هوامش
محمد جادالدولة المصرية .. استقرار مالي هش ويد مغلولة عن الموارد
2019.03.01
الدولة المصرية .. استقرار مالي هش ويد مغلولة عن الموارد
إن الموارد المالية للدولة، سواء المتأتية عبر سلطتها السيادية في فرض الضرائب أو من خلال قدرتها على جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي، أو هبات الطبيعة وما تحمله من إيراد ريعي، هي الدماء التي تجري في شرايينها وتساعدها على تغطية استحقاقات الديون الواقعة عليها.
وهذا المقال يسلط الضوء على التطورات الجارية في موارد الدولة المصرية، هل تتدفق الدماء في عروق الدولة المصرية وتقف على أقدام ثابتة في مواجهة ديونها المتفاقمة أم تعاني من بعض أوجه الخلل؟ هل استطاعت أن تعزز من سلطتها السيادية في جمع الضرائب خلال السنوات الأخيرة التي لم تشهد اضطرابات مماثلة لما جرى بعد 2011 أم أن أيادي الدولة لا تزال قاصرة؟
15 يوليو 2018، كان آخر موعد لسداد الضريبة العقارية لمن يمتلكون وحدات تفوق قيمتها حد الإعفاء القانوني (2 مليون جنيه)، وفي حال مخالفة هذا التاريخ تستحق الضريبة على مالك الوحدة بالإضافة لغرامة التأخير.
اضطرت مصلحة الضرائب لمد مهلة السداد دون غرامة تأخير إلى 15 أغسطس ثم إلى 15 أكتوبر، ونقلت وسائل الإعلام تقارير عن تزاحم شديد في مقرات المصلحة، ونصحت رئيسة المصلحة الممولين ممن يقعون تحت حد الإعفاء بتأجيل تسجيل عقاراتهم لما بعد أكتوبر حتى يخففوا من ضغط العمل على المصلحة.
يعكس إقبال المواطنين على تسجيل وحداتهم إحساسهم بقوة الدولة وقدرتها على جبابة الضريبة التي أثارت جدلًا واسعًا منذ إقرار القانون في 2008، فالمعروف أن العقارات في مصر أحد أهم مخازن القيمة، في ظل مصاعب الاستثمار في مجالات إنتاجية مثل الصناعة، وضعف سوق الأوراق المالية الذي يعد البوابة التقليدية لدخول عالم الأعمال عبر شراء الأسهم، وكذلك ضعف فوائد البنوك في ظل الارتفاع المزمن لمعدلات التضخم.
ومثل الاستثمار في هذا النشاط في المتوسط 10.7 % من مجمل الاستثمارات منذ صدور هذا القانون، لذا أثار القانون الذي وضعه آخر وزراء مالية مبارك، يوسف بطرس غالي، جدلاً واسعًا وقت تشريعه، والذي استهدف بالأساس استثمارات الطبقة الوسطى في مساكن المدن الجديدة وشاليهات المدن الساحلية، حيث كان التشريع السابق في هذا المجال، الصادر في 1954، يفرض الضريبة فقط على المساكن الواقعة في كردون المدينة.
وتعرض القانون لتعديلات عدة أجلت موعد استحقاق الضريبة، كان آخرها ما تم النص عليه في 2014 باستحقاق الضريبة المربوطة عن أول تقدير اعتبارًا من يوليو 2013، على أن يستمر العمل بذلك التقدير حتى نهاية ديسمبر من 2018 .
لا ينفصل هذا التردد الطويل من قبل الدولة إزاء تطبيق القانون بطبيعة الحال عن حالة عدم استقرار السلطة في مصر بعد 2011، لكن استعادة الدولة مجددًا لقدرتها على جمع الإيرادات السيادية لا تحقق الوفرة الكافية لخلق استقرار مالي.
هل استعادت الدولة قوتها فعلًا؟
بالنظر إلى توقعات الحكومة بشأن ضرائب المباني في العام المالي الجاري، 2018 - 2019، فإنها تتطلع لزيادتها من 3.6 مليار جنيه إلى 5.2 مليار جنيه، وهو ارتفاع كبير لكن تظل إيرادات المباني تمثل نسبة هامشية من مجمل الإيرادات الضريبية (0.6 % من الإيرادات المتوقعة في هذا العام).
الثقل الرئيسي للإيرادات الضريبية يأتي من ضرائب الدخل وضرائب الاستهلاك، فمتوسط مُساهمة الأولى في إجمالي الإيرادات الضريبية خلال خمس سنوات (بين الأعوام المالية 2012 و2017) كان 43 % والثانية 40 %.
وقد تزايد اعتماد الدولة على ضرائب الاستهلاك بدءًا من 2016 مع إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة الذي رفع السعر العام للضريبة من 10 % إلى 14 %. بينما قُدمت حوافز ضريبية سخية للمستثمرين على ضرائب الدخل في 2015.
استشعرت الدولة أنها غير قادرة على مواجهة ضغوط المستثمرين للاستمرار في فرض ضريبة الأثرياء، التي فرضتها بصفة مؤقتة في 2014 على الشرائح العليا للدخل، ومع إلغاء هذه الضريبة انكمشت عائدات الضرائب من شركات الأموال في 2015-2016 إلى 36.9 مليار جنيه، من 38.5 مليار جنيه (لا تشمل البنك المركزي وقناة السويس وهيئة البترول).
وقد استعادت إيرادات ضرائب الشركات وتيرة نموها في العامين التاليين لتصعد إلى 47.2 و65.1 مليار جنيه، وهو ما يمكن أن يعزى نسبيًّا إلى مساهمة تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 وتوافر النقد الأجنبي في يد المستثمرين إثر هذا الإجراء في تشغيل الطاقات التي كانت معطلة خلال فترة أزمة العملة السابقة على التعويم.
ولكن الآثار السلبية للتعويم على الخزانة العامة كانت فادحة، فمن ناحية كان لفقدان العملة أكثر من نصف قيمتها أثره المباشر من حيث تدني قيمة الإيرادات الضريبية عند حسابها بالعملة الصعبة.
وينعكس تدني قيمة الايرادات الحكومية بالعملة الصعبة على قدرتها على تغطية التزاماتها المستوردة من الخارج، مثل تغطية احتياجاتها من مشتريات القمح والمواد البترولية من العالم الخارجي.
كما ساهم ارتفاع الدولار في زيادة قيمة فوائد الدين الخارجي، من 5 مليار جنيه في 2015-2016 إلى 9.4 مليار جنيه في العام التالي ثم إلى 26.9 مليار جنيه في 2017-2018 ، وهو الوضع الذي ساهم فيه إقبال الدولة الشره على القروض الخارجية بعد إبرام اتفاق قرض صندوق النقد الدولي في 2016 لمساندة الوضع المالي الداخلي.
كانت يد الدولة عاجزة عن جمع الإيرادات من المستثمرين فتوسعت بقوة في جنيها من جيوب المواطنين عبر ضرائب الاستهلاك، لكن حتى هذه الضريبة لها حدود تتعلق بمدى قدرة المواطنين على ملاحقة ارتفاع أسعار السلع، وأثرها يتضائل بالتدريج كلما مر وقت على سن التشريع الخاص بها.
فقد ارتفع معدل نمو حصيلة ضرائب السلع والخدمات من 14.3 % في العام المالي السابق على تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة إلى 48.4 %، ثم تناقص معدل النمو إلى 39.5 % ثم إلى 26.7 % في 2018 - 2019، وفقًا لتوقعات الحكومة.
وتظهر بيانات وزارة المالية انخفاضًا واضحًا في معدل نمو الاستهلاك الخاص خلال 2017-2018، من 4.2 % إلى 1.1 %.
إجمالاً، فإن الدولة التي بدت حاضرة بقوة وهي تدفع أصحاب العقارات لتسجيل ممتلكاتهم وتُخضعهم للقانون بعد نحو عقد من تشريعه والتردد في تطبيقه، ليست بالقوة التي تبدو عليها ظاهريًّا.
فحصيلة الضرائب العقارية تظل محدودة، وهي ظاهرة لا تزال تحتاج لعمل بحثي معمق لتفسيرها وكشف مدى جدية الدولة بشأن تقييم العقارات بقيمتها الحقيقية وكذلك مدى قدرتها على حصر الثروة العقارية وإخضاعها للضريبة.
وعلى صعيد ضرائب الدخل، لم يكن إلغاء ضريبة الأثرياء في 2015 هو المواجهة الوحيدة التي أخذت فيها الدولة خطوة للوراء، فقد حاولت في أكثر من مرة أن تتوسع في ضرائب قطاع الأعمال، وكانت البورصة أداة ضغط واضحة في يد المستثمرين لكبح هذه الطموحات الجبائية، وقد نجحت هذه الأداة في مرات ولم تجد مرات أخرى.
المثال الواضح على انتصار مجتمع الأعمال على الدولة من خلال ضغوط سوق المال يتمثل في ضرائب الأرباح الرأسمالية في البورصة، التي تم إقرارها في يوليو 2014، ثم تم تجميد العمل بها في 2015 لمدة عامين، وفي 2017 تجدد التجميد ثلاث سنوات أخرى، وفي كل مرة كان وراء التجميد انخفاضات قوية في البورصة تلوي ذراع الدولة وتجبرها على التراجع.
لكن في التوقيت الذي جمدت فيه الدولة «الأرباح الرأسمالية» في البورصة، أقرت ضريبة الدمغة على التداولات، وإن كان العاملون في هذا المجال يقولون إنها أقل عبئًا من الأرباح الرأسمالية.
وفي نهاية العام الماضي أرسلت الحكومة تعديلًا تشريعيًّا على طريقة حساب ضرائب البنوك، بحذف نص يسمح للبنوك المحلية بخصم الضرائب المسددة بالفعل على أدوات الخزانة من حساب ضريبة الدخل عن صافي أرباحهم.
واجه التعديل الأخير مقاومة من البورصة، وكان التأثير واضحًا بالنظر إلى أن هذا التعديل يمس أرباح البنوك على وجه التحديد، وكما هو معروف فإن البنك التجاري الدولي هو صاحب أكبر وزن نسبي في المؤشر الرئيسي للبورصة، أي أن أي عمليات بيعية في أسهم البنك تهوي بالمؤشر بسرعة، ولكن في النهاية مر التعديل وتكيف مجتمع الأعمال مع الوضع الجديد.
سراب الريع النفطي
وبالنظر للإيرادات غير الضريبية، فإن الريع البترولي يظل المنبع الأول لإيرادات الدولة، وقد زاد فائض هيئة البترول من 5.9 مليار جنيه إلى 19.8 مليار جنيه، بين العامين الماليين 2017 و2018، ولا شك أن لتعويم الجنيه دور في ذلك فالهيئة تجني إيراداتها بالعملة الصعبة، لكن ربما يكون للاستثمارات البترولية في الفترة الأخيرة دورًا مهمًا أيضًا.
ويعد «ظهر»، حقل الغاز الضخم الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية في مياه المتوسط، من أبرز المشروعات البترولية الجارية في مصر، والذي قد يشجع على إضفاء صورة إيجابية عن عودة قوية للريع النفطي كمصدر أساسي من مصادر إيرادات الدولة.
لكن مكتسبات حقل ظهر ستتآكل بالتدريج خلال فترة قصيرة، فقدرة البلاد على تصدير الغاز ستنتهي في 2022 في ظل تنامي الطلب وتناقص الإنتاج، وفقًا لتقديرات بنك بي إن بي باريبا في 2017. ومن الجدير بالذكر أن قطاع النفط شهد استثمارات مهمة خلال الفترة الماضية، إذ أعلنت بي بي أنها ستنفق هذا العام نحو 1.8 مليار دولار على تشغيل عدد من الحقول، كما تسعى الدولة المصرية لتعزيز إيراداتها البترولية عبر استغلال محطات الإسالة المتاحة لديها، التي تحول الغاز إلى غاز مسال، لتصدير الإمدادات إلى أنحاء المتوسط، بالإضافة إلى تصدير غاز جيرانها، مثل إسرائيل التي قالت إنها ستضخ الغاز إلى مصر في وقت لاحق من العام الجاري، وهي التطورات التي ربما تمنح الدولة بعض الدعم بشأن تحسين تدفقات النقد الأجنبي أمام تنامي الاستهلاك المحلي.
ويحكم تأثير تطورات الوضع النفطي في مصر على الموازنة عاملين أساسيين، الأول هو السعر الذي تشتري به الموارد البترولية من الشريك الأجنبي الذي ساعدها على استخراجها من أراضيها، والثاني حجم ما تدفعه لدعم السعر النهائي لهذه الموارد البترولية عند وصولها للمستهلك.
وبالنسبة للعنصر الأخير، فكما نعلم تمضي الدولة بحزم منذ 2014 في خطة تحرير أسعار الطاقة متجاهلة آثارها التضخمية القاسية على المواطنين، لكن تظل تكلفة الدعم ثقيلة خاصة في ظل اعتماد الدولة القوي على استيراد منتجات بترولية من الخارج مثل السولار، وتضاعف قيمة هذه الواردات مع فقدان الجنيه لأكثر من نصف قيمته.
أما فيما يتعلق بالعنصر الثاني، فقد اتجهت الدولة خلال السنوات الأخيرة لزيادة أسعار الغاز المشترى من الشريك الأجنبي بعد سنوات طويلة من محاولة تثبيته.
وإذا نظرنا إلى باقي مصادر الإيرادات غير الضريبية، سنجد إيرادات قناة السويس كانت شبه ثابتة خلال الفترة الأخيرة، على الرغم من التوسعات المكلفة التي جرت فيها.
فبحساب الجنيه المصري زاد فائض هيئة القناة بالضعف تقريبًا بين العامين الماليين 2016 و2017، من 14.7 مليار جنيه إلى 29.3 مليار جنيه، ثم تراجع في العام التالي إلى 27.8 مليار جنيه.
وبالحسابات الدولارية ظلت إيرادات القناة تدور خلال هذه السنوات الثلاث حول مستواها المعتاد 5 مليارات دولار، بقيم 5.1 و4.9 و5.7 مليار دولار على التوالي.
وتبدو الدولة متفائلة بشكل مبالغ فيه فيما يتعلق بقدرتها على جني الإيرادات من بيع الأصول، فهي توقعت في موازنة 2017-2018 أن تجمع 10.4 مليار جنيه من حصيلة بيع الأراضي، لكنها حصدت فعليًّا 581 مليون جنيه.
واضطرت الدولة أيضًا في أكتوبر الماضي لتأجيل برنامج لطرح حصص في الشركات العامة بالبورصة بسبب ضعف القوى الشرائية في السوق. وقال وزير قطاع الأعمال هشام توفيق إن استئناف برنامج الطروحات، بطرح أسهم شركة الشرقية للدخان، مرهون بوصول متوسط التداول في البورصة إلى مليار جنيه يوميًا، بينما كان قد وصل في يناير إلى 700 مليون جنيه.
تحالف الدولة ورؤوس الأموال الساخنة
وتتزايد الضغوط على الدولة مع عجزها عن تنمية الاستثمارات. صحيح أن معدلات نمو الاستثمار زادت بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة، من 8.6 % في العام المالي 2015 إلى 11.2 % في 2016 ، لكن الاستثمارات العامة كانت الدافع الرئيسي بينما كانت مساهمة الاستثمارات الخاصة في تراجع مستمر.
وكانت هذه الاستثمارات العامة تزيد من أعباء عجز الموازنة بطبيعة الحال ومن احتياجات الدولة للتمويل في الوقت الذي بدت فيه العديد من الاستثمارات الخاصة في موقف المراقب المنتظر لرؤية أوضح بشأن بيئة الاستثمار في البلاد.
يبدو ضعف الاستثمار أكثر وضوحًا عند النظر إلى بيانات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي تراجع خلال العام المالي 2018 إلى 7.7 مليار دولار، من 7.6 مليار دولار في العام السابق، وتظل الاستثمارات عاجزة عن الوصول إلى مستوى 10 مليارات دولار الذي استهدفته الدولة في وقت سابق.
وزاد من الأعباء الخارجية للدولة ما يعرف بأزمة الأسواق الناشئة، والمقصود بها الخروج القوي للاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية من هذه الأسواق سعيًا إلى السوق الأمريكية، التي زادت أسعار الفائدة لديها مؤخرًا.
ويعكس البيان الأخير لميزان الحساب المالي والرأسمالي انعكاس هذه الأزمة على مصر، فقد تحولت استثمارات محفظة الأوراق المالية في مصر من تحقيق فائض بـ 7.4 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي السابق إلى عجز بـ 3.2 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام المالي الحالي.
ومع نجاح الحكومة في هذه الفترة في تسجيل زيادة قوية في إيرادات السياحة، من 2.6 مليار دولار إلى 3.9 مليار دولار، يظل تأثير خروج الأجانب من الأوراق المالية هو الأكثر ثقلاً مما يعكس اعتمادية الدولة على الاستثمارات الساخنة وبيع أوراق المديونية في جذب تدفقات النقد الأجنبي، فالفائض الكلي لميزان المدفوعات تراجع في الربع الأول من العام المالي الحالي لـ 284.1 مليون دولار مقابل 5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام المالي السابق.
بإيجاز.. خلقنا نموًا خلال الفترة الماضية مدفوع بالاستثمارات العامة والاستثمارات الساخنة مع تردد واضح من الاستثمارات الخاصة الإنتاجية، والتي تعد أكثر مصادر الاستثمار التي يمكن الاعتماد عليها بصفة مستدامة.
وماذا عن الديون؟
العوامل السابقة، سواء المتعلقة بقدرة الدولة المحدودة على جمع الإيرادات الضريبية أو ضعف المصادر الريعية والاستثمار، تضع الدولة في موقف ضاغط أمام التزامات المديونية.
وقد ارتفعت نسبة الدين العام للناتج الإجمالي بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة على الرغم من الإجراءات التقشفية التي اتبعتها الحكومة، مثل تجميد الحوافز الحكومية السابقة على قانون الخدمة المدنية للحد من نمو موازنة أجور العاملين لدى الدولة، بجانب الزيادات المتوالية في أسعار بنود الطاقة.
وبين يونيو 2013 ويوليو 2017 زادت نسبة دين أجهزة الموازنة العامة (الجهاز الإداري والإدارة المحلية والهيئات الخدمية) المحلي والخارجي من الناتج المحلي بنحو 20 % لتصل إلى 108 %، قبل أن تتراجع في يوليو 2018 إلى 97.2 %.
يمثل تفاقم الديون عقبة أساسية أمام التنمية، يكفي أن نشير إلى أن ما ستنفقه الحكومة على فوائد ديونها في العام المالي الحالي يمثل نحو 40 % من مجمل مصروفاتها، لكي يتضح كيف تلتهم الديون قدرة الدولة على الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والتنموية.
دون دولة قادرة على فرض ضرائب أكبر على الشرائح الثرية في المجتمع، أو قادرة على تنشيط حركة الاستثمار ستتطور الديون ويزداد حجم ما تلتهمه من الانفاق العام، ككرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت لأسفل.
إن السعي وراء دولة أقدر على القيام بدور الجباية من الفئات المتنفذة في المجتمع، دون التعرض لضغوط بدءًا بهروب الاستثمار إلى انهيار البورصة، أمر مرهون بتوازنات سياسية واقتصادية عدة، ولا تبتعد هذه القضية كثيرًا عن حاجتنا لدولة قادرة أيضًا على تحفيز القطاعات الإنتاجية، فالدولة الناجحة في التنمية هي الأقدر على التفاوض مع المستثمرين.
مثل هذه الدولة التي تجمع بين التنمية والتعامل بحزم مع مراكز الثروة في المجتمع هي الأقدر بحق على التحرر من الضغوط المالية التي تلتهم قدرتها على التنمية، ومن ثم تحقق «الاستقرار» الذي ننشده.
أما الوضع الحالي فهو يساهم في إعادة إنتاج نموذجنا الاقتصادي العليل، حتى وإن تمكنت الدولة من تحقيق تقدم على مستوى الميزان المالي للموازنة وتحويله من العجز للفائض على الرغم من كل العثرات التي تواجهها الدولة في جمع الموارد المالية، فإن هذا الفائض يعكس الجور على نفقات التنمية، ويجدد من أزماتنا التنموية التي لن تمر إلا بضعة سنوات حتى تتفاقم من جديد وتعيدنا لشروط الدائنين.
ترشيحاتنا
