رؤى

أسامة دياب

دمقرطة الإحصاءات الاقتصادية لمواجهة دلالاتها الفارغة: التضخم في مصر

2020.07.01

دمقرطة الإحصاءات الاقتصادية لمواجهة دلالاتها الفارغة: التضخم في مصر

 

حازت مسألة الإحصاءات الاقتصادية في مصر على قدر من الأهمية مؤخرًا بسبب التحول الاقتصادي الضخم الذي تشهده البلاد، والذي يعد من ضمن أهم التحولات الاقتصادية في تاريخها الحديث. بدأت الحكومة المصرية، بدعم ودفع من صندوق النقد الدولي، في نهاية عام 2016 بتنفيذ برنامج تقشف يتوقع أن تكون توابعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسة عنيفة وطويلة المدى. كان التضخم العالي واحدًا من أهم النتائج المباشرة لسياسات البرنامج؛ إذ وصلت نسبة التضخم التراكمية إلى أكثر من 50 % في السنوات الثلاث التالية على بدء البرنامج.

وكأحد الشروط الأساسية للبرنامج، أدى تخفيض قيمة الجنيه المصري المتعثر إلى خسارته لأكثر من نصف قيمته بين عشية وضحاها، مما جعل سعر جميع المنتجات المستوردة، أو تلك التي تحتوي على نسبة كبيرة من المكونات المستوردة، تزيد بما يقرب من ثلاثة أضعاف. أدت تدابير التقشف أيضًا إلى انخفاض الإنفاق الحقيقي على الأجور العامة والرعاية الصحية والتعليم وجميع الخدمات والسلع العامة تقريبًا. ومع ذلك غالبًا ما تفشل هذه الإحصاءات الاقتصادية الوطنية الخاصة بالتضخم وغيرها من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية في إخبارنا بمدى تباين التجارب بين الفئات الاجتماعية المختلفة.

تفترض الإحصاءات الاقتصادية الوطنية التي تعتمد على الإجماليات أو المتوسطات أن الأفراد داخل الاقتصاد الوطني لديهم تجارب مماثلة لتكون هذه الإحصاءات الوطنية ممثلة بما يكفي لتجارب الناس الحية على اختلاف أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وقد دوّن المقال تفاصيل البيانات حسب فئات الدخل والجنس والمناطق، إلخ. تشبه هذه الأرقام المفهوم اللغوي/الخطابي للدلالة الفارغ، مما يعني علامة لا تشير إلى مفهوم واضح، ومن ثَم يصبح من الممكن ربط مجموعة واسعة من المعاني بها.

سيأخذ هذا المقال على سبيل المثال إحصاءات التضخم في مصر، كدراسة حالة للكيفية التي تفشل فيها المتوسطات الاقتصادية الوطنية في كثير من الأحيان في تمثيل التجارب الحقيقية لمعظم الناس، وغالبًا ما تخفي مصادر ودوافع اللامساواة (عن قصد أو غير قصد) أو على الأقل تسيء تحديد موقعها. بالاعتماد على بيانات مسح الدخل والإنفاق الرسمية، تتناول هذه المقالة مستويات التضخم التي يعاني منها النصف الأدنى في سلم الإنفاق، بهدف تحديد إلى أي مدى يتشابهون أو يختلفون عن معدلات التضخم الوطنية «المتوسطة».

في كل مكان تقريبًا، وعلى مدار جميع الفترات الزمنية، تنفق المجموعات ذات الدخل المنخفض نسبة أكبر بكثير من إجمالي إنفاقها على الغذاء، وغالبًا ما يكون هذا المعدل أعلى كثيرًا مما تقترحه سلة البضائع الافتراضية التي يتحدد على أساسها معدل التضخم الوطني. يقول أحد أهم رواد دراسات اللامساواة، أنتوني أتكينسون، إن هناك طريقتين يختلف فيهما مؤشر أسعار الفقراء عن المؤشر الوطني لأسعار المستهلكين؛ الاختلاف الأول هو الوزن المرتبط بالسلع والخدمات المختلفة، والثاني هو الأسعار المطبقة عند قياس التضخم. «الفرقان -في الأوزان وفي أسعار السلع- يحتمل أن يكونا كبيرين. وينفق الفقراء حصة أعلى من دخلهم على الضروريات وخصوصًا الغذاء. وقد تختلف الأسعار التي يواجهونها».

الآثار المترتبة على هذه الفروقات قد تكون كبيرة. يعني هذا أن غالبية السكان قد يواجهون معدلات تضخم أعلى بكثير من معدل التضخم الوطني، إذا كان التضخم في الغذاء أعلى من معدلات التضخم الوطنية، والعكس بالعكس. كما تؤكد هذه الفروقات المحتملة على الحاجة الماسة إلى بيانات تضخم مصنفة لمراعاة تجارب مختلف الفئات الاجتماعية، وخصوصًا تلك الموجودة في أسفل سلم الدخل والإنفاق؛ سيساعد ذلك على زيادة الوعي حول الفئات الاجتماعية التي تتحمل في الغالب العبء الأكبر من برامج الإصلاح من أجل اعتماد سياسة تعوضهم بشكل كافٍ عن خسارتهم غير المتناسبة.

من المؤكد أن إتاحة بيانات أكثر تفصيلية للتضخم ستكون مفيدة في كل مكان لدعم المجهودات الرامية إلى مكافحة الفقر وعدم المساواة؛ ومع ذلك، فهناك أهمية خاصة لإتاحة تلك المعلومات بالنسبة لدول مثل مصر تعاني من معدلات تضخم مرتفعة بشكل مزمن وهيكلي، وذلك بسبب ضعف التمويل الحكومي وعائدات الضرائب التي تقل عن المتوسط العالمي، وإذ يتفاقم الفقر بمعدل سريع، فإن 16.7 % من المصريين كانوا يعيشون في فقر في عام 2000 حتى تضاعف معدل الفقر الرسمي تقريبًا ليصل إلى 32.5 % من السكان المصريين في عام 2018. في سياقات التضخم المرتفعة، يمكن أن يساعد إظهار عدم تناسق معدلات التضخم بين الفئات الاجتماعية المختلفة في جعل النقاش حول التضخم أكثر ارتباطًا بمعدلات اللامساواة والفقر المتزايدة.

علاوة على ذلك، يظهر التضخم أيضًا كآلية محايدة نظرًا إلى أنه ظاهرة تؤثر بشكل أولي على السلع، وتؤثر على المواطنين بشكل ثانوي. في المقابل، تختلف الضرائب على مستوى العالم بناءً على أنماط دخل وإنفاق المواطن، ومن ثَم يصعب إخفاء حساسيتها تجاه الوضع الاجتماعي والاقتصادي لدافعي الضرائب. من ناحية أخرى، لا يُنظر إلى التضخم باعتباره تراجعيًّا إلا لأن الأثرياء أكثر قدرة على التحوط ضده، لكنه يظل مقبولًا على نطاق واسع كضريبة ثابتة ومحايدة على المعاملات النقدية.

ومع ذلك، يمكن أن تُظهر بيانات التضخم المصنفة حسب الفئات الاجتماعية أنه مثله مثل الضرائب، يمكن أن تكون أيضًا ضريبة شديدة التراجعية على المعاملات النقدية، ليس فقط لأن الأثرياء أكثر قدرة على التحوط ضده، ولكن أيضًا بسبب الاختلاف الكامن بين أنماط استهلاك المجموعات الاجتماعية المختلفة. كما ذُكر أعلاه، إذا كان الغذاء، الذي يشكل الجزء الأكبر من إنفاق الفئات ذات الدخل المنخفض، يختبر معدلات ارتفاع الأسعار أسرع من مجموعات السلع والخدمات الأخرى، فمن المرجح أن تعاني الفئات ذات الدخل المنخفض من معدلات تضخم أعلى مقارنة بفئات الدخل الأعلى. كان هذا هو الحال بالفعل في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة.

على سبيل المثال، كان معدل التضخم العالمي في عام 2018 يقدر بـ2.5 %، في حين بلغ معدل تضخم الغذاء العالمي نحو 4 % في العام ذاته. في بنجلاديش، يُظهر مؤشر أسعار الاحتياجات الأساسية (Basic Needs Price Index)، والذي يتكوَّن بشكل أساسي من المواد الغذائية، ارتفاعًا في سعر زيادة الاحتياجات الأساسية بلغ 85.8 % خلال الفترة من 2005 إلى 2010، مقارنة بـ 44 % في السلسلة الرسمية لمؤشر أسعار المستهلكين.1

الوضع المتميز للإحصاءات في اللغة والخطاب

طالما كان هناك قدر كبير من النقاشات والبحوث حول التضخم في جميع مدارس الفكر الاقتصادي. في الغرب، يمكن على الأقل تتبع دراسات التضخم في العصر الحديث إلى ديفيد هيوم عندما صاغ نظريته الكمية عن النقود.2 في فترة ما قبل الحداثة، صاغت أيضًا أسماء مثل ابن خلدون والغزالي والمقريزي نظريات عن التضخم. تُركز معظم النظريات الحديثة للتضخم على القضايا المتعلقة بالعلاقة بين التضخم والعمالة وتأثير زيادة المعروض من النقود على الطلب الكلي (مثل المدرسة الكينزية والكينزية الجديدة)، وبالطبع تأثير المعروض النقدي على السعر واستقرار السوق (مثل المدرسة النقدية). عندما يتم الربط بين التضخم وعدم المساواة، فإن معظم التركيز ينصب على السلوك التوزيعي للأموال التي تُضخ في السوق حديثًا، وعلى القضايا المتعلقة بالتوقع والمعلومات التي تتيح للأثرياء التحوط بشكل أفضل ضد التضخم (مثل المدرسة النمساوية).

نظرت المدرسة النمساوية، وهي المدرسة التي وضعت أكثر الروابط بين التضخم وعدم المساواة، إلى التضخم في الغالب من منظور تآكل الثروة الذي يؤثر على المقتنيات النقدية ويفيد المستقبلين الأوائل للنقد الجديد كما في نظرية عدم حياد المال،3 فضلًا عن الوصول إلى المعلومات حول جوانب التضخم التي وفقًا لهذا الرأي تزيد من عدم المساواة. ومع ذلك، لا يزال هناك القليل من الأبحاث والفجوة المعرفية الكبيرة في التضخم باعتباره من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة؛ فيما يتعلق بتفاوت أنماط الاستهلاك والإنفاق بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية، والتي غالبًا ما تُخفى بمعدلات تضخم موحدة. يمكن استخدام عدم التناسق في أنماط الاستهلاك بين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للدفع بأن معدلات التضخم الوطنية تشبه المفهوم اللغوي والخطابي للدال الفارغ أو الدلالة الفارغة.

يعرف دانيال تشاندلر (2018) مفهوم الدلالة الفارغة بأنها «دلالة ذات مدلول غامض أو شديد التغير أو غير محدد أو غير موجود».

وقد شكَّلت الدلالة الفارغة مفهومًا بارزًا في دراسات الخطاب والعرق والدراسات الجنسانية، وخصوصًا في التقليد ما بعد البنيوي. ستيوارت هول، على سبيل المثال، اشتهر بوصفه للعرق بأنه دلالة عائمة.4
يهدف هذا المقال إلى توسيع نطاق استخدام هذا المفهوم ليشمل قضية الإحصاءات الاقتصادية الوطنية ويحاول اقتراح طرق لتحسين إنتاج الإحصاءات الاقتصادية لتحسين دلالاتها وجعلها أقرب إلى التجارب الحية لأغلب الناس.

وقد طوِّر مفهوم «الدلالة العائمة» وثيق الصلة بالدلالة الفارغة في مجال الأنثروبولوجيا من قبل كلود ليفي شتراوس، باعتبارها دلالة «تمثل كمية غير محددة من الاستدلال، في حد ذاتها فارغة من المعنى ومن ثَم عرضة لتلقي أي معنى». وفقًا لإشارات ليفي شتراوس فالدلالة العائمة «إعاقة لكل الفكر المحدود» و»ضمانة الفن كله، كل الشعر، كل اختراع أسطوري وجمالي».5 بالنسبة لـليفي شتراوس، تعد الدلالة العائمة «رمزًا في أكثر حالاته نقاءً، ومن ثَم يمكن تحميله بأي محتوى رمزي».6

أما عند إرنستو لاكلاو، فإن الدلالة الفارغة هي نتاج عملية هيمنة سياسية تدل على عدم وجود شيء ما؛ يُبنى هذا النقص نتيجة لتوحيد العديد من المطالب من خلال سلسلة من التكافؤ التي تمحو المنطق التفاضلي لهذه المطالب. تؤدي هذه المطالب غير الملباة إلى إنشاء كلية غير مكتملة (مثل الحرية أو الاستقرار أو العدالة الاجتماعية، إلخ). تصبح هذه الكُليّات دلالات فارغة تنتظر قوة سياسية لتقديم برنامج يعد بملء هذا النقص. بالنسبة للاكلاو «لتهيمن على شيء هو بالضبط أن تقوم بملء هذا النقص».7

في مجالات اللغويات السوسيرية (نسبة إلى فرديناند دي سوسير)، تتكون اللغة في الغالب من دلالات تشير إلى أشياء أو مفاهيم محددة من الواقع (مدلولات)، ولكن نظريات اللغة ما بعد السوسيرية عطلت هذه العلاقة من خلال إبراز أن علامات اللغة ليست مجرد تمثيل لمفاهيم (مدلولات)، ويمكن أن تقع في عملية لا نهائية من الإحالات لدلالات أخرى كما هو الحال في مفهوم جاك ديريدا عن الاختلاف والإحالة différance (أو يمكن بالطبع أن تكون فارغة أو عائمة كما نوقشت بالفعل).

أكد ليفي-شتراوس أيضًا أن العلاقة بين الدلالات والمدلولات ليست مجرد علاقة تكافؤ، أي أنه لا يوجد مخزون متساوٍ من الدلالات والمدلولات، إذ تشير كل دلالة إلى مدلول واحد. يقول ليفي شتراوس إن كل إنسان لديه تحت تصرفه مجموع من الدلالات، وهو في حيرة من أمره لمعرفة كيفية تخصيصها لمدلولات معينة، وأن هناك دائمًا عدم تكافؤ أو عدم كفاية (أي عدم ملاءمة أو فائض) بين الاثنين. يعتبر فائض الدلالات ضروريًّا، من وجهة نظر ليفي شتراوس، في عملية سعي الإنسان لفهم العالم.8

هذا الاختلال بين الدلالات والمدلولات هو ما يجعل ظهور الدلالات العائمة أو الفارغة ممكنًا كفائض من الدلالات دون مدلولات واضحة (أي رمز في شكله النقي) أو ما وصفه ليفي شتراوس بـ»رمز صفري». بمعنى آخر، هو عبارة عن مجموعة من الدلالات التي تدور وظيفتها حول كونها متاحة بسهولة لينسب إليها معان مختلفة حسب الاقتضاء.

كذلك زعم المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان، أن المدلول لا ينتظر أن تُمثله دلالة، لكن الدلالة هي التي تُنشئ المدلول. بالنسبة للاكان، هذا مؤشر على أن اللغة تسبق دائمًا العالم الذي تمثله، وأن الكلمات التي نستخدمها لها وظيفة تتجاوز الحاجة إلى التواصل. توفر لنا الدلالات طريقة لفهم كيف يمكن للتجربة أن تترك أثرًا غير مرتبط مباشرة بها. يستخدم لاكان بعد ذلك هذا المفهوم لتشبيه اللاوعي ذاته باللغة في تعبيره الشهير بأن «اللاوعي مبني مثل اللغة» ما دام اللاوعي ليس ببساطة مستودع للدوافع أو غرفة تخزين للأشياء/ representation لكنه في الوقت نفسه، مثل اللغة، يسبق العالم الذي يمثله.9

كما رأينا، ظهر مفهوم الدلالات العائمة/الفارغة في أنثروبولوجيا ليفي شتراوس، ودراسات هول الثقافية، ونظرية لاكلو السياسية، وحتى تحليل لاكان النفسي. ومع ذلك يبقى المفهوم غائبًا عن الإحصاءات الاقتصادية.

ربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الإحصاءات نادرًا ما تقع في نطاق دراسات اللغة أو الخطاب، ومن ثَم تظل علاقات الدلالة بين الإحصاءات من جهة والمفاهيم في الواقع من جهة أخرى غير مستكشفة. ولكن ربما يكون هذا جزءًا من مشكلة أكثر عمومية؛ إذ بقيت الإحصاءات الاقتصادية خارج نطاق وتركيز العلوم الاجتماعية بسبب الفصل الكيفي/الكمي الحاد بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية الأخرى؛10 ومن ثَم، فقد تُرك التعامل مع الإحصاء الاقتصادي إلى حد كبير لعلماء الاقتصاد القياسي econometrics وخبراء الاقتصاد السائد mainstream economics، ويهيمن عليه إلى درجة كبيرة نهج كمي.

ولكن ما هو الخطاب بالضبط، ولماذا هو مهم لدراسة الإحصاءات الاقتصادية؟ الخطاب مفهوم شائك يصعب تحديده بشكل خاص، أُنشئ من قبل علماء الاجتماع للدلالة على دراسة اللغة التي تأخذ السلطة والقوة في الاعتبار. يقول كيث سوير أن الخطاب أصبح يحل محل مفاهيم «الثقافة» و»الأيديولوجية» و»اللغة» إلى حد كبير في مجالات العلوم الاجتماعية بسبب معناه السائل.11

يجادل سوير بأن الخطاب جاء ليحل محل الإيديولوجية لأن الأخيرة ترتبط منذ فترة طويلة بقراءة أرثوذكسية للقاعدة/البنية الفوقية الماركسية، إذ تُقدَّم الأيديولوجية بتبسيط مخل كنتيجة فقط لعلاقات الإنتاج في المجتمعات. الاهتمام المتزايد بالثقافة الذي ربما بدأ بمدرسة فرانكفورت أو ما أطلق عليه «الماركسية الثقافية»، انتقد لاحقًا بسبب كونها (أي الماركسية الثقافية) مفرطة أيضًا في اختزاليتها. بالنسبة للغة، يجادل سوير بأن الخطاب حل محلها لأن اللغة كانت مركزة بشكل ضيق للغاية على النظم الرمزية والرموز. البعد الخطابي الذي يهم هذه المقالة هو الذي يميزها عن اللغة من خلال تضمين دلالات القوة والصراع، أي اللغة مجالًا للنزاع.

تعرضت دراسة الخطاب لانتقادات على العديد من الجبهات. من ضمن تلك الانتقادات هو كونها مجالًا لاتاريخانيًّا، وتركيزها على المجتمعات الفردية كنظم قائمة بذاتها،12 ولكن هناك شيء واحد تجاهله بالكامل منظرو ومنتقدو دراسات الخطاب على حد سواء، وهو الفشل في جلب الإحصاءات تحت مظلتها. الإحصاءات -تمامًا مثل اللغة النحوية مليئة بالتحيزات ودلالات القوة، وتساهم بشكل كبير في إساءة تحديد أوجه عدم المساواة الصارخة، كما سيتم مناقشته في مثالنا أدناه عن التضخم.

ولكن ما هو الخطاب وما هو الذي يميزه عن اللغة النحوية؟ ميز الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه الشهير حفريات المعرفة بين نوعين من العلامات، وهما العبارة والجملة.13 لا يمكن فهم العبارة إلا من حيث علاقتها بمفهوم الخطاب. بالنسبة لفوكو، فإن العبارة هي حجر بناء الخطاب أو ذرة الخطاب. يكتب فوكو أنه قبل الشروع في كتابة حفريات المعرفة، استخدم مصطلح «الخطاب» بثلاث طرق مختلفة؛ الأولى تمثل المعنى الأكثر «عمومية» و»غموضًا» وتدل على مجموعة من العروض اللفظية التي تنتجها مجموعة من العلامات. والثانية هي الخطاب كمجموعة من أعمال الصياغة، أي سلسلة من الجمل أو الافتراضات. المعنى الثالث، وهو المعنى المستخدم في حفريات المعرفة، فيه الخطاب «يتكون من مجموعة من متواليات الإشارات، بقدر ما هي عبارات، أي بقدر ما يمكن نسبتها إلى نمط معين من أنماط الوجود».

يجادل فوكو بأن العبارات تختلف عن الجمل النحوية وأنه «من السهل ذكر العبارات التي لا تتوافق مع التركيب اللغوي للجمل» بما في ذلك «الجداول التصنيفية للأنواع النباتية، وأشجار الأنساب، ودفاتر الحسابات، وحسابات الميزان التجاري.» يعتبر فوكو إذن وبوضوح أن محتويات دفاتر الحسابات والأرصدة التجارية وما إلى ذلك عبارات؛ حتى لو كانت لا تشكل جملًا نحوية، ومن ثَم ينبغي أن تكون وحدات أولية (أو ذرات) يتشكل منها خطاب أوسع. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بمناقشة الخطاب نفسه، لا تختفي الإحصاءات فقط من عمل فوكو، ولكن أيضًا من عمل معظم منظري وممارسي الخطاب الآخرين. إن ما ركز عليه معظم محللي الخطاب فعليًّا هو الجمل النحوية وليس العبارات.

وبسبب عدم خضوعها لتحليلات وانتقادات مماثلة للغة النحوية، انتهى الأمر بالإحصاءات الاقتصادية إلى الحصول على معاملة مميزة كتعبيرات قبل خطابية أو خارج الخطاب. لم تتعطل العلاقة بين الإحصاءات كدلالات من جانب ومدلولاتها من جانب آخر بطريقة الأشكال الأخرى من العلامات نفسها. بالنسبة للأشكال الأخرى من العلامات مثل الكلمة المكتوبة، تخبرنا نظرية الخطاب أن المعاني (في صيغة الجمع) تكمن مع القارئ ومن ثَم فهي متعددة ومفتوحة للتفسير14، لكن صمتها حول الإحصاءات يجعل معانيها لا تزال كامنة في الأعداد نفسها، أو النص ذاته، ومن ثَم لا يزال التعامل معها إلى حد كبير كبديهية وكمجال خاليًا من الخلاف.

من المهم أن نلاحظ هنا أن الإحصاءات تُحفز بعض أشكال الخطاب الاقتصادي النقدي، مثل مناقشة مسألة جدوى الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر للرفاه. ومع ذلك، فإن عددًا قليلًا جدًا سوف يتساءل عن حقيقة وقيمة تمثيل معدلات الناتج المحلي الإجمالي، وسوف يتحدى فقط فائدة هذه الحقيقة لقياس جوانب معينة من الحياة الجماعية لسكان معينين، مثل رفاههم، وغيره.
على سبيل المثال، لورنزو فيورمينتي، الذي بحث بشكل مكثف فائدة بعض الإحصاءات الاقتصادية بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي يكتب: يجب أن يكون المجتمع الصحي قادرًا على التمييز بين مجالات السياسة التي يكون فيها القياس مفيدًا، ومجالات السياسة التي لا يكون فيها مفيدًا. هناك حدود لما يمكننا قياسه. إذا تمادينا في عقلانيتنا الرقمية بعيدًا، فسوف ينتهي بنا الأمر إلى تبسيط الواقع. عندما يحدث هذا، تصبح أدوات القياس لدينا أكثر أهمية مما نقيسه. لقد انتهى بنا المطاف بالرغبة في قياس ما يمكننا قياسه، بدلًا من قياس ما نريد قياسه. ينتهي الأمر بالتلاميذ إلى دراسة ما هو مهم للاختبارات فقط، ويركز الأزواج على الكمية وليس على جودة العاطفة، ويصبح العمال من جميع الأنواع عبيدًا لشروط الإنتاجية المفروضة عليهم.15

هنا فيورمينتي لا يلقي أدنى شك على قوة تمثيل الأرقام، ولكن كل ما يطرحه هو جدواها واحتمال أن تكون هناك مبالغة في تبسيط الواقع؛ ومع ذلك، لا يزال الاتصال بحقيقة معينة موجودًا حتى إذا كانت هناك مخاطر من التبسيط المفرط لهذه الحقيقة. بهذا المعنى، لا تزال الإحصاءات موجودة خارج الخطاب وقبله حتى لو نشأت عنها بعض أشكال الخطاب. لذلك من المهم عدم الخلط بين «الخطاب حول الإحصاءات» الموجود بشكل متطور إلى حد ما و»الإحصاءات كخطاب» التي تجادل المقالة بأنه غائب إلى حد كبير.

لجعل هذه النقطة أكثر وضوحًا، تعمل الإحصاءات بهذا المعنى مركزًا بالمعنى الدريدي (نسبة للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا) للمصطلح؛ عندما حاول شرح طريقة عمل البُنى في محاضرته المهمة عام 1966 بعنوان «البنية والعلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية». طرح دريدا أن المركز يحد من اللعب في البنية بأكملها، ويقوم المركز كذلك بتوجيه وتنظيم البنية ككل. المركز الدريدي هو النقطة التي تحكم البنية، النقطة التي لم يعد من الممكن فيها استبدال المحتويات أو العناصر أو المصطلحات. إنها أرضية أساسية، تقع خارج متناول اللعب. بهذا المعنى، إذا كان الخطاب الاقتصادي بنية فإن الإحصاءات تعمل مركزًا لها، حيث تقوم بتوجيه وتنظيم الخطاب الاقتصادي ولكنها تقع خارج نطاق لعبه (أي الخطاب).

ما الذي يكمن وراء معدلات التضخم الوطنية؟

يعتمد المقال على بيانات الدخل والإنفاق لعام 2015 الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS). تتكون مجموعة البيانات من نحو 12000 أسرة، صُنفت إلى مجموعات اجتماعية بدلًا من الشرائح العشرية المعتادة. المجموعات الاجتماعية التي يركز عليها هذا المقال هم أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر، والفقراء، والمهددون بالفقر، ويشار إليهم مجتمعين باسم الفئات ذات الدخل المنخفض.

تتكون المجموعة الأولى من الفقراء المدقعين من أسر تقل نفقاتها السنوية عن 322 جنيهًا مصريًّا للفرد شهريًّا في عام 2015، وتشكل نحو 904 أسرة. المجموعة الثانية تتكون من أسر فقيرة، وتشمل الأسر التي يتراوح إنفاقها بين 322 جنيهًا مصريًا و482 جنيهًا مصريًّا للفرد شهريًّا في عام 2015 وتتكون هذه المجموعة من 2858 أسرة. المجموعة الثالثة والأخيرة هي مجموعة المهددون بالفقر، والتي تتألف من أسر تتراوح نفقاتها بين 482 جنيهًا و626 جنيهًا مصريًّا للفرد شهريًّا وتتألف من 2626 أسرة. تتبع هذه التعريفات القائمة على الدخل التعريفات الوطنية للمجموعات الثلاث في عام 2015.

يؤكد تحليل مُفصل لبيانات الدخل والإنفاق التي تغطي نحو 12000 أسرة أن السلة الافتراضية التي تحدد معدل التضخم الوطني بعيدة جدًا عن تجربة الغالبية العظمى من السكان، مما يجعل معدل التضخم الوطني هذا دلالة فارغة أو عائمة، أو عبارة تدعي أنها تمثل التجربة الحية للسكان، لكنها في الواقع تفشل في تحقيق ذلك.

المجموعة التي تمثل أكبر قدر من الابتعاد عن معدل التضخم الوطني هم الفقراء المعدمون، أو أولئك الذين أنفقوا أقل من 382 جنيه للفرد شهريًّا في عام 2015. على سبيل المثال، تنفق هذه المجموعة على الغذاء نحو 54.96 % من دخلها. في سلة الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الرسمية، لا يُشكل الغذاء سوى 39.92 % من إجمالي سلة النفقات. جزء من السبب وراء هذه الفجوة هو أنه في مؤشر أسعار المستهلكين الرسمي، يحتسب الإيجار كنفقات، ولكن نظرًا إلى عدم كونه نفقات فعلية، قرر فريق البحث أنه ليس له أي تأثير على معدلات التضخم، ومن ثَم حذفناه. وقد ساهم ذلك في زيادة أكثر من 6.5 % في الإنفاق على المواد الغذائية لفئة الفقراء المعدمين، ويشبه ذلك أنماط الإنفاق الفعلية بشكل أفضل مقارنةً بالسيناريو الذي يضيف نفقات افتراضية كالإيجار المحتسب.

إن إدراج الإنفاق الافتراضي مثل الإيجار المحتسب هو عامل آخر يؤدي إلى انخفاض متوسط جميع عناصر مؤشر أسعار المستهلكين الأخرى بشكل مصطنع، مما قد يجعل معدل التضخم الإجمالي أقل مما تواجهه الغالبية العظمى من السكان، لأنه يؤدي إلى تضخيم وزن الإنفاق على السكن والذي تقل معدلات تضخمه عن المواد الغذائية في السنوات الأخيرة (انظر الجدول 1). على سبيل المثال، بلغت الزيادة في مؤشر أسعار المستهلكين الغذائي بين عامي 2015 ويونيو 2019 ما نسبته 98.3 %، في حين بلغت 40.5 % للسكن. بمعنى آخر، كلما تضخمت البنود ذات التضخم المنخفض، كلما قل معدل التضخم الإجمالي.

علاوة على ذلك، هناك سبب قوي للاعتقاد بأن معدل الإنفاق على الغذاء البالغ 54.96 % بالنسبة للفقراء المدقعين منحاز لأسفل، لأن صندوق النقد الدولي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يحسبان سلة الغذاء للفقراء (ناهيك بالفقراء المعدمين) بنسبة 74 % (البنك الدولي، 2011). كان الغذاء هو ثالث أكثر النفقات تضخمًا منذ ما قبل بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي (انظر الجدول 1) من أصل 12 فئة من فئات الإنفاق أو مؤشر أسعار المستهلك. يأتي الغذاء، وهو وجه الإنفاق الرئيسي للفقراء، بعد «الترفيه والثقافة» و»السلع الأخرى»، وهما بندان صغيران للغاية، ولا يوجد تباين كبير في الوزن بين سلة الفقر المدقع والسلة الوطنية اللتان تشكلان معًا ما لا يزيد عن 6.23 % من إنفاق الفقراء المدقعين، وهو قريب بما يكفي من الـ6.16 % التي تمثلها في مؤشر أسعار المستهلكين الرسمي الذي يحدد معدلات التضخم الوطنية (انظر الجدول 2). لذلك لا يزال الغذاء يمثل البند الذي به أكبر قدر من التباين بين سلة الفقر المدقع والسلة الوطنية.

يصبح من الواضح أنه كلما ارتفعت في سلم الإنفاق، انخفض الإنفاق على الغذاء كنسبة من إجمالي الإنفاق. بالنسبة للفئة الاجتماعية الفقيرة، يصبح الإنفاق على الغذاء 51.35 % باتباع طريقة إزالة «الإيجار المحتسب» نفسها، ويصبح المهددون بالفقر 47.5 %، ولا يزالون بعيدون عن النسبة الرسمية البالغة 39.92 %، خصوصًا بعد معرفة احتمالية أن يكون هناك انحياز لأسفل في نسب إنفاق الفئات ذات الدخل المنخفض على الغذاء.

دفاعًا عن البيانات المُفَصلة والكيفية

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفئات الثلاث تمثل أكثر من 63 % من العينة، مما يعني مرة أخرى أن أكثر من نصف السكان على الأقل لا يمكنهم ربط تجربتهم بمعدلات التضخم الوطنية. في الوقت نفسه من المستحيل وجود إحصاءات تستند إلى إجماليات ومتوسطات لا تشبه الدلالات العائمة أو الفارغة لأنها بالتعريف لن تشير إلى تجربة أي شخص في الواقع. كما أن تصنيف معدلات التضخم وفقًا لمعايير مختلفة قادر على الأقل على تقريب معدلات التضخم المختلفة من تجارب الفئات الاجتماعية المختلفة. كلما كانت المعدلات تفصيلية ومتعددة أكثر، كلما تحسنت قابليتها لتمثيل الفئات الاجتماعية المختلفة.

ولا تقتصر مشكلة عدم تمثيل معدلات التضخم لتجارب المواطنين الحية على مصر بطبيعة الحال. على سبيل المثال، لاحظت مبادرة أبحاث الفقر (Poverty Research Initiative) أنه في أيرلندا بين عامي 1996 و2001، ارتفعت الأسعار بالنسبة لفقراء الحضر بشكل أعلى مقارنة بالسكان ككل.16 وذكرت المبادرة في تقريرها:

“يجب على المكتب الإحصائي المركزي الأيرلندي حساب مؤشرات أسعار مستهلك منفصلة لفئات الأسر المختلفة وإتاحتها لواضعي السياسات والجمهور. ببساطة نشر مؤشر أسعار المستهلك للمعدل الوطني يعني أنه لا توجد معلومات متاحة عن الزيادات الحقيقية في الأسعار التي تختبرها الفئات المختلفة في المجتمع. لا ينبغي أن يتضمن تجميع مثل هذه المؤشرات المتنوعة للفئات المختلفة زيادة كبيرة في الموارد من جانب المكتب الإحصائي الأيرلندي».17

في المملكة المتحدة أيضًا، تبيَّن أن أفقر 20 % من السكان يواجهون معدل تضخم أعلى من جميع شرائح الدخل الأخرى في كل الأعوام بين 2003 إلى 2013 باستثناء عام واحد.18 لدى الوكالات الإحصائية البيانات، والعديد منها يُفَصَلها؛ لذلك، لن تكون هناك حاجة إلى موارد إضافية لجعل بيانات التضخم مصنفة ومتاحة بشكل دوري.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد دراسات التضخم من البحث الكيفي لتوفير تحليل متعمق للتجارب الحية التي لا يوفرها الاقتصاد الكلي الكمي وعادة ما يفشل في رصدها. لطالما افتخر مجال الاقتصاد بنماذجه الكمية «الصارمة» مقابل نماذج العلوم الاجتماعية «الأضعف» التي تعتمد بدرجة أكبر على التحليل النوعي «الأقل صرامة».19 وعلى الرغم من ذلك، لقد ثَبُت مرة تلو الأخرى أن هذه الصرامة المزعومة مليئة بأوجه القصور، وقد يكون الوقت قد حان للاقتصاد لتبني بعض تقنيات العلوم الاجتماعية الأخرى.

على سبيل المثال، في السعي إلى تحديد مؤشر أسعار المستهلكين الفقراء، يجب أولًا تحديد تعريف للفقر. وفقًا للنُهُج الكمية التقليدية، عادة ما يكون الدخل والنفقات القابلة للقياس الكمي هو المحدد الوحيد لما يعنيه أن يكون المرء فقيرًا. ومع ذلك، يمكن للأساليب الكيفية أن تسمح للناس بأن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم فقراء أو لا؛ اعتمادًا على فكرة الحرمان الناتج عن عوامل متعددة، وليس فقط الناتج عن الدخل.20 يمكن أيضًا تصميم هذا النهج الكيفي مع وضع غرض محدد في الاعتبار، على سبيل المثال، فهم تجارب التضخم الخاصة بالنوع الاجتماعي (الجندر) بشكل أفضل.

خاتمة

طرح هذا المقال أن معدلات التضخم الوطنية القائمة على أنماط استهلاك افتراضية يمكن أن تخفي التراجعية الشديدة لمعدلات التضخم المرتفعة التي شهدتها مصر مؤخرًا. ودعا إلى التحدث عن «معدلات التضخم» في صيغة الجمع بدلًا من «معدل التضخم» في صيغة المفرد. من خلال الحصول على معدل تضخم وطني موحد، فإن الافتراض هو أن الجميع يتحملون العبء الأكبر للتضخم بشكل متساوٍ وأن الجميع يعانون منه بالقدر نفسه.

وختامًا، لا يمكن اعتبار الإحصاءات التي تركز على المتوسطات كما هو الحال في معدلات التضخم والإجماليات كما في الناتج المحلي الإجمالي تمثيلًا للواقع، لأن سؤال «واقع من؟» سيطرح نفسه حينها. تخبرنا المتوسطات والمجاميع ربما بشيء عن مجموع تجارب كل الأفراد، ولكنها لا تخبرنا شيئًا تقريبًا عن تجارب المكونات المختلفة لهذا المجموع. لذلك، فإن هذه الإحصاءات تشبه الدلالات الفارغة المرتبطة بمدلولات غير موجودة، وتبدو أشبه بالخطاب أكثر من كونها حقيقة خارجة عنه وسابقة عليه.

كذلك طرح المقال أنه من خلال تصنيف البيانات ودعم التحليل الكمي بالتحليل الكيفي الذي يعتمد بدرجة أقل على المسوحات واسعة النطاق ويعتمد أكثر على مقابلات مطولة على عينات صغيرة، يمكن للإحصاءات الاقتصادية أن تتحرك خطوة أقرب إلى تمثيل أفضل للحقائق الحية المتنوعة والفئات الاجتماعية المختلفة. ومن الممكن أن يساعد ذلك في تحسين جودة السياسات العامة حال توافرت إرادة سياسية للقضاء على الفقر والحد من اللامساواة، ومساعدة مجموعات الدعوة والمناصرة في مجالات العدالة الاقتصادية ومحاربة الفقر على تبني نضالات مبنية على قدر أكبر من المعرفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد البيانات المصنفة على الكشف عن المسببات الخفية لعدم المساواة وإضفاء الطابع الديمقراطي على إنتاج الإحصاءات.

* شكر خاص للباحث الاقتصادي محمد سلطان والذي ساهم بعدة أشكال مباشرة وغير مباشرة في عمليات البحث وتطوير الأفكار التي اعتمد عليها المقال، والشكر أيضًا موصول لوحدة الحقوق الاقتصادية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وتحديدًا سلمى حسين وعبد الحميد مكاوي ومي قابيل، لزمالتهم في مشروع مؤشرات التضخم البديلة والتي أيضًا اعتمد المقال على الكثير من المناقشات والأفكار والبيانات المرتبطة بالمشروع. ومع تثمين هذه الأدوار الملهمة، أظل وحدي مسؤولًا عن أفكار المقال وأي نقاط ضعف محتملة فيه.

المراجع:

Atkinson, A. B. (2019). Measuring poverty around the world. Princeton and Oxford: Princeton University Press.

Balac, Z. (2008). Monetary Inflation’s Effect on Wealth Inequality: An Austrian Analysis. The Quarterly Journal of Austrian Economics, 11(1), 1–17. doi: 10.1007/s12113-008-9028-4

Barthes, R. (2017). The Death of the Author. The Continental Aesthetics Reader, 519–524. doi: 10.4324/9781351226387-35

Blommaert, J. (2005). Discourse: A Critical Introduction. Cambridge: Cambridge University Press.

Carvalho, S., & White, H. (2010, July 01). Combining the quantitative and qualitative approaches to poverty measurement and analysis : The practice and the potential. Retrieved August 16, 2019, from http://documents.worldbank.org/curated/en/443151468739272919/Combining-the-quantitative-and-qualitative-approaches-to-poverty-measurement-and-analysis-the-practice-and-the-potential

Chandler, D. (2017). Semiotics: the basics (3rd ed.). New York, NY: Routledge.

Derrida, J. (1970). Structure, Sign, and Play in the Discourse of the Human Sciences. Retrieved from http://www2.csudh.edu/ccauthen/576f13/DrrdaSSP.pd

Feher-Gurewich, J. (2003). A Lacanian approach to the logic of perversion. In The Cambridge companion to Lacan(pp. 191–207). Cambridge: Cambridge University Press.

Figuera, S. (2018). Considerations on Islamic Economic Thought Regarding Monetary Matters in the Middle Ages. OEconomia, (8-1), 1–28. doi: 10.4000/oeconomia.2928

Fioramonti, L. (2014). How numbers rule the world: the use and abuse of statistics in global politics. London: Zed Books.

Flower, T., & Wales, P. Variation in the inflation experience of UK households: 2003 - 2014 (2014). Office for National Statistics.

Foucault, M. (1969). What is an author? Retrieved from https://www.open.edu/openlearn/ocw/pluginfile.php/624849/mod_resource/content/1/a840_1_michel_foucault.pdf

Foucault, M. (2002). The Archeology of Knowledge. London: Routledge.

Ivanic, M., & Martin, W. (2018, April). Implications of Higher Global Food Prices for Poverty in Low-Income Countries. Retrieved from http://documents.worldbank.org/curated/en/253001468150585777/pdf/wps4594.pdf

Jhally, S. (1997). Stuart Hall: Race, the floating signifier. USA: Media Education Foundation. Retrieved August 16, 2019, from http://bufvc.ac.uk/dvdfind/index.php/title/av75800

Laclau, E. (2007). Emancipation(s). London: Verso.

Lévi-Strauss, C. (1987). Introduction to the Work of Marcel Mauss. London: Routledge & Kegan Paul.

Mehlman, J. (1972). The ‘Floating Signifier’: From Lévi-Strauss to Lacan. Yale French Studies, (48), 10. doi: 10.2307/2929621

Monaghan, A. (2014, December 15). Britain’s poorest households face higher rates of inflation, research suggests. Retrieved from https://www.theguardian.com/business/2014/dec/15/poorest-households-inflation-spending-income

Murphy, E., & Garvey, E. (2004, October). A Consumer Price Index for Low-Income Households in Ireland (1989-2001). Retrieved from http://citeseerx.ist.psu.edu/viewdoc/download?doi=10.1.1.499.3875&rep=rep1&type=pdf

Sawyer, R. K. (2002). A Discourse On Discourse: An Archeological History Of AnIntellectual Concept. Cultural Studies, 16(3), 433–456. doi: 10.1080/09502380210128324

Sultan, M. (2019, May 1). Retrieved from https://www.youtube.com/watch?v=l9v2WoRrkpg

Von Mises, L. (1939). The Non-Neutrality of Money. Retrieved August 17, 2019, from https://mises.org/library/money-method-and-market-process/html/p/377

World Bank. (2011). Arab Republic of Egypt Poverty in Egypt 2008-09: Withstanding the Global Economic Crisis. World Bank.

الهوامش:

1- Atkinson, 2019

2- Balac، 2008

3- Mises, 1939

4- Jhally, 1997

5- Levi-Strauss, 1987, p 63

6- Mehlman, 1972

7- Laclau, 2007, p 36-40

8- Levi-Strauss, 1987, p.62

9- Feher-Gurewich, 2003

10- White, 2002

11- Sawyer, 2002

12- Blommaert, 2005

13- Foucault, 2002

14- Foucault, 1969, Bart, 2017

15- Fioramonti, 2014, p.8-9

16- Murphy & Garvey, 2004

17- Murphy & Garvey, 2004

18- Monaghan, 2014

19- White, 2002

20- Carvalho& White, 2010