هموم
صبري السماكصناع الدراما سبب مشكلاتها.. ولا بد من تغيير قواعد اللعبة
2020.06.01
صناع الدراما سبب مشكلاتها.. ولا بد من تغيير قواعد اللعبة
بدأت المشكلة في الدراما، من أزمة صناعة السينما، حين تحول السينمائيون إلى صنَّاع دراما، في توقيت حرج، وجدت فيه العديد من الكفاءات في مجالات الإخراج والكتابة في السينما دون عمل، وهو وجود فكّر البعض في إمكانية استغلاله والاستفادة منه ومن ثم صناعة دراما جيدة، وكان أول من فتح الباب هو المخرج محمد علي حين قدم مسلسل "أهل كايرو"؛ وقتها شاهد الجمهور تكتنيك سينما جيد جدًا وأحبه، وبعدها دخلت أسماء أخرى مهمة في المشهد الدرامي، منهم محمد ياسين وخالد مرعي وتامر محسن وأحمد نادر جلال و كاملة ابو ذكري وهالة خليل، وأسماء أخرى أصبحت علامات.
لكن هذه النقلة من السينما إلى الدراما، كان لها سلبياتها، فقد حدث ضغط كبير، وتحول الموسم الرئيسى للدراما المصرية إلى شهر رمضان، مع حالة سكون طوال العام، وفجأة أصبح لدينا ٥٠ عملاً في شهر واحد، ففي عام الثورة ٢٠١١ كان لدينا ٤٨ عملاً دراميًّا، وهو رقم كبير جدًا، ومن ثم تغيرت مفردات اللعبة وأصبح هناك تنافس كبير، على الممثلين وصيغة المنافسة التي خلقها وقتها، كانت الأجور حتى إن أحدهم وصل أجره الى ٤٥ مليون جنيه! والغريب أن من أطلق تلك الشرارة، هو التليفزيون المصري نفسه، حين حاول إغراء النجم عادل إمام من أجل العودة للدراما فاتفق معه على مليون جنيه، في الحلقة الواحدة من المسلسل ليصل أجره إلى ٣٠ مليون جنيه في العمل الواحد، وأصبح فرق التوقيت أو الفاصل بين آخر أعماله "أحلام الفتى الطائر" والذي أنتج عام ١٩٧٨ وبين "فرقة ناجي عطا الله" عام ٢٠١٢؛ ٣٤ سنة و٣٠ مليون جنيه.
أما العقد الثاني فكان مع كريم عبد العزيز مقابل ٢٢ مليون جنيه، وحين تعثر "فرقة ناجي عطا الله" وقتها دخل أحد المنتجين وشارك فيه، وهو تامر مرسي وأعطى لعادل إمام ٤٥ مليون جنيه، إذن فصناع "الشغلانة" هم من أفسدوها، بالمنافسة على البطلات والأبطال وارتفاع الأجور بهذا الشكل، في حين أن الفني العادي يمنحه المنتج أقل من حقه ويعتبره سبب الأزمة وهو أمر غير صحيح.
قبل هذه الفترة، كان أقصى رقم سمعنا عنه كأجر للممثل ٥ ملايين جنيه، وهو تسبب في أن الصناعة بدأت" تاكل في بعض"، وكل شخص يزيد من سعره؛ المنتج ينافس المنتج، كما حدث من قبل بين لؤي عبد الله وعصام شعبان وعادل المغربي، حين وقعت غادة عبد الرازق مع أحدهم وعادت مرة أخرى للتوقيع مع من عرض عليها سعرًا أعلى، ومن ثم تحوَّل المشهد إلى مزاد كبير تسبب في مشكلات أكبر. وفي ظل هذه الأوضاع فالفنان مستفيد؛ إذ لديه تخوف دائم من مصير سعاد حسني وإسماعيل ياسين، وآخرين كانوا كبارًا يملكون المال وانتهت حياتهم نهاية بائسة، وهكذا أصبح الشعار "اللى تكسب به العب به" وأنا لا ألوم أحدًا. بعد ذلك، استيقظ الجميع على كابوس، وذلك حين زادت الخسائر ولم يعد هناك مردود لما أُنفق، وبلغت التكاليف والمصروفات ٤ مليارات جنيه، ووصل عائد الإعلانات إلى ٣ مليارات جنيه من المسلسلات والبرامج، ومن ثَم لا يوجد مكسب بعد كل هذا، يضاف إلى ذلك أن المعلن قد يؤجل الدفع والمنتجين والقنوات أيضًا، وهكذا كما لو أن الرأسمالية "حضنت بعضها"! وهنا تدخلت الدولة من خلال تأميم الإعلام بطريقة "شيك" ومختلفة من خلال شركة إعلام المصريين، وبدأت شراء القنوات، وتشغيلها، وظهرت خطة تقليل عدد المسلسلات، وإنقاص التكلفة وأساس ذلك كان الأجور، وأيضًا أجور الفنيين، وهو ما حدث بالفعل، ونقصت أجور الفنيين لكنهم تساهلوا ضمنيًّا في أجور الممثلين، وقد يكون هناك أجور "من تحت الترابيزة" وتعاقدات أخرى، ولكن ما يعلن ويقال إنه لا زيادة عن أرقام بعينها لكل شخص، وهنا تناسى الجميع فكرة الكفاءات والتفاوت التي تنص عليها الرأسمالية نفسها، وهو أمر مستحيل؛ فتامر محسن ليس مثل محمد ياسين أو كاملة أبو ذكري أو غيرهم، كل مخرج له طعم ولون وطريقة، وإن لم نعترف بهذا التفاوت نصبح جهلة، ووفقًا لهذا أصبح من هموم الدراما اختفاء التنوع المطلوب، بالإضافة إلى أن تقليل المصروف جعل القائمين على الإنتاج قد يعتمدون على مهندس ديكور واحد في عملين، وفى نفس الوقت هناك مهندس آخر في البيت لا يعمل، والمفارقة أن هناك مدير تصوير صور عملين، وهو أمر لم يحدث في تاريخ المهنة، لقد اندثرت الكفاءة واختفى التنوع. هناك أيضًا تأثير آخر على حساب العمل الدرامي مثل أن المعدات قد لا تصلح للمسافات المفتوحة، وقد لا تصلح لتلك الكادرات ولكن الصوت الدائم خلف المنفذ يقول: "مشي نفسك بأي حاجة"، ووصل الأمر أنك تشاهد الفنان بنفس الملابس في أكثر من عمل! علينا إذن الاعتراف أن من دمر الصناعة هم الصنّاع الرئيسيون، وليس الفنيون ولا العمال، وهو أمر مقصود، لأنها صناعة مهمة، هذه رسالة موجهة بوضوح: أنتم متسيدون هذه المنطقة بالقوة الناعمة، فلنتوجه إلى القوة الناعمة وندمرها، وعليه فإن من يريد أن يقول كلامًا مختلفًا لا يوجد له مكان، وما يقدم هو ما يريده المحتكر والمسيطر وحده، وفي السابق كانت الأدوات غير حديثة والتكنيك المرتبط بالتصوير بسيطًا، وغير متطور لكن الأعمال كانت أفضل كثيرًا، والآن تطورت أدوات الإنتاج بشكل كبير، الكاميرات تستطيع أن تأتي بأدق الصور في أحلك لحظات الظلمة والجرافيك يعوض أي خطأ، وحدث تطور هائل في أدوات الإنتاج يمكن استغلاله جيدًا، لكن علاقات الإنتاج لم تتطور بل عادت الى الوراء.
تظل الأعمال الجيدة محفورة في أذهان المشاهدين لفترات طويلة، لأنها صنعت بمزاج وحب وصدق، الحكاية تم حكايتها باحترافية، احترمت المشاهد وحرصت على أن يرى جمالاً كما حرصت على أن يكون كل مشهد "منور" ومن تلك الأعمال " ليالي الحلمية"، و"العائلة" وغيرهما، حتى إن بعض الأعمال الحالية التي تمر مرورًا نادرًا تظل أيضًا في الأذهان إذا توافرت تلك المعادلة السابقة، مثل"ذات"، و"أفراح القبة"، و"الشوارع الخلفية"، و"سجن النساء"، و"احة الغروب". أما الحلول لهذه المعضلات، فتأتي في خطوات كثيرة لتحويل الهموم إلى ذكرى والارتقاء بالصناعة، ومنها أن نكثف العمل ونخفض وقت الحلقة وهذه الحالة ستؤدي إلى خسارة في البيع لأن عُرف بيع المسلسل الآن من قبل المنتجين هو"البيع بالساعة"، ولهذا يمكن تغيير العُرف من الأساس الى البيع بالحلقة وفقًا لكفاءتها و"الكواليتي"، ومن ثَم تتغير محركات اللعبة. أما "الصلاحية الهندسية" فهو مصطلح آخر يشارك في حلول الأزمة، وهي تعني صلاحية الشريط المسجل عليه العمل، واستخدام الأدوات الخاصة بالتصوير جيدًا من عدمه، ومراجعة الصورة والملابس، والستايسلت، والعصر نفسه، وأن تقاس أدوات العمل وتقييم العمل من كل الجوانب، وذلك دون المرور بلجان وإجراءات بيروقراطية، يضاف إلى ذلك "لجنة القراءة" وهي اللجنة التي تراجع جميع السيناريوهات المعروضة على أي شركة إنتاج لتنفذها، كما يحدث في "العدل جروب" فاللجنة تراجع أي سيناريو مهما كان صاحبه واسمه، وتضع تقريرًا حول جودته وتجيز تنفيذه أو ترفض وفقًا للقصة والحبكة والتشويق والأهمية.
عودة "السباعية" أو مسلسلات السبع حلقات بأي شكل أمر مهم أيضًا لعلاج هذا الخلل الحادث، وكذلك عودة التمثيلية أو السهرة الدرامية والتي كانت تعتبر فيلمًا مصغرًا، واعتبر أن توقف حياة الصناعة على شهر رمضان أمرًا غريبًا يصنع عبئًا كبيرًا على الجميع، وضغطًا عصبيًّا ونفسيًّا على العاملين، فالجميع يريد العمل طول العام، وفكرة أن يبدأ العمل في مسلسلات رمضان قبلها بأربعة أشهر، فكرة مدمرة وتحرم العاملين من الإبداع، وهو من مصلحة المنتج كي لا تزيد مصروفاته، وهو أمر في حاجة إلى الانتباه من قبل القنوات التي تشتري الأعمال ولا تقبل الشراء في حالة ضعف "الكواليتي"، كما يجب ألا تصرف بقية المستحقات المالية إلا بعد التأكد من جودة العمل فالشراء "العمياني" أمر خطير.