المرايا

دودو بوسي

عنترة.. اليهودي-العربي والتوحُّد بالمضطَهِد

2019.05.31

مصدر الصورة : dw

ترجمة: محمود مرعي
مراجعة وتعليق: محمد حسني

عنترة.. اليهودي-العربي والتوحُّد بالمضطَهِد

 

«جرت أحداث هذا الفصل قبل اندلاع الانتفاضة الثانية»

كان اختياري لألمانيا مصادفة، فقد كان لصديق طفولتي قشقش الذي هاجر من إسرائيل قبلي بثلاث سنوات متجر أحذية فى برلين. فى مكالمات سابقة كان قد تعهد لي بأن يشغلني، وأن يسعى إلى إيجاد تصريح لي، كان الهبوط صعبًا، اشتد البرد حتى أخضعني تقريبًا. قضيت ليلتي الأولى في شقته، التي كانت عبارة عن غرفة واحدة، مزرية ومهملة، فى الناحية الشرقية للمدينة. تلك الليلة تساقط ثلج كثيف، ولم يعمل نظام التدفئة، فصاحبة البيت قد قطعته قبل ذلك بثلاثة أيام، لأنه تأخر فى دفع الإيجار. قلت له «يا للبشاعة! يمكن أن يموت الإنسان هنا من البرد، بكم تدين لها؟» وأخرجت نقودًا من حقيبة الوسط التي كانت لا تزال مربوطة حول بطني، بينما كنت أسأله. أحس قشقش بحرج شديد، ربما لم يتفاخر فى مكالماته السابقة ويقول إنه ثري، كما اعتاد المهاجرون من إسرائيل أن يفعلوا، ولكنه بالطبع لم يصور لي الحال على هذه الصورة.

رفض قشقش المساعدة قائلاً «لا يعني هذا أنني لا أملك المال، إنني أتعمد تأخير الإيجار، إنها فضولية وسليطة اللسان، بل إنها نازية، فحينما أكون في عملي تدخل شقتي وتفتش بين أغراضي، إنها مريضة نفسيًّا، فهي تتشاجر مع كل المستأجرين، إنها نموذج سيء». سألته «من يسكن هذا المنزل؟»، فأجابني «معظمهم عمال أجانب من تركيا، وبعض الطلاب العرب» قلت «أنصحك بأن تذهب وتسدد لها الإيجار، ليس لأنني أخشى البرد، فلقد نمت فى كمائن في لبنان في طقس متجمد، ولكن بكل حال لسنا في الحرب» ثم سألته «أين تسكن هي؟» فأجابني «في الطابق العلوي، ونظر إلى الساعة وأردف.. لكنها نائمة الآن بالتأكيد». قلت «أظنها ستسعد للاستيقاظ من أجل المال». 

أعتقد أن قشقش تكبد عناء الصعود إليها ودفع الإيجار ليرضيني، بعد ذلك بنصف الساعة تقريبًا عادت التدفئة للعمل. طلب مني قشقش أن أفرغ أغراضي من حقائبي، ولكنني لم أرغب فى المكوث عنده، أخبرته أنني سأقضي هذه الليلة وحسب لديه، وسأبحث عن نُزُل قريب غدًا. كنت مرهقًا من السفر، وخصوصًا من أيامي الأخيرة في إسرائيل، يتردد بداخلي الآن صوت أمي متوسلة إليَّ أن أبقى. استلقيت على الأريكة المهترأة ونمت. وفي الصباح، خرجنا أنا وقشقش إلى متجره، كانت هناك جرافة صغيرة تزيح الثلوج الكثيفة التي تكدست في الشوراع الضيقة، كان اليوم صحوًا، وكانت السماء صافية بلا سحب، ولكن البرد... اللعنة على البرد! سرت إلى جانب قشقش ذي الجسد الممتلئ، ودفنت عينيَّ في الأرض مفكرًا في الأسباب التي دفعتني لهجران وطني الذي أحببته.

في إسرائيل، كنت أحد أبناء عائلة شرقية، ولكي أثبت أنني لست بَليَّة ومتباكٍ أو طفيلي، كان عليَّ أن أتحول إلى مظلي يقوم بعمليات انتحارية، فعلت ذلك بشغف جم، وبإحساس أنني صاحب رسالة. تجندت برغبة شديدة فى إثبات ذلك، ولكي أندمج وأكون جزءًا من الحكاية الصهيونية. قاتلت بدافع غير معروف أو ربما كان معروفًا، لكي أتحول إلى ذلك الوسيم الدمث، وأوصف بمن يضحي بنفسه من أجل الوطن. كان لي دافع أعمى: أن ينقش اسمي على الحجر، لشخصية تذكر فى قصيدة، شيء من قبيل «لا بطل مثل دودو»4. كنت نتاج دولة عسكرية تقدس شهداءها وتعظم تضحياتها. دولة حولت أبناءها إلى تروس مُشحمة يجازفون بأنفسهم من أجل إدارة عجلة الاحتلال، دولة ملأت الدنيا بالخطب، والثرثرة بأن واجبي أن أقاتل من أجل بقائي. 

قضيت سنوات خدمتي العسكرية الست فى أعماق لبنان، وبعد ذلك فى قطاع غزة، وسواء هنا أم هناك ففي كل مهمة خطرة كنت أول من يرفع يده متطوعًا.

ترددت أغاني البلماح في داخلي بينما أقتحم بيوت المشتبه بهم، وتراءت لي صور المحرقة، التي شاهدتها على التليفزيون، بينما كنت أطهر أوكار المخربين، وقد اشتعل داخلي إحساس شعبي المطارَد بينما كنت اطارد أولئك الصبيان الذين يقذفوننا بالحجارة. أحسست في الجيش أني كُفء وابن أكفاء، خاطرت بنفسي من أجل زملائي في الوحدة، وعرَّضتها للهلاك من أجل سلامة الجميع، حميت ظهورهم في أثناء الهجمات، وأوقفت نزيف الجرحى، وأنعشتهم بالتنفس الصناعي، وأنقذت حياتهم. فعلت كل هذا بلا توانٍ حينما ترقيت لرتبة ضابط وأصبحت قائد فصيلة، وبعد ذلك قائد سَرية، كنت بطلًا في عين نفسي وفي أعين جنودي الأوفياء وقادتي المبجلين. كنت في أوج الشعور بأني جزء من الحكاية الصهيونية، ملتزمًا بكل مبادئها الصارمة، أُكافأ على ذلك بتربيتات التشجيع والود من جنودي وقادتي.

 كل هذا تغيَّر في طرفة عين، فإحساسي بأني كفء وابن أكفاء كان يشتد ويضعف تدريجيًّا، وراح يخبو في فترة مبكرة حينما كنت متدربًا فى حركة «الحارس الفتي» تهاوى كبرجٍ من أوراق اللعب.
حدث هذا في أثناء إجازة خاصة، بعد أن فقدت 8 جنود بسبب عبوة ناسفة في لبنان. إن فقدانك لجندي واحد كفقدان قطعة من لحمك الحي، أما فقدان 8 جنود فكأنما أصبحت مقعدًا إلى الأبد. ذهبت في أول يومين من إجازتي، ذات السبعة أيام، لتعزية الأسر الثكلى.

تنقلت بين مجديئيل ورحوفوت وجفعاتايم وتصهلة وأوفاكيم، وبين ثلاثة منازل لأسر أخرى فى يافا وبين كريوت وبيت جن؛ أسر شرقية وأشكنازية ودرزية تحولت جميعها إلى عائلة واحدة كبيرة يجمعها الحزن والثكل. إنه المصنع الصهيوني في أبهى حالاته، الحزن موحد للصفوف، عدت بعد ذلك إلى بيت عائلتي في رامات جن كسيرًا ومنهكًا، ألقيت بنفسي على السرير واستيقظت بعد 21 ساعة من النوم، لم أخرج من غرفتي خلال الأيام الثلاثة التالية إلا للحمام، تأملت لساعات طويلة صور جنودي القتلى، وبكيتهم، ولم أخرج من بيتي في إجازاتي التالية، اعتكفت فى حجرتي حدادًا على جنودي. وبعد شهر ونصف الشهر من ذلك زارني صديقايّ قشقش وبيرون، وحاولا تشجيعي على الخروج من المنزل والترويح عن نفسي قليلًا في تل أبيب. قال قشقش، الذي أنهى منذ شهر خدمته في لواء جولاني «يجب أن تستمر الحياة». رفضت... لقد كان اليأس شديدًا للغاية. انضمت أمي إلى محاولات أصدقائي فى إقناعي، وتوسلت إليَّ حقًا لأخرج لاحتساء مشروب، لأفرِّج عن نفسي هذا التوتر والحزن.

وقفنا مع مجموعة أخرى من الرواد في مدخل ملهى «تل أبيب»، ولفت انتباهي ظاهرة غريبة لم أكن قد صادفتها من قبل، ربما لأنني لم أتردد إطلاقًا على بارات وملاهٍ فخمة في فترة صباي، لقد سبقنا في الدخول رواد قد أتوا بعدنا، دققت بوجوه المعطلين المستائين الواقفين إلى جانبي، فإذا بهم بلا استثناء ذوو بشرة سمراء وملامح شرقية، لم يواجه أصحاب الملامح البيضاء أية عقبات، لقد دخلوا فور وصولهم. 

دنوت من الحارس وطالبته بتفسير ما يجري، لكنه لم يتكبد عناء النظر إليَّ، دفعني بمرفقه قائلًا «لا تزعجني»، ثم أشار إلى امرأتين شقراوين كانتا تقفان خلفي أن تتقدما، شقتا طريقهما عبر الحشد المكتظ أمام المدخل ودخلتا، رفعت بصري في الحارس طويل القامة وسألته ثانية «لماذا تعطلنا؟»، لم يعرني أي انتباه في هذه المرة أيضًا، كأنني هواء.

لاحظت مصادفةً كتابة صغيرة مرشوشة على حائط الملهى «ممنوع دخول الأوغاد». كانت هذه هزة شديدة، شعرت بالضياع حقًا، ففي الجيش أنا ضابط ممتاز، متفانٍ تعلم من قادته شعارًا وعلَّمه لجنوده، وهو أن الفرد من أجل الجميع والجميع من أجل الفرد، ضابط مبادر يتطوع للمهمات الخطرة دون تردد. ضابط قدير دفن مؤخرًا 8 من جنوده المحبوبين، وهنا في الحياة المدنية مجرد «وغد» غير جدير حتى بالدخول إلى ملهى. لقد حطمني هذا، سألت نفسي، لأجل ماذا أقاتل، ولأجل من أخاطر بحياتي؟

تسبب التمييز العنصري الذي عانيت منه بنفسي في هذه الأيام المشحونة والحساسة، في إدراكي أنني طول حياتي كنت شخصًا طيبًا يخدم مجتمعًا لا يخصه، طول حياتي كنت أحاول أن أندمج وأكون جزءًا منه، ولكنني منذ تلك الليلة أدركت أنني لا أرغب بالحياة في إسرائيل. لقد بدأ ذلك الفكر الصهيوني، الذي غرسه فيَّ المعلمون في المدرسة والمدربون فى حركة الحارس الفتي، بالانسلاخ عني. 

أنهيت خدمتي في الجيش وكنت مرتبكًا وفاقدًا للهوية، حقًا إنني واصلت معارك الجنرالات الصهاينة، لكنني فعلت هذا وحسب من أجل جنودي الذين كانت ولا تزال الصلة بيني وبينهم حميمية ووفية، ولا تفرق بين الألوان، صلة من المحبة والإخلاص غير المشروط.

 لقد كانوا ولا يزالون عائلة دافئة ومحبة وحاضنة لي، إثيوبيين ومهاجرين جدد من روسيا، شرقيين وأشكناز.

بحثت في تاريخ إسرائيل من الزاوية الشرقية وذلك قبل هجرتي منها، أمضيت ساعات طويلة في أرشيفات الصحف والمكتبات، وتحدثت مع نشطاء اجتماعيين، وزرت بلدات تنمية، وسمعت أصوات أناس حياتهم صعبة، ودرست أحداث وادي صليب، وقرأت كل كلمة كتبت عن النضال العادل لأعضاء حركة الفهود السوداء. حينما كنت شابًا في حركة «الحارس الفتي» أخبرني المدربون أنا وسائر المتدربين أن هؤلاء الفهود عصبة من الخونة والبرابرة وناكري الجميل، فبدلاً من أن يحنو رؤوسهم ويقولون شكرًا لدولتنا الرائعة التي انتشلتهم من الدول العربية المعادية، تظاهروا ضدها ونشروا الفوضى بها.

تحوَّلت محبتي الجمّة لإسرائيل إلى كراهية بسرعة شديدة. ألقيت تسجيلات «عمود هأيش»5 التي سجلتها في شبابي في سلة المهملات، وكأنني حبيب يتخلص من الأغراض التي تذكره بحبيبته الخائنة، مزقت مجموعة كتب «تاريخ أرض إسرائيل»، وحطمت تسجيلات «الجڤعترون»6 المحببة إلى قلبي، وتخلصت منها، فلم أعد أحتمل أن أستمع للمزيد من الأغاني التي تحمل طابع ما يسمى أرض إسرائيل الجميلة.

وصلنا إلى متجر قشقش، كانت في واجهته أكوام من الأحذية الرخيصة صنعت في رومانيا، علمني قشقش طريقة تشغيل آلة تسجيل النقد «الكاشير»، وطلب مني أن أنظر إليه وأتعلم وحسب في هذه المناوبة. في الساعتين الأوليين زار المتجر بعض النساء والرجال المحليين، لم يشتروا شيئًا، أخبرني قشقش أن المبيعات الجدية تكون في الساعات الأولى من المساء، عندما يعود الأجانب من أعمالهم. تحدث قشقش مع الزبائن الألمان الذين دخلوا المتجر بألمانية مكسرة تتخللها إنجليزية لا تقل عنها تكسرًا.

«ثلاث سنوات وأنت هنا ولم تتعلم اللغة بعد؟!».

=حاولت أن أتعلم في البداية، اشتريت كتيبات، ولكنك تعرفني، لم يكن لديَّ صبر على التعليم قط. هذا يصيبني بالملل. إنني أتعلم سماعًا.

- دون إتقان اللغة لن تنجح في تحقيق ضربتك التي تحلم بها.

= لدي حصيلة لغوية. ستتزايد مع مرور الوقت. لست قلقًا. علاوة على هذا أن غالبية زبائني أجانب، ولا أواجه أية مشكلات معهم على الإطلاق، فأنا أتحدث معهم بالإنجليزية. بل إنني أتدبر أموري مع أولئك الذين لا يعرفون الإنجليزية، فأنا لا أكتب عقودًا ولا أجري جدلًا فقهيًا، كل الناس يعرفون الأحذية، لا تحتاج أن تكون متخصصًا فى مجال كهذا.

- لا أعتقد أنك محق، إنني أنوي التعلم كما ينبغي. لقد بدأت دورة تعليمية في إسرائيل بمعهد «جوته». ولديَّ كتيبات وتسجيلات. وأنوي أن أتقن اللغة بأسرع ما يكون.

= لطالما كنت أكثر مثابرة مني. في الحقيقة ليس دائمًا، فحتى الصف الرابع كنتَ عديم النظام، الشقي المكير. لقد تغيرت بعد ذهابك إلى حركة الحارس الفتي. تحولت إلى أفضل أولاد «رامات جَن»7، لقد صنعوا منك إنسانًا هناك.

- قلت بحسرة «أجل لقد صنعوا مني إنسانًا». سألته بعد برهة من الصمت «هل تعتقد أن ثمة متسعًا لعاملَين في متجرك؟».
= بالتأكيد هناك متسع. حركة الشراء ضعيفة في الصباح وحسب.
- لماذا بدأت نشاطك التجاري هنا في شرق المدينة بالتحديد؟
= ليس سهلاً أن تبدأ نشاطًا تجاريًّا في الغرب، فالإيجارات هناك مرتفعة 8 أضعاف أو أكثر، علاوة على ذلك أشعر براحة أكبر مع الناس هنا، فأغلب سكان هذا الحي أجانب مثلي. في الغرب يتعالون علينا، لقد مررت بموقف مقزز مع معادين للسامية وكارهين للأجانب.

- احكِ لي... 

= حينما جئت إلى هنا، خرجت كالمغفل مرتديًا سلسلة نجمة داود، وذات يوم دخلت بالخطأ إلى حانة صغيرة، لم أعرف أن الحشد بداخلها مكون من عنصريين من حليقي الرؤوس، بمجرد دخولي حملقوا فيَّ، لم تكن لديَّ فرصة. انقض عليَّ بعض أولئك المجانين، وأبرحوني ضربًا، قطعوا السلسلة ونعتوني باليهودي القذر وألقوا بي خارجًا، منذ هذا الحين وأنا أخفي أنني يهودي.

«ذكرتني قصته بيومي الأول في حركة الحارس الفتي، حينما ضحك ثلاثة من الأولاد القدامى على مظهري ولهجتي. كان في عنقي سلسلة بها قلادة نجمة داود، وكان شعري مقصوصًا ومدهونًا بزيت الأطفال، كان يختلف تمامًا عن شعرهم الطويل الأشعث. تشاجرت معهم، ولكن لم تكن لدي أدنى فرصة، فقد أوسوعوني ضربًا. منذ ذلك اليوم أخفيت السلسلة، وخجلت منها، ولكي أندمج دمرت فيما بعد حرفي العين والحاء في نطقي، فكرت ما الفارق بين هؤلاء الذين ضربوا قشقش، والأطفال الذين أهانوني وضربوني ودفعوني إلى الخجل وإخفاء هويتي؟

السبب واحد وراء الاغتراب والعنف: الخوف البدائي من الآخر والمختلف.

عندما أنهيت خدمتي في الجيش عدت لارتداء هذه السلسلة. كنت فخورًا بها وخجلاً من نفسي لأنني تنكرت كل هذه السنوات الطويلة إلى ثقافة آبائي، ولكنني فى الطائرة، عندما كنت في طريقي إلى ألمانيا، أخفيت القلادة تحت قميصي، لا أعرف لمَ، ربما خوفًا من مظاهر العداء للسامية.

جعلت قصة قشقش دمي يغلي، ذكرتني بسنوات التنكر الطويلة، كشفت السلسلة أمام عينيه وأقسمت ألا أخفيها بعد الآن، سأسير بها بفخر، وليذهب كل معاديِّ السامية إلى الجحيم.
 وبخني قشقش قائلًا: 

- لماذا تبحث عن المتاعب؟ 
-- أنا لا أبحث عن المتاعب، ولست أنوي أن أخفي يهوديتي مثلك. لقد أخفيت هويتي لسنوات طويلة. هذا يكفي. لا أنوي الاستمرار في الخجل من هويتي.
- المكان هنا مليء بالمعادين للسامية. أنت ترتكب خطأً يا عوڤديا، فأنت تبدو أجنبيًّا حتى دون السلسلة، فلأجل ماذا تتحدى القدر، إنهم يكرهوننا في كل مكان في العالم، فمن الأفضل ألا نلفت الأنظار.
= الخطأ خطأك وليس خطأي. ليست لديك فكرة عما تتحدث. قرأت كثيرًا عن ألمانيا قبل أن آتي إلى هنا. ألمانيا الجديدة، والسياسة الألمانية الجديدة تحذر اليمين المتطرف كاحترازها من النار، الشرطة تقاومهم وتطاردهم، أهذا صحيح أم لا؟ 
- صحيح ولكن هذا غير كافٍ. فحليقو الرؤوس يتسكعون فى الشوراع بحرية.
=عندما أوسعوك ضربًا في البار هل قدمت بلاغًا للشرطة؟ 
- لا، مع أنني كنت أستطيع، فلديَّ تأشيرة، وأنا هنا بشكل قانوني يا عوڤديا، فلم آت إلى هنا للبحث عن المتاعب، تزوجت صوريًّا بألمانية، دفعت لها ولأحد المحامين بحرًا من الأموال من أجل التصريح وحسب، أسعى لتدبر أموري اقتصاديًّا، وأعود لإسرائيل، لا أنوي أن أنهي حياتي هنا، فألمانيا هذه ليست دولتي، لم ولن تكون. 
= فهل تعيش هكذا إذن؟ مخفيًا هويتك؟ كيف يمكن أن تعيش بلا هوية؟
- لماذا بلا هوية؟ إنني أعرف أني يهودي، لا أحتاج للتلويح بهذا.
= هذا محزن، محزن جدًا... على كل حال أنا لا أنوي التخفي أكثر من ذلك.

أومأ لي قشقش أن أتوقف، وتوجه للتعامل مع زبون دخل المتجر. اتصلت بفندق رخيص قريب وحجزت غرفة، وبعد أسبوعين أجَّرت شقة؛ بدرومًا في المبنى المجاور لمتجر قشقش، كانت الشقة صغيرة ورطبة، وكان بها فتحة صغيرة ترى من خلالها أرجل المارة. غطيت النافذة بستارة، واستلقيت على السرير، وفكرت أني من هنا من أسفل سافلين سأكون ذا شأن عظيم في برلين، كنت متفائلاً، ومصممًا على النجاح إلى حد بعيد.

حدثت بعد هذا واقعة مخيفة لفتني بمزيد من الإصرار، في ذلك اليوم خرج قشقش من المتجر وذهب إلى المحامي الخاص به، في محاولة لتدبير وسيط زواج من أجل زيجة صورية لي، بقيت بمفردي في المتجر، مستغلاً كل لحظة فراغ لتعلم اللغة الألمانية باستخدام الكتيبات والتسجيلات، تواصلت مع الزبائن بألمانية بدائية للغاية، لكنها على الرغم من هذا كانت أفضل بكثير من ألمانية قشقش الكسول السيئة، لاحظت فجأة من خلال نافذة العرض ثلاثة من حليقي الرؤوس يجرُّون مسنًا إلى زقاق ضيق، حسبت أنهم سيسرقون محفظة ذلك التعس، لكنهم ألصقوا جسده بالجدار، ولم يكترثوا لتوسلاته، وظلوا يركلونه بقسوة. أخذت نبوتًا كان قشقش يخفيه أسفل الكاشير وركضت تجاههم. ولكن قبل أن أصل انطلق المشاغبون هاربين. لم يحاول المارة الذين شاهدوا ما حدث أن يساعدوا المسن، وقد كانوا أقرب مني إليه، لقد كان خوفهم من تلك الحثالة البشرية لافتًا للانتباه، ساعدته على النهوض وكان يتنفس بصعوبة، بدا مذعورًا للغاية، تأوه وتمتم ببعض الجمل غير المفهومة بالألمانية، وقد أصيب بجرح صغير فوق حاجبه. أخرجت منديلاً ومسحت النزيف، وحينما تعافى قليلاً صحبته إلى المتجر وسقيته بعض الماء. نظرت في عينيه الزرقاوين المذعورتين، شعرت بالأسى تجاهه، اقتربت من الهاتف واتصلت بالشرطة، ولكنه أشار لي بيده ألا أفعل، قائلاً بالألمانية «لا شرطة». سألته هل يتحدث الإنجليزية فأومأ برأسه إيجابًا.
- لماذا لا تريدني أن أتصل بالشرطة؟ 

= لا فائدة منهم. هؤلاء الشبان لا يخشون أحدًا. إنهم سكارى معظم ساعات اليوم. إذا أبلغت عنهم سيواصلون التنكيل بي.
- لماذا ضربوك؟ هل تعرفهم؟ هل كانت لديك مشكلة معهم؟ 
= قال، وهو يشمر كُم قميصه «كانت لدي مشكلة مع أجدادهم».
 انتابتني القشعريرة عندما كشف عن الرقم الموشوم على ذراعه.

الإلتقاء بهذا الإنسان ومنظر جسده بارز العظام والمنزوي إلى الحائط بسبب أولئك الرمم الثلاث زلزلني، شاهدت بنفسي فظائع المحرقة التي بثت على التليفزيون؛ وكغلام صغير أثَّرت فيَّ تلك الصور بشدة، ولكنني أدمنتها. فكل يوم تقريبًا ينشر في الجرائد الإسرائيلية شيء ما عن المحرقة. لم يمر عليَّ تقرير عنها ولم أقرأه من بدايته إلى نهايته، علاوة على ذلك تجرعت كتابين عن حياة هتلر. ذات مرة عندما كنت في الجيش، شاهدت أنا وجنودي فيلمًا بث على التليفزيون، وفي نهاية الفيلم الذي نسيت اسمه، تحدثت إلى جنودي عن النازيين وأعوانهم. 

قال لي أحد جنودي إنه لم يلتق قط شرقيًّا يتحدث بحماسة هكذا عن المحرقة، وأضاف قائلاً إنني منفعل جدًا حينما أتحدث عن النازيين كما لو أنهم قتلوا والديَّ أو أسرتي.

وبخته قائلاً إن المحرقة تخص الشعب اليهودي كله، وأنه لا يغيِّر من شيء على الإطلاق كوني شرقيًّا. ذلك الجندي الذي كان جده من الناجين من المحرقة نظر إليَّ وكأنني كائن فضائي. وبسبب ملاسنته ونظراته المستهزأة عوقب بالحبس في المعسكر في نهاية الأسبوع نفسه. فكيف لا أُجن بعدما كنت شاهدًا على التنكيل بيهودي لأنه يهودي وحسب، وفي ألمانيا أيضًا؟ إن هذا يفقدني صوابي حقًا.

قلت بغضب وأنا أعض على أسناني: أبناء البغايا، أبناء البغايا، أبناء البغايا، سوف أنكل بأولئك المهووسين، حولت نظري إلى الساحة التي ضرب فيها المسن وهمست سوف أبرحهم ضربًا، وددت لو يبرز أولئك الشبان الثلاثة من الثقب الذي غاصوا فيه ويقفوا أمامي. كنت متحمسًا لأن أوسعهم ضربًا بالنبوت، وأن أهشم عظامهم.
- أشار المُسن بيده نحو سلسلتي، وقال مبتسمًا «هل أنت إسرائيلي؟». 
= أجل أيها الجد، ويهودي مثلك. 
- جميل جميل، شكرًا لأنك ساعدتني، أنت إنسان لطيف. 
= لم يسبق لي أن تحدثت مع ناجِ من المحرقة. 
- نظر إليَّ المُسن وتنهد بأسى.
= لماذا بقيت في ألمانيا، لم لم تغادر عندما انتهت الحرب؟ 
- ولدت في فرنسا، كنت غلامًا في تلك الفترة، عندما انتهى كل شيء وجدت أبي، لكن أمي وأختي لم تنجوا من معسكر «أوشفيتز»8، في نهاية الحرب تعرف أبي إلى امرأة ألمانية مسيحية كانت لي مثل أمي... آآآه (شرع فجأة في الرثاء)، غطى عينيه بكفيه وأجهش بالبكاء.

غُصَّ حلقي بالبكاء، وأمسكت بالنبوت ونظرت عبر نافذة العرض طويلاً، أردت بشدة أن يمر هذا الثلاثي في الشارع، قلت له سيكون كل شيء على ما يرام يا جدي، حاولت أن أطمئنه، ووضعت في يديه كوبًا من الماء. قلت له اشرب، سوف أمسكهم وحينئذ ستكون نهايتهم. مسح دموعه وأومأ سلبًا، ثم قال «لا لا، دعك منهم، لا تتدنى إلى مستواهم». 
 قلت مندهشًا «عذرًا! لا أتدنى إلى مستواهم؟ اعذرني سيدي، إنني يهودي مقاتل، من يؤذي اليهود لأنهم يهود وحسب، فقد حفر لنفسه قبرًا لديَّ، لا تقلق، سيسقطون في قبضتي مرة أخرى، لدي ذاكرة قوية للوجوه القبيحة، لن أهدأ حتى أمسك بهم». 

رد عليَّ المسن «إن هذا لن يجدي، سيأتي آخرون بدلاً منهم»، قلت له «إذن سأصلبهم أيضًا، سأقطع أعناقهم، جدي إنني لا أخاف أحدًا، لقد كنت مظليًّا في الجيش الإسرائيلي. رأيت الموت مِرارًا». 
دعا لي بالسلامة وقام.
- أنت يهودي طيب، اعتنِ بنفسك.
 = سأعتني بها، يا جدي، سأعتني، فلتعتنِ أنت أيضًا بنفسك، هل تسكن في المنطقة؟ 
- أجل، على بعد شارعين من هنا. 
= إذن سأصحبك للمنزل.
- لا حاجة لذلك.
= بل يوجد داعٍ، انتظر لحظة.

اتصلت بقشقش. حكيت له الواقعة، وأخبرته أنني سأغلق المتجر لعدة دقائق لكي أصطحب اليهودي المدعو روزنبرج للمنزل.

 - قشقش عبر الخط: دعك منه. من تظن نفسك، يهودا المكابي9؟ ابتعِد عن المتاعب يا عوڤديا، دعه يذهب بمفرده، مالك وشأنه؟ إذا كان قد نجح في البقاء حتى اليوم، فبالتأكيد سيتدبر أمره حتى منزله.

= أجبته بعصبية: أخبرني يا قشقش، هل تسمع كيف تتكلم؟ إن الرجل ناجٍ من المحرقة! (...) أمك، ألا تستحي؟ أليس لديك كرامة؟ أولئك الحثالة أبرحوه ضربًا لأنه يهودي وحسب. 

- وهل تظن أنك ستغيِّر العالم؟
= اذهب للجحيم. أغلقت بغضب. 
- روزنبيرج: مع من كنت تتحدث؟ ولماذا أنت غاضب؟ 
= كنت أتحدث مع صاحب العمل، وهو أيضًا يهودي من إسرائيل، تناقشنا في موضوع هامشي لا يمت لك بصلة. كنت أكذب عليه.
أخفيت النبوت تحت معطفي، وأوصدت باب المتجر وسرت معه حتى بيته. وعندما وصلنا أعطيته رقم هاتفي، وانتزعت منه وعدًا أن يكون على تواصل معي إذا مسه أحد بسوء، أو حاول أن يمسه بسوء مرة أخرى، فشكرني ودعاني للدخول، أردت الدخول بشدة، كنت فضوليًّا لأرى بيت هذا الناجي من المحرقة، ولكني رفضت طلبه بأدب. 

حينما عاد قشقش خاطبني مستهزئًا:
- ها يا شمشون الجبار، هل صحبت اليهودي إلى بيته؟ 
= سوف أنكل بالألمان، اعتبر هذا وعدًا. لا أعرف الآن بأية طريقة، ولكنني سأفكر في طريقة.
- حبيبي، أنت لم تعد في سلاح المظلات، هذه ليست لبنان. لمصلحتك ولسلامتك دعك من هذه البلاغة العسكرية. 
= لن أدعني من شيء، سوف ترى عندما أتعلم اللغة.. سأجعلهم يتجرعون الكأس نفسها.
- ما معنى هذا؟ 
= لقد قلت لك إنني قرأت كثيرًا عن الثقافة الألمانية قبل أن آتي إلى هنا، سأضربهم بطريقتهم: بأدب جم أي ظاهري، ومخادع، وطبعًا بفاعلية شديدة. سأتعب كثيرًا ولكن هذا يستحق، سترى.
- أنت مغرور، هل تلبستك روح قتالية، هل عدت لتكون الولد الوغد الذي كنته قبل ذهابك إلى «الحارس الفتى»10؟
-- أجل، عدت وبقوة.
ضحك قشقش وأخرج من محفظته بعض الأوراق.
- حسنًا يا طرزان، لقد كنت عند المحامي، توجد لديه بغيُّ ألمانية يمكنها أن تتزوجك صوريًّا، لكن ابن الزانية هذا يريد مبلغًا مضاعفًا للمبلغ الذي أخذه مني حينذاك. 
= كم يريد؟
- 15 ألف مارك.
= لص بن لص، بالتأكيد جده الملعون قتل يهودًا.
- خلاص يا عوڤيد، دعك من هذا الكلام، كن جادًا وأدخل سلسلتك تحت قميصك، أنت تجلب لنفسك المتاعب، لقد قلت لك هذا ألف مرة.
= بلا أدخِلها، بلا بطيخ، ليذهب كل المعادين للسامية إلى الجحيم، الرجل منهم يأتي ويكلمني، لطالما واجهت نظرات الموشومين، إنني مستوعب أنهم يتوقون لإبراحي ضربًا، ولكن هؤلاء الحثالة جبناء. يتعرضون للمسنين والضعفاء وحسب، آآخ كم أنا متلهف يا قشقش أن يتفوه أحدهم بكلمة عن كوني يهوديًّا. أنتظر ذلك كالمعجزة. سأحطم وجهه ووجوه رفاقه على الفور، سوف أدعسهم، كان يجب أن تشاهد كيف ضربوا ذلك المسن.. سوف يقعون في قبضتي مرة أخرى أولئك المهووسين. 
- عوڤديا، أنت تبدأ في إخافتي، خلاص دعك من هذه الأشياء، جئنا إلى هنا لنجمع أموالاً، لا لنصنع حروبًا وانتقامات.
= بالتأكيد أموال، وأموال كثيرة.
- أوووه، أخيرًا بدأت في التحدث بمنطقية... إذن فما قولك؟ هل يستحق هذا أن تبدد من أجله خمسة عشر ألف مارك؟
= هذه تقريبًا كل مدخراتي، ولكن بلى، يستحق الاستثمار، ستنتهي تأشيرتي بعد أربعة أشهر، ويجب أن أفعل هذا قبل انتهائها... ألا يمكن إقناع هذا المحامي النازي بتخفيض الثمن قليلاً؟
- لا إنه بالوعة، يقول إن البغي ستأخذ ربع النقود، وأنه يتحمل مخاطرة كبيرة.
رن جرس الهاتف، فرفع قشقش السماعة وأخبرني أن هذا من أجلي، كان روزنبرج المُسن اليهودي على الخط، قال إن ابنه يريد أن يتحدث معي، تحدث الابن بإنجليزية ذات لكنة أثقل بكثير من لكنة أبيه الهرم، قدم لي نفسه، وشكرني على مساعدتي، ودعاني لتناول العشاء في بيت أبيه.
أخبرت قشقش بأمر الدعوة. قال بانفعال: 
- يا بني آدم، مرت عليَّ ثلاث سنوات هنا، وليست لدي علاقة شخصية بأي ألماني. وأنت، بعد شهرين ونصف وحسب تدعى لتنال العشاء عندهم، صحتين.
= إذا لم تكن جبانًا يختبيء كالفأر، ويخفي هويته كالأحمق، لكنت قد بدأت في تكوين علاقات شخصية هنا أنت أيضًا.
- حسنًا، لا تهاجمني، ولا تحكم عليَّ، ولا تتعالى عليَّ، من فضلك، نحن غير متشابهين، هذا كل ما في الأمر.
= قشقش إنني أشعر بدمي يغلي، أود أن أفعل شيئًا مزلزلًا، شيء ما يدخلني حيز وعي الجمهور الألماني.
- شريطة ألا تقتل موشومين.

 -- لا، ليس بهذا الشأن، لست قاتلًا، لا تقلق... سوف أصفي حسابي مع الثلاثة الذين ضربوا اليهودي... يجب أن يقعوا في قبضتي وحسب... ولكنني لن أقتل أحدًا. أشعر أنني لا بد أن أدخل حيز المعرفة العامة، يجب أن أشتهر... كل ليلة أحلم بهذا. إنني وحسب أبحث عن حيلة ما ترفعني لأعلى. هل تتذكر يا قشقش تلك الليلة في مدخل الملهى؟ هل تذكر ما كان مكتوبًا على الحائط؟ تلك الكتابة «ممنوع دخول الأوغاد» لقد أتت عليَّ، ليس مثل طفولتي في إسرائيل هناك. وفي الواقع أنا أدرك هذا، استنكرت بألف صورة وصورة أننا هناك متساوون ومتساوون أكثر،11 أما هنا، في برلين، فمن الواضح أنني أعيش بين متكبرين، من الواضح أنني نبتة غريبة، «آخر»، هو وثقافته ينبغي أن يُلقى بهم أسفل الدَرَج... في إسرائيل تحطمتُ عندما لم يدخلوني إلى ملهاهم، ولكن هنا إنني محصن، على الرغم من معرفتي أنني لا أنتمي إليهم، سوف أبذل كل جهدي حتى يركضوا ورائي وأريد أن أفعل هذا دون أن أخفي هويتي.

- يبدو لي أنني سأتورط معك، إنك تضغط عليَّ بطموحك هذا، اهدأ يا عوڤديا. 
= لا أستطيع أن أهدأ. إنني أحترق من الداخل، أحترق يا قشقش. متحمس أن أنجح، وأثبت لكل المتعالين الإسرائيليين أنهم مجرد حثالة. وسوف ترى أنت أيضًا أنني، اليهودي الوغد، سوف أنزل بألمانيا هزيمة لم يحلم أي يهودي أن ينزلها بها.

- يا إلهي انظر لنفسك في المرآة، الكهرباء تخرج من مخك. أنت مصاب في رأسك. اهدأ يا بني آدم... ما الذي تنوي فعله؟
= بزنس، بزنس وحسب، لا تقلق.
- أي بزنس؟! 
= عندي فكرة. إنها تختمر في رأسي منذ ساعتين بالفعل. منذ أن حدث ما حدث للمُسن اليهودي، ولكنني أحتاج إلى أن أفكر مرة أخرى في هذا.
- صاح برعب «إنك لا تفكر في المخدرات، أليس كذلك؟» 
= انفجرت ضاحكًا «أنا؟ مخدرات؟».
- وليس شيئًا إجراميًّا؟ 
= قشقش، هل تعرفت عليَّ اليوم أم ماذا؟ كفّ عن القلق، هذا أمر.
(ضحك قشقش)، اضحك يا صديقي، اضحك، ولكنني سوف أثبت لك أنني سأبول على رؤوس الألمان علنًا.
- رائع أنت هو الرجل الحقيقي، ومرة أخرى، أتمنى ألا تسعى إلى ارتكاب حماقات.
= لا، لن أرتكب حماقات، بل سأستعد للعشاء عند اليهودي... تشاو يا بامبينو.
أخذت معطفي وهممت بالخروج من المتجر، نادى عليَّ قشقش، قائلًا انتظر لحظة، ماذا أقول للمحامي؟ قلت له وأنا أخرج من المتجر: أخبره أن يبدأ في مباشرة الأمر، غدًا سوف أسحب له المُقدم من البنك، ابن الزانية، النازي اللص.
كان الليل قد حل، واكتست السماء بالسحب. لقد اعتدت على البرد الألماني، وسرت دون قفازات، بعد أن كان شيئًا ضروريًّا في أيامي الأولى في ألمانيا. وصلت إلى شقتي البائسة، واستحممت وارتديت بزة رخيصة من ثلاث قطع، كنت قد اشتريتها في لحظة طيش. تحسبًا لأن أصادف بلطجية دسست قبضتين حديديتين وكَتَر في جيب الجاكت. اشتريت زجاجة نبيذ ووصلت في الساعة الموعودة إلى بيته ودققت الجرس، فتح لي الباب شاب صغير وطويل، كان هذا كارل ابن المُسن، حدقت عيناه في قلادة نجمة داوود التي على صدري، رسم ابتسامة على وجهه ودعاني للدخول، بدا مظهره آريًّا نموذجيًّا، أبيض البشرة وأزرق العينين له أنف شامخ، أعطيته زجاجة النبيذ، نظرت إليه وتذكرت مفتشة الكتيبة التي خدمت معي بالجيش، سمعتها في أحد الأيام تتحدث مع صديقتها. كانتا تتحدثان عن الحب والارتباط، تنمّان على الرجال، وعلى الرغم من جلوسي بجانبهما، لم تخجل من التصريح أنها تبحث عن رجل آري ولن تتزوج إلا بواحد كهذا.

تدخلت وسألتها هل تقصدين آري آري؟ أجابت بلا مبالاة: آري، يهودي، أشكنازي. قلت فى نفسي: كم أنتِ حمقاء، يا لها من بلاغة مضحكة، يا له من تلاعب بالكلمات، تلاعب أحمق وفارغ من المعنى، يا لها من سطحية شمالية. هل يمكن أن تجهل حقيقة أن الآريين الحقيقيين يلقبون الآريين الذين تبحثين عنهم بالفئران؟ إذ أنه وفقًا للقوانين العرقية حتى العلاقات الجنسية، محظور على هؤلاء الرمم أن يقيموها مع الآريين الذين ترغب بهم. 

استقبلني السيد روزنبرج بمصافحة دافئة، وقد غطى حاجبة الأيمن باللاصق، سألت عن أحواله، ونظرت حولي، كان هناك شمعدان فضي فخم موضوع على بوفيه خشبي قديم، وقد كان هذا هو الرمز اليهودي الوحيد في الشقة الصغيرة، لم تكن هناك عَضَادة (مزوزاه)12 على يمين باب المدخل. فهمت متأخرًا جدًا أن هذا لم يكن بدافع الخوف أو محاولة لإخفاء يهوديته، لم يضع المُسن مزوزاه في بيته لأنه ببساطة لا ديني، وابنه الذي يسكن معه أيضًا. 

في أثناء العشاء، الذي كان حلالاً؛ إذ أنهم ظنوا خطًا أنني لا أتناول ما يحرم ذبحه، حدثني كارل أنه يعمل كمسؤول كبير في دوائر الهجرة الألمانية، أخبرته بتخطيطي للزواج صوريًّا من أجل الحصول على تصريح، فهز رأسه سلبًا، قال إنني أبدد نقودي سُدى، وأكد أنه يستطيع أن يتدبر لي تصريح إقامة في ألمانيا لمدة سنة، وبعد ذلك لسنة إضافية، وكل هذا دون مقابل. لم يكن هناك حد لسعادتي، لن أضطر إلى العمل كأجير أو لادخار مارك على مارك لأدبر حالي، ومدخراتي التي أحضرتها معي إلى ألمانيا، سأستثمرها الآن في عمل خاص بي. لم أحلم بطريق مختصر كهذا ولو في أحلامي الوردية.

أثنيت على الأب وابنه بعبارات شكر كثيرة جدًا، حتى علت وجنتيهما حمرة خفيفة. كان لحقيقة أنني كنت ضابطًا في سلاح المظلات أثر بالغ على كارل، وذكر أنه في صغره فكر في الهجرة إلى إسرائيل، ولو حتى ليخدم في الجيش وحسب، ولكنه ظل في ألمانيا لأن أمه توفيت في تلك الفترة، وكان عليه أن يرعى والده الذي لم يشأ العيش في إسرائيل. 

-سألته: لماذا ؟ 
= أجاب المسن باقتضاب «الجو حار هناك». لقد زرت إسرائيل مرة واحدة، وكان هذا كافيًا، فبخلاف مناخكم المروع، فهناك ذلك الصراع الأحمق الأبدي مع الدول العربية.  
- صدَقتَ، هذا الصراع أحمق للغاية، لقد دمر الاحتلال كل جزء طيب في المجتمع الإسرائيلي، قلة من العَلقات المتشبسة بالأرض الفلسطينية يتحكمون في العملية السياسة في إسرائيل، إنهم في الحقيقة حكام المملكة. (أومًا كلاهما برأسه إيجابًا).

بعد أسبوعين حصلت على تصريح إقامة لمدة سنة إضافية في ألمانيا.

في اليوم الذي تلقيت فيه تصريح الإقامة دعوت قشقش لتناول العشاء في مطعم فرنسي أنيق في غرب المدينة، خرجنا بعد ذلك إلى بار شعبي، شربنا وسكرنا حتى ساعات متأخرة من الليل. قلت لقشقش صباح اليوم التالي «علينا أن نطور المتجر». فسألني «كيف نطوره؟» قلت: لدي فكرة رائعة، لكن سأكشف عنها إذا أدخلتني معك شريكًا، سأدفع نصف النفقات، وعلى الرغم من أن المتجر ليس ناجحًا جدًا، سأعطيك 10 آلاف مارك، على الاسم التجاري. 
تحمس قشقش، وقفز من كرسيه على الفور، واقترب مني بيد ممدودة قائلًا: اتفقنا. رفضت أن أمد يدي في المقابل، وقلت له: لحظة.. لديَّ عرض أكرم من هذا.. سأعطيك 15 ألف مارك، كل نقودي، شريطة أن أحصل على 51 % من ملكية المتجر.

قال قشقش وقد ازداد حماسةً: اتفقنا، اتفقنا. لتأخذ ال51 %، سألني قشقش في طريقنا لتوقيع العقد ماذا أنوي أن أصنع بالمتجر، وفي أي فكرة فكرت أنها سترفع المبيعات، هدأت فضوله، وذكرته بأن اتفاقنا بأن أكشف عن خطتي أمامه بعد التوقيع. 

قال قشقش عندما وقفنا أمام باب المحامي: 

 - عوڤديا نحن لن نحوِّل المكان إلى مكان إجرامي.
= لا، ما الأمر! هذه المرة الثانية التي تقول فيها هذا. اهدأ... ولكن... أجل، إن ما أنوي فعله هو حقًا ثوري، شيء تآمري واستفزازي سيدخل المتجر لوعي الجمهور.
سرت رعدة في أصابع قشقش، لكنه لم يتراجع، ولم يفكر في التراجع عن الصفقة، فمتجرنا لا يساوي هذا المبلغ الذي عرضته، وقد كان يدرك هذا. بعد توقيع العقد، أكلنا معًا في مطعم رخيص قريب للمتجر. 
قلت بثقة بعد أن طلبنا وجبتنا من النادل: حسنًا هذه هي مخططاتي...

- سنبيع كل البضاعة الموجودة في المتجر بسعر الجملة. أتوقع أن نصفي المخزون بالكامل في غضون أسبوع أو أسبوعين... لا مزيد من البضائع المستوردة من رومانيا، سنبيع بضاعة إسرائيلية وحسب.
=رفع قشقش حاجبه وقال: بضائع إسرائيلية؟! أولم تصبح كارهًا لإسرائيل؟، فلماذا إذن بضائع إسرائيلية؟ 
- لا يمكن أن أكره إسرائيل أبدًا، إنها وطني. ربما أشعر بغضب وحزن، ولكن أن أكرهها فهذا محال... إن من أكرهها حقًا هي ألمانيا والألمان.
= ولكن ما الفارق بين البضاعة الإسرائيلية والبضاعة الرومانية؟ فعند الألمان، كلتا الدولتين من العالم الثالث.
-ما تقوله هراء، ولكن لن نتطرق إلى هذا الآن... سوف أغيِّر اسم المتجر، من الآن سوف يسمى «الصالون اليهودي».
= هل جننت؟ هذه المنطقة مليئة بالموشومين، سوف يحطمون المتجر.
- هذا هو الهدف، إنني أقصد أن يحطموه. اسمع يا قشقش، إن غالبية الجمهور الألماني محاصر بمشاعر الذنب، هذه الغالبية انتخبت حكومة يسارية ليبرالية. فكرت في حيلة إضافية ستصيب كل من هنا بالجنون. فمن جانب سوف تجلب إلينا الأقلية اليمينية المتطرفة، التي ستحطم المتجر، لكنها في الوقت نفسه ستحشد الغالبية الليبرالية، التي ستدافع عنَّا، وعن أنفسهم في المقام الأول من أولئك الهمج.
= عن أي حيلة تتحدث؟
- صبرًا، يجب أن نصفي المخزون أولًا.
= ألم تقل إنك ستشاركني فكرتك.
- ستعرف عندما نصفي البضائع. لكن قبل هذا، يجب أن أتواصل مع شركات إسرائيلية لتورد لنا بضاعة، عندما نملئ المتجر ببضاعة إسرائيلية، سأعلق لافتة على المدخل توضح للزبائن أن هذا المتجر يديره إسرائيليون سابقًا، يهود عرب رافضون للاحتلال الملعون.
= لقد خرجت عن طورك، ما هذا الكلام، يهود عرب؟! هذه المرة الثانية أو الثالثة أسمع منك هذا التعبير.
- ببساطة، الأشكناز يهود أوروبيون، صحيح؟ نحن الشرقيين، الذين أتى آباؤنا من الدول الإسلامية، يتوجب علينا أن ندعو أنفسنا يهودًا عربًا. إذا كنت تريد التفسير، فإني أنصحك بالبدء في قراءة الكتب. ليس لديَّ الآن طاقة لإعطائك محاضرة.
= هل جننت... أنا يهودي عربي؟
- اقرأ الكتب، اقرأ قليلًا عن التاريخ الإسرائيلي من الزاوية الشرقية وستفهم وحدك. لدي كتابان جيدان أحضرتهما معي من إسرائيل، سأعيرك إياهما إن أردتَ.
=أرى أنك قد وضعت جدولًا للأعمال، جدول مضحك جدًا، أنت وغد بأجندة.
في أقل من أسبوع خلا المتجر من البضائع. وطول الأسبوع التالي طلينا وزينا المكان، وبدَّلنا الإضاءة الفلورسنت بإضاءة أنعم، أضفنا أرفف جديدة وركبنا أرضية باركيه. ومن ناحية أخرى تواصلت مع عدد من الموردين الإسرائيليين، عندما رصصنا البضاعة على الرفوف الجديدة قررت أن الأوان قد آن لإشراك قشقش في حيلتي المستفزة، جلسنا على كرسيين من كراسي القياس الأنيقة وشربنا قهوة سادة.
- قال قشقش برضا: يبدو المتجر مختلفًا تمامًا. 
= أنصت يا قشقش، أريد أن تأخذ نفسًا عميقًا، إن ما أوشك على فعله سيحدث ضجة كبيرة، ربما تصل وسائل الإعلام إلى هنا، سيكون لنا وللمتجر شهرة، وأريد أن تكون مستعدًا لهذا.
- ماذا، ما الذي تنوي فعله؟ يكفيني هذا الضغط بسبب اللافتة التي طلبتها، لم لا نتراجع عن هذا الاسم؟ لماذا نبحث عن المتاعب؟ إن متجرًا يسمى الصالون اليهودي سيجلب أولئك المجانين حليقي الرؤوس.
= تحدثنا بالفعل عن هذا، هذا هوا الهدف: أن نحدث ضجة، لتعلم أن هذه اللافتة تعد شيئًا لا يذكر مقارنة بالشعار الذي جهزته للواجهة.
بعد أن ثبَّتُ اللافتة أخذتُ علبة جير وفرشاة وقمت بالأمر، حدث هذا في الصباح، كانت السماء ساطعة، وشمس لطيفة غمرت الشارع الذي استيقظ للحياة، حدق قشقش المذهول فيَّ وأومأ برأسه سلبًا، ارتعد جسدي بينما كنت أمسك بالفرشاة وأرسم نجمة داوود على الواجهة. رسمت الرمز بطريقة تبدو مرتجلة، وتساقطت قطرات من الأضلاع الستة، موقظًا خواطر من حقبة مظلمة في التاريخ الألماني. صورة النازيين الجدد الذين يضربون المُسن اليهودي امتزجت في خيالي بصور المحرقة القاسية التي كنت أشاهدها طول حياتي على التليفزيون. قلت في نفسي عندما رسمت الضلع الأول، هذا من أجل المُسن. وتمتمت برسم الأضلاع الثالث والرابع، وهذان لذكرى الستة ملايين، وهؤلاء من أجل كل كارهي الشرقيين والعرصات، وهؤلاء من أجل كل ضحايا الكراهية.
قال قشقش «أنت مجنون، أنت مجنون، لقد اختل عقلك. امحِ، امحِ هذا قبل أن يفوت الأوان. قال هذا وهو مأخوذ بالذعر، أمسكت بكتفيه، ونظرت في عينيه وقلت: إننا مقاتلون يهود يا قشقش. أنت جندي سابق في لواء جولاني، لا خوف. أليس كذلك؟! شعار كهذا هو عمل انتحاري، بكل تأكيد في ألمانيا، وبكل تأكيد في برلين. ولكن أخبرتك من قبل؛ هذه هي طريقتي في الثأر للملايين الستة. هذه هي طريقتي للثأر من العنصريين الإسرائيليين أحفاد ضحايا النازيين، الذين لم يدخلونا ملهاهم، الذين دعونا «أوغاد».. خاطرنا بحياتنا من أجل الوطن ورفضوا دخولنا كأننا كلاب ضالة.
قال قشقش أنت ممتلئ بالكراهية والمرارة، دعك من ذلك الملهى اللعين، لقد كنت هناك أنا أيضًا، ولم يُدخِلوني أنا أيضًا بسبب لوني، لماذا لم يؤثر هذا فيَّ بالطريقة نفسها؟ أجبته: لستُ مليئًا بالكراهية، بل بالألم، بألم عظيم، وحقًّا بالمرارة.

كما توقعت، فاسم المتجر والرمز الاستفزازي على الواجهة، جذبوا إليه النار وأدخلوه وأدخلوني حيز المعرفة الجماهيرية. بعد أن انتهيت من رسم نجمة داوود، مرَّ مواطنون محليون، وتوقفوا بجانب المتجر فاغرين أفواههم. وبدأوا في النقاش، بعضهم يطالبني بمحو الشعار، ازداد الحشد من لحظة لأخرى، في هذه المرحلة لم يجرؤ قشقش الخائف والمرتبك على إظهار وجهه أمام واجهة المتجر، جلس بالداخل وأخذ يقضم أظافره. وقفت متأهبًا بجانب الباب مع نبوت صغير بجيب المعطف الداخلي، وقبضتين معدنيتين في كلا الجيبين الخارجيين. بدأت أصوات المواطنين الذين يطالبون بإزالة الرمز بالخفوت رويدًا رويدًا بين أصوات أولئك الذين انحازوا إليه باسم الديموقراطية وحرية التعبير، من أجل تحدي هذه الحفنة اليمينية دخل بعض اليساريين في أثناء احتدام النقاش إلى المتجر واشتروا منه حذاءً إسرائيليًّا، مربتين على كتفي وكتف قشقش المنزعج، مشيدين بشجاعتنا، واعدين إيانا بالعودة للشراء منا مرة أخرى.

وصلت دورية من الشرطة، سمع الشرطيون الادعاءات، وحملقوا في الشعار ودخلوا المتجر. فحصوا جوازات سفرنا وتصاريح عملنا. رأيت الكراهية التي كانت في أعينهم، ولكنني علمت أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا لي شيئًا، القانون في صفي. بعد الفحص خرجوا وحاولوا تفريق الحشد، أسعدني أن طاقمًا تليفزيونيًا مرتبطًا على ما يبدو بأجهزة اتصال الشرطة قد وصل قبل تفرق الحشد، ثم وصل بعدهم مباشرةً صحفيون ومصورون من وسائل الإعلام المكتوبة، كان هؤلاء يرسلون الصور إلى محطة التليفزيون المحلية، وهؤلاء يلتقطون صورًا لصحيفة الغد.

هدأت الصدمة الأولية بحلول الظهيرة، قال قشقش إنني مجنون حقًا، لكنني عبقري في التجارة والعلاقات العامة. لقد بعنا38 زوجًا من الأحذية في نصف يوم عمل، هذه الكمية كانت قبل ذلك تباع في أسبوع، عددنا النقود وكنا في قمة السعادة. وفجأة اضطربنا من صوت تحطم ما. 

أُلقيت بعض الحجارة صوب واجهة العرض، وهشمته إلى فتات، أمسكت أنا وقشقش كل منا بنبوت وأسرعنا إلى الخارج. وقف أربعة شبان موشومين على الجانب الآخر للطريق، سبّونا، وأدوا التحية النازية، وبدأوا في الفرار في اتجاهين مختلفين. ميزت واحدًا منهم. لقد كان من الثلاثة الذين هاجموا المسن اليهودي. أمرت قشقش بالبقاء والاعتناء بالمتجر وبدأت في ملاحقته. وبعد 200 متر تقريبًا نجحت في الإمساك به، جَبُن الفتى الذي هرب معه، ولم يحاول الدفاع عن صديقه. لم تكن لهذا المعتوه الذي أمسكته فرصة أمامي. كان هزيلًا وشبه سكران، جررته إلى حارة صغيرة وضربته بجنون، وتوخيت ألا أصيبه في رأسه، لكنني أشبعته ضربًا بقسوة في بطنه وظهره، وحذرته من الاقتراب من المتجر، وألصقت مطواة بحلقومه، أظهرت النصل وهددته أنني سوف أذبحه إذا تجرأ أن يريني وجهه مرة أخرى، تركته ممدًا على الأرض، ممسكًا ببطنه متأوهًا من الألم.

ركضت عائدًا إلى المتجر، وقد تكدس حشد ضخم في مدخله، شققت طريقي بين الجموع، التي شجعتني أغلبيتها، كانت تعابير وجه قشقش جامدة ومذعورة، شجعته قائلًا «هذا جزء من اللعبة»، واتصلت بالشرطة وبصحفيين كانا قد أجريا معي لقاءً قبل هذا. وصل الصحفيون قبل الشرطة، مصحوبين بطواقم تصوير. 

قلت في نفسي «هذه بداية ممتازة، بل أكثر من المتوقع»؛ فمنذ اليوم الأول للمتجر بعد تطويره تحوَّل إلى موضوع ملتهب، بعد تقديم البلاغ الرسمي للشرطة، لاحقني الصحفيون والمصورون من كل حدب وصوب، ليس من الألمان وحسب، بل إن هناك من الشبكات الإسرائيلية أيضًا من أجروًا معي مقابلة، قلت بالإنجليزية للصحفيين إنه باسم الديموقراطية والشعب اليهودي كله، من حقي المشروع أن أختار لمتجري الشعار الذي اخترته، حتى وإن لم يعجب الأقلية المتطرفة.

عندما نشرت التقارير، توجهت إليَّ بعض المنظمات اليسارية، أيدوني وتعهدوا أن ينظموا من أجلي تظاهرات تأييدية في حال عاد الموشومون وتعرضوا لي، قالوا إنهم سيقفون درعًا بشريًّا بيني وبين الفاشيين. ركبت واجهة عرض جديدة، وبالطبع رسمت عليها نجمة داوود. على الرغم من أن التأثير الإعلامي الأولي جلب للمتجر زبائن كثر، ولكن في طوية نفسي انتظرت مجيء الموشومين، حتى تقوم المنظمات اليسارية بالتظاهر، ونتيجة لهذا يحظى الحفل الإعلامي بدَفعة. ولكن الموشومون أحجموا، على ما يبدو أن هذه الضجة قد أخافتهم. عرفت أن في نهاية الأمر سيأتون ويحطمون الواجهة، بل ربما يحرقوا المتجر. استعنت بشركة أمن من أجل أمننا الشخصي. صرفنا كل أرباحنا في هذا الأيام على حارسين مسلحين وقفا أمام المتجر نهارًا، واثنين آخرين يرافقاننا في نهاية يوم العمل.

- قلت لقشقش بعد أسبوع من ذلك: إذا لم يأتوا في خلال 48 ساعة ويحطموا الواجهة سأحرص أن أجلبهم بنفسي.

= يكفي يا عوڤديا! يكفي استفزازًا. الأمر يسير بشكل ممتاز «لعبتها صح» ليس هناك داعٍ للمبالغة. أنا لا أنام الليل من شدة القلق، يمكنهم أن يأذونا جسديًّا، يمكن أن يقتلوننا، لا داعي لسكب البنزين على النار، إنهم في جحورهم، وهذا جيد، لا تحاول إخراجهم من هناك. 

- لا، بل يجب أن أجرَّهم إلى هنا، وسائل الإعلام وأغلب الجمهور يقفون في صفنا، لا يوجد ما نخشاه، هؤلاء النازيون الجدد أغبياء للغاية، لا عقل في رؤوسهم، إن كانوا أذكياء لما حطمو الواجهة، ولما أحدثوا هذه الضجة التي خدمتنا خدمة عظيمة.

= ما الذي تنوي فعله؟ 
- ربما أذهب للشرب في أحد باراتهم (قلت هذا بابتسامة متكلفة، ولم يدرك قشقش أنني أمزح). 
= قال قشقش مندفعًا بخوف: لقد فقدت عقلك، حقًا فقدت عقلك، سيقتلوك، لن أدعك تذهب هناك، وإن لزم الأمر أن أربطك بأصفاد، لقد فقدت قواك العقلية تمامًا. 
- اهدأ يا رجل.. إنني أمزح.
-- لا، أنت لا تمزح. أنت قادر على فعل كل شيء، أنت متهور، لتقسم لي أنك لن تقترب من منطقتهم.
لم أكن في حاجة لعملٍ استفزازي آخر لجلبهم. فكما توقعت، خرجوا من جحورهم بعد هذا بثلاثة أو أربعة أيام. هذه المرة جاء عشرة تقريبًا. وعلى الرغم من وجود الحارسين عند الواجهة، رموا الحجارة، وحطموا الواجهة وظلوا واقفين على الناحية الأخرى للطريق، مؤدين التحية النازية ومنادين بهتافات مهينة ضد الشعب اليهودي. خرجت للحارسين الخائفين، كان أحدهما قد استل سلاحه واستعد لإطلاق النار في الهواء، أمسكت يده وطلبت منه إعادة السلاح إلى جرابه.

- لا داعي لاطلاق الرصاص الحي، لا يبدوا لي أنهم مسلحون بسلاح ناري، لتقفا وتحرسا، ولا تستلوا سلاحكم الا إذا اقتربوا منكما وشكَّلوا خطرًا على حياتكما وحسب. 
= قال الحارس الذي استلّ سلاحه «ولكن أحد الأحجار أصابني».
- أصابك! أنا آسف لكن الإصابة خفيفة. اخفض سلاحك رجاءً.
ثم عدت إلى داخل المتجر واتصلت بالشرطة، وبالصحفيين، وبممثلي المنظمات اليسارية. 
- تمتم قشقش نائحًا بخوف «ما حاجتنا لكل هذه الفوضى». 
= بل إننا نحتاج للمزيد... هذا المتجر هو طلقة البداية. عندما يستقر الحال، أنوي أن أفتح سلسلة متاجر... لذلك فتلك الضجة ضرورية، على الرغم من كونها خطرة وغير جيدة. قشقش، إننا سنستعيد الشرف اليهودي. سنرب هؤلاء المعادون للسامية أننا لسنا أغرارًا، لن نخضع لأوامرهم، لن نذهب كالغنم للمذبحة.
- ما هذا الهراء؟ ما هذه الروح القومية والقتالية؟ من أين حشدتها؟ تحولت إلى يهودي أصولي. كنت لأتفهم هذا لو كنت منتميًا لليمين الإسرائيلي المتطرف. لكنك يساري علماني، فما هذا التعصب؟ 
= يا عزيزي إن اليهودية والشرف اليهودي ليسا حكرًا على المتزمتين. 
- لقد فاتك شيء ما، فما الفرق بينك وبين المستوطنين في الضفة الغربية، أنت تتصرف مثلهم بالضبط. تدق وتدًا في أرض ليست لك. وتستفز السكان الأصليين. 
= لدي حق في إثارة استفزازهم، أنا لا أستوطن أرضًا ألمانية. لو كنت حيًا قبل 60 سنة، لكنت طالبت باقتطاع جزء صغير غير مأهول من الأرض الألمانية، لإقامة دولة لليهود عليه، عقابًا على قتل الرمم النازيين للشعب اليهودي. وللرد على سؤالك: إنني بطريقتي أثأر لإهانة ضحايا المحرقة، صدقني إذا عرف الملايين الستة ما أفعله الآن لكانوا يبتسمون في قبورهم.
- أنت وملايينك الستة.. أنا لا أستطيع أن أفهم ما لشرقي...
= قاطعته بغضب «اخرس قبل أن أصفعك».
- هاي، اهدأ، ربما اشتريت الحق في كونك الرئيس هنا، ولكنك لست آمرًا على أفكاري.
= أنا أعتذر، ولكن هذه الكلمات تخرجني عن شعوري. قلت لك مسبقًا إنني أرى أن المحرقة هي محرقة الشعب اليهودي كله. لم يفرق هتلر بين الأشكناز والشرقيين. إن اليهود وحسب هم من يقومون بهذه التفرقة، ولا أستثني نفسي منهم، إن هذا الكلب لم يكن بعيدًا عن تدمير يهود المشرق أيضًا. لقد أقام معسكرات تجميع في ليبيا، ولولا أن هزم لكان مصير اليهود العرب مشابهًا لمصير يهود أوربا.
- هل أنت جاد؟! لم أعرف هذا..

= ربما لم تعرف لأن المؤسسة التعليمية في إسرائيل لم تشأ أن تروي لك.
على مدار أسبوعين كاملين تصادمت إلى جانب المتجر منظمات يسارية ضد منظمات يمينية. لم تفرط وسائل الإعلام في هذه القصة، ظهرت صوري في كل الصحف، تحولت إلى نصف مشهور، وفي أحد الأيام استضافني برنامج تليفزيوني صباحي مشهور. ومن ضمن ما قلته إنه من الآن فصاعدًا سأتبرع بـ 10 % من أرباح الصالون اليهودي للمحتاجين، وحظيت بتصفيق حاد من الجمهور الذي ملأ الاستوديو، ولم يكن هذا كرمًا زائدًا مني. فهذه النسبة مما أخفيه عن مصلحة الضرائب. شعرت برضا عظيم. لأنني تحايلت على ضرائب الإيرادات، وأيضًا لأنني أعطيت الجمهور شعورًا بأنني أتبرع من أجله، وهذا كافٍ وحده لصنع مبيعات خيالية. لا يوجد انتقام «عرصي» على الأرض الألمانية أكثر من هذا.

في نهاية اللقاء اقترب مني شاب صغير، طويل وضخم البنية. مد يده وعرف بنفسه. قائلًا بالإنجليزية:
- مرحبًا يا عوڤديا. أنا هلموت، صاحب وكالة للعلاقات العامة، إنني مهتم بدعوتك إلى حفل افتتاح معرض فني. سيكون هناك الكثير من المشاهير في هذا الحدث. ممثلون، وأدباء، وأيضًا بعض السياسيين، إذا حضرت سأحرص على تعريفك بأغلبيتهم.
= هل أستطيع أن أحضر معي شريكي؟ 
- تستطيع أن تحضر من شئت.
قال هذا وأعطاني بطاقة شخصية له، وعددًا من بطاقات الدعوة لهذا الحفل الخاص ولثلاث مناسبات أخرى ينظمها ويدير علاقاتها العامة في الشهر نفسه.
عدت إلى المتجر وأريت قشقش الدعوات، فنظر إليها بعينين لامعتين، وربت على كتفي بفخر، ثم قال «لعبتها صح يا أخي». هززت رأسي ودفنت عيني في الأرض.
- لماذا طأطأت وجهك؟ ما الذي حدث؟ 
= دعك من هذا 
- ماذا تعني دعك من هذا، انظر إلى الدعوات يا أخي، هل تعلم كم من الناس يطمعون في دخول هذه الحفلات؟ 
يا له من أمر محزن، تأملت قشقش المتحمس وفكرت بنفسي، محزن ومثير للسخرية أن أتبين أن في ألمانيا، بكل ما ترمز إليه، أنا، اليهودي المتكبر والمستفز، أدعى إلى حفلات مهمة، وفي إسرائيل، كضابط مقاتل، لم يسمح له في أثناء إجازته بالدخول إلى ملهى ليلي فقط لكونه... شرقيًّا.

تعقيب

من نقطة الشعور بالاضطهاد، وحتى نقطة الثورة عليه، يتصاعد وعي المضطهَدين، بدرجات مختلفة، وبأساليب ومسارات مختلفة أيضًا، فالخط الواصل بين النقطتين السالفتين ليس خطًا مستقيمًا ولا حتى مسارًا حتميًّا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد نجد نموذج «العبد القانع بعبوديته» وهو نموذج المضطهَد الذي يزدرد مبرررات اضطهاده التي يلقمها له مضطهِدوه، مثل اعتبار وضعه قدرًا إلهيًّا وأن الثورة عليه تعد من قبيل الكفر أو القنوط. 
وهناك من يكبت نقمته ويوجهها لأسباب غير حقيقية، منها اللوم الذاتي، باعتبار المعاناة عقابًا على ذنب اقترفه، كفرد أو كمجتمع. وهناك أيضًا من ينفس عن اضطهاده بالسعي لإيجاد ضحية أضعف يمارس معها دور المضطهِد. أو السعي لتغيير الوضع فرديًّا دون مواجهة مبدأ الاضطهاد، مثل الشيخ علي يوسف؛ صاحب القضية الشهيرة، الذي لم يناضل في الحقيقة من أجل رفض المعايير الطبقية للزواج، ولكن من أجل إثبات جدارته بالزواج من طبقة أعلى. 
تتعدد الأنماط، وما يعنينا هنا هو نمط «التوحد بالمضطَهد»، وهو يمثله من التراث سيرة عنترة بن شداد، وهي الغنية عن التعريف، فــــعنترة ببساطة كان يسعى إلى اعتراف أبيه به وهو ابن الجارية، الذي لا يستحق في الأعراف القبلية منزلة الوَلد، ليس هذا فحسب، بل إن عنترة حارب في صفوف قبيلته التي تحتقره، ضد أعدائها وانتصر لها، ليثبت جدارته بالانتساب إليها.

خلال مراجعة ترجمة النص السابق، وردت على ذهني سيرة عنتره، أو بالأدق هذا الخيط البارز في نسيج السيرة الشعبية المعروفة. يظهر لشخصية البطل «عوڤديا» أكثر من وجه (جانب):
-عوديا الفرد، الإنسان العادي، الذي كافح ليشق طريقه بمعايير مجتمعه، والذي انهار لاكتشافه أنه سيظل مواطنًا من الدرجة الثانية. عوڤديا الذي هاجر من أجل حياة أفضل، واستعمل الحيلة من أجل ضمان تحقيقها.
-عوديا الإنسان الطامح في العدل والمساواة لكل البشر، الذي كره الاحتلال والتمييز، والذي يرى أن العدل كان في إقامة دولة لليهود على أرضٍ ألمانية عقابًا للألمان، وتعويضًا لليهود عما ارتكبه النازيون.
- عوديا اليهودي العربي (وليس الشرقي)، الذي يؤكد بالتعبير المباشر أن هذه هي هويته، التي تأكدت لديه بقراءة التاريخ، والتعمق في مسألة «اليهود الشرقيين»، وهو يضع نفسه بالتعبير الواضح، كمقابل لليهودي الأشكنازي. وهو عوديا المتمرد الرافض للوصاية الأشكنازية، والتهميش والتجهيل الذي تمارسه ضده المؤسسة الصهيونية.

- عوديا/عنترة: المتوحد بالمضطهِد، إنه يحمل، بالمناسبة، صفات اليهودي الجديد «الصبار» الشاب القوي المحارب، الجريء، النقيض من كل صفات يهودي الشتات الضعيف (روزنبرج)، وإن كان بالطبع لا يقدمه بالثنائية النمطية الفجّة للكتابات الدعائية الصهيونية. 

إن عوديا، بعد أن قاتَل في الجيش الإسرائيلي، وهو السبيل الوحيد للفئات الضعيفة في المجتمع، لتحقيق مستقبل وظيفي في تلك البلاد، وفي ذروة إحساس الثكل، حينما فقد عدد من جنوده، يفيق على حادثة الملهى، عندما عومل باحتقار ومُنع من الدخول لأنه أسمر. الحادثة التي لطمته بكل قسوة، ليفيق من غيبوبته، ويدرك أنه كان وسيظل مواطنًا من الدرجة الثانية لأنه ليس من أصل أوروبي.
وبكل ما حمله من ألم ومرارة وصل به إلى الهجرة من إسرائيل بصوره تبدو نهائية، يقرر أن يأخذ بثأر هؤلاء، «اليهود الأشكناز»، الذين هم أنفسهم مَن اضطهدوه في إسرائيل. والميدان الذي يحارب فيه من أجلهم هو قضية المحرقة النازية، تلك القضية التي ابتزت بها الصهيونية الدول الغربية، والتي كانت أيضا أسطورة قومية لدى الأشكناز لتبرير هيمنتهم على الدولة، وتميزهم عن الشرقيين. فقد نشأت ظاهرة النكبة الشرقية، وهي خلق أسطورة اضطهاد لليهود الشرقيين في بلادهم الأصلية، باعتبارها مثيلاً لما تعرض له يهود أوروبا على يد النازيين.
لقد استعان عوديا بالقوة البدنية في مواجهة النازيين الجدد، كما استخدم الحيلة في نيل دعم المجتمع الألماني، ضاغطًا على مشاعر الذنب لديهم، حتى أصبح له موطئ قدم ومستقبل اقتصادي-اجتماعي بين نخبة المجتمع الألماني.
لقد عبر الكاتب، على لسان البطل، عن وعي عالٍ بحقيقة المشكلة، وهي أن اليهود الأوروبيين كانوا ضحية للنازية، لكنهم أصبحوا في فلسطين محتلّين، بل ويمارسون الاضطهاد حتى على اليهود من أصول غير أوروبية. لكن في النهاية كان المسار الذي انتهجه البطل لتهدئة كل صراعاته الداخلية، هي التوحد بالمضطهِد.

الهوامش:

1 - أصداء الهوية -تحرير: ماتي شموئيلوف، ونفتالي شيم طوڤ، نير برعام، إصدار عام عوڤيد- تل أبيب- 2007
2 - العنوان الأصلي للقصة «عرصية بأجندة» وكلمة «عرص» هي كلمة عربية دخلت إلى العامية العبرية وتطورت دلالاتها في اتجاهات مختلفة. عرص: وغد، أفاق، لعين.عرص: مسمى للشخصية الشرقية بسماتها المظهرية والسلوكية والفكرية، يقابله فريحة للفتاة الشرقية، وهو مرتبط بتنميط الشرقيين. وهذا المعنى هو المرتبط بالنص.
3 - دودو بوسي (1963- ): أديب وصحفي إسرائيلي، وولد في حي هاتكڤاه، بتل أبيب، وهو حي فقير ضم اليهود القادمين من بلاد عربية وإسلامية. درس التمثيل، وصدرت روايته الأولى» قمر أخضر في الوادي عام 2000، وفي العام نفسه بدأ نشر مقالات في أكبر الصحف الإسرائيلية، مثل هآرتس، يديعوت أحرونوت ومعاريڤ. كان من بين الكُتاب الموقعين على عريضة رفض الحرب على لبنان 2006
4 - نشيد حماسي من أناشيد البالماح، سرايا الصاعقة التابعة لمنظمة الهجاناة الصهيونية المسلحة قبل إعلان الدولة.
5 -عامود ها إيش/ عمود النار: أغنية عمود النار، إحدى أغنيات إحياء ذكرى ضحايا المحرقة النازية، والتعبير نفسه إحالة لقصة الخروج، إذ ورد فيها أن بني اسرائيل خرجوا في مصر يرشدهم عمود من النار ليلًا ومن الدخان نهارًا. 
6 - جعترون: فرقة أغنيات وطنية بدأت منذ قيام الدولة، ومستمرة حتى الآن.
7 -رامات جان: حي راق يقع شرقي تل أبيب، ويضم بورصة للألماس.
8 -أوشيتز Auschwitz: مدينة تقع جنوب پولندا، أقام بها النازيون أكبر معسكر اعتقال وقتل.
9 - يهودا المكابي: قائد ثورة اليهود على حكم أنتيوخوس أبيفانس اليوناني نحو 160 ق.م، وتم إحياء الشخصية، من ضمن عدد من الشخصيات والرموز لتكوين وعي قومي، وأصبح الاسم يطلق على النوادي الرياضية والاجتماعية لليهود في بلاد كثيرة من بينها مصر. 
10 -الحارس الفتي: حركة شبيبة صهيونية بدأت في جاليشيا بپولندا وهاجر قادتها لفلسطين في الهجرة الثالثة 1919-
11 -متساوون ومتساوون أكثر- اشتهر التعبير بعد رواية متساوون ومتساوون أكثر(All Men are Equal , But Some are) للكاتب اليهودي العراقي سامي ميخائيل، وهي باكورة أعماله وتتحدث عن سوء أوضاع المعسكرات المؤقتة (المعبروت) التي تكدس فيها اليهود من البلاد العربية، ويرجع أصل التعبير، بما يحمله من مفارقة، إلى قصة مزرعة الحيوان لــچورچ أورويل “كل الحيوانات متساوون لكن هناك حيوانات متساوون أكثر”.
12 -مزوزاة: عضادة الباب، صندوق معدني صغير، يوضع بشكل رأسي في مدخل الباب عند اليهود، يحوي رقعة من الرق مدون عليها فقرات من العهد القديم.