دراسات

ناصر أحمد إبراهيم

قصة حب من زمن الاستعمار..الجارية والجنرال

2018.01.01

مصدر الصورة : ويكيبيديا

قصة حب من زمن الاستعمار..الجارية والجنرال

 

تطرح هذه الدراسة مقاربة لوضعية المجتمع تحت الاستعمار الفرنسي، وذلك بجعل الاستعمار نفسه بمثابة «ظرفية تاريخية» تسمح بالكشف عن أرضية يلتقي عندها المحتل بضحايا الاحتلال في سياق تفاعلي، وذلك بحسب مقتضيات الواقع ومواقف الناس المختلفة أمام هذه القوة المفرطة، التي اجتاحت حدودهم وفرضت نفسها على واقعهم المعاش

ومن شأن هذه المقاربة أن تدفع بالعدسة إلى تركيز الضوء على ما وراء ميدان القتال وساحة المقاومة من حياة قائمة ومستمرة بصورة أو بأخرى، تلك الحياة التي لا يُشكل الاستعمار وأشكال المقاومة سوى جزءًا من مكونات المشهد الواقعي وتحديدًا في حياة الناس اليومية.وفي هذا السياق المنهجي تبتعد الورقة عن قراءة دلالات الفعل الكولونيالي ودوجماتية خطابه الأيديولوجي (التبريري)1؛لإفساح مساحة ممكنة لمتابعة ورؤية دلالات الفعل الإنساني خارج الزمنية المشحونة بشدة الكراهية للاحتلال التي لطالما غطت على تطورات مهمة لم نلتفت إليها، وظلت مهملة وقابعة في زوايا النسيان.

لا يعني ذلك أننا نفصل الظرف السياسي كلية، وإنما نستدعيه هنا في سياق المعالجة إطارًا وأرضية يتحرك عليها الفاعلون الاجتماعيون. إن هذه المنهجية معنية بالدرجة الأولى بالحفر في المسارات الفردية المهملة أو المنسية، وتحليل شواغلها وكثير من أفكارها وكشف دلالاتها مقاربة بغيرها، ومن شأن ذلك أن يُعيد قدرًا من التوازن في رؤية المشهد التاريخي لهذا الحدث الذي مثل نقطة تحول في علاقة الشرق بالغرب في العصر الحديث.

رهانات الطرح الإشكالي    

     تقوم هذه الدراسة على تقديم قراءة تحليلية ليوميات سجلها ضابط فرنسي يدعى جوزيف ماري مواريه2، وتحديدًا حول ما دونه بشأن علاقة خاصة كونها بأميرة مملوكية تدعى زليمة، كانت محظية أحد البكوات المماليك الذين لقوا مصرعهم أمام الفرنسيين في معركة إمبابة (الأهرام) وإثرها دخل بونابرت بجيشه مدينة القاهرة. وبعد هذه التطورات السريعة تهرب زليمة إلى دمياط، وهناك سوف يلتقي بها مواريه، وتنشأ بينهما قصة حب. وعبر توخي تحليل الظروف النفسية والاجتماعية التي دفعت بهما إلى تكوين هذه العلاقة الخاصة، في سياق لحظة مفعمة بالتوتر والكراهية الشديدة للاحتلال، وما يتعلق بصعوبة خلق مثل هذه العلاقة بسهولة في ظل التحرز الشديد من الاقتراب من بيوت الحريم التي لها «حرمات مقدسة» في المجتمع الشرقي كما هو معروف، والتي جعلت كبار قادة جنرالات الجيش الفرنسي يُشددون التنبيه بضرورة حرص الضباط والجنود على مراعاة هذه المسألة وإلا كان الموت مصيرهم3، فإن من شأن ذلك أن يتيح لنا فرصة بالغة الأهمية في تركيز عدسة التاريخ المجهرية على أحداث فردية دقيقة اختلجت بدفقات شعورية يمكن رصدها وتحليلها ووضعها في سياق تاريخي.

يتجه رهان الدراسة إلى اختبار مدى إمكانية تناول «الحب» كظاهرة إنسانية في سياق تاريخي: فكيف يمكن أن يكون «الحب» إشكالاً تاريخيًا يمكننا من مدخل منهجي مختلف في قراءة حدث تحولي كبير مثل الحملة الفرنسية (1798 - 1801): فلطالما دُرِست هذه الحملة من منظور ينحاز لما هو سياسي عسكري، متجاوزين حقيقة ما يقع وراء «فوهة المدفع» من علاقات إنسانية واجتماعية جرت وقائعها بالتوازي مع التطورات السياسية البارزة. ومن ثم فالقصدية وراء طرح هذه المقاربة هو تقديم صورة جديدة للتأريخ للحملة من منظور إنساني، من «فوهة الحب» لا من «فوهة المدفع»، والاقتراب من مفهوم الفاعلين في زمنها لقيمة ما يمثله هذا الحدث التاريخي من أهمية، ومدى تأثيره على حياة الفرد العادي. ولعل أحد الأهداف الأساسية أن نقدم فهمًا واقعيًا لتاريخ الحملة بصورة مباشرة ودقيقة من منظور أفراد انحسرت عنهم الأضواء، ولم يشكلوا أهمية كبيرة على مسرح الأحداث، وبالتالي نحاول دمج التفاصيل الصغيرة والمتناثرة المتعلقة بهؤلاء الأفراد، الواقعين في الهامش، والدفع بهم إلى متن السياق التاريخي العام.

 تقدم هذه الدراسة مونوغرافيا تاريخية حول تاريخ الحب في زمن الاستعمار، وأن ترصد تاريخ بعض التطورات التي لا يراها الناس، وكشف المفاهيم التي جالت بذهنية هؤلاء الفاعلين المهملين من ذاكرتنا التاريخية: مفهومهم للحياة، موقفهم من الموت والحب والخوف وغموض المستقبل وقيمة ما يمثله الدين على مدار حياتهم. وعلى مستوى المقاربة تزداد أهمية هذا الطرح الإشكالي كونه يمس حياة امرأة جارية مجهولة، لها موقف خاص من كل ما كان يدور حولها داخل الحرملك (المجتمع المغلق)، وتحاول فهم أبعاد الثورة النفسية عند هذه الجارية، ومظاهر رفضها لهويتها كجسد داخل الحرملك، وتطلعها إلى تغيير وضعيتها عبر ما يمكن تسميته بـ «مغامرة تحرر»؛ استهدفت الإفلات من قبضة نظام ارتأت أنه سلبها حريتها وإحساسها بذاتها..إلخ.

تنوعت خلال هذه الفترة الاستعمارية القصيرة (1798 – 1801)، مستويات العلاقة في أبعادها الإنسانية المتباينة بين الجيش الفرنسي والمجتمع المصري بجميع طوائفه: فخلافًا للعلاقات ذات الطابع المادي التبادلي التي فرضتها مقتضيات الحياة والتعاون المعيشي اليومي، تكونت علاقات إنسانية على أكثر من مستوى، يمكن تحديد بعض أشكالها:الأول منها، أخذ شكل علاقات «صداقة خاصة»، وذلك بصرف النظر عن دوافعها، إن في سياق التعارف والتواصل العلمي أو تطلعًا إلى الحظوة والنفوذ أو حتى تجنبًا لسيئات الاحتلال. وبرزت هذه الظاهرة بشكل واضح في صفوف علماء وشيوخ الأزهر4: فالشيخ محمد المهدي، على سبيل المثال، ربطته بالعالم الفرنسي جان جوزيف مارسيل (المستشرق والمترجم ومدير المطبعة في فترة الحملة) علاقة صداقة خاصة خارج سياق اللحظة المشحونة بالاحتلال؛ حيث قارب بينهما اهتمامهما المشترك بالأدب العربي، وعبر أمسيات ثقافية طويلة ومتكررة، طيلة سنوات الحملة الثلاث،تبادلا الكثير من الحوارات حول التراث المعرفي العربي ومصادره الأدبية5والتي كان من بينها مناقشات مهمة حول حكايات «ألف ليلة وليلة» والتي قادت إلى اكتشاف جان مارسيل لمؤلف أدبي كبير عن الحكايات من تأليف الشيخ المهدي نفسه، كتبه على غرار قصص ألف ليلة وليلة لكن من منظور واقعي6على أن اللافت للنظر هنا أن مثل هذه الصداقة لم تنقطع برحيل الفرنسيين؛ فوفقًا لما ذكره جان مارسيل كان بينهما تواصل بالرسائل لسنوات طويلة بعد انسحاب الجيش وعودته لفرنسا، وأنه «ظل يحتفظ بكل عناية بالأصول المكتوبة بيد الشيخ المهدي»7؛ فكانت العلاقة ممتدة على المستوى الشخصي إلى أن توفي الشيخ المهدي في عام 1815.

 وفى خط مواز للشيخ محمد المهدي، نجد اندماجًا قويًا من شيوخ آخرين، كان منهم الشيخ حسن العطار، الذي درسه بعناية بيتر جران8، وبين أنه بعد عودته من الصعيد، الذي كان قد فر إليه وهو في حالة من الخوف، لحظة اجتياح بونابرت للبلاد، حيث مكث لمدة طويلة (18 شهرًا)، اكتشف بعد عودته للقاهرة أن الفرنسيين «مسالمون» أكثر من كونهم « قساة «، واشتد إعجاب الشيخ حسن العطار بهم وبعلومهم الطبيعية واهتمامهم بالفلسفة، وهو ما كان يتطلع إليه، ما جعله، والقول لبيتر جران «ينطلق في التعبير الحر عن عواطفه شعرًا كما واصل سعيه العفوي من أجل أشكال جديدة للحياة الفكرية». وبالجملة شعر الشيخ حسن العطار خلال تلك الفترة الوجيزة «بذاته وبنزاهته». ومن ثم أفرط في تكوين علاقات إنسانية مع الفرنسيين، وحين فشلت الحملة وانسحبت، تعرض العطار للوقوع في «الشبهة» على حد تعبير بيتر جران، ولذلك قرر – ضمن أسباب أخرى- الفرار من مواجهة محتملة مع المجتمع، مواجهة سيكون فيها تعاونه مع المحتل موضع مساءلة وربما محاسبة، فقرر الهروب إلى تركيا. ولم يعد إلى مصر إلا في عام 1815، ومصر تحت حكم محمد على باشا، الذي استشرف معه مرحلة جديدة من التطور الثقافي9.

هذه الأمثلة ليست نماذج استثنائية، وإنما تقاربها نماذج أخرى تجاوزت ظرفية الحدث الاستعماري، وأعادت اكتشاف نفسها وتطلعاتها الأصيلة نحو الانفتاح على الآخر ثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا. ولا تزال هذه الظاهرة في حاجة إلى دراسات تحلل بدرجة عميقة سلوكيات الأفراد وأفكارهم ومواقفهم في سياق مرحلة التحول التي مرت بها مصر عند منعطف القرن التاسع عشر.

أما المستوى الثاني من أشكال العلاقات الإنسانية التي أفرزتها الفترة الاستعمارية الوجيزة فتمثله «العلاقات الحميمية» (الشرعية) التي أخذت طريقها إلى التسجيل الرسمي لعقود الزواج الناتجة عنها، ما بين فرنسيين ومصريين أو غير مصريين، جرى توثيقها أمام قضاة المحكمة الشرعية؛ كما في حالة زواج الست زبيدة المصرية (ابنة صاحب حمام برشيد) من الجنرال عبد الله جاك مينو01. أو زيجة الجنرال ديستان (وهو أيضًا أحد كبار مشاهير جنرالات الحملة) بفتاة قبطية تدعى «أنونه» ابنة المعلم ميخائيل القبطي والتي تعرفنا عليها من خلال ما وصلنا من أحد جواباتها الخاصة التي كانت ترسلها إليه11، كذا زواج الفارس تيودور لاسكاريس المالطي من جارية جورجية تدعى مريم21، وكانت واحدة من جواري (الست نفيسة) زوجة مراد بك)31.

   وفى السياق نفسه يورد الجبرتي نصًّا يبين موافقة بعض الأعيان على تزويج فتياتهن من الفرنسيين «خطب الكثير منهم بنات الأعيان، وتزوجهن رغبة في سلطانهم ونوالهم، فيظهر (أي الفرنسي) حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين؛ لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها»41ونجد شهادة أخرى في يوميات نقولا الترك بين فيها أنه عند بدء الاستعداد لانسحاب الجيش الفرنسي عن القاهرة (يوليو 1801) «تهيأ نساء كثيرات من الإسلام (أي مسلمات) كن متزوجات للفرنساوية، واستعدوا للسفر معهم»51 كما أن البعض الآخر منهن رفضن مفارقة البلاد61، ما يبين أن هذه الممارسة شكلت ظاهرة واضحة للمراقبين المعاصرين. وفي المجمل مثل هذه الزيجات الشرعية منها أو حتى غير الشرعية فرضها واقع الحدث نفسه كما في كل أزمنة الحروب والاستعمار.

خلافًا لذلك ثمة علاقات أخرى ظلت بعيدة عما هو رسمي أو معلن، اتخذت طابعًا سريًّا، وهي ليست بالضرورة قاصرة - كما قد يعتقد البعض- على ممارسات بنات أهل الهوى أو بلغة الجبرتي «النساء الأسافل/المشهورات» أو حتى من غير أرباب الهوى الذين عُرِفوا «بالنساء المأسورات»، ومن انضم إليهن من الجواري وحريم القصور المملوكية، اللاتي تم التعامل معهن على أنهن «غنيمة قصور»صُودرت لصالح الأمة الفرنسية71، وما توسعوا فيه من ممارسات مشابهة كتلك التي جرت وقائعها في أعقاب ثورة القاهرة الثانية (مارس 1800)؛ والتي بررت بأنها جزء من عقاب على الاشتراك في هذه الثورة! 81 - خلافًا لهذه الممارسات الشهيرة، ثمة علاقات أخرى مغايرة، ولو أنها اكتسبت طابعًا خاصًا كذلك، لكنها كانت على مستوى من الرقي، وكان أساسها مطارحة «الحب والغرام» بأسلوب تراوح ما بين الرومانسية والعقلانية، لم يلتفت إليها المراقبون المعاصرون؛ وذلك بالنظر -بداهة- إلى خصوصيتها الشديدة وسريتها التامة التي تجعلها تنتمي إلى ما يعرف «بالتاريخ الخاص الذي لا يراه الناس»، ولا يجد طريقه إلى التدوين بالسجلات، رسمية أو غير رسمية

إن قصة(زليمة– مواريه) التي تشكل محور هذه الدراسة يمكن أن تنتمي إلى هذا النوع الأخير، وهي واحدة من عشرات الحكايات الواقعية التي جرت وقائعها بعيدًا عن عيون المراقبين. ومن حسن الحظ أن مثل هذه العلاقات وأشباهها يحتفظ أدب المدونات اليومية الخاص ومذكرات الجنرالات والجنود بالكثير من وقائعها الإنسانية المثيرة التي لم يُسلط عليها الضوء بعد. وهذا أحد أسباب اهتمامنا هنا بدراسة يوميات جوزيف ماري مواريه، بوصفها واحدة من الأدبيات الثرية التي احتفظت لنا بتفاصيل مغامرة عاطفية بين ضابط فرنسي وأميرة من جواري القصور المملوكية.

 وتحاول الدراسة الإفادة من المنهجيات التي طرحتها «مدرسة الذهنيات» التي اعتبرت تاريخ الحب ضمن مجالات أخرى مثل تاريخ العائلة، تاريخ الطفل والتربية، تاريخ الأزواج، والإنسان والموت..إلخ من أهم المجالات الأثيرة التي تحاول عبرها الكشف عن طبيعة السلوكيات والمواقف قِبل الظواهر الإنسانية السائدة في حياة الناس اليومية91.

ولعل أقدم دراسة متخصصة حول «تاريخ الحب» تلك التي تعود إلى عام 1863 للمؤرخ الفرنسي «سيناك مونكو»  Cénac – Moncaut الذي وضع أطروحة من جزئين حول «تاريخ الحب»02 في المجتمعات الأوربية من العصر القديم حتى القرن الثامن عشر. وبالمقاربة مع الاهتمام بدراسة الحب في المجالين الأثيرين الفلسفة والأدب، لا يزال ثمة حالة من الفتور تجاه إنتاج دراسات متخصصة حول تاريخ الحب في الحقب التاريخية المختلفة.

وربما كان لقلة المصادر والوثائق والأوراق المتعلقة بهذا الجانب شديد الخصوصية، السبب الرئيسي وراء قلة اهتمام المؤرخين وتشكك الكثيرين في إمكانية توافر المعطيات التاريخية الأولية بدرجة كافية يمكن معها أن تسمح بدراسة هذه الظاهرة تاريخيًا، وتطوير الأفكار والإفادة من الأطر النظرية التي تطورت بدرجات متفاوتة في رحاب الفلسفة والنقد الأدبي. وحتى تيار دراسات النوع (الجندر)، الذي أعطى زخمًا مكثفًا وكبيرًا حول المرأة، كمجال دراسي قائم بذاته في سياق الدراسات الأدبية والعدالة الاجتماعية وما يتعلق باهتمامهم المحدود بتاريخ المرأة كفاعل تاريخي مهمش يتعين الدفع به إلى المتن، هذه الجهود المبذولة لا تزال بعيدة عن تقديم مساهمات جادة في هذا الصدد، وخصوصًا في الدوائر الأكاديمية العربية، بل ويمكن القول إن «تاريخ الحب» بشكل عام لا يزال أرضًا بكرًا، ينتظر من يتقصى مصادره التاريخية في أضابير الأرشيفات المختلفة لاسيما أرشيفات العائلات والأوراق الخاصة للأفراد.

ويجب الاعتراف أن السبب وراء الاهتمام بعمل محاولة لدراسة تاريخ الحب في زمن الاستعمار الفرنسي، يعود في الحقيقة إلى عامل الصدفة حين طالعت بأرشيف فانسين بباريس مجموعة من الجوابات الخاصة لسيدات من مواقع اجتماعيه مختلفة (مملوكية ومصرية وغير مصرية) تم تبادلها مع مجموعة من الضباط الفرنسيين بجيش الحملة، تكشف هذه الجوابات عن زيجات رسمية، تفيض بالمشاعر المضطربة بين الحب والخوف من المجهول الذي ينتظرهم إذا فشلت الحملة، وخاصة مع متابعة التطورات المؤسفة لجيش الاحتلال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. وتسمح هذه الجوابات بالتعرف على بعض الخصوصيات الدقيقة في حياة أصحابها وتصوراتهم للواقع وللحياة وللموت وللخطر المحدق بهم في لحظة استثنائية وثقيلة تحت الاحتلال.

زاد اهتمامنا أكثر بدراسة هذا الموضوع حين طالعت «مدونة من الأوراق الخاصة» لضابط يدعي «جوزيف ماري مواريه»، تبين منها وجود علاقة خاصة وثرية، جمعته بامرأة مملوكية تدعى «زليمة». وكان مواريه قد اعتاد، بعد أن يهدأ ضجيج المدافع وتتلاشي رائحة البارود، الخلو بنفسه لكتابة ملخص لكل ما مر به في يوميات القتال. كان يحتفظ بقصاصات الورق في جيوبه، وما يدونه يحتفظ به في حقيبته الخاصة التي لم تفارقه خلال تنقلاته الكثيرة حيث شارك في معظم المعارك من أول لحظة الإنزال بالإسكندرية حتى الانسحاب من مصر، والمعركة الوحيدة التي لم يخضها هي حملة الجيش على سوريا؛ حيث اكتشف خلال توجهه إلى المعركة وهو بالعريش أنه أصيب بالطاعون فتم عزله عن كتيبته12، وتألم كثيرًا وشعر بالخوف والرعب من دنو أجله والموت الوشيك بهذا الداء المميت في بلاد غريبة سيتحول بعدها إلى مجرد رقم في عداد الموتى المفقودين في هذه المغامرة العسكرية التي فر قائدها (بونابرت) هربًا إلى فرنسا تاركًا الجيش في مأزق كبير. ما خفف من حزنه واستيائه شفائه بأعجوبة من مرض الطاعون، فعاد إلى سريته العسكرية بدمياط. ليواصل كتابة يومياته. لقد كانت الكتابة بالنسبة له فعل حياة، يتنفس عبر كلماته التي يسجل بها غضبه واستيائه من المغامرة العسكرية الفاشلة، ومعبرًا عن إحباطه من كل شيء حوله.

هذه الأوراق الخاصة إذًا «وثيقة حية»، حررها بأسلوب بسيط ومباشر وخال من الزخارف الأسلوبية، ما جعلها تقترب من نمط الكتابة الانطباعية الواقعية الأقرب للشهادة التاريخية. ونلمس ذلك بوضوح في مسألتين؛ الأولى عند تسجيله لهمسات الجنود وانتقاداتهم للقادة، والثانية في كشفه عن تجربته الخاصة مع المرأة المملوكية التي سرد قصتها بحسب تطورات الأحداث وما أتاحته الظروف من لقاءات جري تسجيلها في حينها على قصاصات أوراقه المفردة. وهو نفسه لم يتوقع يومًا أن يهتم أحد بنشر تلك القصاصات الورقية مجمعة. وأنه حين قبل بعرض أحد الناشرين لتلك القصاصات، ترك للناشر مهمة ترتيبها بحسب تطورات وقائعها الزمنية، ومن هنا جاءت قصته مع زليمة متناثرة عبر اليوميات، ولهذا دلالته: أننا أمام نص يوميات لها طابع استثنائي من زاوية أنها اعتمدت كلها على أوراق مفردة، لا يربط جميع خيوطها سوى الحدث والظرف التاريخي من ناحية، ومن ناحية أخرى، جاءت أشبه بالمدونات التي تحرر بقوة انفعال اللحظة وتأثير الحدث على صاحبها، ومن ثم فالنص يحتفظ بحيوية وانفعالات صاحبه.

رصدت هذه اليوميات قصة علاقته الغرامية مع تلك الأميرة وحواراته معها خلال اللقاءات المتعددة التي جمعت بينهما، فضلاً عن احتفاظه ببعض جواباتها22 التي أرسلتها إليه عبر خادمتها التي كانت «رسول الغرام» بينهما، وقد لعبت هذه الوصيفة الخادمة دورًا مهما في ترتيب العلاقة في بدايتها ونهايتها، ولأنها كانت تعرف الفرنسية؛ وكشفت في حوارها بالفرنسية مع مواريه أنها فرنسية الأصل تم أسرها في البحر المتوسط على يد القراصنة قبل عشرين عامًا من مجيء الحملة، وبيعت في الإسكندرية ثم انتقل بها إلى القاهرة واشتراها الأمير علي بك، وجعلها وصيفة أو خادمة لمحظياته، فكانت الأميرة زليمة هي سيدتها التي اعتنت بخدمتها32 والتي لازمتها طيلة فترة هروبها واختفائها بدمياط بعد دخول الفرنسيين للقاهرة.

ظرفية بدء المغامرة العاطفية

بالنظر إلى ظروف تعرف الضابط مواريه على الأميرة زليمة، وفهم دلالة اللحظة المعقدة والثقيلة التي قاربت بينهما، فالأميرة زليمة كانت بالقاهرة قبل مجيء الحملة، لكنها انتقلت إلى دمياط بفعل الخوف من تهديدات الغزاة بمصادرة القصور المملوكية والقضاء على المماليك، مما أشاع الرعب في الجواري، وهو ما لاحظه الجنرالات وفى مقدمتهم القائد العام الجنرال بونابرت42.

وكانت زليمة قد اتخذت قرارها بالهروب والتخفي لدى تاجر تركي بدمياط يدعى «أبو فرو»، كان يعرف زوجها الأمير علي بك، وتربطه به علاقة قديمة ومصالح. ومن ناحية الضابط مواريه كانت الظروف كذلك قد دفعت به إلى ذات الواجهة «دمياط»، وذلك إثر ورود استخبارات معلوماتية على استغلال الجيش الأنجلو عثماني الجبهة الشمالية لمهاجمة ثغر دمياط. وحتى بعد تأمين دمياط عسكريًا وصدور الأوامر لمواريه بالانضمام للكتائب المحاربة بسوريا، تدخل القدر وأصيب بالطاعون فتم عزله ونقله إلى دمياط ليتولى بعد شفائه تأمين المدينة ويستمر دوره بها لعدة شهور، وخلال هذه الفترة سوف يتعرف على الأميرة المملوكية.

 يقتضي الأمر أن نعرف ما الذي جمع بينهما في مثل هذه الظروف الصعبة، وجعلهما في لحظة فارقة من هيمنة مشاعر الخوف والألم والرعب من الموت، حتى يلتقيا عند تكوين علاقة عاطفية خاصة وفى ظروف استثنائية إلى أقصى حد؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي تحليل سياق اللحظة النفسية التي مرت بهما، تلك اللحظة المشحونة بكل أجواء اللا استقرار، وغموض المستقبل الذي لا يمكن التنبؤ به.

لندع مواريه يعبر بصوته عن هذه اللحظة قبل لقائه الأول بالأميرة المملوكية «إن الموت يحاصرنا من كل جانب، ومصر قد انقلبت بكاملها ضدنا، تريد الهجوم علينا بهدف تحطيمنا تحت ثقل كثافتها الضخمة، وقد كانت هذه النوايا كفيلة أن تجمد الدماء في عروقنا وتقذف الرعب في قلب أي جيش.. إن هذه الحياة الكئيبة التي نحياها في هذا المناخ جعلتنا غير مبالين بموت أو حياة». وفى موضع آخر يسترسل وفى هذه المرة على لسان رفقائه «لابد أن الجنون هو الذي دفعهم (أي بونابرت وحكومة الديركتوار) للتفكير في مشروع هذه الحملة، وأن التهور هو الذي جعلهم ينفذونها.. بل إن طموح الجنرال (بونابرت) هو الذي قادنا إلى هنا، فقد جاء ليصنع لنفسه عرشًا من عرقنا ودمائنا»52. ومما زاد الطين بلة فشل حملة سوريا وموت الكثيرين من الرفاق بالطاعون دون أن يسعفهم أحد، ثم الخبر الذي زلزل نفسية الجميع هروب بونابرت نفسه تاركًا الجيش في موقف صعب ومأزق لا يحسد عليه وليس هناك من عبر عن الموقف من الجنرال كليبر الذي كتب في يومياته «العصفور طار من القفص»!

 كانت هذه الظروف العصيبة، واستمرارية المغامرة العسكرية من دون حدود زمنية لنهايتها، قد جعلته يفكر طويلاً في ذاته ومصيره المحتوم في بلد مثل مصر لم يخطر له على بال، وحرب ليس لها علاقة بمجد الوطن أو ثورته المجيدة، ولا يملك في الوقت عينه خيار العودة لأنه مخل بالشرف، والموت قتلاً أو ذبحًا أو بالأوبئة خطر دائم وماثل62. كل ذلك جعله يشعر بالاغتراب عن نفسه وأن غاية أمانيه أن تنتهي هذه الحملة ويخرج من هذا البلد (الكئيب)، ويسترد ذاته من سطوة التعليمات العسكرية الصارمة عبر حلم الرجوع إلى فرنسا الوطن72.

أما زليمة فقد وصلت إلى النتيجة ذاتها، لكن بأسبابها وظروفها الخاصة بالتأكيد، لتلتقي مع مواريه في حلم استعادة الذات والخروج من مصر: فزليمة حكت كيف عاشت مرحلة الطفولة في بؤس شديد وفقر دفع بأهلها، وهي بعد في «تفليس» بجورجيا، إلى نقلها وهي في سن 14 عامًا؛ لتعمل لدى حاكم المدينة خادمة، ربما لتخفف عن كاهل أهلها نفقات معيشتها، لكنها ذات يوم ستجد هذا الحاكم يدفع بها مع بعض من زميلات لها ليد تاجر أرمني، يتكشف لهن بعد قليل أنه أجرى صفقة تبادل، تم بمقتضاها شراء جارية حسناء بهؤلاء الخادمات82.

شكل هذا صدمة كبيرة لزليمة وصحابتها، إذ فقدن إثرها حريتهن وتحولن إلى جواري، تم عرضهن للبيع بأسواق النخاسة بإستانبول، وهناك صدمت زليمة للمرة الثانية إذ بيعت كل زميلاتها سوى هي التي بسبب جسمها (غير السمين) لم يقبل الأتراك على شرائها، ما اضطر التاجر الأرميني وهو يوبخها أن يسافر بها إلى القاهرة لبيعها هناك، وباعها بسعر زهيد حتى يتخلص منها، فكان أن اشتراها الأمير علي بك وضمها لحريمه92. إن وضعية تحول زليمة إلى جارية لم تختلف كثيرًا عن  مئات الحكايات التي سردت قصة مجيء الجواري من جورجيا عبر إستانبول إلى مصر، ربما الجديد في قصة زليمة أنها لم تُخطف كعادة غيرها من الأطفال الجورجيات في لحظة غفوة من الأهالي03، ولكنها وقعت فريسة صفقة دنيئة غيرت مجرى حياتها وللأبد.

وعلى الرغم من إعجاب علي بك بجمالها إلا أنه قرر ألا يقترب منها «حتى تسمن»، جعلتها هذه النظرة الدونية إلى جسدها تستنكر من دون قدرة على البوح بموقفها أو رفضها. وكم كانت تتألم وهي تحكى ممتعضة من سلوك هؤلاء البكوات المماليك ومدى شغفهم بالجواري السمان «ذوات كتل اللحم الكبيرة»على حد تعبيرها13. شعرت بالمهانة جراء اختزال كيانها في صورة جسد، جسد يسعون إلى تربيته حتى يصبح مهيئًا للالتهام أو الاستخدام. وتنتهي إلى القول «إن مثل هؤلاء الرجال لا يحتفظون بالنساء في حريمهم إلا كما يحتفظون بالأشياء الفاخرة»23.

أعطى لها هذا إحساسا بالمرارة وزادت أحزانها جراء ما شاهدته داخل الحرملك من حياكة مؤامرات النساء ومن ممارسة « أساليب القمع»؛ فتصف المراقبات بالحرملك «بمجموعة من السفلة» ليس لهن من دور سوى «مراقبة جميع تحركاتنا ونظراتنا وهمساتنا»33. وسردت يومًا لمواريه واقعة لإحدى الجواري الشركسيات من زميلاتها بالحرملك، تم فصل رأسها بضربة سيف لوشاية أحد العبيد المراقبين43، وهو ما أثار في نفسها رعبًا لم تستطع التخلص من مشهده، لكنه ظل الهاجس الذي يدفعها إلى تأمل حالتها بالحرملك؛ ومن هنا بدأت تكون وجهة نظر واقعية في تحليل وضعها داخل الحرملك «إنهم لا ينصتون لأناتنا التي علينا تحملها دون أدنى همسة. وأما الغيرة وعدم الثقة والعلاقات المزيفة والاتهامات الجارحة والسخرية اللاذعة فيصنعون من الإقامة في الحريم شيئًا أسوأ من الجحيم»53.

كل ذلك جعل زليمة–على عكس كثير من أميرات الحرملك المملوكي اللاتي شعرن باضطراب حياتهم بسبب الاحتلال- تجد في مجيء الحملة الفرنسية انفراجه لواقعها المأزوم. لذلك نجدها تعرب صراحة عن أنها لم تأسف على قتل زوجها الأمير علي بك في معركة الأهرام، بل أفضت لمواريه «فإن كان الفرنسيون لم يقدموا أية خدمة سوى التخلص من هذا الطاغية (زوجها)، فسأظل مدينة لهم بها إلى الأبد»63. وبررت عدم أسفها هذا بأنه «لم يربطها بسيدها سوى علاقات الخوف والرعب»73، واعتبرت حياتها في ظل النظام العبودي بالحرملك أخطر كارثة حلت بها، وهى التي عاشت بين جدرانه خمس سنوات من العذاب، فالعقاب كان يقع بهن لمجرد أخطاء وهمية؛ تهمس بها المحظية الأولى في أذن السيد «فيتم ضربنا بالعصي، وهو ما قد يفضي أحيانا إلى موتنا»83. كانت كلماتها التي حكت بها عن عالمها داخل الحرملك تقطر مرارة إلى حد وصفت المكان بصيغة من المبالغة المعبرة عن كراهيتها الشديدة له بأنه «أسوأ من الجحيم»!

ووفقًا للمعطيات التاريخية الراهنة على الأقل، من الصعوبة بمكان تعميم هذه الصورة بملامحها التي رسمتها زليمة لحياة يصعب التكيف مع قيمها ومنظومتها السائدة داخل الحرملك المملوكي، فالأقرب أنها عبرت عن حالتها الخاصة، أو في أقصى التوقعات، جسدت تطلعات شريحة محدودة داخل الحرملك. وفعل « الهروب» المعبر عن رفض شديد للواقع وتطلع إلى تغيير الوضعية القانونية، والانسلاخ كلية عن فضاء الحرملك عبر استبدال بمجتمعها مجتمعًا مغايرًا، لا نجد لها صدى واسع في الوثائق والمصادر الأدبية المعاصرة؛ بل إننا نجد نصًّا للجبرتي يحكي فيه وصول «جواب من المماليك» المتصارعين على السلطة  ضد حزب مملوكي آخر مؤيد من استانبول، حيث عرضوا عليهم « أن يمنحوهم مناصب في غير الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاءوا من مماليكهم وأتباعهم»، فجاء جواب الرسالة من هؤلاء المماليك (مراد بك/ إبراهيم بك) «إننا ممتثلون لجميع ما تأمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر، فإن فراق الوطن صعب»93.

إن فكرة استبدال مصر بوطن مغاير لم تكن سهلة بالنسبة لكثير من المماليك عبيدًا كانوا أم جواري. وثمة حادثة مماثلة إلى حد كبير لفكرة هروب زليمة لكنها تتناقض معها في فكرة البحث عن وطن بديل، ومصدرنا في هذه الحادثة رسالة لأحد علماء الحملة الفرنسية، وهو العالم الرياضي الفيزيائي جان –بابيتيست فورييه Jean-Baptiste Joseph Fourier، كان قد كُلِفَ بأن يلتقي بالست نفيسة (زوجة مراد بك) ليرد إليها جاريتين مملوكيتين، هربتا، في بدايات الحملة، من حريم قصرها(أكبر حرملك القصور المملوكية) وارتبطتا بجنرالين كبيرين (هما الجنرال كليبير  Kléber القائد العام للجيش، والجنرال دوجا Dugua حاكم القاهرة)، وعند نهاية الحملة رفضتا السفر بصحبة الفرنسيين، وآثرتا العودة للحرملك، وتحددت مهمة فورييه أن يتوسط لدى الست نفيسة لتعفو عن هاتين الجاريتين؛ بيد أن الست نفيسة أعربت له في البداية عن استنكارها لهذا السلوك الشائن، خصوصًا أنه صدر عن كبار الجنرالات، وأفهمته أن هذا التصرف المعيب في تغيير سادة الجواري ينافي منظومة القيم والعادات المملوكية، كما عابت على الجاريتين هروبهما وتغيير سادتهما بهذه الطريقة الفجة، لكنها في النهاية قبلت وساطة العفو الفرنسية وردت الجاريتين لحريم قصرها40.هناك أيضًا كثير من النسوة اللاتي رفضن الانصياع لأزواجهم لفكرة مغادرة مصر والسفر إلى فرنسا، فالفرقة القبطية التي كونها الجنرال يعقوب القبطي، لم ترض القبطيات بالسفر معه، وقاموا بعمل مظاهرة بكائية شقوا بها شوارع القاهرة إلى الجنرال بليار (حاكم القاهرة)، يقول الجبرتي «بكوا وولولوا وترجوه في إبقائهم عند عيالهم وأولادهم.. فوعدهم بأن يرسل إلى يعقوب أنه لا يقهر منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه»14. ولذلك سوف تشهد هذه الفترة حركة من تطليق الزوجات الرافضات للسفر24. ومما له دلالته أن عددًا من أولئك الذين ارتضوا بالسفر مع الفرنساوية بعد وصولهم لساحل أبو قير، شق عليهم فكرة الاغتراب عن الوطن فقرروا عدم ركوب السفن والعودة للقاهرة34. ولذلك لم يسافر سوى قلة محدودة للغاية، وقد أورد نابليون في مذكراته جدولاً إحصائيًّا بالخارجين من مصر من مختلف الجنسيات، فمن بين 4000 قبطي ويوناني وسوري، كان عدد المصريين (أقباط ومسلمين) من بينهم 870 مصريًا44.

وإذا كان الأمير على بك، في حالة زليمة، ممثلًا للسيد «الطاغية» كما وصفته هي، فإن ذلك ليس بالضرورة حال السادة الأمراء في كل قصور الحرملك؛ فمثلًا كان الأمير مراد بك زوج الست نفيسة يقدر منزلتها ويعاملها برقي، ما جعلها حريصة عليه، وخلال فترة الحرب ضد الفرنسيين لم تنقطع الجوابات بينهما54، ولشدة خوفها من احتمالات سقوطه قتيلاً في أي من جولاته القتالية ضد الفرنسيين، شاركت في عمل وساطة ناجحة للصلح بين الفرنسيين والمماليك، وسجل فورييه في رسالته إلى القائد العام كليبير فرحتها بهذه الخطوة إذ أخبرته بأنها ﻻ يمكنها أن تستقبل إﻻ بالسرور اقتراحًا يميل إلى منع زوجها من القتال، بالنظر إلى أنه قد يهلك في ذلك العمل»64. وفى حالات أخرى، نجد خوندات (زوجات أمراء) ممن سافرن مع أزواجهن البكوات إلى الشام لحظة اجتياح الفرنسيين للقاهرة، مات عنهن أزواجهن، قمن بدفنهن بالشام، وحين تحررت مصر من الاحتلال الفرنسي بعد ثلاث سنوات، قمن بنقل رفات أزواجهن إلى القاهرة، وأقمن لهم مدافن تليق بمكانتهم، كانت هذه مثلًا حالة الست أم أيوب زوجة الأمير صالح بك أمير الحج74. أيضا نجد زوجة الأمير إبراهيم بك التي ماتت عنه بالشام، وحرص هو على حمل رفاتها ودفنها بمقبرة أخيها الأمير محمد بك أبو الذهب بالمدرسة الواقعة قبالة جامع الأزهر. لا تخلو هذه الإشارات من دلالة وفاء وتقدير حقيقي لمسيرة علاقة خاصة بين السيد وزوجته الجارية لا تنتهي بالموت.

ومن اللافت للنظر أن عددًا كبيرًا من الفرنسيين استوقفهم نظام الرقيق المملوكي؛ حيث أدهشهم أن العبيد يتعاملون معاملة أفضل من معاملة الخدم بل وأفضل حالا من وضعية الفقراء المصريين الأحرار، كما حظيت مفارقة النظام العبودي بين الشرق والغرب باهتمام بونابرت؛ فكتب في مذكراته  أن «العبودية في الشرق لا تقارن بالعبودية في الغرب، ففي الشرق تجد العبودية أقرب لما وصفه الكتاب المقدس، فالرقيق يرثون في ثروة أسيادهم، ويتزوجون من بناتهم، وأن معظم البكوات والباشوات من الرقيق84.

 إجمالاً يمكن القول إن زليمة قد عبرت بفلسفة قراءتها لحياتها وتطلعاتها المستقبلية ورفضها للمنظومة الاجتماعية بالحرملك عن شريحة موجودة داخل الحرملك، لكنها لم تمثل ظاهرة واسعة النطاق. وأن مأساتها في فقد حريتها قد قاربت بينها وبين مواريه الذي كانت له ظروف مختلفة لكنها قادتهما معًا إلى رفض الواقع، والرغبة في تحرير الذات من اللحظة الثقيلة التي كانا يمران بها والتطلع من ثم إلى مغادرة مصر.

بداية المكاشفة بالحب: زليمة وبداية تنفيذ مخططها

في هذه الأجواء النفسية الصعبة، كانت زليمة قد بلورت مخططها بطريقة تتسم بالطابع العملي، أن توقع الضابط الفرنسي في حبها، وتدفعه إلى الزواج منها، كي تكتسب شرعية استردادها لحريتها التي سيصونها الفرنسيون جراء عدم اعترافهم بالنظام العبودي الساعين إلى تحطيمه منذ المنشور الأول لبونابرت(9 يوليو 1978) الذي ارتأت فيه تعبيرًا عن قضيتها، فالمنشور ينتقد النظام العبودي، ويؤكد «بأن الناس متساوون عند الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط، وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب، ماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم، ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة..»94 أعاد المنشور بالنسبة لها اكتشاف الفرنسيين وموقفهم من قضية المساواة والحرية، وهو ما جعلها تتابع المنشورات التي كانت تعلق طوال الوقت على جدران الأسواق والجوامع. ويكتب مواريه من واقع ملاحظته على أهالي دمياط، وكانت زليمة أحدهم «كان لهذا البيان أثر سريع ومحمود، فقد بدد المخاوف حتى أن الأهالي أظهروا لنا مودة عن ذي قبل»05. واستقر الحال بزليمة أنه إن بقي الاحتلال الفرنسي للبلاد تكون هي في أمنه وحمايته، وإن فشل حلمهم الاستعماري واضطروا إلى العودة لفرنسا سوف تصطحب مواريه إلى هناك وتقترن به، وعندها تحقق الإفلات من قبضة نظام الحرملك.

 أما هو فقد دفعته المصادفة للتعرف على زليمة، خصوصًا أنه كان ملتزمًا بالتعليمات المشددة من القيادة العامة للجيش بأنه من «المحظور علينا أن ننتهك هذا الحرملك المقدس وإلا كان مصيرنا الموت، لذا كان الوقوع في الحب بالنسبة لي شيئا بعيد المنال»15. لكنه لاحظ سيدة من السيدات الذاهبات للمسجد الرئيسي بالمدينة، أنها ترمقه كل يوم وهو واقف بباب مسكنه المجاور للمسجد الكبير فكتب يقول «لاحظت أن واحدة من بينهن يدل مظهرها على الثراء، كلما مرت أمامي تمهلت ورمقتني ببصرها. كان من الصعب على أن أحكم بمجرد النظر إلى وجهها إن كانت صبية أم امرأة ناضجة، جميلة أم قبيحة، ولكن قوامها الممشوق المشدود برشاقة واثق الخطى جعلني أجزم أنها لم تتخط بعد العشرين من عمرها. أما عن جمال ملامحها فربما أخطئ إن تنبأت، فقد كان من الصعب على نظري أن يخترق الحجاب الذي تغطي به المسلمات وجوههن. وتركت للزمن والمصادفات فرصة معرفة هذا الموضوع. وذات يوم، وهي في طريقها كالمعتاد إلى المسجد، إذ بها تمر قريبًا جدًا مني، فتشجعت وحييتها كما يحي الجنود الفرنسيون ضباطهم حينما يلقونهم بأن وضعت يدي أمام جبهتي، وحرصت على أن تكون هذه التحية مشفوعة بابتسامة ودود. فما كان منها إلا أن حملت يدها اليمني ناحية قلبها، وأفهمتني بهذه الإشارة أنها فهمت». وعند المساء جاءه «رسول الغرام» خادمتها الفرنسية التي جاءته تستطلع موقفه بعد أن أبدى لسيدتها التحية في الصباح25.

وعلى الرغم من أنه حسم الموقف سريعًا مع الخادمة المارسيلية بأنه قبل عرضها حيث أبلغها «قولي لها إنني وقد أمضيت عامًا في مصر فقد تعلمت التحدث بالعربية كأهل البلد، وإنني ملكها لو حالفتني السعادة ورقت لها»35.إلا أنه مع ذلك كان مترددًا ومتخوفًا من هذه العلاقة المحفوفة بالمخاطر، وبعد حوار داخلي يقبل المغامرة، ويقول لنفسه «إنني اشعر بالحاجة لأن أحِب وأن أُحَب. فمن يدريني، إذا ما استعمرنا بالفعل هذا البلد وأقمنا به، فهذه زوجة جاهزة سوف تقدم الثروة وكل الرضا مهرًا لي»45. وازداد قناعة بهذه الخطوة بعد أن دبرت هي لقاءاتهما بوكالة التاجر التركي أبو الفرو (زوجها الصوري) الذي اتفقت معه على أن يدعو الضابط مواريه إلى الوكالة لسبب وجيه، وهو أن يدعوه لتعليمها بعض دروس في الحساب واللغة الفرنسية، لأنه ليس أمامه سوى الأقباط واليونانيين، وهؤلاء «إما يخدعوني أو يسرقوني، وزليمة التي أحافظ عليها كابنتي لها استعدادات طيبة.. وسوف يعينني هذا على أن أعهد بحساباتي ومراسلتي مع التجار الفرنسيين». وهنا فهم مواريه كيف أحكمت زليمة تدبير لقاءاتهما الغرامية داخل الوكالة بعيدًا عن عيون المراقبين، مما جعله يطمئن بل ويسعد لحسن تدبيرها، ويطلب من فوره من أبو الفرو «بدء الدرس الأول»55.

ولنترك مواريه يصف لقاءه الأول بها «لن أحاول وصف ما اعتراني حينما رأيتها وجهًا لوجه – تلك التي كنت ألمحها إلا وكأنها خلف السحاب- ولا أن أعبر عن الكيفية التي أبديت لها بها أمنياتي وحبي. في هذه اللحظات الأولى، لم نتفوه سوى بعبارات متقطعة، تصف ولا تعبر عن المشاعر. ففي هذا اليوم علمتها بعض مبادئ الترقيم والجمع، بدون تركيز من جانبي أو من جانبها، بسبب اضطرابنا، وبعد حين، خصوصًا وأن التاجر لم يكن موجودًا، بدأنا نتحدث بحرية أكثر عن مشاعرنا، وعن قصتها التي حكتها (يقصد حياتها في مجتمع الحرملك)»65. وعاد إلى مسكنه وهو في غاية السعادة، لقد وجدها حسناء تتمتع فوق ذلك ببهاء الشخصية، وكتب في يومياته «كانت ملامحها كفيلة باختراق قلب حديدي، وأن جمالها يفوق جمال الباريسيات75.

فكر كلاهما في «الحب» بمنطق مختلف، كلاهما اتخذ من الحب وسيلة لتجاوز الواقع المأزوم في أعماق كل منهما وفي لحظة تحدي فارقة: فهي تسعى إلى استبدال عالمها العبودي في مجتمع الحرملك المغلق بعالم تحلم به، تسترد فيه حريتها وخلاصها، وظرفية الغزو الفرنسي صنعت - كما تراءى لها- فرصة عظيمة فقد تساعدها على تغيير وضعيتها. وكان هو يريد انتشال نفسه من الإحباط المتراكم، وكآبة الأيام الثقيلة، والتغلب على الظروف القاسية للحرب، وما أشاعته في نفوسهم من أفكار سوداوية بأن حيواتهم لا تعدو ثمنًا زهيدًا في التضحية بهم من أجل مغامرات جنرال طموح مثل بونابرت، ولخص مواريه انتقاده له بعبارة دقيقة فاضت بحزنه واستيائه، وخاصة جراء سوء معاملة المصابين من الجنود والضباط بالطاعون الذين تركهم الجنرال بونابرت بالصحراء دون أن يسعفهم؛ وبعضهم كانوا من أفراد كتيبته، يقول مواريه «علمت مصير المصابين بالطاعون الذين اضطروا لتركهم في الطريق.. يا للأفكار المشؤومة، أيتها الإنسانية، هل كان للفرنسيين أن يُهينوك وراء البحار، طموح مشؤوم وسياسة جهنمية أن ترتوي من الضحايا الأبرياء!»85. وبعيدًا عن تناقض توجهاتهما، فإن كلا منهما عبَّر، بهذه العلاقة، عن رغبة حقيقية في الحياة.

 أبدى مواريه لزليمة تعاطفًا تامًا مع قضيتها، وكتب في يومياته «تأثرت بما لاقته، ورق لها قلبي، بعدما سمعته منها (عن وضعيتها داخل الحرملك)، وعاهدتها أن أفعل ما بوسعي لانتزاعها من هذه التعاسة التي تنتظرها بمصر إذا ما خرج الفرنسيون»95.

والحق أنه كان وفيَّا لها، فتكتم على سرها معه، وجنبها الاعتقال ومصادرة ثروتها، وذلك بالنظر إلى مقتل زوجها الأمير علي بك على يد الفرنسيين، وكونها هاربة، ونجد في الجبرتي نصًّا يؤكد ذلك: فالأمراء الذين قتلوا في معركة إمبابة، عشية دخول القاهرة، كانت تصادر قصورهم في الحال، يقول الجبرتي «أخذوا البيت بما فيه من فرش ومتاع وجواري وغير ذلك»06. واضطر بونابرت إلى وضع ضريبة «مال المصالحة» لقاء حماية الحريم القابعات بالقصور وعدم مصادرة أموالهن وتأمين قصورهن واستثنائها من الأملاك المملوكية المصادرة16.

تعهد مواريه لزليمة بأن يساعدها في الخروج من معاناتها دون أن يلحقها أذى، وأن يدعمها في تحقيق حلمها في التحرر من العبودية. لكنه طالبها فجأة بأن تكافئه على وعوده لها، بأن تثق فيه وأن تمنحه نفسها، لكنها ردته إلى ضميره بأن ذلك لن يكون قبل الزواج، ولنستمع إلى ردها القوي «للأسف، لا أستطيع أن اعتمد على وعودك إلا إذا ختمت بخاتم الدين وسلطة الشرع. أنا أعرف كم تتبدل أحوال الفرنسي، فسرعان ما يشتعل الحب في قلبه، لينطفئ بمجرد أن يروى ظمأه؛ فالفرنسيون في حبهم كما في موضاتهم يغيرونها كل يوم»26. لم تكن لتجعل جسدها مرة أخرى يجرى احتلاله كما احتل الفرنسيون البلاد.

ولم يستطع هو إقناعها بأنه استثناء من ذلك، ثم كان أن صرح لها باستعداده لعمل الارتباط الشرعي؛ بيد أنهما في هذه اللحظة يصطدمان بعائق الدين الذي يضع العلاقة في اختبار حقيقي؛ أيهما أقوى الحب أم الدين في سبيل التمسك بالآخر من أجل بقاء هذه العلاقة أو إنهائها؟

الدين والحب والحرية: مسارات من التناقض

كان السؤال الذي صدم زليمة ومواريه معًا؛ من يُضحي بدينه من أجل محبوبه؟ ومن أجل إكمال الخطوة التوثيقية للزواج؟ لا شك أن المناقشة التفصيلية التي دارت بينهما حول هذه العقبة تشكل في حد ذاتها اكتشاف لواحدة من تجليات الأفكار ومسار مناقشة مكونات الهوية حول القيم والدين ومعتقدات الحياة، وكيف وصلت إلى صيغة حادة من النقاش إزاء تمسك كل منهما بديانته؛ لأسباب موضوعية لها علاقة بمكون الهوية أو لأسباب خاصة لها علاقة بالمنظور الاجتماعي لقيمة ما يمثله الدين في حياة الفرد. ومن هذه الزاوية كيف أدى الحوار حول الدين إلى وضع كل منهما في موقف الدفاع عن النفس من منظور الهوية الدينية؟ وإلى أي مدى أمكنهما تجاوز أو عدم تجاوز هذه العقبة؟ وكيف عبر الحوار حول الدين والحب والحرية في النهاية عن مسار من التناقض بين طريقة تفكير كل منهما في الآخر وفى قيمة الآخر بالنسبة إليه لا سيما في سياق لحظة فريدة من مراجعة الذات على ضوء تبصر حالة الآخر، وهي في مجملها تفيض بلحظة استثنائية لمراقبة ثقافتين تعبران بقوة عن التقاء الشرق بالغرب عبر الاحتكاك العملي الواقعي.

وقد كان الدين محل اهتمام الطرفين بطرق مختلفة، ولا ننسى أن مراقبين أمثال الجبرتي وشيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي، قد استوقفهما تقييم دور الدين في حياة الفرنسيين، وانتهيا إلى أنهم في معظمهم «جماعة دهرية» لا يمثل لهم الدين أهمية في الحياة36، ولذلك ظلوا ينعتونهم «بالكفرة الفرنسيس».

وربما كان من سوء حظ زليمة أن مواريه كان من التيار الأكثر تمسكًا بهويته الدينية (المسيحية)؛ فقد كان الرجل متدينًا، وكانت دراساته قبل التحاقه بالجيش من المنتظر لها أن تؤهله للعمل بوظيفة كنسية46. وكان الدين يشكل مكونًا أساسيًا من مكونات هويته واستقراره، وهو ما انعكس في حدة انفعاله وغيرته على ديانته، فيما يُفاجئ زليمة بأن علاقتهما قد تنتهي لهذا السبب! والحقيقة أن زليمة كانت متوقعة فتح النقاش حول هذه المسألة، لكن ما لم تتوقعه أن تصبح المناقشة مثار خلاف يؤدي إلى وقف مشروع الزواج. وفيما يبدو كانت تتصور أنه سوف يجاري قادة الجيش الفرنسي في توجهاتهم قبل الدين، أمثال الجنرال بونابرت الذي أظهر منذ المنشور الأول له بالإسكندرية احترامه لدين الإسلام، بل وراح يؤكد لهم بأنه وجيشه أكثر إيمانًا وإخلاصًا للإسلام، وهو المنشور الذي عمل منه نسخًا متعددة وُزِعت بجميع أنحاء مصر56. وفيما يبدو من حوار زليمة – مواريه، أن إسلام مينو كان حاضرًا بقوة في ذهنها؛ فكانت تريد محاكاة نموذج (مينو– زبيدة)، لأنه الأقرب إلى حالتها؛ والذي صار في قلب مناقشتها معه، حيث أشهر الجنرال جاك مينو إسلامه أمام القاضي الشرعي بمحكمة رشيد، وبحضور عدد كبير من شيوخ وعلماء رشيد، وقام بتغيير اسمه إلى «عبد الله جاك مينو». تلك الواقعة التي انتشرت وتحولت إلى قضية شغلت الرأي العام في الجيش الفرنسي66 كما انتشرت في أرجاء مصر المحروسة. وازدادت أهمية بعد أن أدت ظروف اغتيال القائد العام لجيش الجنرال كليبير إلى توليه قيادة الجيش وحكم مستعمرة مصر كلها.

كانت زليمة تتطلع إلى هذا القدر من التضحية من أجل الحب ومن أجل اقترانها به، دون أن يعرضها هي للموقف الأكثر خطورة على حياتها، لكنه صدمها بتمسكه بديانته وثقافته الاجتماعية، معتبرا الدين المسيحي «الهوية المرجعية» التي وُلِد بها وتربىّ على موجهاتها، لذلك صرح لها بكلمات حاسمة «لا تنتظري مني أن أصبح مسلمًا، وأن أضع على رأسي العمامة، وأخضع لهذه العملية المهينة التي تفرق الدين اليهودي والمسلم (الختان) وأن امتنع إلى الأبد عن تناول الشراب المقوي الذي اخترعه نوح (النبيذ)»76.

والواقع أن بونابرت نفسه الذي حاول التأثير على جيشه لأجل مجاراة الدين الإسلام؛ بقصد تعميم الأيديولوجية التي أمل أن توحد بين أبناء المستعمرة والجيش الفرنسي، اعترف في مذكراته بسانت هيلانه بأن ثمة صعوبتين كبيرتين فشل في التغلب عليهما، وهما تحديدًا (الختان والخمرla Circoncision etle vin) فلم يستطع إقناع الجيش بالامتثال بحدهما الشرعي. وأشار أيضًا إلى أن الشيخ المهدي اقترح أن يسمح لـ 16 شيخًا من شيوخ الأزهر أن يطرحوا القضية في المساجد على الناس، لأجل تسهيل استصدار فتوى تتجاوز عن «الختان وشرب النبيذ»؛ امتثالا لحديث يتم نسبه إلى نبي الإسلام، بأن هذان الحدين لا ينطبقا على الفاتحين المنتصرين les Vainqueurs. لكن فكرة مشروع فتوى الشيخ المهدي فشلت، بل وجاءت بنتائج عكسية، حيث أثارت استياء الشيوخ وغضبهم، وفجرت ضجيجًا من الناس، على مدار 40 يومًا، لم يتوقف الشيوخ ولا المصريون خلالها عن انتقاد بونابرت وجيشه بسبب هذه المسألة. ويبين بونابرت بأن خطابه الإسلامي الذي كان له بريقه تأثر سلبيًا بسبب هذه الحادثة86.

وليس هناك أبلغ دلالة على رفض الجيش الدخول أو حتى مجاراة التظاهر بالإسلام، من ردود فعل مواريه نفسه على فكرة زليمة بتحوله الضروري إلى الإسلام كشرط للزواج، ورفض مواريه طلبها بمحاكاة قائده العام الجنرال مينو قائلا «لن أحذو حذو الجنرال عبد الله مينو، الذي أصبح مثار حديث الجيش كله، لأنني سأكون بدوري مادة لسخرية جميع زملائي» منهيًا حديثة بأن «هناك بعض المعتقدات التي يجب احترامها»96. بيد أن ردها عليه لم يكن أقل منه انفعالاً لأنها تدري أن الارتداد عن الإسلام عقوبته الموت، فوجهت إليه تلك الكلمات «إذًا تريدني أن أترك ديني يا قاسي القلب! وحتى إن أردت، هل تظن أن ليس في هذا خطر علىّ؟ أبو الفرو الذي أكرم وفادتي مثله مثل جميع المسلمين شديد الارتباط بالإسلام، ولا شيء عنده يفوق شريعة محمد. فإذا رآني وقد أصبحت مسيحية فسيكيد لك مكيدة ويقدمك قربانًا على روح صديقتك التي فاضت» ثم عرجت في ردها على ضرورة انتباهه إلى حالة التعصب للدين، وهو ما يدلل على متابعتها لواقع النظرة إلى الآخر (الاستعماري المسيحي) «إنك لن تتخيل إلى أي مدى يمكن أن يذهب تعصب المؤمنين. والمسيحيون ليسوا في نظرهم سوى كائنات يلعنها الله ويتبعها البؤس حيثما ذهبت ولا يمكن لأي من مشاريعهم أن تنجح»07،  وهي هنا تلمح لتوقعها فشل مشروعهم الاستعماري.

ظل هو ثابتًا على موقفه في مسألة التنازل عن الدين، معلنًا لها اعتذاره تحت كل الظروف، وأن عليه أن يودعها «وداعًا أبديًّا»، وأن انفصاله عنها سيكون قاسيًّا طالما ظلت عقبة الدين تعترض طريق السعادة التي كان ينشدها معها. ومن الواضح أنه استغل فهمه الواضح لصعوبة موقفها وواقعها المأزوم، وهو وضع جعله في موقع أكثر قوة منها في معادلة الحوار، وهو يسجل في يومياته هذا الموقف الانحيازي لديانته بكل وضوح، وأنه راهن على إحساسه بأنها «لن توافق على إنهاء قصة حب لم تكد تبدأ»17.

لم تشأ إنهاء العلاقة، ولا أن تفقد هذه الفرصة التي ساقها إليها القدر، فرهانها على نيل الحرية بات مشروطًا إلى حد كبير باستمرارية علاقتها به، وتحويل هذه العلاقة إلى صيغة من التعاقد الشرعي. إن زواجها منه، كما تراءى لها، سيفرض واقعًا جديدًا، يُكسبها وضعًا قانونيًّا مختلفًا، يربطها بالأمة الفرنسية التي تجرم العبودية وتحرمها. ومعروف أن فرنسا أصدرت قانونًا، قبل مجيء الحملة ببضع سنوات، يقضي بأن العبيد الذين يأتون إلى فرنسا تلزم المحاكم الفرنسية بإصدار أحكام بتحريرهم27.إن مقاربة وضع المرأة بين الشرق والغرب تستدعي عبر نصوص اليوميات وعبر حواراته معها37. ولم يندهش مواريه من فكرتها العامة عن وضع المرأة الأوربية؛ لأن خادمتها المارسيلية كانت بكل تأكيد أهم مصادر معلوماتها.

دفعها طابعها العملي في التفكير لإبلاغه أن هذا التعارض يمكن أن تحله عملية الخروج من مصر، فإذا تحققت معاهدة جلاء الجيش سيكون بوسعها اللحاق به لتسافر معه إلى فرنسا، وأن حريتها من العبودية فوق كل ما عداها من قيم. ولا شك أن تجربتها الأولى علمتها أنها حين فقدت حريتها تحولت إلى جارية، وأخضعتها لعملية ليست هينة أو بسيطة من إعادة هيكلة هويتها في الحرملك المملوكي وهي ابنة الرابعة عشر: فمسيحيتها الأولى فقدتها لصالح الإسلام47، وتلقت داخل الحرملك -كما هو معتاد- دروسًا في القرآن والفقه وفروض الدين وقواعد القراءة والكتابة57، وداخل الحرملك أيضًا انحسر استخدامها للغتها الأم (الجورجية) لصالح تعلمها المكثف للغة العربية، وعلاوة على كل ذلك انقطعت صلتها بوطنها الأم الذي باعدت بينها وبينه المسافات، ولم تعد تملك أدنى فكرة لمجرد التفكير في العودة إليه.

 لقد كانت زليمة تبحث لنفسها عن خط حياة مختلف، وكانت أفكارها تجعلها تدور حول نفسها، إنها لا تريد الاستمرارية في حياة القصور الفارهة وسط خدم وحياة يملؤها الصخب المادي، وتزينها المجوهرات وما يصاحبها من تلقى انعامات وهدايا السيد المالك لرقبتها أو بالأحرى لجسدها. ولكم قادتها أفكارها هذه إلى أن حياتها مرهونة بالحرية، والحرية هي مطلبها النفيس وضالتها الحائرة. ومن هنا استقرت مع مواريه على اتفاق يقضي بأن يُعلمها لحظة جلاء الجيش حتى تلحق بركبه ومعها ثروتها ومجوهراتها67. تقول له «هناك (في فرنسا) سيكون أهلك أهلي وشريعتك شريعتي، وسأعز ذويك أكثر من معزتي أهلي الذين طردوني، وسأكون زوجتك ومليكتك بدلاً عن حالي هنا كعبدة، هناك لن يكون لي منافسون، وسأملك وحدي قلبك»77.

أبدى مواريه ارتياحًا كبيرًا لهذا الاتفاق، الذي حافظ به على علاقته بزليمة دون أن يضحي بديانته أو أن يُخادعها بإظهار الإسلام. كانت واقعيته واحترامه لها أكبر من أن يدفع بها إلى أوهام سوف تنتقص من هيبته ومبادئه التي يحافظ عليها. يقول مواريه «هنا، أخذت يدها، وقبلتها بحنان دليلاً على الموافقة»87. وظلت لقاءاتهما تتم داخل الوكالة، لكن اللافت للنظر أنه أخذ مسألة تعليمها على محمل الجد، يقول «أخذت ألقنها دروس الحساب والنحو، وكانت تستجيب لها جيدًا فذاكرتها ممتازة وحكمها متين، ولديها استعداد هائل». وبين لقاءات التعليم كان الغرام يجد طريقه في توثيق روابط الحب والوصال، وهو يقر بأنه أمضى» في دمياط أمتع الساعات في الحديث معها وفى مطارحتها الغرام».

بيد أن مخاوفه ظلت منحسرة في الأوامر العسكرية المفاجئة التي قد تدفع به وبكتيبته للتنقل إلى جهات بعيدة، وهو الذي اعتاد رؤية زليمة. لذلك اتفقا معها على أن يتبادلا كتابة الجوابات إذا اضطرته الظروف إلى مغادرة دمياط إلى القاهرة أو إلى أي مكان آخر. وقد أحزنه أن الفراق وقع بأسرع مما كان يتوقعه، فقد جاءته الأوامر(24 يوليو 1799) بالتحرك صوب أبي قير؛ حيث وردت الأخبار بعملية إنزال عثمانية كبيرة، وراح مواريه يبين لزليمة «أن نتائج هذه المعركة قد تكون وخيمة علينا وعلى المستعمرة»97. ولم يستطع كتم تخوفه من خطر الموت المحدق به بين كل معركة وأخرى. وبداهة استبد بها خوف مماثل، وما إن بلغه انتصار بونابرت في المعركة، قبل وصول كتيبته التي تباطأت في تنقلها، حتى غمرته فرحة عارمة، وسارع بإخبار زليمة بأن نتيجة الانتصار الفرنسي في معركة أبي قير ستجعله «قريبًا منها، وتلقت زليمة الخبر بفرحة غامرة08.

نهاية درامية:

بين العبور الصعب نحو الحرية وابتعاد الحلم

حين جاءت لحظة انسحاب الجيش التي كانت ترقبها يوميًّا، انفرجت أسارير زليمة وشعرت أن حلمها في الحرية على بعد أمتار منها. كان كل من حول زليمة فرحًا بتلك اللحظة، المصريون جميعهم تغمره فرحة التحرر«امتلأ قلب أهل مصر فرحًا وسرورًا لم يحصل لهم فرح مثله»18؛ وزليمة فرحة كذلك لكن بشكل معكوس تمامًا –ويا للمفارقة– إنها فرحة بأن حلمها في اصطحاب الفرنساوية بات وشيكًا. كان أملها أن تنجح محاولتها الأخيرة خلال العبور الصعب من دمياط إلى رشيد حيث تقبع سفن الحلفاء التي ستقل الجميع إلى فرنسا. حملت زليمة مجوهراتها واصطحبت خادمتها المارسيلية، وسافرا معًا من دمياط إلى رشيد، تلك المسافة التي قطعتها في عدة أيام، في وقت كانت البلاد تموج بحركة دائبة وغير عادية من عودة الانتشار المملوكي والعثماني فضلاً عن البدو وهجماتهم الخطرة للغاية.

وكان من سوء حظ زليمة أن أوقف ركبها مجموعة من المماليك، وكانت زليمة وخادمتها متخفيتين في ملابس فرنسية، وبعد التحقق منهما، ألقوا القبض على زليمة بعد أن اكتشفوا من لهجتها أنها ليست فرنسية، فيما أطلقوا سراح الوصيفة وفقا لشروط معاهدة الصلح لأنها فرنسية28. تعرضت زليمة للإهانة حتى اضطرت للاعتراف بأنها أرملة الأمير علي بك، فصادروا مجوهراتها وأعادوها للسبي.

ولم ير المماليك الذين أمسكوا بها أنها تنطبق عليها المادتين 12 / 13 من بنود اتفاقية الجلاء التي تتيح لمن تعاون من أهالي البلاد مع الفرنسيين ويريد العودة معهم أن يخلى له السبيل لمرافقة الفرنسيين، دون مصادرة أملاكه أو تضطهد عائلته وذوو قرباه38. وهى الاتفاقية التي حرص الفرنسيون على طباعة منشورات لها بالعربية والفرنسية تتضمن نص الشرطين رقمي 12 / 13 من شروط الصلح، وألصقوها بالأسواق ليطلع عليها الجميع48. لقد نظروا إلى زليمة على أنها «جارية هاربة» ليس لها حرية السفر والتنقل، ولا أن تغير سيدها بإرادتها، ومن ثم تعين إعادتها إلى بيتها المملوكي58، ونوال مكافأة سخية متوقعة لقاء ذلك.

لم تكن زليمة وحدها التي تعرضت لهذه النهايات المحزنة، وإنما تم هذا في سياق مراجعات وحوادث كثيرة وجد مؤلمة: فالجواري ممن بقين بالقصور وارتضين بمعاشرة الفرنسيين كزوجات أو حتى عشيقات، أقدم الضباط والجنود، عند رحيل الحملة، على بيعهن بيع الرقيق بالأسواق مثلما قاموا بتصفية ممتلكاتهم وبيعها نقدًا، معتبرين هؤلاء النسوة مجرد «خليلات» في وضع سبايا أو جواري68. وهو ما يبين أن مقولات القضاء على العبودية ونشر أفكار الثورة الفرنسية على ضفاف وادي النيل بشأن«المساواة والعدالة والإخاء»، كانت مجرد شعارات لم تصمد في طور الممارسة التاريخية أو أنها بالأحرى كانت جزءًا من أيديولوجية عامة رافقت الحركة الكولونيالية واستنفدت أغراضها.

وعلى النقيض من زليمة ونظرائها من الجواري اللاتي لم يحالفهن الحظ في السفر مع رفقائهم الفرنسيين، كان حظ المماليك الذكور أكثر توفيقًا؛ ومرد ذلك إلى أن بونابرت أراد تشكيل فرقة قوية من فرسان المماليك، وقد أدمجهم بعد وصولهم لفرنسا في جيشه، وخاض بهم حروبًا عديدة في أوربا78. علي أن النموذج الأكثر شهرة هو «المملوك رستم» الذي أهداه الشيخ خليل البكري لبونابرت يوم الاحتفال بالمولد النبوي بالقاهرة، وكان مثل زليمة من نفس مسقط رأسها بتفليس Tiflis بجورجيا88. وعند مغادرة بونابرت لمصر اصطحبه معه إلى فرنسا (سنة 1799)، وهناك تغير وضعه الاجتماعي وأتقن الفرنسية، وظل منتسبًا لحاشية نابليون خادمًا شخصيًّا له. وظل يعمل في خدمته طيلة فترة حكم الإمبراطورية، واشتهر بهذه الصفة نفسها «Domestique du Grand NapoléonUn» 98. وبعد نفي نابليون إلى سانت هيلانه، واصل مسيرة حياته في فرنسا مع عائلته صغيرة، كونها من زوجة فرنسية وابنه صغيرة، عاش معهما مستقرًا حتى وفاته في عام 1845، وظل يعرف في الوثائق الشخصية الفرنسية «بالسيد رستم رضا» Le Sieur Roustaum Raza09. إن نموذج المملوك رستم بالغ الدلالة من زاوية أنه يبين مدى واقعية ما كانت تحلم به زليمة في حال مكنتها الظروف من الوصول إلى رشيد والسفر في رفقة محبوبها مواريه، لكن القدر كانت له إرادة أخرى.

ويحكي مواريه أن النهاية المأساوية التي انتهت إليها زليمة، قد عرفها لحظة التقائه بالوصيفة الفرنسية على متن السفينة التي أقلتهم إلى فرنسا. وكتب مواريه بحزن شديد «أسفت على فقدي لزليمة، ولم يكن ثمة ما يشفيني من الجرح الذي ألم بي لفقدها سوى رؤية وطني»19. وتوقع مواريه أن تكون قد ماتت من القهر والحزن لأن حلمها في الخلاص والحرية بات مستحيلاً، إنها ضحية قدرها الذي أعادها إلى دائرة العبودية. ويتعين أن نفهم «نهاية زليمة» وعودتها إلى الحرملك المملوكي، في سياق سعي المجتمع إلى استعادة نظامه الاجتماعي وضبطه وفقًا للقيم السائدة. وثمة حالات أخرى ربما تفوق أزمة زليمة نفسها، وهي حالة مملوك آخر للشيخ البكري الذي غير الشيخ وضعه الاجتماعي حين أعتقه وجعله حرًا ثم زوجه ابنته؛ فإذا باليسرجي (تاجر الرقيق)، في أعقاب رحيل الفرنسيين، يدعي لدى القاضي الشرعي بأن الشيخ البكري أخذ المملوك منه «بالفرنسيس» أي من دون دفع ثمنه، وكان قد أحضره على ذمة الأمير مراد بك. وهنا تدخل أتباع مراد بك، للمطالبة بالمملوك ودفع ثمنه للتاجر، ليفقد الرجل حريته وزوجته في آن؛ حيث «أبطلوا العتق وفسخوا النكاح»29. لقد أدى هذا إلى تغيير مصير المملوك وفقدانه لإرادته الحرة وعاد من جديد إلى العبودية بعد أن نالها فعلًا39. واجهت زليمة إذًا وضعًا تعرض له الكثيرون من مجايليها إبان لحظة المراجعة ومحاولة استعادة ضبط المجتمع على إيقاع نظامه الاجتماعي أو «القانون القديم» بلغة الجبرتي.

هذه الحوادث الفردية وأشباهها جرت وقائعها بصورة مكثفة في الفترة التي أعقبت خروج الفرنسيين، والتي شهدت مراجعات ومحاسبات، اتخذت في بعض الحوادث طابعًا عنيفًا ولا إنسانيًّا وصل إلى حد القتل49؛ وليس ثمة ما هو أشهر مما جرى مع زينب ابنة الشيخ البكري التي تدخل الوزير العثماني بنفسه لمحاسبتها على جرمها الذي وجِهت به أمام أبيها، من أنها تبرجت وسايرت بعض تقاليد الفرنسيات في الزي والسلوك، وعلى الرغم من أنها أعلنت توبتها وعدم رجوعها لهذا السلوك، إلا أنهم رفضوا توبتها، وقرروا «كسر رقبتها»!59 أمام أبيها الذي لم يتوقع نواياهم الغادرة في اتخاذ هذه العقوبة القاسية، وحين سألوه، قبل قتلها، عن رأيه في تبرجها فأعلن لهم تبرئه من سلوكها.

خاتمة

  لعل أهم نتائج هذه الدراسة أنها تقدم مقاربة ممكنة حول ذهنية جارية، والكشف عن شواغلها وبعض من أفكارها حول ذاتها وتطلعاتها ورؤيتها للحياة ولكثير من المعاني الإنسانية، بعيدًا عن الصورة السائدة في الأدبيات الاستشراقية (المتخيلة) التي أنتجت فكرة الحريم الشرقي (الحرملك) في سياق غرائبي، وحصره في فضاء مخصص لإشباع الغرائز الحسية، وأن ليس للجواري من دور ولا أماني يتطلعون إليها سوى السعي إلى إرضاء السيد المملوكي والمثول بين يديه في طاعة وخضوع. هذه الصورة النمطية المبتذلة والمستوحاة من خيالات قصص ألف ليلة وليلة، تقدم دراستنا لزليمة صورة مغايرة بشأنها ومختلفة إلى أقصى حد: فزليمة كانت مشغولة بتطوير وعيها تجاه ذاتها، وأيضًا تجاه مستقبلها، رافضة اختزال كينونتها في «جسد» يحتكره سيد (طاغية). لقد كان يشغلها قيم أكثر رقيًّا من المعاني الحسية حول الغريزة والجسد، وكانت تتحدث طوال الوقت عن شغفها بقيمة الحرية، والحرية كانت بالنسبة لها قضية حياة، كما طرحت -في حواراتها مع مواريه - أفكارًا حول تطلعها إلى فصل جديد في حياتها تملك فيه إرادتها المستقلة وهي تخطو نحو المستقبل.

إن حجم ونوعية المعطيات التاريخية التي كشفت عنها زليمة بما قدمته، كشهادة امرأة من قلب الحرملك، إنما تكتسب أهمية تفوق أهمية العلاقة الرومانسية بينها وبين الضابط مواريه. لكن ذلك لا يقلل من أهمية دراسة العلاقة نفسها التي سمحت باختبار مدى تأثر زليمة ومواريه بوصفهما فردين، بعيدين عن دائرة الضوء، بكل تطورات حادثة الحملة الفرنسية.

وتطرح قصة زليمة فكرة تمرد جارية على واقعها والبحث عن سبل الارتقاء بالذات عبر خلق فرص ووسائل ممكنة لاستعادة الذات وعدم الاستسلام للواقع بل السعي إلى تغييره. وتحيلنا دراسة زليمة إلى ضرورة إعادة النظر في تقييم الصورة النمطية عن مجتمع الجواري، وأنه من غير الصواب التصور بأن فكرة «الجارية المحظية» ذات صورة متجانسة حول مكوناتها الذاتية وتصوراتها للحياة ولمنظومة القيم الاجتماعية بل وحول قناعاتها وأفكارها: فهناك من رأى في الحرملك عالمه الخاص المتكامل، والذي يصعب أن يعيش خارجه، أو أن يفكر حتى في سؤال العودة إلى الوطن الأم، كحال الست نفيسة المرادية التي كانت على رأس سيدات النخبة المملوكية، والتي تمت دراستها مؤخرًا، حيث قدمت سيرتها نموذجا مختلفًا عن زليمة في قوة ارتباطها بالحريم المملوكي وطبقته الاجتماعية، وسعيها إلى توظيف مكانتها ودورها من أجل تدعيم استمرارية المماليك في السلطة وتماسك طبقتهم الاجتماعية في مرحلة مخاض. في الاتجاه الآخر، نجد زليمة تعبر عن شريحة أخرى (محدودة لكنها عبرت عن نفسها)، كانت ترفض منظومة الحياة بالحرملك وتتطلع إلى مجتمع بديل يحقق ذاتها، ومن هنا كان تمردها من أجل تحرير الذات والارتقاء بها. إن هذا التنوع في مشهد الحرملك (من الداخل) يعطى أبعادًا للصورة المعقدة لفكرة المملوك/الجارية، ولكن يجب الاعتراف أننا لا نزال بعيدين عن فهم ماهية المملوك كانسان له قيم وقناعات وأفكار، بعيدًا عن حصره في صورة المملوك (المحارب/ أو الجارية المحظية)، وأحسب أن هذا مجال بكر يحتاج إلى المزيد من الدراسات والاستكشاف.

 ومن الواضح أن التاريخ كان يتحرك داخل الحرملك المملوكي كما في فضاء المجتمع المصري إبان تلك الفترة الانتقالية الطويلة والتي توافرت لها في مطلع القرن التاسع عشر قوى تاريخية دينامية قادت إلى التحديث. وهذا ما يجعل تجربة زليمة معبرة بشكل حقيقي عن إفرازات أزمة النظام المملوكي واقتراب نهايته منذ ما قبل مجيء الحملة، وأن قدوم الغرب كشف سوءة النظام المملوكي وتهالكه، كما عمل هو ذاته على تحطيمه وتآكله. بيد أنه كان من سوء حظ زليمة المتطلعة إلى التغيير، أنها عانت مع غيرها من الحريم المملوكي هذه المرحلة من المخاض الأخير التي سبقت نهاية الطبقة المملوكية بنحو عقد من الزمان، حين وقعت مذبحة المماليك في عام 1811 التي أنهى بها محمد على باشا القرون المملوكية ومعها نظامها الاجتماعي في مصر وإلى الأبد.

ومن المفارقات التي تطرحها دراسة تجربة زليمة، أنها في الوقت الذي آمنت فيه بقيمة الحرية، وسعت بكل السبل الممكنة خلال فترة الحملة الفرنسية لتحقيق مطلبها الأثير بخوضها ما نسميه «مغامرة تحرر»، كان الفرنسيون، دعاة الخطاب التحريري، في مجال الممارسة الواقعية، يبيعون الجواري في الأسواق، ويتعاملون مع الجارية كشيء أو كجسد تم استغلاله ثم بيعه، في نهاية الحملة، كسلعة تباع وتشترى! إن دلالة هذه المفارقة، أن دراسة زليمة تقدم نموذجًا لابتعاد الخطاب الفرنسي حول الحملة عن كل ما كان يبشر به من مبادئ الثورة الفرنسية (الحرية والإخاء والمساواة). فالدراسة أبانت أن الفرنسيين، جنرالات وجنود، كانوا يتسابقون على امتلاك المحظيات من الجواري والإماء، وأنهم لم يبالوا، في طور التجربة الواقعية، بالقيم التي ضمنوها منشوراتهم الدعائية، ومن ثم ظل الخطاب الفرنسي محتفظًا بدجماتيته الكولونيالية.

الهوامش

 1 يمكن الرجوع بشأن هذه المسألة لدراستنا التي نُشِرت تحت عنوان: “إشكالية التحقيب الكولونيالي: الحملة الفرنسية نموذجًا”، مجلة أسطور للدراسات التاريخية، المركز العربي للأبحاث والدراسات، الدوحة، العدد الثالث، يناير 2016، [ص 237 – 239].

2 Joseph- Marie Moiret: Mémoires sur L’expédition d ’Égypte, Pierre Belfond, Paris 1984.

كما تجدر الإشارة إلى أنه ترجم للإنجليزية في عام 2001 تحت عنوان:

Memoirs of Napoleon’s Egyptian Expedition 1798-1801 ,translated and edited by Rosemary Brindle,  Illustrated, 2001.

وبالنظر إلى صدور نشرة عربية إضافية للكتاب، ترجمتها كاميليا صبحي، فسوف نعتمد في الإحالات النصية على نص الترجمة العربية التي جاءت تحت عنوان: مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية على مصر، المجلس الأعلى للثقافة (القاهرة 2000).

 3 مواريه، ص 111.

 4 نجد في يوميات عبد الرحمن الجبرتي إشارات عديدة لهذه الظاهرة، بل نجده هو نفسه يشير إلى أنه سعى إلى الاندماج مع علماء الحملة وتردد على المجمع العلمي مرارًا وتكرارًا، وتعارف على بعض علمائهم الذين توددوا إليه ورحبوا به، وأطلعوه على معارفهم وعلومهم، وربما نشاطه الملفت كان وراء اختياره عضوًا في الديوان. راجع عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، 4 أجزاء، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1998، ج 3، ص 57 (حوادث شهر جمادى الثاني 1213هـ / ديسمبر 1798).

5 Les Dix soirées malheureuses. Tome 1, Contes d’Abd-Errahmann, traduits de l’arabe d‘après UN Manuscrit du Cheykh El-Mohdy, par J.-J. Marcel, Paris1829, p.XVI.

 6 قام جان جوزيف مارسيل بترجمة حكايات الشيخ المهدي إلى اللغة الفرنسية، ونشرها في ثلاثة مجلدات كبيرة (حوالي 1500 صفحة)، وكانت في الأصل تحمل عنوان: «تحفة المستيقظ والآنس في نزهة المستنيم الناعس»، ونشرها مارسيل وطبعت عدة طبعات ما بين عامي 1828 – 1835، راجع:

Marcel, J.J: Contes du cheykh El- Mohdy, 3 tomes,Paris 1835.

وتجدر الإشارة إلى أنني أنجزت دراسة مستقلة حول القيمة التاريخية لهذا المنتج الأدبي وأهميته التاريخية، وقريبًا ندفع بها إلى طريق النشر.

7 Ibid, p.84.

 8 بيتر جران: الجذور الإسلامية للرأسمالية- مصر 1760- 1840، ترجمة محروس سليمان، ومراجعة رؤوف عباس، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة 1992، ص 163 – 165.

 9 نفسه، ص 165.

 10 وجاء في تاريخ الرافعي إلى أن هذه الوثيقة مؤرخة في 25 رمضان سنة 1213 (الموافق 2 مارس 1799) ومسجلة في دفتر خانة محكمة رشيد الشرعية.

11 Vincenne , B 6:

جواب من الست أنونه مدام ديستان إلى جناب حضرة الجلنار ديستان بتاريخ 3 صفر 1216 / 15 يونيو 1801. وتخبرنا المصادر بأن الجنرال رينيه Reynier انتقم من الجنرال ديستان Destaing بسبب انصياعه لأوامر القائد العام مينو الذي أمره بالقبض على رينيه، فكان أن طلب الأخير مبارزة على الحياة والموت، تمكن رينيه من قتل ديستان! راجع:

Piers Mackesy: British victory in Egypt, 1801, London 1995, p. 228.

 12 هنري لورنس: المغامر والمستشرق، ترجمة بشير السباعي، المجلس الأعلى للثقافة، الإصدار رقم 532، القاهرة 2003، ص 27؛ أنور لوقا: هذا هو المعلم يعقوب،1745 – 1801)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2002، ص 97. وقد عاد الفارس لاسكاريس للقاهرة في صحبة زوجته الست مريم، وأخذ يتكسب من تعليم اللغة الفرنسية لأبناء محمد علي باشا (مثل إسماعيل بن محمد)، ومات في مصر في ظروف غامضة. راجع: شفيق غربال: الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر سنة 1801، دار الشروق 2009، ص46 – 47.

 13 للتعرف على هذه السيدة ودورها في هذه الحقبة راجع دراستنا المنشورة تحت عنوان: التاريخ الاجتماعي للجواري في مصر قبيل عصر التحديث: نفيسة خاتون “المرادية” نموذجًا، مجلة أسطور للدراسات التاريخية، العدد 1(يناير 2015)، [ص 92 - 119].

 14 عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج 3، ص 263.

 15نقولا الترك: ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية، دار الفارابي، بيروت 1990، ص 161.

 16 الجبرتي: المصدر نفسه، ص 307. (والنموذج الشهير للمرأة هوى ولو أنها لاقت نهاية مأساوية).

 17 جاء في رسالة جان – باتيست بيريه التي كتبها لأحد أصدقائه في فرنسا «أن البكوات تركوا لنا فتيات أرمينيات وجورجيات جميلات، وقد وضعنا أيدينا عليهن لخير الأمة الفرنسية» راجع نص الرسالة في خوان كول: مصر تحت حكم بونابرت – غزو الشرق الأوسط، ترجمة مصطفى رياض، مراجعة أحمد زكريا الشلق، المركز القومي للترجمة، القاهرة 2013، ص 356.

18  يقول الجبرتي يقول «فلما وقعت الفتنة الأخيرة (يقصد ثورة القاهرة الثانية)، وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها، وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات، وصرن مأسورات عندهن فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية، وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر”. راجع الجبرتي: المصدر السابق، ج 3، ص 263.

 19 ميشيل فوفيل «التاريخ والأمد الطويل»، نشر في التاريخ الجديد، إشراف جاك لوغوف، [ص 141 - 191]، ص 160.

 20 سيناك مونكو: تاريخ الحب في العصور الحديثة لدى الغاليين والمسيحيين والبرابرة ومن العصر الوسيط إلى القرن الثامن عشر، ترجمة محمد الرحموني، أبو ظبي 2010، حاول مونكو تناول تاريخ الحب في أوربا في سياق علاقة جدلية بين الحب وتعدد أنماطه وما عرفته أوربا من تحولات سياسية ودينية واجتماعية وأدبية.

 21 مواريه، ص 94.

 22 حرص مواريه على تسجيل أول جواب وصله منها، راجع مواريه، ص 114 -115.

 23 نفسه، ص 112 -113.

24 Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie, présentation par Henry Laurens, Imprimerie National, Paris 1998, p.117.

وقد أكد الجبرتي في يومياته الأولى هذه المسألة راجع: عبد الرحمن الجبرتي، تاريخ مدة الفرنسيس بمصر، تحقيق ونشر وترجمة موريه، ليدن 1975، ص 32.

  25 مواريه، ص 67، 69

 26 يكتب مواريه بكلمات تقطر مرارة وحزنًا:” إن خلاصنا وسلامتنا يعتمدان على شجاعتنا وصلابة دفاعنا”. وهو يسجل أحد اللحظات الأكثر رعبًا في حياته حين أنقذه وأنقذ كتيبته وهو بدمياط بعض اليونانيين الذين سمعوا الأهالي ينادون عند الفجر من فوق المآذن «أيها الناس استيقظوا فسوف نذبح الفرنسيين» ولولا نبههم اليونانيون لكانوا في عداد القتلى المذبوحين. راجع مواريه، ص 73.

  27 مواريه، ص 61، 187.

 28 نفسه، ص 116.

 29 نفسه.

30 Daniel Crecelius and Gotcha Djaparidze: Relations of the Georgian mamluks of Egypt with their homeland in the decades of the eighteenth century, JESHO, vol.45, t.3, Leiden 2002, p.321, note (2).

 31 مواريه، ص 117.

 32 نفسه.

 33 نفسه.

 34 نفسه.

 35 نفسه، ص 118.

 36 نفسه، ص 117.

 37 نفسه.

 38 مواريه، ص 118 -119.

 39 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 2، ص 198، 199 (27 محرم 1201/ 19 نوفمبر 1786).

40 Vincenne, B 6 42: Fourier à Kléber, le 23 ventôse an VIII (14 mars 1800) – François Rousseau: Kléber et Menou en Égypte depuis le départ de Bonaparte (août 1799 – septembre 1801), documents publiés pour la société d’histoire contemporaine,Paris, 1900, p. 252.

 41 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 298 (25 صفر 1216/ 7 يوليو 1801).

 42 نفسه، ويذكر الجبرتي نموذجًا لذلك «أن عبد العال أغا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله، ولم يصحب معه إلا ما خف حمله وغلا ثمنه». (19 صفر 1216/ 1 يوليو 1801).

 43 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 308 (11 ربيع الثاني 1216/ 21 أغسطس 1801).

44 Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie,p.328.

 45 للمزيد حول الست نفيسة وعلاقتها بزوجها واهتمامها بالشأن السياسي للطبقة المملوكية راجع دراستنا:

A Concubine in Early-Modern Egypt, the Example of Nafisa Khatun AL-Muradiyya”,, HAWWA , JOURNAL OF WOMAN OF THE MIDDLE EAST AND THE ISLAMIC, Brill, Hawwa, Volume 14, Issue 3, Brill December 2016, [pp. 251 – 277].

46 Vincenne , B 6 42 : Fourier à Kléber, le 23 ventôse an VIII ( 14 mars 1800).

 47 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 113، 311- 312.

48 Jean-Pierre Doguereau, Journal de l’Expédition d’Égypte, Paris, Éd. Perrin, 1904,PP. 70- 77; Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie, P. 153.

 49 راجع عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج 3، ص 4 - 5.

 50 مواريه، ص 33.

 51 مواريه، ص 111.

 52 نفسه، 112.

 53 نتيجة الاحتكاك اليومي شبه المتواصل بين السكان وضباط وجنود الجيش، بدت كلمات عديدة يتعلمها الجانبان، وشاع استخدام كلمات عربية على لسان الضباط والجنود فيما استعمل المصريون كلمات فرنسية، حتى إن بونابرت يتذكر وهو في منفاه بسانت هيلانة هذه الظاهرة التي كانت في بدايتها ويؤكد بأن “ الكثيرين مصريين وفرنسيين باتوا يتكلمون بطريقة عملية مفهومة”. راجع Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie, p.317       

 54 مواريه، ص 114.

 55 نفسه، ص 115 -116.

 56 مواريه، ص 116.

 57 نفسه، ص 115.

 58 نفسه، ص 99.

 59نفسه، ص 119.

 60 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 17، 18.

61 Thibaudeau: Histoire de la campagne d’Egypte, 2 tomes, paris 1820 -28, t.1, p. 343.

 62 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 17، 18.

 63 الجبرتي: مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، دار الكتب المصرية،1998، ص 28؛ كذلك: عبد الله الشرقاوي: تحفة الناظرين فيمن ولى مصر من الملوك والسلاطين، تحقيق رحاب عبد الحميد القاري، مكتبة مدبولي، القاهرة 1996، ص 122.

 64 مواريه، ص 14 -14.

 65 جاء في أول منشور وجهه إلى أهالي الإسكندرية (في 2 يوليو 1798):» إنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالي واحترم نبيه محمد والقرآن العظيم..أيها القضاة والمشايخ والأئمة وأعيان البلد قولوا لأمتكم إن الفرنساوية أيضًا مسلمون خالصون»، راجع نص المنشور في نقولا الترك: ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية، دار الفارابي، بيروت 1990،ص 30.

66 Menou à Kléber, 3 frimaire an vii (21 Nov. 1799), dans : Georges Rigault: Le Général Abdallah Menou et la derniére phase de l’expédition d’ Égypte (1799 -1801), Paris 1911, p. 25.

 67 مواريه، ص 119 -120.

68 Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie, p.145 -146.

 69 مواريه، ص 120.

 70 مواريه، ص 120

 71 نفسه.

 72 وتحديدًا صدر هذا القانون في عام 1794، راجع: خوان كول: المرجع السابق، ص 362 -363.

 73 نفسه، ص 117، 119،

 74 نجد المملوك رستم الذي صار بعد ذلك يعرف بمملوك نابليون، حين وجهت إليه سؤال بشأن ديانته رد عليهم بأنه «جورجي مسيحي، والجورجيون مسيحيون»، راجع:

Mémoires indits de Roustam, mameluck de Napoléon 1er; Revue rétrospective, recueil de pieces intéressantes ET de citation curieuses; huitième semester, (janvier – juin 1888), Paris 1888, p.190.

 75 الجبرتي: عجائب الآثار، ج 2، ص 328

 76 مواريه، ص 121.

 77 نفسه.

 78 نفسه.

 79 نفسه.

 80 نفسه.

 81 عبد الله الشرقاوي: المصدر السابق، ص 125 - 126.

 82 مواريه، ص 194.

 83 وقد رغب قلة من المصريين ممن تعاونوا مع الفرنسيين وخشوا على أنفسهم من احتمالات تعرضهم للأذى، وسافروا مع الحملة، ووفقًا للإحصائيات الواردة في مذكرات نابليون، بلغ إجمالي عددهم 870 من المصريين. راجع:

Napoléon Bonaparte: Campagnes d’ Égypte et de Syrie, p.328.

 84 عبد الرحمن الرافعي: تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج 2، طبعة 4، القاهرة 1981، ص 246.

 85 ثمة نموذج لجارية خطفت وباعها خاطفها لتاجر شامي ولما أراد التاجر السفر بها للشام رفضت وتمنعت، فاشتكى لديوان القاهرة، وبالتحقيق قرروا أبطال بيعها، وإعادتها لبيت سيدتها الأولى. راجع إسماعيل الخشاب: التاريخ المسلسل في حوادث الزمان ووقائع الديوان (1800- 1801)، تحقيق محمد عفيفي وأندريه ريمون، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية القاهرة 2013، ص 138. (وقائع آخر جلسة للديوان بتاريخ 24 صفر 1216هـ/ 6 يوليو 1801).

86  Anderson, A: A Journal of the forces, which sailed from the Downs in April 1800, on a secret expedition under the command of Picot…, London 1802, p. 337.

87 Mémoires du Sergent Bourgogne, (1812 -1813), publiés d’après le manuscrit original par Paul Cottin, Paris, 1901, p.347.

88 Mémoires indits de Roustam, mameluck de Napoléon 1er, p.28.

89 Hector Fleischmann: Roustam Mameluck de Napoléon, d’après des memoires et des documents inédites, Paris 1910, p.IX.

90 Ibid, p.246.

 91 مواريه، ص 194.

 92 عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار، ج 3، ص 304 (حوادث 23 يوليه 1801). وفيما يبدو كان المملوك محل تقدير الشيخ البكري، فقد ذكر الجبرتي أن البكري «تجرع فراقه».

 93 وفقًا لمذكرات المملوك رستم كان لدى الشيخ البكري 25 مملوكًا، وكان رستم يقودهم قبل أن يدفع به سيده الشيخ كهدية لبونابرت. راجع

Mémoires indits de Roustam, mameluck de Napoléon 1er, p.43.

 94 مثلما فعلوا مع المرأة التي تدعى «هوى» وجاريتها البيضاء، فقد تزوجت هوى نقولا القبطان الذي غادر مع الفرنسيين، ورفضت هي مغادرة مصر، فهربت بمتاعها مع جاريتها، ولما عاد زوجها إسماعيل كاشف الشامي «أمنها وطمنها وأقامت معه أيامًا فاستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها ومعها جاريتها البيضاء أم ولده» كما يروى الجبرتي حوادث قتل وانتقام مشابهة. راجع الجبرتي: المصدر نفسه، ج 3 ص 306 – 307.

 95 نفسه، ج 3، ص 306 (يومية 24 ربيع 2016/ 4 أغسطس 1801).