دراسات

شادي عبد الحافظ

العقلانية في أزمة: هل دخلت ما بعد الحداثة من باب علم النفس؟

2018.12.01

العقلانية في أزمة:  هل دخلت ما  بعد  الحداثة من باب علم النفس؟

تبدأ النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتنوعة من نقطة انطلاق واحدة، وهي موقفها جميعًا من عقلانية الإنسان. وعلى قدر هذا الاختلاف بينها، حول درجة العقلانية، تختلف تلك النظريات فيما بينها على طيف واسع من الاستنتاجات، تبدأ بافتراض أن الإنسان كائن عقلاني يمكن أن يتصرَّف بحرية، وتنتهي إلى ضرورة التحكم، أو الاستبداد، إذا ما وصلت إلى أن الإنسان كائن غير عقلاني لا يمكن له بسهولة أن يتصرَّف بشكل مفيد لنفسه أو للصالح العام. بالطبع لا يمكن أن توجد، على أرض الواقع، تلك الحالات المثالية الكاملة في الناحيتين، لكن المجال البحثي الذي يسعى إلى تحديد نقطة على الخط الممتد بينهما قد تغير بصورة قاسية على مدى نصف قرن مضى. نعم، لدينا أدمغة غاية في التفرد، وقدرات إدراكية عظيمة مقارنة بأقرب الكائنات الحية، لكن على الرغم من ذلك فإن عقولنا لا تتكيف بسهولة مع المتطلبات الأساسية للعقلانية.

   في ثمانينيات القرن الفائت حاولت ليدا كوسميدز من جامعة كاليفورنيا، التلاعب بمسألة كان قد أثارها بيتر كاثكارت واسون (Wason 1971) قبل ثلاثين عامًا تقول إن البشر، بخضوعهم إلى مشكلات منطقية، فإنهم لا يؤدون بشكل جيد. أحد النماذج التي طرحها واسون كانت لعبة البطاقات الشهيرة: لنفترض أن هناك أربع بطاقات، مكتوب على كل منها رقم أو حرف، البطاقات التي احتوت حرفًا يقع في خلفيتها رقم، والعكس صحيح. يقوم فريق العمل البحثي بعرض وجه واحد من البطاقات الأربعة على الخاضعين للتجارب، ولتكن مثلًا 4، 5، A، D مع قاعدة بسيطة تقول “في خلفية كل حرف A، حتمًا يوجد رقم 4”، بعد ذلك يُطلب إلى الخاضعين للتجربة أن يختاروا أيًّا من البطاقات لتُرفع فنرى ما يقع بخلفيتها كي نفحص صحة ذلك الادعاء.

يميل 90 % من الناس إلى إجابة خاطئة عن هذا الاختبار. بالطبع سوف يرفع الجميع البطاقة A لفحص إن كانت تحتوي على 4 في خلفيتها أم لا، لكنهم في الخطوة التالية يقومون برفع البطاقة التي تحتوي على رقم 4 لفحص وجود A في خلفيتها، رغم أن القاعدة تقول إنه فقط في خلفية كل A توجد 4 وليس العكس، قد يكون هناك أي حرف في خلفية الرقم 4 ولا تنكسر القاعدة، والصواب في هذه الحالة هو رفع البطاقة ذات الرقم 5 للتأكد من أنها لا تحتوي على حرف A في خلفيتها، أما رفع D أو 4  فلا توجد فائدة مرجوة منه.

في تلك النقطة تتدخل كوسميدز (Cosmids 1989) لعمل اختبار مشابه، لكن في سياق مختلف. في الاختبار الجديد هناك أيضًا أربع بطاقات، على كل منها صورة أو رقم يمثل العُمر: 24، 16، أو صورة لعبوة مياه غازية، أو صورة لزجاجة خمر. أما الادعاء الجديد فهو “إذا كنت تحت 18 سنة، لا يمكن أن تشرب الخمر”. بعد ذلك يُطلب إلى الخاضعين للاختبار تحديد أفضل البطاقات لفحص صحّة الادعاء السابق. هنا يميل معظم الخاضعين للتجارب إلى الاختيار الصحيح، وهو رفع صورة زجاجة الخمر لفحص العُمر في خلفيتها، ورفع البطاقة ذات الرقم 16 الذي يمثل العُمر لفحص إن كان في خلفيتها صورة لزجاجة خمر أم لا.

   الحساسية تجاه السياق

إنه نفس الاختبار بالضبط، ونفس الخدعة المنطقية، لكن كوسميدز، بذكاء شديد، تترجمها إلى سردية ذات سياق اجتماعي، قصة يتداولها الناس ويتحدثون عنها بشكل طبيعي، حينما نسأل: لماذا لم يرفع الناس صورة عبوة المياه الغازية للتأكد من أنها لا تحتوي على العمر 24 كما فعلوا في التجربة السابقة؟ فإن الإجابة هي أن المشكلة غير ذات علاقة بالتجريد المنطقي تحديدًا، فهم بالفعل قادرون على إيجاد حلول للألغاز المنطقية كما نرى، لكنهم فقط أكثر استجابة حينما تكون الاختبارات المنطقية ذات علاقة بعمليات اجتماعية، أو حتى لو كانت فقط مقدمة في صورة تظهر على أنها كذلك. الجميع يعرف أن شخصًا يبلع الرابعة والعشرين من عمره يمكن أن يشرب مياه غازية بالطبع.

   مهما تكررت التجارب، وتعقدت السياقات، كانت النتائج دائمًا أكثر وضوحًا كلما ارتبطت بقصص وحكايات متماسكة بشكل أكبر. يشير ذلك الاختلاف الواضح بين نتائج التجارب المجردة وذات السياق إلى أن البشر حسّاسون تجاه السياقات، ويتفاعلون معها بشكل أكثر مرونة وسهولة وتقبلًا، وحينما تكون نفس المشكلة المنطقية “سهلة” أو “صعبة” حسب السياق، فالعقل إذن لا يمثل أداة ذات غرض عام، لكنها -ربما- أداة سياقية، تخدم وظائف محددة في ظروف بعينها.

لكن لتحقيق فهم أفضل لتلك الفكرة، من جانب آخر أكثر اتساعًا، يمكن أن نتأمل مجموعة من التجارب (BRENNER et al., 1996) التي قام بها كل من لايل برينر وديريك كوهلر وآموس تفيرسكي، حينما شرعوا بعرض إحدى القضايا القانونية على طلاب السنة الدراسية الأولى من جامعتي ستانفورد وسان جوز. تضمنت القضية اتهام أحدهم بالتعدي على ممتلكات الغير حينما حاول استجواب أحد العاملين في صيدلية ما، وكان هذا المتهم بالفعل موظفًا في هيئة رقابية على الصيدليات لكن لم يكن مسموحًا له استجواب العاملين بها. بعد عرض جميع المعلومات الممكنة على الطلبة الخاضعين للتجربة تم تقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات، الأولى تحدثت مع محامي المتهم، والثانية تحدثت مع محامي الصيدلية، والثالثة مع كليهما، ثم طُلب منهم إصدار حُكم نهائي.

جاءت النتائج (BRENNER et al., 1996)  لتقول بوجود ميل واضح من الطلبة لتخفيف الحكم عن الخصم الذي تحدث محاميه معهم. لكن الفكرة ليست تحديدًا في هذه النتائج المتوقعة (فنحن نعرف أن العاطفة قد تلعب دورًا في تحيزات البشر)، بل في النمط الذي قدمت به المعلومات إلى هؤلاء الخاضعين للتجارب. فقد تم إعلامهم أنهم يتعرضون فقط لجانب واحد من القصة، وأنها لهذا السبب ليست كاملة، وتم إعلامهم بكافة المعلومات الممكنة عن القضية، لكن هذا التنبيه لم يمنعهم من الوقوع في خطأ التحيز للجانب الذي استمعوا له، ذلك لأن المشكلة لم تكن بالأساس في التعاطف مع محامي الخصم، بل كانت في القاعدة التي صاغها دانيال كانيمان مع تفرسكي (Kahneman 2011) والتي تقول إن الناس، بشكل جذري، غير حسّاسين لكم وكيف المعلومات التي تُقدم لهم، والتي -بدورها- تُنتج انطباعاتهم وحدسهم. بصياغة أوضح: لا يميل الناس فقط إلى القفز ناحية النتائج مباشرة وتخطِّي جانب تحليل المعلومات المتاحة، ولكن حتى مع معرفتهم بالضرورة الشديدة لوجود معلومات إضافية والتي قد تغير من أحكامهم النهائية، إلا إنهم كانوا أكثر ميلًا لاتخاذ القرار على أية حال.

لكن جانبًا آخر من هذه التجربة قد يدعونا للتأمل قليلًا، ما يعيدنا من جديد لتجارب كوسميدز السابقة، وهو أن البشر يميلون إلى تلقي المعلومات المتاحة عن قضية ما، أيًّا كانت، بداية من اختيار مسلسل مناسب للفُرجة وصولًا إلى اختيار مرشح رئاسي، في صورة سردية؛ حكاية متناسقة قدر الإمكان. هذا بالأساس هو ما دعا الخاضعين للتجارب لإصدار أحكام أكثر ميلًا لصالح أحد الخصمين، حيث إن تقديم المحامي لجانبه من المعلومات في صورة سردية يدفع المستمع للتعامل معها بصورة أكثر سهولة وتقبُّلًا.

نحن أيضًا نفعل ذلك. في كتابه “التفكير بسرعة وببطء” يقول دانيال كانيمان إننا نبني أفضل قصَّة ممكنة من المعلومات المتاحة، وإن كانت قصة جيدة فسوف نؤمن بها. في تلك النقطة يمكن أن نتأمل واحدة من أقدم التجارب في علم النفس الاجتماعي، حيث قام فريتز هايدر وماريان سيميل (1944 Heider) بعرض ڤيديو قصير يمثل حركات لمجموعة من الأشكال الهندسية على الناس، ثم طُلب إليهم بعد ذلك شرح ما تمثله هذه الحكاية. هنا كان من السهل على الخاضعين للتجارب خلق قصة مكتملة لها علاقة بحركة كرة ومثلثين فقط. بالطبع قصد هايدر وسيميل أن تبدو الحركات كأنما تُشبه قصة ما، لكن الفكرة ليست في أن البشر لديهم قدرة على البحث عن سرديات، وإنما قدرتهم على خلق سرديات مهما كانت المعطيات بسيطة، أو قليلة، أو مجردة.

سرديات مقنعة قصيرة

والمشكلة الرئيسية هي أن السرديات، تلك التي نكونها نحن أو نتقبلها كصورة للمعلومة المجردة، تقتطع جزءًا من الحقيقة في سبيل ضبط السرد، بالتالي لا تكون عقلانية بالكامل، خاصة وأنها تقدم وجهة نظر الشخص الذي يصنعها. وبما أننا نتقبل السرديات بدلًا من المعلومات المجردة فإننا، إذن، عرضة للوقوع في أسر اتخاذ قرارات غير عقلانية.

بمعنى أوضح، لا يميل أي منا بسهولة إلى التساؤل عمَّا يحتاج أن يعرفه لكي يتمكن من تكوين وجهة نظر موضوعية بالكامل حول قضية ما ما دام هناك سردية. بل إن سياق هذه السردية -كما يقول كانيمان- يغير بشكل جذري من معنى المعلومات المُتضمنة فيها، بحيث يتمكن فارق بسيط في طريقة الحكي، كالقول إن هذا المنتج خالٍ من الدهون بنسبة 80 % أو يحتوي على دهون بنسبة 20 %، وهو تعبير عن نفس المعلومة، من التأثير على كم مشتريات هذا الشخص من المنتج.

يضيف دانيال كانيمان  (Kahneman 2011) أن تكوين سردية يتم بشكل بديهي، لأنه كلما قل عدد المعلومات أمكن تكوين سردية أفضل وأكثر إقناعًا، وبالتالي نتقبلها سريعًا في الكثير من الأحيان. لكن البديهة -بدورها- تتجنب الغموض، وتتجنب المعلومات غير المتاحة، وتضع العالم في أدمغتنا بصورة مجموعة من السرديات البسيطة. بالتالي فإن ما نعتقده عن العالم أبسط -بشكل جذري- من العالم نفسه وما يحويه من أحداث ومعلومات. وسوف نتطرق إلى تلك النقطة بصورة أكثر تفصيلًا حينما نصل إلى تجارب ليونايد روزنبليت وفرانك كيل، من جامعة ييل، في أواخر التسعينيات.

في الحقيقة فإن دانيال كانيمان يرتكز في عمله، وهو ما حصل عنه على جائزة نوبل للاقتصاد 2002،  على مبدأ يقول إن البشر  ليسوا كائنات عقلانية بالكامل أو أنانية بالكامل، وإن ذوقهم قابل للتغير بسبب تغير الظروف المتاحة أثناء اتخاذ قرار ما. ذلك يقف تمامًا على العكس من النظرية الاقتصادية الكلاسيكية: يعطي الناس وزنًا أكبر للحاضر على المستقبل، وللمعلومات المتاحة على غير المتاحة مهما كانت ضرورية، وللألفة مع تلك المعلومات أولوية على المعلومات الجديدة رغم أن العكس قد يكون صحيحًا، ويعطون المخاوف من الخسارة قيمة أكبر من الإقبال على المكسب، ويتقبلون المعلومات المقدمة في صورة قصصية أكبر من البيانات والإحصاءات، في الحقيقة فإنهم يتجاهلون الإحصاءات بالأساس للتفكير دائمًا في حالة فردية، لهذه الأسباب يعطي الشخص احتمالًا أكبر لفوزه باليانصيب، وهو بالطبع احتمال غاية في الضعف، لكنه لا يركز في الاحتمال بقدر ما يصب تركيزه على مبلغ الجائزة ويتحرك من خلاله.

البديهة البشرية -حسب فرضية كانيمان (Kahneman 2011)- تعمل بشكل آلي، حينما تُسأل عن جنسية كارل ماركس فسوف تجيب فورًا بأنه “روسي الجنسية”، ثم تفاجأ حينما تعرف أنه ألماني. لكن السؤال هنا ليس “لماذا يخطئ الجميع في إجابة هذا السؤال؟” بل “لماذا يخطئ الجميع نفس الخطأ؟”. لفهم الإجابة عن هذا السؤال المحيِّر دعنا نتأمل إحدى الأحاجي الشهيرة التي تقول إنه إذا كان مجموع ما مع “حسام” و“علي” هو 11 جنيهًا، وكان الذي مع “علي” أكبر من “حسام” بـ 10 جنيهات، فكم يمتلك “حسام”؟

إجابة معظم الناس على هذا الاختبار خاطئة كذلك، فهي ليست جنيه واحد وإنما فقط نصف جنيه، حتى حينما عُرض هذا الاختبار البسيط على طلبة الاقتصاد بجامعة برينستون، وحتى مع تركهم لفترة مناسبة، كانت إجابات 45 % منهم خاطئة على هذه الأحجية الرياضية البسيطة. في تلك النقطة يخرج كانيمان باستنتاجه الأهم الذي يقسِّم الآلية التي يدرك ويقفز بها الناس إلى النتائج مباشرة إلى مرحلتين (Kahneman 2011):

1 - إذا تطلب أمر ما معالجة عقلية أكثر تعقيدًا، لكن كانت هناك معالجة أكثر سذاجة قادرة على الولوج إلى العقل بصورة أسهل، فسوف يختار العقل المعالجة الأكثر سذاجة مباشرة.

2 - العقل لن يعي من الأساس أنه وضع معالجة ساذجة محل معالجة أكثر تعقيدًا لأمر قد تطلَّب الأخيرة، بل سيدرك الأولى على أنها “بديهية”.

هذا هو السبب في أن إجابات معظم الناس على السؤالين السابقين لم تكن فقط خاطئة، لكنها كانت بنفس الخطأ. في حالة ماركس تربط البديهة سريعًا بين ماركس  وروسيا والاشتراكية، وفي الحالة الثانية نتخطَّى حاجتنا لتأمل المسألة، فنحن لا نرى إلا 10 و11، والفارق بينهما هو إذن رقم 1، بينما الإجابة المنطقية الصحيحة هي 0.5. ما يحدث هنا هو عملية ربط بين متغيرات من المفترض أنه لا علاقة بينها ثم القفز إلى النتائج. في إحدى التجارب، على سبيل المثل (Kahneman 2011)، طُلب إلى الناس أن يتذكروا آخر ثلاثة أرقام من هاتفهم الأرضي، ثم طُلب منهم بعد ذلك أن يتخيلوا أن هذا الرقم هو تاريخ لحدث ما، لتكن معركة شهيرة مثلًا، بعد ذلك يُطلب إليهم وضع تخمين عن التاريخ الحقيقي لتلك المعركة، هنا ستتناسب تخميناتهم مع أرقام هواتفهم. ورغم أن كلا المتغيرين لا يرتبط بالآخر بأية صورة بالطبع (رقم الهاتف وتاريخ المعركة) إلا إن النظام البديهي لا يعمل بتلك الطريقة، لكنه فقط يبحث عن أقرب السرديات المتاحة في السياق الحالي.

هناك فارق بين أن نرى صورة وجه شخص غاضب وأن نرى مسألة رياضية تطلب حاصل ضرب 12 في 174 على نفس السبُّورة، في الحالة الأولى نميل تلقائيًّا إلى قراءة تعابير وجه هذا الشخص والوصول إلى استنتاج يقول إنه غاضب، نفعل ذلك بشكل طبيعي وآلي بالضبط كأن نرى شيئًا ما، في الحقيقة فإنه لا يمكن لنا بسهولة التفريق بين أن نرى وأن نستخدم بديهتنا، فهي أقرب ما يكون لحاسة أخرى، أما عن المسألة الرياضية فغالبًا ما نتغاضى عن محاولة إيجاد حل لها، لأننا في هذه الحالة نتحكم في أسلوبنا للتعامل مع الأحجية.

يقسِّم دانيال كانيمان (Kahneman 2011) الآليات التي نتعامل بها مع المعلومات المتاحة أمامنا إلى نظامين، الأول هو ما نعرفه جميعًا باسم “البديهة”، وهو نمط تفكير سريع، لا يحتاج إلى بذل جهد، يتم بشكل آلي تمامًا. أما الثاني فهو نظام تفكير بطيء، مُتحكم فيه، ويحتاج إلى بذل جهد عقلي. هناك دائمًا فاصل واضح بين النظامين، لكن في حالات الاضطراب، كأن تدفع الخاضع للتجربة إلى أن يحفظ عددًا مكوَّنًا من سبعة أرقام، تنهار قدرتنا على التركيز في مهمة واحدة لنظام التفكير البطيء، وتمسك البديهة بزمام الأمور، فيجمع النظام الأول البيانات ويضع أول سردية مقنعة في طريقه ويتعامل معها على أنها الصواب، بل والممثلة الرئيسية لـ “الحقائق” في بعض الأحيان.

الإجماع الخاطئ

لفهم مدى عمق المشكلة التي تواجهنا مع الجملة الأخيرة عن “الحقائق” دعنا نقول إن البشر، في أثناء تكوينهم للقرار الخاص بالقضية محل الفحص، لا يكونون واعين بالكامل لما يمثلونه أو حتى ما تمثله معارفهم من عمق. ونحن هنا أمام حالتين منفصلتين إن تأملت قليلًا، لكن لفهم ذلك يمكن أن نستحضر تجارب لي روس (Ross et al., 1979)، من جامعة ستانفورد، حينما بدأ مع خمسمائة من طلبة السنة الأولى في قسم علم النفس بنفس الجامعة، وكانت إحدى أفكار تجاربه المتنوعة، ضمن مجموعة من أربع دراسات، أن يخيَّر كلٌّ منهم في أن يقبل، أو لا يقبل، العمل لفترة قصيرة بوظيفة مهرج يقف خارج أحد المحال التجارية لدعوة الناس للدخول والحصول على وجبات شهيّة.

بالطبع سوف تتباين آراء الخاضعين للتجربة تجاه عروض كهذه، لكن في النهاية فإن نصف الناس تقريبًا سوف يقبلون بالمهمة. والمشكلة لم تكن في نسب القبول والرفض، بل في توقعات المشاركين عن قبول ورفض الناس الآخرين للتجربة. بمعنى أن القائم على التجربة سوف يسأل الخاضع لها في استفتاء منفصل عن نسبة الناس التي يظن أنهم سوف يوافقون على الخضوع للتجربة. جاءت النتائج لتقول إن الأشخاص الذين قبلوا بالتجربة قالوا إن 75 % من الناس، في العموم، سوف يقبلون بخوض تجربة كتلك، بينما كانت إجابة المجموعة الأخرى هي العكس، أن نفس النسبة تقريبًا من الناس لن يفعلوا ذلك. وظهر تناسب طردي بين نسبة قبول الخاضعين للتجارب -أو رفضهم- لخوض التجربة مع درجات تصورهم عما سوف يُجمع عليه الآخرون من الناس.

لذلك يُسمى بـ “تأثير الإجماع الخاطئ”، حيث يميل البشر إلى اعتقاد أن الآخرين أيضًا يُجْمِعون على صحة أو ضرورة أو أهمية تلك القيمة، أو القناعة، أو الرأي، أو التوجه السلوكي، أو التفضيل، الخاص بهم. ويكون ذلك في أي شيء، بداية من تفضيل المسلسلات والأفلام وصولًا إلى التوجهات السياسية، لكن الأمر يتخطى مجرد الإجماع الخاطئ. في الاستفتاءات الموجهة للخاضعين للتجارب (Ross et al., 1979)، سواء في تجارب روس أو ما تلاها. كان أحد الأسئلة يطلب أن يضع المشاركون توصيفًا لشخصية من اتفق معهم في الرأي ومن رفض، فقاموا بإعطاء تعليقات متطرفة أو سلبية عن شخصيات وطباع الآخرين الذين اختاروا ألا يقبلوا بنفس اختياراتهم.

حينما نسأل: لما يفعل الناس ذلك؟ فإن هناك أسباب كثيرة، هي بالأساس موضوع هذا البحث، لكن أحدها هو التحليلات (Ross et al., 1977) التي يخرج بها الناس تجاه العالم من حولهم من خلال الكيفية التي يدركونه بها، وبشكل خاص نتحدث عن الكيفية التي نحلل بها تصرفات الآخرين تجاهنا. في تجارب روس، على سبيل المثال، تصوَّر الذين وافقوا على خوض التجربة أن الآخرين في الحرم الجامعي سوف يُقبلون عليهم لكي يسألونهم متعجبين: “ماذا تفعل؟”، فيرد الخاضع للتجربة: “أنا أشارك في تجربة علمية” فيرد الآخرون: “ذلك رائع!”. بينما تصوَّرت المجموعة الأخرى الرافضة أن أحدهم، غالبًا من الجنس الآخر، سوف يراهم في ذلك الوضع ويعتبر ذلك مدعاة للسخرية. لقد بنى كل من الفريقين سردية متقنة وبسيطة، وآمن بها، وتسببت في اتخاذه قرارًا بالمشاركة من عدمها، بناء على السياق الذي وُضعت فيه البيانات.

   وهم التفوق

أضف إلى ذلك أن تقييمات الناس لقدر معرفتهم مبالغ فيه بطبيعته، بمعنى أن المشكلة ليست فقط في توهُّم الإجماع، ولكنها أيضًا تتضمن تحيزًا إدراكيًّا آخر يصوِّر لنا قدراتنا المعرفية أعلى من غيرنا، وهو بدوره ما يدفعنا لتصوُّر أننا نمتلك حقائق موضوعية، وليست فقط آراء أو وجهات نظر، فنتأمل سردياتنا الخاصة وكأنها واقع العالم. في تلك النقطة يمكن أن نتأمل تجارب كل من ليونايد روزنبليت وفرانك كيل (Rozenblit et al., 2002) من جامعة ييل، والتي تهتم برصد فكرة البشر عما يعرفونه حقًّا عن الأشياء، حيث يُطلب إلى الخاضع للتجربة أن يقيِّم قدر معرفته بكيفية عمل شيء ما، كان ثلاجة مثلًا، درَّاجة، هاتفًا نقَّالًا... إلخ.

   لكن قبل ذلك يتعلم الخاضع للتجربة كيف يمكن له وضع تقييم كهذا. فيبدأ بأخذ درس قصير عن كيفية تقييم معرفته بآلة معقدة، لتكن قوس النبالة الرياضي على سبيل المثال، فيتعلم أن يضع لنفسه سبع درجات من سبع إن كان يعرف شكل القوس وفيزياء عمله وأنواع الخشب والخيوط والمادة المصنوع منها، وأن يعطي لنفسه اثنتين من سبعة، مثلًا، حينما يكون كل ما يعرفه عن القوس الرياضي هو الشكل العام للقوس، وهكذا.

بعد ذلك يخضع الشخص للاختبار، والفكرة أن يقيِّم قدر ما يعرف من معلومات عن الطائرة الهليكوبتر. هنا نسجِّل تلك القيمة في جدول ونعطيها اسم (القيمة الأولى)، ثم يُعطى كل الخاضعين للتجربة مقالًا مبسطًا يشرح آلية عمل الطائرة، ثم يُطلب إليهم من جديد تقييم قدر معرفتهم السابقة بنفس الآلة (القيمة الثانية). بعد ذلك يلتقي الخاضع للتجربة بخبير ليسأله عن بعض الأمور الفيزيائية البسيطة حول الطائرة، ثم يطلب من الخاضع للتجربة أن يقيم نفسه مرة أخرى (القيمة الثالثة)، وفي المرحلة التالية يُقدم له بحث علمي ضخم يشرح آلية عمل الطائرة بتفصيل دقيق، ويُطلب إليه إعطاء قيمة أخيرة (الرابعة) عن مقدار ما يعرف عن الطائرة الهليكوبتر.

تصل تجارب كيل وروزنبليت إلى استنتاج يقول إن البشر يخضعون لنوع من القصور الإدراكي يسمى “وهم عمق القدرة على الشرح”، ويقول إن الناس يظنون أنهم يفهمون الظواهر المعقدة سببيًّا بصورة أعمق مما يفهمونها بالفعل. لكن وهم عمق القدرة على الشرح لا يرتبط بالثقة الزائدة في النفس، بمعنى أن الخاضعين للتجارب واجهوا مشكلات مع ذلك النوع من التحيزات الإدراكية في شرح آليات عمل الآلات المتعددة، أو الظواهر الطبيعية، أو المواقف السياسية، إلا إنهم لم يخفقوا في تقييم قدراتهم بالنسبة إلى الحقائق (أسماء العواصم أو البلدان) أو الإجراءات (كطريقة عمل الكيك مثلًا أو كيفية عمل مكالمة دولية أو فتح حساب على الفيسبوك) أو السرديات (كفيلم أو مسرحية) وبالتالي فإن هذا النوع من التوهم الإدراكي يرتبط فقط بظواهر معقدة سببيًّا، ويعني ذلك أننا كبشر لا نستخدم طريقة تشبه النظريات العلمية أثناء شرح العالم لذواتنا.

في الحقيقة فإن “وهم التحكم” يعيدنا من جديد إلى كانيمان، حيث يرى الأخير أن المشكلة ليست فقط في أننا لا نعرف مدى عمق ما نعرف حقًّا، ولكن لأن النظام البديهي لا يقبل بالعمق من الأساس (Kahneman 2011). نحن نريد أن تُقدم لنا المعلومات في صورة سردية، يجب أن تكون تلك السردية بسيطة ومتناسقة وتحوي أقل عدد ممكن من المعلومات، ويجب كذلك أن تتحدث عن حالة فردية بعينها. لكن من جهة مقابلة فإن بيانات هذا العالم، والممثلة الحقيقية لعمقه، تقع في الإحصاءات والمعارف العلمية الصارمة. كذلك فإن جانبًا كبيرًا منها يحفه الغموض وعدم التأكد، وهو ما لا تقبله بديهتنا أيضًا، لهذا السبب -من الأساس- ربما لا يتقبل الناس العلم نفسه بسهولة. يشير إلى تلك النقطة لويس وولبرت (Wolpert 1991) بوضوح في “طبيعة العلم غير الطبيعية” حينما يتحدث في الفصول الأولى عن الفارق الواضح بين تصوراتنا عن العالم وتصورات الحقائق العلمية  عنه.

تصب تلك المجموعة من التحيزات الإدراكية السابقة في مصلحة نوع آخر من الأوهام الإدراكية الذي يرتبط بدوره بإحدى غرائزنا كبشر، وهي الحاجة إلى الانتماء إلى “قبيلة”. السؤال هنا هو ببساطة: ما الفارق بين القوانين التي تحكم أهالي إحدى قبائل الشمال الأسترالي وتلك التي تحكم أبناء حزب أو توجه سياسي ما في الولايات المتحدة الأمريكية أو في مصر في الحقبة المعاصرة؟ ما هي المحركات الرئيسية للسلوك البشري في الحالتين؟ بالإجابة على هذين السؤالين قد نصل إلى استنتاج آخر يوضح قدر الاختلاف في معايير المجتمعات عن اصطلاحات كالحداثة، والدولة، والعقلانية، والموضوعية... إلخ.

لفهم ذلك دعنا نبدأ من الواقعية الساذجة (Ross et al., 1996)، وهي ميل الإنسان إلى الاعتقاد أنه يرى العالم بشكل موضوعي، وأن أي شخص “طبيعي” سوف يرى العالم بنفس الصورة الخاصة به إذا اتبع نفس القواعد الموضوعية، بينما الآخرون (هؤلاء الذين لا يتفقون معنا) هم غير عقلانيين، وبالتالي متحيِّزون أو ربما أغبياء. في الحقيقة يتخطى الأمر حدود الشخص العادي إلى مَن يعرف بوجود تلك التحيزات، خذ مثلًا تجربة شارك فيها لي روس (Pronin et al., 2002) كان مفادها أن يُسأل طلبة علم النفس من جامعة ستانفورد، كلٌّ على حدة، عن مقدار وقوع الطلبة الآخرين (في نفس الفريق) في أسر التحيزات الإدراكية، ثم بعد ذلك يقوم كل منهم بتقييم مقدار وقوعه (هو) في أسر نفس التحيزات. رغم معرفتهم بوجود التحيز، يعطي الطلبة جميعًا نتائج تضعهم فوق المتوسط الذي حددوه، وكأنهم واثقون تمام الثقة في قدرتهم على تجاوز هذه التحيزات، بينما يقعون في التحيز أثناء ذلك.

نسمي ذلك بـ “بقعة التحيز المظلمة”، أي أنه رغم علمك بالتحيز الإدراكي فإن هناك بقعة مظلمة لا تُدرِك وجودها في إدراكك، من تلك النقطة يخرج “وهم التفوق”، وهو اعتقاد الناس الخاطئ أنهم متفوقون على الآخرين، حيث يقوم المرء منَّا بتضخيم حجم صفاته الإيجابية وتصغير صفاته السلبية. يصل الأمر إلى درجة أن 90 % من طلبة جامعة لنكولن نيبراسكا (1977,Patricia et al) ، و90 % من سائقي سيارات الأجرة الأمريكان (SVENSON et al, 1981)، و87 % من دارسي ماچستير إدارة الأعمال في ستانفورد (Zuckerman et al, 2001)، يظنون أن مستواهم أعلى من المتوسط في اختصاصاتهم.

الحد الفاصل بين الحظ والمهارة

لكن لتحقيق فهم أفضل لتلك المشكلة الإدراكية التي نستعرضها في هذا البحث، يمكن أن نتساءل قليلًا عن قدراتنا على إدراك الحد الفاصل بين أشياء نظن أن معرفتنا بها بديهية كـ“الحظ” و“المهارة”. للوهلة الأولى يبدو ذلك دربًا من الهراء، كيف لا يمكن ببساطة أن نفرِّق بين “الحظ”، وهو شيء يعتمد بالكامل على الصدفة، و“المهارة” وهي شيء يعتمد على الخبرة المكتسبة من العمل في شيء ما؟ لكن حينما حاولت إيلين لانجر من جامعة ييل، في السبعينيات من القرن الفائت، أن تتقصى حساسيتنا تجاه هذا الحد، جاءت النتائج لتناقض التوقعات.

في إحدى تجارب لانجر (Langer 1975) يقوم الفريق البحثي بإقناع مجموعة من طلبة جامعة ييل أنهم مقدمون على اختبار يحاول أن يربط بين الصفات النفسية والفسيولوچية للبشر، ثم يقسِّم الخاضعين للتجربة إلى مجموعتين، يدخل كل فرد من المجموعة الأولى في حجرة ما ليجد متسابقًا آخر تم اختياره ليبدو واثقًا في نفسه، أما في الغرفة الأخرى يدخل كل فرد من المجموعة الثانية ليجد شخصًا لا يبدو واثقًا في نفسه. إقناع الخاضع للتجربة بذلك يتم عبر عدة مؤشرات منها مثلًا أن يكون الشخص الذي يبدو واثقًا من نفسه يرتدي ملابس أنيقة ومناسبة وجسده رياضي، والعكس في التجربة الأخرى.

بعد ذلك يجلس هذا المنافس أمام الطالب -في الغرفتين- لكي يلعبا نوعًا من الرهان عبر بطاقات الكوتشينة، فيُطلب من الخاضع للرهان أن يستمر أو أن ينسحب خلال أربع مراحل. وبعد ذلك يسجل مشرف التجربة نتائج الاستمرار أو الانسحاب، هنا تجيء النتائج لتقول إن هؤلاء الذين جلسوا أمام منافس يبدو واثقًا من نفسه وضعوا رهانات أقل بشكل ملحوظ عن هؤلاء الذين جلسوا أمام متسابق لا يبدو واثقًا من نفسه، رغم أن الورق قد تم خلطه بشكل عشوائي تمامًا، ورغم أن الخاضع للتجربة قد كان يعرف ذلك ورآه بوضوح، لكنه لسبب ما كان يظن أن تلك الأوراق العشوائية هي أمر يمكن التحكم فيه بمهارة، فقط لأن الجالس أمامه بدا غير واثق من نفسه حينما التقى به لأول مرة.

هذا هو “وهم التحكم”، وهو ما تعرفه لانجر على أنه (Langer 1975) “إعطاء نفسك احتمالات أكبر في قدرتك على التحكم بأمور تقول الحقيقة الموضوعية إن الاحتمالات فيها أقل من ذلك”. يشبه الأمر، أو هو كذلك بالفعل، أن تظن أن احتمالات حصول حادثة بينما تقود سيارتك أقل منها حينما يقود صديقك نفس السيارة، ويعني هذا أننا لا نتمكن دائمًا من الحفاظ على الحد الفاصل بين الصدفة والأمور التي تتعلق بمهاراتنا. تجارب مشابهة قام بها ميلفن ليرنر (Lerner 1980)  من ستانفورد في الثمانينيات من القرن الفائت، تضمنت أن يقيِّم الناس شخصين حصل أحدهما بالصدفة، مع توضيح أنها كانت صدفة واضحة، على مكافأة مادية. هنا أعطوا تقييمًا إيجابيًّا أكبر لشخصية الحاصل على المكافأة، ورغم أنه لا علاقة بين شخصية أحدهما وحصوله على مكافأة، إلا إننا نتوهم أن كل شيء في هذا العالم يتم بشكل مُتَحكم فيه، ما يعني أن حصول شخص ما على مكافأة يشير إلى أنه شخص طيب أو ذكي بالضرورة، فهو “يستحق” ذلك، حيث أنه من وجهة النظر تلك لا وجود للصدف أو لعدم التأكد.

لكن ذلك التوهم، الذي يسميه ليرنر “فرضية العالم العادل”، يمكن أن يمتد لما هو أبعد من ذلك، على سبيل المثال ظهر أن هؤلاء الذين لديهم قناعات بذلك النوع من التوهمات الإدراكية كانوا أكثر عرضة للإعجاب بالزعماء السياسيين، وبالمؤسسات الاجتماعية والسياسية القائمة مهما كانت متسلطة، وأن لديهم مواقف عنصرية تجاه الأقليات العرقية والاجتماعية، ومواقف سلبية تجاه قضايا المرأة، وهم كذلك يقيِّمون الفقر كمشكلة الفقراء فقط، والتنمر كمشكلة ضحايا التنمر. وعلاوة على ذلك، فإنهم يشعرون بأنهم أقل حاجة إلى الانخراط في أنشطة لتغيير المجتمع أو للتخفيف من محنة الضحايا في ظروف اجتماعية وسياسية قاسية، ذلك لأنهم -فقط- مقتنعون أن كل شيء في هذا العالم يتم بشكل مُتَحكم فيه، وبالتالي فإن كل شخص يستحق ما يحدث له.

الانتماء إلى قبيلة

الآن دعنا نجمع قطع الأحجية معًا، مع تلك التحيزات الإدراكية يظن الناس، كلٌّ على حدة، أنهم أكثر تفوقًا وفهمًا للأمور، وقدرة على التحليل، من غيرهم. بالتالي فإن ما يقدمونه من تحليلات ليست وجهات نظرهم عن هذا العالم بقدر ما هي حقائق موضوعية، حتى وإن تضمنت قدرتهم على التحكم في أمور عشوائية بطبعها. بالتالي سوف نعتبر أن هؤلاء الآخرين، أيًّا كانوا، ممن يختلفون عن توجهاتنا، أغبياء أو حمقى أو أكثر جهلًا، يساعد على ذلك ما نسميه بـ “الاستقطاب الخاطئ” (Lord et al., 1979) . ويعني أننا نضع “هؤلاء” الذين لا يتفقون مع آرائنا وقناعاتنا، التي من المفترض أنها الوصف الموضوعي والطبيعي للأمور، في قائمة خاصة ندعوها “هُم”، ثم نضم أنفسنا إلى مجموعة من الناس التي تعتنق هذا الرأي الخاص بنا ونسميها “نحن”، ثم نبدأ -عبر تفضيل أفراد المجموعة- في تعديد مزايا مجموعتنا ومدى عقلانيتها في مقابل لاعقلانية، أو جهل، أو عجرفة المجموعة الأخرى، ثم يتطور هذا الشكل من الاستقطاب ليتخطى حاجز الرأي إلى دعم المجموعة بالموارد الاقتصادية بجانب الأفكار.

في تلك النقطة يتدخل جاي فان بافيل من جامعة نيويورك (Bavel et al., 2018)  ليقول، في مقال بحثي نُشر قبل فترة قصيرة، إن الأمر ربما أعقد وأكثر عمقًا مما نتصور، حيث يتعامل بشكل مباشر مع هويَّاتنا، أو ما نظن أنه نحن وما ننتمي إليه من معتقدات. تسمى هذه الفكرة بـ“نموذج القناعات القائمة على الهوية”، ويعني أنه حينما نتعرض لمجموعة من الأفكار عن أحد الموضوعات التي نهتم بها، عبر فيسبوك، أو تويتر، أو التلفاز مثلًا، فإننا قد نعطي تقييمًا لها بمقارنتها معًا ثم نستخرج التقييم الأفضل. لكن في بعض الأحيان يحدث أن نرجح كفة الانتماء على حساب الدقة. فالإنسان كائن اجتماعي، يُعد الانتماء إلى مجموعة إحدى أقوى غرائزه بجانب الرغبة الجنسية والجوع، حيث يساعدنا انتماؤنا إلى توجه سياسي أو اجتماعي ما على تعريف هوياتنا ويعزز إحساسنا بذواتنا، وهو ما يمكن أن يكون أكثر أهمية بالنسبة إلينا من الدقة في مسألة ما.

وبمد الخطوط على استقامتها سوف يشير ذلك إلى أن جودة المعلومات المعروضة أمامك لا تعني بالضرورة أنك سوف تصدقها، مهما كانت مدعومة بالحقائق أو من مصدر موثوق منه، ذلك لأنك قد تميل إلى الانتماء الخاص بك على حساب الدقة. في تلك النقطة يتدخل بريندان نيهان (Nyhan et al., 2010) من كلية دارتموث، في الولايات المتحدة، من خلال مجموعة من الدراسات التي امتدت طوال نحو عشر سنوات، ليقول إن مواجهة الناس بالحقائق المثبتة التي تنفي قناعاتهم تجعلهم أكثر تمسكًا بتلك القناعات، يسمي نيهان ما حدث بـ“تأثير رد الفعل العكسي”، الذي يظهر واضحًا في حالات الاستقطاب السياسي الشديد بينما يمكن التغلب عليه في القضايا الفاترة.

وقد رُصد تأثير رد الفعل العكسي في عدة تجارب، على سبيل المثال (Redlawsk et al., 2002) كان الأشخاص المؤيدون لمرشح انتخابي ما أكثر تأييدًا له وثقة فيه حينما تم تعريفهم بحقائق سلبية عنه. كذلك كان الآباء الرافضون لحقن أطفالهم باللقاحات أكثر رفضًا بعد أن قامت مجموعة من الأطباء بعرض بيانات علمية تُثبت خطأ تلك الفكرة أمامهم (Nyhan et al., 2014)، وانضم إلى ذلك تجارب تضمنت آراء الجمهور في قوانين الضرائب، وأبحاث الخلايا الجذعية، وقوانين الزواج والطلاق والإجهاض، إلخ، في كل مرة كان الخاضع للتجربة أكثر ميلًا إلى تصديق المجموعة من التوجهات السياسية والاقتصادية التي ينتمي إليها بعد عرض مجموعة من الحقائق أمامه (Nyhan et al., 2010).

بل وحينما عُرض (2004 Ehrlinger) على مجموعة من طلبة الجامعة الإسرائيليين ورقة تتضمن طلبات مقدمة من قبل رجال سياسة إسرائيليين إلى سياسيين فلسطينيين، لكن تمّت عنونتها عمدًا على أنها مقدمة من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين، رفضت أغلبية المجموعة بنود تلك الورقة. لكن حينما تم عرض الورقة الأصلية المقدمة من قبل سياسيين إسرائيليين إلى آخرين فلسطينيين، والتي تحتوي على نفس البنود بالضبط، وافقت معظم المجموعة الخاضعة للتجربة عليها. إنها نفس الورقة السياسية بنفس البنود، لكن سياق تصوراتنا عن الآخرين وعن مجموعتنا، وليس الحقائق الموضوعية، هي ما يحرِّك توجهاتنا، وقناعاتنا، وردود أفعالنا.

بل وقد يتطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، في دراسة أخيرة (Wang et al., 2018)، من جامعة إيموري الأمريكية، قرر فريق بحثي من قسم علم النفس فحص نتائج ثلاثة عقود من الدراسات الخاصة بسلوك بشري قديم بقدم وجودنا، وهو الشماتة، الفرح في مصائب الآخرين. هنا جاءت النتائج لتقول إن مركز الشماتة هو عملية تجريد الآخرين من بشريتهم، على سبيل المثال يصوِّر الناس مرتكبي جرائم الاغتصاب على أنهم حيوانات، قد يكون هذا مقبولًا بعض الشيء في إطار اجتماعي يرفض هذا النوع من العنف بشدة، لكنه أيضا يتمثًّل في تسمية المنافسين السياسيين بألقاب الحيوانات، وهو ما يحدث كثيرًا. تثبت التجارب في هذا المجال أن درجات تعاطفنا تنخفض بفارق واضح بارتفاع الخصومة السياسية إلى أن تصل إلى مرحلة ننحي فيها الآخرين عن إنسانيتهم.

على سبيل المثل، كان إيميل برونو (Bruneau et al., 2012) من معهد “إم آي تي”، قد وجد، حينما فحص درجات التعاطف تجاه الآخرين في حالة الخلافات السياسية، أنها تختلف بشكل واضح كلما ارتفعت درجات الصراع، حيث سيتعاطف الناس بشدة واضحة مع أبناء مجموعاتهم، بينما لن يتعاطفوا مع أعدائهم، ونقصد هنا أنهم سيخفِّضون من درجات تعاطفهم لدرجة أنهم سيفرحون في مصائب الطرف السياسي المخالف لقناعاتهم مهما كانت غير إنسانية. يتطور ذلك بوضوح كلما تطورت درجات الصراع، حتى نصل إلى تبرير مجازر بشرية كاملة.

قصور الانتباه

أضف إلى ذلك أننا، نحن البشر، لا نستطيع بسهولة أن نعالج كل المعلومات التي نتعرض لها بشكل يومي، لهذا السبب فإن انتباهنا لتلك المعلومات يتم بشكل انتقائي ضمن نطاق محدود من القدرات، وهو ما يتسبب بدوره في أن تلعب التحيزات الإدراكية دورًا فعالًا في قراراتنا. لفهم تلك الفكرة يمكن أن نتأمل أحد أشهر الأمثلة من عالم بعيد تمامًا عن السياسة والاقتصاد، حيث كان براين وانزينك، من جامعة كورنل (Wansink 2006)، قد أخضع مجموعة من الناس لنوع من الاستقصاء حول عدد القرارات التي يتخذونها بشكل يومي من أجل اختيار وجباتهم، وصلت النتائج إلى نحو 200 قرار يومي في المتوسط. نحن لا ننتبه لهذه القرارات في أثناء محاولاتنا لاختيار وجبة الغداء، ذلك لأن معظمها يتم بشكل آلي، غير عقلاني، لكن يمكن توقعه.

على سبيل المثال، كان اللافت للانتباه بشكل أكبر ضمن دراسات وزانيك أن الناس يميلون إلى إنهاء الطبق مهما كانت كمية الطعام فيه. نحن نأكل دائمًا حتى نكمل مهمتنا، بل إن بعض الباحثين  (Wansink 2006) يقارن بين ارتفاع نسب السمنة في الولايات المتحدة (35 %) مقابل فرنسا (7 % فقط) ويربط ذلك بأن متوسط حجم قطع الحلوى في الولايات المتحدة أكبر بقيمة 41 % عن فرنسا، وأن متوسط حجم عبوة المشروبات الغازية أكبر بقيمة 52 %، وأن متوسط عبوة الزبادي أكبر بقيمة 82 %. نستنتج من ذلك أن تلاعبًا طفيفًا بالسياق (حجم العبوة) كان كفيلًا بتغيير حجم استهلاكنا للطعام، بغض النظر عن احتياجنا من عدمه.

في إحدى التجارب الشهيرة لوانزينك، استهلك الخاضعون (Wansink 2006) من الحساء ما قيمته 73 % إضافية، فقط لأن طبق الحساء كان أكبر في الحجم، بغض النظر عن كل شيء آخر له علاقة بالجوع أو الامتلاء الفسيولوچي. وفي إحدى التجارب حصل الحاضرون إلى السينما على علب بها (فشار) أُنتج قبل خمسة أيام كاملة، كان باردًا وجامدًا وذا طعم مختلف وغير سهل الأكل، رغم ذلك، وحتى مع التأفف الأوَّلي من طعمه، أكل 60 % من هؤلاء الخاضعين للتجربة من الفشار ما هو أكثر من الكمية الطبيعية وأنهوا العلبة في كل مرة. ما يعني، أن المشكلة لم تكن بالأساس في الجوع، فقد كانوا ممتلئين قبل الذهاب إلى السينما بنصف ساعة، ولا لأن الفشار جيد الطعم، لأنه لم يكن كذلك، ولكن في السياق الذي تضمن وجود الوجبة، وهو وجودهم في السينما ورؤيتهم للآخرين يأكلون ووجود عبوة الفشار.

لقد أثبت دانيال كانيمان أن الناس يخطئون في تصوراتهم البديهية عن العالم، وأن تلك الأخطاء ترتبط بالسياق الذي نضع فيه نفس المعلومات فنحصل على نتائج مختلفة في كل مرة، لكن هيربرت سيمسون أضاف ما هو أهم من ذلك، وهو أن هذه الأخطاء يمكن توقعها، وتستخدمها الشركات لجذب انتباه العملاء. إن معلومة بسيطة تقول إن الناس يميلون إلى أكل قدر أكبر من الطعام كلما كان الطبق أكبر (كما ظهر في تجارب وانزينك)، أو إنهم يميلون إلى اختيار الأرقام التي توجد في تاريخ ميلادهم، أو إنهم يميلون إلى إعطاء (بقشيش) أكبر مع كل قطعة حلوى يقدمها النادل لهم كهدية، يمكن أن تؤثر في قدر الأموال الخارجة من جيبك لشراء منتج ما، بمعنى أوضح: أنت لا تشتري ثلاثة قمصان لأنك تحتاج إلى القمصان، أنت تشتريها لأنها مقدمة بعرض (اثنان مع واحد مجانًا)، ذلك لأننا لا نهتم من الأساس بتقييم احتياجاتنا إلى القمصان عقلانيًّا، ولا نهتم بالحصول على القمصان نفسها، بل بالحصول على أفضل صفقة.

   خاتمة:

حينما يُرغم البشر، وما أكثرها من مواقف، على تخطي حاجز البيانات المعطاة في موقف معين لتحقيق كشف أفضل للمواقف، فإنهم يلجئون فورًا إلى التحيزات الإدراكية التي تربط سريعًا بين أقل عدد ممكن من المعلومات ثم يقومون باعتمادها كاستراتيچيات إنقاذ سريع من أجل تقييم المواقف. هذه الصفات ورثناها عن أسلافنا من البشر الأوائل الذين عاشوا حياة قاسية حذرة بين المفترسات في حشائش السافانا، واضطرت عقولهم إلى خلق هذه المنظومات التي تستجيب بسرعة لعالم من البساطة بحيث كانت أكبر مشكلاته هي صوت حفيف على الأرض، ما قد يشير إلى وجود مفترس ما يقترب منك، وهو ما بالضرورة يتطلب أن تستجيب له قبل أن تتفحص طبيعة تلك الإشارة.

كان ذلك مفيدًا في تلك الفترة من تاريخنا، وجنبنا الكثير من المخاطر، لكنه الآن يقف تمامًا على النقيض من مصالحنا العقلانية. يشبه الأمر علاقتنا بالطعام، فقد عاش البشر في فترة مبكرة من تاريخهم، قبل 80 إلى 90 ألف سنة من الآن، في حالة من المجاعة الدائمة، ولم يكن من السهل الحصول على الطعام، ولذلك تطورت أدمغتهم بحيث تشتهي الطعام أينما تراه وليس فقط عند الحاجة الفسيولوچية إليه، لأن تخزين الطعام الزائد على هيئة دهون في الجسم ساعد على بقائهم. لكن حينما نقارن ذلك الوضع بالعالم المعاصر حيث تنتشر الأطعمة في كل مكان، في التلفاز، وعلى الإنترنت، وفي الشارع، فإن ذلك بدوره يطوِّر مشاعر مختلفة تجاه الطعام لا علاقة لها بالإشارات الفسيولوچية، فنستمر في الأكل ونُصاب بالسمنة.

إدراكنا أيضًا يمكن أن يصاب بالسمنة، فهو يدفعنا للاعتقاد بأننا نؤمن بالأشياء لأن هناك دليلًا على صحتها، بينما في الحقيقة نحن كائنات سياقية بدرجة ما، لا تستسيغ الحقائق والبيانات بسهولة، ولا تهضم إلا السرديات الساذجة الخالية من الغموض، والتي تختلف باختلاف المواقف فتضع الحقائق في قالب مختلف مع كل اختلاف طفيف في الطريقة التي تقدم بها تلك الحقائق، بل ولا تتقبل -بسهولة- من هذه السرديات إلا المجموعة التي تخدم انتماءاتها قبلية الطابع، وتشعر دائمًا بالتفوق والتحكم وعمق الرأي في مواقف تقول البيانات إنه لا يمكن بشكل موضوعي أن تتمكن من ذلك خلالها. في النهاية يبدو الأمر وكأننا نعيد تعريف العقلانية قائلين إنها فقط قدرتنا على التخلي عن الاعتقاد بأننا كائنات عقلانية وتقبل فكرة أن عقلانيتنا  -في أحسن الأحوال- مقيَّدة.

يدفعنا ذلك للتساؤل الحرج: هل جوبلز هو شخص واحد جاء بالصدفة وقرر أن يسيطر على عقول الناس بالكذب؟ أم أنه حالة كان لابد أن تحدث لأننا نفهم البشر بشكل خاطئ؟ هل الهولوكوست هو نتيجة فشل منظومة حداثية في لحظة ما، أم أنه كان نتيجة حتمية للفكر العقلاني الذي لم يفهم رواده من البداية أن البشر لا يستوفون الشروط الأساسية للعقلانية؟ لا أحاول بالطبع أن أقدم اجابات نهائية عبر استعراض تلك المشروعات السيكولوچية التي تعد الأكثر نشاطًا في العالم المعاصر، ولا يحاول كانيمان، أو تفرسكي، أو ثيلر، أو أي ممن أشرت إليهم أن يفعل ذلك، في النهاية فإن دراساتهم جميعًا قد أثبتت أنه برغم وقوعنا في التحيز، لكن بعد فترة من التعلم أمكن تجاوزه، خاصة في حالات غير متطرفة، لكني أحاول أن ألفت النظر إلى جدوى هذا النوع من الأسئلة.  

 اصطلاحات مترجمة:

الحساسية تجاه السياقات                                      Context-sensitive 

وهم فريتز هايدر وماريان سيميل The Heider-Simmel Illusion

تأثير الإجماع الخاطئ                                 False Consensus Effect

التحليلات العقلية                                                                 Construals

وهم عمق القدرة على الشرح    Illusion Of Explanatory Depth  

الظواهر المعقدة سببيًّا                                          Causally Complex

تأثير دانينج كروجر                                  Dunning-Kruger effect

الواقعية الساذجة                                                            Naïve realism

بقعة التحيز المظلمة                                                     Bias Blind Spot

وهم التفوق                                                        Illusory superiority 

تفضيل أفراد المجموعة                                    In-group favoritism

البديهة                                                                                           Intuition

نموذج القناعات القائمة على الهوية     Identity-based model of belief

تأثير رد الفعل العكسي                                                 Backfire effect 

الاستقطاب الخاطئ                                              False polarization

وهم التحكم                                                          Illusion of control

فرضية العالم العادل                                       Just world hypothesis

مصادر

Bavel, Jay J. Van; Pereira, Andrea. The Partisan Brain: An Identity-Based Model of Political Belief. Trends in Cognitive Sciences, 2018.

BRENNER, LYLE; KOEHLER, DEREK; TVERSKY, AMOS - On the Evaluation of One-sided Evidence - Journal of Behavioral Decision Making, Vol. 9, 59-70 (1996).

Bruneau, Emile; Dufour, Nicholas; Saxe , Rebecca . Social cognition in members of conflict groups: behavioural and neural responses in Arabs, Israelis and South Americans to each other’s misfortunes . Phil. Trans. R. Soc. B 367 (1589), 717-730.

Cosmids, Leda - The logic of social exchange: Has natural selection shaped how humans reason? Studies with the Wason selection task – Cognition, Volume 31, Issue 3, April 1989, Pages 187-276.

Ehrlinger, Joyce ; Gilovich , Thomas; Ross, Lee . Peering Into the Bias Blind Spot: People’s Assessments of Bias in Themselves and Others . Personality and Social Psychology Bulletin  . Volume 31 Issue 5, May 2005.

Heider, Fritz; Simmel, Marianne (2 Apr 1944). “An Experimental Study of Apparent Behavior”. American Journal of Psychology. 57 (2): 243–259.

Kahneman, D. (2011) Thinking, Fast and Slow, Farrar, Straus and Giroux.

Langer, E. J. (1975). The illusion of control. Journal of Personality and Social Psychology, 32(2), 311-328.

Lerner (1980). The Belief in a Just World: A Fundamental Delusion. Plenum: New York.

Lord, C. G., Ross, L., & Lepper, M. R. (1979). Biased assimilation and attitude polarization: The effects of prior theories on subsequently considered evidence. Journal of Personality and Social Psychology, 37(11), 2098-2109.

Nyhan, Brendan; Reifler, Jason . The Persistence of Political Misperceptions . Political Behavior June 2010, Volume 32, Issue 2, pp 303–330.

Nyhan, Brendan; Reifler, Jason; Richey, Sean; Freed, Gary . Effective Messages in Vaccine Promotion: A Randomized Trial  . Pediatrics. April 2014, VOLUME 133 / ISSUE 4.

Patricia, K. - Not can, but will college teaching be improved? – New Directions For Higher Education Volume 1977, Issue 17 Pages: fmi, vii-viii, 1-106 Spring 1977.

Pronin , Emily; Y. Lin, Daniel; Ross, Lee . The Bias Blind Spot: Perceptions of Bias in Self Versus Others . Personality and Social Psychology Bulletin, Vol 28, Issue 3 2002, pp. 287–299.

Ross, L.; Greene, D.; House, P. (1977). “The false consensus effect: An egocentric bias in social perception and attribution processes”. Journal of Experimental Social Psychology. 13 (3): 279–301.

Ross, L. & Ward, (1996) A. Naive realism in everyday life: Implications for social conflict and misunderstanding. In T. Brown, E. Reed, & E. Turiel (Eds.), Values and knowledge. Hillsdale, NJ: Erlbaum, 1996.

Redlawsk, David . Hot Cognition or Cool Consideration? Testing the Effects of Motivated Reasoning on Political Decision . The Journal of Politics . Volume 64, Number 4 | Nov., 2002.

Rozenblit, Leonid; Keil, Frank . The misunderstood limits of folk science: an illusion of explanatory depth .Cognitive Science. Volume26, Issue5 September 2002 Pages 521-562.

SVENSON, Ola - ARE WE ALL LESS RISKY AND MORE SKILLFUL THAN OUR FELLOW DRIVERS? Acta Psychologica 47 (1981) 143-148.

Wang, Shensheng; Lilienfeld, Scott; Rochat, Philippe. Schadenfreude deconstructed and reconstructed: A tripartite motivational model. New Ideas in Psychology, 2018; 52: 1.

Wansink, Brian (2006). Mindless Eating : why we eat more than we think. New York: Bantam Books.

WASON, P. C. and  SHAPIRO, Diana - NATURAL AND CONTRIVED EXPERIENCE IN A REASONING PROBLEM - Quarterly Journal of Experimental Psychology (1971) 23, 63-71.

Wilkins, Vicky; Wenger, Jeffrey . Belief in a Just World and Attitudes Toward Affirmative Action . Policy Studies Journal . Volume 42, Issue 3 Pages: i-ii, 325-464 August 2014.

Wolpert, Lewis (1991). The Triumph of the Embryo. Oxford, UK & New York: Oxford University Press.

Zuckerman, Ezra; and Jost, John . What Makes You Think You’re so Popular? Self-Evaluation Maintenance and the Subjective Side of the “Friendship Paradox”.   Social Psychology Quarterly Vol. 64, No. 3 (Sep., 2001), pp. 207-223.