هوامش
يحيى فكريلا جريدة ولا مجلة.. سَمُّوها مسلَّة!
2023.12.31
لا جريدة ولا مجلة.. سَمُوها مسلَّة!
الزمن غلَّاب! والواقع يفرض نفسه.. وعلى المخضرمين أمثالي ممن اعتادوا قراءة وتداول وإصدار المطبوعات الورقية أن يتقبلوا العالم الجديد.. فلم يعد هناك مفر الآن أمام مَن يرغبون في إنتاج محتوى موجه لجمهور عريض -أو يسعى إلى التوجه لهذا الجمهور- من التفاعل مع المنصات الرقمية، التي احتلت كل المساحات المهمة، بينما باتت أهمية الصحف والدوريات الورقية تتراجع بمعدل يومي.
وبمجرد الولوج إلى العالم الرقمي وجدنا أنفسنا أمام صندوقٍ للكنز يزخر بسحرٍ لا نهائي، ويتجاوز بنا كل ما نعرفه عن الصحافة الورقية؛ فالإصدار الرقمي سمح لنا بتنويع المحتوى ما بين المقروء والمسموع والمرئي، وبالتالي توفير الفرصة لعرض الموضوعات النوعية والمهمة بطريقة بسيطة وجذابة، وأكثر قدرة على الوصول والتفاعل مع جمهورنا المستهدف.
لم يكن الأمر كله بيدنا، بل اضطررنا له بسبب كثير من المعوقات؛ كنا في سبتمبر عام 2017 قد أصدرنا عن دار المرايا العدد الأول من كتاب "مرايا" غير الدوري، كمطبوعة ثقافية شبه فصلية، وفي أكتوبر عام 2021 رفضت دار الكتب أن تُصدر رقم إيداع للعدد الخامس والعشرين منه، على أساس أنه ليس كتابًا وإنما مجلة يجب أن تحصل على ترخيص من الهيئة الوطنية للإعلام.
حاولنا بعدها أن نقوم بعمل الإجراءات المطلوبة للحصول على ترخيص مجلة شهرية، وقمنا بالفعل بعمل أغلب تلك الإجراءات، لكننا تعثرنا في النهاية وفشلنا في إضافة نشاط الصحافة إلى قائمة أنشطتنا التجارية. هكذا استقر الأمر على أن نقوم بتطوير الموقع الإلكتروني القائم بالفعل لدار المرايا، بحيث يُصبح قابلًا لعرض المحتوى الخاص بمجلة "مرايا" بطريقة متجددة وحيوية وجذابة، وبالطبع تقدمنا إلى الهيئة الوطنية للإعلام لإصدار ترخيص موقع إلكتروني.
وقد استغرق الأمر عدة أشهر لتطوير الموقع وتجهيزه للإطلاق، وتأخرنا قليلًا عن الموعد المستهدف في البداية، لكن ها نحن نبدأ البث التجريبي له اليوم وكلنا أمل أن يحقق الأهداف المرجوة منه، وأن ينجح في تقديم محتوى ثقافي جديد ومختلف يسمح له باحتلال مكانة متميزة وسط المطبوعات والمنصات الثقافية العربية ذات التوجه التقدمي.
نبدأ البث التجريبي مع نهاية عام وبداية عام جديد، تملؤنا الأمنيات بألا نواجهَ عراقيلَ أخرى، وأن يتواصل إصدار "مرايا" الإلكترونية بسلام ودون معوقات. ونستلهم هنا عبارة كتبها شاعر الشعب بيرم التونسي، أحد شيوخ وكبار عُمد أدب العامية المصرية، يصف بها مطبوعته الشهيرة "المسلَّة"، التي أصدرها عام 1919، حيث كتب في صدارتها: "لا جريدة ولا مجلة"، حتى لا يعطل صدورها قانون المطبوعات القائم ساعتها، وكأن لسان حاله (كما لسان حالنا) يقول: "لا داعي لعرقلتنا بالقوانين التي تمنع، ودعونا نكيفها حسب القوانين التي تجيز الإصدار.. وربنا مع الغلابة!".
ويضم إصدار "مرايا" الرقمي، الذي تطالعونه الآن، مادة متنوعة؛ فبالإضافة إلى المحتوى المكتوب من المقالات والتحقيقات والدراسات المختلفة التي تندرج تحت باب "مدونات"، ستجدون بابين آخرين داخل الإصدار؛ هما: "حكايات" و"نضَّارة".
"حكايات" يختص بالمحتوى الصوتي، ويشتمل على مجموعة متجددة ومتنوعة من البودكاست التي تتناول العديد من الموضوعات المهمة والجذابة، و"نضَّارة" يختص بالمحتوى البصري، ويضم أقسامًا تشتمل على فيديوهات وصور فوتوغرافية متنوعة في موضوعات ومجالات مختلفة. وجدير بالذكر هنا أن مشروع "نضَّارة" كان في الأصل فكرة طورتها زميلتنا ورفيقتنا الراحلة دينا جميل، رئيسة تحرير كتاب "مرايا"، التي فقدناها في غفلة من الزمن وما زالت تعيش في قلوبنا وعقولنا، وهي التي اشتقت اسم "نضَّارة".
لقد حاولنا في المرايا، وما زلنا نحاول، أن نصنع عبر وسائطنا المتعددة (الكتب، والأفلام، والمحاضرات، والتدريبات) محتوى ثقافي قادر على التلاقي والتفاعل مع التيارات الديمقراطية والتقدمية في مصر والعالم العربي، والشباب منهم على وجه خاص. واليوم ينضم إلى وسائط المرايا وسيط جديد هو "مرايا" الإلكترونية، الذي نتمنى أن يحظى بقَبولكم واهتمامكم.