ذخائر

ألبرت أينشتاين

لماذا الاشتراكية؟

2018.10.01

ترجمة : سلمى سعيد 

لماذا الاشتراكية؟

هل من المستحسن لشخص ليس خبيرًا في القضايا الاقتصادية والاجتماعية التعبير عن آرائه حول موضوع الاشتراكية؟ أعتقد أن هذا ممكن لعدة أسباب.

أود أولاً: أن ننظر إلى الموضوع من زاوية المعرفة العلمية. قد يبدو أنه لا توجد اختلافات منهجية أساسية بين علمي الفلك والاقتصاد. إذ يحاول العلماء في كل من المجالين اكتشاف قوانين لها قبول عام لمجموعة محددة من الظواهر لجعل الترابط بين هذه الظواهر مفهومًا قدر الإمكان. لكن في الحقيقة فإن الاختلافات المنهجية موجودة بالفعل. كما أن اكتشاف قوانين عامة في مجال الاقتصاد أمر صعب لأن الظواهر الاقتصادية التي تتم ملاحظتها غالبًا ما تتأثر بكثير من العوامل التي يصعب تقييمها بشكل منفصل، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخبرة التي تراكمت منذ بداية ما يسمى بفترة الحضارة في التاريخ الإنساني قد تأثرت وتقيدت إلى حد كبير، كما هو معروف جيدًا، بأسباب لا يمكن وصفها بأنها اقتصادية كلية في طبيعتها. على سبيل المثال، فإن معظم الدول الكبرى في التاريخ تدين في وجودها إلى الغزو. وقد أرسى الغزاة وجودهم، قانونيًّا واقتصاديًّا، بوصفهم الطبقة المتميزة في البلد المحتل؛ فاحتكروا ملكية الأراضي وعينوا رهبانًا من بين صفوفهم. وحيث إن الكهنة مسيطرون على التعليم، فقد جعلوا الانقسام الطبقي في المجتمع نظامًا ثابتًا، وخلقوا منذ ذلك الحين نظامًا من القيم يقوم بتوجيه الناس، بشكل غير واع بدرجة كبيرة، في سلوكهم الاجتماعي.

 ولكن الإرث التاريخي، إذا جاز التعبير، أمر من الماضي. ولم يحدث حقًا أن تجاوزنا في أي مكان ما أطلق عليه ثورستاين فيبلين «مرحلة الافتراس» في التطور البشري. لذا تنتمي الوقائع الاقتصادية القابلة للملاحظة إلى تلك المرحلة، وحتى القوانين المستقاة منها لا تنطبق على المراحل الأخرى. وبما أن الهدف الحقيقي للاشتراكية هو بالضبط التغلب على (والانتقال من) مرحلة الافتراس في التطور البشري، فإن العلوم الاقتصادية في حالتها الراهنة يمكنها فقط أن تلقي ضوءًا خافتًا على المجتمع الاشتراكي المستقبلي.

ثانيًا: تتوجه الاشتراكية صوب هدف اجتماعي وأخلاقي، أما العلم فلا يمكنه وضع أهداف ولا غرسها في البشر. العلم، في الأغلب، يمكنه توفير وسيلة لتحقيق أهداف معينة. ولكن الغايات نفسها يتم تصميمها عن طريق شخصيات لديها مُثل أخلاقية سامية. وإذا كانت هذه الأهداف ليست ميتة، بل حيوية وقوية، فإن من يتبناها ويدفعها إلى الأمام هو أولئك البشر الكثيرون الذين يحددون، بلا وعي تقريبًا، التطور البطيء للمجتمع.

ولهذه الأسباب، يجب أن نحرص على ألا نبالغ في أهمية العلم والأساليب العلمية عندما يتعلق الأمر بمشكلات البشر؛ ويجب ألا نفترض أن الخبراء وحدهم لهم حق التعبير عن آرائهم في المسائل التي تؤثر على تنظيم المجتمع.

على مدى فترة من الزمن، أكد عدد لا يحصى من الناس أن المجتمع البشري يمر بأزمة، وأن استقراره مدَّمر بشكل خطير. ومن خصائص هذه الحالة أن يشعر الأفراد باللا مبالاة، أو حتى بالعداوة تجاه المجموعة التي ينتمون إليها سواء كانت صغيرة أو كبيرة. ولأوضح ما أقصده، اسمحوا لي أن أسجل تجربة شخصية. لقد تناقشت مؤخرًا مع رجل يتصف بالذكاء وحسن التصرف حول خطر حرب جديدة، والتي في رأيي ستعرض الوجود البشري للخطر، وذكرت أن منظمة متجاوزة للحدود القومية فقط يمكنها أن توفر الحماية من هذا الخطر، فقال الزائر بشكل هادئ وبارد جدًا «ولماذا تعارض بشدة فكرة اختفاء الجنس البشري؟» أنا متأكد أنه منذ قرن واحد فقط لم يكن أحد ليقول بخفة عبارة من هذا القبيل. فهي عبارة من رجل يسعى عبثًا لتحقيق التوازن داخل نفسه، ولكنه تقريبًا فقد الأمل في النجاح. إنها تعبير عن الوحدة والعزلة المؤلمة التي يعاني منها الكثيرون هذه الأيام.  لكن ما سبب هذا؟ وهل هناك مخرج؟ 

من السهل أن يثير المرء هذه الأسئلة، ولكن من الصعب الإجابة عنها بأي درجة من الثقة. ولكن يجب أن أحاول، قدر استطاعتي، رغم أنني مدرك تمامًا لحقيقة أن مشاعرنا ومساعينا غالبًا ما تكون متناقضة وغامضة، ولذلك لا يمكن التعبير عنها في صيغ سهلة وبسيطة. فالإنسان كائن اجتماعي وانفرادي في آن، وباعتباره كائنًا انفراديًّا، فإنه يحاول حماية وجوده ووجود أقرب الناس إليه لإرضاء رغباته الشخصية وتطوير قدراته الفطرية. أما باعتباره كائنًا اجتماعيًّا، فنراه يسعى إلى الحصول على اعتراف ومحبة زملائه البشر، وإلى مشاركتهم في المسرات، ومساعدتهم في الأحزان، وتحسين ظروف حياتهم.

إن وجود هذه التباينات، التي كثيرًا ما تتضارب، في شخصية الإنسان، وفقط تركيباتها المختلفة، هي التي تحدد إلى أي مدى يمكن للفرد أن يحقق توازنه الداخلي، ويمكن أن يساهم في تحسين مجتمعه.

ومن الممكن أن تكون قوة الدافعين (الاجتماعي والانفرادي) محددة، في المقام الأول، بعوامل الوراثة. لكن الشخصية التي تتبلور في نهاية المطاف تكون في أغلبها نتاج البيئة التي يعيش فيها الإنسان في أثناء تطوره، ونتاج بنية المجتمع الذي ينمو فيه، بالإضافة لتقاليد هذا المجتمع وتقييمه لأنواع معينة من السلوك.

إن المفهوم المجرد المسمى «المجتمع» يعني بالنسبة للإنسان الفرد: مجموع العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع معاصريه ومع جميع الناس من الأجيال السابقة. يستطيع الفرد التفكير والشعور والكدح والعمل بمفرده. ولكنه يعتمد كثيرًا على المجتمع في وجوده الجسدي والفكري والعاطفي، إلى حد أنه من المستحيل التفكير فيه، أو فهمه، خارج إطار مجتمعه. فـ»المجتمع» هو الذي يمد الإنسان بالطعام والملبس والمسكن وأدوات العمل واللغة وأشكال التفكير وبالجزء الأكبر من مضمون أفكاره. وحياة الإنسان أصبحت ممكنة بفضل عمل وإنجازات ملايين البشر في الماضي والحاضر، وهو الأمر الذي تتضمنه تلك الكلمة الصغيرة: «المجتمع».

من الواضح إذًا أن اعتماد الفرد على المجتمع هو حقيقة من حقائق الطبيعة لا يمكن إلغاؤها – تمامًا كما هو الحال لدى النمل والنحل. ولكن في حين أن حياة النمل والنحل بتفاصيلها الدقيقة مبنية على غرائز ثابتة وموروثة، نجد أن الأنماط والعلاقات الاجتماعية للبشر متباينة كثيرًا وعرضة للتغيير. فالذاكرة، والقدرة على خلق تركيبات جديدة، وهبة الاتصال الشفهي، كل هذه أمور ساعدت على إحداث تطويرات في أوساط البشر لم تكن تمليها الضرورات البيولوجية. وتعبر هذه التطويرات عن نفسها في التقاليد والمؤسسات والمنظمات، في الأدب والإنجازات العلمية والهندسية، بالإضافة إلى الأعمال الفنية. وهذا يفسر كيف يمكن للإنسان، بمعنى ما، أن يؤثر بسلوكه على حياته، وأن التفكير الواعي والرغبات يلعبان دورًا خلال هذه العملية

يولد الإنسان بتكوين بيولوجي مصدره الوراثة؛ وهو ثابت لا يتغير، بما يتضمنه من الدوافع الطبيعية التي تميز الجنس البشري. بالإضافة إلى ذلك، يكتسب الإنسان خلال حياته تكوينًا ثقافيًّا من خلال الاتصال ومن خلال طرق أخرى عديدة للتأثير الاجتماعي. ويكون التكوين الثقافي قابلاً للتغيير مع مرور الزمن، وهو الذي يحدد إلى حد كبير العلاقة بين الفرد ومجتمعه. إذ علمتنا الأنثروبولوجيا الحديثة، من خلال التقصي المقارن لما يطلق عليه الثقافات البدائية، أن السلوك الاجتماعي للإنسان قد يختلف كثيرًا على أساس الأنماط الثقافية السائدة وأنواع المنظمات التي تسود في المجتمع. وعلى تلك الحقيقة ينبغي أن يضع أولئك الذين يسعون إلى تحسين أوضاع الإنسان آمالهم: فالبشر ليسوا محكومين حتمًا، بسبب تكوينهم البيولوجي، بالسعي إلى إبادة بعضهم البعض أو الحياة تحت رحمة مصير قاسي سببوه لأنفسهم.

إذا سألنا أنفسنا كيف يمكن تغيير بنية المجتمع والميول الثقافية للإنسان لجعل الحياة الإنسانية مرضية إلى أقصى حد ممكن، علينا أن ندرك دائمًا أن هناك بعض الظروف التي لا يمكن تعديلها. فكما ذكرت من قبل، فإن الطبيعة البيولوجية للإنسان، لأسباب عملية كثيرة، ليست موضوعا قابلاً للتغيير. علاوة على ذلك، فإن التطورات التكنولوجية والديموجرافية التي حدثت في القرون القليلة الماضية خلقت بعض الظروف التي وجدت لتبقى. ففي الأوساط السكانية الكثيفة والمستقرة، باحتياجاتها من السلع الضرورية لاستمرار وجودها، يكون التقسيم المعقد للعمل ووجود جهاز إنتاجي مركزي تمامًا أمرين ضروريين بشكل مطلق. لقد انتهى إلى الأبد ذلك الوقت الذي كان يمكن فيه للأفراد أو المجموعات الصغيرة نسبيًّا أن تكون مكتفية ذاتيًّا تمامًا، وهو أساسًا تصور يبدو، بالنظر إلى الوراء، رومانتيكيًّا تمامًا. ولا تعد مبالغة كبيرة أن نقول إن البشرية تشكل الآن مجتمعًا كوكبيًّا واحدًا للإنتاج والاستهلاك.

أود الآن أن أشير بإيجاز إلى ما يشكل في وجهة نظري جوهر أزمة عصرنا؛ إنها تتعلق بالعلاقة بين الفرد والمجتمع. فقد أصبح الفرد أكثر إدراكًا من أي وقت مضى لاعتماده على المجتمع. ولكنه لا يرى هذا الاعتماد على أنه خبرة إيجابية أو رابطة عضوية، أو قوة حماية، بل يراه كتهديد لحقوقه الطبيعية أو حتى لوجوده الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن وضع الفرد في المجتمع يأخذ شكلاً يعزز من الدوافع الأنانية في تكوينه، بينما تميل دوافعه الاجتماعية، وهي بطبعها ضعيفة، إلى التدهور تدريجيًّا. يعاني كل البشر، مهما كان وضعهم في المجتمع، من عملية التدهور هذه. فعلى أساس من وقوعهم دون أن يدروا أسرى لذاتيتهم، نجدهم يشعرون بعدم الأمان والوحدة وبالحرمان من متع الحياة الساذجة والبسيطة وغير المعقدة. يمكن للإنسان أن يجد معنى للحياة، وهي قصيرة ومليئة بالمخاطر كما نعلم، فقط إذا كرس نفسه للمجتمع.

الفوضى الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي كما هو قائم اليوم هي في رأيي المصدر الحقيقي للشر. فنرى أمامنا مجتمعًا ضخمًا من المنتجين يسعى أعضاؤه بلا توقف لحرمان بعضهم البعض من ثمار عملهم الجماعي ـ ليس باستخدام القوة، ولكن بالإخلاص في الامتثال للقواعد القانونية للمجتمع! وفي هذا الصدد، من المهم أن ندرك أن وسائل الإنتاج ـ وهي كل الطاقة الإنتاجية اللازمة لإنتاج السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية ـ يمكن قانونًا أن تكون، وهي بالفعل كذلك في أغلبها، ملكًا للأفراد.

وللتبسيط، سأطلق في المناقشة التالية على كل الذين لا يشاركون في ملكية وسائل الإنتاج كلمة «العمال»، مع أن ذلك لا يتطابق تمامًا مع الاستخدام المألوف للكلمة. المالك لوسائل الإنتاج يكون في وضع يمكّنه من شراء قوة عمل العامل، وباستخدام وسائل الإنتاج، ينتج العامل سلعًا جديدة تصبح ملكًا للرأسمالي، والنقطة الأساسية في هذه العملية هي العلاقة بين ما ينتجه العامل وما يتقاضاه من أجر، كلاهما مقاسًا بالقيمة الحقيقية. فبقدر ما يكون عقد العمل «حرًّا»، فإن ما يحصل عليه العامل لا تحدده القيمة الحقيقية لما ينتجه من سلع، ولكن يحدده الحد الأدنى من احتياجاته، وأيضًا متطلبات الرأسماليين من قوة العمل نسبة لعدد العمال المتنافسين على الوظائف. من المهم أن نفهم أنه حتى من الناحية النظرية لا يتحدد مرتب العامل على أساس ما ينتجه.

يميل رأس المال الخاص إلى التركز في يد أقلية، جزئيًّا بسبب المنافسة بين الرأسماليين، وجزئيًّا بسبب أن التطور التكنولوجي وزيادة تقسيم العمل يشجعان على تشكيل وحدات إنتاج أكبر على حساب الوحدات الصغيرة. ونتيجة هذه التطورات تتكون أوليجاركية  رأس المال الخاص ذو القوة الهائلة التي لا يمكن كبحها حتى بواسطة مجتمع سياسي منظم بشكل ديمقراطي.

هذه هي الحقيقة لأن أعضاء الهيئات التشريعية يتم اختيارهم بواسطة الأحزاب السياسية التي يتم تمويلها بشكل أساسي، أو التي يتم التأثير عليها بوسائل أخرى، من قبل أصحاب رؤوس الأموال الخاصة الذين يفصلون، لمختلف الأسباب العملية، بين جمهور الناخبين والمجلس التشريعي. والنتيجة أن ممثلي الشعب في الحقيقة لا يوفرون حماية كافية لمصالح القطاعات المحرومة من السكان. وعلاوة على ذلك، وفي ظل الظروف الراهنة، فإن الرأسمالية الخاصة تسيطر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على المصادر الرئيسية للمعلومات (الصحافة والإذاعة والتعليم). ولذلك فمن الصعب جدًا، بل وفي معظم الحالات مستحيل، أن يصل الفرد إلى استنتاجات موضوعية أو أن يستخدم حقوقه السياسية بذكاء.

ولهذا فإن الحالة السائدة في الاقتصاد القائم على الملكية الخاصة لرأس المال تتميز بمبدأين رئيسيين: أولاً: وسائل الإنتاج (رأس المال) مملوكة للقطاع الخاص والمالك لديه حق التصرف فيها كما يشاء. ثانيًا: عقد العمل حر، وبالطبع لا يوجد شيء اسمه المجتمع الرأسمالي النقي. وبصفة خاصة، ينبغي الإشارة إلى أن العمال، خلال نضالات سياسية طويلة ومريرة، نجحوا في تحقيق شكل أفضل لـ»عقد العمل الحر» لفئات معينة من العمال. لكن ككل، الحالة الاقتصادية اليوم لا تختلف كثيرًا عن الرأسمالية «النقية».

إن هدف الإنتاج الربح وليس المنفعة الاستعمالية. وليس هناك آلية يجد من خلالها من يقدرون على العمل ويرغبون فيه دائمًا فرص عمل؛ فـهناك دائمًا «جيش من العاطلين». والعامل في خوف دائم من فقدان وظيفته. وبما أن العاطلين والعمال الذين يتقاضون أجورًا متدنية لا يمثلون سوقًا مربحة، فإن إنتاج السلع الاستهلاكية يتقلص وينتج عن ذلك مشقة كبيرة. أما التقدم التكنولوجي فهو يتسبب كثيرًا في زيادة البطالة بدلاً عن التخفيف من عبء العمل على الجميع. فدافع الربح، بالإضافة إلى المنافسة بين الرأسماليين، مسؤولان عن عدم استقرار عملية تراكم وتوظيف رأس المال، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد حدة الكساد.

 غير أن المنافسة غير المقيدة تؤدي إلى إهدار هائل في طاقة العمل وإلى إعاقة الوعي الاجتماعي للأفراد الذي أشرت إليه من قبل.

ومن وجهة نظري فإن أسوأ شرور الرأسمالية هو إعاقة وعي الأفراد؛ فنظامنا التعليمي كله يعاني من هذا الشر، والميل التنافسي المبالغ فيه يسيطر على ذهن الطالب الذي يتم تدريبه على عبادة النجاح المعتمد على الاستحواذ كوسيلة لإعداد نفسه لمستقبله الوظيفي. وأنا مقتنع بأن هناك طريقة واحدة للقضاء على هذه الشرور الكبرى، وهي إقامة اقتصاد اشتراكي، يرافقه نظام تعليمي موجه نحو تحقيق أهداف اجتماعية. ففي مثل هذا الاقتصاد تصبح وسائل الإنتاج ملكًا للمجتمع نفسه، وتستخدم بطريقة مخطط لها. وسوف يقوم الاقتصاد المخطط، الذي يربط الإنتاج باحتياجات المجتمع، بتوزيع الجهد والعمل بين جميع القادرين على العمل، وسوف يضمن وسيلة معيشة لكل رجل وامرأة وطفل. كما أن تعليم الفرد، بالإضافة إلى تعزيز قدراته الفطرية، سيعمل على تطوير الإحساس بالمسؤولية لديه تجاه أخوته من بني الإنسان بدلاً عن تمجيد القوة والنجاح كما هو الحال في مجتمعنا المعاصر.

لكن من الضروري أن نتذكر أن الاقتصاد المخطط ما يزال ليس هو الاشتراكية. الاقتصاد المخطط على هذا النحو قد يصاحبه الاستعباد الكامل للفرد. فتحقيق الاشتراكية يتطلب حل بعض المشكلات الاجتماعية والسياسية بالغة الصعوبة وهي: كيف يمكن، في ضوء التمركز بعيد المدى للسلطة السياسية والاقتصادية، أن نمنع البيروقراطية من أن تصبح قوية وغالبة؟ كيف يمكن حماية حقوق الفرد وبموازاة ذلك ضمان توفير كوابح ديمقراطية تعمل كقوة معاكسة لتسلط البيروقراطية؟ والوضوح بشأن أهداف ومشكلات الاشتراكية في عصر التحول هذا أمر شديد الأهمية. وبما إنه في ظل الظروف الحالية تعتبر المناقشة الحرة لهذه المشكلات من المحرمات، فأنا اعتبر أن تأسيس هذه المجلة هو خدمة عامة مهمة.