تواريخ

محمد حسني

قراءة إسرائيلية لحرب 1967

2018.01.01

مصدر الصورة : AFP

قراءة إسرائيلية لحرب 1967

كلما ابتعدنا عن الحدث كلما كان بالإمكان رؤيته بشكل أفضل. ولأن لكل طرف روايته بالضرورة، فكلما زادت ضخامة الحدث كلما تعددت الروايات حتى لدى الطرف الواحد. في هذا المقال نعرض رواية مختلفة لحرب الخامس من يونيو 1967، المعروفة لدى الإسرائيليين بحرب الأيام الستة، وهي رواية لا تختلف عن الرواية المصرية للحرب وحسب، بل وحتى عن الرواية الإسرائيلية الرائجة. ونستند هنا بشكل أساسي إلى كتاب «1967.. وغيرت البلاد وجهها».

في هذا الكتاب يقوم المؤلف ربما بشكل أكثر جرأة ووضوحًا ممن سبقوه بطرح الفكرة التي تقول إن إسرائيل لم تكن مجبرة على خوض حرب 67 وإن الحرب لم تكن حتمية. سبقه البعض داخل وخارج إسرائيل في طرح هذه الفكرة لكنه استطاع بفضل مجهود بحثي كبير أن يطرحها موثقة ومتداخلة مع قصص شخصية.

خمس سنوات قضاها مؤلف الكتاب، الصحفي والمؤرخ توم سيجڤ المعتد بتصنيفه من المؤرخين الجدد، اطلع خلالها على مواد في 25 أرشيف، من بينها محاضر اجتماعات حكومية واجتماعات هيئة الأركان التي لم تُنشر بعد، إلى جانب آلاف الخطابات واليوميات الشخصية. إحدى السمات المميزة للكتاب، والتي تعد غير معتادة في البحث التاريخي التقليدي- هي استخدام قصص شخصية، ولا نعني بذلك روايات وشهادات عن وقائع معاصرة، بل قصص شخصية تعكس تفاصيل الحياة في تلك الفترة؛ الوجه الآخر المختلف عن التصريحات الرسمية والأخبار العسكرية، ومذكرات الجنرالات، وكل ما تعج به الدراسات التقليدية. 

تُسرد قصة جندي الاحتياط العريف يهوشوع بر ديان (شوكا) خلال الفصل الذي يتحدث عن فترة الترقب قبل الحرب ثم خلال الحرب، وروايته عن الجبهة المصرية تأتي إلى جانب روايات المظليين من «كيبوتس يحيعام» الذين احتلوا البلدة القديمة (القدس الشرقية). وإلى جانب قصص المعارك تأتي على مدار الكتاب مقتطفات من خطابات شخصية أرسلها إسرائيليون لأقاربهم بالخارج، ومقتطفات من يوميات مسؤول الصندوق التأسيسي الإسرائيلي «كيرن كييمت» يوسف ڤايتس الذي كان من المقربين لرئيس الحكومة ليڤي إشكول، وقد اتسم الانتقال في السرد من الرسمي إلى الشخصي بالحدة أحيانًا.

ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام أساسية، كل منها ينقسم إلى عدة فصول، وينقسم كل فصل بدوره إلى عناوين فرعية. وقد اختار سيجڤ أن يكون التقسيم موضوعي - زمني، واختار عناوين أدبية قد يصعب على القارئ أحيانًا إدراك علاقتها بالفصل سوى بالعنوان الفرعي اللاحق، فالقسم الأول على سبيل المثال، جاء بعنوان «بين ريشون لتسيون ومنهاتن: المجتمع الإسرائيلي قبل الحرب». وجاء الفصل الأول فيه بعنوان أيام (السيارة) السوسيتا - عن إسرائيل الرسمية الصهيونية، والعنوان الأول في الفصل: يتوائمون بشكل لا بأس به - الإسرائيليون عامة، والذي يعرض التحولات في المجتمع الإسرائيلي التي جعلته أميل للراحة والاستمتاع بالحياة، وأكثر شغفًا بمستقبل يتوقع أن يكون أفضل وأكثر استقرارًا.

يرتكز المقال على المحورين الأساسيين للكتاب: الأول هو حياة الإسرائيليين في العام السابق للحرب، ويستند فيها كمؤرخ أكاديمي لبيانات وإحصائيات، ولكنه يعرض بالتوازي معها معلومات من مصادر مباشرة، ورسائل خاصة ويوميات، وإعلانات بالصحف. ثم ينتقل فيما بعد لفترة الركود التي كانت سببًا رئيسيًّا، غير معلن لشن الحرب، فبينما الأمريكيون يلعقون جراح ڤييتنام، لم يكن من السهل إعادة تدفق المال والسلاح للدولة/المعسكر.

أما المحور الثاني: فهو الجانب السياسي-العسكري، ولا يقبل سيجڤ الرواية الرسمية؛ وإنما ينطلق من تمحيصها وطرح تساؤلات: هل كانت الحرب حتمية؟! وهل كان للعلاقات داخل المطبخ، بين أجنحة الحكم، تأثير على قرار الحرب؟

نكتتان

النكتة الأولى انتشرت قبل الحرب: لافتة على مطار بن جوريون باللِد «على آخر إسرائيلي يغادر أن يطفئ الأنوار». والنكتة الثانية، ظهرت في أعقاب الحرب: ضابطان على الضفة الشرقية للقناة يجلسان في ملل، ويفكران كيف يمكن قضاء اليوم، يقترح أحدهما «لنحتل القاهرة» فيرد الثاني «ثم .. ماذا نفعل بعد الظهر؟». 

يعكس التناقض بين النكتتين التناقض الرهيب بين حالة الإسرائيليين قبل وبعد حرب 5 يونيو 1967. والطرح الأساسي الذي ينطلق منه سيجڤ في كتابه، هو أن الأحاسيس التي اكتنفت الإسرائيليين في هذا العام لم يكن لها أسباب حقيقية «لم يكن هناك مبرر لإحساس الضياع الذي سبق الحرب ولا اليوفوريا (النشوة) التي انتابت الإسرائيليين في أعقابها. ولذلك فمن الصعب فهمها» (ص29).

من هنا تجلى منهج سيجڤ – الذي لا يقبل المسلمات الأساسية في السردية الصهيونية. فحسَب السردية الصهيونية كان 1967 عامًا مصيريًا، وكانت الأحداث التي وقعت خلاله هامة ومبنية على أسباب منطقية، بينما يزعم سيجڤ أنها لم تكن كذلك، وأن سنة 1967 كانت يمكن أن تمر ككل السنوات لو تصرف الإسرائيليون بشكل مختلف. ويضيف سيجڤ أطروحات أخرى ومن بينها أن حرب الأيام الستة (5 يونيو 1967) لم تُفرَض على إسرائيل، بل إن إسرائيل بحثت عن ذريعة لشن الحرب. وأن وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس الأركان إسحق رابين ليسا بطلي حرب عملا من أجل الصهيونية، بل هما مثيران للحرب مُطلقي العنان، وأن أحد أسباب الحرب هو عدم انصياع الأركان العامة لسلطة الحكومة، وهو الأمر النابع من صراع الأجيال الذي نشب بين القيادتين السياسية والعسكرية، فعلى جانب وقف رئيس الحكومة ليڤي إشكول ووزراؤه جولدا مِئير وآبا إيبان، وحاييم موشيه شبيرا، وزيرح ڤرهَفتيج وهم شيوخ وُلدوا في الشتات، يتحدثون بلكنة ييديشية، يهود يستَجْدون القوى العظمى الغربية، سياسيون لم يحاربوا في معارك حرب الاستقلال (1948). بينما وقف على الجانب الآخر إسحق رابين وعزرا ڤايتسمان وآريئيل شارون، ورحبعام زئيڤي (غاندي) ويشعياهو جاڤيش، وهم شبان صباريين، يتحدثون العبرية منذ مولدهم، يبدون امتعاضهم من الشتات، ومن يهود الشتات الذين بقوا بفضل الاستجداء، ولم يقوموا بأي فعل؛ هم قادة الجيش الذين حاربوا في حرب الاستقلال (1948) (ص282). كما يطرح سيجڤ أن دخول الجيش الإسرائيلي للمناطق (الضفة وغزة) لم يساعد إسرائيل على حل الصراع الإسرائيلي العربي.

مجتمع يتنازعه الواقع والمثال

في مقدمة الكتاب يقدم سيجڤ بطلين يمثلان في رأيه الصراع الذي انتاب الإسرائيليين في عام 1967: ففي الجزء الأول من المقدمة يصف يحيعام ڤايتس الذي سقط من أجل إقامة الدولة، وفي الجزء الثاني يصف ناشط السلام إيبي ناتان. ويمكن أن نرى أن الهوّة الساحقة بين الشخصيتين تمثل الصراع بين شخصية الصهيوني (طلائعي عبري، يحارب من أجل استقلاله) وبين شخصية ما بعد-الصهيوني (post Zionist) (برجوازي تل-أبيبي عالمي أخلاقي، مُنْبَت الصلة عن ماضيه، يطمح في السلام) وهو الصراع الذي يعتبره سيجڤ نقطة الخلاف المركزية في المجتمع الإسرائيلي في تلك الفترة.

بطلان على طرفي النقيض

- يحيعام ڤايتس

قبل عام بالتمام من الحرب، أي في 5 يونيو 1966، أشعل يوسف ڤايتس شمعة، إحياءً للذكرى العشرين لمقتل ابنه يحيعام. يوسف ڤايتس (76 سنة) من الآباء المؤسسين للاستيطان، كان المسئول الرئيسي للحركة الصهيونية عن غرس الغابات، غُرست في عهده ملايين الأشجار، وساهم في التخطيط للكثير من المستوطنات. وهو من المتبنين لفكرة الترانسفير (ترحيل) الفلسطينيين إلى خارج الحدود.

وُلد يحيعام في أكتوبر 1918 بينما كانت قوات الجنرال إدموند ألِنبي تواصل احتلالها لفلسطين، وقد بلغت خيوله مستوطنة يڤنيئيل بالجليل في ليلة مولد الطفل، وبعد ذلك بأيام تنامى إلى ڤايتس خبر وعد بلفور، بعد صدوره بشهور، حيث كان الجليل لا يزال منعزلاً تحت السيطرة التركية. ولهذا أسمى طفله «يحي-عام/ يحيا الشعب» وهو أول من سمي بهذا الاسم «رمزًا للعهد المقطوع بين الشعب الإنجليزي والشعب اليهودي»، كما سجل ڤايتس.

تربى يحيعام في بيت حجري ذو سقف قرميدي تحيطه الأشجار في مستوطنة زراعية -كما في الأحلام الرعوية الأوروبية- ودرس في «الجمنسيا» مدرسة النخبة المؤسِّسَة ثم انضم إلى حركة «هاشومير هتساعير/الحارس الفتى». وعندما اندلعت الثورة العربية في 1936 ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني التحق بـ«الهجاناه»، وما لبث أن سافر إلى لندن ليدرس الكيمياء وعلوم النبات، حيث تعلق كثيرًا بالمدنية الأوروبية، لكنه اضطر للعودة مع اندلاع الحرب، عائدًا إلى الهاجاناه والتحق بصفوف «البالماح/سرايا الصاعقة».

بينما غيرت بريطانيا من سياستها الراعية للصهيونية، تحت ضغط العرب، قررت الهجاناه توجيه نشاطها ضد البريطانيين بشكل سافر. شارك يحيعام في العملية المسماه «ليلة الجسور» التي استهدفت 11 جسرًا ودمرت 10 من بينهم بالفعل. وقد سقط يحيعام بجوار جسر الزيب شمالي عكا، وكان من حظه أن بقي جثمانه بينما تناثرت أشلاء 13 آخرين بفعل المتفجرات، حسب صحيفة داڤار. وهكذا أصبحت الجنازة حدثًا وطنيًّا، وتوقفت الأنشطة خلال توديع الجثمان حتى جبل الزيتون. وتدفق المعزون إلى بيت يوسف ڤايتس ومن بينهم موشيه شرتوك (شاريت) وزير الخارجية وثاني رئيس حكومة فيما بعد. وقد سأله ڤايتس «هل كانت هناك ضرورة لتلك العملية، وما جدواها؟» سجل ڤايتس كلمات شرتوك «سار يحيعام في الطريق الصحيح وأدى الواجب المقدس» أردف ڤايتس «وأنا أيضا قلت ذلك: نحن في حاجة إلى القوة، لنريها للأغيار الأشرار، سواء العرب أو البريطانيين ... ويحيعام سار في هذا السبيل .. آمن به وأخلص له.. والكل يبجلونه». وتحول يحيعام سريعًا إلى أسطورة قومية، رمزًا وقدوة لأبناء جيله، جيل يمثل شخصية اليهودي الجديد، النقيض من يهودي الشتات. ينتمي إلى هذا الجيل العديد ممن قادوا تلك الدولة فيما بعد ومن بينهم موشيه ديان ويجآل ألون، وإسحق رابين.

في الذكرى الخامسة لوفاته، نشر الأب والأم دعوة لكل من أطلقوا اسم يحيعام على أولادهم ليشاركوا في غرس غابة تخلد ذكرى من سقطوا في المعارك. ففوجئوا بعشرات الأطفال يحيطون بهم. كانت الغالبية العظمى من الآباء مهاجرين، جاء أكثرهم من شرق أوروبا، مهنيين وحرفيين وعمال وموظفين ومستوطنين زراعيين، قاتل بعضهم في صفوف الهجاناه أو في الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

هؤلاء كانوا يمثلون التحول الأولي عن يهودي الشتات. الكل كان يقرأ صحيفة «داڤار» الممثلة للمؤسسة الحاكمة، صحيفة كانت تصدرها «الهستدروت/اتحاد نقابات العمال»، وتعبر عن مواقف الحزب الحاكم «مباي/حزب عمال أرض إسرائيل». عندما صدر قرار التقسيم، تقبله الكثيرون بينما رفع المعارضون شعار «ستكون لنا دولة لكن يحيعام سيظل خارجها» حيث كان جبل الزيتون، مثوى يحيعام، خارج حدود الدولة اليهودية حسب القرار. خلال حرب 1948 شارك ڤايتس الأب في تطبيق ما آمن به، طرد الفلسطينيين ومنع عودتهم، وفي الخمسينيات كان ضالعًا في مشروعات هجرة فلسطينيي 48 وظل حتى آخر أيامه معتنقًا فكرة الترانسفير.

لا يذكر معظم من سُمُّوا يحيعام حرب سيناء وقد بلغ معظمهم سن التجنيد بين 1964- 1966. بات التجنيد جزءًا من روتين الحياة الذي لم يحلموا يومًا بتغييره. يقول واحد ممن أطلق عليهم يحيعام «كنت في الصف 11 وكل ما شغلني في ذلك الوقت كان أين سأكون في الجيش» وكانت حرب 67 أول حرب يشهدها جيل الـ«يحيعام» الصغار. ولكي نعرف لماذا نشبت الحرب لا تكفي معرفة الخلفية العسكرية لها، بل يجب التعرف على الإسرائيليين، والزلزال النفسي والسياسي والقيمي الذي انتابهم بدءًا بـ1966.

في منتصف الستينيات صُورت إسرائيل كإحدى قصص النجاح المؤثرة في القرن العشرين، لقد أثارت بحق فخر سكانها وبثت فيهم الأمل، تنسم معظمهم بشغف روح الستينيات التي انتشرت في تل أبيب. معظم السيارات التي سارت في شارع ديزنجوف أوروبية وأمريكة الصنع، لكن سيارة من بين كل أربعة سيارات جديدة تم تجميعها في إسرائيل. موديلات حملت أسماء عبرية «كرمل-جلبوَّع- سوسيتا»، وأيضا «سَبرا» السيارة الرياضية التي تلهب الخيال. وفي منتصف الستينات بدأ تجميع السيارة كونتيسَّا وهي سيارة ركوب عائلية بمحرك خلفي من إنتاج شركة «هينو» اليابانية، وقد تم تسويقها كما لو أن امتلاكها بات ضرورة اجتماعية «لماذا ليس لديكم كونتيسا بعد؟». وإن ظلت صناعة تجميع السيارات في محلها لكنها كانت جزءًا من حلم إسرائيلي جديد وُلد في أول مدينة عبرية (تل أبيب) حول نافورة في الميدان والكراسي الخشبية والنخيل.

كان ديزنجوف أكثر من مجرد شارع؛ كان أيقونة ثقافية واجتماعية، أثرى اللغة العبرية بفعل جديد، ابتدعته صحيفة «هاعولام هازه/ هذا العالم» اليسارية الشعبية «يتزنجفون»؛ أي يخرجون ويظهرون في الواقع الحَضَري العصري المدني، من يتوقون إلى لندن ونيويورك. وجد الراغبون في الكماليات أغلى محلات الملابس والأحذية، وآخر صيحات الموضة من ميلانو وباريس.

 احتلت الأرصفة طاولات المقاهي. في مقهى «كاسِيت» –بوهيمي الطابع- جلس الأدباء والشعراء والصحفيون والممثلون ومثقفون آخرون، لم يكن عليهم الذهاب بعيدًا، فهنا في وسط تل أبيب، تركزت صناعة الثقافة الإسرائيلية، قاعة المسرح والموسيقى والمسارح ومقرات الصحف. هنا عرضوا أحدث الأفلام وروجوا «الأفكار التآمرية». أوري زوهر (ممثل ومخرج مسرحي)، وعاموس كينان (صحفي)، ويجآل تومركين (مَثّال)، وقعوا على خطاب لرئيس الحكومة أعلنوا فيه أنهم يعتزمون مخالفة القانون والدخول إلى مناطق الحكم العسكري المغلقة، للتضامن مع نضال عرب إسرائيل، الخاضعين منذ 1948 لقيود مختلفة. كان ذلك نضالاً من أجل الحقوق المدنية يشابه النضالات ضد التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة.

كانت تل أبيب تبعث بعبير البحر المتوسط. لكن الكثيرين من مرتادي المقاهي الذين جاءوا للمدينة في عشرينيات القرن العشرين قادمين من شرق أوروبا، لايزالون يتحدثون بينهم الروسية والبولندية والييديش. وفي الثلاثينيات جاء لاجئون من وسط أوروبا؛ الكثيرون منهم كانوا يتحدثون الألمانية. كما عُد مقهى «رو ڤال» -البرجوازي- المكان الذي تُشاهَد فيه الحسنوات واليافعين. جاء الكثيرون منهم على دراجات بخارية (ڤسبا ولمبرتا) إيطالية الصنع. التقط أوري زوهر في رويال عددًا من الصور لـ«حور بالِڤاناه/ ثقب في القمر» فيلمه الساخر الذي يسخر للمرة الأولى من الواقع الصهيوني. بالقرب من هناك كان مطعم الرجل الذي يناديه الجميع إيبي، ويسمى مطعمه "كاليفورنيا" الشهير في أوساط السياسيين وچنرالات الجيش، وقد قدم الهمبرجر لأول مرة في إسرائيل. إنه البطل الجديد النقيض من يحيعام.

إيبي ناتان

كان إيبي رجلًا يحبه الجميع، وبِحَق، لأنه كان خَيِّرًا ولم يتعامل معه الكثيرون بجدية تامة، وهم محقون في ذلك أيضا. كان شخصًا ساذجًا، من مواليد إيران، وهو ابن تاجر نسيج ثري ومحافظ. في سن السادسة أرسلوه إلى مدرسة كاثوليكية في بومباي بالهند ثم لحقت به الأسرة. كان التعليم الذي تلقاه في بيت أبيه يرمي لغرس الصهيونية فيه بلا توانٍ. مع نهاية دراسته تحير بين أن يصبح محاميًا أو ممثلاً، واختار في النهاية أن يكون طيارًا فتجند في صفوف سلاح الطيران الهندي. في 1948 كان من أوائل الطيارين في سلاح الطيران الإسرائيلي وقصف عدة قرى عربية، وذات مرة تصادف أن تجول بين أنقاض إحدى تلك القرى، قرية سعسع في الشمال، كان المكان مهجورًا ومعظم البيوت مهدومة، وقد ميز إيبي بين الأنقاض جثثًا محترقة حكى بعد أيام “أصابني اكتئاب شديد”. أصبحت منشغلاً أكثر وأكثر بما تلحقه الحرب بالناس”. كما شارك في قصف الفالوجة الموقع المصري بالنقب. أحد الضباط الذين نجوا من الغارة كان جمال عبد الناصر، الرئيس المصري فيما بعد. في نهاية الحرب وجد إيبي عملاً في شركة “إِل-عَل” لكنه فُصل وافتتح “كاليفورنيا”.

قبلها بسنوات رفع سلاح الطيران شعار “الأفضل للطيران”، وهو شعار أثار جدلاً لكنه لاقى رواجًا، وقد حصل إيبي بفضل ماضيه كطيار في حرب الاستقلال علي مكان بين الأفضل؛ طائرة خاصة كانت بمثابة أمر مستحدث ومثير وظهر إيبي كفتى الأحلام غير المحدودة. مقابل قيم العمل لدى الصهاينة الأوائل؛ الاقتصاد الاشتراكي الذي اتبعوه والأيديولوجية القومية التي تبنوها، يمتدحون المزارع في الكيبوتس وينبذون النجاحات الفردية في المدينة، مقابل كل ذلك ظهر إيبي كأحد الوكلاء الأوائل للثقافة الأمريكية التي بدأت تتوغل لإسرائيل. وقد تبنى هدفًا لحياته وهو تحقيق السلام، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في 1965 أغراه أصحابه لدخول الكنيست وفي برنامجه تعهد إيبي بالطيران إلى مصر والتحدث مع ناصر.

كممثل للمواطن البسيط، كان من بين ما تعهد به إيبي خصخصة الخدمات التي كانت لا تزال خاضعة لسيطرة الأحزاب ومؤسسات الدولة بما في ذلك الصحة والاتصالات. وقد دخل الانتخابات وحده دون حزب وعلى نفقته الخاصة وتعهد بالتعبير عن “موجات الانتفاض والاحتجاج ضد حكم الأحزاب”. وقد حصد 2135 صوتًا فقط، ولم تؤثر الهزيمة علي شعبيته بل على العكس. وقد واصل الإبهار بالحديث عن رحلته إلى ناصر. لم يقل إيبي، وبالضرورة لم يعرف، ماذا سيقول للرئيس المصري عندما يلتقون. وكـأن اللقاء نفسه كافٍ لكي يغير التاريخ. لقد نشر كثيرًا عن رحلته في العالم مطالبا بمساندته؛ جاء الوزير يجأل ألون إلى “كاليفورنيا” وحاول هو أيضا أن يثنيه عن تنفيذ ذلك، لكن وحسب قول إيبي “بمجرد أن انتهى ألون من وجبته، وعد بالانضمام إليه في رحلته”.

وفي فبراير 1966 نشر إعلانًا يطالب الجمهور بالتوقيع على عريضة تأييد، واستجاب له الكثيرون؛ حتى بلغوا مئة ألف على حد زعمه، فكتب وصيته. وفي 28 فبراير 1966 اتجه إلى مطار صغير في هرتسيليا واستقل طائرة سترمان أحادية المحرك موديل 1927 بكابينة مفتوحة. طُليت الطائرة بالأبيض وكُتب عليها سلام-1 بالعربية والعبرية والإنجليزية. نظر إيبي لكاميرا مراسل معاريف ثم أدار المحرك وانطلق. ونشرت وكالة أنباء أمريكية أن الطائرة تحطمت وأنه لقي مصرعه. ألقت الشائعة بأصداء قوية حتى أعلن الراديو سلامته. أما هو فقد طار بارتفاع منخفض جدًا تخلصًا من مراقبة سلاح الطيران الإسرائيلي، ولم يكفِ الوقود للوصول إلى القاهرة فوصل بالكاد إلى بورسعيد، وقدم نفسه إلى العاملين الذاهلين بالمطار، وطلب مقابلة ناصر.

لم يصبه المصريون بسوء، بل دعاه المحافظ للغداء، واصطحبوه للمدينة لشراء بيجامة، وعاد للمطار وقضى الليلة في لعب الورق مع الحراس، وفي اليوم التالي أبلغوه بالعودة. بعد الحرب كرر إيبي رحلته الفاشلة من نيقوسيا إلى مصرفي 28 يوليو 1967، وعند عودته لإسرائيل تم اعتقاله ومحاكمته على الرحلتين، لكن ذلك لم يمنعه من تكرار الرحلة في 1969. كان إيبي بطلاً من نوع جديد مختلف تمامًا عن يحيعام ڤايتس، في لحظة ما بين فترة المقاتل الذي ولد في القدس وتماهى مع الملحمة القومية وبين الشخص الودود الذي يرمز إلى الحياة المريحة في تل أبيب وحسب.

 لقد انتابت الإسرائيليون أزمة هوية عميقة ومؤلمة؛ لقد كانوا 2.3 مليون يهودي و300 ألف عربي. بدءًا من 1966 مال المزيد والمزيد من الإسرائيليين لفقدان الثقة في أنفسهم والسقوط في الاكتئاب. وزادت الجدالات بينهم، وراجعوا مرة تلو الأخرى القيم الأساسية لديهم، بما في ذلك حدود التسامح والإنسانية، وفي أحيان كثيرة لم تكن تلك نقاشات سياسية بين اليمين واليسار وإنما تمحيصًا لأسس الحلم الصهيوني نفسه. مع اقتراب 1967 سرى الإحساس أن المفاهيم الوجودية الأولية للدولة لم تعد تريهم الاتجاه والطريق، وأنهم ينهارون بلا بديل حتى الفناء. فالنبوءة الصهيونية استنفدت نفسها، ووصل الكثيرون لاستنتاج بأن الصفقة قد خسرت كما ذكرت إحدى الصحف. عشرات الآلاف تركوا البلاد للأبد، «نحن شعب بائس» كما قال أحد قيادات حزب «مباي».

 علق أحد محرري معاريڤ «لقد أخرجتنا ولو ليوم واحد على الأقل من الروتين الرهيب الذي يلتهمنا». لم تكن الرتابة بهذه الخطورة، بل كان الإحساس خطيرًا بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الهجرة وفقدان الثقة في حكومة إشكول وغيرها، لقد كان المجتمع وكأنه يتفكك وعندما اندلعت التوترات مع مصر كان الإسرائيليون ممزقون حتى فقدان الصواب. كتب وزير الزراعة حاييم جڤاتي في يومياته «يملؤني الخوف»، عرف جڤاتي بشائعات مفادها أن الاتحاد السوڤييتي لن يتراجع ولن يرتدع عن تدمير إسرائيل، وهو ما لم يكن له أساس من الصحة، وتحدث له جنود خلال إجازة السبت عن الحالة النفسية السيئة حتى في الجيش وعن انخفاض الروح المعنوية.

يواصل الوزير في يومياته «انتشرت شائعات أننا غير مستعدين للحرب، وإنها فاجئتنا وليست هناك ثقة إننا سنستطيع مواجهة كل أعدائنا». في اليوم نفسه شارك في اجتماع الحكومة، خلال الاجتماع أبلغ رئيس الأركان إسحق رابين عن دخول أربعة طائرات مصرية سوڤييتية الصنع للمجال الجوي الإسرائيلي، وبعد دقائق معدودة تلقى إشكول تفاصيل أخرى: الطائرات طوردت لكن اثنتان منهم استطاعتا على ما يبدو تصوير المفاعل النووي في ديمونه. وفي تقرير للرئيس ليندون جونسون ذكر أن مندوب إسرائيل في واشنطن إفرايم عڤرون جاء يطلب مساندة الولايات المتحدة «بأعين دامعة». مرت الساعات الأولى للحرب على الوزير جڤاتي وهو في الملجأ بمنزله مع الجيران، وفي اليوم التالي مر كل شيء؛ وصف الكثيرون النصر بأنه «معجزة» واستخدمت افتتاحية يديعوت تعبير «يد الله».

قبل شهور قليلة من الحرب زار ديان ڤيتنام، وكتب عند عودته «الأمريكان ينتصرون في كل شيء إلا الحرب» وخلال عشرة أشهر كان باستطاعته أن يقول عكس ذلك عن الإسرائيليين «انتصروا في الحرب فحسب» يجرفهم الخوف وبعد ذلك سكرة الانتصار. لم يكن هناك مبرر لإحساس الضياع الذي سبق الحرب ولا لليوفوريا التي اكتنفت الإسرائيليون في أعقابها.

 بين ريشون لتسيون ومانهاتن:

كيف تحدث الإسرائيليون عن حياتهم قبل الحرب

في يوم الخميس 18 مايو 1967 عاد يهوشوع ديان (35سنة) من عمله، في مجلس تسويق الموالح في بلدة ريشون لتسيون وتوجه لإصلاح سيارته السوسيتا مصطحبًا ابنه ياريڤ (عامان) بينما كانت زوجته جيلا التي تعمل مربية في رياض أطفال تقوم بتحضيرات يوم السبت المقبل. انتابه شعور إنه سيُستدعى للجيش في الليلة نفسها. وفي منتصف الليل رن جرس الهاتف «سنتحرك خلال 11 دقيقة». 

قبل ذلك بسنة ونصف تقريبًا بدت الحياة مختلفة كان يهوشوع شخص متفائل وسعيد، يقطن في ريشون لتسيون، التي يقدر عدد سكانها في ذلك الوقت بـ36 ألف نسمة. وقد عكست رسائل سكان المدينة لأقاربهم في الخارج نمط حياة مشترك للكثيرين من الإسرائيليين: حيث سكن 90 % في المدن، ثلث هؤلاء سكنوا تل أبيب أو حيفا أو القدس. في مطلع 1966 عكست الخطابات حالة من الرضا والثقة في المستقبل. 

منذ إقامة الدولة ارتفع مستوى الحياة بمقدار 100 % واقترب من مستوى بعض دول أوروبا، الإنتاج يتحسن وهناك زيادة دائمة في الأجور وزيادة في الطلب على الأيدي العاملة، في مطلع الستينيات سُجل معدل نمو مرتفع للغاية 10-12 % سنويًا، وشهدت كل مدن البلاد ازدهارًا. لقد اعتبروا أنفسهم جزءًا من العالم الغربي وبناءً على ذلك أسسوا حياتهم وتوقعاتهم من الدولة، أكثروا من السفر للخارج اقتنوا أجهزة تليفزيون، على الرغم من عدم وجود بث إسرائيلي بعد.

عرف الإسرائيليون الأبنية الشاهقة 14 طابق ببئر سبع، 20 طابق بحيفا، مبنى بورصة الماس في ضاحية رامات جان 27 طابق، واستأثرت تل أبيب بأعلى مبنى وقتها 34 طابق مع منصة خاصة بأعلاه مزودة بمنظار يكشف أبعد نقطة ممكنة، وفي الجنوب أنشئت مدينة عاراد التي وصفت بأنها الأفضل تخطيطًا بالعالم. افتتحت مبان عامة في أماكن مختلفة: متاحف، مقر جديد للكنيست بالقدس، كما زادت مؤسسات التعليم العالي. وقامت جامعة حيفا على مبنى مشيد من 18 طابقًا. ونشرت الصحف عن إشراك إسرائيل في برنامج أبحاث الفضاء الفرنسي. ارتفع مستوى طلاب المدارس وفق معايير واستطلاعات دولية، وحصلت إسرائيل على بطولة آسيا في كرة السلة.

كفل التأمين الصحي «كوبات حوليم/صندوق المرضى» علاجًا جيدًا بالمجان لمعظم العاملين بأجر من الإسرائيليين. إلى جانب تمتعهم بالتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد. كانت أسرة العاملين بأجر تحصل على متوسط دخل 700 ليرة شهريًّا. بينما يروي مهندس إلكترونيات في خطابه لصديقه في لوس أنجلوس أنه يحصل على 850 ليرة بينما زوجته المُدرسة تحصل على 400 ليرة شهريًّا، بهذا الأجر كان باستطاعة الأسرة الصغيرة أن تنفق على احتياجاتها وتسدد ديون الزواج وتقتني تليفون وأثاث جديد للبيت، كما أصبح لديهم سيارة هيلمان إنجليزية الصنع مستعملة، فأصبحوا من بين 10 % من العائلات التي تقتني سيارة خاصة، وهي نسبة في تزايد سريع.

كانت السيارة «كونتيسا» المجمعة في إسرائيل تكلف 10آلاف ليرة، بينما البيتل الألمانية 15ألف. وفي تل أبيب كان بمقدور من يرغب أن يحصل على أحدث موديلات السيارات الأوروبية والأمريكية. وبسبب الركود خُفض سعر السيارة في مايو 1967 من 11 ألف إلى 9.915 ليرة لأعلى فئة.

في 1966 كان تركيب التليفون يتكلف 650 ليرة، ولا يتطلب الانتظار سوى شهرين بعد أن كان الأمر يقتضي ثلاث سنوات كاملة. وصل عدد المشتركين إلى 30 % من الوحدات السكنية، وبدأت موضات الديكور والأثاث تشغل الأسر الصغيرة، حسب تعبير جيلا في خطاب لأختها بالخارج «أصبح بمقدرة كل عروسين اقتناء كرسي هزاز لحجرة المعيشة»، وهم يخططون أيضًا لشراء نجفة وسجاد فيما بعد. كانت حياة يهوشوع وجيلا مستقرة، تستعد الزوجة للامتحانات الجامعية، إذ تريد أن تصبح مُدرسة، تقضي جيلا معظم وقتها في شئون المنزل وفي التسوق، وتصطحب طفلها مرة أسبوعيًّا لحمام السباحة في معهد ڤايتسمان كما كتبت لأختها بالولايات المتحدة «حمام سباحة كبير ونظيف ورواده منتقين بعناية.. باشتراك سنوي قيمته مئات الليرات» وهي تزور والديها، في شارع مجاور.

الوالدان (محاسب ومُدرسة) مهاجران من شرق أوروبا، ومن مؤسسي أحد الكيبوتسات، بعد 20 عامًا انتقلا إلى المدينة. كان الطريق المعتاد للترقي في المجتمع الإسرائيلي هو بدء المستوطن حياته في مستوطنات العمل الزراعي، أو ما شابه، لحين إتاحة الفرصة للانتقال للحياة المدينية ليحل محله مهاجر جديد في السلم الاجتماعي. 

في العام نفسه 1965 سافر إلى الخارج أكثر من مئة ألف إسرائيلي (ما يقارب 5 % من السكان). بحث معظم المسافرين عن رحلات رخيصة بالباخرة لأوروبا في جولات جماعية تستغرق شهرًا وتتضمن زيارة 6-7 دول أوروبية، تتكلف هذه الجولة 1600- 1700 ليرة وأصبحت تجربة أساسية في حياة الإسرائيلي العصري، وإن لم يكن بمقدورهم تكرار الرحلة سنويًّا. اعتبر بعض المفكرين ذلك تعبيرًا عن إحساس بالعزلة، لكن محاولة بعض المستثمرين إنشاء مشروعات بالخارج تعني مشاعر أخرى، إنها تعكس حالة من القلق والارتياب في استمرار الأوضاع في التحسن.

  انعكس مستوي المعيشة كذلك في الإقبال على شراء الملابس والأحذية أو تفصيلها. امتلكت 90 % من الأسر موقد غاز وثلاجة واقتصر استخدام موقد الكيروسين (البريموس) على تدفئة المنزل. بلغ عدد الأسر التي تقتني تليفزيون 150 ألف أسرة تلتقط البث بالأبيض والأسود من القاهرة وبيروت، ومن قبرص إن حالفهم الحظ. وقد تأخر طرح فكرة إنشاء هيئة بث تلفزيوني إسرائيلي لكنها طرحت من أجل منع المواطنين من استقبال البث من البلاد العربية، وبدأ البث التجريبي في يناير 1966 بشكل شديد التواضع. وتأسس التلفزيون التعليمي بتمويل الفرع الفرنسي لعائلة روتشيلد. وازدهر النشاط المسرحي بأنواعه، وانتشرت دور العرض المسرحية والسينمائية، بل طرح بعضها اشتراكات سنوية للحضور، وكانت الأسرة ترتاد أحد العروض لمرة على الأقل أسبوعيًّا، وفي 1966 بيعت مليون ونصف مليون تذكرة لأفلام درامية إسرائيلية. وفي العام نفسه حصل شموئيل يوسف عجنون على جائزة نوبل في الأدب. وصل عدد الصحف 25 صحيفة يومية 15 منهم بالعبرية. وافتتحت مطاعم ومبي العالمية المزيد من الفروع، وانتشرت المطاعم والمقاهي ذات الأسماء الأجنبية، وزادت أنواع الخمور في السوق الإسرائيلية، وبلغ سعر السجائر الشعبية 50 أجورا (قرش).

بلغت مصروفات المدارس الثانوية 70- 80 ليرة شهريًّا، ولكن قبل الوصول إليها كان هناك اختبار مصيريًّا لطلبة الصف الثامن يحدد من سيكمل التعليم العام ومن سيتجه للتعليم الفني ومن سيحرم من استكمال تعليمه ويخرج إلى سوق العمل. وتضاعف عدد المدرسات في التعليم الأساسي ثلاثة مرات مقابل المدرسين الرجال، وفي المدارس الإعدادية كان عدد المدرسين أكبر من المدرسات. وخصصت المجلات أبوابًا تهتم بشؤون الأسرة والبيت وتربية الأطفال. 

امتلك 60 % من الأسر شقتهم الخاصة، وراود معظمهم فكرة الانتقال مستقبلاً لشقة أفضل في المساحة والمستوى. وقد ذكرت وزارة الإسكان أن 75 % من ثمن الشقة كان يأتي من مدخرات ومن مساعدات عائلية والباقي من التمويل العقاري والقروض البنكية. وطرحت الوزارة دفاتر توفير للأولاد أيضًا تساعدهم مستقبلاً في الحصول على شقة. بلغ سعر الشقة من حجرتين وصالة في تل أبيب 34- 39 ألف ليرة، ومثيلتها في ريشون لتسيون 26 ألف، وأقل من ذلك في أماكن أخرى، يُدفع ثلث الثمن تقريبًا للاستلام. ولم يتجاوز سعر الفيلا 99 ألف ليرة. تضمنت إعلانات الإسكان ليس فقط مواصفات الشقق ولكن أيضًا مواصفات الجيران المرتقبين.
وحينئذ بدا وكأن كل شيء ينهار

(الركود: رياح سيئة تهب)

بدأت بوادر الركود نظريًّا -أي دون أن تنعكس على مظاهر الحياة اليومية- في 1966. وقد تجلى الركود في انخفاض معدل النمو وانخفاض الطلب في سوق العمل، ويزعم سيجڤ أن بوادر المشكلة ظهرت بالفعل قبل ذلك، في 1965 لكن الانتخابات دفعت بالحكومة للتعتيم، ومن ثم مفاقمتها حين صرفت تمهيدًا للانتخابات علاوات على جميع الرواتب، وما لبثت أن ابتلعت موجة الغلاء التي أعقبت الانتخابات تلك العلاوات؛ حيث احتاجت الأسرة نحو 12 % زيادة في دخلها لمواجهة ارتفاع الأسعار. وانخفضت الزيادة السكانية من 4 % في 1964 إلى 0 % في 1966 نتيجة تقلص الهجرات وتراجع الزيادة الطبيعية –ولم يذكر سيجڤ الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج وانخفض بالتالي الإقبال على المساكن الجديدة وهو ما أثر على قطاع العقارات والتمويل العقاري، والأثاث والديكور والأجهزة.. إلخ. وامتد الشلل التدريجي إلى بقية فروع الاقتصاد، فأفلست مشروعات كثيرة. والسبب الآخر للركود هو تراجع الاستثمارات الخارجية من 40 % في 1964 إلى 15 % في 1966 فانخفض النقد المتداول، وكذلك الأوراق المالية مما زاد من تراجع الطلب وهكذا دواليك.

لا يذكر الإسرائيليون موجة غلاء أعتى سوى في 1962 وكانت أموال التعويضات الألمانية التي تجبيها إسرائيل باسم أسر ضحايا النازية قد أنقذت إسرائيل من إفلاس محدق وانعشت اقتصادها لسنوات. وفي منتصف الستينيات أدى إنشاء عدد من المشروعات العملاقة –معظمها بمعونات واستثمارات خارجية- إلى انتعاش مؤقت للاقتصاد مثل خط المياه القُطري وميناء أسدود ومشروعات تنمية البحر الميت. ولم تبادر الحكومة بمشروعات جديدة، بل وصفت الركود بأنه سياسة متعمدة لتقليل الإنفاق وزيادة الإنتاج والتصدير بشكل خاص وطالبت المواطنين بالتجلد. 

حاول رئيس الحكومة إشكول أن يقنع الجمهور أن الركود أمر ضروري، لأن الحياة في إسرائيل أضحت أفضل من اللازم «نحن أصبحنا نأكل أفضل ونلبس أفضل.. هؤلاء بدلوا بشقتهم شقة أوسع وهؤلاء اشتروا أثاثًا جديدًا.. امتلأت البيوت بالأجهزة الكهربائية.. فلان اشترى دراجة بخارية، علان اشترى سيارة». اتسم خطابه بالتوبيخ مصرحًا «إن الأموال التي مولت كل ذلك لم تأتِ من عمل الإسرائيليين؛ بل من الأموال التي دفعها اليهود بالخارج...» -كمعونات أو استثمارات- لقد خلقت حالة من «اخطف وكُل.. اخطف واشرب.. أصبحنا في جنة المجانين». انتقد إشكول العمال المطالبين بزيادة في الأجر، وامتدح مجموعة من الأساتذة دعت لحملة تنازل عن علاوات أقدمية وتنازل معاق في الجيش عن 600 ليرة تلقاها كفروق للمعاش. كان خطاب إشكول يرمي لدفع الجمهور لشد الحزام، لكنه أدى إلى الغضب والامتعاض، الإحباط والهلع، وذهبت حركة التنازل عن العلاوات أدراج الرياح.

كشف السفير الأمريكي أن الحكومة قد بادرت بإبطاء النشاط الاقتصادي، لكن الأمر كان بالفعل قد خرج عن سيطرتها. وكتب السفير البريطاني «لقد شخص الطبيب المرض لكنه تردد في وصف الدواء الناجع». بينما امتدحت الإدارة الأمريكية «السياسات الشجاعة» لحكومة إشكول. هناك من يرى دافعًا آخر وراء سياسة حكومة مباي وهو أنها خشيت من استمرار النمو والتشغيل لأنه يقوي شوكة العمال ويضعف هيمنة الهستدروت، التي انكشف ضعفها بعد موجة إضرابات نظمتها لجان عمالية دون التنسيق معها، خصوصًا قبيل انتخابات نوفمبر 1965، والركود المتعمد كان يرمي وفق تحليل الباحث إلى ضمان سيطرة الهستدروت -أي حزب مباي بالضرورة- على العمال.

وفي صيف 1966 أطلقت هآرتس مراسليها في المتاجر حيث سجلوا تراجعًا في الشراء بشكل عام وميل المواطنين إلى انتقاء المنتجات الأساسية، وكان أكثر ما تأثر متاجر الأدوات الكهربائية والأثاث والسجاد ومعارض التحف، والملابس والأحذية، أي كل المنتجات غير المُلحة. حتى المنتجات الغذائية شهدت تراجعًا، فقد قل استهلاك اللحوم الطازجة والزبد والشيكولاتة والمشروبات، وتأثرت المطاعم والمقاهي، وأعلن أكثرها إقبالاً أنه لم يعد ضروريًّا حجز أماكن مسبقًا. في رسالة بعث بها إسرائيلي لصديقه في أمريكا «أصبح المرء يفكر مرتين قبل أن يخرج النقود». وفضل البعض المشي عن استقلال الحافلات في المسافات القصيرة، وقرر البعض ركن سياراتهم لفترة وإرجاع رخص القيادة للمرور لتجنب دفع الضرائب والتأمينات في تلك الفترة. وفي مارس 1967 كتبت هآرتس عن تفاقم الأزمة العقارية وآلاف الواحدات التي لم تُبَع، وكتب إسرائيلي لصديقه في بوسطن «شقة أربع حجرات في شمال تل أبيب كان سعرها منذ سنة نحو 100 ألف ليرة يمكن الحصول عليها الآن بـ75 ألف فقط». وأُغلقت عشرات المصانع في ريشون لتسيون وحدها، وسُرح منها مئات العمال. بينما تسربت الشائعات عن فضائح مالية، كتب مواطن لأخته «شخص يدعى جيمي ليفي حصل من الحكومة على ضمانات لقروض بالملايين من أحد البنوك، بدعوى إقامة شركة سفن اتضح أنه نصاب وعلى الحكومة تسديد ديونه، أصاب الهلع مودعي البنك، معظمهم مسنون يعلموهم فجأة أن ودائعهم قد ضاعت». حتى الحكومة نفسها قررت بيع سفينة الركاب الفخمة «شالوم» المملوكة لشركة «تسيم».

إسرائيليون لم يسمعوا بالركود

حتى ربيع 1967 كان هناك من لم تتأثر حياتهم مطلقًا في الضواحي يتنهدون ثم يتصرفون كسابق عهدهم» وفق عنوان هآرتس. كما أعلنت شركة فيات افتتاح مركز صيانة مركزي هو «الأكبر والأحدث في البلاد»، واستمر البذخ والفساد في الأعلى. الموظفون الكبار وأعضاء الكنيست يرتادون أفخم المطاعم، خبر عن ألفي مدعو لزفاف ابنة وزير المالية إلى جانب مانشيت «وزير المالية لا يتنازل عن سيارته الأمريكية». وخبر آخر عن إنفاق 50 ألف ليرة على طائرة رئيس الحكومة شملت وسائل رفاهية، وخبر عن إنشاء مقر جديد للسفارة الإسرائيلية في باريس، يضاهي مقار السفارتين الأمريكية والسوفيتية. يقل تأثير الركود كلما صعدنا لأعلى، يقول سيجڤ إن مراكز التجميل الفخمة لم تشعر بالركود سوى من ثرثرة زبائنها حول تأثر أعمال أزواجهن أو اضطرار بعضهن لتقليل مرات الاستعانة بالخدم. وبينما تأثر قطاع الثقافة والترفيه -الموجه للطبقة المتوسطة في معظمه- لم تتأثر الحفلات الفخمة للفرق العالمية، ولم تتأثر رحلات الإسرائيليين للخارج.

كتب مواطن مقدسي لصديقه بأمريكا أنه لا يكاد يتأثر بالركود لكن النكبة عصفت بالمستوطنين الأضعف المهاجرين من البلدان العربية في المعسكرات الانتقالية وبلدات التطوير. لقد فضل الكثيرون تجاهل الأزمة طالما لم تمسهم، وارتاحوا لفكرة ترك الأمر للدولة، فقد كشف الركود فجأة أنهم عاشوا في وهم، فالواقع الإسرائيلي كان يختلف عما تصوره لهم الإعلانات وأقل اشكنازية مما بدا لهم من رواد حمام السباحة في معهد ڤايتسمان. وفي الحقيقة ربما لم يعط سيجڤ الطبقات الفقيرة والمعدمة مساحتها التي تستحقها في بحثه، على الأقل فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، اللهم إلا إشارات لسكان المعسكرات الانتقالية (المعبروت) وبلدات التطوير، التي سكنها اليهود المهاجرون من البلدان العربية والإسلامية. وكانت المعبروت قد نشأت كمعسكرات مؤقتة لتفريغ شحنات اليهود القادمين من تلك البلدان، وتكونت من أكواخ من الصفيح أو الخشب أو من الخيام، عانوا فيها ظروفًا شديدة السوء، وطالت مدة إلقاؤهم فيها تدريجيًّا، بل أن بعضها أصبحت مساكن دائمة لهم. كما جاءت بلدات التطوير كحل بعد سنوات طويلة لتسكين هؤلاء، لتعاني من مشكلات التهميش الدائم مما أدى لاندلاع انتفاضات. وليس من باب التحامل اعتبار هؤلاء المهاجرين، الذين كانوا في لحظة حل مصيري للدولة، في سنواتها الأولى، مشكلة و«فائضًا» يجب التعامل معه. 

ويمكن أن نضيف في السياق نفسه عرب 1948، الذين أشار سيجڤ لمعاناتهم، ولكنه قد أفرد لهم ملفات خاصة في كتاب «الإسرائيليون الأوائل»، وفي فيلم تسجيلي عن فترة لاحقة بعنوان «أنا أحمد».

هل كانت الحرب حتمية؟

هذا الجزء من المقال يستند إلى الفصول التي خصصها سيجڤ للرد على السؤال، وخدش خلالها مسلمات عمرها عقود، مستندًا إلى الأرشيفات التي لم ترَ النور من قبل. فهو هنا يقدم شخصيات أخرى، ليسوا إسرائيليين عاديين ممن اقتبس من رسائلهم ويومياتهم، وهم بالتأكيد أشهر من شخصيتي يحيعام وإيبي ناتان. إنها شخصيات كالنار على العلم، لكنه يعيد كتابة، وبالأصح، قراءة دورها الحقيقي وراء الكواليس.

موشيه ديان

وزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حرب (1956) الذي حظي بشعبية كبيره لدى الإسرائيليين، وباهتمام خاص من جانب سيجڤ «إن تجربة وضع ديان على سرير الطبيب النفسي غير مفاجِئة. ومن الصعب سبر غوره». (ص493) يحاول سيجڤ أن ينزع عن ديان هالة البطولة التي تحيط بصورته. وهو ينتقد بشكل أساسي أداءَه كوزير للدفاع خلال حرب الأيام الستة. فحسب ما يزعم سيجڤ أدار ديان الحرب دون تنسيق مسبق مع رئيس الحكومة ليڤي إشكول «لم يسأل ديان إشكول مسبقًا عن كل الإجراءات، وقد تقدم مرة أو مرتين للحصول على تصديق الحكومة على إجراءات قد نُفذت بالفعل، لكن إشكول كان في الصورة». (ص382) والأسوأ من ذلك أنه كان يخالف أحيانًا وبشكل سافر قرارات اتخذتها الحكومة في جلساتها لكي تذكره الأجيال القادمة، مثل قرار الحكومة بعدم التسرع في احتلال الجولان (ص411) وقد كان ديان يسخر عامة من آراء زملائه في الحكومة ويرهبهم (ص410). وتُذكر حادثة تُصور ديان باعتباره متهافتًا على الثناء «حاول إسرائيل ليئور السكرتير العسكري لإشكول وشديد الولاء له، أن يأتي بإشكول إلى الحائط الغربي فور احتلاله –في 5يونيو- في أقرب وقت ممكن، لكن في مكتب رئيس الحكومة قالوا إن الأمر شديد الخطورة، وإن هناك قناصة ولا يمكنه الوصول بعد. أما ديان نفسه فقد أسرع ليخلِّد دخوله المدينة مع رابين (رئيس الأركان) وعوزي نركيس (قائد المنطقة الوسطى) (ص390)، والتُقطت لهم الصور التي أصبحت أيقونة تعبر عن الحرب، بالإضافة إلى صورة جنود المظلات بجوار الحائط الغربي».

خصص سيجڤ أربع صفحات لوصف شخصية من كان الحاكم الفعلي للمناطق (المحتلة)، ومن يملي طريقة السيطرة على الفلسطينيين التي عُرفت بالعصا والجزرة، مفادها إنه «رجل مفعم بالغرائز.. روَّج لنفسه كجزء من الأساطير المؤسسة لإسرائيل: حب الوطن، الشباب، رجولة وقوة، عبري جديد، العهد القديم، داڤيد بن جوريون، الجيش الإسرائيلي، وفوق كل ذلك الحرب ضد العرب .. وهناك من نسبوا له نية السيطرة على الدولة». (ص492- 496) 

إسحق رابين 

رئيس الأركان، قائد عسكري آخر حاول سيجڤ النيل من التبجيل الذي ناله. أصبح رابين كرئيس للأركان في حرب الأيام الستة نجمًا عاليًا في نظر الإسرائيليين، حيث ذكرته الأغنية «ناصر ينتظر رابين» ومُنح بعد الحرب الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية؛ حيث ألقى خطاب «جبل المشارف» الشهير، ما اعتبره سيجڤ اعترافًا من الأكاديمية بهيمنة الجيش على البنية القيمية للمجتمع (ص459- 461). ومع ذلك يصف الكتاب بإسهاب الوقت الكئيب الذي سبق الحرب، حين أصيب رابين بانهيار عصبي. وترد مقتطفات من كتابه «دفتر الخدمة» التي تصف هواجسه أن يصبح مسؤولاً عن فشل نظرية قوة ردع الجيش الإسرائيلي والخطر الذي تتعرض له إسرائيل. كما ترد مقتطفات أخرى من كتاب عيزر ڤايتسمان (لخا شاميم لخا آرتس/ لكَ السماء ولكَ الأرض) يروي فيه أن رابين قد حُقن بعقاقير مهدئة جعلت حالته تسوء طوال اليوم، وتولى مساعد رئيس الأركان ڤايتسمان قيادة الجيش. (ص264)

عيزر ڤايتسمان 

رئيس شعبة العمليات، ونائب رئيس الأركان، وإن لم يُحَط بهالة البطولة مثل ديان ورابين إلا أنه يوصف في كتاب سيجڤ كعسكري آخر، ليس إلا شخص ضعيف خاضع لنزقه. وقد ورد في الكتاب «في الواقع إن ڤايتسمان بدأ تحريك آلة الحرب». (ص265) أصدر ڤايتسمان أوامره لعملية تعبئة بنطاق غير عادي حتى أن الجنرالات آريئيل شارون ويشعياهو جاڤيش لم يفهموا أي جنون أصاب ڤايتسمان. ويفسر سيجڤ «كانت هناك مطالبة بتعيين حاييم بر ليڤ نائبًا لرئيس الأركان. كان ذلك على ما يبدو الدافع الأساسي لحالة الاضطراب العبثية التي قام بها ڤايتسمان: هدد بر ليڤ حلمَه أن يُصبح رئيسَ الأركان القادم، وقد استغل غياب رابين ليظهر قدراته القيادية (ص 265). وقد أراد سيجڤ إلقاء الضوء على الشطحات الغريب لڤايتسمان في الأيام العشرة السابقة على الحرب، ومن بينها أنه طلب من ليڤي إشكول في 26 مايو 1967 شن الحرب فورًا ردًا على معلومات استخباراتية عن استعدادات سلاح الطيران المصري (ص284). ومشهد غريب آخر وقع في الأول من يونيو 1967 حين اقتحم ڤايتسمان مكتب رئيس الحكومة وطلب منه «إصدار الأمر» (337- 338).

آريئيل شارون  

رئيس قطاع التدريب، تعرض الجنرال شارون لنقد سيجڤ. في اجتماع الأركان بعد خطاب إشكول المتلعثم، كان شارون أكثر الجنرالات حدة في كلامه مع رئيس الحكومة. وقد وُصف جو الاجتماع عامة كجو انقلاب عسكري. بدت كلمات شارون المقتطفة من محاضر الاجتماعات كما لو كانت تؤجج الوضع. وقد اتهم رئيس الحكومة بإضعاف قوة ردع الجيش الإسرائيلي، بل وقال بفجاجة إن تردد رئيس الحكومة سيكون ثمنه حياة آلاف الجنود. يضيف سيجف «من الصعب صياغة ذلك بكلمات أكثر إيلامًا..»(312- 313). يوصف شارون ليس كمتبجح حيال القيادة السياسية فحسب، بل كمتمرد حقيقي على سلطتها «هناك جنرال واحد على الأقل تحدث صراحة على إمكانية قيام الجيش الإسرائيلي بشن حرب دون أن تصدق الحكومة على ذلك - إنه آريئيل شارون(327). يستشهد سيجف بالشهادة التي أدلى بها شارون لقسم التاريخ في الجيش الإسرائيلي:

«نقوم ونقول- أنتم..اسمعوا، قراراتكم تعرض دولة إسرائيل للخطر، وحيث إن الوضع بلغ أقصى درجات الخطورة، فأنتم مطالبون بالدخول للحجرة المجاورة والانتظار ها هنا. ويذهب رئيس الأركان إلى صوت إسرائيل ويذيع بيانًا.

كانوا يستقبلون ذلك بمشاعر الارتياح».

ليڤي إشكول 

رئيس الحكومة، عامله سيجف في كتابه بلطف. لم ينل إشكول إكليل النصر في حرب الأيام الستة، لأن الرأي العام أُحبط من خطابه المتلعثم ومطالبته بعدم شن حرب دون استفزاز (من الجانب الآخر) ودون تلقي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة. هكذا تحول لشخصية تكاد تكون منسية لدى الإسرائيليين. يزعم سيجف أن إشكول قد فعل الصواب قبل الحرب حين كبح الجيش رغم الضغط الذي وقع عليه «دع الجيش الإسرائيلي ينتصر». يوصف إشكول بأنه صخرة كئود في اجتماع الأركان العامة الذي صب عليه الجنرالات خلاله وابل من الانتقادات. وقد قابل انتقاد شارون أن خطابه «يكلف الجيش أرواح آلاف الجنود» برباطة جأش، فلم يطرد شارون من الغرفة، ولم يتركها بنفسه، بل ولم يطلب منه الاعتذار..»(ص313). ويمتدح سيجف رأي إشكول «مع رئيس استخبارات اعترف بنفسه إنه أخطأ، رئيس الأركان الذي انهار، واندفاعات عيزر ڤايتسمان الغريبة، لم يكن لدى إشكول سببًا لتفضيل كلام الجنرالات عن المبادئ التي سار عليها طوال حياته، بنجاح في أغلب الأحوال: التجربة والحكمة والحدس (ص315). ومع ذلك يصف سيجف كم كان إشكول قائدًا يفتقر للكاريزما «72 عاما، كان إشكول سياسيًّا بحجم طبيعي استبدل بعملاق، داڤيد بن جوريون، بينما استمر ظِله يلاحقه» (ص99). ولكي يصف خلاصة اتجاه إشكول السياسي استشهد برَدِّه على ما يخص خطة نقل لاجئين من الضفة الغربية للضفة الشرقية للأردن «أ- لا أعرف ماذا أريد، ب- كنت أريد فعل شيء ما»(554)

داڤيد بن جوريون 

رئيس الحكومة السابق: لم يستحق مهندس الصهيونية في فلسطين، مكانة محترمة لدى سيجف البوست-صهيوني فهو يطرح شعبية بن جوريون كـ «أبي الأمة» باعتبارها لا أساس لها. ويذكر فشل حزب رافي (قائمة عمال صهيون) برئاسته حيث حصلت على 10 مقاعد فحسب في انتخابات 1965، وكذلك عن الشجارات بينه وبين إشكول على خلفية فضيحة لاڤون، واستبداله منصب رئيس الحكومة. وقد كتب سيجف «لقد كان ذلك مثيرًا للشفقة، لقد تصرف مثل طفل أخذوا منه لعبته أو في حالته «دولته»، لكن لم يكن هناك شخص في إسرائيل يثير كلامه أصداءً أكثر منه.. ولقد داعبت بن جوريون أكثر من مرة فكرة الإطاحة بإشكول»(ص107). ويزعم سيجف أن توجه بن جوريون كان مشابهًا لإشكول بشأن شن حرب -أي أنه يجب الانتظار لحين تلقي موافقة القوى العظمى الغربية- على الرغم من اعتقاد الجماهير أنه يفكر بشكل مختلف ومطالبتها بعودته وزيرًا للدفاع. بالإضافة إلى ذلك يُصوَّر بن جوريون كمن سرق إكليل النصر رغم حقيقة معارضته شن الحرب (ويرد استشهاد من يوم اندلاع الحرب «أنا اعتقد أنه خطأ فادح (ص360). وعلى سبيل المثال في اليوم الثالث للحرب توجه بن جوريون لرئيس بلدية القدس تيدي كولك بطلب للتوطين الفوري للحي اليهودي (ص400). وبعد الحرب غير رأيه بأنه لم يكن هناك داعٍ لاحتلال الجولان، وقرر أن ذلك «ضرورة حيوية لأمن إسرائيل»(ص450).

تيدي كولك

خصص سيجف لعاصمة إسرائيل جزئين؛ الأول (القدس: سننزل المدينة) والثاني في فصل كامل (مشروع تيدي)؛ الأول عن القدس قبل الحرب والثاني عن القدس بعد الحرب. في هذين الجزئين يشكل تيدي كولك رئيس المدينة ومدير مكتب رئيس الحكومة السابق شخصية أساسية. ويصف الكتاب القدس قبل الحرب كمدينة حدودية متخلفة، يشطرها خط مواجهة، تنازلت عنها الصهيونية العملية مركزًا للنشاط لصالح تل أبيب. القدس في كتاب سيجف مدينة عطنة قذرة يتكون سكانها (الإسرائيليون) من المتعيشين على الإعانات ومن المهاجرين الجدد، تثير الشعور بالانغلاق والاختناق، عاصمة بلا اعتراف دولي، الاستثمارات في تنميتها شحيحة (183- 189). حقا إن كولك الذي اختير لرئاسة المدينة في 1965 يوصف كمستثمر شديد المهارة، ولكن في الوقت نفسه كفاشل إداريًّا، لم تحدث التحولات التي وعد بها كولك؛ الخدمات لم تتحسن، وظل توجه النظام كما هو عليه (ص190). وفي الفصل الذي يحمل اسمه (مشروع تيدي) عن القدس بعد الحرب يتحدث عن كولك الذي لم يكن هناك من هو أفضل منه لتصوير الاحتلال كرسالة إنسانية، على الأقل دينية، لصالح البشرية كلها. وقد استوعب الكثير من الإسرائيليين هذه الفكرة بسرور (ص505). وبهذا يصور سيجف كولك كمساهم في تورط إسرائيل أكثر في أوحال احتلال المناطق. في الوقت نفسه يمتدح كولك سيد القدس، ويمتدح الاستثمارات التي شرعت تتدفق على المدينة بفضله، والمشروعات التي نُفذَت بوحي من حماسته وإيمانه البريء بقدرة المدينة على تشكيل نموذج للتعايش الإسرائيلي العربي. 

وجدير بالإيضاح هنا أن عمليات الهدم والمحو للأحياء العربية، من بينها هدم حي المغاربة وتسويته بالأرض، واحتلال البيوت والمباني العامة، بدأت فور الحرب في الواقع، برغم تصريحات كولك المثالية وهو ما لم يُشِر إليه سيجڤ الذي شغل وظيفة مدير مكتب رئيس بلدية القدس تيدي كولك في الثمانينيات.

ليندون جونسون: الرئيس الأمريكي 

على عكس القناعة أن إسرائيل استعانت بالولايات المتحدة وأن الرئيس جونسون كان صديقًا لإسرائيل، وأيدها بشكل مطلق، يطرح سيجف رأيًا آخر. لقد طلب جونسون في لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي آبا إيبان ألا تبدأ إسرائيل الحرب دون استفزاز عربي مباشر وحاد (خلاف إغلاق مضايق تيران التي كانت استفزازًا غير مباشر) وأن الرئيس أحس أن مطالبة إسرائيل بالمساندة الأمريكية المطلقة جعلته يشعر أنه نجا من فخ نصبه له الإسرائيليون (ص287) وكذلك كان غاضبًا في اليوم الأول للحرب. وحتى آخر أيامه ظل يرى الحرب كانت خطأ ارتكبته إسرائيل (ص368). ويصح هنا التدخل لأشير إلى أن الإسرائيليين قدموا الحرب وسيلة لإسقط نظام عبد الناصر، وهو ما تجلى في الإنذار الأمريكي الشهير في 15 مايو 1967، الذي صاحبه تحريك الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط كتلويح بالقوة، وقد شمل الإنذار تصفية القطاع العام وتحديد عدد الجيش، والتنحي عن القضايا العربية والفلسطينية بشكل خاص، مما يعني تصفية نظام عبد الناصر، اقتصاديًّا واجتماعيًّا قبل أن يكون عسكريًّا وسياسيًّا.

الملك حسين

يصفه سيجف أنه طامح في السلام أدارت له إسرائيل ظهرها. بعد عملية ضد مركبة عسكرية إسرائيلية قُتل خلالها ثلاثة مظليين أرسل حسين برقية تعزية لإسرائيل عبر وزارة الخارجية الأمريكية ردًا على العملية نفذت إسرائيل عملية «مجريساه-الجَرَّاشة» في قرية سموع حيث لغمت الكثير من بيوت الفلسطينيين وفجرتها وقتلت 14 جنديًّا أردنيًّا (ص167). مع اندلاع الحرب أرسلت برقيات من عمان عن طريق الولايات المتحدة فحواها إن «الملك حسين يطلب وقف إطلاق النار، وقد استعطفهم فعليًّا.. إن لم يتوقف إطلاق النار فورًا- فسيسقط نظامه»(ص377). وفي محادثة مع مدير مكتب رئيس الحكومة يعقوڤ هرتسوج بعد الحرب يوصف الطرف الإسرائيلي بأنه يماطل ويعرقل الانسحاب من المناطق بواسطة المفاوضات بينما الطرف الأردني طامح إلى «السلام مع الكرامة» (ص535- 536).

* * *

الحرب القادمة

بينما لم ينفِ نظام بن جوريون ذلك أو يستبعده، لم يحلم معظم الإسرائيليون بتوسيع حدود الدولة، لكنهم ظلوا في انتظار الحرب القادمة، الفكرة التي ظلت مهيمنة وانعكست حتى في الأشعار والنكات. لقد كانوا على يقين أن العرب لن يسكتوا، ولن يتوانوا عن حلمهم بتصفية إسرائيل وأنه لا يوجد ما يمكن تقديمه لهم كي يعترفوا بها ويعقدوا معها سلام. في الوقت نفسه آمن معظمهم بعامل الزمن وأنه كفيل باعتياد العرب على الواقع. وعندما كانوا يقولون «العرب» كانوا يقصدون دول الطوق: مصر، سوريا، لبنان، الأردن، العراق، وليس الفلسطينيون. فمنذ أن هربوا وطُردوا في حرب 1948 كف الفلسطينيون عن أن يكونوا محسوبين ضمن قوات الأعداء، حتى العمليات الإرهابية (الفدائية) كانت تنسب إلى الدول العربية وليس إلى الكفاح الوطني الفلسطيني، أما مشكلة اللاجئين فكانت ملفًا ديبلوماسيًّا مزعجًا يُفتح كل عام في الأمم المتحدة. 

كانت حرب 1967 جولة جديدة فحسب في الصراع الإسرائيلي العربي. ومنذ منتصف الستينيات قامت عناصر فتح بعمليات ضد أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، معظم العمليات خرجت من الأراضي السورية. في 7 أبريل 1967 اسقطت الطائرات الإسرائيلية 6 طيارات سورية، وواصلت إسرائيل التهديدات والتحذيرات في خضم الاحتفالات بيوم الاستقلال (إعلان الدولة) مما أكد الانطباع عن نيتها شن حرب على سوريا المرتبطة مع مصر بمعاهدة دفاع مشترك، فشرعت مصر في منتصف مايو في دفع قواتها إلى سيناء. ويستند سيجف إلى جلسة الحكومة في 16 مايو 1967، حيث يقول رئيس الحكومة ليڤي إشكول نفسه «على خلفية المعلومات والالتماسات التي وصلت إلى مصر من سوريا بشأن استعداد إسرائيل لعملية موسعة ضد سوريا، وعلى خلفية التصريحات والتحذيرات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، تبلور قرار مصري مفاده إنه لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي». قَدّر إشكول أن قصد المصريين هو ردع إسرائيل عن استخدام القوة ضد سوريا فحسب. الحرب على الجبهة المصرية امتدت إلى الجبهة السورية والأردنية. حسب سيجف يجب التفريق بين الحرب على مصر من جهة والحرب على سوريا والأردن من جهة أخرى، فقد عكست الأولى (مصر) حالة من الوهن والضعف بينما أبدت الحرب على سوريا والأردن قوة وحماسة. 

كان التصعيد سياسة منهجية حيث اقترح رابين «استفزاز السوريين .. إن أطلقوا قذائف الدبابات سيرد الجيش بقذائف الدبابات، إن أطلقوا المدفعية سنرد بسلاح الطيران». وقد اعترف رابين نصًّا إنه لو سمحت إسرائيل للفلاحين والرعاة السوريين بالعمل في الأراضي المكشوفة لن يكون هناك توتر. وقد وجه كلامه للسوريين، وكانوا حاضرون في الاجتماع «أنتم تريدونها حربًا صغيرة، ونحن سنرد بضربة جدية». لقد كان اشتعال الحدود نتيجة لقرار إسرائيل استخدام القوة. لقد زادت الرغبة المحمومة في شن الحرب، حتى باتت الذريعة أمر تفصيلي. طُرحت في اجتماعات الحكومة فكرة «إرسال سفينة إسرائيلية للخليج (العقبة) حتى يطلق المصريون نيرانهم عليها». كم كانوا متحمسين لشن الحرب حتى أنهم على استعداد للتضحية بالجنود ليحصلوا على الذريعة المطلوبة.  اقترح يجأل آلون وزير العمل ببساطة إمكانية الكذب «أن نعلن أن المصريين بدأوا بالهجوم، وحينها ننطلق.. سيُجابه رئيس الحكومة حقًا خطورة الكذب لكن المؤرخين فحسب هم من سيعرفون الحقيقة».

ليس من المبالغة وصف الأمر أنه بلغ حد الهوس. سجل يهوشوع بر-ديان كلمات رحبعام زئيڤي-غاندي لجنود الوحدة التي يخدم في صفوفها أنه حتى قبل اندلاع الحرب «لا يجب الإسراف في القذائف على المشاة.. بل يجب دهسهم في مكانهم.. يجب قتل العدو تقتيلاً، لن نكرر أخطاء سيناء عندما لم ندهسهم». وفي مرحلة ما وبسبب تردد رئيس الحكومة في الاستجابة تحدث ضباط علنًا عن إمكانية شن الجيش الحرب دون موافقة الحكومة، ومنهم آريئيل شارون مثلاً. حتى بن جوريون تنامت لديه مخاوف سيطرة الجيش على الدولة «الجيش في الدولة الديموقراطية لا يعمل وفقًا لرأيه الخاص ولا حسب أوامر قادته العسكريين وإنما وفقًا لرأي الحكومة المدنية وتوجيهاتها». وقد اعترف ديان فيما بعد أن الاحتكاكات على الجبهة السورية «80 % منها جرت بسبب محاولات إسرائيل حرث أراض حدودية منزوعة السلاح.. كان أمرًا غير ضروري .. كنا نرسل جرار لحرث منطقة لا يمكن فعل أي شيء بها، منطقة مكشوفة، ونعرف مسبقًا أن السوريين سيطلقون النار فإن لم يطلقوا كنا نأمر الجرار بالتقدم أكثر حتى يغضب السوريون في النهاية ويطلقوا النار. حينها كنا نطلق المدفعية ثم فيما بعد كنا نطلق الطائرات».

 لقد ظهرت جوانب أخرى من الصورة، تكشف عن أسباب شديدة الأهمية في خلفيات حرب 1967، خلاف الرغبة التوسعية، من بينها مشكلة التضخم، وتوقف الهجرات، إلى جانب مشكلة استيعاب المهاجرين من يهود البلاد العربية. وفي الوقت نفسه رغبة جيل جديد في إزاحة الجيل القديم، وهو ما يظهر بوضوح بقبض جنرالات 67 على مقاليد السلطة، من الانتخابات التالية فصاعدًا. وربما لو لم تكن تلك الأسباب في الخلفية لّـمَــرَّ عام 1967 ككل السنوا ت على حد تعبير سيجڤ.

الهوامش

1 اخترت الحفاظ على تعبيرات المؤرخ نفسه دون وضع المصطلحات المقابلة بدلاً عنها، حتى التي تحمل شحنة أيديولوجية واضحة، التزامًا بدقة الترجمة، مع وضع المقابل لبعض المصطلحات (بين قوسين) للتوضيح.
2  1967 – והארץ שינתה את פניה, הוצאת כתר, תל אביב, 2005.
 1967 وغيرت البلاد وجهها، 2005 ، دار نشر كيتر، تل أبيب،2005، 710 صفحة.
3  ‘توم سيجڤ’ (Tom Segev) صحفي ومؤرخ إسرائيلي، من مواليد القدس 1/3/ 1945 
يكتب عمودًا ثابتا في صحيفة هآرِتس، وهو أحد “المؤرخين الجدد”.
وُلد توم سيجڤ بالقدس، لأسرة ألمانية، هربت من ملاحقة النازيين بتهمة “الشيوعية”. درس التاريخ والعلوم السياسية بالجامعة العبرية بالقدس، وحصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة بوسطن، عمل محاضرًا زائرًا في جامعات: روتجرز، وكاليفورنيا ونورث إيسترن (عن تاريخ المحرقة) ومارس العمل الصحفي، مراسلاً ومحررًا ومقدم برامج، كما تولى رئاسة مكتب تيدي كولك رئيس بلدية القدس(1983 - 1987). 
صُنفت كتبه عن تاريخ الصهيونية وخصوصًا أحداث النازية، من الكتب الأكثر مبيعًا، وتُرجمت لأربع عشرة لغة. يتناول سيجڤ في عموده الأسبوعي بـ”هآرتس” موضوعات إشكالية في تاريخ الصهيونية. حظيت كتاباته بالثناء من جانب أكاديميين بالخارج وفي اسرائيل، إلى جانب انتقادات شديدة من جانب أكاديميين اسرائيليين آخرين، خصوصًا ضد كتابه “المليون السابع” الذي يعيد سرد أحداث النازية، والذي كان من أهم عشرة كتب في 2002.
على الرغم من التحفظات والانتقادات الموجهة إلى “المؤرخين الجدد” أو مؤرخي “ما بعد الصهيونية”، يتحمس سيجڤ لتصنيفه ضمن هذا الاتجاه، الذي ظهر في الثمانينيات، ويرجع ظهور المصطلح نفسه المؤرخين الجدد إلى المؤرخ بيني موريس، في مجلة “تيكونيم/إصلاحات أو تصويبات” الصادرة في الولايات المتحدة 1988. في العام نفسه صدرت، دون تنسيق مسبق، أربعة كتب تتناول الصراع الاسرائيلي –العربي من وجهة نظر مختلفة بل ومتعارضة عن “المسلمات الصهيونية”. ولعل أهم ما يميز مدرسة ما بعد الصهيونية أيضًا هو الثقل الأكاديمي للمنتمين لها، واستنادهم إلى الأرشيفات الإسرائيلية، وغير الإسرائيلية أحيانا.
ويدخل ضمن الإطار العام باحثين في التاريخ القديم والوسيط لليهود-مثل شلومو سانِد- ممن تجاوزوا القراءة، وبالأدق الكتابة الصهيونية لتاريخ الجماعات اليهودية، وصبّه في قالب يتماهى مع أيديولوجيتها.
4 الكيبوتس: مستوطنة جماعية، درج ترجمتها بالعربية إلى مستوطنة اشتراكية، ومن ثم صبغ عملية الاستيطان بصبغة اشتراكية، وعلاوة على صغر حجم الكيبوتسات في الواقع، وتناقصه المستمر، فقد قامت الكيبوتسات على أراضٍ مملوكة لشركات استيطانية، ثم توسعت بالاستيلاء على أراضي القرى العربية . ومُنع العرب من دخولها، إلا كعمالة موسمية مأجورة. وقد كانت إطارًا مناسبًا للاستيطان في وقتها ليس أكثر. 
5  تأسست مستوطنة ريشون لتسيون في 1882 على ساحل المتوسط،، بواسطة جماعة مهاجرين من أوكرانيا من أعضاء «أحباء صهيون». وفي 1920 أعلنت كمجلس محلي مستقل، ثم أصبحت مدينة رسميًّا في 1920. وظلت تعتبر كحي مبيت تابع لتل أبيب، لكنها أصبحت تضم مراكز للتجارة والأعمال. تعد رابع أكبر مدينة إسرائيلية وتجاوز سكانها ربع مليون نسمة.
זלמן דוד ליבונטין, ייסוד המושבה ראשון לציון 1882 - 1883, (בתוך) זכרונות ארץ ישראל, העורך : אברהם יערי, פרק ל»ח
6 حسب الرواية الصهيونية، عاش اليهود الفترة منذ القرن الأول الميلادي وحتى القرن التاسع عشر في «منفى» و«شتات» وبالتالي فإن استيطانهم فلسطين ليس إلا عودة من «المنفى» وتجميع «للشتات».
7 الييديش: رطانة تكونت من امتزاج الألمانية الوسيطة بتعبيرات عبرية وآرامية، ثم دخلت عليها كلمات سلافية، تكتب بحروف عبرية، وأصبحت اللغة الأساسية ليهود أوروبا، والمهاجرون منهم سواء للولايات المتحدة أو فلسطين، كانت تعد أكثر حيوية وعملية من العبرية في بداية المشروع الصهيونية. أصبحت فيما بعد مقترنة بحياة اليهود في «الشتات» وما ارتبط بها من أسلوب حياة سلبي.
8 الصبار هو جيل الأبناء المولودين في إسرائيل، وتُضفى عليهم سمات إيجابية على النقيض من صفات جيل الآباء من المهاجرين الموصومين بسمات الشَتات.
9 البالماح: اختصار لـ«سرايا الصاعقة» وهي القوة الرئيسية الخاصة بمنظمة الهجاناة 1941 - 1948، ينتمي اليها أجيال من القادة الإسرائيليين، كما ألقت بظلالها على مجال الأدب والفن فعرف أدب المرحلة بأدب البالماح، كما تم تلحين الأناشيد الخاصة به وإذاعتها
10 יוסף ויץ, יומני, מסדה, 1973.
11 الركود هو مصطلح في الاقتصاد الكلي ويطلق على أي انخفاض ملحوظ وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي يستمر لعدد من الأشهر، وتحديدًا يطلق على أي فترة ينخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي لمدة تساوي ستة أشهر على الأقل. وهي إحدى مراحل الدورة الاقتصادية عادة ما تزداد فيها البطالة وتنخفض قيمة الاستثمارات وأرباح الشركات. ينتج عن الركود تدني وهبوط في الانتاج، وخلال فترة الركود الاقتصادي تنخفض السيولة النقدية، وتعلن العديد من المؤسسات والشركات المختلفة إفلاسها، وبالتالي تقوم الشركات بصرف الموظفين والعمال، فيفقد كثير من العمال والموظفين وظائفهم.
12 كانت الهجرة مسألة حياة أو موت ليس بسبب العدد وحسب بل وفي تبرير شرعية إسرائيل، وقد قامت الصهيونية بعمليات كبيرة لتهجير اليهود من البلدان العربية والإسلامية بشتى الطرق، وبالتواطوء مع دول غربية وحكام محليين، ووصل الأمر إلى تفجير في حي يهودي بالعراق، وزرع عناصر تخريبة للقيام بعمليات، إحدى نتائجها المطروحة هي طرد اليهود.(انظر أيضًا فضيحة لافون-هامش 16)
13 يحمل الخطاب الذي كتبه مدير مكتبه المؤرخ مردخاي بر-أون، دلالات متعددة بداية من اختيار الاسم الذي يحيل إلى مشهد وقوف موسى عند جبل سيناء، كما أن منطقة جبل المشارف شهدت حصار القوات العربية الأردنية للصهاينة في حرب 1948 وعزلها تمام. وقد مثل الخطاب نقطة انطلاق رابين نحو الحياة السياسية بعد الحرب.
 תמר ברוש, נאום לכל עת, האוניברסיטה הפתוחה, 1993, עמ› 60–65.
גלית רויכמן, נאום הר הצופים, באתר ynet, 5 ביוני 2009
14 יצחק רבין, פנקס שירות, ספריית מעריב, 1979.
15 עזר ויצמן ודב גולדשטיין, לך שמיים לך ארץ, ספריית מעריב, 1975.
16 يقصد خطاب رئيس الحكومة ليڤي إشكول الذي ألقاه مباشرة من الإذاعة صوت إسرائيل في مساء 28 مايو 1967. جاء الخطاب عقب اجتماع مشحون للحكومة، وتلعثم إشكول في قراءة كلمة (سحب قوات بدلاً عن تحريك قوات) كما صححها وزير الإعلام بقلمه خلال مراجعة النص. أغلب الظن أن حالة الاحتقان التي نجمت عن الركود والغلاء، بالتوازي مع حالة الهلع التي سببتها تصريحات الچنرالات حول الحشود المصرية في الجنوب، وفي ظل تردد إشكول في المبادرة بشن الحرب، كان ذلك سبب التربص للرجل.
17 فضيحة لاڤون: نسبة إلى وزير الدفاع بنحاس لا فون، وتعرف في إسرائيل باسمها المشفر عملية سوزنّا، أو العملية المشينة، أو القضية اختصارًا. وقد بدأت أحداثها في يونيو 1954 مع اقتراب انتهاء مباحثات الجلاء بين مصر وبريطانيا، ورغبة إسرائيل في إفشالها بأية وسيلة، فتم تفعيل مجموعة من العناصر من اليهود المصريين، المنتمين للصهيوينة، بقيادة وتدريب عناصر استحباراتية، بهدف القيام بعمليات هدفها التخريب من ناحية، وإفساد الاتصالات بين مصر وبريطانيا، بالإضافة إلى التسبب في تكدير حياة اليهود وبالتالي دفعهم للهجرة. وتم اكتشاف الخلية مصادفة حينما اشتعلت شحنة في جيب أحد العناصر في سينما ريو بالأسكندرية، وتم الإيقاع ببقية الشبكة وحكم عليهم بأحكام تتراوح بين السجن 7 سنوات وتصل للإعدام، وبراءة متهمَين.
ألقت العملية بأصداء سلبية عن اسرائيل في الخارج، وفي الداخل جاءت تسمياتها بالفضيحة والعملية المشينة، حيث دارت دون علم رئيس الحكومة موشيه شاريت- وقيل أيضًا إن أحد أهدافها إجهاض مساعيه للاتصال بعبد الناصر والسعي نحو السلام- كما تنصل منها بنحاس لاڤون وزير الدفاع وإيسار هرئيل رئيس الموساد. وظلت دائرة الشكوك تضيق حول بنيامين جبيلي رئيس شعبة الاستخبارات بالجيش، الذي سعى لتزوير مستندات تورط لاڤون، وموشيه ديان رئيس الأركان، الذي اتخذ موقفا مريبًا عندما رفض إدراج عناصر الشبكة المسجونين في مصر ضمن قوائم تبادل الأسرى في 1956.
المصدر: مركز تراث الاستخبارات:
http://malam.cet.ac.il/ShowItem.aspx?ItemID=597deb2e-e2b1-4052-a6ce-dd518a1771c9&lang=HEB
18 עופרה עופר אורן: תום שגב, «1967»: והארץ שינתה את פניה (חלק שני) 22 באפריל 2015 
https://ofra-offer-oren.com/2015/04/22תום-שגב-1967-והארץ-שינתה-את-פניה-חלק-שני/
19  יהושע בר-דיין, יומנו של חייל, אות פז, 1968.
2  עופרה עופר אורן: תום שגב, «1967»: והארץ שינתה את פניה (חלק שני) 22 באפריל 2015 
https://ofra-offer-oren.com/2015/04/22תום-שגב-1967-והארץ-שינתה-את-פניה-חלק-שני/
2  עופרה עופר אורן: תום שגב, «1967»: והארץ שינתה את פניה (חלק ראשון) 21 באפריל 2015 
https://ofra-offer-oren.com/2015/04/21/תום-שגב-1967-והארץ-שינתה-את-פניה-חלק-ראשון/