فنون
ماجد وهيبالحفلة في سينما وحيد حامد الصغار يسرقون الأضواء في مجتمع الكبار
2022.01.01
الحفلة في سينما وحيد حامد الصغار يسرقون الأضواء في مجتمع الكبار
كما يحلم السجين بلحظة ينعم فيها بالحرية، كذلك يحلم المهمش بلحظة يكون فيها بطلاً. فالذي عاش في الظل يريد أن تنعم عليه الحياة بلحظة يسرق فيها الأضواء، يلفت فيها الأنظار، ربما يتحقق الحلم يومًا، وربما يظل طيلة العمر على الهامش، لكن ثمة أناس يهديهم القدر لحظات، دون توقع منهم، أو دون أن يطلبوا، يكونون فيها أبطالاً ويسرقون الأضواء، ليس من مهمشين مثلهم بل من أناس عاشوا طيلة حياتهم في الضوء، بمعنى أدق إنها اللحظات التي يسرق فيها الصغار الضوء من الكبار داخل مجتمعهم، مجتمع الكبار، وكأنهم يغزونهم أو يتفوقون عليهم في عقر دارهم. في كثير من أفلامه أهدى وحيد حامد أبطاله المهمشين لحظات سرقوا فيها الأضواء داخل مجتمعات غير مجتمعاتهم، مجتمعات للكبار يدخلونهما مضطرين أو بمجهودهم أو بمصادفة، وتتباين أفعالهم التي يسرقون بها هذه الأضواء، فمنهم من ينالها بفعل إيجابي يقوم به، وآخر ينالها بفعل سلبي، لكن جميعهم يفعلون ذلك في مكان واحد وهو الحفلة، ومنهم من لا يسرق الأضواء فقط بل يخلخل هذا المجتمع في لحظة.. مجتمع الحفلة.
في فيلم "المنسي" يمكن اعتبار الحفلة بطلاً من أبطال السيناريو، بل هي الفعل الذي تتحرك منه الأحداث وتقوم عليه الدراما ككل. رجل أعمال يقيم حفلة لأصدقائه ومعارفه من كبار رجال البلد ويختارهم بعناية فائقة. بطل الفيلم، المنسي، مجرد مواطن فقير يعمل في السكة الحديد، هو مهمش في المجتمع الذي يعيش فيه، وإذا نظرنا إلى الحفلة كصورة مصغرة من المجتمع ككل، فمن المنطقي ألا يكون لهذا المهمش أي مكان فيها؛ هنا الحفلة هي مجتمع للكبار والمنسي ليس إلا واحد من الصغار، لهذا فهو فقط يرى سيارات وهي تصطف أمام الفيلا ويدور حوار مقتضب بينه وبين الحارس سائلاً عما يدور في هذه الفيلا، ثم يرى أنوار الألعاب النارية في السماء وهو في مكان شغله فيعرف أنها من الحفلة. إن علاقته بمجتمع الحفلة هنا مثل علاقته بالمجتمع ككل، كأنه يعيش خارجه، يشاهد مباهجه فقط ولا يشارك فيها أو ينعم بها، هذا نفسه ما سيقوله “حتى شقاوة الشبان القطر بتاعها يعدي عليا من غير ما يهدي”، ثم في لحظة، يدفعه إليها القدر دون أي تخطيط منه، يصبح أهم شخص في الحفلة، عندما يدخل لينقذ السكرتيرة ويقف على رأس الضيف ذي الشأن الكبير وفي يده ولاعة وكبسولات مهددًا بقتل الضيف. يدفعه الثأر لكرامته وكرامة من احتمت به هو الذي لمثل هذا الفعل وأخذ هذا الدور المهم، اللافت للأنظار، في حفلة لا مكان له فيها. في المقابل مثل هذا الدافع، الثأر للكرامة، هو الذي قد يجعل من المنسي مشاركًا أيضًا في المجتمع، مشاركًا حقيقيًّا ولو للحظة. السكرتيرة نفسها يمكن النظر إليها، في مجتمع الحفلة، على أنها دخيلة عليه، وسوف يذكرها مديرها بهذا عندما تعصى أوامره، لكن هي أيضًا ستتقاسم البطولة مع المنسي عندما يدخل لينقذها، هي أيضًا ستلفت الأضواء، بل من الممكن القول إنها هي التي سرقت الأضواء منذ البداية عندما نالت وحدها إعجاب الضيف المهم، في هذه اللحظة آلت لها البطولة، على الرغم من أنها، حسب وجهة نظر صاحب الحفل، ليست من هذا المجتمع وإن دخلته فبفضله هو لا بفضلها، هكذا يمكن النظر إليها هي أيضًا كواحدة من المهمشين مثل المنسي، لكن طبعًا ليس بنفس القدر. كذلك يوجد مهمش آخر في مجتمع الحفلة سيصير في لحظة بطلاً ويسرق الأضواء، وهو الوزير السابق، أحد المدعوين، لكنه فقد مكانته لدى صاحب الحفل، فلم يدعه حتى، بل دعته السكرتيرة على ضمانتها، وعندما سيرمي الولاعة للمنسي وينقذه ستلتفت إليه الأنظار، وهو الذي قبل سابق لم يلتفت إليه أحد طيلة الحفل، هذا الوزير، على الرغم من أنه في الحقيقة ليس مهمشًا بقدر تهميش المنسي ولا بقدر السكرتيرة، فإن إحساسه بأنه مهمش قد يكون أكبر من إحساسهما، فبعدما جرب السلطة والنفوذ ووقوف الكثيرين على مكتبه لم يعد أحد يهتم به، اعتياده على أن يكون تحت الضوء سيجعل شعوره بالتهميش يزداد فور ابتعاد الضوء عنه. وإذا كان المنسي فعل ما فعله انتقامًا لكرامته، فالوزير أيضًا فعل ما فعله انتقامًا لتجاهل صاحب الحفل وكل المدعوين له.
في فيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة” ثمة حفلة أيضًا، يدخلها بطل الفيلم كواحد من القائمين على خدمة الضيوف ليس إلا، الدور الذي يقوم به سيد غريب، البطل، في المجتمع ككل، هو نفسه الدور الذي سيقوم به في مجتمع الحفلة، ودوره هو تصوير الضيوف، لكن هو أيضًا، مثل المنسي، يصبح بطل الحفل في لحظة من اللحظات. رجل الأعمال الذي يقيم الحفل يرمي مفتاح سيارة في حمام السباحة ومن ينجح في التقاط المفتاح من الماء تكون السيارة من نصيبه. ينزل سيد غريب مثل كثيرين إلى حمام السباحة لالتقاط المفتاح والفوز بالسيارة، ينجح في ذلك فيصير هو البطل في هذه اللحظة، لكن صاحب الحفل يرفض إعطائه السيارة بحجة أنه ليس من المعازيم، ليس من هذا المجتمع، مجتمع الحفلة.
وعلى الرغم من نجاح سيد غريب في التقاط المفتاح دون غيره إلا أن القائم على الحفل، صاحب السلطة، يستكثر عليه الجائزة، بالضبط كما يستكثر عليه المجتمع الخارجي، الذي يعيش سيد غريب فيه على الهامش، أي نجاح قد يحققه، وربما يستكثر عليه حتى دخول ابنته كلية الطب وارتباطها بشاب غني. صاحب الحفل هنا يمارس عليه نفس الضغط الذي يمارسه عليه المجتمع ككل. في الفيلم نفسه ثمة حفلة أخرى ليس لسيد غريب مكان فيها، حفل زفاف ابن رجل أعمال والضيوف جميعهم من كبارات البلد، لكن، وكما حدث في الحفلة السابقة، تأتي لحظة يصير سيد غريب فيها هو نجم الحفل، أو بمعنى أدق يلفت الأنظار إليه بفعلة ما، وهي اللحظة التي يصفع فيها العريس على وجهه. هنا يصير سيد غريب بطلاً أيضًا، وهو يفعل ذلك انتقامًا لكرامته وكرامة ابنته، والانتقام للكرامة هو نفسه الباعث عند المنسي، ويتفق سيد غريب معه أيضًا في كونه يدخل مجتمعًا للكبار ويلفت فيه الأنظار.
في فيلم طيور الظلام يقيم رجل ذو شأن ومكانة كبيرة حفلة بمناسبة حصوله على البراءة في قضية ما. الضيوف جميعهم من الكبار، فليس لمحامي أرياف مغمور مكان فيها، لكن هذا المحامي المغمور، الذي لا مكان له وسط هذا المجتمع الراقي، هو بطل الحفلة ونجمها المجهول من الجميع إلا واحد فقط، فبفضل عبقريته في إيجاد ثغرة في القضية عجز المحامي الشهير عن الوصول إليها، حصل الرجل على البراءة، ولولاه لما كانت الحفلة، وما كان أحد من الضيوف، ولا حتى الذي أقامها، هنا الآن. لكن فتحي نوفل غير سيد غريب وغير المنسي، فهو يدخل الحفلة بدعوة، أي أنه قد وجد مكانًا له في الحفل، في هذا المجتمع، حتى لو كان مكانًا صغيرًا للغاية، بمعنى أدق خدمته المصادفة وأتاحت له الفرصة، وبذكائه استغلها واستطاع أن يجد لنفسه هذا المكان الصغير، وهو يختلف عن المنسي وسيد غريب في كونه لن يقوم بفعل ما يسرق به الأضواء، الحقيقة أنه يسرق الأضواء بطريقة أخرى. هذا المهمش، فتحي نوفل، هو الوحيد في هذه الحفلة، على الرغم من كل الكبار الموجودين فيها، الذي يستطيع أن ينفذ الوزير ويجد له طريقة يكسب بها الانتخابات “دا عبقري”، سيقولها المحامي الشهير عنه. ألا يعتبر هذا لفتًا للأنظار بطريقة أخرى؟ وهو يختلف عن المنسي وسيد غريب أيضًا في كونه سيجد في الحفلة فرصة عمره التي ستغير حياته إلى الأبد، وسيصبح هو نفسه بعد ذلك من الكبار، وربما في يوم ما يقيم هو نفسه حفلة كهذه ويدعو إليها الكبار.
في فيلم الراقصة والسياسي ثمة حفلة أيضًا تقام للكبار. وبنظرة سريعة سنقول إن سونيا سليم، الراقصة التي تحيي الحفل، لا تدخل الحفلة مهمشة كالمنسي وسيد غريب وفتحي نوفل، ولكن بنظرة متأنية سنجد أنها لا تختلف كثيرًا عنهم، فهي في نظر الهوانم، اللواتي جلسن على المائدة يشاهدن رقصها، ليست إلا وسيلة للترفيه، أي أنهن لا ينظرن إليها كواحدة من هذا المجتمع الراقي، مجتمع الحفلة، ولهذا عندما يغيظهن رقصها يطلبن من أحد الرجال أن يدعوها للمائدة ليسخرن منها. هذه النظرة لسونيا سليم كواحدة ليست من هذا المجتمع، تنعكس عليها في المجتمع الخارجي أيضًا، فتقف السلطات أمامها في بناء ملجأ للأطفال، صحيح أن لديها المال والشهرة لكن هذا لا يكفي لتكون من كبار المجتمع. وسونيا سليم، في الحفلة، تتشابه مع سيد غريب والمنسي في كونها، على الرغم من نظر البعض إليها على أنها ليست من هذا المجتمع، إلا أنها تسرق الأضواء وتلفت الأنظار في وصلة رقصها، بالضبط كما فعل المنسي وكما فعل سيد غريب. ستسرق الأضواء من النساء، الكبيرات مقامًا والعضوات في مجتمع الكبار هذا، بتحديق عيون كل الرجال الحاضرين فيها وإعجابهم برقصها.
في اللعب مع الكبار لدينا بطل يتحايل ليطعم نفسه بوجبة شهية، فيدخل حفلات الزفاف في كبار الفنادق متأنقًا. حسن أيضًا بطل فقير مهمش لا مكان له في مثل هذه الحفلات التي تقام في هذه الفنادق الفخمة، ويستحيل أن يدخلها كضيف مدعو بالاسم، فليس من معارفه من تسمح له ظروفه أن يقيم حفل زفافه في مثل هذه الفنادق، وهكذا فهو يتشابه مع كل الأبطال السابقين في كونه لا مكان له في هذا المجتمع الراقي، مجتمع الحفلة التي يدخلها. وهو، في الحفلة الوحيدة التي عرضها علينا المؤلف، يتفق أيضًا مع الأبطال السابقين في كونه يسرق الأنظار مثلهم ويصير هو البطل ولو للحظة، ففي الحفلة يقف على البوفيه ويتحكم فيه حتى أنه يمنع كل الضيوف من الأكل حتى ينتهي هو، إنها حيلة كوميدية ظريفة لكنها أدت وظيفتها في أنها جعلته يسرق الأنظار وسط هذا المجتمع الذي لا مكان له فيه مثلما سرقها سيد غريب والمنسي وسونيا سليم وفتحي نوفل.
في فيلم "محامي خلع" ثمة حفلة أيضًا تقيمها سيدة احتفالاً بخلعها، البطل هنا مختلف، فهو يدخل الحفلة كواحد من الشخصيات المرموقة، لكنه مثل السابقين في كونه غريبًا عن هذا المجتمع، عنه بريفيته وعاداته وتقاليده المختلفة عن عادات هذا المجتمع. هو أيضًا ليس منه، لكن يدخل بمكانة مرموقة، فهو على خلاف بطل طيور الظلام معروف للجميع بأنه صاحب الفضل في القضية، فلم يعمل فيها من الباطن كما عمل فتحي نوفل في قضيته، وفي اللحظة التي تعلن فيها السيدة التي أقامت الحفل عن أن الحفل على شرف المحامي الذي كسب لها القضية وتذكر اسمه وتقدمه لكل الضيوف، يكون بطلاً ونجمًا للحفل ويلفت الانتباه والأنظار، هذا المحامي، ذو الأصول الريفية، الغريب عن هذا المجتمع بنمطه وأسلوب حياته، سيسرق الأضواء من الرجال المدعوين في الحفلة، المنتمين لهذا المجتمع.
في فيلم قط وفار، وهو آخر ما كتب وحيد حامد للسينما، تقوم الأحداث أيضًا على حفلة، وهي حفلة خطوبة بنت وزير الداخلية، أي أنها، مثل بقية الحفلات، حفلة للكبار، وللوزير قريبة من بعيد، من الفرع الفقير في العائلة، وهكذا تكون هي أيضًا من المهمشين ولا مكان لها في هذه الحفلة، لكنها تدعى فقط قبل بدء الحفلة لتزغرد وتنعنش الجو، ثم تموت وهي ترقص. تخطف الأضواء وتصير هي البطلة ولكن بموتها، لا فعل بطولي تقوم به، لكن موتها ستقوم عليه الدراما كلها، وبعدما كان الوزير لا يهتم إلا بترتيبات الحفل ولا يعير قريبته أي اهتمام، لفتت بموتها أنظاره، رغمًا عنه، وشغلته عن كل شيء آخر.
في “عمارة يعقوبيان” ثمة حفل أيضًا ينتهي به الفيلم، حفل زفاف زكي باشا وبثينة. هنا أيضًا يمكن النظر إلى الحفلة على أنه مجتمع للكبار لا مكان فيه لفتاة مثل بثينة، الفقيرة المهمشة، الساكنة فوق السطوح، لكن، وكما جرى في كل النماذج السابقة، بثينة الفقيرة هي نجمة الحفل وهي التي تسرق فيه الأضواء، لأنها هي العروس، وأهلها، الفقراء سكان السطوح، هم أيضًا نجوم للحفل، لأنهم أقارب العروس، مع أنهم غرباء عن هذا المجتمع وليسوا منه.
كل هذه الحفلات هي حفلات للكبار، ويمكن أن نتخيل لها، سواء تلك المقامة في البيوت أو الأخرى التي في الفنادق الكبيرة، ديكورًا واحدًا من الداخل، وملابس واحدة وموائد طعام واحدة. وجميعها يدخلونها المهمشون ويسرقون فيها الأضواء وتصيبهم بتغيير، ولو كان بسيطًا ومؤقتًا، فالمنسي يدخل الحفل مهزومًا شاعرًا بجرح في كرامته ويخرج منتصرًا ثائرًا لنفسه. سيد غريب، في الحفلة الثانية، يدخل مقهورًا على ابنته ويخرج راضيًا مفرغًا غضبه. فتحي نوفل يدخل محاميًا مغمورًا ويخرج فائزًا بفرصة العمر. حسن بهلول يدخل الحفلة جائعًا محرومًا من الأكل الشهي ويخرج شبعانًا متذوقًا لأشهى الوجبات. سونيا سليم هي أيضًا أصابتها الحفلة بتغيير، وإن كانت أقلهم، صحيح أنها دخلت كراقصة وخرجت كراقصة، لكن بالحوار الذي دار بينها وبين الهوانم اللواتي أردن السخرية منها وانتصرت هي فيه عليهن، تكون قد خرجت منتصرة. وبدر في "محامي خلع" يدخل الحفل كمحامي مدعو لحفلة تقيمها سيدة كسب لها قضية خلع، ويخرج مزهوًا بنفسه شاعرًا بأنه كسب حبها، أو خطى الخطوة الأولى في الطريق إلى ذلك وتقرب منها أكثر. وفي قط وفار، على الرغم من أن المهمشة ستموت في الحفلة، فإن موتها في هذه الحفلة سيجعل كبار البلد ينعونها في الصحف ويحضرون عزاءها، ألا تعتبر الحفلة هكذا قد أصابتها بتغيير حتى ولو كان بعد موتها؟ وبثينة في عمارة يعقوبيان يصيبها الحفل بأكبر تغيير، فبزواجها من زكي باشا لم تعد بثينة المهمشة ساكنة السطوح.
إن كل هؤلاء الأبطال يمكن لهم أن يلتقوا جميعًا في أي حفلة من هذه الحفلات، على سبيل المثال فالحفلة التي كان فيها المنسي يمكن أن يدخلها سيد غريب كمصور، وتظهر سونيا سليم كراقصة تحي الحفل، أو كنجمة من نجمات المجتمع مدعوة بصفتها الراقصة الشهيرة، وقد يدخلها فتحي نوفل بعدما صار من الكبار، وفي حفل زفاف ابن رجل الأعمال في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" يمكن أن نجد حسن بطل اللعب مع الكبار متأنقًا في ملبسه ودخل ليأكل، وستحي سونيا سليم الحفل ويظهر فتحي نوفل كواحد من المدعوين، وهكذا ستكون الحفلات هنا صورة مصغرة من المجتمع بالفعل، يمكن لكل الشخصيات أن تلتقي فيها كما يمكن لهم أن يلتقوا في المجتمع ككل.
أخيرًا تبقى الحفلة في فيلم دم الغزال، وقد فضلت أن أذكرها في الخاتمة لطبيعتها الخاصة، فالحفلة في هذا الفيلم هي أصلاً مجتمع للمهمشين وليست حفلة للكبار. حفل زواج في منطقة شعبية، وهنا الديكور مختلف، والمكان والمعازيم كذلك، إنها نقيض حفل الزفاف في “اضحك الصورة تطلع حلوة” وهكذا هي الحفلة التي من المكن أن يدخلها سيد غريب كواحد من المعازيم، أو يدخلها المنسي، أو بدر، أو فتحي نوفل عندما كان لا يزال محامي أرياف مغمور ليس إلا، أو تدخلها سونيا سليم قبل أن تصبح راقصة مشهورة. وبالطبع لن يحدث فيها كما حدث في بقية الحفلات ويسرق الصغار الأضواء من الكبار، فهم جميعهم صغار مع بعضهم بعضًا، لكنها مع ذلك تلفت انتباه واحد من الكبار، الكبار قليلاً، ضابط البوليس، يدخل ويفتش، وينقلب الفرح إلى غم، وهكذا بنظرة سريعة سننظر إليها على أنها معكوس لكل الحفلات السابقة، فالكبير هنا، ضابط البوليس، هو الذي سرق الأضواء، سرق الفرحة من المهمشين، لكن ألا يمكن النظر إلى الحفلة ككل باعتبارها هي نفسها التي قد سرقت الأضواء من الكبار فجعلت ضابط البوليس يترك كل شيء، يترك حتى حفلات الكبار، ويركز فقط في فرح شعبي لبسطاء مهمشين؟ والحفلة هنا في دم الغزال حدث مهم تقوم عليه الدراما، كما الحال في حفلة المنسي. إن كل الحفلات في سينما وحيد حامد تفعل شيئًا من اثنين، فإما أن تدفع الأحداث إلى الأمام وتكون مؤثرة في الدراما، أو تبين لنا ملمحًا من ملامح الشخصية، ولأن أصول الكتابة السينمائية تقول إن المشهد لا بد أن يفعل شيئًا من هذين، ستكون الحفلات هكذا في سينما وحيد حامد مشاهد ضرورية جميعها وغير مقحمة في العمل، حتى تلك التي كان من الممكن الاستعاضة عنها بمكان آخر كان اختيارها هي دون غيرها اختيارًا موفقًا أكثر، على سبيل المثال الحفلة في طيور الظلام، فالمراد الأهم من الحفلة هو لقاء فتحي نوفل بالوزير، فرصة العمر للبطل، كان من الممكن أن يتم اللقاء منذ البداية في مكتب الوزير، الوزير يحكي للمحامي الشهير أزمته فيتذكر المحامي فتحي وعبقريته ويرى أن عنده الحل ويحدد موعدًا للاثنين، لكن اختيار الحفلة، كمكان للحدث، أفاد أكثر في رسم شخصية فتحي وإظهار الفارق على الأقل بين مجتمعه والمجتمع الآخر الذي كان على وشك الدخول فيه. وفي دم الغزال كان المراد هو القبض على العريس بتهمة حيازة مخدرات. في جلسة تحشيش عادية كان من الممكن القبض عليه، لكن أن يُقبض عليه يوم زفافه وتنقلب فرحة العروس، البطلة، إلى حزن، أعطى للحدث حسًّا دراميًا أكبر، وتطبيق الأمر على كل الحفلات في الأفلام السابق ذكرها، سنجد أنها جميعها كانت مشاهد لا غنى عنها.