عدد 10/11-100 سنة على ثورة 1919

مصطفى الغريب

الدستور والثورة.. رهانات السلطة والمجتمع

2019.05.01

الدستور والثورة.. رهانات السلطة والمجتمع

كان لمصر جهودها المعروفة إبان تاريخها الحديث من أجل الحصول على الدستور والتمتع بنظام حكم يقوم عليه، وهي الجهود التي تعود إلى ما قبل الاحتلال البريطاني، وكُللت بصدور ما عُرف بـ “اللائحة الأساسية” في فبراير 1882. 

بيد أن تلك اللائحة لم تستمر طويلًا، إذ سرعان ما أُلغيت فور الاحتلال المذكور للبلاد، والذي استبدل بمجلسها النيابي- من خلال القانون النظامي الصادر في أول مايو 1883- هيئات استشارية وهنت في ظلها حركة المطالبة بالدستور، إلى أن بدأت تقوى ثانية مع الزعيم الوطني مصطفى كامل ثم محمد فريد من بعده، مقترنة حينذاك بمطلب الاستقلال، وتصاعدت بوضوح إثر عودة الدستور العثماني في يوليو 1908، الأمر الذي قامت معه سلطة الاحتلال في العام التالي بإدخال بعض التعديلات على القانون النظامي آنف الإشارة، في محاولة منها للتهدئة ووأد تلك الحركة، ومع فشلها كان قرارها بإلغاء النظام القائم وإحلال “الجمعية التشريعية” محله، بمقتضى قانون نظامي جديد صدر في أول يوليو 1913، وذلك في إطار الحيلولة بين الأمة المصرية والنظام الدستوري الصحيح. وما لبث أن قامت الحرب العالمية الأولى، وإعلان بريطانيا حمايتها على مصر التي عانت من جراء ذلك كثيرًا، وهو ما كان في مقدمة ما هيأ المصريين للقيام بثورتهم في مارس 1919.

 ولما كانت بريطانيا تدرك أهمية مطلب الدستور بالنسبة للمصريين، ومن ثم إمكانية مساهمته في تهدئتهم، خاصة بعد تأزم الموقف السياسي في أعقاب قطع مفاوضات عدلي- كيرزون Curzon عام 1921 واعتقال سعد زغلول وبعض زملائه ونفيهم إلى خارج البلاد- فقد بادرت بإصدار تصريح 28 فبراير 1922 الذي أعلنت فيه إنهاء حمايتها، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وكان الدستور إحدى النقاط التي تضمنها الخطاب الذي قدمه أللنبيAllenby المندوب السامي البريطاني مرفقًا به نص التصريح إلى السلطان فؤاد.

 وسرعان ما أخذت مصر من جانبها في ترتيب أوضاعها لتبدأ عهدًا جديدًا في حياتها، وكان في المقدمة من اهتمامات الوزارة التي تشكلت في أعقاب التصريح المذكور- وزارة عبد الخالق ثروت الأولى (أول مارس- 29 نوفمبر 1922)-تنفيذ ما جاء بأمر تشكيلها من أهمية إعداد مشروع دستور للبلاد، وهو ما صاحبه حالة من الجدل السياسي الكبير بين المعارضة والوزارة، حول من المنوط به وضع ذلك المشروع: أهي الوزارة عن طريق لجنة تقوم بتعيينها؟ أم جمعية وطنية يتم انتخابها بإرادة شعبية حرة؟ وقد تصدَّر المعارضة حينذاك الوفد المصري، والحزب الوطني، والحزب الديمقراطي المصري، فضلًا عن بعض الفئات غير المنتمية إلى أي من تلك الأحزاب، لكنها اتخذت ذات موقفها من المسألة، وسوف نقف في هذه الدراسة على تفاصيل تلك الحالة من الجدل، وما ساقه كل فريق خلالها من حجج كانت منطلقًا لموقفه– والتي باستقرائها يمكن تَبيُن أي موقف كان أولى الأخذ به - وما آل إليه الأمر في النهاية على أرض الواقع،وأخيرًا، وفي ضوء ما سبق جميعه، يأتي تقييم التجربة.

بداية الجدل

منذ اللحظة الأولى لإعلان الوزارة أنها ستقوم بإعداد مشروع للدستور، أخذت الاعتراضات تتوالى عليها، رافضة استئثارها بهذا العمل، فأشار أمين الرافعي في صحيفة “الأخبار”- معارضة للوزارة ومؤيدة للوفد حينذاك- إلى أن انفراد الوزارة بذلك العمل ليس من شأنه طمأنة المصريين على صلاحية أحكام الدستور(1)، مبينًا أن تصرفها ذاك لا يتفق والروح الدستورية،وقد لفت في هذا الصدد إلى أن عبارة واحدة في الدستور قد تؤدي إلى حرمان المصريين حق بحث كثير من شئونهم الحيوية، ومن ثم استبداد الوزارة بها، في الوقت الذي لا يكون للبرلمان حق الرقابة عليها، وأكد في ضوء كل ذلك على ضرورة التزام الوزارة الطريق الصحيح لتقرير النظام الدستوري.(2)

ولمناسبة ما أخذ يتواتر من أنباء عن قرب تشكيل الوزارة للجنة الدستور والتأكيد على أنها ستضم أشخاصًا يمثلون جميع الأحزاب والهيئات المصرية وبعضًا من رجال القانون، فضلًا عن البعض الآخر من أعضاء الجمعية التشريعية، ذهب سيد كامل في صحيفة “الأخبار” إلى أنه ليس هناك ما يجعل الوزارة تتنكب السبيل الصحيح لوضع الدستور، مشيرًا إلى أنها إذا كانت تخشى طول المدة، فإن بإمكانها أن تقترح على الجمعية الوطنية حال انعقادها الإسراع في وضع الدستور، أما إذا كان هناك توجس من مجيء غالبية الجمعية من تيار سياسي معين فيكون له التأثير في وضع الدستور، فإنه لا يجوز لها ما دامت تريد أن تعمل بشكل دستوري أن تخشى قرارات الأغلبية التي تأتي بطريق ديمقراطي.(3)

وردًا على ما قد تقول به الوزارة تبريرًا لاستئثارها بوضع مشروع الدستور، من أن الدستور سيتضمن نصًّايخول للبرلمان أن يدخل عليه ما يتراءى له من تعديلات، أوضح سيد كامل أن مادة التعديل في القوانين الدستورية تستلزم لإجراء التعديلات المقترحة أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان أو ثلاثة أرباعهم، بينما لا يحتاج تقرير المواد عند وضع الدستور سوى الأغلبية المطلقة، كما ألمح إلى أن استخدام المجلس النيابي حقه في تعديل الدستور الذي تكون قد وضعته الوزارة يوجد أثرًا غير حسن في المناخ السياسي، إذ يظهر البرلمان منذ بداية اجتماعه في خلاف جوهري مع الوزارة في عمل يرى أن الأخيرة قد اعتدت فيه مقدمًا على حقوقه. هذا إلى جانب أن القاعدة العامة في الدساتير أنه يفترض فيها البقاء لمدة طويلة من الزمن وألا تعدل إلا تحت شروط تضيقية للغاية، وخلص كامل إلى أن مصلحة البلاد تقتضي احترام الوزارة لحقوق الأمةفي وضع دستورها بنفسها.(4)

 وأمام عدم ظهور أي تغير إيجابي في موقف الوزارة عاود أمين الرافعي مطالبته السابقة لها، وفي محاولة لإقناعها بالتخلي عن موقفها، أوضح أن أول نتيجة للحكم الدستوري هي وضع الوزارة تحت إشراف ومراقبة البرلمان، وهو الأمر الذي لا يستقيم معه جعل نفسها- الوزارة- صاحبة الحق في تحديد درجات ذلك الإشراف وأحوال تلك المراقبة، ومن ثم فإنه يتوجب ترك هذا التحديد لمن سيتولاه وليس لمن سيخضع له، وبين أن ذلك يتأتى بدعوة جمعية وطنية تضع الدستور بنفسها(5)، وتدعيمًا لآرائه تلك أتى الرافعي بالعديد من النظريات القانونية لبعض رجال القانون، والتي يُستخلص منها أن حق وضع الدستور لا يُخول إلا للأمة ممثلة في هيئة منتخبة لهذا الغرض.(6)

وإزاء ما ذكره أنصار الوزارة من مبررات لموقفها، كالقول مثلًا بأن الجمعية الوطنية إذا انعقدت قد تتعدى الغاية من انعقادها إلى أعمال تضر بمستقبل البلاد، قام أمين الرافعي بتفنيد ذلك، مشيرًا إلى أنه إذا كان هناك محل للتخوف من الجمعية الوطنية، فإن هذا التخوف لا يزول إذا جاء برلمان، إذأنه بمثل هذا المنطق لأنصار الوزارة يستطيع أيضًا أن يتعدى حدوده كالجمعية الوطنية، وغاية الأمر أن الجمعية الوطنية بدلًا من أن تجتمع بعد قليل من الوقت، فإن البرلمان لا يجتمع إلا بعد انتهاء لجنة الدستور من مهمتها، ومن ثم فإن بضعة أسابيع أو أشهر ليست بمغيرة من الموقف شيئًا، “فلا محل إذن للتواري خلف هذه المعاذير”.(7) وقد أعرب الرافعي عن دهشته من المؤيدين لنظرية الوزارة رغم عدم ارتكازها على أي أساس قانوني، متسائلًا “هل بمثل هذه الأدلة الغريبة التي ليس فيها ذرة من المنطق والإنصاف يريد أنصار الوزارة أن يحملوا الأمة على تغيير موقفها والمساومة في حقوقها؟”.(8)وبعيدًا عن الانحياز لأي طرف ضد الآخر، تجدر الإشارة إلى أن تفنيد الرافعي لمبرر أنصار الوزارة سالف الذكر لا ينقض ذلك المبرر في واقع الأمر، إذ لو كان تخوف الوزارة من الجمعية الوطنية حال انعقادها صحيحًا، فإنها تضمن عدم حدوث ما تخشاه من الجمعية من جانب البرلمان حينما ينعقد، بما تكون قد وضعته في الدستور من قواعد تنظم عمله وأُطر تحكم مساراته، وهو ما لا تستطيعه بالنسبة للجمعية الوطنية.

 وكان لأغلبية المحامين موقفهم الداعم للمعارضة، وهو موقف له أهميته؛ لما لأصحابه من تأثير كقطاع مهم بالمجتمع، ففي الأول من أبريل 1922 اجتمع بعض محامي أسيوط وأعلنوا أن انفراد الوزارة بوضع الدستور إنما يعد خروجًا على المبادئ الديمقراطية وانتقاص لحقوق الشعب، واقترحوا عقد الجمعية العمومية أو استشارة النقابات الفرعية لتقول المحاماة كلمتها(9)، وفي اليوم التالي جاء اجتماع مجلس نقابة محامي المحاكم الأهلية، وقد أُقر فيه النقيب على رفضه الاشتراك في لجنة الدستور، كما اعتبر أن كل من يقبل من المحامين العمل في اللجنة لا يمثل إلا نفسه.(10)

ومن الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أنه كان من بين الجمهور من أخذ على المحامين الأهليين موقفهم، وأنشأ يناقشهم فيه، فأوضح أن غرضهم من وجود جمعية وطنية لوضع الدستور هو أن تكون ضمانًا للحفاظ على حقوق الأمة، وذلك في ظل حالة الخوف من إيكال الوزارة الأمر إلى رجال يخصونها فلا يحرصون على مصالح البلاد، أو الخشية- في حال حسن الظن بالوزارة- من أن يجانبها الصواب في اختيار الأعضاء المناسبين للمهمة، فإذا كان هذا أو ذاك، فإنه من الأولى في هذه الحالة على من يعتقدون في أنفسهم الكفاءة أن يبادروا بالسعي للانضمام إلى لجنة وضع الدستور، فيكون بإمكانهم من موقعهم بها الدفاع عما يخشون من أن تفرط فيه اللجنة، أو إرشادها لتلافي ما قد تقع فيه من أخطاء. وبشأن ما قد يقال من تخوف من ينضمون للجنة ولا يكونون بها سوى أقلية من أن يسجلوا على أنفسهم إثم الاشتراك في عمل دستور لا تراعى فيه مصالح الأمة، إذ لن يسمع لصوتهم مع وجود أغلبية اختارتها الوزارة، وإنهم بمشاركتهم بهذا الشكل يعطون فرصة للوزارة لأن تقول باشتراك جميع الأحزاب معها، وفي هذا من الضرر ما فيه- أوضح أن انضمام المخلصين إلى اللجنة في هذه الحالة يكون أوجب ومسئوليتهم تكون أكبر، وعليهم مهما كانوا أقلية محاولة دفع الضرر ما أمكنهم، فإن وفقوا يكونوا قد خدموا بلادهم بما ترجوه منهم، وإن كان غير ذلك استقالوا ورفعوا صوتهم عاليًا كاشفين حقيقة ما يحدث.(11)

 وكان لأحمد شفيق (صاحب الحوليات) رأيه المشابه، والذي لم يقصد به المحامين الأهليين بشكل خاص، وإنما كل من رفض بصفة عامة المشاركة في لجنة الدستور، فذهب إلى أن هؤلاء لم يحسنوا صنعًا حينما لم يلبوا دعوة الوزارة لهم للمشاركة. وكانت وجهة نظره أن الأمة حينذاك كانت تشعر بقوة الوزارة وبأنها لا تستطيع إرغامها على اتباع السبيل التي تراها، فضلًا عن أنه كان معلومًا أن مشروع الدستور كان يراد تطبيقه على الجميع بلا تمييز، فكان من الواجب إذن على رجال المعارضة المشاركة حتى لا يفوتهم إدماج آرائهم في الدستور، أما الامتناع عن تلك المشاركة ثم الاحتجاج، فليس فيه مصلحة البلاد.(12)

 وهناك ثلاث ملاحظات تبدو لنا من هذا الرأي لأحمد شفيق: الملاحظة الأولى وهي أن الأمة حسبما يذهب كان لها رأي مخالف للوزارة ولكنها لا تستطيع إجبار الوزارة على الانصياع نظرًا لقوة الأخيرة، فهل من الصواب انصياع المعارضة ما دامت الوزارة هي الأقوى؟

 أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن شفيق لم يبين أية دلائل على ما ذكر من أن الدستور كان يراد تطبيقه على الجميع دون تمييز.

 والملاحظة الأخيرة هي أن المعارضة كيف كانت، ولم يكن بيدها تحديد النسبة التي ستمثل بها في لجنة الدستور، تضمن أن آراءها ستدمج في الدستور؟ وهذا في الواقع كان أحد الأسباب التي كانت قد حدت بالوفد إلى رفض المشاركة، إذ قدر إن دعوته من قبل الوزارة للمشاركة بعضوين أو ثلاثة “بين ثلاثين من أنصار الوزارة المعادية للوفد ورئيسه عبث لا يناله منه إلا التبعة وتصحيح مركز الوزارة تصحيحًا يقويها ويضعفه ويفل سلاحه”.(13)

 وعلى أية حال، فإنه في الوقت الذي توالت فيه مواقف المعارضة وانتقاداتها لم يتوان المؤيدون للوزارة عن دفاعهم عنها ودعمها في مواجهة من اعتبروهم خصومًا لها، فلمناسبة ما قيل عن رفض البعض المشاركة في اللجنة، أشارت صحيفة “الوطن” إلى أن الوزارة لا ترى حينئذ بدًا من تجاوز هؤلاء، وحسبها أنها تناست أنهم خصومها ومدت إليهم يدها حرصًا على مصلحة الوطن.(14) وإزاء ما أشيع من جانب المعارضة حينذاك من أن لجنة الدستور لن يترك لها اقتراح مواده، وإنما ستجتمع للنظر في مشروع وضعته الوزارة، ذهبت الصحيفة إلى أن تلك إشاعة باطلة لا يقصد بها إلا وصم الوزارة بالأثرة والاستبداد، موضحة أن ما قيل فيه إهانة لأعضاء لجنة الدستور ما كان يجوز من باب اللياقة أن توجه إليهم، وأكدت على أن اللجنة سيكون لها كامل الحرية في وضع الدستور طبقًا لما تراه موافقًا لمصلحة البلاد، وبينت أن الوزارة إذا ما كانت قد قررت منذ البداية إيكال وضع الدستور إلى جمعية وطنية منتخبة، لما عُدمت المعارضة حيلة في التقول عليها وتأويل عملها تأويلًا سيئًا.(15) ولا يخفى هنا افتقار دفاع الصحيفة إلى الحوار المعتدل والمحكوم بشيء من المنطق الصحيح، فضلًا عن عدم الموضوعية التي تبدو جلية في التشكيك في نوايا المعارضة إزاء الوزارة بشأن فعل لم تقم به الأخيرة من الأساس، وهو إيكال وضع الدستور إلى جمعية وطنية منتخبة، فلم يُختبر رأي المعارضة بشكل حقيقي حتى يقال بشأنها ما قيل.

تشكيل لجنة الدستور وتصاعد الموقف

ومع حالة الرفض الواضحة من جانب الأحزاب والرأي العام لوضع مشروع الدستور عن طريق أية هيئة غير منتخبة من الأمة، لم تبد الوزارة اكتراثًا ومضت في طريقها(16)، فكان قرار مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة في 3 أبريل 1922(17)، والذي أثار عاصفة كبيرة من الاحتجاجات من فئات مختلفة بالمجتمع، كالمحامين، والأطباء، والمهندسين، والتجار، وأعضاء من الجمعية التشريعية، ومجالس المديريات، والمجالس البلدية، والحسبية، ومحاكم الأخطاط، فضلًا عن الطلاب والمرأة والفلاحين في أنحاء شتى بالبلاد(18)، وقد انتقد الوفد بدوره اللجنة بشدة، ووصف زعيمه سعد زغلول- وكان وقتذاك بمنفاه خارج البلاد- أعضاءها بـ “الأشقياء”(19)، كما أعرب الحزب الوطني عن اعتراضه عليها، ولم يتوان من جانبه الحزب الديمقراطي المصري عن إعلان احتجاجه هو الآخر.(20)

وتوالت المعارضة للوزارة على تصرفها من خلال الصحافة، فذهب البعض إلى أن تشكيل رئيس الوزراء للجنة الدستور إنما هو انتصار مؤقت ليس من الحكمة الفرح به، إذ إن الأمة هي التي ستفوز في النهاية(21)، كما أعرب البعض الآخر عن أسفه لقبول فريق من المصريين الاشتراك في اللجنة، موضحًا أن الأمة لا يمكنها أن تنظر إلى من قبلوا معاونة الوزارة بمثل العين التي تنظر بها إلى أولئك الذين آثروا انتخاب الشعب على انتخاب ثروت، فرفضوا الاشتراك في عمل ضد مصلحة البلاد، تاركين مسئوليته على عاتق غيرهم.(22)

ولم تُعدم الوزارة بالطبع من يدافع عنها، فعقب الإعلان عن تشكيل اللجنة، أنشأ أحد أنصارها يكتب، فأشار إلى حسن ما قامت به من عمل، مبينًا أنه لولا التحزبات القديمة والانقسامات الداخلية الشخصية لما واجه عمل الوزارة أية معارضة؛ لأنه في حقيقة الأمر أعود بالفائدة من الجمعية الوطنية، وأهاب بالأمة أن تثق بأعضاء اللجنة وتطمئن إليهم(23)، ومن جانبها قامت صحيفة “الوطن” بنشر مقال كان قد جاء بافتتاحية “الجورنال دي كيرJournal du Caire” إثر صدور قرار مجلس الوزراء بتشكيل لجنة الدستور، والذي أسفت فيه لامتناع بعض السياسيين عن المشاركة في اللجنة، مبينة أنهم ليسوا سوى أقلية، وأن من شاركوا ينتمون لجميع الأحزاب- وهو ما كان في الحقيقة مخالفًا للواقع؛ إذ لم تقبل الأحزاب التي كانت موجودة على الساحة السياسية حينذاكالمشاركة في اللجنة- والديانات، وانتهت إلى أن هؤلاء الأعضاء متى أتموا أعمالهم ونالت مصر بها قانونها الدستوري، فإنهم سيكافئون من الوطن بالشكر لهم.(24)

 وعلى الصفحة ذاتها التي نشرت بها “الوطن” مقال “الجورنال دي كير” ذهب أحد مؤيدي الوزارة، بعد أن وجه سهام نقده لمواقف المعارضة، إلى ضرورة أن تكون أعمال اللجنة موافقة لمصلحة البلاد ومحققة لآمالها، مشيرًا إلى أنه في حال الوصول إلى تلك الغاية يكون الهدم لنظريات المعارضة الخاصة بـ “الجمعية الوطنية”.(25)

 ومهما يكن من أمر، فإن المشكلة لم تعرف طريقًا للحل، إذ ظلت الوزارة ماضية في طريقها، كما أعلنت المعارضة من جانبها استمرار تمسك الأمة هي الأخرى بالجمعية الوطنية وعدم الحياد عن ذلك المطلب(26)، وتوالت الانتقادات من جانبها، وقد صارت تشمل أعمال لجنة الدستور بعد أن أصبحت اللجنة أمرًا واقعًا،فتحدث سيد علي عن عدم وضوح سلطة تلك اللجنة ودائرة اختصاصاتها، وذلك في ضوء ما كان رئيس الوزراءقد ذكره بخطابه في افتتاح أعمالها من أن حكومته لم تتردد منذ طُلب منها القيام بمهمة وضع الدستور في ألا تستأثر في أدائها برأيها، واعتزمت الاستعانة بخبرة ذوي الكفاءة من أبناء البلاد، وأوضح- سيد علي- أن في ذلك ما يشي بأن الوزارة لم تقيد نفسها حيال قرارات اللجنة بأية قيد، وأنها احتفظت بسلطة إبداء الحكم الأخير على الدستور وتعديله بما تريد.(27) وبصدد ما كان قد صرح به رئيس اللجنة حسين رشدي من أنها لا تملك حق نشر قراراتها على الرأي العام ليتناقش فيها وأن سلطتها لا تتعدى القيام بما كلفتها به الوزارة ثم رفعه إليها، أوضح سيد علي أن هذا التصريح يؤكد صحة ما ذهب إليه بشأن مركز اللجنة حيال الوزارة(28)، وانتقد ذلك الأسلوب من السرية الذي تسير عليه اللجنة في العمل(29)، مشيرًا إلى أنه وراء ما يتناقله الناس من مبادئ قيل إن غالبية أعضائها اتفقت عليها بينما يعدها الرأي العام قيودًا معرقلة لحرية الأمة ومضعفة لسيادتها، وخلص إلى أن ذلك كله كان من نتائج استئثار الوزارة بالأمر وإعراضها عن الجمعية الوطنية التي نادت بها الأمة.(30) وقد أكد أمين الرافعي على ذلك هو الآخر، مبينًا أن اللجنة تظن أنها تعمل للوزارة التي عينتها، أما الأمة فلا يحق لها معرفة شيء، ويجب عليها الانتظار حتى ينشر الدستور وتبادر بتنفيذ أحكامه ولو كانت سالبة لسلطتها.(31)

ومما يجدر ذكره أن المعارضة رغم تمسكها بمبدئها فيما يتعلق بطريقة وضع الدستور، فإنها أخذت تتعامل مع الواقع محاولة قدر إمكانها تحقيق أكبر قدر من المكاسب للأمة في الدستور المنتظر، وذلك من خلال ما دأبت على إبدائه من ملاحظات على أعمال اللجنة، سواء في مرحلة إعداد مبادئه العامة بواسطة اللجنة الفرعية، أو النظر في تلك المبادئ ومناقشتها بعد ذلك باللجنة العامة(32)، وما كانت تقدمه من نصائح للأعضاء تحضهم من خلالها على ضرورة الانحياز للأمة وتحقيق ما يصبو إليه الرأي العام.(33) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما تمتعت به المعارضة حينذاك من بعد عن الجمود، وأن الدافع وراء موقفها هو المصلحة العامة للبلاد وليس أية أهداف أخرى خاصة بأشخاصها.

وكان بإمكان الوزارة والحالة هكذا أن تبدي من جانبها بعضًا من المرونة، وتعمل على إيجاد مناخ للتقارب، ومن ثم تضييق الهوة القائمة، لكنها أبت إلا أن تسير فيما سلكته من طريق منذ البداية، فحينما وضع عبد القادر حمزة كُتيبًا ينتقد فيه أعمال اللجنة الفرعية، قامت بمصادرته(34)، ولما أخذ بعض الكتاب في الفترة الأخيرة من عمل اللجنة العامة يروجون لفكرة اعتبار البرلمان أول انعقاده جمعية تأسيسية يعرض الدستور عليها لإبداء الرأي فيه، وذلك على اعتبار أن الأمة هي مصدر كل السلطات، وأن البرلمان هو الممثل لها، لم تستجب لذلك، بل وراح محمد حسين هيكل- عضو الأمانة العامة للجنة الدستور- يكتب في “الأهرام” منتقدًا الفكرة، إذ رأى أن الدعوة إليها قبل نشر مشروع الدستور والوقوف على ما فيه لا تخلو من تسرع، وأهاب بأصحابها أن يكفوا عنها حتى يطلعوا على المشروع ويدرسوه، فإذا وجدوه غير محقق لمصالح الأمة فعليهم التنبيه إلى مواضع الخطأ فيه والتمسك بعرضه على البرلمان في هيئة جمعية تأسيسية للنظر في تلك المواضع وطرق علاجها، أما إذا كان أداة صالحة لتقدمها، فإن الدعوة إلى إعادة بحثه تكون جناية على البلاد لا تغفر في ظل ما هي فيه من حاجة إلى الدستور للخروج من الموقف الدقيق الذي تعانيه.(35)

من جانب آخر بين هيكل أن الفكرة لا بأس بها من الناحية النظرية، لكن تطبيقها عمليًّا ليس بالأمر السهل، إذأن البرلمان سيكون بحاجة إلى سنوات عدة لبحث الدستور، وهو ما يتضح من المقارنة بين كل من البرلمان ولجنة الدستور من حيث عدد أعضاء كل منهما ومهامهما والفترة التي قضتها اللجنة عاكفة على إنجاز عملها، ومع ذلك لم تفرغ منه بعد، وأشار إلى خطر هذا الوقت الذي يمر لصالح بريطانيا وانعكاس ذلك سلبًا على المسألة المصرية، وأضاف أن الدساتير ليست قيمتها بالمواد المكتوبة فيها، وإنما بمن يتولون النيابة عن الأمة في البرلمان، فيكون بإمكانهم إذا كانوا أقوياء وتؤيدهم الأمة إكمال أي نقص في حال وجوده، أما إن كانوا ضعافًا والأمة من جانبها منشغلة بمصالحها اليومية فلن يمنع كمال المواد فقدان الأمة لحريتها.(36)

وهذا الرأي لهيكل في واقع الأمر يتناقض تمامًا مع ما كان يكتبه وقت انتمائه للحزب الديمقراطي المصري في الفترة السابقة على التحاقه بالأمانة العامة للجنة الدستور، فهو بمناسبة مبادرة الحزب الخاصة بتشكيل الجمعية الوطنية في سبتمبر 1920(37) أنشأ يكتب عن أهمية وضع نظام جديد للانتخابات تراعى فيه المساواة بين المواطنين فلا تميز فئة على أخرى، وسجل في هذا الصدد “إذا نادينا اليوم بالمساواة في الانتخاب للجمعية الوطنية فإنا ننادي بمبدأ تحتمه مجهودات الأمة التي وصلت بها إلى موقفها الحاضر”(38)، وحينما تحدث البعض عن احتمال تعيين الجمعية انتقد ذلك، معتبرًا أن التعيين فكرة تعسة “ولا ترد بخاطر إنسان على شيء من المعرفة لحقوق الأمة والاحترام إياها إلا كان ورودها مطعنًا جارحًا على إخلاصه للبلاد”(39)، ولما قيل بأن الذي وراء الفكرة هو الإسراع في البت في المسألة المصرية، تساءل “ما المعنى الذي يقصدونه من الإسراع في البت في مصير البلاد، هل معنى ذلك أن تدبر المسائل بعيدًا عن الأمة .. ثم تلتزم بها الأمة بعد ذلك التزامًا؟ أم معناه استيفاء شكلي أمام العالم ولو كان في ذلك منتهى السخرية بالأمة؟”(40)، وخلص من ذلك إلى أن الأمة وحدها هي صاحبة الحق المطلق في التصرف في كل شؤونها.(41) وفي عهد وزارة عبد الخالق ثروت وقبيل تشكيل لجنة الدستور، أوضح أن ذلك الدستور الذي سيُعد سيُعرض على الجمعية الوطنية التي تنتخب لفحصه ووضع صيغته النهائية وإقرارها.(42)

 وهكذا يبدو جليًّا كيف انقلب هيكل على تلك الأفكار بعد فترة قصيرة، وصار يرى من يقول بمثلها يذهب في اتجاه لا يخدم مصلحة البلاد!

رؤى من أجل التوافق

في وسط الجدل، وقبل الإعلان عن تشكيل لجنة الدستور خرجت بعض الأصوات التي اتسمت بالاعتدال؛ إذ رأى أصحابها على ما يبدو إيجاد نوع من التوافق يساعد في الوصول إلى حل للخلاف القائم، فاقترح أحد هؤلاء في مقال وقعه باسم «المنقبادي» أن تكلف الوزارة أهالي المراكز بانتخاب من يمثلهم في الهيئة التي سيناط بها تحضير مشروع الدستور، وفي الوقت ذاته يُطلب من سكان المدن والثغور الكبرى انتخاب مندوبين من قبلهم للانضمام إلى تلك الهيئة ممن تتوافر فيه شروط الكفاءة والخبرة، كما تقوم الوزارة من جانب آخر بضم البعض من كبار ذوي الخبرة في التشريع والمعرفة بالأنظمة الدستورية، فتتشكل بذلك لجنة تستطيع أن تضع دستورًا جامعًا لسائر الأماني الوطنية، وتضمن الاقتراح نشر ذلك الدستور في الصحف كي يتسنى لجميع الأفراد إبداء ما يعن لهم من ملاحظات عليه(43).

كما ذهب محمود عزمي في صحيفة»الاستقلال» إلى تأييد ما كان قد اقترحه البعض من إسناد الأمر إلى هيئة قومية، مقترحًا أن تضم تلك الهيئة مندوبين عن الهيئات المنظمة في البلاد، تقوم تلك الهيئات بانتدابهم بنفسها على قواعد الانتخاب الخاصة بها دون أي تدخل من جانب الحكومة، وتضع الأخيرة مشروع الدستور بواسطة لجنتها، ثم تدعو هذه الهيئات إلى إرسال مندوبيها لمؤتمر شعبي ينظر فيما يُعرض عليه من مشروع للدستور فيصدق عليه أو يعدل فيه، ثم يصير مشروع قانونًا يوقع عليه الملك ورئيس الحكومة.(44)

وبعد تشكيل الوزارة للجنة كان من بين صفوف المعارضة من تقدم بطرح بعض الحلول التي رُئي احتمال مساهمتها في علاج الموقف، فتحدث سيد علي عما يرغب فيه الرأي العام من إثبات حسن النية وميله إلى إصلاح خطأ الوزارة، وذلك بأن تعترف بحق مجلس النواب القادم بتعديل الدستور حسبما تقتضيه مصلحة البلاد، فلا يكون نافذًا إلا بعد إقراره من نواب الأمة(45)، وفي مقال لاحق ارتأى أن تضع اللجنة التي شكلتها الوزارة مشروع الدستور على أن تنعقد الجمعية الوطنية التي تطالب بها الأمة لإبداء رأيها في ذلك المشروع، فتقر منه ما تشاء وتعدل ما ترى تعديله، مبينًا أن تلك الطريقة من شأنها التوفيق بين رأي الوزارة ومطلب الأمة.(46)

وسار في الاتجاه نفسه الحزب الديمقراطي المصري، فرفع خطابًا إلى رئيس الوزراء يطالبه بعرض مشروع الدستور على جمعية وطنية تطمئن إليها البلاد، وقد حرص في مقدمته على الإشارة إلى ما سبق أن طالب به من أن يُعهد بوضع الدستور إلى جمعية وطنية منتخبة انتخابًا حرًا من الشعب، وألمح إلى أسفه لإغفال ذلك من جانب الوزارة(47)، ولما علقت «اللواء المصري» مشيرة إلى ما يفهم من الخطاب من عدول الحزب عن موقفه واكتفائه بعرض الدستور على جمعية وطنية وتساءلت عن أسباب ذلك(48)، رد سكرتير عام الحزب عزيز ميرهم بأن الحزب لم يغير خطته، وكل ما حدث هو إقراره لمبدأ دستوري يبيح للحكومات كما يبيح لأفراد الشعب والنواب حق تقديم اقتراحات ومشروعات قوانين للهيئات النيابية والجمعيات الوطنية، فإذا شكلت الوزارة لجنة لوضع مشروع دستور، فليس عليها في ذلك من حرج إذا أخذت بمشروع اللجنة واعتبرته مشروعًا لها تقدمه إلى الجمعية الوطنية التي يكون لها أن تنقح ما تريد كما لها أن ترفضه كليًا.(49)

وكان لطه حسين رأيه الذي أدلى به، فذهب إلى أن البحث في المسألة يجب أن يكون أساسه معرفة أين تكون مصلحة مصر، أهي في أن يصدر دستورها عن الملك أم عن جمعية وطنية، واستغرب من عدم تفكير خصوم الوزارة في هذا، وذهابهم إلى سرد أخبار الأمم الأخرى وتواريخها- كانت المعارضة قد استشهدت في معرض كلامها تأييدًا لموقفها بالعديد من تجارب الدول الأخرى- مشيرًا إلى أن هؤلاء لا يعبرون عن إرادة الأمة كما يزعمون، وإنما عن آراء خاصة بهم، وكثير منهم متأثرون في طرحهم لتلك الآراء بألوان من المعارضة ليس من شأنها العمل على الوصول إلى وفاق، وبين أن هناك أمورًا لا يمكن إنكارها، إذ توجد أمم قبلت دساتيرها من الملوك، وأخرى وضعت دساتيرها بواسطة جمعياتها الوطنية، وأن العادات النظامية في مصر اقتضت صدور القوانين الدستورية عن صاحب العرش، وأن ظروفًا استثنائية أحاطت بدستور1882، وأنه ليس على استرداد الدستور بعد منحه سبيل، وأن الوزارة لا تريد ولا تستطيع أن تنتقص حقوق الأمة فيما ستشرع من دستور، وأوضح أنه إذا كان كل ذلك حقًا، فإن هناك حقًا آخر ينبغي أن يوضع في الاعتبار، وهو ضرورة إيجاد حل للمسألة القائمة، وأن يقوم هذا الحل على أساس صحيح، عينه في الاتفاق بين فئات الأمة من جهة، وبينها وبين العرش من جهة أخرى، وذكر أن هذا الاتفاق يقتضي مشاركة الأمة في وضع دستورها، وتحقيقًا لذلك رأى أن يوضع الدستور كما تريد الوزارة، على أن يعرض على نواب الأمة ليقبلوه قبل أن يكسب صفة القانون.(50)

هذا وقد حذر طه حسين من الحلول المؤقتة لأية مشكلة، منوهًا إلى أن هذا هو حال الموقف السياسي مع الإنجليز إلى أن يتم الاتفاق، ومن ثم يجب ألا يكون الدستور هو الآخر مؤقتًا حتى إذا تم الاتفاق كانت العودة إليه لنقضه وإحلال نظام آخر محله، وانتهى من ذلك إلى أن ما يحذر منه لا بد من وقوعه إذا لم يتم الاتفاق بين الأمة والوزارة على النظام الدستوري الجديد. وحتى لا يتشبث أي طرف- الوزارة أو المعارضة- بموقفه أوضح أن رئيس الوزراء سجل في خطابه أمام لجنة الدستور أن النظام الجديد سيحتفظ للبرلمان بحق تعديل الدستور، فإذا كان أول عمل للبرلمان هو طلب التعديل، فإن احتياط الوزارة لا يكون قد أفاد شيئًا، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما أشار إلى أن النص الذي يبيح التعديل حتى ولو كان غير موجود فلا يوجد ما يمنع البرلمان من طلب التعديل، بل من تنفيذه بالفعل رضيت الوزارة أم استقالت. وخلص في النهاية إلى أنه يجب على الحكومة والمعارضة إعادة النظر في مواقفهما، وأن يصل الطرفان إلى اتفاق في المسألة على أساس القاعدة التي أوضحها، مبينًا أن ذلك من السهل تحقيقه إذا ما خلصت الضمائر وصفت القلوب.(51)

وإذا جاز لنا تقييم هذا الرأي لطه حسين؛ فإنه يمكننا القول إن ميله للاتجاه المؤيد للوزارة يبدو واضحًا، وهو أمر ليس بمستغرب بالنسبة له في ذلك الوقت، إذ كان حينذاك من المؤمنين بأسلوب العدليين- وعبدالخالق ثروت واحد منهم- في العمل الوطني، وكان رأيه في تصريح 28 فبراير أنه يعد خطوة تفتح بابًا لإتمام الاستقلال(52)، وهو إذا كان قد رأى ضرورة الاتفاق، فإن ذلك لم يكن عن قناعة- ولو يسيرة- بما تستند إليه المعارضة في موقفها من حجج، وإنما كان من أجل تجنيب البلاد ما توقعه من نتائج تضر بها في حال استمرار تأزم الموقف حول وضع الدستور، ومن هنا جاء طرحه للحل الوسط المشار إليه. أيضًا يلاحظ أن ما ذهب إليه- في إطار محاولته إقناع الأطراف المختلفة باتخاذ خطوات إيجابية نحو الاتفاق- من الإشارة إلى عدم وجود ما يعوق البرلمان فيما بعد صدور الدستور عن تعديله في حالة ما إذا أراد ذلك، إنما هو كلام مبالغ فيه بقدر كبير، فمثل هذا يقال عن البلاد التي تتمتع باستقلال كامل وتمارس فيها الديمقراطية بشكل حقيقي، أما مصر حينذاك فكان فالأمر فيها مختلفًا، والدليل على ذلك كان دستور 1923 نفسه، إذ جعل تنقيحه مرهونًا بموافقة الملك؛ إذ نصت المادة (157) على: «لأجل تنقيح الدستور يصدر كل من المجلسين بالأغلبية المطلقة لأعضائه جميعًا قرارًا بضرورته وبتحديد موضوعه، فإذا صدّق الملك على هذا القرار يصدر المجلسان بالاتفاق مع الملك قرارهما بشأن المسائل التي هي محل للتنقيح، ولا تصح المناقشة في كل من المجلسين إلا إذا حضر ثلثا أعضائه، ويشترط لصحة القرارات أن تصدر بأغلبية ثلثي الآراء»(53) فللملك كما هو واضح حق مطلق في التصديق على قرار مجلسي النواب والشيوخ الخاص بالتعديل وموضوعه. أيضًا في حالة مناقشة ما يراد تنقيحه كان لا يمكن أن يُقر شيء لا يحظى برضا الملك، وذلك من خلال التحكم في الأعضاء المعينين بمجلس الشيوخ «الخُمسين»، فهذا العدد يزيد على الثلث، ومن ثم لا يمكن أن تتوفر دونه أغلبية الثلثين المطلوبة لصحة القرارات التي يصدرها المجلس بالتعديل المطلوب. وعليه فإن الأمر لم يكن يسيرًا بالنسبة للبرلمان إذا ما أراد تعديل الدستور حسبما اعتقد أو بالأحرى حاول أن يصور طه حسين. 

وعلى أية حال؛ فإن طه حسين حينما رأى بعد بضعة أيام أن المسألة لم يحدث بها جديد، امتشق قلمه وعاد للكتابة فيها مرة أخرى، فذَّكر بما سبق أن طرحه من حل، معربًا في الوقت ذاته عن أسفه لتركيز أنصار الوزارة والمعارضة الاهتمام بسرد تواريخ الأمم التي وضعت دساتيرها بواسطة جمعيات وطنية أو بغيرها، وظروف وضع تلك الدساتير، وإهمالهم الاتفاق بشأن موضوع الخلاف الأصلي. وقد ساءه بصدد ذلك تجاوز المعارضة للحق وظلمها للتاريخ- حسبما رأى- بإتيانها ببعض الوقائع على غير حقيقتها، وذكر أمثلة من ذلك، كان من بينها ما سجله أمين الرافعي عن وضع أستراليا لدستورها، وهي إحدى مستعمرات التاج البريطاني، فأوضح طه أن هناك شيئين بخصوص ذلك الدستور يلفت النظر إليهما، أولهما: أن كل الحركة السياسية في أستراليا منذ منتصف القرن التاسع عشر إنما صدرت عن إذن الحكومة الإنجليزية بأن تضع أستراليا لنفسها ما تشاء من دستور. الآخر: أن أستراليا لم تكن تملك وضع دستورها بالمعنى المفهوم؛ إذأنها غير متمتعة بحقها من سلطة الأمة. وبين أنه لا يصح أن تسمى الجمعية التي وضعت دستور أستراليا جمعية وطنية كالجمعية الوطنية الألمانية أو النمساوية أو المصرية إن اجتمعت، وإنما كانت لجنة لوضع مشروع للدستور، ولا ينفذ هذا المشروع أو تكون له صفة القانون إلا إذا أقره ولي الأمر، وهو ملك بريطانيا بمشاركة البرلمان الإنجليزي. وذهب إلى أنه من غير المقبول أن يكون لمصر جمعية وطنية على هذا النحو؛ لأن فيه نزولًا صريحًا عن سلطة الأمة. وأكد في النهاية على أمرين، أحدهما: عدم صحة القول بأن الجمعيات الوطنية التي أسست الدول الجديدة لم تدع إليها ثورة أو انقلاب.(54) والآخر: خطأ مقارنة مصر بأستراليا، إذأن الأولى دولة ذات سيادة.(55)

***

وعلى الرغم من انتهاء لجنة الدستور من عملها، فإن الجدل ظل قائمًا بين المعارضة والوزارة، ففي كلمته بمناسبة تسلم مشروع الدستور والتقرير الذي أعدته اللجنة عنه، أشار عبد الخالق ثروت إلى أن ذلك المشروع جاء دافعًا للمزاعم الباطلة التي وجهتها المعارضة لوزارته وأعضاء لجنة الدستور.(56) ومن جانبه ألمح أمين الرافعي في مقال له إلى إغفال اللجنة في تقريرها الحديث عن السلطة التي تملك وضع الدستور، مشيرًا إلى أنه كان جديرًا بها أن تبدأ تقريرها بمطالبة الوزارة بعقد جمعية وطنية منتخبة يكون لها القول الفصل في مشروع الدستور، باعتبار أن ذلك ما تقضي به المبادئ الحديثة التي سجلت اللجنة أنها رجعت إليها وعملت بأحكامها.(57)

وحينما جاءت وزارة جديدة خلفًا لوزارة عبد الخالق ثروت، وهي وزارة توفيق نسيم(30/11/1922- 9/2/1923)، ولم تتبن رؤية المعارضة، تساءل أمين الرافعي «كيف تريد الوزارة الجديدة أن تواصل هذا العمل الذي كان نصيبه الاستنكار والاحتجاج؟ ألم يكن خليقًا بالوزارة الجديدة أن تبادر إلى عقد جمعية وطنية منتخبة انتخابًا حرًا وأن تعرض عليها مشروع الدستور الذي وضعته اللجنة لترى رأيها فيه فتبقي منه ما تشاء وتحذف ما تشاء وتعدل ما تشاء وتضيف ما تشاء ليكون في النهاية وليد إرادة هيئة ممثلة للأمة تمثيلًا صحيحًا؟».(58)

وبمناسبة الدعوة التي أطلقها حزب الأحرار الدستوريين من أجل الاتحاد بعد استقالة وزارة توفيق نسيم وبقاء البلاد دون وزارة أخرى تخلفها، وجهت صحيفة «اللواء المصري» سهامها لأصحاب تلك الدعوة، منتقدة موقفهم من الدستور الذي وصفت مشروعه بأن «أخرق» و»أبتر»، وأوضحت أن دعوة الأحرار الدستوريين للاتحاد من أجل تأييد وزارة تقوم بتنفيذ هذا الدستور إنما هو ضرب من العبث وضياع الوقت، مشيرة إلى رفض الجميع لهذا الدستور ما دام لم يأت وليدًا لإرادة الأمة من خلال جمعية تأسيسية منتخبة بالاقتراع العام المباشر.(59)

وفي إطار تلك السياسة التي انتهجتها المعارضة جاء بيان الوفد الصادر في 22 مارس 1923 في عهد وزارة يحيى إبراهيم (15/3/1923- 27/1/1924) التي خلفت وزارة توفيق نسيم، وذلك تعقيبًا على ما أدخله نسيم من تعديل على النصوص الخاصة بالسودان في مشروع الدستور تنفيذًا لرغبة بريطانيا، وما أشيع عن تعديلات أخرى كان من شأنها الانتقاص من سيادة الأمة، فقد أشار الوفد إلى أن الحوادث أيدت صواب رأي الأمة الذي نادت ولا تزال تنادي به، وهو أن من حقها وحدها وضع دستورها بواسطة نوابها، فلو أن وزارة عبدالخالق ثروت كانت قد استجابت منذ البداية ما اجترأت بريطانيا على تهديد الأمة في حقوقها وعرشها، ولما طمع الرجعيون في انتقاص سيادتها، ورأى الوفد أن العلاج الحاسم للحالة التي عليها أمر الدستور هو الرجوع إلى رأي الأمة بعقد الجمعية الوطنية «ففيها تتمثل إرادة الشعب وبها تصان سيادة الأمة وتحترم جميع الحقوق»(60).

وظلت المعارضة بشكل عام على موقفها حتى بعد صدور الدستور في 19 أبريل 1923، إذأعرب الوفد في بيان له عن ثبات الأمة على مبادئها، وأنها ستواصل جهادها حتى تنال حقوقها المشروعة.(61)

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنهمع كل الانتقادات التي انهالت على السلطة ووجهت للدستور من جانب قوى المعارضة- سواء في مرحلة إعداده أو بعد صدوره- فإن تلك القوى لم تحجم عن المشاركة في الحياة السياسية الجديدة التي قامت على أساسه، وهو ما يُفَسر- في رأينا- إما بأن الدستور قد حظي لديها بالرضا ولو في حده الأدنى، أو بأنها رأت أن قيمته ليست بنصوصه في المقام الأول، وإنما بأداء من يتبوؤون السلطة، تشريعية كانت أم تنفيذية، أو ربما أنها وجدت بحكم الواقع أن لا سبيل أمامها للوصول إلى السلطة سوى طريق هذا الدستور، ومن ثم كان انصياعها لأحكامه والعمل بمقتضياته. ولا يستبعد أن تكون كل هذه أسبابًا، فالسياسة تحتمل كل شيء، وإلا ما كان الأحرار الدستوريون فيما بعد قد اعتدوا على الدستور الذي وضعوه ودافعوا عن مشروعه بقوة حتى صدوره، وما طعن عليه قطبهم عبدالعزيز فهمي عام 1925، بقوله: «إنه كان يعتقد أنه مناسب لمصر، ولكن العمل أظهر أن ثوبه فضفاض». ويناظر هذا لدى كل من الحزب الوطني والوفد العديد من التصرفات، لعل من أبرزها مشاركة الأول في انتخابات إسماعيل صدقي عام 1931، والتي أجريت في ظل دستور كان بمثابة انتكاسة لحقوق الأمة وردة دستورية كبيرة، وقبول الآخر تولي الحكم على حراب الإنجليز فيما اشتهر في التاريخ المصري المعاصر بحادث 4 فبراير 1942.

**********

وعلى أية حال، فإن التجربة موضع البحث لتكشف عن وجود معارضة تتسم بالوعي الشديد، فضلًا عن المسئولية، في مواجهة موقف حكومي كان بحاجة إلى حُجج أوفر لإقناع الرأي العام بما كان قد تقرر وضعه من سياسة بشأن إعداد مشروع للدستور. لكنها- التجربة – بصفة عامة لتعد بما لها وما عليها صفحة مضيئة من صفحات تاريخنا القومي، وهي جديرة بالاستفادة منها بما يتوافق مع مصلحة الوطن ويسهم في تحقيق ما يرومه من تقدم ويسعى إليه من مكانة تليق به وبإرادته الصلبة التي عُرف بها، وتجلت بوضوح في وقتنا الحاضر في ثورة الثلاثين من يونيو من عام 2013، التي تعتبر بحق انطلاقة مهمة على الطريق الصحيح لبلوغ مصر أهدافها في عالمنا المعاصر.

الهوامش

(1) الأخبار، 3/3/1922.

(2) المصدر نفسه، 14/3/1922.

(3) المصدر نفسه،20/3/1922.

(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه، 21/3/1922.

(6) المصدر نفسه، 23/3/1922.

(7) المصدر نفسه، 3/4/1922.

(8) المصدر نفسه، 27/3/1922.

(9) النظام، 3/4/1922.

(10) مصر، 5/4/1922. من الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين الشرعيين كان له موقفًا مختلفًا، إذ أقرت أغلبيته النقيب على قبوله المشاركة بلجنة وضع الدستور.

(11) الأهرام، 10/4/1922.

(12) شفيق، أحمد، حوليات مصر السياسية، تمهيد ج3، مطبعة شفيق باشا، القاهرة، 1928، ص ص 145، 146.

(13) عباس محمود العقاد، سعد زغلول سيرة وتحية، مطبعة حجازي، القاهرة، 1936، ص 419.

(14) الوطن، 1/4/1922.

(15) المصدر نفسه، 3/4/1922.

(16) صدقي، إسماعيل، مذكراتي، ط2، تحقيق سامي أبو النور، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص 62.

(17) الوقائع المصرية، عدد 35، 6/4/1922.

(18) مصر، 5، 6/4/1922؛ الأمة، 6، 9/4/1922؛ اللواء المصري، 6، 8/4/1922؛ النظام، 5، 7، 9، 11، 12، 14/4/1922؛ الأهرام، 5/4/1922؛ الأخبار، 6، 9، 11، 12، 16، 17/4/1922.

(19) فهمي، عبد العزيز، هذه حياتي، تقديم طاهر الطناحي، دار الهلال، القاهرة، 1963، ص 139؛ عبد النور، فخري، مذكرات فخري عبد النور، ثورة 1919 ودور سعد زغلول والوفد في الحركة الوطنية، تحقيق يونان لبيب رزق، دار الشروق، القاهرة، 1992، ص 406.

(20) شفيق، المصدر المذكور، ص 149.

(21) مصر، 12/4/1922.

(22) الأخبار، 6/4/1922.

(23) الوطن، 5/4/1922.

(24) المصدر نفسه، 6/4/1922.

(25) المصدر نفسه.

(26) النظام، 13/4/1922؛ الأخبار، 16/4/1922.

(27) النظام، 17/4/1922.

(28) المصدر نفسه، 24/4/1922.

(29) يُقصد هنا اللجنة التي عرفت باسم "لجنة وضع المبادئ العامة"، وهي لجنة فرعية قامت لجنة الدستور بانتخابها بالاقتراع السري، بهدف وضع المبادئ العامة لمشروع الدستور، وتقديمها بعد الانتهاء منها مع تقرير عنها إلى اللجنة العامة لنظرها والبت فيها.

(30) النظام، 24/4/1922.

(31) الأخبار، 30/4/1922. يذكر أن لجنة وضع المبادئ العامة بعد أن انتهت من أعمالها أتاحت آراءها للاطلاع عليها من جانب الرأي العام.

(32) استغرق عمل لجنة وضع المبادئ العامة للدستور ثماني عشرة جلسة، وذلك في الفترة من 19 أبريل حتى 20 مايو 1922، وبعدها أخذت اللجنة العامة في نظر تلك المبادئ ومناقشتها.

(33) الأخبار، 30/4/1922؛ النظام، 30/4/1922، 19، 23، 25، 26/5/1922، 15، 19، 21، 22، 23/6/1922؛ اللواء المصري، 18، 20، 21/5/1922.

(34) زغلول، مذكرات، كراس 43، ص 2661.

(35) الأهرام، 18/9/1922.

(36) المصدر نفسه.

(37) كانت المبادرة المذكورة بمناسبة استشارة الوفد المصري للأمة في مشروع المعاهدة الذي كانت قد تقدمت به إليه- من خلال عدلي يكن- لجنة ملنر في أغسطس 1920، إذ أُشير ضمن ما جاء به إلى عرضه على جمعية تأسيسية، وكذلك تخويل تلك الجمعية وضع قانون نظامي جديد للبلاد، فتقدم حينذاك الحزب الديمقراطي المصري بمبادرته التي تضمنت مشروعًا بقانون بتشكيل الجمعية الوطنية، والذي رفعه إلى سعد زغلول في سبتمبر 1920. لمزيد من التفاصيل انظر: أحمد زكريا الشلق، الحزب الديمقراطي المصري 1918-1923، صفحة من تاريخ الأحزاب المصرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، ص ص 120- 123.

(38) الأهرام، 23/9/1920.

(39) المصدر نفسه، 18/10/1920.

(40) المصدر نفسه.

(41) المصدر نفسه، 1/11/1920.

(42) المصدر نفسه، 27/3/1922.

(43) مصر، 30/3/1922.

(44) الاستقلال، 1/4/1922.

(45 ) النظام، 4/4/1922.

(46) المصدر نفسه، 10/4/1922.

(47) الأخبار، النظام، 9/4/1922.

(48) اللواء المصري، 9/4/1922.

(49) الأخبار، 11/4/1922.

(50) الأهرام، 13/4/1922.

(51) المصدر نفسه.

(52) أحمد زكريا الشلق، طه حسين، جدل الفكر والسياسة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2009، ص 26.

(53) انظر نص المادة في: الدساتير المصرية نصوص ووثائق 1866- 2011، الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2012، ص 127.

(54) كانت المعارضة قد ذكرت فيما ساقته من حجج داعمة لموقفها أمام الحكومة أن التاريخ يثبت أن أغلب الدول قد اعتمدت على الجمعيات الوطنية في وضع دساتير بلادها، وقد رد عبد الخالق ثروت رئيس الوزراء على ذلك خلال افتتاحه أعمال لجنة الدستور بأن هناك دولًا بالفعل كان الدستور بها من عمل جمعية وطنية، لكنها في الواقع هي الأقل عددًا، مشيرًا إلى أن السبب في تولي الجمعية الوطنية بتلك الدول وضع الدستور، إنما هو ظروف استثنائية كالثورة أو زوال السلطة الشرعية فيها وحلول سلطة مؤقتة بها. وكان التعقيب على ذلك من جانب المعارضة بأنه مخالف للواقع وينقضه التاريخ، مؤكدة على ما سبق أن ذكرته في هذا الصدد. انظر: الأخبار 2، 16/4/1922؛ لجنة الدستور، مجموعة محاضر اللجنة العامة، الجلسة الأولى، 11/4//1922، ص 2.

(55) الأهرام، 21/4/1922.

(56) صبحي، محمد خليل، تاريخ الحياة النيابية في مصر من عهد ساكن الجنان محمد علي باشا، ج5، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1939، ص 462.

(57) الأخبار، 25/10/1922. من الواجب الإشارة إلى أن إبراهيم الهلباوي عضو اللجنة كان قد أوضح ضمن كلمته التي ألقاها أمام عبد الخالق ثروت بعد كلمة أحمد حشمت نائب رئيس اللجنة بمناسبة تسليم مشروع الدستور- أوضح أن المشروع يترجم رأي طائفة كبيرة من الناس ويحقق مطامعها، لكنه في الوقت ذاته توجد طائفة أخرى لا يستهان برأيها ترى أن فيه نقصًا كبيرًا في الحقوق التي للشعب. الهلباوي، إبراهيم، مذكرات، تاريخ حياة إبراهيم الهلباوي 1858- 1940، تحقيق عصام ضياء الدين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995، ص 268.

(58) الأخبار، 25/12/1922.

(59) اللواء المصري، 26، 28/2/1923.

(60) شفيق، المصدر المذكور، ص ص 488، 489.

(61) المصدر نفسه، ص ص 578، 579.