ثورة 1919

إيمان عامر

المرأة المصرية وثورة 1919

2019.05.01

صور أرشيفية

المرأة المصرية وثورة 1919

إن الجدل الدائر في سياق حركات الحداثة في منطقتنا العربية عند نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، يمنح أوضاع المرأة اهتمامًا خاصًّا، فمثلما قام المستعمرون الغربيون باستخدام مأساة المرأة الشرقية كعلامة على وحشية وفساد الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، وتوظيف تلك المقولة كمبرر لحملاتهم التي لا مفر منها بحكم سموهم الحضاري.
   ترى مدرسة عريضة من المؤرخين أن عصر النهضة المصرية الحديثة يبدأ بمجيء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، على اعتبار أنها أول نافذة فُتحت على الآخر بعد قرون من الركود والضحالة التي عاشها المصريون، فقد أحدثت الحملة صدمة ثقافية عبر عنها الجبرتي عند زيارته المجمع العلمي الذي أنشأته الحملة الفرنسية بعد مجيئها إلي مصر بأنه: “رأى عجبًا، وشاهد أعمالًا لا قبل لأمثالنا بها”، وعلى الصعيد المجتمعي كانت هناك صدمة أخرى.
    فقد اصطحب رجال الحملة الفرنسية زوجاتهم وصديقاتهم إلى مصر، وكانت هؤلاء السيدات يتجولن في الشوارع والطرقات أسوة بالرجال سافرات الوجه ضاحكات، بينما كانت المرأة المصرية لا تعرف العالم الخارجي إلا من خلال الفتحات الضيقة، التي كان يسمح لها بالنظر منها؛ سواء من المشربية، أو من النقاب السميك الذي أسدل على وجهها وعقلها أيضًا.
متغيرات طويلة المدى قادت إلى تغير وضعية المرأة قبيل اندلاع الثورة: 
لئن كنا سنتناول جملة عوامل أدت إلى تغير كيان المجتمع النسائي المصري شيئًا فشيئًا، فلا بُد أن نبدأ بالحملة الفرنسية، التي كان لمعاملة رجالها لنسائها أثر في توجيه نظر نساء مصر للفارق الكبير بين وضعهن، ووضع المرأة الفرنسية، خاصة بعد زواج كبار قادة الحملة من المصريات، أمثال: مينو، الذي تزوج من زبيدة الرشيدية وأسلم من أجلها، وأصبح اسمه: (عبد الله مينو)، وربما كان أول اجتماع نسائي مصري في التاريخ، ليس اجتماع الكنيسة المرقسية بعد ذلك بسنوات إبان ثورة 1919م، وإنما اجتماع عام 1799م في أحد حمامات رشيد العامة؛ حيث كانت الحمامات تلعب دورًا مهمًّا؛ فهي ملتقى ومنتدي السيدات، لقد قررن في هذا الاجتماع أن يرسلن مذكرة إلى (السلطان الأعظم بونابرت)، ويذكر كلوت بك قصة المذكرة كما حكاها له نابليون قائلًا: “تزوج الجنرال (مينو) بامرأة من رشيد، وعاملها معاملة السيدات الفرنسيات؛ إذ كان يجلس معها على مائدة الطعام، ويقدم إليها خير الأطعمة، وإذا سقط منديل الطعام بادر وأعاده إليها، فلما روت زبيدة هذه الأمور قامت النساء وحررن عريضة لبونابرت ليحمل أزواجهن على معاملتهن بمثل ما يعامل مينو زوجته زبيدة”. وكان حق المشاركة في الطعام أمرًا هائلًا بالنسبة للمصريات، ولا شك أنه وقر في ذهننا صورة أسرة السيد أحمد عبد الجواد في “ثلاثية نجيب محفوظ” حين يجلس إلى الطعام وزوجته وبناته واقفات ينتظرن دورهن.
لم تكن هذه المسائل الترفيهية هي فقط مؤشرات تغير المرأة، فقد كانت ترفض الإجراءات التي تقوم بها الحملة لهدم البيوت، ففي إحدى المرات احتجت السيدات الساكنات في البيوت المراد هدمها، وخرجن في مظاهرة احتجاجية صاخبة، وذهبن إلى مقر إقامة بونابرت بالأزبكية- قصر الألفي- وأعلن رفضهن لما يحدث، فاعتذر القائد وتوقفت أعمال الهدم.
وكان اشتراك المرأة خلال سنوات الحملة القصيرة في ثورتي القاهرة الأولى والثانية، قد شجعها على المشاركة التدريجية في الحياة العامة، حتى إنها قادت بعد خروج الحملة عدة مظاهرات ضد ولاة الأتراك، منها الثورة ضد حاكم القاهرة عند قتله لأحد أبناء حي باب الشعرية؛ مما اضطره لدفع جزية كبيرة لأهل الحي.
وأهمها: عندما أسرف ولاة الترك في فرض الضرائب الجائرة على الشعب، فخرجت نساء حي بولاق وهن يحملن الدفوف وبعض الأدوات المنزلية من النحاس، صائحات منشدات الكلمات التي صارت على ألسنة المصريين بعد ذلك، وهي: “إيش تأخذ يا برديسي من تفليسي”، ووصلن إلى جامع الأزهر مطالبات برأس عثمان البرديسي، مما أقلقه هو وأمراء المماليك. وبتلك الممارسة المجتمعية والاحتجاج تولد عند المرأة المصرية في سنوات التغيير تلك.
    ولكن على الرغم من كل هذا كانت أحوال المرأة المصرية في مطلع القرن العشرين غاية في التأخر، ولكن تضافرت عدة عوامل لإيقاظ الحركة النسائية. 
كان محمد عبده مفكرًا دينيًّا مجتهدًا وملتزمًا، وقد نادى محمد عبده بالإصلاح فيما يختص بالمرأة في عدة نقاط من حياته، من أهمها: المقالات التي نشرها في جريدة “الوقائع المصرية” في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وفى “المنار” وهي جريدة أسبوعية في التسعينيات من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وربما كان محمد عبده أول من قال بما زال يقول به دعاة النسوية المسلمون الآن، وهو أن الإسلام -وليس الغرب كما يدعي الأوربيون- هو أول من اعترف بإنسانية المرأة الكاملة والمساوية لإنسانية الرجل.
وبحلول التسعينيات من القرن التاسع عشر، أصبحت الدعوة إلى تعليم المرأة وإلى الإصلاحات التي تؤثر على وضعها أكثر وضوحًا، فقد شرعت المرأة في الدعوة لقضيتها بنفسها في الجرائد والمجلات النسائية التي ظهرت في ذلك الوقت؛ فقد صدر من “عائشة التيمورية” أول صوت نسائي يتكلم عاليًا في مصر، بالرغم من كونها أديبة وشاعرة، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر دورها الريادي في الحركة النسائية، فكما كان الشعر ديوان العرب، صار الأدب أداة تغيير المجتمع، ومعيارًا في الوقت ذاته للتغيير، وكان أهم ما كتبته: (مرآة التأمل في الأمور)، الذي من خلاله ناشدت الرجال أن يستمعوا لها ورجتهم أن: “لا تنبذوا خطاب هذه الضعيفة” التي هي المرأة.
وقد لبى الرجال هذه الدعوة بداهة واختيارًا، فالنقد الاجتماعي الذي سيعالجه قاسم أمين سبقته التيمورية بهذه الدعوة إلى الإصلاح؛ حيث وضع قاسم كتابًا بالفرنسية رد به على الدوق دراكو عام 1894م، وعقليته لم تتفتق فيه عن تلك الثورة النبيلة الكامنة، ولم يصدر كتاب “تحرير المرأة” الذي بسط فيه نظرياته الجريئة إلا بعد سنوات عام 1899م؛ حيث أردفه بكتاب “المرأة الجديدة”. وتقدمها وبين وضعية النساء؛ حيث يشير إلى أن تقاليد الأمم المتحضرة لا بد وأن تختلف عن التقاليد المرتبطة بالجهل والبربرية. وكان قاسم أمين واضحًا في اشارته إلى أن ضعف المصريين وعجزهم كان نتيجة حرمانهم من التعليم الأول، فتحت عنوان: “الأمهات والأمة” عرض أمين النقد الأوربي رابطًا إياه بنظرية داروين، ومبدأي الاختيار الطبيعي، والبقاء للأصلح.
وهكذا انصب اهتمام قاسم أمين على المرأة باعتبارها هي المسؤولة عن تنشئة رجال المستقبل؛ كما حملت لواء تعليم المرأة زينب فواز في كتابها (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور)، وفي مقالتها في مجلة “المقتطف”. وعلي أية حال شهدت تلك الفترة زخمًا قويًّا في الصحافة النسائية، فأصدرت هند نوفل المجلة النسائية الأولى (الفتاة) عام 1892م، ثم صدرت مجلات مثل: (أنيس الجليس) لألكسندرا أفرينوه عام 1898، و(فتاة الشرق) للبيبة هاشم عام 1906م، و(الريحانة) لجميلة حافظ عام 1907، و(الجنس اللطيف) لملكة سعد عام 1908، وترقية المرأة  لفاطمة راشد عام 1908م، و(فتاة النيل) لسارة الميهية 1913م، وكذلك ظهرت مجلة (العفاف) عام 1910، والتي تميزت بكاتباتها من النساء وإن كان صاحبها هو سليمان السليمي؛ كما لا ننسى ريادة ملك حفني ناصف باحثة البادية، التي كانت صاحبة أول صوت نسائي يدوي مطالبًا بحقوق المرأة كاملة وإنصافها، وكانت تنشر مقالاتها في جريدة (الجريدة)، ثم جمعتها في كتابها النسائيات.
كما كتبت النساء مقالات في الصحافة العامة ليست النسائية فقط، ولكن اتجهن بشدة لاستخدام الأسماء المستعارة حفاظًا على سمعة وشرف عائلاتهن؛ حيث كانت التقاليد تحرم ذكر اسم المرأة، وكان الرجل لا يذكر اسم قريباته من نساء الأسرة، حتى الأميرة نازلي فاضل سليلة العائلة الخديوية كانت تكتب للصحافة بدون توقيع.
ولا بد أن نذكر هنا دور مجلة أسبوعية لها دور بارز في تلك الفترة، هي مجلة (السفور)، التي كانت تبحث عن تحرير المرأة من قيود الجهل والعادات العقيمة، وقد ضمت كُتابًا مثل: محمد حسين هيكل، ومنصور فهمي، وطه حسين. بالإضافة إلى كاتبات من النساء حجبن أسماءهن كما هي العادة، مكتفيات بأسماء مثل: (مصرية) (عالية) (زهرة).
وقد اعتَبَر كُتاب السفور المرأة رمزًا لتخلف الأمة، وبالتالي كانت محل اهتمامهم، فقد مَثَّل هؤلاء الجيل الليبرالي المتطلع عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، ورأوا أن طريق النهضة المصرية ينبغي أن يسترشد بالنهضة الأوربية، ولم يأبه هؤلاء باتهامهم بأنهم ناقلوا تعاليم إفرنجية، فقد كانت حجتهم أن طبيعة الموقف الحضاري نقل آثار الأمم المتقدمة عليها، وهذا لا يعني القبول بطمس الذات.
وعقد هؤلاء الكتاب في السفور مقارنة بين أوضاع المرأة المصرية، ونظيرتها الأوربية بالقول: “الفرق بيننا وبينهم هائل جدًّا، وهذا الفرق طبيعي؛ فإن القوم هناك ذاقوا حلاوة رقي المرأة، فأرادوا الزيادة من تلك، أما نحن فإننا نشرب المر من جهل نسائنا، فننفر حتى من حديث إصلاحهن، ولا نمد لإنقاذهن يدًا، وجدير بالذكر أن هذا الرأي ذيل بتوقيع (شارب مر).
بالتوازي مع جملة المتغيرات تلك، كان هناك متغير طارئ يتعلق بتعليم المرأة؛ حيث اعتبر رفاعة رافع الطهطاوي أول داعية لتعليم المرأة في مصر بل في الشرق كله؛ فقد كان عضوًا في لجنة تنظيم التعليم عام 1836م، التي اقترحت تعليم البنات في مصر، غير أن الاقتراح لم ينفذ؛ لأن المجتمع المصري لم يكن على استعداد لقبول هذه الفكرة.
   وبعد عدة سنوات أصدر كتابه “المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين”، وذلك عندما عزم الخديوي إسماعيل أن يفتح أبواب العلم أمام الفتيات، وفي العام التالي أنشئت “جشم آفت” هانم أول مدرسة لتعليم البنات في مصر، وكان اسمها عند التأسيس: “مدرسة السيوفية” ثم استبدل باسم المدرسة السنية عام 1889م. وفي عام 1900 دخلت البنات لأول مرة امتحان الشهادة الابتدائية، ويذكر أن نبوية موسي التي تخرجت من مدرسة السنية قررت الدراسة بنفسها للتقدم لامتحان البكالوريا، رغم معارضة دنلوب مستشار وزارة التعليم، واجتازت الامتحان، وظلت لسنوات هي الوحيدة الحاصلة على هذه الشهادة، وتدرجت في العمل بمجال التدريس حتى أنشئت مدرسة بنات الأشراف، التي ضمت سميرة موسى (التي ستصبح أول عالمة مصرية في مجال الذرة) بين طالباتها.
في عام 1908 اجتمعت النساء المصريات وكوَّنَّ جمعية ترقية المرأة، وهي أول منظمة مصرية من نوعها في مصر، مع إصدارها لمجلة شهرية تدعو لأهداف الجمعية الفكرية للنساء المصريات والتي تأسست عام 1914، وكان من بين عضواتها هدى شعراوي، ومي زيادة الكاتبة والمفكرة النسوية. وجمعيات أخرى، مثل: جمعية نهضة المرأة المصرية، وجمعية المرأة الجديدة، وجمعية أمهات المستقبل.
وأخذت المرأة المصرية على عاتقها إنشاء الجمعيات والمؤسسات التي تقدم خدماتها للمرضى والأيتام والمشردين؛ فقد فكرت هدى شعراوي والأميرة عين الحياة في تمصير العمل الأهلي؛ حيث كانت الليدي كرومر فخورة بإنشائها مستوصفًا يحمل اسمها، فقررتا إنشاء مستوصف باسم الأميرة عين الحياة، كان نواة لجمعية خيرية كبرى ساهمت فيها سيدات مصر بكافة شرائحهن، هي مبرة محمد علي التي أدارتها مجموعة من نساء الطبقة العليا من الريف والحضر، ومن خلفيات دينية متعددة، واللاتي حصلن على التمويل اللازم للأنشطة من خلال الأسواق، والحفلات الخيرية، واليانصيب، والتبرعات.
وجدير بالذكر أن سيدات النخبة لم ينشئن المنظمات لصالح أخواتهن الفقيرات فحسب، بل أيضًا من أجل تقدمهن الشخصي والفكري، فكوَّنَّ النوادي الاجتماعية، والجمعيات الثقافية، والصالونات الأدبية، وأمدت تلك الجهود النساء بساحات للتلاقي ومناقشة الاهتمامات الفكرية والاجتماعية والسياسية؛ كما مثلت في أحوال كثيرة أماكن للتدريب على الأحاديث العامة وإلقاء المحاضرات.
كان افتتاح الجامعة المصرية حدثًا متفردًا، ليس في تاريخ التعليم والنهضة الثقافية فقط، بل كان حدثًا مهمًّا له بعده السياسي؛ حيث ستكون الجامعة بأساتذتها وخريجيها مؤسسة وطنية في مواجهة الاحتلال. وحمل دعاة الإصلاح ورجال الحركة الوطنية، مثل: الإمام محمد عبده، وقاسم أمين، ومصطفي كامل، الدعوة للاكتتاب لإنشاء الجامعة، وكان للأميرة فاطمة إسماعيل مساهمة جليلة في إنشائها؛ حيث تبرعت بمجوهراتها وأوقفت أراضيها وأملاكها لهذا المشروع الوطني، وعلى الرغم من كل ما بذلته الأميرة فاطمة، لم يسمح لها بحضور حفل الافتتاح، وأنابت عنها الأمير عمر طوسون؛ فقد منعتها من المشاركة تقاليد المجتمع المصري، التي ما كانت تسمح لامرأة - حتي لو كانت ابنة الخديوي - بحضور حفل عام، أو تكون موضع تكريم منه.  
   ولكن أتيح للمرأة أن تستفيد من إنشاء الجامعة عندما اقترحت هدى شعراوي إقامة محاضرة للآنسة مرجريت كليمان، التي كانت تزور مصر تحت رعاية مؤسسة كارينجي، وكانت المحاضرة للمقارنة بين حياة المرأة الشرقية بمثيلتها الغربية.
وتبع ذلك سلسلة المحاضرات النسائية، وذلك في أيام الجمعة بعيدًا عن أعين الرجال، ومن أهم المُحاضِرات الاتي كن يحاضرن فيها: ملك حفني ناصف، ونبوية موسى، ورحمة صروف. وحضرت المحاضرات السيدات من الطبقة الراقية، والمشتغلات بالصحافة والكتابة النثرية والشعرية، إضافة إلى أميرات الأسرة العلوية، حتى بدأت الأقلام تطالب بإنشاء جامعة مستقلة للنساء.
وهكذا نسج المصريون رجالًا ونساءً خيوطًا دقيقة رقيقة، لها ملمس الحرير، وصلابة الحديد، تمثلت في الصحافة النسائية، تعليم المرأة، والأدب النسائي، والجمعيات الخيرية، وإنشاء الجامعة المصرية، وتجمعت هذه الخيوط وتلاقت لكي تصنع امرأة جديدة في تاريخ مصر، وكان المحك الحقيقي لظهور هذه المرأة هو ما عانته مصر من ويلات الحرب العظمى، والأمل الذي بدا متوهجًا بعقد مؤتمر الصلح بباريس، وإعلان ويلسن مبادئه الأربعة عشر، التي أهمها: حق الشعوب في تقرير المصير. فحثت الحركة الوطنية الخطى للسفر لعرض القضية المصرية وحدثت كل التداعيات التي ظهرت فيها المرأة المصرية، وحدثت كل التداعيات التي ظهرت فيها المرأة المصرية بهذه الإطلالة الجديدة كما سنرى...
فعندما رفضت بريطانيا سفر الوفد الموكل من الأمة المصرية، وألقت القبض على سعد زغلول ورفاقه، هب الشعب المصري ثائرًا، ويبدو أن حركة جمع التوكيلات أسفر الوفد والتي انتشرت في جميع أوساط وطبقات وفئات الشعب المصري في مدنه وقراه، أدت إلى حالة من الفهم الحقيقي لقضية الوطن، ووقرت هذه الحالة في الوعي الجمعي المصري، وأدت إلى اختمار ثوري حقيقي في نفوس المصريين، كان اعتقال سعد بمثابة الشرارة التي أشعلت نيران هذه الثورة وأطلقتها من الصدور.
بدأت الثورة بمظاهرات سلمية نظمها الطلبة يوم الأحد 9 مارس؛ إذ أضربوا عن تلقي الدروس وخرجوا من مدارسهم، وساروا بادئ الأمر في نظام وسكينة تتقدمهم الأعلام هاتفين بحياة الوفد المصري، وسقوط الحماية البريطانية، وكان طلبة مدرسة الحقوق أول المضربين؛ حيث أعلنوا إضرابهم وخاطبوا ناظرهم المستر والتون بقولهم: “نحن لا ندرس القانون في بلد يداس فيه القانون”، وخرجوا إلى الشارع متظاهرين، وانضم إليهم طلاب المهندسخانة والزراعة، ثم عبروا النيل وتوجهوا إلى مدرسة الطب بقصر العيني، وانضم إليهم طلاب مدرسة التجارة العليا بالمبتديان، وطلاب مدرسة دار العلوم. وفي اليوم التالي امتدت الإضرابات والمظاهرات إلى الأزهر، وانضمت جموع الشعب.
وفي اليوم الثالث اتسعت الثورة، وأضرب سائقو الترام وسائقو الأجرة، ووجهت القيادة البريطانية إنذارًا شديد اللهجة للمواطنين تذكرهم فيه بأن الأحكام العرفية ما زالت مفروضة على البلاد، وأن المحاكمات العاجلة تنتظر المتظاهرين والمتجمهرين، ولكن الثورة كانت قد بدأت تتحرك، وكانت ككرة الثلج تكبر كلما تحركت.
أولى المظاهرات النسائية خلال الثورة:
سجل الرافعي المظاهرة النسائية الأولى في 16 مارس 1919 قائلًا: “لقد سارت السيدات في صفين منظمين، وجميعهن يحملن أعلامًا صغيرة، وطفن بالشوارع الرئيسية في موكب كبير هاتفات بحياة الحرية والاستقلال، وسقوط الحماية، فلفتت مواكبهن أنظار الجماهير، وأذكت في النفوس روح الحماسة والإعجاب، وقوبلن في كل مكان بالهتاف والزغاريد، وخرج أهل القاهرة رجالًا ونساء لمشاهدة هذا الموكب البهيج، الذي لم يسبق له مثيل، وأخذوا يرددون الهتافات، ومرت المظاهرات بدور القنصليات ومعتمدي الدول الأجنبية لتقديم الاحتجاج المكتوب، ولكن الجنود الإنجليز لم يدعوا هذا الموكب البريء يسير في طريقه، فما إن وصلت المتظاهرات إلى شارع زغلول يردن الوصول إلى بيت الأمة، ضربوا حصارًا حولهن ومنعوهن من السير مسددين إليهن بنادقهم وحرابهم مهددين، وظل الجميع كذلك زهاء ساعتين تحت وهج الشمس المحرقة دون أن يخور عزمهن، بل زادهن صلابة، وتقدمت إحداهن تحمل العلم إلى أحد الجنود وقالت له قولتها الشهيرة: “نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك في صدري لتجعلوا في مصر مس كافيل ثانية”. فخجل الجندي وسمح لهن بالسير، وقدمن احتجاجًا على هذه المعاملة الغاشمة أرفق باحتجاجهن الأول لمعتمدي الدول.  
وجاءت مذكرة النساء كما يلي: “يرفع هذا لجنابكم السيدات المصريات، أمهات وأخوات وزوجات من ذهبوا ضحية المطامع البريطانية، ويحتججن على الأعمال الوحشية التي قوبلت بها الأمة المصرية الهادئة، لا لذنب ارتكبته سوى المطالبة بحرية البلاد واستقلالها؛ تطبيقًا للمبادئ التي وعد “ولسون”، وقبلتها جميع الدول محاربة أو محايدة، نقدم لجنابكم هذا ونرجو أن ترفعوه لدولتكم المبجلة؛ لأنها أخذت على عاتقها تنفيذ المبادئ المذكورة، والعمل عليها، ونرجو إبلاغها ما شاهده رعاياكم المحترمون من أعمال وحشية، وإطلاق الرصاص على الأبناء والأطفال والأولاد والرجال العزل من السلاح، بمجرد احتجاجهم بطرق المظاهرات السلمية على منع المصريين من السفر للخارج لعرض قضيتهم على مؤتمر السلام، أسوة بباقي الأمم، وتنفيذًا للمبادئ التي اتخذت أساسًا للصلح التام، ولأنهم أيضًا على اعتقال بعض رجالهم وتسفيرهم إلى جزيرة مالطة”.
ومهما يكن من أمر، فقد هزت مظاهرات النساء مشاعر الأدباء والشعراء، وسجلوا هذا الحدث الخطير في تاريخ مصر السياسي، وعلى رأسهم حافظ إبراهيم الذي كتب: 
خرج الغواني يحتججن         ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن تخذن من           سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب            يسطعن في وسط الدجنة
وأخذن يجتزن الطريق          ودار سعد قصدهنه
يمشين في كنف الوقار        وقد أَبَنَّ شعورهنه 
وإذا بجيش مقبل             والخيل مطلقة الأعنة
وإذا الجيوش سيوفها         قد صوبت لنحورهنه
وإذا المدافع والبنادق        والصوارم والأسنة 
والخيل والفرسان قد          ضربت نطاقًا حولهنه
والورد والرياحين في       ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشان ساعات     تشيب لها الأجنة
فتضعضع النسوان والنس     وان ليس لهن مُنة
ثم انهزمن مشتتات الش     مل نحو قصورهنه
فليهنأ الجيش الفخور        بنصره وبكسرهنه!
فكأنما الألمان قد          لبسوا البراقع بينهنه
وأتوا بهندنبرج مختـ      ـفيًا بمصر يقودهنه
فلذاك خافوا بأسهن      وأشفقوا من كيدهنه!
فكأنما الألمان قد           لبسوا البراقع بينهنه   
شهيدات الثورة، واتساع المشاركات النسائية:
وعندما حدث الصدام والمواجهة بين المتظاهرات وجنود الاحتلال، وسقطت شهيدات مصر، فكانت أول شهيدة في ثورة 1919 شفيقة بنت محمد عشماوي، وقالت هدى شعراوي عنها في مذكراتها: “لن أنسى الأثر المحزن الذي أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية، وقد تجلي ذلك في تشييع جنازاتها التي شاركت فيها كل طبقات الأمة، حتى صارت جنازاتها مظهرًا من مظاهر الوطنية المشتعلة”. كانت شفيقة ابنة مقاول، وهو أحد أعضاء أحد الأحزاب السياسية المصرية التي تنتمي إلى التيار الليبرالي، وكان انغماس والدها في الحياة السياسية قد ساهم في تولد الثورة داخلها، وكان لحي الخليفة الذي سكنته دور كبير، فهذا الحي كما وصفه الرافعي: “الخليفة كان يشهد ثورة من نوع خاص، فهي ثورة أولاد البلد الذين عرفوا ألف باء الوطنية المصرية بمنطق الحارة والأخوة والجيرة الحسنة”.
وسقطت أخريات شهيدات، منهن: نعيمة عبد الحميد محمد من كفر الشوام مركز إمبابة، وفاطمة محمود، ونعمات محمد، وحميدة سليمان من مدينة الفيوم، أيضًا أم محمد جاد من قليوب، ويمن صبيح من الشرقية، وفي 23 مارس استشهدت سيدة بدران من قرية كفر الوزير دقهلية، وفي نفس الوقت قامت مذبحة في ميت القرشي دقهلية، واستشهد كثيرون ومن ضمنهم عروس تدعى (صديقة)، كانت تزف إلى عريسها، وفي 27 مارس هجم الإنجليز على قرية تفهنا الأشراف، وقتلوا كثيرًا من الأهالي بما فيهم الشيوخ والأطفال والنساء، يحتفظ التاريخ باسم واحدة منهن هي رقية أحمد متولي، وقبل ذلك بأيام قلائل في 24 مارس أغارت طائرتان بريطانيتان بالقنابل على مدينة أسيوط، فاستشهد العشرات في هذا الهجوم، وفقد المحامي الشرعي ابنته (فائقة محمد) التي ماتت بعدها بأيام في 10 أبريل 1919، وفي 12 أبريل اشتركت نساء القاهرة في تشييع شهدائها، وهتف المشيعون بسقوط الاحتلال، فأطلق جنوده الرصاص على أهالى القاهرة وسقطت شهيدات مع من سقط من الرجال، ومن هؤلاء الشهيدات: (حميدة خليل) من حي الجمالية، و(سيدة حسن) من حي عابدين.
وتظل حكاية (دولت فهمي) مثيرة للإعجاب والشفقة في آن واحد، فلقد كانت ناظرة مدرسة، وطلب الجهاز السري للثورة أن تعترف بأن الطالب عبد القادر شحاتة كان يبيت عندها حتى تنقذ الجهاز السري للثورة؛ خشية أن يتم الكشف عن كل أفراده إذا اعترف عبد القادر بالعملية الفدائية، وبالفعل قبلت دولت أن تقوم بهذه التضحية، وعندما علم أهلها بذلك قتلوها.
وأدى سقوط الشهيدات إلى مزيد من المشاركة النسائية، حتى إن المظاهرات ضمت فنانين وفنانات من المحبين لمصر، ومنهم: “روز اليوسف” الشامية الأصل، التي تمثل من عشق الوطن، فرغم كونها من أصول غير مصرية إلا أنها تحسب على النهضة الفنية والصحافية المصرية.
لقد ظلت روزا تعمل في مسرحها رغم الظروف السيئة وقلة عدد المشاهدين؛ لأنها كثيرًا ما كانت تخفي الثوار من مطاردة الجنود الإنجليز لهم، وتزعمت روزا ومعها ماري إبراهيم مظاهرة للفنانين سار فيها جورج أبيض، ومحمد عبد القدوس، وزكي طليمات، ونجيب الريحاني، والعاملين بالمسرح والكومبارس. وسارت المظاهرة تقطع ميدان الأوبرا أمام فندق كونتيننتال، ومن حولها سارت جنازات الشهداء وصيحات الجماهير، ثم عادت ثانية إلى مسرح برنتانيا.
ويذكر أن روزا أصدرت بعد الثورة بعدة سنوات جريدة تحمل اسمها، وتذكر أن إعجابها بشخصية سعد زغلول من أهم أسباب تحولها للاهتمام بالسياسة، وتحول مجلتها للموضوعات السياسية التي كانت تناصر سعدًا في مقابل هجوم مجلة الكشكول، وبلغ من تأييدها ودعمها للوفد أن أصبحت الصحف المنافسة تطلق على الوفد اسم: حزب روز اليوسف.
وكانت هناك أسماء تجاهلها التاريخ لفنانات كن يدعمن الثورة بوصفهن مصريات، وكن يتغنين بسعد زغلول ورفاقه، فمثلًا عندما منعت سلطات الاحتلال أن يذكر أحد اسم سعد زغلول، كتب بيرم التونسي لمطرب الثورة سيد درويش: (يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح)، وغنتها المطربة نعيمة المصرية في صالات روض الفرج ووسط القاهرة، كما غنت رتيبة أحمد أغاني سيد درويش في مسرحيات علي الكسار.
وقد وجهت هدى شعراوي خطابًا لليدي برونيت زوجة وليم برونيت المستشار بدار الحماية البريطانية عقب هذه المظاهرة، ذكرتها قائلة: “في هذه الظروف الحزينة التي تجتازها بلادنا الآن، أذكرك بمحادثتنا عن نتائج الحرب المؤلمة، وكنت تؤكدين لي إذا ذاك أن بريطانيا العظمي نزيهة في اشتراكها في هذه الحرب، وأنها لم تسهم فيها إلا لخدمة العدل والإنسانية، ولكي تدافع عن حرية الشعوب المظلومة وحماية حقوقها، فما رأيك يا سيدتي في حكومتك إذ تعطي لنفسها حق بسط الأحكام العرفية في زمن السلم وتنفي أنا سأحرر بلادهم لا يطلبون إلا أن يعيشوا أحرارًا فيها؟ وما قولك في جنودكم الذين يجوبون شوارع مصر الهادئة بالمدافع الرشاشة، يطلقونها على شعبها الأعزل إذا ارتفعت أصوات أفراده مطالبين بالحق والحرية التي بذلتها إنجلترا في خدمة الإنسانية والعدالة؟.
في 20 مارس 1919 تكررت المظاهرة، فسارت المتظاهرات رافعات الأعلام المكتوب عليها بالعربية والإنجليزية والفرنسية عبارات الاحتجاج على سفك الدماء، مطالبات بالاستقلال حتى وصولهن إلى بيت الأمة، فضرب البوليس والجنود الإنجليز الحصار حولهن، ولم يفك عنهن إلا بعد توسط القنصل الأمريكي، وأرسلن احتجاجهن إلى قناصل الدول.
وفي 28 مايو أعلنت شروط الصلح التي قررها الحلفاء، وسلمت إلى الوفد الألماني في مؤتمر فرساي، فجاءت النصوص الخاصة بمصر (المواد 1947-154) مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر، وقبلتها ألمانيا ضمن ما قبلت من شروط الصلح، الأمر الذي دفع المصريين لاستكمال احتجاجهم.
وأدت هذه المشاركات المتوالية للمرأة المصرية في فعاليات الثورة، إلى أن شعرت المرأة بالثقة، وبقدرتها على المساهمة مع الرجل في الأعمال القومية، والتي عرف عنها أنها من اختصاص الرجل وحده؛ كما أن خروج المرأة المصرية عن المألوف دفع العديد من الصحف الأجنبية، مثل: صحيفة «الصنداي إكسبريس» و«الديلي نيوز» و«التايمز» اللندنية لأن تنشر أنباء الثورة المصرية، وتأخذ أحاديث من بعض نساء مصر عن الثورة، ورأيهن في الاحتلال الإنجليزي، وهذا لعنة أنظار الرأي العام العالمي والمنظمات النسائية الدولية لوضع المرأة المصرية الجديد وبأهمية القضية المصرية، فدعاها الاتحاد النسائي الدولي إلى إيفاد مندوبات عن نساء مصر لحضور المؤتمر الذي عقد بجنيف عام 1920م، بيد أن النساء المصريات لم يكن على استعداد لتلبية الدعوة لاستمرار أحداث الثورة؛ لتهيبهن من السفر للخارج وحضور مؤتمرات دولية، غير أنه مع استمرار وتصاعد العمل النسائي وتشكيل تنظيم نسائي لاحقًا، بدأت المرأة المصرية تشارك في هذه المؤتمرات الدولية.
تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات: الأبعاد والدلالة:
ففي 13 ديسمبر 1919، اجتمع عدد كبير من نساء مصر يتباحثن، وعرف الاجتماع باسم: «اجتماع الكاتدرائية المرقسية»، وكان اختيار المكان له دلالته الهامة؛ إذ لم يشعر المصريون باختلاف الديانات، بل كان شعار «يحيا الهلال مع الصليب» هو شعار الثورة، وشارك القساوسة في الخطب الحماسية، بل واعتلوا منبر الأزهر، وأشهرهم القمص سرجيوس الذي أشعلت خطبه في الأزهر جموع المصريين.
وقد صاحب تشكيل الوفد المصري فكرة إشراك العنصر النسائي في هذه المنظمة الوطنية الجديدة، وبناء عليه اجتمعت السيدات في الكنيسة المرقسية في 8 يناير 1920م، وأدرن الانتخابات للإعلان عن تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، وفازت هدى شعراوي بأعلى الأصوات فأصبحت رئيسة اللجنة. وقد نص قانون لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات، على أن مهمة هذه اللجنة: مساعدة اللجنة المركزية للوفد المصري في تبليغ الوفد المصري أماني السيدات المصريات، والسعي بكل ما يمكنها (أي: لجنة السيدات) لاستمرار المطالبة باستقلال مصر استقلالًا تامًّا ... وأن تقوم هذه اللجنة ما دام العمل الذي انتدب لأجله قائمًا... وتصدر القرارات بأغلبية الآراء.
ولم يكد يعلن عن قيام لجنة الوفد المركزية للسيدات، حتى انهالت عليها التوكيلات الصادرة من المواطنات في القاهرة والأقاليم.
ومنذ تشكلت لجنة الوفد المركزية للسيدات، بدأت مرحلة من الجهاد المنظم والمنتظم، وكانت اللجنة تنعقد باستمرار للنظر في مجريات الأحداث التي تمر بها البلاد، وقد انعقدت الجلسة الأولى للجنة يوم 16 يناير لانتخاب الوكيلة، وأمينة الصندوق، والسكرتيرة، وكان الاجتماع يوافق اليوم الذي خرجت فيها مظاهرة النساء ضد لجنة ملنر، وأعربت اللجنة عن رفضها للمعاملة السيئة التي تُعامل بها النساء في المظاهرات؛ كما رفضت اللجنة في بيانها بلاغ ملنر الذي ينطوي على الغموض والإبهام تجاه المطالب الوطنية.
وبذلك خلق أول تجمع نسائي سياسي في مصر الحديثة، وكان من عضوات اللجنة غير زوجات أعضاء الوفد، رائدات نسائيات، خاصة اللواتي حملن لواء الصحافة النسائية في العشرينيات والثلاثينيات، وكانت هذه اللجنة نواة الاتحاد النسائي المصري، الذي ظل لاحقًا يتزعم الحركة النسائية في مصر منذ إنشائه عام 1923 حتى نهاية الخمسينيات.
عودة المظاهرات النسائية تُلهب حماس المجتمع المصري لاستمرارية المواجهة ( 16 يناير 1920):
 أما عن مظاهرة 16 يناير 1920، فقد قامت السيدات بمظاهرة في العاصمة تأييدًا للوفد، ومنادية بالاستقلال، ومعادية للجنة ملنر، وقد كتب عنها عبد الرحمن فهمي تقريره للوفد بتاريخ 17 يناير 1920م، وذكر فيه:
«قامت بعض السيدات المصريات بعد ظهر أمس بمظاهرة لطيفة، قامت من ميدان المحطة إلى لوكاندة شبرد، وهناك هتفن لسينوت حنا بك المقيم بها، وللوفد المصري ورئيسه، وللاستقلال التام، ولما علا هتافهن خرج كل من كان باللوكاندة ووقفوا على التراس، ولما وقع نظر السيدات على بعض الضباط الإنجليز الذين كان يتقدمهم أحد الجنود، أخرجت كل واحدة من تحت إزارها علمًا مصريًّا صغيرًا وصحن بأعلى أصواتهن: «لتحيا مصر حرة مستقلة، ليحيا الاستقلال التام، ليحيا الوفد المصري، ليحيا سعد زغلول باشا، ليسقط ملنر»، وكانت النداءات باللغة الإنجليزية، ثم استمرت المظاهرة في سيرها نحو نادي رمسيس، وهتفت السيدات للاتحاد بين عنصري الأمة، وهنا أتي البوليس الإنجليزي ومعه فرق من البوليس المصري وفرقهن.  
وتحكي هدى شعراوي في أوراقها الشخصية تفاصيل أخرى لم يذكرها عبد الرحمن فهمي، فتقول: «إن التفاف بعض أفراد الشعب حول السيدات دفع الحكمدار الإنجليزي (راسل باشا) وجنوده للتصدي للمتظاهرات بالضرب، ولم تجد النساء بدًّا من إلقاء أنفسهن في النيل، واستخدمن القوارب في الشاطئ الآخر، وكان منظر النساء وهن يخرجن من الماء محجبات وملابسهن مبتلة، وما يشعرن به من تعب وإرهاق ومشقة وفوضى لملابسهن الثقيلة بعد ابتلالها بالماء في هذا الوقت من الشتاء، يدعو إلى الحقد على الاستعمار، والتقدير لهؤلاء النسوة اللائي عانين من أجل مصر».
وقابلت مصر هذه المشاركة بالإكبار، ولم يعترض الرافضون، وأصبح أشد أنصار القديم جمودًا يسيرون في المظاهرات جنبًا إلى جنب مع زوجاتهم وبناتهم، ودون خطب النساء الحماسية في المساجد، فنرى إحدى الخطيبات يرتفع صوتها في مسجد السيدة زينب تشجع وتؤيد وتوقد نار الثورة، بعدما كانت المرأة تناضل في السنوات السابقة على الثورة من أجل الحصول على حق التردد على المساجد أسوة بالرجال.
وأسهمت المرأة في حالة الاضطراب التي صاحبت مجيء لجنة ملنر، فقامت بدور فعال في الإضرابات العمالية التي شهدتها تلك الفترة؛ إذ قمن بمهمة قنص «مخربي الإضرابات».
كما ساهمت في إنجاح إضراب الموظفين، فذهبت السيدات ووقفن على أبواب الدواوين لمنع الموظفين المتخاذلين من الدخول إلى مكاتبهم، وبعضهن انتزعن أساورهن وحليهن وقدمنها لهم قائلات: «إذا كان أحدكم في احتياج لمرتبه، فليأخذ هذه الحلي ولا تسودوا وجوهنا بالرجوع إلى أعمالكم بعد صدور الإنذار البريطاني».
وبذلك أعطت الثورة الثقة للمرأة، بعد أن شاركت بنصيب له ثقله فيها، وأصبح دورها موضع الحديث في كل مكان، ومن ثم تخلصت فكرة تحرير المرأة من قيودها القديمة، ودخلت مرحلتها العملية.
كانت النساء يركبن عربات الترام بلا أجر ويصحن: «يسقط ملنر» ملوحات بأعلامهن في وجه الأجانب.
وكتب فالنتين تشيرول مراسل التايمز الأجنبية واصفًا النساء اللاتي نزلن في تجمعات ضخمة للشوارع، وأنهن ينتمين للطبقات الراقية، يلففن أنفسهن في عباءات سوداء واسعة، بينما قلدتهن نساء الأحياء الفقيرة والحواري وخرجن إما سافرات، أو في ملابس أقل احتشامًا.
فكتب: «إن النساء في الريف اللاتي تأثرن أيضًا بإجراءات السلطة، قد اشتركن مع الرجال في نزع خطوط السكك الحديدية، وتحطيم أعمدة التلغراف، وكانت الحوارات التي حدثت في داخل البلاد». 
وكتب كاتب إنجليزي آخر هو «جورج يانج»: «إن الدور الذي لعبته المرأة المصرية منذ بداية العصيان الأخير، كان أكثر بروزًا عن مساهمة النساء في الحركات الوطنية في البلدان المجاورة».
عقدت لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات جلستها الثالثة في 30 يناير 1920، وقررت اقتراحًا بجعل صفية هانم زغلول رئيسة شرف وممثلة للجنة في باريس، وكانت قد أرسلت للجنة برقية قبل الاجتماع الأخير قائلة: «كانت ساعة مباركة تلك التي أصبحنا مستعمرات للمطالبة باستقلال بلادنا رغم كل المخاطر التي تحيط بها، ما كنا لنستطيع أن نعيش في مصر وهي محتلة بعدما ضحي أولادنا الأبرياء بأرواحهم لأجل أن تكون حرة إلى الأبد».
وجاء احتجاج اللجنة واضحًا فيما يتعلق بمشروع ري السودان خلال المفاوضات، على اعتبار أن الإنجليز وضعوه باعتبارهم أصحاب الشأن في السودان، مع أن مركز إنجلترا هناك غير شرعي، ولا يختلف في بطلانه عن مركزها في مصر؛ فهما قطر واحد لا يقبل التجزئة، وحقهما في الاستقلال لا يمكن إنكاره، وهكذا طالبت اللجنة بضرورة وقف المشروع وقفًا تامًّا حتى يفصل في مسألة مصر السياسية العامة؛ لأن البت فيه يجب أن يكون من اختصاص المجلس النيابي الذي يمثل مصر والسودان بعد أن ترد حقوقهما إليهما، وطالبت اللجنة الوزارة بأن تنضم إلى الأمة في رأيها، وتمنع تنفيذ هذا المشروع بجميع الطرق التي لديها، وإلا فعليها أن تتخلى عن منصبها حتى لا تتحمل تبعة هذا العمل الخطير. 
ثم عقدت اللجنة جلسة تاريخية في 9 مارس 1920 في منزل سعد زغلول، وأصدرت احتجاجًا على ما تقوم به بريطانيا على (جعل اجتماع الهيئات النيابية المصرية أو أعضائها جريمة تستوجب مثول أولئك الأعضاء أمام المحاكم العسكرية الإنجليزية، وذلك ليسكتوا صوت النواب، وهو أحق الأصوات بالسماع؛ لأنه من صوت الشعب، فكان هذا الاعتداء حلقة جديدة اقترفها الإنجليز في سبيل حمايتنا رغم أنوفنا، وبرهانًا آخر على أن إنجلترا لا تحترم الحرية، فإن تغنت بذكراها فما ذلك إلا للتغرير بالعالم، وذر الرماد في عيون الشعوب. 
وها هي جميع تصرفاتها إزاء الحركة المصرية السلمية منذ بدايتها إلى الآن لا تنطوي إلا على حكم القهر والإرهاب، والاعتداء على حرية الكتابة والعدل والاجتماع، وهي أركان الحياة الحرة. فالمظاهرات السلمية من جانب شبيبة الأمة وطلبتها تقابل برصاص البنادق والمدافع الرشاشة، ومظاهرات السيدات تقاوم بأسنة السيوف وضروب العنف والامتهان، ومجرد النداء بحياة الوطن والاستقلال يلقي بصاحبه في أعماق السجون، بل يؤدي إلى الأشغال الشاقة، والجهر بالحق في صحيفة يستنزل عليها الحكم بالتعطيل، وعلى مطبعتها بالإقفال، والاجتماعات تمنع بالقوة القهرية، والمدائن الكبرى تعاقب على المظاهرة التي تقوم فيها بحرمان سكانها من الرواح والمجيء، وإرغامهم على لزوم منازلهم بعد غروب الشمس، أما القرى فإن القصاص الذي ينزل بأهليها تشيب له الولدان.
    وهكذا بدا التغيير واضحًا على الحركة النسائية بعد انتظامها في تشكيل يشارك في قضايا الوطن، وبعد أن كانت على هامش الأمور السياسية، أصبحت مشاركة فيها وبقوة، ومساوية للرجل الذي لقبه من التشجيع حين أوصله تفكيره إلى المكاسب التي ستعود على حزبه بضم صوت المرأة وجهودها إليه.
النساء وسلاح مقاطعة المتاجر الإنجليزية:
 وفي تلك الفترة نشطت الحركة النسائية لدعم حركة المقاطعة، ليس سياسيًّا فقط، ولكن مقاطعة البضائع الأجنبية، مع الدعوة لرفع مستوى الصناعة المصرية، فكان إنشاء بنك مصر في 7مايو 1920م، ثم توالت شركاته، ويقال: إن هدى شعراوي هي التي فكرت فيه عن طريق إنشاء مصرف مالي، تودع فيه أموال المصريين بدلًا من البنوك الإنجليزية؛ كنتيجة عملية لتلبية نداء «لجنة المقاطعة»، وطلبت هدى شعراوي من المشرف على أعمال دائرتها المالية (طلعت حرب) أن يفكر في هذا الموضوع تمهيدًا لتنفيذه، غير أن طلعت حرب خشي من فشل المشروع؛ لعدم وجود المال المصري الذي يشغل مثل هذا المصرف، وردت عليه هدى شعراوي بأن أموال أسرتها وحدها كفيلة بإنجاح هذا الموضوع، وأنها تضع تحت أمر المشروع كل ما تملك، وهكذا خرج هذا المصرف الاقتصادي إلى الوجود، واكتتبت هدى شعراوي بمبلغ ألف جنيه كدفعة أولى، وحثت أفراد أسرتها وأصدقاءها ومعارفها على الاكتتاب في هذه المشروع؛ لكي يكتب لمصر الاستقلال الاقتصادي، الذي هو حجر الأساس للاستقلال السياسي.
نتيجة لعدم مشاركة المرأة في مشروع الاتفاق، أرسلت هدى شعراوي خطابًا إلى زعيم الأمة تحتج فيه؛ لأن مندوبي الوفد تجاهلوا دعوة لجنة المرأة كباقي الهيئات لإبداء آرائنا، وعندما قدمن طلبًا بذلك رفضوا معللين بأنه لا يجوز تدخل النساء في الأمور السياسية!
وكتبت له: «إنه لا يليق بالوفد المصري، الذي يطالب بحقوق مصر، ويعمل على نوال استقلالها، أن ينكر على نصف الأمة حقها فيه، ونحن نطرح أمام عدالتكم مسألتنا هذه كي نقف على رأي معاليكم فيها، متسائلين عما سيكون عليه مركز مصر والمرأة المصرية في المستقبل، ولنا في صائب حكمكم عظيم شفيع».
وقد رد سعد زغلول على هذه الرسالة برسالته المؤرخة في 27 أكتوبر 1920م، التي وضح فيها مدى تقدير سعد لدور المرأة؛ كما يلي: «أتأسف شديد الأسف لعدم تشرف حضرات مندوبي الوفد بعرض المشروع عليكن كما عرضوه على غيركن، ولكن أؤكد لحضراتكن أنهم لم يفعلوا ذلك استخفافًا بكن، أو إهمالًا لشأنكن، بل لظروف أجنبية عن هذا المعنى، ولو كنت فيهم لامتنع تأثير هذه الظروف، وتعين أن أقوم بشخصي بعرض المشروع عليكن، وتوضيح معانيه ومراميه؛ رغبة في الاستنارة بآرائكن التي لها المقام الأول من الاعتبار عندي وعند زملائي، ويسرني جدًّا أنكن مع ذلك فهمتن المشروع حق الفهم، وأبديتن فيه تحفظات أراها غاية في الأهمية، وأرى التشبث بها من خير أحبائي، وأني من أول من يرى أنه لا يمكن أن تتقدم هيئة اجتماعية بدون أن يشترك جنسكم اللطيف فيها، وأرجو أن تتفضلوا مع هذه الكلمات بقبول أطيب تحياتي».
ويقف هذا دليلًا على اعتراف سعد بدور المرأة، فلا ينسى له أنه في أول خطبة له عقب عودته من مالطة قال: «سادتي، وبودي أن أقول: سيداتي سادتي». ومع النمو السريع لما أحرزته المرأة وحصلت عليه، أشركها مع الرجل في خطبه، فكان ذلك إعلانًا عن حق مساهمة المرأة على مسرح السياسة، وكثرت تصريحاته التي نقلتها الوكالات الإخبارية بشأن حقوقها، وفك قيودها، وضرورة النهوض بها.
والحق: أن هدى شعراوي والطليعة النسائية كن محقات في الاعتراض على بنود مشروع الاتفاق، ناهيك عن الاعتراض على البنود الخاصة بوضع مصر الدولي وعلاقتها بإنجلترا، كانت هناك عدة مطالب لها ثقلها قررتها جلسة 25 سبتمبر 1920م، منها:
أن يحدد عدد الحامية العسكرية، ومعداتها، ومركزها، ومدة وجودها، على شرط أن يكون ذلك المركز بعيدًا عن المدن والعواصم، وأن تدفع الحكومة الإنجليزية أجرًا لهذه الأرض حتى لا تصير ملكًا لها، وأن يذكر صراحة بأن مهمة هذه الحامية المحافظة على قناة السويس فقط.
أن يسمى الموظف الإنجليزي الذي سيحل محل صندوق الدين بمراقبة صندوق الدين فقط، ولا يكون له صفة استشارية مطلقًا في الحكومة، وأن ينص صراحة على انتهاء وظيفته بمجرد سداد الدين؛ سواء كان ذلك بعمل قرض داخلي بواسطة الحكومة، أو انتقال أسهمه إلى أيدي المصريين.
لا داعي لبقاء المستشار القضائي بالمرة، ما دام للممثل البريطاني حق نقض القوانين المجحفة بالأجانب.  
أن يكون الممثل البريطاني كباقي ممثلي الدول، ولا يكون له مركز استثنائي في مصر بأي حال من الأحوال.
أن تستبدل عبارة (الضباط والموظفون) الإدارية في البند الرابع، بالعبارة الآتية: (الموظفون العسكريون والملكيون).
في 23 ديسمبر 1921 اقتحمت فصيلة من الجنود الإنجليز بيت الأمة، واعتقلت سعدًا.
وتحكي الصحفية الأمريكية «جريس تومسون سيتون» عن صلابة وكبرياء صفية زغلول عندما اعتقل زوجها، فقد شهدت اعتقاله وظلت هادئة ساكنة حتى غادر زوجها البيت، وقالت: «إن سعدًا سجين سيشيل، ولكنني هنا روحه الثانية، وزوجته التي تصون مكانه». كما ردت بعنف وبثقة على المندوب السامي عندما عرض عليها إمكانية مصاحبتها لزوجها بسيشيل؛ حيث قالت: «إنني سأظل في القاهرة، وسأعمل كل ما في وسعي لأتم عمل زوجي، أنتم تستطيعون أن تنفوا جسد سعد، ولكنكم لن تستطيعوا أن تنفوا روحه؛ لأنها ستظل معنا، وفي بيته سأكون سعدًا حتى يعود، وسوف يعود؛ لأن الشعب لن يرضى بغيابه، وحتى لو مات سعد فسيأتي كثيرون غيره، وسيتقدمون الصفوف، وسأفعل كل ما أستطيع لإشعال روح الثورة في سبيل استقلال مصر».
ولم تكد أنباء نفي سعد مجددًا تنتشر حتى نشبت الثورة واندلعت نيرانها في القاهرة؛ حيث كانت المظاهرات الصاخبة تجتاح كل نواحي القاهرة، وتحتشد في الشوارع والميادين، وكانت هذه المظاهرات تواجه بأزيز رصاص الجنود الإنجليز، ووقع حوافر فرسان الجيش الإنجليزي، وعلى ظهورها الضباط والجنود، في محاولة لإخماد ثورة الشعب، فلا يجدون من المتظاهرين إلا كل أنواع البطولة والبسالة، رغم سقوط عشرات القتلى.
وقد وجهت لجنة الوفد المركزية دعوتها إلى سيدات مصر، فحضرن من كل مكان، وأعلن في هذا الاجتماع الكفاح بمقاطعة التجارة الإنجليزية، وسحب جميع الودائع وإيداعها في المصارف الوطنية - بنك مصر - وتوسيع وتشجيع مصارف مصر بزيادة رأسمالها، وشراء أسهمها، وتشكيل لجان من السيدات على مستوى مصر؛ للحث على التنفيذ. وكان ذلك استمرارًا لجهود هدى شعراوي وسيدات مصر؛ لدعم الاقتصاد الوطني كما ذكرنا سالفًا. 
وسرعان ما تأججت الثورة منتقلة إلى الوجه البحري، ثم القبلي، إلى أن عمت مصر كلها. وسار الشعب رحلة في جهاده ضد الإنجليز، وجدير بالذكر: أن الصفوف اتحدت من جديد، وزالت الخلافات الحزبية، وأصبح الجميع على قلب رجل واحد في مطالبهم الوطنية.
وهكذا امتد النشاط الثوري إلى الأقاليم؛ حيث قررت جمعية «نهضة السيدات» في زفتى الاحتجاج على اعتقال ونفي سعد ورفاقه، وسياسة الإرهاب، واستمرار الأحكام العرفية، وضرورة وضع شروط لقبول تأليف أية وزارة؛ وهي: سحب الجنود الإنجليز من مصر، وإلغاء الحماية البريطانية، والاعتراف باستقلال مصر والسودان، وعودة المنفيين والمعتقلين السياسيين، وتنفيذ سياسة المقاطعة.
وأرسلت هدى شعراوي احتجاجًا وصفته بأن أقرب ما يكون إلى الإنذار، وبعثته إلى الماريشال اللنبي في 25 ديسمبر 1921 نيابة عن السيدات المصريات، جاء به: «إذا كنت يا صاحب الفخامة تعتقد في نفسك القدرة على خنق صوت الأمة، بإبعاد الرجل الذي عهدت إليه بأن يتكلم باسمها، فارجع عن هذا الاعتقاد أيضًا؛ إذ إن القوى تفنى والحق يبقى، وسوف نواصل احتجاجنا بلا انقطاع على التدابير الجائرة الظالمة التي تتخذها فخامتك ضدنا، وهي تدابير لن تؤدي إلا إلى إثارة غضب الشعب وغضب الله».
وطاف وفد جمعية أمهات المستقبل على الوزراء، ورئيس الوزراء، وقصر عابدين على الوزراء وملتمسات تحقيق المطالب الوطنية، وأرسلت لجنة الوفد المركزية للسيدات إلى صحيفة ديلي ميل بلندن محتجة ومطالبة بالإفراج عن زعيم الوفد.
الاتحاد النسائي واستئناف دور النساء في المجال السياسي (مارس 1923م):
جدير بالذكر: أن هدى شعراوي بعد استقلالها في عملها النسائي عن حزب الوفد، قد واصلت مسيرتها في تشكيل تنظيم نسائي آخر في 16مارس 1923، عرف باسم: «الاتحاد النسائي المصري»، جاء في القانون الأساسي لهذا الاتحاد: 
 المادة الأولى: تأسست في شهر مارس 1923 جمعية باسم: «الاتحاد النسائي المصري».
المادة الثانية: أغراض الجمعية هي رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي؛ للوصول بها إلى حد يجعلها أهلًا للاشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات.
المادة الثالثة: تسعى الجمعية بكل الوسائل المشروعة؛ لتنال المرأة المصرية حقوقها السياسية والاجتماعية.
المادة الرابعة: تمثل هذه الهيئة جمعية عمومية ومجلس إدارة.
المادة الخامسة: تتألف الجمعية العمومية من أعضاء مشتركات، وأعضاء مراسلات.
المادة السادسة: يتألف مجلس الإدارة من عشرين عضوًا يُنتخبن بواسطة الجمعية العمومية ومن بين أعضائها المشتركات. 
 وبعد ذلك تأتي المواد الإدارية والتنظيمية، وتحدد برنامجه السياسي في الاستقلال التام لمصر والسودان، والتمسك بحياد قناة السويس وفقًا للمعاهدات الدولية، وعدم الاعتراف بما جاء في معاهدة لوزان 1923 من تحمل الخزانة المصرية قسمًا من ديون تركيا.
وتم انتخاب هذه اللجنة من 17 سيدة برئاسة هدى شعراوي، وألقي عليها تكوين لجان فرعية في المدن والمحافظات لترويج الدعوة.
واختلفت المشاركة الاجتماعية في الاتحاد النسائي فصارت أكبر حجمًا من المشاركة السياسية، على الرغم من استمرار الوعي السياسي النسائي، خاصة في الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد.
لا يجب أن نغفل أن دور صفية زغلول - التي كانت نموذجًا لتطور فكر المرأة ودورها - حيث فتحت بيتها للمناضلين، وسافرت مع زوجها في منفاه تؤازره وتشجعه، وخطبت وثبتت الروح الوطنية، وصعدت المواقف الثورية، وشجعت اللجنة السعدية التي تأسست بعد خروج هدى شعراوي، فكانت تعقد اجتماعاتها في منزلها، وتخرج بالقرارات التي ترى فيها المصلحة العامة.
وقد اقترن أول برلمان لمصر بعد إعلان تصريح 1922 بتصاعد الدعوة للمساومة بين الرجل والمرأة، والمطالبة بمنح المرأة حقوقها السياسية، رغم أن نصوص دستور 1923 لم تتضمن ما يشير إلى حقوق المرأة السياسية.
ولأن الوفد كان أول الأحزاب المنادية بالاستقلال، وله الفضل في تنظيم ثورة مصر الشعبية التي شاركت فيها عناصر الأمة، وفي إطاره تشكلت لجنة الوفد المركزية للسيدات، فأيضًا في عهد وزارة الشعب الأول، ظهرت قضية حق المرأة في الانتخاب بعد أن انشغلت طوال الفترة السابقة بقضايا الوطن؛ حيث كتب أحد المحررين في مجلة النهضة النسائية: إن الدستور المصري يقضي بحرمان النساء من التمتع بهذا الحق، ويبرر هضمهن هذا العمل بأنه اشتراك النساء الفعلي في الحياة العامة يفقدهن صفتهن الخاصة، وهي العناية بشؤون منازلهن وبتربية أولادهن، وهذا القول مردود؛ لأنه لا يعقل مطلقًا أن اشتغال النساء بالسياسة يستغرق كل أوقاتها. 
هذا فضلًا عن أن دخول المرأة في المجالس النيابية يؤدي إلى تحسينها، وبخاصة ما يمس المسائل الاجتماعية كالزواج والطلاق، وتربية الأطفال، فعلى النساء إذا كن يردن التمتع بحقوق الانتخاب أن ينشرن دعوتهن في جميع أنحاء القطر، ويرشدن الجاهلات منهن إلى حقوقهن وواجباتهن، حتى إذا ما جاء موعد الانتخابات يكون من الممكن تعديل الدستور تعديلًا يبيح للنساء اشتراكهن في الانتخابات المقبلة.
    وهكذا عرفت هذه الفترة تغييرات عميقة في وضعية المرأة في البلاد، بدءًا من الاشتراك في مظاهرات الثورة، مرورًا بتشكيل التنظيمات النسائية، وصولًا إلى الخروج إلى الآفاق العالمية، وحضور المؤتمرات النسائية الدولية. 
كانت هذه التطورات بمثابة الإعلان عن سقوط (عصر الحريم)، حين كان الفصل صارمًا بين المجتمع الرجالي والمجتمع النسائي، فالمعلوم أن هذا النظام ظل سائدًا في مصر خلال العصر العثماني، واستمر واضحًا في الطبقة الوسطى من كبار التجار والحرفيين من المصريين. بيد أن الخريطة الاجتماعية في مصر عرفت تغييرات عميقة، فاختفت بعض معالمها وبرزت معالم أخرى، وكل ذلك أدى إلى إفساح الفرصة للمرأة لتجد ذاتها بعد طول غياب، وهكذا كانت ثورة 1919 دافعة لانطلاق المرأة المصرية في مجال السياسة، ولسعيها بقوة من أجل انتزاع حقوقها، فقد أدت المشاركة الإيجابية الفعالة للمرأة المصرية في الثورة - والتي بدأت بالمظاهرات النسائية يوم 16 مارس 1919 - إلى تغير جوهري في نظرة المجتمع للمرأة؛ كما حققت هذه المشاركة مكاسب عديدة للمرأة، وكانت هذه المظاهرة انطلاقة لحركة نسائية وطنية، وانبثق عنها تأسيس لجنة سيدات الوفد كأول تنظيم سياسي نسائي في مصر الحديثة، ثم إعلان الاتحاد النسائي المصري بعدها بأربع سنوات. 
ولأننا لا بد أن نسرع الخطا في عرض جهود المرأة في أعقاب الثورة ونتائج مشاركتها الثورية، نجد أنه مع الدور النشيط الذي لعبته المرأة في أحداث 1936 السياسية، يتقدم علي ماهر 1938م باقتراح للبرلمان، يطالب فيه بقبول المرأة عضوًا في مجلس الشيوخ، وبعد ذلك تقدم كل من علوبة باشا، والعرابي باشا، وأحمد رمزي بك بمشروع قانون يمنح المرأة حق الانتخاب.
    ولكنها فشلت جميعها ولم تنل المرأة هذا الحق إلا في 1956؛ حيث منحها الدستور حق التصويت والترشح، فدخلت البرلمان عام 1957، وكان أول من انضم للبرلمان: راوية عطية، وأمينة شكرى.
وفي ذلك تذكر منيرة ثابت أنها أول من طالبت بحق الانتخاب للمرأة، وبحق العضويين في المجلسين النيابيين؛ كما سجلت أن سعد زغلول لم ينهرها أو يوبخها عندما طالبت بهذه الحقوق السياسية، بل على العكس من ذلك شجعها، وأكد أنه سيمنح المرأة هذه الحقوق السياسية عندما تتوطد الحالة السياسية في مصر.