجديد .

  • من الاستعمار العسكري إلى الهيمنة الاقتصادية

خلال القرن التاسع عشر وبداية العشرين، كانت القوى الأوروبية: فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، ألمانيا، والبرتغال، تسيطر مباشرة على 90% من الأراضي الإفريقية. لكن اليوم، تتجلى السيطرة عبر أدوات أخرى: الشركات متعددة الجنسيات، الديون الخارجية، العقود غير المتكافئة، وهيمنة السوق العالمية على تسعير الموارد.

الفترة

طبيعة السيطرة

الأدوات المستخدمة

1900-1950

استعمار مباشر

الجيوش، المستوطنات، الإدارة الاستعمارية

1960-1990

استقلال سياسي شكلي

دعم نخب تابعة، انقلابات، قروض مشروطة

2000-الآن

استعمار اقتصادي ناعم

الاستثمارات غير المتوازنة، الهيمنة على الموارد، التحكم في الأسواق

 

  • أمثلة حية للاستعمار الجديد:
  1. الكونغو الديمقراطية : رغم حصولها على الاستقلال عام 1960، لا تزال مواردها تحت سيطرة خارجية. معظم مناجم الكوبالت اليوم تُدار من قبل شركات صينية وبلجيكية، بينما يبقى السكان المحليون دون خدمات أساسية.
  2. مالي والنيجر : شركات فرنسية تستخرج اليورانيوم والذهب، في حين يعيش السكان في فقر شديد وتحت تهديدات أمنية مستمرة.
  3. زامبيا وأنغولا : تعاني من ديون هائلة للصين، ما أدى إلى فقدان السيطرة على بعض المرافق العامة لصالح الجهات الدائنة.
  • الاستعمار الجديد في أرقام

بحسب دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد (2022) فإن أكثر من 65% من العقود الاستثمارية في إفريقيا لا تُنشر بشكل علني ، ما يزيد من فرص الفساد وسوء الإدارة. وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن 80% من العوائد ننتيجة تصدير المعادن الإفريقية تعود إلى شركات أجنبية ، في حين لا تتجاوز نسبة ما يعود إلى الميزانيات الوطنية 10-15% .

  • الوعي التاريخي والعدالة التصحيحية

من الضروري إعادة الاعتبار إلى ما تعرضت له إفريقيا من نهب منظم خلال الحقبة الاستعمارية، وما يزال مستمرًّا بشكل آخر. العدالة التاريخية تفرض:

  1. الاعتراف الرسمي بالانتهاكات.
  2. إرجاع الممتلكات الثقافية والتاريخية المسروقة.
  3. إدراج تاريخ الاستعمار في المناهج الأوروبية.
  4. تصميم سياسات تعويضية تشمل الاستثمار في الصحة والتعليم والتنمية المحلية.

❗التحول الطاقي الأخضر العالمي لا يمكن أن يُبنى على أكتاف شعوب ما زالت تعاني من آثار استعمار قديم يتخذ أشكالًا جديدة. لا يكفي أن نغير لغة السيطرة - علينا تغيير منطقها بالكامل.

خامسًا، الأثر البيئي والصحي - التكاليف المخفية

رغم أن التحول نحو الطاقة المتجددة يُقدَّم كحل لأزمات المناخ، فإن استخراج المعادن الضرورية لهذا التحول يخلّف وراءه آثارًا بيئية وصحية كارثية، خاصة في الدول النامية التي تُستخرج منها الموارد بكثافة، مثل: الكونغو، زامبيا، غينيا، ومالي.

  • التلوث البيئي واسع النطاق

تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن أكثر من 75% من مناطق التعدين في إفريقيا تعاني من تلوث المياه الجوفية نتيجة استخدام السيانيد والزئبق في استخراج الذهب، أو الأحماض في استخلاص النحاس والكوبالت.

نوع التلوث

النسبة التقديرية في مناطق التعدين الإفريقية

تلوث المياه الجوفية

75%

تلوث الهواء

60%

تدهور التربة

55%

فقدان التنوع البيولوجي

50%

 

هذه الأرقام تشير إلى أن المناطق المحيطة بالمناجم تتحول تدريجيًّا إلى "مناطق تضحية"، حيث تُهمّش البيئة من أجل تحقيق أرباح قصيرة الأجل.

  • أزمات صحية خانقة

ترتبط الأنشطة التعدينية بارتفاع كبير في معدلات الأمراض التنفسية والجلدية، إضافة إلى السرطانات والأمراض المزمنة. ففي منطقة "كولويزي" في الكونغو الديمقراطية، أظهرت دراسة طبية عام 2022 أن 43% من السكان يعانون من أمراض تنفسية مزمنة بسبب الغبار المعدني المنبعث من المناجم. وفي زامبيا، تَبيَّن أن الأطفال الذين يعيشون قرب المناجم لديهم مستويات رصاص في الدم أعلى بـ 5 مرات من المستويات الآمنة بحسب منظمة الصحة العالمية.

  • آثار مستدامة في النظم البيئية

تؤدي عمليات التعدين إلى إزالة الغابات بشكل كثيف، تغيير مجرى الأنهار، وانقراض أنواع نادرة من النباتات والحيوانات. وهو ما يُحدث خللًا طويل الأمد في النظم البيئية، يعيد تشكيل المناطق بيئيًّا بطريقة لا يمكن عكسها بسهولة.

  • غياب الحماية التنظيمية

تعاني العديد من الدول الإفريقية من ضعف الإطار التنظيمي البيئي:

  1. غياب تقييم الأثر البيئي الحقيقي قبل المشاريع.
  2. انعدام المحاسبة القانونية للشركات متعددة الجنسيات.
  3. ضعف الرقابة على تصريف النفايات الخطرة.

لا يمكن أن نبني التحول الطاقي على أنقاض الصحة العامة والبيئة. وإنما يجب أن تكون هناك معايير دولية صارمة تفرض على المستثمرين احترام البيئة وصحة السكان.

سادسًا، السياسة والفساد - عوائق داخلية وخارجية

رغم الإمكانات الهائلة التي تملكها القارة الإفريقية من حيث الموارد الطبيعية، فإن الكثير من دولها تُعاني من عوائق سياسية وبنيوية تعرقل أي تحول حقيقي نحو التنمية المستدامة أو الاستفادة العادلة من ثرواتها. الفساد، ضعف الحوكمة، وتداخل النفوذ الخارجي هي ثلاثة أعمدة رئيسية لهذه العوائق.

  • الفساد المؤسسي: نزيف صامت

تحتل معظم الدول الإفريقية مراتب متدنية في مؤشرات الشفافية الدولية. على سبيل المثال:

الدولة

الترتيب في مؤشر مدركات الفساد (2024)

ملاحظات رئيسية

الكونغو الديمقراطية

162

1. ضعف مؤسسات الدولة وانعدام الشفافية

2. الفساد في قطاع الثروات الطبيعية

3. النزاعات المسلحة و"اقتصاد الحرب"

4. ثقافة الإفلات من العقاب

5. قيود على المجتمع المدني والإعلام

نيجيريا

140

1. فساد قطاع النفط

2. ضعف تنفيذ القوانين وغياب المحاسبة

3. الرشوة اليومية والمؤسسية

4. تسييس مكافحة الفساد

5. ضعف الرقابة البرلمانية والإعلامية

أنجولا

121

1. تراكم إرث سياسي واقتصادي فاسد

2. ضعف استقلالية القضاء

3. الاقتصاد الريعي ونقص الشفافية المالية

4. قيود على الإعلام والمجتمع المدني

5. الضعف في مكافحة غسل الأموال

مصر

130

1. ضعف الشفافية في الإنفاق العام

2. ضعف استقلالية الجهات الرقابية والقضائية

3. قيود على الصحافة والمجتمع المدني

4. غياب المنافسة في التعاقدات الحكومية

5. الاقتصاد غير الرسمي وضعف الحوكمة المحلية

6. غياب آلية ردع فعالة للفساد

المصدر: منظمة الشفافية الدولية - تقرير 2023 .

وتُقدّر الخسائر نتيجة الفساد المرتبط بقطاع الموارد الطبيعية في إفريقيا بنحو 88 مليار دولار سنويًّا ، بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (UNECA).

  • تدخلات خارجية تخدم المصالح لا التنمية

تلعب بعض القوى الكبرى دورًا في تغذية بيئات الفساد لضمان استمرار تدفق الموارد بشروط غير عادلة:

  1. عقود استثمار سرية أو بلا رقابة برلمانية.
  2. دعم سياسي لنخب محلية موالية.
  3. تجاهل الانتهاكات البيئية والاجتماعية.

وقد كشفت تحقيقات عدة، مثل تحقيقات "وثائق باندورا"، عن تورط شركات دولية في رشاوي ضخمة لمسؤولين أفارقة مقابل امتيازات تعدين ونفط.

  • هشاشة السيادة الاقتصادية

رغم الاستقلال السياسي، لا تزال دول عديدة تُعاني من التبعية الاقتصادية عبر الديون الخارجية، و إملاءات مؤسسات التمويل الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين. وتعاني كذلك من الضعف في التفاوض التجاري مع الشركات متعددة الجنسيات. وتؤدي هذه التبعية إلى ضعف قدرة الحكومات على وضع سياسات تحمي البيئة أو المجتمعات المحلية من الاستغلال.

  • الأثر الاجتماعي والسياسي:
  1. ضعف الثقة بين المواطن والدولة.
  2. اندلاع احتجاجات شعبية ضد المشاريع الاستخراجية.
  3. انتشار النزاعات المحلية حول الأرض والموارد.

وفي السودان ونيجيريا وموزمبيق، أدى تهميش المجتمعات المنتجة للموارد إلى تفاقم العنف الأهلي والتمرد المسلح .

  • الخلاصة:

لن تنجح أي جهود للتحول الطاقي أو التنمية المستدامة في إفريقيا بدون معالجة جذرية لعوائق الفساد والسياسة الداخلية والخارجية . هناك حاجة ماسة إلى:

  1. إصلاح نظم الحوكمة والرقابة.
  2. تعزيز الشفافية في عقود الموارد.
  3. تمكين المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
  4. وتوفير دعم دولي حقيقي مشروط بالعدالة والمساءلة.

ولا يمكن تحقيق تحول أخضر عادل ما لم يُكسر التحالف غير المعلن بين المصالح الأجنبية والنخب المحلية الفاسدة.

سابعًا، نحو شراكة عادلة ومستقبل مستدام

إن السباق العالمي نحو التحول الطاقي لا يمكن أن يُبرَّر على حساب حقوق الإنسان أو العدالة البيئية . ففي الوقت الذي تتسابق فيه الدول الغنية لضمان أمنها الطاقي عبر الاستثمار في الموارد الإفريقية، تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة صياغة العلاقة بين الشمال والجنوب على أسس أكثر عدالة وإنصافًا. هذا التحول لا يعني فقط تغيير السياسات، بل تغيير النموذج بالكامل من علاقة قائمة على الاستخراج والهيمنة، إلى شراكة حقيقية تُعزز التنمية المحلية، وتحترم البيئة، وتضمن العدالة الاجتماعية.

  • ملامح الشراكة العادلة:

البُعد

النمط التقليدي

الشراكة العادلة المقترحة

التفاوض

غير شفاف، قائم على القوة

شفاف، بمشاركة المجتمعات المحلية

توزيع العائدات

يذهب معظمه إلى الخارج

نسبة عادلة تبقى في الدولة المنتجة

حماية البيئة

إهمال، غياب معايير

التزام بمعايير دولية صارمة

التنمية المحلية

تهميش، غياب بنى تحتية

استثمار في التعليم، الصحة، الطاقة

العدالة التاريخية

إنكار أو تجاهل

اعتراف، تعويض، إصلاحات شاملة

 

  • الأدوات الأساسية لتحقيق ذلك : 
    1. قوانين استثمار وطنية صارمة تُلزم الشركات الأجنبية بنقل التكنولوجيا، وتوفير فرص عمل محلية.
    2. صناديق سيادية شفافة تدير عائدات الموارد وتُوظفها في التنمية المستدامة.
    3. مشاركة المجتمع المدني في الرقابة على المشاريع وضمان حماية الحقوق البيئية.
    4. إدماج مبادئ العدالة المناخية في الاتفاقيات الدولية، لضمان توزيع عادل لفوائد التحول الأخضر.
  • أرقام داعمة للرؤية :

وفقًا لتقرير OXFAM 2023 ، فإن 1% فقط من مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في إفريقيا مملوكة محليًّا ، بينما تتحكم الشركات الأجنبية في 90% منها. في حين أن إفريقيا تحتاج إلى استثمار سنوي يقدّر بـ 130 مليار دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن الاستثمارات الأجنبية تذهب في معظمها إلى القطاعات الاستخراجية دون تأثير إيجابي حقيقي في المجتمعات.

  • ماذا يعني المستقبل المستدام؟
  1. اقتصاد متنوع لا يعتمد فقط على تصدير المواد الخام، بل يشمل صناعات تحويلية وتقنيات طاقة نظيفة محلية.
  2. طاقة نظيفة للجميع : تمكين 600 مليون إفريقي محروم من الكهرباء حاليًّا.
  3. تعليم بيئي ومناخي لتعزيز الوعي الشعبي والمشاركة المجتمعية.

الشراكة العادلة ليست منّة، بل ضرورة إستراتيجية عالمية. فبدون تمكين إفريقيا من لعب دور قيادي في التحول الطاقي، سيبقى هذا التحول ناقصًا، مجوَّفًا، وغير عادل.