عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

دراسات

صفاء شاكر

تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران – الجزء الرابع

2025.08.08

مصدر الصورة : ويكبيديا

تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران – الجزء الرابع

 

أصبحت البيئة الخارجية، بل والداخلية عاملًا مؤهِّلًا لاستئناف العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران، منذ يونيو 1967، ومن ثَمَّ تكللت جهود الوساطات العديدة التي جرت بين البلدين منذ عام 1968، وقام بها على حدة، كلٌّ مِن: مسؤولين من أفغانستان وباكستان والكويت وتركيا والأردن ثم ليبيا. وقد صدر بيان رسمي متزامن في كل من القاهرة وطهران يوم 23 أغسطس 1970، أي قبل حوالي شهر تقريبًا من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، جاء نصه: "قررت حكومة إيران الإمبراطورية وحكومة الجمهورية العربية المتحدة اعتبارًا من اليوم، استئناف علاقاتهما السياسية العادية بالكامل والمبادرة بتبادل السفراء بينهما"، لكن تأخرت عملية تبادل السفراء بين البلدين حتى اليوم الثالث من شهر يناير 1971 بسبب وفاة عبد الناصر، التي استغلتها إيران لمجاملة مصر بإعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام، وبمشاركة وفد رسمي برئاسة "أمير عباس هويدا" رئيس الوزراء، في مراسم الجنازة، فضلًا عن أن الإذاعة الإيرانية قطعت بث برامجها المعتادة، لتذيع تلاوة من القرآن الكريم ساعة تشييع عبد الناصر إلى مثواه الأخير.

والحقيقة أن استئناف العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران في ذلك التوقيت تأثر بمناخ العلاقات الإيرانية/ العربية، حيث قوبل التقارب بين البلدين بردود فعل عكست حالة التوترات التي سادت علاقة طهران مع بعض الدول العربية. ولعل وصول البعثيين إلى الحكم في العراق عام 1969، عشية الانقلاب الذي قاده "أحمد حسن البكر"، كان أحد المضاعفات الإقليمية التي تأثرت بها عملية التقارب بين مصر وإيران. فقد أدى وصول حزب البعث إلى الحكم إلى قيام طهران -من جانبها- بإلغاء الاتفاقية العراقية/ الإيرانية حول حدود الملاحة في شط العرب المبرمة عام 1937، ثم حشدت ما يقرب من 80% من قواتها على الحدود مع العراق.

كذلك أدى الانقلاب البعثي في العراق إلى توتر العلاقات بين القاهرة وبغداد، إذ لم تكن الأولى راضية عن سياسة البعثيين المتهورة، بينما لم تكن الحكومة العراقية الجديدة راضية عن قبول مصر لمبادرة روجرز. ورغم أن مصر اتخذت موقفًا مساندًا للعراق في قضية شط العرب، فإن القاهرة وطهران وجدتا نفسيهما في مواجهة نظام يحمل توجهات معادية لهما. لذا، التقت لأول مرة مصالحهما في ضرورة التقارب، ردًّا على هذه التوجهات العراقية.

العدو المشترك

في هذا السياق، يُلاحظ أن الوساطة الأردنية والتركية بين مصر وإيران لم تؤتِ ثمارها إلا بعد ظهور ذلك الخلاف المصري العراقي، حيث بات المسؤولون الإيرانيون يرون أن تقاربهم مع القاهرة في ذلك التوقيت سيمثل ضغطًا على حكومة "حسن البكر"، ومن ثم انتهزت طهران الفرصة، وتوجه وزير خارجيتها "أردشير زاهدي" إلى الأردن 1969، كي تكثف عمَّان جهودها مع القاهرة، رغم رفض الأخيرة تقديم اعتذار لطهران كشرط إيراني مسبق لاستئناف العلاقات السياسية بينهما. وبعد أن نُشر خبر استئناف العلاقات بين البلدين، شنَّ العراقيون حملة إعلامية كبيرة ضد الرئيس عبد الناصر، متهمين إياه بأنه –بتقاربه مع إيران– طعن العراق في ظهره من ناحية، وأنه بقبوله لمبادرة روجرز قد بدأ في مساومة الإمبريالية من ناحية أخرى. غير أن الحكومة الإيرانية لم تتوانَ حيث أعلنت مساندتها للموقف المصري في هذا الشأن.

كما أُحيط استئناف العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران بمشكلة أخرى أثرت بالسلب في مناخ العلاقات العربية/ الإيرانية بشكل عام، وهى قيام إيران باحتلال الجزر العربية الثلاث الواقعة في مدخل الخليج العربى (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) مطلع 1971. إذ كان رد الفعل المصري هادئًا نسبيًّا ومعتدلًا مقارنة بالموقف العراقي والسوري والليبي والجزائري واليمني الجنوبي في هذا الشأن. حيث تضمَّن البيان الرسمي -الذي اكتفت مصر بإصداره– أن احتلال الجزر الثلاث عمل يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والصداقة التاريخية بين الشعب العربي والشعب الإيراني، وأن مصر ترى أن بريطانيا المسؤولة عن حماية الجزر الثلاث في الخليج من أي اعتداء خارجي، بناء على اتفاقيات الحماية التي ما زالت نافذة المفعول، وحتى تسلم الجزر إلى أصحابها. ودعا البيان إيران إلى سحب قواتها العسكرية من الجزر والدخول في مفاوضات للوصول إلى حل سلمي عادل للمشكلة. وبعد أكثر من عام على تلك المسألة، علَّق الرئيس السادات في حديث صحفي في 9 يناير 1973، بأنه كان حريصًا في المرحلة السابقة على سلامة صلات مصر بإيران وبكل العالم، لأن هذا يجنِّب مصر فتح جبهات جديدة لا داعي إلى فتحها، وأنه على الرغم من أن مصر لا يمكن أن توافق على احتلال الجزر، فإن هناك إخوة آخرين مسؤولين عن مواجهة هذه المشكلة، ولا ينبغي أن يتحمل بعض العرب أعباءهم وهم بعيدون عنها بموقعهم الجغرافي.

ومن جانبها عملت إيران على استقطاب مصر -في ظل تراجع علاقاتها مع موسكو في عهد السادات- إلى المعسكر الغربي والولايات المتحدة بشكل خاص، وتحويل القاهرة -بما تتمتع به من مكانة عربية- إلى مركز من مراكز مكافحة أي تغلغل شيوعي أو سوفييتي في المنطقة إلى جانب طهران والرياض، كما كانت إيران إحدى الدول التي عملت على توصيل فكرة للسادات، أن ثمة صيغة أخرى لتحرير الأراضي العربية، تهيمن عليها الولايات المتحدة وحدها، هي صيغة السلام، وأن هذا الطرح أفضل من الطرح السوفييتي الذي قام على الصراع فقط، وهو الأمر الذي اتفق مع توجهات السادات من الأساس.

لكن أدى قيام الثورة الإيرانية ومبادرة النظام الجديد فيها إلى قطع علاقاته مع مصر إلى ظهور حالة من الاستعداء بينهما، لعبت وسائل الإعلان في البلدين خلالها الدور الأكبر فيها، بعد أن أبرز نظام الثورة الإيرانية وجهًا متطرفًا في الدعاية له ومعاديًا لمصر. وعقب الإعلان عن التوقيع النهائي على معاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية، وفور إدانة "آية الله خميني" لهذه المعاهدة، خرجت الجماهير الإيرانية الغاضبة إلى الشوارع في معظم المدن الإيرانية الرئيسة، لتعبِّر عن رفضها التام للسلام بين مصر وإسرائيل، كما قام الطلاب العرب المقيمون في إيران بالهجوم على مبنى السفارة المصرية بطهران بمنطقة "سلطنت أباد" واحتلالها، بعد أن جرَّدوا حرسها الإيراني الرسمي من أسلحته وأمروا موظفي السفارة بالانبطاح أرضًا على وجوههم، ثم عاثوا فيها فسادًا وحملوا ما توصلت إليه أيديهم من متاع.

إسرائيل تقطع العلاقة

تأسيسًا على ما سبق، صارت مسألة قطع العلاقات الإيرانية/ المصرية مسألة وقت. غير أن "آية الله خميني" حسم الموقف عندما أصدر أمرًا إلى وزير الخارجية الإيراني بقطع العلاقات السياسية مع مصر، جاء نصه: "إنه بالنظر إلى معاهدة الخيانة التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل، وبالنظر إلى انقياد الحكومة المصرية الأعمى لأمريكا وللصهيونية، يتعين على الحكومة المؤقتة لجمهورية إيران الإسلامية أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الحكومة المصرية". وفي المقابل، أعلنت مصر ردها بإجراء مماثل في اليوم نفسه، 30 إبريل 1979. وفسَّر متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية قرار القاهرة بقطع علاقاتها مع طهران، بأنه: "جاء استنكارًا لقبول النظام الإيراني الانسياق لضغوط دول الضغط"، ثم أكد أن "مصر رغم المزايدين ستسير في طريقها بكل حزم وثبات من أجل حقوق العرب والمسلمين وتحرير الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس واستراداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

وهكذا، قُطعت العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران على خلفية الصراع العربي/ الإسرائيلي، كما قُطعت أول مرة في يوليو 1960. ورغم أن القرار هذه المرة كان مصدره طهران وليست القاهرة، فإن تصادم التصورات الإستراتيجية بين البلدين بالنسبة إلى الصراع العربي/ الإسرائيلي كان القاسم المشترك الوحيد في قراري قطع العلاقات الإيرانية/ المصرية كلاهما على حد سواء، سواء كان هذا القرار من القاهرة 1960، أو من طهران 1979.

المراجع:


يونان لبيب رزق/ الخارجية المصرية 1826-1937.

صفاء شاكر/ الخارجية المصرية 1937-1953.

عبد الحميد شلبي: حلف بغداد في الوثائق المصرية.

عبد الحميد شلبي/ الاعتراف الإيراني بإسرائيل وموقف العرب منه.

سعيد الصباغ/ العلاقات المصرية/ الإيرانية 1970-1981.

سعيد الصباغ/ العلاقات المصرية الإيرانية. قرن مِن التفاعلات المُضطربة (1922-2022).

محمد عبد الله عبد الرحمن متولي، العلاقات المصرية/ الإيرانية 1928-1967.

معتز سلامة، محمد السيد الصياد/ السياسة المصرية تجاه إيران وتحديات الانتقال من القطيعة إلى التطبيع.

مجدي السيد حشيش/ مصر وأزمة اعتراف إيران بإسرائيل 1960-1970 .

فتحية حلمي أمين، العلاقات المصرية /الإيرانية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

فتحى الديب/ عبد الناصر وثورة إيران.