فنون

وليد الخشاب

الناصرية الفكاهية فؤاد المهندس وشويكار ثنائي الدعاية الترفيهية

2020.08.01

تصوير آخرون

الناصرية الفكاهية فؤاد المهندس وشويكار ثنائي الدعاية الترفيهية

كان ثنائي فؤاد المهندس/شويكار ظاهرةً قويةً في السينما والمسرح في الستينيات العربية، بل وفي الحياة اليومية كمادة خصبة لصحافة المشاهير عمومًا والصحافة الفنية خصوصًا. ما أقترحه هنا هو أن ظاهرة فؤاد المهندس/شويكار - كثنائي فني وكشخصيتين من المشاهير - ليست مجرد طرفة مسلية وجزءًا من تاريخ الكوميديا العربية. إنما هي خيط أصيل في نسيج الخطابات الناصرية عن الدولة والمجتمع الحديث الذي تنشئه في مرحلة التحرر الوطني. وأسهم هذا الثنائي، من ناحية، في تعزيز فكرة حداثة الدولة بوصفها وعاءً لتحرر المرأة وللتقدم في مسار المساواة بين الجنسين، لا سيما في مرحلة ما بعد الاستقلال والتحرر الوطني التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن ناحية أخرى، أسهم هذا الثنائي في تكريس قيم محافظة عن الزواج بوصفه الشكل «الأعلى» للترابط الاجتماعي، لا سيما في المجتمع الناصري. فقد كان الثنائي فؤاد المهندس/شويكار ثنائيًّا شاملاً: إذ هما شريكان في البطولة الإذاعية والمسرحية والسينمائية، وشريكان في الحياة الزوجية وفي الظهور في المجال العام في الحوارات الصحفية والتليفزيونية. أي أن مساهمتهما في منظومة الخطابات الناصرية كانت تتم أساسًا بوصفهما زوجين فنيًّا واجتماعيًّا، وإن لم يمنع هذا أن يلعب كل منهما الدور نفسه بصفته الفردية. بالإضافة إلى دور الثنائي في الدعاية بالمثال - أي بمجرد ظهورهما معًا على الخشبة والشاشة وفي المجال العام - فقد ساهم كل من فؤاد المهندس وشويكار في ترديد وتضخيم خطابات أخرى مُعناة بالتأكيد على رسائل معينة، من المعتاد أن يرددها المشاهير في دول العالم الثالث كله في سياقات «تكتيكية» محددة، مثل التعبئة في حالة الحرب أو الترويج لقرار سياسي ما.

تاريخ ثقافي موجز للثنائيات الفنية

عرفت السينما المصرية فكرة الثنائي مبكرًا ولم تزل العديد من الثنائيات السينمائية ملء الذاكرة السمعية/البصرية في القرن الحادي والعشرين، بفضل مصاحبة الخطابات المروجة لهذه الثنائيات في صحافة المشاهير والصحافة الفنية، وكذلك بفضل دعم قنوات التليفزيون لأفلام هذه الثنائيات عن طريق عرضها ومناقشتها باستمرار. على سبيل المثال، ما زالت ذكرى ليلى مراد وأنور وجدي كثنائي مرح ومحبوب حيةً في الأذهان وعلى الشاشات، رغم المشكلات العاتية التي انتهى بها زواجهما بعد ثلاث طلقات، بفضل دأب قنوات الكابل وشاشات التليفزيونات الرسمية على إذاعة أفلام كوميدية ومرحة مثل «عنبر» و«غزل البنات» و«ليلى بنت الأغنياء و«ليلى بنت الفقراء»، أو أفلام ذات طابع ميلودرامي جاد مثل «حبيب الروح». كذلك ثبت في الذاكرة البصرية العربية في الأربعينيات والخمسينيات ثنائي فريد الأطرش وسامية جمال بفضل أفلام مثل «حبيب العمر» و»عفريتة هانم» و»آخر كدبة» و»تعال سلم». تتميز شادية بكونها طرفًا في ثنائيين تمتعا بجماهيرية كبيرة بين الأربعينيات والستينيات، وهي جماهيرية بلغت مرتبة عالية، لأنها ما زالت حية حتى اليوم: ثنائي كمال الشناوي وشادية في أفلام ميلودرامية حزينة مثل «المرأة المجهولة» و»ارحم حبي» و»معًا إلى الأبد» أو في أفلام كوميدية مثل «ساعة لقلبك» و»عش الغرام» و«الحقوني بالمأذون»؛ ثم ثنائي شادية وصلاح ذو الفقار في «مراتي مدير عام» و»عفريت مراتي» و»كرامة زوجتي» وغيرها.

ولم تكن كل الثنائيات الفنية مبنية على تزاوج عاطفي على الشاشة وفي منزل الزوجية أو في علاقة غرامية، وإن كان السحر المحيط بأشهر الثنائيات مرتبطًا بكون الثنائي في علاقة غرامية على الشاشة وفي الحياة، حتى وإن لم تتوج العلاقة بالزواج في الحياة. كان هذا الحال في علاقة فريد الأطرش بسامية الجمال وعلاقة كمال الشناوي بشادية: اشتهار معلومات/شائعات عن علاقة حب بين النجمين تصاحب أفلامهما، لكن لا تصل بهما إلى مرحلة الزواج. وربما لهذا السبب لم تترسخ في الذاكرة الجمعية تصورات عن تعاون فاتن حمامة وعماد حمدي بوصفهما ثنائيًا، رغم أنهما قد تشاركا بطولات سينمائية عديدة، إلا إنهما لم يكونا أبدًا أكثر من زميلين. أما أشهر الثنائيات وأكثرها رسوخًا في الذاكرة البصرية العربية فكانت ثنائيات لأزواج في الحياة وعلى الشاشة أو على خشبة المسرح، حتى وإن لم يستمر زواج النجمين طويلاً. هكذا كانت ثنائيات ليلى مراد/أنور وجدي وشادية/صلاح ذو الفقار وفاتن حمامة/عمر الشريف وماجدة/إيهاب نافع، وبالطبع فؤاد المهندس/شويكار.

الثنائيات منتجًا للخطابات القومية

لم تحتفظ الذاكرة البصرية والسياسية بدور تم توظيفه سياسيًا لأي من هذه الثنائيات الفنية التي استعرضت تاريخها سريعًا، إلا في نهاية الخمسينيات وطوال الستينيات بالذات. كانت معظم ثنائيات الممثلين السينمائية تؤدي أدوارًا سياسية في المجال العام في الستينيات، سواء من خلال الأفلام التي تظهر فيها، أو عبر التصريحات الصحفية التي تصدر عنها كنجوم، أو من خلال الصورة التي يقدمها الثنائي في المجتمع وفي الحياة العامة. وربما كان الثنائي شادية/صلاح ذو الفقار هو أقل الثنائيات الستينية التي لعبت دورًا سياسيًا صريحا، واقتصرت معظم مساهماته في المجال العام على تقديم صورة الزواج العصري الذي يخلق المجتمع الناصري عوامله. أوضح مثال لثنائي يؤدي وظائف سياسية شبه مباشرة في الستينيات هو الثنائي إيهاب نافع/ماجدة وبقدر ما - بالسلب أحيانًا - فاتن حمامة/عمر الشريف. وربما لا يتذكر مستهلك الثقافة الدارجة اليوم أن فؤاد المهندس/شويكار كان -على طريقته- هو أكثر الثنائيات انغماسًا في ترديد خطابات الدولة الناصرية وتمرير دعاياتها، وإن كان هذا الترديد يتم بشكل غير مباشر، وينصب على القيم العامة للخطاب من دعم لتصورات الهوية الوطنية ولممارسات الحداثة الاجتماعية.

مع تأميم الصناعة والتجارة على مستوى المشروعات الكبيرة ومعظم المشروعات المتوسطة، خلال الخمسينيات والستينيات المصرية، قامت الدولة بتأميم الفن أيضًا. ومن ثَم تلازمت ظاهرة استخدام الثنائيات استخدامًا دعائيًا سياسيًا مع الدولة الناصرية. وظهر هذا الاستخدام أوضح ما ظهر مع تفاعل الثنائي إيهاب نافع/ماجدة والثنائي فؤاد المهندس/شويكار مع خطابات الدولة وسياساتها، لا سيما مع مطلع الستينيات، بل وربما تحديدًا بعد إعلان الميثاق دستورًا للعمل الوطني عام 1962. يبدو الأمر وكأن شعار الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع الذي أطلقته الناصرية كان يعني أن تتكفل الدولة بإنتاج ما يلزم كل الأذواق: خطابات ذات طابع ديني أو قومي تحرري (من الاستعمار) أو علماني؛ سلع استهلاكية مثل السيارات والثلاجات؛ تصنيع خفيف وثقيل؛ منتجات تسلية ثقافية جادة وهزلية. وفي هذا التصور يبدو منطقيًا أن تستدعي الدولة ثنائيًا ينتج تسلية جادة ودعاية مخططة، مثل إيهاب نافع/ماجدة وفاتن حمامة/عمر الشريف -بدرجة أقل-، وأن تستدعي ثنائيًا يقدم تسلية فكاهية ودعاية مغلفة في قالب مرح مثل فؤاد المهندس/شويكار.

فؤاد المهندس/شويكار والدعايات الناصرية

لا نعرف للثنائي فؤاد المهندس وشويكار أفلامًا تشارك بشكل مباشر في الدعاية الناصرية، اللهم إلا مشهدًا هنا أو هناك، في أفلام قدمها أحد النجمين منفردًا أو في برنامج فؤاد المهندس الإذاعي الشهير «كلمتين وبس». في فيلم «رضا بوند» -وهو بطولة محمد رضا وشويكار ولم يمثل فيه المهندس- تشارك شويكار مع محمد رضا في طابور عسكري الطابع غداة حرب 1967، يشير إلى منظمة الدفاع الشعبي ويشكل محاولة لطيفة لتحية المجهودات الشعبية في تعبئة الجماهير استعدادًا لحرب تحرير سيناء. وفي برنامج «كلمتين وبس» لم يكن فؤاد المهندس يقوم بدعاية مباشرة لسياسة معينة أو توجهات النظام المؤقتة، ولكنه كان عصبًا مهمًا في الجهاز الخطابي الناصري. فهو يقدم نقدًا للبيروقراطية ويقدم مقترحات بحلول لمشكلات يتعرض لها المواطنون في تعاملاتهم مع أجهزة الحكومة ومصالحها، بما يوحي للمستمع أن هناك صوتًا ناقدًا للمشكلات التي يتعرض لها المواطنون، وبأن عيوب النظام تتلخص في قصور بعض الآليات البيروقراطية، دون أن يكون هناك ما يعيب فلسفة النظام نفسها أو قيمه أو أساسه.

روى المهندس في حوار تليفزيوني مع هالة سرحان أنه كان يشارك بانتظام في احتفالات عيد الثورة بتقديم تمثيليات وسكتشات على المسرح بحضور كبار رجال الثورة، وبحضور عبد الناصر شخصيًّا في كثير من الأحوال. وذكر سكتشًا محددًا مثله مع خيرية أحمد، قدم فيه دور رجل يخطط معركة عسكرية ضد العدو الإسرائيلي، وتعطله زوجته بمقاطعاتها وثرثرتها الفارغة. وحكى المهندس أن عبد الناصر ضحك كثيرًا في أثناء العرض، ثم استدعاه في حضور القائد العام المشير عبد الحكيم عامر وهنأه، ثم قال ممازحًا عامر ما معناه: اطلبوا المساعدة من المهندس ما دام يفهم في الحرب. بشكل غير مباشر، أسهم المهندس هنا -مثله مثل غيره من نجوم الفن في جيله- في تحية الدولة بالمشاركة في أعيادها الرسمية، وهو جزء من مجهود الدولة الدعائي. لكن وفقًا للحكاية التي رواها المهندس عن عبد الناصر، فقد ساهم دون أن يعي في تعزيز الصداقة أو في إدارة الصراع بين ناصر وعامر. إن فهمت النكتة التي أطلقها ناصر على أنها مداعبة بريئة، كان تأثيرها هو تدعيم المحبة بين ناصر وعامر، وإن فهمتها على أنها غمز ولمز، كان تأثيرها هو ضربة رمزية يوجهها ناصر لعامر وقدراته التخطيطية.

أما فيما يتعلق بأداء الثنائي فؤاد المهندس/شويكار، فلم تكن في أفلامهما دعاية مباشرة للنظام، ولا في مسرحياتهما، وإن شاركا أحيانًا في احتفالات الدولة بحضور ناصر وعامر، مثلما حدث عندما قدما مسرحية من فصل واحد بعنوان «الوصية» في أحد أعياد الشرطة في الستينيات. لكن كانت أفلامهما تعبيرًا قويًا بصيغة الفكاهة عن الأفكار الناصرية والرؤية الناصرية للعالم. ربما كانت أوضح الملامح الناصرية في أفلام الثنائي فؤاد المهندس/شويكار هي المساهمة المرحة في خطاب الهوية الوطنية والخطاب القومي عن التفوق المصري. 

القطيعة الثقافية مع السياسة الأمريكية

بعد نزهة الحبيبين الغرامية، يعود فؤاد المهندس إلى بيته ليجد أن الخادم فانتوماس (حسن مصطفى) يستقيل، ويخرج من الفيلا حاملاً حقيبته احتجاجا على قيام صديق المهندس بإهدار كرامته. يعني فانتوماس استياءه من إقبال المهندس على الزواج وتخليه عن تعدد العلاقات النسائية، بالإضافة إلى غضبه من تأكيد صديق المهندس على ذلك. فتغير سلوك البطل من تعدد الغراميات إلى الزواج و»الاستقامة» هو بمثابة طرد لفانتوماس، الذي كرس نفسه لتسهيل غراميات المهندس وحضه على «الفساد». يضع الخادم قبعته العالية المميزة قبل أن يفتح الباب خارجًا بكبرياء وشمم. هنا يغرق المهندس في خيالاته ويغني في ثنائي مع شويكار أغنية «قلبي يا غاوي خمس قارات». في المشهد التالي للأغنية، يلتقي عبد المنعم مدبولي طبيب المهندس النفسي ب «مستر فانتوماس» ويلح عليه في أن يتراجع عن استقالته وأن يعود لخدمة المهندس. يتمنع فانتوماس أولاً ثم يوافق «عشان خاطر» الطبيب. لكن لدى وصولهما إلى باب حديقة فيلا المهندس، يتلقى فانتوماس أحذية نسائية على رأسه، إذ يتخلص المهندس من عشرات الأحذية التي جمعها من حبيباته وعشيقاته على مر السنين بإلقائها من البلكونة.

لا شك أن استدعاء اسم فانتوماس قد جاء بتأثير نجاح ثلاثية «فانتوماس» الفرنسية التي عرضت بين أعوام 1964 - 1967، من إخراج أندريه هونبيل وبطولة النجم الفرنسي الكبير جان ماريه. لكن فانتوماس المصري تجسيد مجازي لأمريكا وسياساتها الثقافية وقيمها المتحررة من الأخلاقيات المحافظة. ففانتوماس في «مطاردة غرامية» هو الذي يفسد فؤاد المهندس ويحثه دائمًا على الدخول في علاقات عاطفية متعددة، في إشارة لنظرة الناصريين إلى أمريكا بعين الريبة، بعد تقلبها بين الانفتاح على مصر الناصرية في مطلع الستينيات في عهد كنيدي، والتحالف التام مع إسرائيل ومساندتها عسكريًا في النصف الثاني من الستينيات في عهد جونسون خليفة كنيدي. كأن أمريكا-فانتوماس كانت السبب في إفساد المهندس-مصر أخلاقيًّا، مما أضعف من العزيمة في لحظة الحرب الحاسمة. 

والراجح عندي أن اللجوء إلى اسم فانتوماس في الفيلم المصري -الذي كانت شخصيته في الأفلام الفرنسية على نحو ما، محاكاة ساخرة لشخصية جيمس بوند- هي إشارة إلى شخصية العميل السري البريطاني الذي صار علامة في الستينيات على الأنشطة المخابراتية الأمريكية والغربية عمومًا. فانتوماس الستينيات الفرنسي شخصية شريرة لكنها تبدو «قادرة على كل شيء» بفضل التنكر واستخدام التكنولوجيا، أي أنه يمثل صورة الرجل الغربي ذي القدرات الفائقة الذي يظهر غير ما يبطن والذي يستخدم قدراته للسيطرة على الآخرين وعلى ثرواتهم. وفي ذلك قاسم مشترك بين فانتوماس الفرنسي وفانتوماس-حسن مصطفى. لكن حضور جيمس بوند الساخر يتكرر في أفلام فؤاد المهندس، الذي يشير للعميل البريطاني أكثر من مرة، لا سيما باستخدام الموسيقى المميزة لأفلام جيمس بوند الأولى. لكن لأن فيلم «مطاردة غرامية» قد أنتج في عجالة بعد شهور قليلة من حرب يونيو 1967 وعُرض في يناير 1968، فربما أراد صناع الفيلم أن يتجنبوا المشكلات الرقابية المحتملة التي كان يمكن أن تعترضهم إن ذكروا أيقونة التفوق المخابراتي الغربي، بعد شهور من تجلي هذا التفوق في الدعم المعلوماتي الذي قدمته أجهزة المخابرات الغربية إلى إسرائيل، مسهمة بذلك في انتصارها عام 1967. 

أما أوضح إشارة بصرية إلى أمريكا فهي في ملابس شخصية فانتوماس. في أكثر من مشهد، مثلما في حواره مع فؤاد المهندس وتقديمه استقالته، وطوال حواره مع عبد المنعم مدبولي قبل أن يجرب العودة للتصالح مع المهندس للمرة الأخيرة، يضع حسن مصطفى- فانتوماس على رأسه القبعة العالية. تلك القبعة هي رمز الرأسماليين الغربيين الأشرار كما كرست صورتهم السينما السوفييتية، كما في فيلم «الإضراب» من إخراج أيزنشتاين على سبيل المثال. وهو الاستخدام المجازي نفسه الذي لجأ إليه علي بدرخان بعد عشر سنوات، حين وضع قبعة عالية شبيهة على رأس قتلة شفيقة في فيلم «شفيقة ومتولي». 

مفارقة المفارقات أن فيلم «مطاردة غرامية» الذي يعلي من قيمة الأصالة في الحب ويدعو لاعتبار المصرية أصل الأنوثة ويؤصل الحب في ثقافة الفراعنة، وهو الفيلم الذي يشير إلى أن تأثير الرأسمالية الغربية الثقافي من خلال فانتوماس تأثير ضار أخلاقيًا، ما هو إلا فيلم مقتبس بالكامل عن السينما الأمريكية. يعتمد الفيلم بالأساس على فيلم هولييودي «بوينج... بوينج» بطولة توني كيرتيس وجيري لويس الذي عرض عام 1965، والفيلم الأمريكي نفسه مقتبس عن مسرحية فرنسية بالعنوان ذاته، تدور قصتها حول مراقب جوي تتعدد علاقاته بمضيفات جويات من جنسيات مختلفة. كما يستلهم «مطاردة غرامية» خطًا سرديًا من فيلم كوميدي أمريكي آخر هو «ما الأخبار يا حلوة؟» والذي يمكن ترجمة عنوانه حرفيًا إلى «ما الجديد يا قطة؟» بطولة بيتر أوتول وبيتر سيلرز وتأليف وتمثيل وودي آلن، وهو أيضًا من إنتاج 1965. من هذا الفيلم ظهرت فكرة الطبيب النفسي الذي يعالج البطل زئر النساء من ولعه بالجنس، والتي جسدها عبد المنعم مدبولي في الفيلم المصري المقتبس.

دعاية لاهية أم فكاهة؟

تعددت أفلام الثنائي فؤاد المهندس/شويكار بعد حرب 1967 وانغمست في كوميديا الفارس المسلية، التي قد يراها البعض موظفة لإلهاء «الجماهير» -وربما لتعزيتهم- بعد النكسة، بحيث لا تتركز الطاقة الثقافية في نقد أداء الناصرية في أثناء الأزمة التي أدت للحرب وفي أثناء المعارك نفسها. وربما كان وجيهًا أن يتصور البعض وجود تنسيق متعمد بين مؤسسات الثقافة والسينما والإعلام لدعم أفلام الثنائي، بحيث تؤدي وظيفة الترويح/الإلهاء. فكثيرًا ما كانت أفلام الثنائي فؤاد المهندس/شويكار تُنتج أيضًا كمسلسلات إذاعية تُذاع في رمضان من خلال ذلك الجهاز الرسمي. في الستينيات، زمن مركزية إعلام الدولة، كان للإذاعة والتليفزيون والصحافة المؤممة تأثير كبير على تشكيل الآراء والتوجهات بحكم انفراد الإعلام الرسمي بالمجال العام. وقد ظل مسلسل الثنائي الكوميدي الإذاعي مؤسسة لا يُتَصَور رمضان دونها على مدار عدة عقود، شأنه في ذلك شأن فوازير رمضان التي ارتبطت بصوت المذيعة الرائدة آمال فهمي. 

لكن يبقى أن الدور الدعائي الرئيسي الذي لعبه الثنائي فؤاد المهندس/شويكار هو مشاركته في بناء مزاج الرومانسية الفكهة أو الرومنسية الجادة الذي كانت تنتجه الصحافة وتتبناه ثم تليها في الوظيفة نفسها وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون استنادًا إلى الصحافة. بناء على هذا المزاج، كان الثنائي يشارك في إنتاج خطابات القومية الثقافية وتفرد الهوية المصرية وفرعونيتها من خلال الأفلام. كما أسهم في إنتاج خطاب تحرر الأزواج من خلال الزواج الناجح في العمل والحياة، بناء على مشاركة المرأة للرجل في البيت والعمل، وهو خطابٌ مُنْطَلَقُهُ التغطية الصحفية والتليفزيونية لحياة الثنائي الزوجية. نظرًا لكثافة مشاركة فؤاد المهندس/شويكار في إنتاج هذه الخطابات، وتنوع الوسائط والصيغ النوعية التي طرقاها، كانت فاعليتهما كثنائي فاعليةً مؤثرةً، في إطار منظومة إنتاج الخطابات الناصرية، وكانت متجاوزة للحظة إنتاجها في الستينيات والسبعينيات. ولهذين السببين ما زال الثنائي فؤاد المهندس/شويكار يحتل مساحة هامة من الذاكرة الجمعية للثقافة الدارجة العربية.