صناع الثقافة

محمد سيد عبد الرحيم

السينما المستقلة في مصر.. ربع قرن من الهجمات المرتدة

2021.08.01

تصوير آخرون

السينما المستقلة في مصر..  ربع قرن من الهجمات المرتدة

تدور أحداث الفيلم حول فتاة صغيرة تدعى شمس، تقيم في حي عين شمس الشعبي، ويكتشف والدها أنها مصابة بسرطان الدم في مرحلة متأخرة، وأنها على وشك الوفاة، وأملها الوحيد هو زيارة منطقة وسط البلد. ويعتبر هذا الفيلم هو البداية الحقيقية للسينما المستقلة في مصر. الفيلم أكثر تماسكًا من فيلم "إيثاكي" بالإضافة إلى أنه يتناول قضايا لا تهم النخبة وحدهم ولكنها قضايا تمس جميع المصريين. أيضًا الجدل الذي أثاره فيلم "إيثاكي" كان في صالح فيلم "عين شمس" والذي أحدث نوعًا من الجدل بين صناع السينما والمهتمين بها والذي أجبر أخيرًا الرقابة على السماح بعرضه بعد رفضها لمدة طويلة بسبب عدم الحصول على أي تراخيص إذا كان للسيناريو أو التصوير وأيضًا لتحويل الفيلم من ديجيتال إلى 35مم من أجل عرضه في دور العرض. وبالتأكيد كان انتصار عرض الفيلم في دور العرض - حتى لو كان عدد دور العرض قليلاً - انتصارًا لسينما الديجيتال والذي دفع بعد ذلك أصحاب دور العرض لتطوير ماكينات العرض وشراء ماكينات قادرة على عرض أفلام بصيغة الديجيتال.

تدور أحداث الفيلم حول فتاة صغيرة تدعى شمس، تقيم في حي عين شمس الشعبي، ويكتشف والدها أنها مصابة بسرطان الدم في مرحلة متأخرة، وأنها على وشك الوفاة، وأملها الوحيد هو زيارة منطقة وسط البلد. ويعتبر هذا الفيلم هو البداية الحقيقية للسينما المستقلة في مصر. الفيلم تدور أحداث الفيلم حول فتاة صغيرة تدعى شمس، تقيم في حي عين شمس الشعبي، ويكتشف والدها أنها مصابة بسرطان الدم في مرحلة متأخرة، وأنها على وشك الوفاة، وأملها الوحيد هو زيارة منطقة وسط البلد. ويعتبر هذا الفيلم هو البداية الحقيقية للسينما المستقلة في مصر. الفيلم تدور أحداث الفيلم حول فتاة صغيرة تدعى شمس، تقيم في حي عين شمس الشعبي

 

لا يمكننا أبدًا إنكار أن فوز الفيلم الأمريكي Sex, Lies, and Videotape للمخرج ستيفين سودربرج بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي بعام 1989 كان دافعًا كبيرًا للعديد من محبي السينما حول العالم لأن يصنعوا أفلامًا تقترب من ظروف صنع هذا الفيلم؛ إمكانات إنتاجية ضعيفة، ممثلين غير معروفين وأحيانًا غير محترفين، وقت قصير جدًا للبروفات والتصوير والأهم قصة وشخصيًّات وإيقاع يختلف تمامًا عما نجده في السينما السائدة.

بالتأكيد لم يكن هذا الفيلم أول الأفلام الأمريكية التي اتبعت هذا الأسلوب، ولكنه كان تتويجًا للسينما المستقلة الأمريكية. وهو ما دفع الكثير من الشباب المصريين للاهتمام بصنع أفلام تبتعد عن السينما السائدة التجارية في محاولة منهم للتعبير عن أنفسهم عبر ظروفهم التي يستطيعوا أن ينتجوا في سياقاتها.

وبعد 32 عاما من فوز الفيلم الأمريكي Sex, Lies, and Videotape يفوز الفيلم المصري "ريش" للمخرج عمر الزهيري بالجائزة الكبرى في أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي. فيلم ينتمي إلى السينما المستقلة في مصر يفوز بواحدة من أكبر الجوائز في هذا المهرجان العريق بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا من صنع أفلام مستقلة في مصر.

التعليم الموازي كبديل

تزامن هذا الاهتمام بالسينما المستقلة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بنشر ثقافة الفيديو آرت في مصر عبر المراكز الثقافية الأجنبية وعلى رأسها مؤسسة بروهلفسيا الثقافية السويسرية ومعهد جوته الألماني، والتي قامت بتنظيم ورش طوّرت من رؤية صناع الأفلام بالتزامن مع إتاحة كاميرات الديجيتال، ووحدات مونتاج الديجيتال، والتي مكنت صناع الأفلام من صنع أفلام لا تحتاج إلى إمكانيات كبيرة وبالتأكيد لا تحتاج إلى فريق عمل كبير.

وقد بدأت السينما المستقلة في مصر عبر مجموعة من الأفلام القصيرة صنعها مجموعة من الشباب بعضهم جاء من معهد السينما ولكن أغلبهم لم يدرس في الجهة الرسمية لتعليم السينما في مصر، ولكنه درس في بعض ورش قصر السينما والمراكز الثقافية الأجنبية وبعضهم لم يدرس في أي مكان ومن ضمن الرعيل الأول كان حسن خان وأحمد حسونة وأحمد رشوان وشريف العظمة وهديل نظمي وأحمد أبو زيد وتامر السعيد وتامر عزت وإسلام عزازي وإبراهيم البطوط، وعرضت أفلامهم القصيرة الروائية والتسجيلية في عروض خاصة وفي المراكز الثقافية الأجنبية حتى كان العرض الأول لفيلم ينتمي إلى السينما المستقلة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة بعام 2002 مع الفيلم التسجيلي القصير "تحولات" للمخرج حسن خان والذي حصل على عدة جوائز في هذه الدورة ثم تلاه بعد ذلك استحداث مسابقة خاصة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهي مسابقة أفلام الديجيتال بعام 2008 والتي حصل فيها فيلم بصرة للمخرج أحمد رشوان على جائزة أفضل فيلم عربي.

محطات السينما المستقلة

كانت هذه هي الإرهاصات الأولى التي تلاها بعد ذلك سيل من الأفلام المصرية التي تنتمي إلى السينما المستقلة. وفيما يلي أهم الأفلام الروائية الطويلة التي بلورت الشكل الذي نجد عليه السينما المستقلة في مصر اليوم.

"إيثاكي" 2005 بطولة حنان يوسف وأحمد كمال وتأليف وإخراج إبراهيم البطوط.

تدور قصة الفيلم حول 15 شخصية تأثرت حياتهم بعدد كبير من العوامل أهمها الحرب والمرض والعجز واﻹدمان، إذ يتم إلقاء الضوء طوال الأحداث على الخيط الرفيع بين الواقع والخيال من خلال أحداث تدور في القاهرة وتتلاقى كل خطوط الفيلم مع وجود مصور حربي يعمل على تصوير أول أفلامه الروائية الطويل، ويعتبر هذا هو أول فيلم طويل ينتمي إلى السينما المستقلة في مصر، إذ أنتج الفيلم بالكامل عبر أموال صناع الفيلم أنفسهم وتبرع أغلب الممثلين بالعمل في الفيلم بينما يعبر الفيلم تمامًا عن أفكار المخرج فهو فيلم ينتمي إلى سينما المؤلف بامتياز حيث تحكمه وسيطرته الكاملة على الفيلم من جميع جوانبه.

عين شمس 2008 بطولة رمضان خاطر وحنان يوسف وتأليف إبراهيم البطوط وتامر السعيد وإخراج إبراهيم البطوط.

تدور أحداث الفيلم حول فتاة صغيرة تدعى شمس، تقيم في حي عين شمس الشعبي، ويكتشف والدها أنها مصابة بسرطان الدم في مرحلة متأخرة، وأنها على وشك الوفاة، وأملها الوحيد هو زيارة منطقة وسط البلد. ويعتبر هذا الفيلم هو البداية الحقيقية للسينما المستقلة في مصر. الفيلم أكثر تماسكًا من فيلم "إيثاكي" بالإضافة إلى أنه يتناول قضايا لا تهم النخبة وحدهم ولكنها قضايا تمس جميع المصريين. أيضًا الجدل الذي أثاره فيلم "إيثاكي" كان في صالح فيلم "عين شمس" والذي أحدث نوعًا من الجدل بين صناع السينما والمهتمين بها والذي أجبر أخيرًا الرقابة على السماح بعرضه بعد رفضها لمدة طويلة بسبب عدم الحصول على أي تراخيص إذا كان للسيناريو أو التصوير وأيضًا لتحويل الفيلم من ديجيتال إلى 35مم من أجل عرضه في دور العرض. وبالتأكيد كان انتصار عرض الفيلم في دور العرض - حتى لو كان عدد دور العرض قليلاً - انتصارًا لسينما الديجيتال والذي دفع بعد ذلك أصحاب دور العرض لتطوير ماكينات العرض وشراء ماكينات قادرة على عرض أفلام بصيغة الديجيتال.

بصرة 2008 بطولة باسم سمرة ويارا جبران وإياد نصار وناهد السباعي وتأليف وإخراج أحمد رشوان.

يتناول الفيلم حياة مجموعة من الشابات والشباب المثقفين الذين يعيشون في مصر كأصدقاء، لهم طريقتهم في الحياة كتفكير وسلوك، يمتلكون الكثير من الطموح والفرح، لكن مع بداية حرب العراق تبدأ هذه الحرب بإلقاء ظلالها القاسية على المجموعة، فتمنع إحداهن من السفر إلى الخارج لمتابعة الدراسة بينما يموت واحد من هذه الشخصيًّات ليتأثر بهذا الحدث جميع الشخصيًّات. أحداث الفيلم تؤكد أن المشكلات لا تواجه العرب في بغداد والبصرة فحسب، بل في هذه الشخصيًّات المصرية المثقفة. يعتبر هذا الفيلم الأكثر تماسكًا من بين كل الأفلام الأولى التي تنتمي لهذا التيار حيث قصة وأحداث وشخصيًّات متماسكة ومعبرة بالإضافة إلى الاهتمام أكثر بعناصر سينمائية مثل الأداء التمثيلي وفنيات التصوير والإضاءة والديكور.

هليوبوليس 2010 بطولة خالد أبو النجا وحنان مطاوع ويسرا اللوزي وهاني عادل وتأليف وإخراج أحمد عبد الله السيد.

يتناول الفيلم مجموعة من القصص المختلفة التي تدور جميعها على مدار يوم واحد في منطقة مصر الجديدة، بين صانع أفلام يعاني من انفصال حبيبته عنه، وحبيبان يستعدان للزواج، وعسكري أمن ماثل في مكانه يحرس منشأة، وشاب يخطط للهجرة للحاق بأسرته. في هذا الفيلم، انتهج المخرج الكثير من السمات الأسلوبية التي بدأها إبراهيم البطوط في أفلامه حيث الاهتمام بالمكان وخاصة حي من أحياء القاهرة وعلاقة المكان بالشخصيًّات والمشكلات التي تقابل وتواجه وتؤرق هذه الشخصيًّات في وقت مهم ومصيري من عمر الوطن

حاوي 2010 حنان يوسف وشريف الدسوقي وتأليف وإخراج إبراهيم البطوط.

تدور أحداث الفيلم كلها في مدينة الإسكندرية، ليرصد عدة شخصيًّات مصرية من مختلف الشرائح المجتمعية التي تعيش ظروفًا صعبة وتناضل من أجل حياة أفضل، وكل ما لديها هو الأمل. الارتجال والتجريب في السرد وتكوين الشخصيًّات هو السمة الرئيسية التي لعب عليها هذا الفيلم. هذا الارتجال سيستمر بعد ذلك لدى العديد من مخرجي هذا التيار في أفلام عدة.

ميكروفون 2011 بطولة خالد أبو النجا وهاني عادل ويسرا اللوزي وأحمد مجدي ومنة شلبي وتأليف أحمد عبد الله السيد وهيثم يحي وإخراج أحمد عبد الله السيد.

تدور أحداث الفيلم حول "خالد" الذي يعود إلى الإسكندرية بعد غياب أعوام قضاها في الولايات المتحدة بحثًا عن حبيبته، وترميم علاقته المتصدعة بوالده. لكنه يكتشف أن عودته جاءت متأخرة، فحبيبته على وشك السفر وعلاقته بوالده وصلت إلى طريق مسدود. وفي أثناء جولة يائسة في شوارع الإسكندرية، يلتقي بشبان وشابات كل له حياته وأسلوبه الخاص في العمل والعيش، فتختلط تفاصيل حياة "خالد" الخاصة بما يدور حوله من أحداث فيدمج في هذا العالم الجديد عن جيل ناشئ من الفنانين يعيشون على الهامش. الخروج من القاهرة إلى الإسكندرية، هو خروج من المتن إلى الهامش. هو اهتمام أكبر بالهامش وهو نفسه ما يتسق مع سينما مهمشة وهي السينما المستقلة. يتناول الفيلم أيضًا حياة الفنانين المهمشين في مجتمع هو نفسه مهمش ليلقي الكثير من الضوء على حياتهم وأفكارهم وإبداعاتهم. يعتبر هذا الفيلم الأكثر تعبيرا عن السينما المستقلة بسبب اتساق موضوعه مع أسلوب المدرسة وسماتها.

تيار جديد للنهر

الخروج للنهار 2012 بطولة دنيا ماهر وتأليف وإخراج هالة لطفي.

تدور أحداث الفيلم حول محنة أسرة فقيرة في أحد أحياء القاهرة الشعبية، حيث أب قعيد، أم ممرضة، وابنة تواجه مشكلات في التعبير عن مشاعرها وأحلامها، بعد أن أصبحت في الثلاثين من عمرها ولم ترتبط بعد، حيث أنها لا تفعل شيئا سوى رعاية أب غائب عن العالم. اهتم هذا الفيلم أكثر بالصورة الجمالية والتعبير عن مشاعر الشخصيًّات وما يدور في دواخلهم عبر الصورة وحدها لتكون الكاميرا والإضاءة هي البطل الحقيقي للفيلم الذي أثر كثيرًا في السينما المستقلة بعد ذلك. ورغم أن هذا الفيلم يحمل الكثير من سمات أفلام السينما المستقلة التي سبقته ولكنه يؤسس أيضًا لتيار جديد داخل نهر السينما المستقلة. تيار يهتم أكثر بالجماليات البصرية والحكي عبر الكاميرا.

الشتا اللي فات 2013 بطولة عمرو واكد وفرح يوسف وتأليف إبراهيم البطوط وحابي محمد سعود وأحمد عامر وياسر نعيم وإخراج إبراهيم البطوط.

ثلاث قصص تقع وقت الثورة، الأولى لضابط بمباحث أمن الدولة، والثانية لمذيعة تليفزيونية، والثالثة لمهندس كمبيوتر على علاقة بفئات شبابية كان لها دور كبير في الثورة موضحًا الأسباب التي أدت إلى تفشي الفساد طوال الـ30 سنة المنصرمة حتى اندلاع ثورة 25 يناير 2011. عرض الفيلم في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2012. ويعتبر هو أول فيلم في هذا التيار الذي يتناول ثورة 25 يناير 2011 بأسلوب شديد الراديكالية مستغلا أن الدولة لم تكن متحكمة بشكل كبير مثلما كانت قبل الثورة أو بعد ثورة 30 يناير 2013 فنجد نقدًا شديدًا لمؤسسات الدولة وبنفس الوقت وافقت الرقابة على عرضه في أهم وأكبر مهرجان في مصر والشرق الأوسط كله. وهذا ما يعكس ليس فقط اعتراف المهرجان بالثورة ولكن أيضًا اعتراف المهرجان الرسمي للدولة بالسينما المستقلة وأنها هي المعبر الأول عن هذه الثورة.

فرش وغطا 2013 بطولة آسر ياسين ويارا جبران وعمرو عابد وتأليف وإخراج أحمد عبد الله السيد.

في ليلة من أغرب الليالي التي مرت على مصر، في ليلة 28 يناير 2011 وفي أحد السجون يقبع شاب مصري، ويجد أن باب السجن فُتح له على مصراعيه، يهرب مع مئات المساجين في الصحراء الجرداء. يصارع هذا الشاب من أجل إيجاد مخرج له من خلال المرور ببيئات مصرية مهمشة، ولكن هنالك شيء تغير إلى الأبد وعليه هو أيضًا المكافحة من أجل إنقاذ نفسه. ربما يكون هذا هو أفضل فيلم تناول أحداث ثورة 25 يناير 2011 حيث استطاع عبر أحداث والشخصية الرئيسية أن يوضح لنا أسباب الثورة التي جاءت من شعب ليس له صوت حيث لا يستطيع التعبير عن نفسه. شعب مقهور لا نعرف الأسباب الرئيسية التي دفعته لأن يكون مسجونًا ومظلومًا من قبل نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

فيلا 69، 2013 بطولة خالد أبو النجا ولبلبة وأروى جودة وتأليف محمد الحاج ومحمود عزت وإخراج أيتن أمين.

تدور أحداث الفيلم حول حسين صاحب أحد مكاتب الاستشارات الهندسية، الذي يفرض على نفسه إطارًا من العزلة في منزله، محاولاً حماية هذا اﻹطار العازل بطريقة تعامل فظة مع جميع من حوله، حتى تقوم شقيقته الكبرى نادرة بصحبة حفيدها بالإقامة معه في منزله بعد موافقة حسين على مضض، مما يساعد على تبدل الكثير من التفاصيل في نظام حياته. في مكان واحد وبشخصيًّات قليلة أغلبها صناع أفلام صنع هذا الفيلم. الإمكانيات القليلة وبحث الشخصية الرئيسية عن ذاتها في وقت عصيب من حياتها هو استمرارية للتيار الذي أنشأه إبراهيم البطوط في "عين شمس" وهو التيار الذي يجذب الكثير من صناع السينما المستقلة حتى يومنا هذا.

بداية نقد الذات/ التيار

ديكور 2014 بطولة حورية فرغلي وخالد أبو النجا وماجد الكدواني وتأليف محمد دياب وشرين دياب وإخراج أحمد عبد الله السيد.

مها التي طالما عشقت السينما، وكمهندسة ديكور أصبحت خبيرة في خلق العوالم الخيالية، تحت ضغط شديد في العمل ترى حياة أخرى تظهر في الأفق، وتجد نفسها متنقلة بين عالمين يمثلهما شريف ومصطفى؛ أحدهما بمواصفات ديكور الفيلم الذي تعمل فيه، والآخر من المفترض أنه الواقع. مع الوقت، تتوغل مها في العالمين حتى تختلط الأمور بين الواقعي والمتخيَّل، وتسير على الحافة بين الحياتين إلى أن يصبح عليها للمرة الأولى اختيار ما تريده فعلاً. تشتت البطلة بين الواقع والخيال هو انعكاس لتشتت صناع السينما المستقلة أنفسهم وعلى رأسهم مخرج الفيلم. هذا الفيلم يتناول بشكل صادق للغاية أزمة صناع السينما المستقلة الذين نستطيع أن نقول عنهم إن يتميزون بـ"عين في الجنة وعين في النار" أي أنهم يريدون أن يعملوا في السينما التجارية من أجل لقمة العيش، وبنفس الوقت يريدون أن يصنعوا أفلامًا تنتمي إلى السينما المستقلة من أجل التعبير عن أنفسهم وهي نفسها أزمة البطلة التي تعيش الخيال في أثناء الواقع حتى أصبحت لا تستطيع التفريق بين الواقع والخيال.

باب الوداع 2014 بطولة أحمد مجدي وسلوى خطاب وتأليف وإخراج كريم حنفي.

يدور الفيلم حول شاب نشأ في كنف والدته وجدته، وتعزله الأم بشكل كامل عن العالم الخارجي، خوفًا من أن يتركها كما فعل أبوه أو أن يصاب بأذى مثلما حدث للسابقين، ولكن الشاب يحلم باكتشاف العالم دون سبيل. يعتبر هذا الفيلم واحد من أهم أفلام السينما المستقلة في مصر خاصة أن صانعه هو مؤسس مدرسة الجيزويت للسينما، والتي درس فيها الكثير من صناع السينما الحاليين الذين احتضنتهم المدرسة كبديل للتعليم الرسمي أي معهد السينما.

علي معزة وإبراهيم 2016 بطولة أحمد مجدي وعلي صبحي وناهد السباعي وتأليف إبراهيم البطوط وأحمد عامر وإخراج شريف البنداري.

علي شاب في العشرين من عمره، يحب معزة ويواجه انتقادات كثيرة وسخرية لاذعة من مجتمعه بسبب ذلك، فتُرغمه أمه على زيارة أحد المعالجين الروحانيين، حيث يلتقي هناك بإبراهيم الذي يعاني من اكتئاب حاد ويسمع أصواتًا غامضة لا يستطيع فك رموزها، وينطلق على برفقة إبراهيم ومعزته في رحلة عبر مصر من شمالها بالإسكندرية لشرقها بجنوب سيناء. أهمية هذا الفيلم تأتي من أنه يعبر الأنواع فهو فيلم طريق ولكنه بنفس الوقت يتناول شخصيًّات الفيلم في شكل فانتازي يعكس ما وصل إليه واقع الحياة في مصر.

أخضر يابس 2016 بطولة هبة على وأسماء فوزي وتأليف وإخراج محمد حماد.

أسبوع فارق في حياة إيمان تحاول فيه إقناع أحد رجال عائلتها بحضور خطبة أختها الصغيرة نيابة عن والدهما المتوفي كما تقتضي التقاليد الاجتماعية المتوارثة، التي دائمًا ما تؤمن بها وتضعها نصب عينيها. ولكن يخذلها جميع رجال العائلة. عرض هذا الفيلم في العديد والعديد من المهرجانات حول العالم وفاز بالكثير من الجوائز ويعتبر امتدادا رئيسيا لفيلم "الخروج للنهار" حيث تناول قصة حياة النساء في مصر حيث شخصيًّات مهمشة في مجتمع مهمش وهو ما يتسق كثيرًا مع أفكار السينما المستقلة نفسها التي تتخلى عن قصد عن المتن أي السينما التجارية وامتيازاتها لتتبنى الهامش أي السينما المستقلة بكل العوائق التي تواجهها.

آخر أيام المدينة 2016 بطولة خالد عبد الله وليلى سامي وحنان يوسف وتأليف تامر السعيد ورشا سلطي وإخراج تامر السعيد.

في عام 2009، وداخل مدينة القاهرة العريقة، تدور حياة (خالد) المخرج الشاب الذي يحاول أن يصنع فيلمًا عن تلك المدينة، وما تحمله من أحلام. في الوقت الذي يعاني فيه من احتمالية أن يُطرد من شقته، والفتاة التي يحبها تريد أن تهاجر خارج مصر، ووسط كل هذا يتذكر أيام طفولته عندما كانت القاهرة مك أنا أكثر إشراقًا. واحد من أكثر الأفلام جدلا في تاريخ السينما المستقلة القصير. فعلى الرغم من حصوله على العديد من الجوائز حول العالم فإن الرقابة المصرية لم تصرح بعرض الفيلم حتى اليوم بل إن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قرر عدم عرض الفيلم بعدما أعلن من قبل عن عرضه!

بلاش تبوسني 2018 بطولة ياسمين رئيس ومحمد مهران وتأليف وإخراج أحمد عامر.

يرصد الفيلم تاريخ القبلات في السينما المصرية، بالتوازي مع حكاية فجر، نجمة الإغراء الشهيرة، وبطلة الفيلم الطويل الأول لمخرج شاب، والتي ترفض مشهد القبلة في الفيلم وهو ما يثير جنون المخرج ويستفز المنتج، ليحاول الجميع الوصول إلى أرضية مشتركة لاستكمال الفيلم والخروج من المأزق. يعتبر هذا الفيلم هو الفيلم الوحيد الذي ينتمي إلى نوع السخرية الوثائقية أو موكيومنتري في تيار السينما المستقلة. الفيلم يتناول السينما المصرية التجارية ومشكلاتها في قالب ينتمي إلى السينما المستقلة وكأن السينما المستقلة هي التي تعلق على السينما التجارية وتضعها في موقف التحليل والرصد وأيضًا السخرية.

ليل/ خارجي 2018 بطولة كريم قاسم وشريف الدسوقي ومنى هلا وتأليف شريف الألفي وإخراج أحمد عبد الله السيد.

تتمركز أحداث الفيلم حول ثلاثة أشخاص وهم مو وتوتو ومصطفى الذين يلتقون في ظروف غير متوقعة وتتقاطع حيواتهم معًا، ومن هنا يدخلون في مغامرة لم تكن بالحسبان ويصيروا شاهدين على جانب خفي وغير معلوم من مدينة القاهرة. في هذا الفيلم يحاول المخرج أن يغازل مشاهدي السينما التجارية عبر تبني العديد من سمات السينما المصرية التقليدية مثل صراع بطلي الفيلم على امرأة والأغاني والرقص والكوميديا وأيضًا الصراعات الجسدية.

بعلم الوصول 2019 بطولة بسمة ومحمد سرحان وبسنت شوقي وتأليف وإخراج هشام صقر.

هالة صارت أم لتوها، وتعاني مع الضغوط التي تحتمها كونها أم، باﻹضافة إلى اعتلال صحتها العقلية، وحزنها على فراق والدها، وسجن زوجها والذي تحاول إخراجه من السجن، وفي يوم تعثر على رسالة تلقي الضوء على منظور جديد ﻷفكارها وحياتها. ينتقل المونتير هشام صقر هنا إلى مقعد الإخراج بعد سنوات طويلة من مونتاج العديد والعديد من أفلام تنتمي إلى السينما المستقلة ليتناول قصة حياة امرأة بطريقة أشبه إلى القصيدة الشعرية.

سعاد 2020 تأليف محمود عزت وإخراج أيتن أمين.

تدور قصة الفيلم حول علاقة شقيقتين في سن المراهقة، تعيش إحداهما حياة سرية على الفيس بوك. أهمية هذا الفيلم تأتي لأنه اختير ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي وهي المرة الأولى في تاريخ السينما المصرية كلها. لتكون السينما المستقلة هي مدخل مصر إلى أهم وأعرق مهرجان في العالم لا السينما التجارية التقليدية.

عنها 2020 بطولة ندى الشاذلي وتأليف وإخراج إسلام العزازي.

تدور أحداث الفيلم في الثلاثينيات من القرن الماضي حول دُرية التي تفقد زوجها في أثناء الحراك الشعبي لمقاومة الوصاية الإنجليزية على مصر وهي في العشرينيات من عمرها. تدخل درية في حالة من الوجد بعد معرفتها بالظروف التي أحاطت باغتيال زوجها، فتعزل نفسها داخل بيتها وتستدعي تجليات خاصة تعيد قصة حبها مع زوجها الراحل الذي ترفض موته وتعيش على أطياف من روحه، وترفض المواساة لتكمل حياتها في عالم روحاني خاص بها. بعد سنوات طويلة في صنع أفلام قصيرة وتعليم السينما وتأسيس مدرسة الجيزويت في الإسكندرية، يخرج إسلام العزازي فيلمه الروائي الطويل ليعرض في المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

ريش 2021 بطولة دمي أنا نصار وتأليف عمر الزهيري وأحمد عامر وإخراج عمر الزهيري.

في إطار من الدراما والخيال، يتناول العمل قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيُحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة، ويبقى الأب في هيئة الدجاجة. بعد أكثر من 30 عامًا من بزوغ السينما المستقلة في مصر، يحصل فيلم ينتمي إليها إلى الجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي لتكون أول جائزة كبرى لفيلم مصري في تاريخ السينما المصرية الذي يقترب من 100 عام إنتاج.

 

تيار واحد أم أكثر؟

تعيش السينما المستقلة في مصر اليوم حالة من الانتعاش، لكنها أيضًا تشهد حالة من التبلور واتخاذ شكل أكثر تميزا مع كل فيلم جديد ينتمي لهذا التيار السينمائي وآخرها فيلم "ريش" الذي حقق نجاحًا كبيرًا في أول عروضه في مهرجان كان السينمائي.

ولكن الحقيقة أن تيار السينما المستقلة قد تحول رويدًا رويدًا إلى نهر ينقسم إلى تيارين. فقد بدأت السينما المستقلة في مصر بأفلام ديجيتال قصيرة في منتصف التسعينيات لتتخذ شكلاً مع فيلم "عين شمس" للمخرج إبراهيم البطوط ثم ظهر تيار ثان من نفس النهر مع فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي.

إذا كان التيار الأول قد استفاد كثيرًا من السينما التسجيلية - المؤسس إبراهيم البطوط كان مراسل حرب في عدة قنوات إخبارية وبدأ اهتمامه بالسينما بصنع أفلام تسجيلية - فالتيار الثاني قد استفاد كثيرًا من السينما الفنية بنهاية القرن العشرين وخاصة مع مخرجين مثل ديفيد لينش ونوري بيلجي جيلان وأكي كوريسماكي وبيلا تار وثيو انجيلوبولوس وكريستوف كيشلوفسكي وغيرهم. هو تيار ينتمي له أفلام مثل "باب الوداع" 2014 لكريم حنفي و"حار جاف صيفا" 2015 لشريف البنداري و"أخضر يابس" 2016 لمحمد حماد و"ورد مسموم" 2018 لأحمد فوزي صالح و"لا أحد هناك" 2018 لأحمد مجدي و"ستاشر" 2020 لسامح علاء وغيرهم.

الخشونة والقسوة والقتامة والتقشف والجفاف هي السمات الرئيسية التي تميز هذا التيار الثاني. إذا كان في الشكل مثل الإضاءة التي تكون في أغلب الوقت منخفضة وأقرب للظلام أو الألوان وتدرجها الذي يقع دائمًا بين البني أو الرمادي. وهي ألوان بالتأكيد أقرب للقتامة. أو حركة الكاميرا التي تكون في الأغلب منعدمة وثابتة وإذ ما تحركت فهي تتحرك بحساب وتقشف شديد أو تتبع للبطل يكاد يكون كظله وهذا ما يجعل المشاهد ملتصق بالشخصيًّات طول الوقت ويمكن المخرج من أن يتحكم فيما يراه المشاهد تمامًا. أيضًا حجم الكادرات نفسها والذي يكون في الأغلب قريب حيث نادرًا ما نرى كادرات كبيرة أو بانورامية للمكان. بالإضافة إلى تكوين الكادر حيث الشخصيًّات والأشياء المبتورة والذي يجعلنا نشعر دائمًا بشيء ما غريب وشاذ في الكادر، ومن ثَم في الحالة نفسها التي يقدمها لنا الفيلم. أيضًا الواقعية شديدة الصدق في الديكورات والملابس والأكسسورات حتى لو كان الفيلم ينتمي إلى نوعية الأفلام الفانتازية أو السوريالية.

كل هذه السمات هي التي تميز التيار الثاني في نهر السينما المستقلة في مصر وهي نفسها السمات التي بلورها ووظفها بدقة فيلم "ريش" للمخرج عمر الزهيري. وهي نفسها السمات التي توجت الفيلم بجائزتين في مهرجان كان السينمائي للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية على الرغم من محاولات السينما التجارية التقليدية منذ أول دورة لمهرجان كان السينمائي في 1946. فعلتها السينما المستقلة أخيرًا بعد ما يقرب من 30 عامًا من النمو والتطور والمحاولات المختلفة لتحقيق نجاحات نقدية وجماهيرية والأهم البحث عن طريق خاص بها لتكون بحق هي التيار الأكثر تعبيرًا اليوم عن السينما المصرية.

عين شمس

إيثاكى

بصرة

تزامن الاهتمام بالسينما المستقلة بداية التسعينيات بنشر ثقافة الفيديو آرت، عبر المراكز الثقافية الأجنبية، التي قامت بتنظيم ورش طورت من رؤية صناع الأفلام بالتزامن مع إتاحة كاميرات الديجيتال، ووحدات المونتاج

هليوبوليس

حاوي

بدأت السينما المستقلة عبر مجموعة من الأفلام القصيرة صنعها مجموعة من الشباب بعضهم جاء من معهد السينما، ولكن أغلبهم لم يدرس في الجهة الرسمية لتعليم السينما في مصر

ميكروفون

الخروج للنهار

تعيش السينما المستقلة اليوم حالة من الانتعاش، لكنها أيضًا تشهد حالة من التبلور واتخاذ شكل أكثر تميزا مع كل فيلم جديد ينتمي لهذا التيار السينمائي وآخرها فيلم "ريش"

حاوي

فرش وغطا

فيلا ٦٩

السينما المستقلة نهر ينقسم إلى تيارين. بدأت بأفلام ديجيتال قصيرة منتصف التسعينيات لتتخذ شكلاً مع "عين شمس" للمخرج إبراهيم البطوط، ثم ظهر تيار ثان مع "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي

ديكور

بابا الوداع

على معزة وإبراهيم

أخضر يابس

بلاش تبوسني

آخر أيام المدينة

بعلم الوصول

سعاد

ريش

كنت أتحدث إلى صديق سينمائي بعد أيام قليلة من حصول فيلم "ريش" على جوائز لم يسبقه إليها فيلم مصري آخر في مهرجان كان الفرنسي المرموق - الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد، وجائزة الفيبرسيي (الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين) - حين ضبطت نفسي أكتب له "مبروك فيلم عمر"، قال لي صديقي الذي لم يكن جزءًا من تجربة إنتاج الفيلم "مع إني ما اشتغلتش في الفيلم ده لكن الناس بتبارك لي. اكتشفت إن الناس بتبارك لبعض على فيلم مصري حقق حاجة.. أنا متفائل". انتهت محادثتي مع الصديق، لكن ظلت الفكرة تشغلني. ذلك الشعور بأن نجاح فيلم مصري ينتمي للسينما المستقلة هو انتصار آخر لمسيرة شاقة يخوضها أجيال من السينمائيين بصدر عار ومن دون سند، تستحق التأمل.

عندما التقيت عمر الزهيري مخرج ومؤلف الفيلم، كان فضولي للتعرف على الرحلة التي خاضها لصناعة "ريش" يغالب رغبتي في مشاركته الاحتفاء والاحتفال. ففي بيئة سينمائية لا زالت تعتمد على التجربة الفردية المدفوعة بالأمل دون أن تخلق آليات راسخة قابلة للتطوير بقدر ما تنتمي لما يشبه المحكوم بصخرة سيزيف، تصبح الذاكرة الشفاهية لصناع الأفلام جزءًا أصيل من الخبرة الجمعية. 

فيلم ريش واحد من تلك الأفلام التي لا تكفيها مشاهدة واحدة، ربما لمحاولة اكتشاف الهدايا السخية المخبأة في ثنايا كل لقطة، أو لمعاودة الاستمتاع بتجربة شاعرية ثرية بعناصر المتعة السينمائية الصافية التي نضجت على مهل في ست سنوات. "أنا عنيد جدًا" يصف المخرج ذو الثلاثة وثلاثين عامًا علاقته بالطريقة التي أنجز بها فيلمه، لكنه يقول إنه محظوظ أيضًا بفريق إنتاج كان جريئًا كفاية لخوض مخاطرات حقيقية في مواجهة كل أنواع الضغوط التي تحيط بمخرج مصري شاب في فيلمه الطويل الأول وسط عالم الإنتاج الدولي المليء بمحاولات القولبة والتأطير تحت لافتة دعم السينما.

 

كيف تنتقي فريق إنتاجك؟

 يحدثني عمر عن لقاء جمعه بمسؤولين في مهرجان روتردام فبراير الماضي لمناقشة المخرجين الذين حصلت أفلامهم على دعم المهرجان عن انطباعهم حول آليات الدعم وكيفية تطويرها. "قلت لهم أنا أعرف مخرجين موهوبين جدًا وأفلامهم رهيبة لكنهم لا يعرفون كيف يعبرون عن أفلامهم أمام لجان تحكيم دعم الأفلام، ما عندهمش مهارات تسويق ترضي شروطكم المعقدة. ومن ثَم فإن آليات الدعم تظلم صناع الأفلام ولا تخدم السينما". لا يستثني عمر نفسه من التعرض لتلك المقاييس التي يصفها بـ"الظالمة" في إطار علاقتها برؤية صناع الأفلام، ولعل تجربة عمر مثال جيد من زاوية نظر أن فيلمه ولد في بيئة الإنتاج الأوروبي قبل أن يشارك منتجًا مصريًا جانبًا من إنتاج الفيلم. فبعد أن حقق فيلمه القصير الثاني ٢٠١٤ "ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو٣٥٧" قفزة استثنائية وغير مسبوقة لمخرج مصري بمشاركته في مسابقة أفلام الطلبة Cinefondation بمهرجان كان، انفتحت أمام المخرج الشاب فرص واسعة ليعمل على مشروع فيلمه الطويل الأول بمساندة شركات إنتاج أوروبية مرموقة من خلال برنامج للإقامة مهمته الدفع بالمخرجين الجدد. وهناك التقى عمر الزهيري بالمنتجة جولييت ليبوتري المعروفة بإنتاج أفلام مهمة من بينها حصان تورينو لبيلا تار، كما أنها شريكة في تأسيس شركة الإنتاج الفرنسية المرموقة Still Moving المتخصصة في إنتاج "أفلام فنية غير تقليدية" لمخرجين ناشئين أو راسخين في المشهد السينمائي. يشعر عمر بامتنان خاص تجاه جولييت لأنها آمنت به من البداية وعلى طول الخط "قابلتها قبل ست سنوات، كنت صغير جدًا وكان عندي سيناريو زي الزفت عن واحد بيتحول لفرخة في عيد ميلاد ابنه، وما بيرجعش.. وبينما كان الجميع يتوقعون أن ينتج عن هذه الفكرة فيلم كوميدي، صدقت جولييت رؤيته للحكاية وطريقة التنفيذ، ثم خاضت معه كمًا لا نهائيًا من المخاطرات مليء بضغوط جهات الإنتاج.. اعترضوا على أنه فيلم قاتم وطالبوا بتغييرات تعجب المشاهد الأوروبي، لكنها ساندت وجهة نظري حتى النهاية في مواجهة متطلبات النظرة الأوروبية الاستشراقية لنا ولأفلامنا".

لاحقًا ستخوض جولييت مع فريق الإنتاج المزيد من المخاطرات لصالح رؤية المخرج. ضم فريق إنتاج الفيلم فيما بعد شركة Kepler الهولندية منتجة "جراد البحر" ٢٠١٥، و"مقتل الغزال المقدس" ٢٠١٧ ليورجوس لانثيموس، بالإضافة إلى شركة Heretic اليونانية، قبل أن ينضم لفريق الإنتاج فيلم كلينك لمؤسسها السيناريست والمنتج محمد حفظي.

"كل هؤلاء المنتجين الكبار جدًا في أول فيلم لمخرج مصري شاب" يقول عمر وقد استعادت ملامحه دهشة الموقف الذي كان غريبًا عليه آنذاك. لكنه تعامل مع الأمر بخبرة أكسبه إياها تمرسه في سوق الإنتاج السينمائي المصري منذ كان طالبًا في معهد السينما ٢٠٠٦. كان عمر يسعى لإيجاد مساحة تسمح له إنجاز فيلمه المكلف بالطريقة التي يريدها دون أن يتعرض لضغوط تجبره على التنازل عن رؤيته "بعد مشاركة فيلمي القصير في (كان) ٢٠١٤ انهالت عروض إنتاجية أوروبية مغرية لإنتاج فيلم طويل لم أجدها مناسبة لمشروعي.. لكن بالتعاون مع جولييت تمكن من اختيار جهات الإنتاج بتأني وحرص يناسب هدفه، وحسب تعبيره "منتجين فنانين وغير استشراقيين".

في كل الأحوال كانت فكرة تبني منتجين غربيين مهمة إنتاج الفيلم أكثر واقعية من غيرها، فالفيلم عالي التكلفة بكل المقاييس، فضلاً عن أنه ينتمي للسينما الفنية التي لا تضع الربح ضمن أولوياتها. معظم مشاهد الفيلم تجري في مواقع مبنية بالكامل، كما تطلب البحث عن ممثلين مغمورين بمواصفات خاصة عبر محافظات القاهرة وقتًا وجهدًا وميزانية، فضلاً عن المتطلبات الاحترافية للصوت والصورة عالية الجودة التي تميز بها الفيلم، وحقوق الملكية لعشرات المقطوعات الموسيقية والأغنيات التي استعاض بها المخرج عن الموسيقى التصويرية، وهو ما يجعل تحمل منتج مصري لمهمة الإنتاج أمر غير منطقي "كنت فاهم كويس إني لو لجأت لمنتج مصري من البداية وقلت له لو سمحت هات لي الممثلين دول عشان نعمل الفيلم الغالي ده من بابه ويللا نفشل سوا، هكون مجنون"، لكن النسبة اللي شاركت بها "فيلم كلينك" كمنتج مصري في مرحلة من مراحل الفيلم كانت مرضية للجميع. وفي النهاية يقول عمر "نفذ الفيلم بطريقة ممتازة.. كان عندي كل الصلاحيات. لم تكن هناك صراعات غير اللي جوة دماغي عن اختياراتي الفنية.. قضينا سنين نمول الفيلم لكنها تجربة أي مخرج عاوز يعمل فيلمه بالطريقة دي".

 

ماذا تفعل بنصيحة الخواجة؟

طريق الزهيري للوصول لهذه القناعة بطريقة تنفيذ فيلمه، مر بالكثير من المؤرقات التي تبدو في ظاهرها جزءًا من نظام عالمي لدعم السينمائيين وتسهيل إنتاج أفلامهم لكنها تمثل على جانب آخر عبئًا من الصعب مقاومته على كاهل الصناع.

أسأله عن أصعب المراحل في إنتاج فيلم مكلف هو الأول لمخرجه، لا يعتمد القوالب الجاهزة في أسلوبه، فيقول بلا تردد "مرحلة الشكوك في اللي أنا عاوز أعمله". وبتعبير آخر هي فترة المرور عبر ما يعرف بمعامل تطوير السيناريو script development labs وهي ورش عمل يتعرض صانع الفيلم خلالها لعملية طويلة ومعقدة من المناقشات والمراجعات غرضها مساعدته في الوصول إلى معالجة محكمة للفيلم بإشراف خبراء دوليين في صناعة الأفلام.

كان لدى عمر من البداية فكرة أساسية عن حكاية الفيلم وتصور عام لأسلوب تنفيذه، وفي حين تطلع لتطوير أفكاره، فقد كان متيقنًا مما لا يريده في فيلمه. غير أن هذا اليقين اهتز تدريجيًا خلال ورش التطوير. تطلب الأمر استدعاء كاتب محترف للمشاركة في عملية كتابة السيناريو بشكل احترافي ومنضبط وفق رؤية الخبراء وقوالب معامل التطوير الجاهزة للأفلام. واحد من المزايا الجوهرية للمشاركة في معامل التطوير أنها تساعد في التعريف بالمشروع في الدوائر الإنتاجية الدولية "حصلنا على بعض المنح الإنتاجية بالفعل بفضل معامل التطوير" يقول عمر " لكنها سلاح ذو حدين. الحد الآخر هو أن تدخلات الخبراء أدت إلى الخروج بسيناريو لا يشبه فيلمي. ناس كتير أوي بتتدخل في السيناريو بمسمى التطوير، لكن الحقيقة إنهم بيدجنوه ويخلوه مظبوط على مقاس محدد مع إن حلاوته في اختلافه". وبعد عامين استغرقهما كتابة السيناريو المطور، اضطر عمر إلى خوض مخاطرة إعادة كتابة فيلمه من جديد وهي العملية التي استغرقت عامين آخرين لتخرج للنور نسخة السيناريو التي استخدمت في تصوير الفيلم. يصر عمر على أنه لن يكرر تجربة المشاركة في معامل تطوير السيناريو في المستقبل لأنها لا تناسب سينماه "هما عملوا حاجة بروفيشنال جدًا، بس ده مش الشيء المميز عندي، أنا يميزني التعبير عن إحساسي" والدرس المستفاد، حسب عمر، هو أن صانع الفيلم "مش لازم يصدق النصائح لمجرد إنها جاية من خواجة مهم.. صدق اللي أنت حاسة واعمله بس المهم اتحمل مسؤوليته وتبعاته". جزء من هذه التبعات القلق والمخاوف التي ساورت فريق الإنتاج ومحاولات المخرج إقناعهم بالمخاطرة، "قلقوا شوية في الأول لكنهم ساندوا وجهة نظري في النهاية لأنهم شعروا مثلي بأن الفيلم كان يبتعد عن مساره".

قبل "ريش" أخرج عمر خريج المعهد العالي للسينما فيلمين قصيرين في العام ٢٠١١، والعام ٢٠١٤، لكن جزءًا من قدرته على التمسك بخياراته الفنية اكتسبه من خلال العمل بجد طوال ١٥ عامًا مع مخرجين بارزين في السينما والإعلانات "ما أقدرش أقول إني محظوظ لأني بشتغل طول الوقت زي المجنون" يقول عمر الذي التحق بمعهد السينما عام ٢٠٠٦، وكانت السينما في ذلك الوقت حسب تعبيره لا زالت تعتمد على الأنالوج، وعلى درجة عالية من الالتزام التقني. بعد عام واحد من التحاقه بالمعهد كان أول موقع تصوير يشارك به كمتدرب في فيلم "هي فوضى" ٢٠٠٧ إخراج يوسف شاهين، وخالد يوسف "لم يخرج شاهين الفيلم كله لكنها كانت فرصة عظيمة إني أشوف صناعة فيلم بإنتاج ضخم". لاحقًا عمل عمر كمساعد لمخرجين على وزن شريف عرفة وساندرا نشأت وكاملة أبو ذكري، لكن تجربته السينمائية الأهم بالنسبة له هي عمله كمساعد مخرج في أفلام يسري نصر الله، وهي التجربة التي استمرت ٧ سنوات بداية من العام ٢٠٠٧. في الوقت نفسه عمل الزهيري مع مخرجين ينتمون للسينما المستقلة ومن بينهم أحمد عبد الله بداية من تجربة فيلم "فرش وغطا" (٢٠١٣) التي عمل فيها مساعد أول، وفيلم "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد. ثم عمل منتجًا ومساعد مخرج في مجال الإعلانات لسنوات طويلة مع نجوم الصناعة بداية من المخرج الراحل أحمد المهدي وصولاً إلى المخرج علي علي. وهي الخبرة العملية التي مكنته من هضم تقنيات صناعة السينما بشكل احترافي، والاطلاع على أساليب إنتاجية متنوعة "فهمت كويس الفوارق ودور المخرج في كل مجال. وفهمت كويس نوع السينما اللي أحب أعمله".

 

سؤال الرجل الأبيض عن القضية!

ينتمي عمر بالتأكيد للمشهد السينمائي المستقل حسب ما تشير إليه خياراته الفنية في فيلمه الأخير، وأفلامه القصيرة السابقة. مع ذلك يغرد الفيلم خارج سرب السمات الغالبة على أفلام السينما المستقلة، فهو لا يعتمد الإيقاع البطيء المعتاد، كما أن الارتجال على لسان أبطاله الذين يقف معظمهم أمام الكاميرا للمرة الأولى يبدو أقل تكلفًا وأقرب إلى الواقع دون بروفات أو حوار مكتوب بشكل مسبق. تدور أحداث الفيلم في أجواء أشبه بالغرائبية التي لا يمكنك من خلالها تمييز الزمان والمكان، مع ذلك تظهر في كل لقطة علامات منثورة بعناية لتثير بداخل المشاهد علاقة مبهمة بمكان أو زمان ما دون التأكد من أنه يعرفه بالفعل. وهو جزء من لعبة ممتعة من الاكتشاف المتواصل التي يدعو الفيلم مشاهده إليها دون أن يضمن الوصول، لا لأن المتعة في الرحلة ولكن لأن الفيلم مبني حسب عمر على طريقة الأبواب المفتوحة، يأخذك واحد إلى الآخر لتبني قصتك الخاصة على مهل لكنها في النهاية قصتك أنت من زاوية نظرك. وبينما ينسج المشاهد حكايته، لن يعدم وسيلة في العثور على قضية تعنيه أو قضايا تأخذه إليها العلامات في صمت سوريالي. فالفيلم لا يكتفي بالإشارات والرموز بل يعتمد نماذج كاريكاتورية مضخمة ربما لإرشاد أو لتضليل المشاهد نحو قضية ما. فهو لا يكتفي مثلاً بالإشارة إلى عمل الأب في مصنع وإنما يزرع مداخن المصنع داخل الشقة ويغمر هوائها بدخانه في كل المشاهد الداخلية في البيت. وعندما تذهب الأم للعمل كخادمة لدى الأغنياء أنت لا ترى بيتًا أو حتى فيلا في كمبوند، بل قصرًا منيفًا مليئًا بالخدم والحشم الملونين بمريول الخدمة الكاريكاتوري الأنيق، بينما ترى في علاقتهم وعلاقة أصحاب القصر بالقادمة الجديدة نموذج مباشر وفج للطبقية. وأنت لا تدرك أن الزوجة والأم -التي سيقدر لها أن تفقد زوجها بعد قليل في صورة دجاجة- مقهورة ومكبوتة وغير قادرة على التعبير من خلال جملة أو كلمة أو حتى إشارة جسدية بل من خلال الصمت المطبق والمريب والمثير للتوتر، صمت كاريكاتوري.

يعتمد عمر في فيلمه السوريالي على حضور كاريكاتوري للمعاني والإشارات وعلامات الزمان والمكان التي تغري المشاهد على الانتقاء والمزج بحرية وترضي نزوعه نحو التأويل والتفسير لكن الأهم أنها تورطه في علاقة عاطفية مباشرة مع ما يشاهده. يصر عمر على أن فيلمه لا يتحدث قضية وإنما عن بشر وعلاقاتهم بما يدور بداخلهم وبعالمهم الخارجي. هو يقول إنه من الصعب على المخرج أن يختزل فيلمه في موضوع أو قضية "دي دايمًا كانت خناقتي مع الأوروبيين. الأوروبي دايمًا يسألك: فيلمك بيحكي أنهي keywords؟ إجابتي إن الفيلم بيحكي عن بني آدمين ماكنتش دايمًا مرضية. إنما أنا فيلمي فعلاً بيحكي عن بني آدمين والبني آدمين مليانين مشاعر وتفاعلات وطبقات وأبعاد وقضايا. يبقى فيلمي بيحكي عن ٣٠٠ قضية مش القضية الواحدة اللي عاوزين يحصروا فيها الفيلم". لكن ما يعني عمر في الحقيقة ليس العثور على القضايا المختبئة خلف عوالم الشخصيًّات، وإنما عنصر المفاجئة والتشويق الذي يساوي السينما بالنسبة له "أنا في الفيلم ده مهتم بالسينما، بالحاجات الممتعة أوي في السينما بإن المشاهد وهو بيتفرج يتفاجئ. في كل مشهد بحاول أعمل مفاجأة بالصوت أو الصورة أو المزيكا. أنا بحب أقتل التوقعات وده شيء مسلي لصانع الفيلم والمشاهد. ده السينما ودي الطريقة اللي اكتشفت بها علاقتي بالسينما خلال صنع الفيلم".

ما بين "الحريف" و"فرش وغطا"

لكن جزءًا من الطريقة التي نفذ عمر فيلمه بها مرتبط أيضًا بخياراته النابعة من ارتباطه بتراث السينما المصرية ولاسيما المستقلة. حاول أن يتمثل منها ما يحب وأن يقدم ما يشبه ردة الفعل على ما لا يحب. بشكل عام يحب عمر في كل لقاءاته الإعلامية الإشارة إلى علاقته المتجذرة بتراث السينما المصرية، وجزء من الإصرار على إبراز هذا الجانب الواضح في فيلمه الأخير مرتبط بعلاقته بمنظومة الدعم الأوروبي "بصراحة في التعامل مع الأوروبيين اللي بيبصوا لينا والسينما بتاعتنا على طريقة المواطن الأبيض مش عاوزهم يحسوا إني لقيط. لا أنا جاي من سينما كبيرة. لكن أنت اللي ما تعرفش السينما بتاعتنا فيها إيه، مع إنك لو شفت جنة الشياطين لأسامة فوزي هتفهم إننا جامدين وإن الفيلم ده كان ممكن يغير العالم. أنا دايما تجيلي أسئلة مستفزة معناها إننا ناس أقل بس احنا مش أقل.. وحتى على المستوى التقني الفوارق بيننا وبينهم مش كبيرة، لكن احنا بنتكسف".

 مع ذلك يعتبر عمر أن نموذجه الأهم في السينما المصرية مجموعة المخرجين الذين شكلوا ما يعرف بالواقعية الجديدة؛ محمد خان، خيري بشارة، وعاطف الطيب لأنهم برأيه نجحوا في تحقيق معادلة السينما المستقلة بالكامل، وهي الاستقلال الفكري وتقديم سينما بجودة عالية غير معنية بإثبات أي شيء لأي سينما أخرى فضلاً عن حفاظهم على التواصل والاتصال فيما بينهم وكذلك مع تراث السينما المصرية ومع المجتمع "كانوا بيستخدمو نجوم لأن ده العرف وقتها لكن استقلالهم الحقيقي كان في نوع الفكر. فيلم الحريف لمحمد خان مثلاً شئنا أم أبينا هو فيلم مستقل مع أنه فيلم معمول كويس بمعايير السينما وفيه عادل إمام لكنه ينتمي فكريًّا لسينما مختلفة عن السائد، مش لأن فيه مشكلات تقنية ولا لأنه معمول وحش ولا لأن دمه تقيل أو إيقاعه بطيء". 

يدرك عمر أن الظروف الإنتاجية للسينما المستقلة في مصر صعبة، لكن الأصعب حسب تعبيره هو الظروف الفكرية التي أعاقت حركة هذه السينما إلى الأمام في الكثير من مراحلها. فاعتماد خطاب المظلومية والمؤامرة التي تحاك ضد السينما المستقلة حسب تعبيره، والانشغال الدائم بالعلامة التجارية "إحنا مستقلين إذن إحنا مختلفين" أدى لفترة طويلة إلى إنتاج أفلام بلا هوية "لا هي رايحة للأمام ولا راجعة للخلف" لكنها كانت تحترم نقديًا في إطار كونها تجارب مختلفة بينما لم يتقبلها الجمهور لأسباب كثيرة ليس من بينها المؤامرة على السينما المستقلة، بل في عدم جرأة هذه السينما في تقديم شيء مختلف، بل الاختباء خلف ما اعتاده الجمهور كمحاولة خجولة لتمرير السينما المستقلة مثلاً من خلال الاعتماد على ممثلين مشاهير. ويشير عمر إلى تجربة عمله كمساعد مخرج أول في فيلم "فرش وغطا" للمخرج أحمد عبد الله "مشكلة الجمهور مع الفيلم هي ظهور آسر ياسين بطريقة عكس اللي هما متعودين عليها. كنت أسأل نفسي لو ماكنش في آسر ولو كان في ممثل غير مشهور مش كان ربما يفرق؟ مش باقول ان المشكلة في آسر وإنما في طريقة التفكير".

ربما لهذا السبب اختار عمر لفيلمه مجموعة من الوجوه التي لم تظهر على الشاشة من قبل للعب كل الأدوار بما فيها الرئيسية، ثم إنه اعتمد أسلوبًا غير قائم على تدريب الممثل أو البروفات أو الحوار المكتوب سلفًا وإنما على ضبط بيئة المشهد بشكل دقيق ومفصل ثم دعوة الممثلين للتفاعل الحر دون تدخل ودون إعادة. وهو الأسلوب الذي اتبعته زميلته المخرجة أيتن أمين في فيلمها الأخير "سعاد" الذي يصفه بأفضل نتائج تجربة السينما المستقلة "سعاد يحكى قصة بممثلين مناسبين في مكان مناسب للقصة. مكنش ينفع يتعمل بممثلين مشهورين ولا كان ينفع يتصور في القاهرة فاتصور في مكانه الطبيعي في الزقازيق بناس من هناك، والنتيجة فيلم مبهر. لازم السينما المستقلة تعمل ده. أن يكون عندنا شيء مختلف فعلاً نقوله للجمهور. هنقول دا فيلم مفهوش ممثلين أنتو تعرفوهم ولا مكان أنتو عارفينه لكن فيه حكاية حلوة ما بتشوفوهاش في السينما التانية اتفضلوا". ويستدل عمر أيضًا بتجربة سامح علاء في فيلم ١٦ الحائز على السعفة الذهبية للفيلم القصير بمهرجان كان ٢٠٢٠، فالمستوى التقني المرتفع في الفيلم يواجه المفهوم السائد عن أن السينما المستقلة هي السينما الرخيصة، الفقيرة في الشكل والتقنيات. وهو الأمر نفسه بالنسبة لفيلم ريش. فمن حق المشاهد حسب عمر أن يستمتع بجودة الصوت والصورة لأن الاختلاف الحقيقي هو في فكرة الفيلم وفي أسلوب تعامله مع العالم. "السينما المستقلة المصرية حاليًا مش فقيرة ولا ضعيفة. سينما مفتوحة على العالم وعلى فرص الإنتاج المشترك وصناديق الدعم، وصناع أفلام أكثر قدرة في التعبير عن أنفسهم والدفاع عن رؤيتهم وتقنيات صناعة تتطور كل يوم لتقديم جودة عالية بسعر رخيص.. لكن مع وجود كل هذه العوامل يصبح العامل الأهم هو وجود هوية فكرية لدى صناع السينما تعتمد على فكرة أننا نقدم سينما أخرى لا تتعارض مع السينما التجارية لكنها تقول أشياء مختلفة بأساليب مختلفة. لماذا يقبل المشاهد العربي على الفيلم الأجنبي؟ يتساءل عمر، لأنه يرى فيه شيء مختلف عن السينما المحدودة المتاحة أمامه. فالفيلم العربي إما كوميدي أو رومانسي أو أكشن بينما يقدم له الفيلم الأجنبي شيئَا مختلفًا يجذبه لمتابعته. " أنا بقول للجمهور في فيلم مستقل من بلدك بيقدم لك أفكار مختلفة وسينما مختلفة. ربما ده يكون مدخل لعلاقة معاه وده محتاج وقت كبير لأن لازم احنا كصناع أفلام نبذل مجهود عشان نفهم إحنا بنعمل الأفلام دي ليه؟ أنت بتعبر عن نفسك عن جيلك عن افكارك بالسينما بتاعتك والسينما دي معمولة عشان الزمن. مش علشان تثبت شيء لحد أو تدخل في منافسة وهمية مع سينما أخرى".

300 طريقة لعمل فيلم

 أما الحديث عن غياب دعم الدولة كواحد من العقبات أمام السينما المستقلة بالنسبة لعمر، فهو أمر غير مجدي رغم الاعتراف به "لو قعدنا نعيط جنب المشكلة دي مش هنوصل لحل لأنها بالنسبة لي مشكلات وجودية. في الآخر اللي عاوز يعمل فيلم بيعمله. ومفيش فيلم في الدنيا سهل ولا فيلم هيبقى سهل حتى في وجود دعم الدولة. أنا بتعامل مع الأوروبيين ومع ذلك طلع عنينا في جمع فلوس الفيلم لمدة ٦ سنين، رغم أنهم في دول بتدعم السينما" مع ذلك يقول عمر أن هناك ٣٠٠ طريقة لعمل فيلم "لما أنا أعمل فيلم وينجح وأيتن أمين تعمل فيلم وينجح وسامح علاء وقبلنا أبو بكر شوقي وغيرهم وغيرهم مش ده دعم لأي مخرج مصري بعد كده؟ أي إنسان عنده فيلم وكتب الفيلم وعمل ملف وقدم على دعم للفيلم هيعرف يجيب دعم لكن الموضوع عمره ما هيبقى سهل لأن السينما شغلانة صعبة وشغلانة غالية". لكن الأهم من دعم الأفلام حسب عمر أن يكتشف صناع الأفلام هويتهم وأسلوبهم وخصوصيتهم من خلال صنع الأفلام "كل واحد فينا عاوز يعمل من أول فيلم أحسن فيلم ويروح مهرجان كان ويكسب أكبر جائزة.. كلنا عندنا الطموح دا وهو طموح صح. بس لو قعدنا نفكر بالطريقة دي مش هنعمل حاجة.. لأن في ناس بتكسر الدنيا بأفلام بالموبايل رغم إن بلادها بتدعم السينما".

ورغم جائزتين مرموقتين، وإشادة نقدية واسعة، ورغم حرصه على التحرر مما يرى أنه عوائق كبلت السينما المستقلة وأفسدت علاقتها بالجمهور، لا يبدو عمر الزهيري مطمئنًا كفاية لرد فعل الجمهور المصري خلال عرض الفيلم الأول في مصر بعد أسابيع قليلة من خلال مهرجان الجونة ثم من خلال دور العرض "في فيلم ريش أنا مشيت ورا إحساسي دون خجل وفاجأتني النتيجة وردود الأفعال. أنا دايمًا بقول إني عملت الفيلم ده كأب وزوج وابن عن حاجة مش عاوزها تحصل لأي حد بحبه. علشان كده انبسطت قوي إن الناس وصلها اللي جوة الفيلم". لكنه يحسب حسابًا مختلفًا للجمهور في قاعات العرض المصرية، فربما أدت سيرة الجائزتين برأيه إلى رد فعل عكسي من الجمهور "خايف الجوايز تخلي الناس متحفزة جدًا ناحية الفيلم"، لكنه يراهن على جمهور معين "اللي بيحب السينما هيقف شوية عند الفيلم. في شوية عناصر هتخليه يهتم، زي الأسلوب اللي هو سينمائي جدًا ومختلف تمامًا عن المعتاد في السينما المستقلة، بإيقاع سريع ومفاجئات مستمرة وإيفيهات وضحك. لكن أهم حاجة في الفيلم إنه فيلم بسيط ومش معقد ولا بيتفذلك. أنا فيلمي مش غبي إنما لعبي.. مش هايكسر الدنيا لكن ليه جمهوره".

لكن يبدو أن رهان عمر الزهيري على الزمن أكبر من رهانه على علاقة الجمهور بفيلمه في اللحظة الحالية "أنا بعمل اللي أنا حاسه وبعد كده نشوف. بس تعالي نروح للاكستريم، لو الفيلم ده مانجحش عرضه في مصر هل ده هيأثر على الفيلم؟ لأ. أنا لا أملك شيء كل اللي أملكه إني أعمل فيلم كويس. لكن بالنسبة للجمهور فأنا كمان جمهور، وبحب اللمبي ومش فاهم ليه السينما التجارية وجودها يتنافى مع السينما اللي مش تجارية. ما أكيد واحنا عالبحر بنسمع عمرو دياب.. وفي عيد الميلاد بنرقص على حمو بيكا. ومن ثَم مقدرش أقول إن فيلم زي ده مطالب إنه يكون فيلم Pop". 

أسأله عن كيف يرى الخطوة القادمة خاصة مع جوائز مرموقة قد تجعل التفكير في المشروع القادم أصعب، فيخبرني أنه تجاوز الصدمة منذ مشاركة فيلمه القصير في مهرجان كان ٢٠١٤، أما الآن فهو يشعر أنه أكثر استقرارًا. صحيح أن المخاوف تساوره بشأن الخطوة القادمة لكنه سيتغلب عليها بمواصلة الانغماس في العمل في الإعلانات كاستراحة من التفكير في السينما، قبل التفرغ لمشروعين جديدين بدأت أفكارهما في النمو. لكن واحد من الدروس المستفادة في تجربة "ريش" بالنسبة لعمر الزهيري هو رغبته في مواصلة العمل مع نفس فريق الإنتاج "رفضت عروض كتير بعد ريش من شركات إنتاج كبرى.. أنا عاوز أكمل شغل بنفس الطريقة، إني أعمل السينما اللي بحبها بطريقتي، ومع نفس فريق الإنتاج اللي خاطر معايا في مواجهة كل الضغوط".