دراسات

جون بيلامي فوستر

ماركس: القيمة والطبيعة

2019.06.01

ترجمة: مروة الناعم/ مراجعة: أمير زكي

ماركس: القيمة والطبيعة


يفتتح راؤول بيك فيلمه الذي عُرض عام 1917 «كارل ماركس شابًا» بمشهد هادئ لـ«فلاحي البروليتاريا» الفقراء من الرجال والنساء والأطفال، متسخين يرتدون ملابس رثَّة ويجمعون الحطب في إحدى الغابات. يتعرض أولئك الفقراء لهجوم مباغت من قوات لشرطة الخيالة المتسلحة بالهراوات والسيوف، فيُقتل بعضهم ويؤسر الآخر. يقطع المشهد بعد ذلك على كارل ماركس، ذي الأربعة وعشرين عامًا، في أحد مكاتب صحيفة «ريهاينش تسايتنج» بمدينة كولونيا، حيث كان يعمل محررًا، وهو يكتب مقالة بعنوان «مناقشات حول قانون سرقة الأخشاب». هذا وقد كتب خمسة فصول تحت ذلك العنوان بداية من أكتوبر وحتى نوفمبر عام 1842، وكانت هذه المقالات دون غيرها سببًا في تأليب الرقابة البروسية على الصحيفة ومحررها الشاب الموهوب وكُتَّابها.(1) نرى في الفيلم كارل ماركس الشاب ورفاقه يتجادلون بشأن النهج الذي دفعهم إلى تحدي كل من الدولة البروسية ومموليهم من أصحاب المصانع الليبراليين على حد سواء. كان ماركس عنيدًا؛ فلم يكن هناك خيار آخر محتمل. وكما أوضح في كتابه الشهير «مقدمة في نقد علم الاقتصاد السياسي»(2) الذي نُشِر عام 1859، فإن دراسته المنهجية لعلم الاقتصاد السياسي قد جاءت مدفوعة بالأساس من مساعيه لتناول ومعالجة قضية مصادرة حقوق الفقراء العرفية في الغابات.(3)

لاقت قضية تجريم حق الانتفاع من الغابات اهتمامًا بالغًا في ألمانيا آنذاك. ففي عام 1836، كان هنالك ما لا يقل عن 150.000 محاكمة قضائية في بروسيا من إجمالي 207.478 بدعوى «سرقة الأخشاب» ومخالفات ذات صلة. وفي راينلايند، تجاوزت النسبة تلك المعدلات بكثير. أفضت هذه المحاكمات إلى فرض غرامات ضخمة وكذلك إلى الحبس. وفي بادين عام 1842، بلغت نسبة المتهمين في قضايا سرقة الأخشاب واحد من بين كل أربعة مواطنين. كان تطبيق وصف «السرقة في موضع لا ينبغي فيه ذلك» من الأمور المحورية في أطروحة ماركس: إذ لم يقتصرالأمرعلى جمع الحطب فقط، بل أُدرِج جمع أوراق الأشجار اليابسة والتقاط التوت أيضًا (وهو حق عرفي مألوف ومكفول للأطفال) تحت بند السرقة، على الرغم من كونها أشكالاً تقليدية من أكل العيش المقبولة للفقراء منذ زمن بعيد. أصرَّ ماركس على أن «الحق العرفي» للفقراء في التملُّك الحر على الحطب لا ينطبق على ما هو «حي»، أي الأشجار الحية أو الأخشاب المبتورة -التي كان يُنظر إليها باعتبارها ملكية خاصة– ولكن فقط كل ما هو يابس. ومن خلال عملية مصادرة الأراضي من قبل «صغار التجار المتعطشين للمال... والضرائب التيوتونية على الأراضي». حُوِّل حق انتفاع الفقراء من الغابات إلى سلعة يحتكرها الأغنياء. وردًّا على ذلك، أشار ماركس إلى «الطبيعة الأولية» لمنظومة الغابات - ما أوضح المؤرخ بيتر لاينبوف- واستندت حجته إلى «علم البيئة الحيوية للغابة» و«المجتمع المركَّب» الذي تدعمه، بما في ذلك الطريقة التي يعكس بها حق انتفاع الفقراء من الحطب وضعهم العام المتسم بالفقر وعلاقتهم بالطبيعة.(4)

لم يتوقف ماركس عن الانشغال بالتساؤلات المتعلقة باستغلال ومصادرة الأرض/الطبيعة والبشر في أعماله اللاحقة، والتي ظهرت في مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية وفي دراستيه العظيمتين حول «التراكم البدائي المزعوم» في «جرندريسه»(5) و«رأس المال». في فيلم بيك، تتكرر اعتداءات شرطة الغابات على الفقراء على نحو كابوسي فيما يرى ماركس نفسه يركض بحذاء العمال القرويين المعدمين بينما تطاردهم السلطات.

تملُّك الطبيعة ومصادرتها

تتضح الفروق الحاسمة التي وضعها ماركس بين التملُّك والمصادرة والتي يدور حولها نقده الإيكولوجي والاقتصادي للرأسمالية - في رده على بيير جوزيف برودن، كما تم تصويره بشكل درامي في فيلم «كارل ماركس شابًا». يظهر برودن وهو يلقي خطابًا يقول فيه إن «المِلكية سرقة»(6)، فيتساءل ماركس من بين الجماهير «أي نوع من المِلكية؟ المِلكية البرجوازية؟» فيجيب برودن «الملكية عمومًا». يعلق ماركس بأن هذا «تجريد»(7).

بالنسبة لماركس -وكما يشير في مواجهة لاحقة مع برودن في الفيلم- لا يعد تصريح برودن مقبولاً ومتماسكًا من الناحية المنطقية، فإذا تم تعريف المِلكية بشكل عام على أنها سرقة، مما يترتب عليه بطلان جميع دعاوى المِلكية، سنواجه حين ذلك سؤالاً يطرح نفسه: ما السرقة إذن! فكان ضروريًّا، من وجهة نظر ماركس، التمييز بين التملُّك -أو الملكية بمتنوع أشكالها التاريخية المتعددة- والمصادرة، أي وضع اليد أو التملُّك دون مقابل متكافئ (أو دون علاقة تبادلية كما اصطلحها ماركس).(8) تعرف النظرية السياسية الكلاسيكية، بداية من جون لوك ومرورًا بهيجل وحتى ماركس، أساس المجتمع المدني والدولة ووضعهما من خلال التملُّك -هو المصطلح الفعال الجاري استخدامه للتعبير عن المِلكية أو الحق في التملك عن طريق العمل.(9)

وكما أوضح ماركس في كتابيه «بؤس الفلسفة» و«جرندريسه»: يعتمد المجتمع البشري بأكمله على التملُّك الحر على الطبيعة، والتي تشكِّل الأساس المادي للعمل والإنتاج. وبعبارة أخرى، يعتمد المجتمع بأكمله على الملكية. لا يتسنى أي وجود بشري دون تملُّك الطبيعة، ودون إنتاج أو وجود شكل من أشكال الملكية. «كل الإنتاج ملك للطبيعة من جانب فرد داخلها ومن خلال نمط مجتمع معين. وبهذا المعنى، فإن تعريف الملكية (أو التملُّك) باعتباره شرطًا مسبقا للإنتاج يعد ضربًا من الإسهاب وتحصيلاً لحاصل». فبالنسبة لماركس، كان التصريح بأن «الملكية سرقة» كما فعل برودن، بمثابة الإعراض عن القضية الأساسية وهي تطور الأشكال المتنوعة للتملُّك في تاريخ البشرية بدءًا من المشاعية وحتى أكثر أشكال التسليع الخاصة تطرفًا.(10) ساعدت هذه المقاربة ماركس على تطوير نقد اقتصادي وإيكولوجي قوي وفعال للمجتمع الرأسمالي.(11) لم يتح مفهوم برودن أي مَنْفَذ للبشرية؛ فبما أن التملُّك كان، بشكل ما، أساسًا للمجتمع بل وللحياة ذاتها، فإن التصريح بأن المِلكية في عمومها سرقة، دون الاكتراث لبعض أشكالها الخاصة المحددة، بات طريقًا مسدودًا لجميع الحركات الثورية.(12)

وهنا يمكن أن نجد وجوهًا للتشابه مع مفهوم هيجل للاغتراب باعتباره تشيُّؤًا والذي-وفقًا لفلسفته- يمكن تجاوزه من خلال توحيد الذات والموضوع، لكن في الفكر فقط، أي في نطاق المعرفة الكلية في الفلسفة الهيجلية. بالنسبة لماركس، الذي يرفض الفلسفة المثالية، يعد التشيُّؤ أمرًا متأصلاً في الوجود الإنساني، إذ طالما كانت المخلوقات البشرية كائنات موضوعية، حسية ومادية تستمد قوتها وبقاءها من البيئة الخارجية. لذا لم يكن التشيؤ هو الأمر الجوهري في الإنتاج الرأسمالي للسلع بحسب ماركس، بل «الوسيط المغترب» هو الأمر المستحق للتجاوز، وكان لابد من تحقيقه في الواقع المادي وليس فقط على مستوى الفكر.(13) وبالمثل، لم تستطع الكائنات البشرية كونها كائنات موضوعية ومادية التحرر من التملك النابع من الطبيعة، أي مِن الملكية بكل ومتنوع أشكالها، والتي كانت شرطًا موضوعيًّا لوجودها. غير أن ما كان ممكنًا، على الرغم من ذلك، هو التحرر الثوري للإنسانية من الأشكال الأكثر اغترابًا واستغلالاً للتفاعل الحيوي البشري والاجتماعي مع الطبيعة.

وقد ظهرت القضايا نفسها اليوم في صورة سجالات حول معني وطريقة ما يُعرف على نطاق واسع بالاشتراكية البيئية. فـ«التملك» في العموم وفقًا لراجي بيتال وجايسون مور في كتابهما «تاريخ العالم عبر سبعة أشياء رخيصة»، يُعرف -كما يعرفه برودن- بأنه «نوع من السرقة المستمرة».(14) ينصب التركيز هنا وفي أطروحة مور المبكرة «الرأسمالية في شبكة الحياة» على «تَمَلُّك العمل» بجميع أشكاله -المقصود به «العمل» بالمعنى الفيزيائي (أي قياس نقل الطاقة الذي يحدث عندما تقع قوة خارجية على جسم ما لتحركه).ومن هذا المنطلق المستقى من الطبيعة، يمكننا استخدام كلمة «العمل» عند الحديث عن النهر أو بئر البترول، بالاصطلاح نفسه الذي نستخدمه في حديثنا عن العمل البشري. وعليه فإن التملُّك أو الملكية كما يفهمها باتيل ومور باعتبارها سرقة للـ«عمل» هو أمر عالمي لا مفر منه مرتبط بالحركة المادية/الفيزيائية نفسها.(15) يقول مور إن مثل هذا التملك على الطبيعة الخارجية يفوق استغلال قوة العمل في مجال الإنتاج.(16)

بالطبع لا أحد يشك في أن تَمَلُّك الطبيعة يكمن وراء كل الإنتاج البشري. فالكائنات البشرية كائنات موضوعية ومادية؛ وكما يعرف أي طفل، نحن، مثل جميع الكائنات الحية الأخرى، لا نستطيع أن نحيا دون الاعتماد أو التملك الحر على الطبيعة. في الحقيقة، وكما يؤكد ماركس، فإن كل الإنتاج البشري المادي ليس سوى تغيير في شكل ما خلقته الطبيعة نفسها.(17) لكن أن تقول -كما يجادل باتيل ومور- إن التملك البشري على الطبيعة في العموم (أي على «عملها» أو طاقتها) هو «نوع من السرقة المستمرة»، وأن هذا هو لب الأزمة البيئية، يعزو المشكلة برمتها على نحو ضمني إلى وجود البشر في حد ذاته، وهذا موقف كاره للبشر.

وحتمًا تُشتِّت مثل هذه الرؤى، الشائعة في معظم أوساط الفكر البيئي السائد، الانتباه عن الوساطة المغتربة للعلاقة الأيضية(18)، البشرية-الاجتماعية، مع الطبيعة وكذلك عن بعض أشكال الاستغلال والمصادرة الرأسمالية المحددة للطبيعة وتأثيراتها على النظم البيئية. فوفقًا للمنظور الماركسي الكلاسيكي، وتحديدًا لأن التاريخ البشري قد ابتكر طريقة للإنتاج (وهي الرأسمالية) تحول دون العلاقات الأيضية (التفاعلية الحيوية) بين البشر والطبيعة، مما خلق شقاقًا أيضيًّا وتصدعًا في ظروف إعادة الإنتاج البيئي، يمكننا أن نأمل في استعادة هذه العلاقة التفاعلية الحيوية الأساسية -وذلك عن طريق المحو الثوري للقشرة الرأسمالية، وابتكار واقع مادي تطوري مشترك. وهذا هو جوهر رسالة ماركس البيئية.

ووفقًا للمنظور المادي التاريخي الكلاسيكي، لا ينبغي إدانة التملُّك الحر على الطبيعة (أي استخدام عطايا الطبيعة المجانية) بالسرقة. والواقع أن «العمل الحقيقي» بالنسبة لماركس هو (ولا شيء سوى) التملُّك على الطبيعة لتلبية الاحتياجات الإنسانية، ذلك النشاط التي تتوسطه عملية الأيض (التفاعل الحيوي) بين الإنسان والطبيعة.(19) ولا ينبغي كذلك أن يتمحور قلقنا الرئيسي حول مجرد «رخص» الطبيعة كما هو الحال في المجتمعات البرجوازية.(20) بل إن مصادرة الطبيعة، بمعنى الاستيلاء على الأراضي أو الموارد أو تملُّكها دون علاقة تبادلية (تحسين «ظروف إعادة الإنتاج»)، التي تنتهجها الرأسمالية، هي التي تعد سرقة في هذا المضمار.(21) ويري ماركس أن هذا يعكس «قانون المصادرة وليس التملُّك»، الذي يعزز الرأسمالية.(22) فهو يرتبط في سماته البيئية بانتهاك الرأسمالية الممنهج، ما أطلق عليه الكيميائي الألماني جاستاس فون ليبيج في القرن التاسع عشر «قانون تجديد» المواد الطبيعية أو «قانون تعويض» المواد الطبيعية اللازم لإعادة الإنتاج البيئي.(23)

تعتمد العلاقة الرأسمالية المدمرة للمجال البيئي على تلك السرقة التي أشار اليها ماركس بـ «قوي الطبيعة الأولية»- ولا تعني السرقة هنا استخدام عناصر «غير مدفوعة» الأجر كما يقول مور، بل تكمن في انتهاك قانون التعويض أو التجديد.(24) فعلى نحو إيريسيختون في الأساطير الإغريقية، يتطلب رأس المال المزيد من دورات المصادرة لمجرد الاستمرار وإن تطلب الأمر أن يبتلع كل ما في الوجود - بما في ذلك نفسه في النهاية.(25) ومن هنا، تكمن جدليتا المصادرة والتملك، اللتان تفضيان في نهاية المطاف إلى الفناء، في جوهر النقد الكلاسيكي المادي-التاريخي لرأس المال. فالنسبة لماركس، لم تكمن المسألة في تملُّك فلاحي البروليتاريا لحطب الغابة اليابس، بل في المصادرة الاغترابية ونزع الملكية التي يمارسها رأس المال تجاه جميع الأخشاب (بل والأراضي) لإشباع غريزته النهمة نحو التراكم الذي يشكل الواقع الأساسي الجوهري لنهب العالم المادي: فهي«مأساة التسليع» وليست مأساة العامة.(26)

فإذا كان استغلال قوة العمل هو القوة الحقيقية وراء التثمين والتراكم الرأسمالي، فهذا يعني أنه لا يستطيع مواصلة هذا النهج المتناقض والمتزايد باستمرار دون جولات جديدة من التدمير الخلَّاق لحدود النظام -كمصادرة البيئة الطبيعية والعمل الاجتماعي الإنتاجي والتواصل الإنساني والمعرفة وما هو أكثر من ذلك.(27) أشار ماركس في كتابه رأس المال وفي كتاباته الأخيرة إلى المحاولات التي تجري في ظل الرأسمالية لتسريع زمن دورة رأس مال إنتاج الأخشاب، وذلك عن طريق الاعتماد على زراعة الأشجار سريعة النمو و كذلك إنتاج اللحوم من خلال تربية المواشي، مجادلاً بأن تلك المحاولات حتمًا تضغط على قوانين الطبيعة (وأنها تعزز، في حالة تربية الماشية، المعاملة الوحشية للحيوانات).(28)

بالنسبة لماركس، كان التصدع في العلاقة الأيضية أي الوساطة الاغترابية بين البشر والطبيعة -نتاج «سرقة» أو مصادرة التربة، ومن ثم الطبيعة، الأمر الذي من شأنه إعاقة «إدارة الشروط الطبيعية الأزلية لخصوبة التربة الدائمة». وهذا تطلب بدوره «تجديد ممنهج» لعملية الأيض في مجتمع مستقبلي من منتجين قادرين على إدارة «التفاعل الحيوي الإنساني مع الطبيعة بطريقة عقلانية...وتحقيق ذلك مع أقل استهلاك ممكن للطاقة» وتطوير القوي البشرية الفردية والجماعية على أكمل وجه.(29)

القيمة والطبيعة

ومع ظهور الاشتراكية البيئية، التي أوجدها التصدع الكوكبي، تعمقت وتضاعفت الانتقادات البيئية للنظام الرأسمالي. ولكن كما هو الحال في أي من مراحل التقدم النظري المتعجل والمندفع، فقد أسفر ذلك عن اختلاف صارخ في وجهات النظر والمواقف مما أفضى إلى سجالات جديدة حول مفهوم ومدى وهدف النقد الماركسي للقيمة. وقد سعى أنصار حماية البيئة وعلماء البيئة السياسيون اليساريون مثل ستيفين بانكر وألف هورنبرج وزهرا تاسديرمير وجيورجوس كاليس إلى دحض أو تفكيك نظرية قيمة العمل كليًّا، مجادلين بأن الطبيعة بشكل عام وكذلك الطاقة والكائنات الفردية يخلقون القيمة في المطلق، الأمر الذي لا يقتصر على العمل البشري -أو بأن القيمة الاقتصادية وفقًا لهورنبرج- هي ببساطة أمر معياري.(30) كثيرًا ما تأتي مثل هذه التحليلات من منظرين يعملون خارج مجال الاقتصاد السياسي النقدي ممن يميلون إلى خلط مفاهيم كقيمة الطاقة والقيمة الاستعمالية والقيمة الذاتية والقيمة المعيارية بالنظام الاقتصادي لقيمة السلع بناءً على العمل المجرد في ظل الرأسمالية.

وفقًا لنقد ماركس لعملية التسعير الرأسمالي المحددة تاريخيًّا، فإن القيمة هي بلورة للعمل المجرد الضروري اجتماعيًا -«العمل باعتباره استهلاكًا لقوة العمل».(31) يقتضي هذا النقد بالضرورة الإقرار بأن القيمة الاستعمالية للمواد الطبيعية، على الرغم من طبيعتها الجوهرية لكل السلع وعلى الرغم من كونها أساس كل الثروات الحقيقية، تستبعد من حسابات الرأسمالية لتوليد القيمة، إذ لا تدمج قوة العمل في عمليتها الإنتاجية. وكما يشير ماركس نفسه في كتابه «جرندريسه»: «لا تمتلك المادة الطبيعية الخالصة أي قيمة في ظل الرأسمالية ما لم تتموضع فيها قوة العمل البشري».(32) تضع هذه السمة التناقضية للإنتاج الرأسمالي للسلع -التي تتجلى في التناقض بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية- الشكل المحدود للحساب الرأسمالي للقيمة على طرفي النقيض مع الثروة الحقيقية التي تنبع من القيمة الاستعمالية للمواد الطبيعية والعمل البشري الملموس.(33)

ولأن القيمة الاستعمالية لا تؤدي دورًا مباشرًا في المنطق الداخلي للتثمين في ظل النظام الرأسمالي، فإن هذا يؤدي إلى فكرة «عطايا الطبيعة المجانية لرأس المال» في كل من الاقتصاد الكلاسيكي والنيو كلاسيكي.(34) يعتمد التراكم والاستغلال الرأسمالي، كما يوضح ماركس، بشكل أساسي على اغتصاب رأس المال لعطايا الطبيعة والاحتفاظ بها لنفسه، ومن ثَم احتكار وسائل الإنتاج والثروة في مجملها.(35) ويلاقي اغتراب الطبيعة هذا نظيرًا مقابلاً في اغتراب قوة العمل، أي في ظهور طبقة لا أساس لوجودها دون بيع قوة عملها.

وباتباع هذه الطريقة في الفهم، فإن شكل قيمة السلعة المبنية تاريخيًّا في ظل الرأسمالية ليست تلك التي تشارك فيها الطاقة أو النَحل بشكل مباشر، وإنما هي بالأحرى نتاج علاقات الطبقة الاجتماعية الإنسانية.(36) فالنظر إلى الطبيعة أو الطاقة -وليس فقط العمل المجرد الضروري اجتماعيًّا- باعتبارها مولِّدًا للقيمة السلعية لن يؤدي إلا لتطبيع وتعميم عملية القيمة الرأسمالية عالميًّا، وانتزاع سماتها الاجتماعية والتاريخية المحددة وعلاقتهما باستغلال وتغريب العمل. وحتى الاقتصاد النيو كلاسيكي -إلى جانب الاقتصاد البيئي لنيكولاس جورجيسكو روجن- يعزوان القيمة المضافة في الاقتصاد إلى العمل أو الخدمات البشرية وليس لأي من الطبيعة أو الطاقة.(37) وبهذه الطريقة تقصي الرأسمالية الطبيعة (بما في ذلك الطبيعة المادية للكائنات البشرية) عن شكل القيمة خاصتها -وهو تناقض جوهري وكارثي من نواح عديدة للنظام.

وعلى نقيض الهجمات المباشرة على نظرية ماركس للقيمة الموضحة أعلاه، يبدو طرح مور الأكثر دقة في البداية ومتماشيًا مع نظرية القيمة الماركسية بعزوه القيمة إلى العمل. ولكن بإمعان النظر والفحص المتعمق، نجد تحليله يسلب مقاربة ماركس الخاصة على نحو فعال من كل أهمية ويقوض أي نقد بيئي (أو اقتصادي) متماسك للرأسمالية. فكما يقول مور إن «مقاربة ماركس نابعة من اضطراب محدد للقيمة باعتبارها مصطلحًا اقتصاديًّا».(38) وعلى خلاف نقد ماركس للتثمين الرأسمالي -الذي يقر بأن القيمة بمجملها في ظل الرأسمالية هي بلورة للعمل الضروري اجتماعيًّا، والذي يميز على نحو حاسم وسريع بين القيمة والثروة- يسعى باتيل ومور من خلال كتابهما «تاريخ العالم عبر سبعة أشياء رخيصة» إلى طمس هذه الفروق تمامًا. وعليه يصرحون بأن «القيمة هي بلورة محددة وخاصة لمصدر الثروة الأصلي وهو العمل البشري والفوق بشري».(39) هنا يقتبس من ماركس لمناقضته، وذلك بطرح تعريفه الأشهر للثروة باعتبارها أساسًا لتعريف القيمة مما يمحو الفارق شديد الأهمية الذي يفصل بينه وبين الاقتصاد البرجوازي. والواقع أن جوهر النقد الماركسي يعتمد على الفارق بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية وبين الثروة والقيمة.

وبالمثل، يسعى مور في كتابه «الرأسمالية في شبكة الحياة» إلى تحويل تعريف ماركس لـ «قانون القيمة» -الذي يركز على المقايضة كقاعدة للتبادل الرأسمالي للسلع- إلى نقيضه فيما يتعلق بـ«الإيكولوجيا العالمية» ككل.(40) فالبنسبة لمور، يتمحور «قانون القيمة» حول غياب المقايضة (بمفهومها التبادلي) بين رأس المال والطبيعة زهيدة الثمن -الغياب الذي يصبح عندئذ، وفقًا لتحليله لـ «القيمة التوسعية»، القاعدة النهائية للتثمين الرأسمالي- في تناقض كلي مع تحليل ماركس نفسه.(41) وهو بذلك يزعم بأن القيمة في شكلها الشامل التوسعي (بما في ذلك قيمة عدم العمل) تنشأ بشكل رئيسي من عملية تملُّك العمل أو الطاقة عمومًا، إذ تعد مصادرة واستغلال العمل مجرد ظاهرة ثانوية لها.

ومن ثم، فإن سر التراكم بالنسبة لمور هو «منطق الرأسمالية الموحد في تملُّك العمل البشري وفوق البشري الذي يتحول بدوره إلى قيمة». ومن وجهة النظر هذه، يصل علم البيئة والاقتصاد العالمي الرأسمالي وكذلك التفاعل الإنساني كله مع الطبيعة إلى تملُّك «أرخص أربعة أشياء»؛ القوة العاملة والطعام والطاقة والمواد الخام.(42) وهكذا تُقدَّم قوة العمل باعتبارها لا تفوق فيي أهميتها، وفقًا لقانون القيمة، الطعام أو الطاقة او الموارد الطبيعية. (وفي عمله الأخير مع باتيل، قام مور بتوسيع نطاق الأربعة أشياء الرخيصة إلى سبعة، مضيفًا الطبيعة والعمل والمال والأرواح وأعمال الرعاية، ومستبعدًا قوة العمل والمواد الخام). ومع ذلك، تَحُول هذه الصيغة المعقدة على نحو فعال دون أي نقد متماسك للإنتاج الرأسمالي للقيمة، ناهيك عن أي فهم مجدٍ للأزمات الإيكولوجية التي ولدها النظام الرأسمالي.(43)

تتجذر مقاربة مور المتعلقة بالأربعة عناصر الرخيصة في مفهومه المطاط لما يشكِّل القيمة في ظل الرأسمالية والحضارة عمومًا، والتي لا يسعى فيها إلى طرح ما هو أبعد من «قانون قيمة جديد» مشتملاً كل من استغلال العمل وتملُّك الطبيعة المادية أو الطاقة.(44)  فـ«قوانين القيمة»، كما يكتب، هي الظواهر التي «تشكل الحضارة وتعمل على تماسكها». وهي إلى حد كبير نتاج تملُّك «العمل» المادي، أي طاقة الكون. إن مثل «علاقات القيمة التوسعية» هذه، كما يطلق عليها «تُفضي إلى حياه مزدوجة» تمتد إلى ما بعد عملية العمل والإنتاج اللائق للقيمة وإلى ما بعد ظاهرة العمل البشري غير المدفوع حتى تشمل جميع أشكال «العمل فوق البشري» المتضمن في إيكولوجيا العالم الرأسمالي. هذه النطاقات الأوسع «للعمل/الطاقة غير مدفوعة الأجر» والمرتبطة بـ«بحيز التملُّك» تفوق بكثير استغلال العمل في تحديد أبعاد القيمة الإجمالية التوسعية لحضارة معينة مفترضة.(45)

ومن هنا يؤكد مور أن «قانون القيمة»، و«بعيدًا عن اختزاله إلى العمل الاجتماعي المجرد، يجد الظروف الضرورية اللازمة لتوسعه الذاتي من خلال خلقة ثم تملٌّكه للطبيعة الرخيصة» بمعني تملُّكه لشبكة الحياة بشكل عام.(46) ومرة أخرى نصبح في مواجهة مع مستوى من الغموض يعادل مقولة برودن «الملكية سرقة». يقال إن «قانون القيمة» يعتمد بشكل أساسي على «تملُّك عمل الطبيعة غير مدفوع الثمن» (فضلاً عن عمل النساء غير مدفوع الأجر في المنازل وأشكال العمل الإنساني غير المدفوع الأخرى). ويعد كل من «عمل/ طاقة تشكيل الوقود الأحفوري المتراكمة» واستغلال قوة العمل في مصنع ما «مراحل مدرجة في قانون القيمة». فـ « يُعمَل» الغلاف الجوي على امتصاص الغازات الدفيئة - «غير مدفوعة الثمن» هي الأخرى- ومن ثم المشاركة في عملية التثمين الرأسمالي.(47)

وهنا يواجه قانون القيمة التوسعية لمور -الذي يعتمد على «عالم عمل غير مدفوع الأجر»- والذي يصبح فيه قانون القيمة في ظل الرأسمالية هو قانون الطبيعة الرخيصة -أزمة معلقة لا حل لها، لأن مثل هذا المفهوم غير محدود من الناحية العملية ولأنه لا يشمل فقط بيئة الكوكب بل الكون كله. وكما أجبر على الإقرار، فإن «عالم كامل من العمل غير مدفوع الأجر» بهذا المعنى ببساطة «لا يمكن قياسه كميًّا».(48) وعلى الرغم من إعلانه أن « القيمة لا تنجح ما لم يقدَّر معظم العمل»، يعتمد الأمر على إطناب ساذج، بالنظر إلى ما يشمله «العمل» من كل ما هو خاضع لقوانين الحركة الفيزيائية، وبقدر ما يتعلق الأمر في الحالة الأخيرة بالاقتصاد -بداية من زراعة الكفاف إلى خلايا النحل والشلالات والنظائر المشعة وصولاً إلى التفاعلات النووية.(49) وكما يقول، فإن «الفحم والنفط نموذجان مثيران لعملية تملُّك العمل غير المدفوع».(50)

إنه هذا التملُّك «غير مدفوع الأجر» لعمل/طاقة الأرض - اعتباره وضعًا أبديًّا للوجود الإنساني، الذي يصفه باتيل ومور بـ«السرقة المستمرة»، هو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تتحول «العناصر الرخيصة» إلى أن تكون أكثر تكلفة من أي وقت مضى.(51) وحتى الآن وعلى الرغم من احتمالية أن ينتهي رأس المال بحيازة قوى الطبيعة التي لا يُدفع ثمنها، كما لا يُدفع مقابل قدرة العامل على التفكير، فإن الارتباك فقط هو ما قد ينجم عن محاولات التعامل مع مثل ذلك التملُّك لقدرة الطبيعة على العمل بالمعني الفيزيائي، باعتبارها قابلة للقياس وتتناسب إلى حد ما مع الإنتاج الاقتصادي للقيمة داخل العلاقات الاجتماعية الرأسمالية.(52) كما أنه من غير المجدي وصف شلال ما، حتى وان كان يُستخدم لتوليد الكهرباء، بـ«غير مدفوع الأجر».

يعد كل الوجود المادي في «قانون القيمة الجديد» لمور، سواء كان عملاً اجتماعيًّا مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، وسواء كان طاقة كونية غير مدفوعة الثمن، شديد الأهمية لدرجة أن يسخَّر في عملية التثمين الرأسمالية. يدخل العمل أو الطاقة المحمولة من الشمس والنظام الأرضي عبر ملايين السنين والتي أدت إلى تكوين رواسب الفحم والنفط -بالإضافة إلى الدور الفزيائي الذي يقوم به الفحم والنفط في الإنتاج الحالي كمصادر للطاقة منخفضة الإنتروبي– في تصميم قانون مور للقيمة السلعية التوسعية الذي يزعم بأنه يمكن أن يفسر «تحول عمل الطبيعة إلى قيمة [اقتصادية] للبرجوازية». فتندمج الفيزياء والبيئة والاقتصاد ككتلة واحدة تمحو الفروق الجوهرية المحورية لنقد ماركس البيئي (والاقتصادي). فمما لا شك فيه أن «العلاقة الرأسمالية» بالنسبة لمور «تحوِّل عمل أو طاقة كل أشكال الطبيعة إلي...قيمة».(53)

إن وجهات النظر التي نوقشت أعلاه إما تنفي نظرية العمل للقيمة في ظل الرأسمالية برمتها (كما هو الحال عند بانكر وهورنبرج وياسين وكاليس) أو تمطها على نحو عبثي بحثًا عن «منطق واحد يجمع الثروة والسلطة والطبيعة» تحت مظلة الرأسمالية (كما عند مور). وفي المقابل، يدور الجدل هنا حول كون العلاقة الأيضية (علاقة التفاعل الحيوي) بين الكائنات البشرية والطبيعة علاقة اغترابية ومتناقضة تزرع الشقاق بين قوانين الحركة المعادية (وقوانين القيمة) للرأسمالية والنظام البيئي.(54) ولا تنشأ الأزمات البيئية ببساطة أو بشكل رئيسي لأن الاقتصاد (أو علم البيئة) العالمي يتملَّك عمل الطبيعة الخارجية دون مقابل، ولا لأن الطبيعة الرخيصة أصبحت باهظة التكاليف مما يقوض أساس الرأسمالية. وإذا ما فهم الأمر على الوجه الصحيح، فإن الأزمات البيئية أو أزمات التنمية البشرية المستدامة لا يمكن قياسها على نحو كمي بالدولار والسنت، أو من زاوية الطبيعة الرخيصة ناهيك بـ«الطبيعة غير مدفوعة الثمن».

بل إن ما يكمن في قلب الصدع الأيضي اليوم، كما جادل ماركس، هو منطق النظام الرأسمالي الاغترابي للتراكم، الذي يتم التعامل فيه مع جميع الحدود الطبيعية باعتبارها مجرد عوائق يتعين التغلب عليها، مما يثير انشقاقات بشرية المنشأ في الدورات الجيوكيميائية الحيوية التي تشكل النظام الأرضي برمته.(55) وبالتالي فإن الأزمات البيئية الحقيقية ليست أزمات القيمة الاقتصادية، بل أزمات اضطراب وتدمير لظروف إعادة الإنتاج البيئي والتنمية البشرية على حساب الأجيال البشرية المستقبلية والأنواع الحية عمومًا.(56) ومن هذا المنظور، يكمن التناقض البيئي الأولي في مصادرة الطبيعة باعتبارها منحة مجانية لرأس المال، مما يؤدي إلى «تبديد قوى الأرض». وهذا ما عناه ماركس بقوله إن التربة قد «نُهبَت» وسُلِبَت شروط إعادة إنتاجها، مما ولد صدعًا في العلاقات الأيضية للبشرية والأرض.(57)

لا ينبغي لنا أن نشعر بالقلق بشكل رئيسي إزاء تملُّك طاقة/عمل الطبيعة باعتباره شرطًا متأصلاً في المجتمع الإنساني والإنتاج، بل وفي الحياة نفسها، إذ أنها ليست القضية الرئيسية -على الرغم من محورية زيادة الإنتاجية البيئية- بقدر القلق حيال الانشقاقات الإيكولوجية المتزايدة على نحو غير مسبوق في النظام الأرضي بفعل المنطق العدائي لرأس المال. وبعبارة أخرى، لا تمثل الحقيقة المجردة للتملُّك المجاني على العمل أو الطاقة الفيزيائية الذي يمارسه البشر (وهو شرط موضوعي للوجود) المصدر الرئيسي لتناقضاتنا الإيكولوجية، بل المصادرة والسلب الجشع للطبيعة الذي يمارسه رأس المال والشقاق الأيضي نفسه -أي تعطيل نظام التسليع المحدد تاريخيًّا للشروط والعناصر الأساسية والدورات الجيوكيميائية الحيوية لإعادة الإنتاج الطبيعي التي يعتمد عليها الوجود الإنساني وعدد لامتناهٍ من الفصائل الأخرى.

لا لمصادرة الأرض

كانت إحدى أفكار ماركس الأكثر عمقًا هي تحول «القوى الإنتاجية» في ظل الرأسمالية إلى «قوى تدميرية». إذ أدت «إنتاجية العمل» ذاتها تحت مظلة الرأسمالية إلى «تقدم هنا وتأخر هناك». وقد عزا هذا التراجع تحديدًا إلى تدهور «الظروف الطبيعية» وإلى «إنهاك واستنزاف الغابات والفحم ومناجم الحديد وما إلى ذلك» -بل امتد ذلك ليشمل الآثار السلبية للتغير المناخي الإقليمي.(58) وبدءًا بأعماله الأولى، كان يرى مصادرة واغتراب الأرض/الطبيعة باعتبارها نظيرًا (بل وشرطًا مسبقًا) ضروريًّا لمصادرة واغتراب العامل. وقد لاحظ في كتابه «المخطوطات الاقتصادية والفلسفية» أن الرأسمالية كانت متجذرة (على نحو أكثر حتى من الإقطاعية التي سبقتها) في «الهيمنة على الأرض باعتبارها ذات سلطة اغترابية على الإنسان».(59) وقد خلقت مصادرة وإقصاء الكائنات البشرية عن الظروف الطبيعية للإنتاج، من خلال مصادرة الرأسمالية واستيلائها على الأرض، ظروفًا اغترابية لاستغلال العمال. وعلى المنوال نفسه، تعززت الثروات الخاصة في كل مكان عبر تدمير الثروات العامة (مفارقة لوديردايل).(60)

وفي كتابه رأس المال، واصل ماركس شرحه لـ«التراكم البدائي المزعوم» بأنه «يعني مصادرة المنتجين المباشرين» التي تنطوي على الاستيلاء المزدوج للمنتجين المباشرين وللأرض.(61) وقد أدى فرض هذه الشروط (التي تميزت بالتطويق والحصار التاريخي للعامة) ونمو البروليتاريا واغتراب كل من العمل والأرض، إلى التدمير الأساسي للنظام الرأسمالي. وكما لاحظ ماكس فيبر في أثناء رحلته إلى الأراضي الهندية (أوكلاهوما حاليًا) عام 1905 «كل شيء يقف في طريق الثقافة الرأسمالية كان يسحق بسرعة البرق». وعلى شاكلة ليبيج وماركس من قبله، أشار فيبر إلى الثقافة الرأسمالية في هذه السياق باعتبارها نظام سرقة (مستخدمًا مصطلح Raubbau أوRaubsystem) دمَّر الأرض والموارد الطبيعية فضلاً عن أي أنماط اقتصادية ما قبل رأسمالية في طريقه.(62) ومع ذلك، لم يُعزَ نظام السرقة هذا إلى مفهوم الملكية (التملُّك) باعتبارها سرقة، ولكن إلى الأنماط التاريخية المحددة للاستيلاء الرأسمالي على البشرية والطبيعة.

وقد صاحب مصادرة الأرض على نحو ثابت مصادرة البشر باعتبارهم كائنات أو موجودات مادية من خلال أشكال لا حصر لها من عبودية العمل والاسترقاق توجد دائمًا في الحدود المنطقية والتاريخية للنظام، مما ساعد على جعل الرأسمالية ممكنة. ولطالما كانت هذه المصادرة جزءًا أساسيًّا من النظام يحدد معالمه. إن نظام رأس المال، وفقًا لعبارة ماركس الشهيرة «يولد وهو ينزف دمًا وقذارة، من جميع مسامه، من رأسه وحتى أخمص قدميه».(63) كان للعبودية والإبادة الجماعية وكل أنواع الاسترقاق الإنساني بما في ذلك السرقة الدنيئة للأرض نفسها دورًا حاسمًا ومهمًا لتجذير الرأسمالية وإعادة إنتاجها العدائي المستمر على حد سواء. واليوم، يؤدي الاستغلال الفادح (أو الاستغلال الفائق) خلال عملية المضاربة بقوة العمل العالمية لجموع العاملين في الجنوب إلى وجود «كوكب من الأحياء الفقيرة» وإلى حروب إمبريالية تُفرض على الحدود، فضلاً عن المصادرة المستمرة لعمل النساء غير مدفوع الأجر.(64)

وخلال ما أطلق عليه إيريك هوبسباوم «عصر رأس المال» -وهي الفترة الأكثر حيوية للنظام والتي أنتجتها الثورة الصناعية- كان من الممكن التركيز بشكل رئيسي على السمات التقدمية للرأسمالية، مستخلصة بعض الشيء من مفهوم المصادرة.(65) ومن ثم، لم يتمحور نقد ماركس حول المصادرة في حد ذاتها، بل حول استغلال العمل، فكان العمل البروليتاري بهذا المعني هو موضع آماله للتحول الثوري. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود بعض التطورات التكنولوجية الجديرة بالذكر -والتي تعزو بشكل جزئي فقط إلى النظام- نشهد اليوم انهيار الآليات الرئيسية للتراكم الرأسمالي ليتبخر كل ما هو متماسك مرة أخرى في الهواء. وترتفع معدلات الاستغلال لتثير مشكلات استيعاب الفائض المرتبطة بـ«الإفراط في إنتاج وسائل الإنتاج».(66) ومن هنا، وفي العصر النيوليبرالي، سعت الرأسمالية في محاولتها التغلب على الظروف المادية لوجودها إلى إقحام الواقع بأكمله داخل منطق التثمين عبر الأموَلة (إضفاء الطابع المالي) -ما يعكس ما أطلق عليه كارل بولاني المفهوم «اليوتوبي» للمجتمع السوقي.(67)

في هذا العصر الجديد من السلب والنهب العالمي، انتقل الصراع على نحو متزايد إلى الاستفادة من المصادرة المسيطرة على جميع التدفقات النقدية والأصول والملكيات الفردية أينما وجدت. يعد الاستيلاء على الأراضي ومصادرتها هو العامل المهيمن في معظم جنوب العالم.(68) فقد أُدخلت تجارة الكربون ظاهريًّا بذريعة التصدي لتغير المناخ، بينما كانت في الواقع تخلق أسواقًا للتربح. يدمَّر النظام الأرضي نفسه كسكن صالح للبشرية، ويفكك العمل ليصبح أكثر اضطرابًا وأقل استقرارًا من أي وقت مضى. وفي مثل هذه الظروف، تعد مقولة ماركس الساخرة «راكم...راكم! فهذا موسى وكل الأنبياء» هي هدف النظام أكثر من أي شيء آخر حتى وإن كانت كل الحياة كما نعرفها معرضة للخطر.(69) إن اختزال أزمة رأس المال البيئية فقط في مسألة رخص الطبيعة وكأنها مجرد إدماج لإسهامات الطبيعة في السوق -وهي نظرة تبرر أيديولجيًّا بعدة نظريات عن رأس المال الطبيعي والخدمات البيئية- سيكون خطأ فادحًا.(70) بل إن ما يكمن في جذور الوضع البيئي المعاصر المُلح هو التعارض المطلق لنظام تراكم رأس المال مع الوجود الإنساني والنظام الأرضي. فإذا كان رأس المال قد نجح بشكل كبير في استغلال العمل الإنساني، فإن ما نتج عنه من أزمات تراكم مفرط وابتلاع للفائض يوازيه بشكل مرئي تفكيك للكوكب كمكان صالح للسكن البشري، إذ تمتلئ المحيطات بالبلاستيك كما يمتلئ الغلاف الجوي بالكربون. ولا يعد الهجوم المتجدد على مصادرة الكوكب في ظل هذه الملابسات علامة على حيوية الرأسمالية بل على انحلالها المنتظر.

ظهرت الحركة البيئية العالمية فيما يعرف الآن على نحو شائع بحقبة الأنثروبوسين في التاريخ الجيولوجي، والناجمة عن «التسارع العظيم» -وهي فترة الصدع الأنثروبوجيني (بشري المنشأ) متزايد السرعة الذي أحدثته البشرية في الدورات الجيوكيميائية الحيوية، والتي ترجع غالبًا إلى عام 1945 مع ظهور القنبلة الذرية أو إلى أوائل خمسينيات القرن الماضي مع الاختبارات النووية للقنبلة الهيدروجينية فوق سطح الأرض والغبار النووي المترتب عليها.(71) ومع ذلك، ينبغي أن يكون حل أزمة الأنثروبوسين أكثر ثورية مما كان عليه الحراك «الأخضر» الذي ظهر في ستينيات القرن الماضي، والذي كان يسعى ببساطة إلى المحافظة على البيئة ومقاومة التلوث بينما بالكاد تناول مسألة النظام الاجتماعي. واليوم، لم يعد من الممكن الإنكار على نحو ممنطق أن التثمين الرأسمالي عملية مدمرة بطبيعتها، لا تقف عدوًا للعمل الإنساني الحر المبدع وحسب بل أيضًا للأرض كسكن صالح للبشرية وغيرها من الكائنات الحية. إذ يهدد «التدمير الخلَّاق» المعروف بالرأسمالية، إذا ما استمر، بإبادة «سلسلة الأجيال البشرية».(72)

وفي هذا القرن، ينبغي أن يتوحد الكفاح ضد مصادرة واستغلال الأرض مع محاربة استغلال البشر للتصدي في نهاية المطاف لجدلية المصادرة والاستغلال وكل ما يقبع بـ«اللُب الهمجي» لرأس المال.(73) تقع مسؤولية المستقبل على عاتق تنمية الحركة الاشتراكية/والاشتراكية البيئية للقرن الحادي والعشرين حتى تتجذر في طبقة عاملة بيئية متنوعة وشاملة. إن ما نحتاجه هو إعادة بناء ثوري لتفاعل اجتماعي حيوي متكاتف ومتضامن مع الطبيعة ووضعه تحت السيطرة العقلانية للبشر -ليس فقط بهدف الاستدامة البيئية والحفاظ على الطاقة ولكن أيضًا من أجل التنمية الكاملة لاحتياجات الإنسان وصلاحياته في المجتمع؛ إذ ليس هناك من سبيل آخر لتحقيق ذلك.

الهوامش

1- Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, vol. 1 (New York: International Publishers, 1975), 224–63.

ولمصطلح «فلاحو البروليتاريا» انظر:

V. I. Lenin, Collected Works, vol. 20 

(Moscow: Progress Publishers, 1972), 132 – 35.

كارل ماركس وفريدريك إنجلز، الأعمال الكاملة، المجلد الأول (نيويورك، منشورات إنترناشونال، 1975) ص 63: 224. لمصطلح «فلاحو البروليتاريا» انظر الأعمال الكاملة لفلاديمير لينين، المجلد 20 (موسكو، منشورات بروجرس، 1972) ص 35: 132

2- الكتاب مذكور في الأصل الإنجليزي المطبوع تحت عنوان «A Contribution to the Critique of Political Economy”، [المترجم]

3- Karl Marx, Contribution to a Critique of Political Economy (Moscow: Progress Publishers, 1970), 19–20

4- Marx and Engels, Collected Works, vol. 1, 225, 233–35; Peter Linebaugh, Stop Thief! (Oakland: PM, 2014), 43–60; T. C. Banfield, Industry of the Rhine, Series I (London: Knight, 1846), 111; John Bellamy Foster, Marx’s Ecology (New York: Monthly Review Press, 2000), 66–68; David McLellan, Karl Marx (New York: Harper and Row, 1973), 56.

5- أسس نقد الاقتصاد السياسي (بالألمانية: Grundrisse der Kritik der PolitischenÖkonomie) المعروفة بجرندريسه هي مخطوطة طويلة غير تامة كتبها الفيلسوف الألماني كارل ماركس. بعد أن وضعها ماركس جانبًا في عام 1858، ظلت غير منشورة حتى عام 1939. (المترجم)

6- Joseph-Pierre Proudhon, What Is Property? (Cambridge: Cambridge University Press, 1993),13.

 أشار ماركس لأاول مرة إلى برودن في أكتوبر عام 1842، في الفترة التي كتب فيها الجزء الأول من مساهمته حول سرقة الأخشاب. Marx and Engels, Collected Works, vol. 1, 220. وفي كتابهما «العائلة المقدسة»، ذهب ماركس وإنجلز إلى أن نقد برودن للاقتصاد السياسي في كتابه «ما الملكية؟» كان نقدًا «للاقتصاد السياسي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي»، أي أنه استخدم المعيار البرجوازي للتبادل المتكافئ أساسًا وحيدًا لنقده.

 Marx and Engels, Collected Works, vol. 4, 31–32; David McNally, Against the Market (London: Verso, 1993), 141–45.

7- طبعًا كان لقاء برودن وماركس في فيلم بيك خياليًّا، إلا أنه ملائم جدًا للحقائق المعروفة. انظرJ. Hampden Jackson, Marx, Proudhon and European Socialism (London: English Universities Press, 1957), 50–70. اقتُبست فكرة أن الملكية في العموم هي «فكرة مجردة» من كتاب «جرندريسه» لماركس Karl Marx, Grundrisse (London: Penguin, 1973), 85. كان ماركس يقدر كثيرًا نقد المِلكية الخاصة في كتاب «ما المِلكية؟» إلا أنه أخذ على برودن افتقار تحليله لأشكال المِلكية. Marx and Engels, Collected Works, vol. 4 (New York: International Publishers, 1975), 31–32

8- لمعرفة الفروق التي وضعها ماركس للتمييز بين التملُّك والمصادرة انظرJohn Bellamy Foster and Brett Clark, “The Expropriation of Nature,” Monthly Review 69, no. 10 (2018): 1–27.

9- C. B. Macpherson, The Political Theory of Possessive Individualism (Oxford: Oxford University Press, 1962), 194–62; John Locke, Two Treatises on Government (Cambridge: Cambridge University Press, 1988), 297–301; G. W. F. Hegel, The Philosophy of Right (Oxford: Oxford University Press, 952), 41–45.

 في حالة لوك، استُخدِم مصطلح التملُّك البرجوازي لتبرير المصادرة، كما في كتاب «الأمريكيون الأصليون»، بذريعة أنهم لم يحوِّلوا الأرض بمجهودهم. برر لوك، وهو أحد المستثمرين في الشركة الأفريقية المَلكية، مصادرة العمل البدني للكائنات البشرية، في حالة استعباد الأفارقة. انظر

Barbara Arneil, John Locke and America: The Defense of English Colonialism (Oxford: Oxford University Press, 1996), 168–200; Peter Olsen, “John Locke’s Liberty Was for Whites Only,” New York Times, December 25, 1984.

10- Karl Marx, The Poverty of Philosophy (New York: International Publishers, 1963), Grundrisse, 87–88, 488–49.انظرأيضًا إحالة إنجلز إلى «أطروحةبرودن عن السرقة» في Marx and Engels, Collected Works, vol. 6 (New York: International Publishers, 1976), 260.

11- Karl Polanyi, Primitive, Archaic, and Modern Economies (Boston: Beacon, 1968), 8–93, 106–07, 149–56.

12- Marx and Engels, Collected Works, vol. 1, 228.

13- Karl Marx, Early Writings (London: Penguin, 1970), 389–92; Georg Lukács, History and Class Consciousness (London: Merlin, 1971), xxiii–xxiv; István Mészáros, Marx’s Theory of Alienation (London: Merlin, 1975); John Bellamy Foster and Brett Clark, “Marxism and the Dialectics of Ecology,” Monthly Review 68, no. 5 (October 2016): 1–17.

14- Raj Patel and Jason W. Moore, A History of the World in Seven Cheap Things (Berkeley: University of California Press, 2017), 81, 95.

 يُعَرِّف مور، في موضع آخر، التملُّك باعتباره تحديدًا وتوجيهًا وتأمينًا لـ «العمل غير مدفوع الأجر» خارج نظام التسليع والذي يشمل كل شئ في الطبيعة «غير مدفوعة الثمن». ولكن بما أن الطبيعة لم تكن قط «مدفوعة الثمن»، فإن هذا عمليًّا يعادل- كما في كتابه- مفهوم تملُّك العمل فوق الإنساني الذي يشمل كل القوى الفيزيائية، بمعني أن التملُّك في معناه الأوسع على الإطلاق (حتى وهو منفصل عن المعنى الكلاسيكي الاقتصادي-السياسي والفلسفي للتملُّك كملكية).

15- من أجل مناقشة مختصرة حول علاقة الفيزياء بالرأسمالية والأزمة البيئية انظر 

EraldKolasi, “The Physics of Capitalism,” Monthly Review 70, no. 1 (May 2018): 29–43.

16- عرَّف إنجلز في كتابه «ظروف الطبقة العاملة في انجلترا» العمل بأنه «إنفاق للجهد»، انظرMarx and Engels, Collected Works, vol. 4, 431. أعلن لانسلوت هوجبن بأن إنجلز رحب فيما بعد بالتطويرات الجديدة في الديناميكا الحرارية وبالنظرية العامة للعمل التي ظهرت في علم الفيزياء عن طريق جيمس بريسكوت جول وآخرين -وكما قال هوبجن “بداية لفصل جديد في تاريخ المعرفة”. إلا أنه لم يمكن لأحد أن يُلَمِّح بأن تحليل ماركس وإنجلز خلط بين طبيعة الجهد البشري والعمل بالمعني الفيزيائي.

 Lancelot Hogben, Science for the Citizen (New York: Knopf, 1938), 65; Marx and Engels, Collected Works, vol. 25 (New York: International Publishers, 1987), 370, 505

17- Karl Marx, Capital, vol. 1 (London: Penguin, 1976), 133–34.

18-    Metabolism تعني هنا التفاعل الحيوي الذي يحدث بين الإنسان/المجتمع والطبيعة من أجل الحفاظ على الحياة. (المترجم)

19- Marx and Engels, Collected Works, vol. 30 (New York: International Publishers, 1988), 40.

20 -   لا يسع ماركس إلا أن يكون ساخرًا عندما يتحدث عن مطالب أنصار التجارة الحرة من البرجوازيين في عصره «لغذاء رخيص». انظرMarx, The Poverty of Philosophy, 207.

21- Paul Burkett, “Nature’s Free Gifts and the Ecological Significance of Value,” Capital and Class 68 (1999): 89–110; Foster and Clark, “The Expropriation of Nature.”

22- Marx and Engels, Collected Works, vol. 33, 301.

23- Justus von Liebig, Letters on Modern Agriculture (London: Walton and Maberly, 1859), 254–55; Kohei Saito, Karl Marx’s Ecosocialism (New York: Monthly Review Press, 2017), 197.

 ينبغي تنقيح قانون التعويض، المتعلق بتجديد الموارد المتجددة، وتكملته بقوانين هيرمان دالي الأوسع والأشمل عن الاستدامة: (1) ينبغي عدم استخدام الموارد على نحو أسرع من تجددها (2) لا ينبغي استخدام الموارد غير المتجددة بسرعة تسبق وضع بدائل لتجديدها؛ (3) لا ينبغي إطلاق الملوثات والنفايات بسرعة أكبر من إمكان استيعابها أو إعادة تدويرها أو إزالة الضرر منها. انظر

the Sustainable Water Resources Roundtable, “What Is Sustainability?”http://acwi.gov.

24- Marx and Engels, Collected Works, vol. 1, 234.

25- Ovid, Metamorphoses (New York: Norton, 2004), 298; Richard Seaford, Ancient Greece and Global Warming (London: Classical Association, 2009).

26- See Stefano B. Longo, Rebecca Clausen, and Brett Clark, The Tragedy of the Commodity (New Brunswick, NJ: Rutgers University Press, 2015).

27- لمعرفة المزيد عن حاجة الرأسمالية للتوسع البيئي غير المحدود انظر

John Bellamy Foster, Brett Clark, and Richard York, The Ecological Rift (New York: Monthly Review Press, 2010), 207–11. Nancy Fraser, “Behind Marx’s Hidden Abode: For an Expanded Conception of Capitalism,” New Left Review 86 (2014): 55–72, and “Expropriation and Exploitation in Racialized Capitalism,” Critical Historical Studies 3, no. 1 (2016): 163–78; Michael C. Dawson, “Hidden in Plain Sight: A Note on Legitimation Crises and the Racial Order,” Critical Historical Studies 3, no. 1 (2016): 143–61; John Bellamy Foster and Brett Clark, “Women, Nature, and Capital in the Industrial Revolution,” Monthly Review 69, no. 8 (2018): 1–24.

28- Karl Marx, Capital, vol. 2 (London: Penguin, 1978), 321–22; John Bellamy Foster, “Marx as a Food Theorist,” Monthly Review 68, no. 7 (December 2016): 14–15.

29- Marx, Capital, vol. 1, 637–38; Capital, vol. 3 (London: Penguin, 1981), 959.

30- انظر على سبيل المثال Stephen Bunker, Underdeveloping the Amazon (Chicago: University of Chicago Press, 1985), 31–36, 44–45; Alf Hornborg, “Towards an Ecological Theory of Unequal Exchange,” Ecological Economics 25, no. 1 (1998): 130, and Global Ecology and Unequal Exchange (London: Routledge, 2011), 104; Zehra TaşdemirYaşin, “The Adventure of Capital with Nature: From the Metabolic Rift to the Value of Nature,” Journal of Peasant Studies 44, no. 3 (2017): 391–93; GiorgosKallis and Erik Swyngedouw, “Do Bees Produce Value?” Capitalism Nature Socialism 28, no. 3 (2017): 1–15. For critiques of such views, see Matthew T. Huber, “Value, Nature, and Labor: A Defense of Marx,” Capitalism Nature Socialism 28, no. 1 (2017): 39–52, and Paul Burkett, Marx and Nature (Chicago: Haymarket, 2014).

31-  Karl Marx, Texts on Method (Oxford: Basil Blackwell, 1975), 200

32- Marx, Grundrisse, 366.

 تعريف الإيجار في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي باعتباره مبلغًا مستقطعًا من فائض القيمة يؤدي دور إضفاء قيمة تبادلية على بعض الموارد الطبيعية المحددة دون أن تنتج تلك الموارد في أي حال من الأحوال قيمة سلعية في حد ذاتها- بالنظر إلى ما تمتلكه القيمة السلعية من مصادر خاصة حصرًا في العمل المجرد.

33- Karl Marx, Critique of the Gotha Programme (New York: International Publishers, 1938), 3–4.

34- Marx and Engels, Collected Works, vol. 37 (New York: International Publishers, 1998), 33 – 732. 

لم يخترع ماركس مفهوم «منحة الطبيعة المجانية» لرأس المال، بل كانت بديهية في مجمل أعمال علماء الاقتصاد السياسيين الكلاسيكيين بما في ذلك توماس روبرت مالثوس وآدم سميث. ومع ذلك، كان الأمر متروكًا لماركس أن يمنح هذا المفهوم قراءة نقدية عن طريق توضيحه أن تلك العطايا المجانية كان يحتكرها رأس المال في سياق تغريب الطبيعة والبشرية.

35- وفقًا لتصور ماركس، قطعًا لا يعني أي من ذلك أن المواد الخام المستخدمة في الإنتاج تفتقر للقيمة السلعية. فهي تكتسب قيمتها نتيجة لطاقة العمل التي تُنفَق من أجل الحصول عليها ومعالجتها. وبالإضافة إلى ذلك، يعد إيجار الأراضي مبلغًا مستقطعًا من إجمالي فائض القيمة، والذي يدخل بعد ذلك في تكاليف الصناعة. ولكن لا يزال صحيحًا على الرغم من وجود قيمة للقيمة الاستعمالية للمواد الخام وغيرها من المواد الطبيعية، إلا أنها لا تولِّد قيمة كما يفعل العمل المجرد الضروري اجتماعيًّا. وعلاوة على ذلك، يُشَكِّل احتكار رأس المال للقوى الإنتاجية التي توفرها الطبيعة، التي يُنظر إليها باعتبارها «منح الطبيعة المجانية لرأس المال» المصدر الرئيسي لهيمنته على الطبقة ولتوجهاته المدمرة واسعة النطاق. Karl Marx, Theories of Surplus Value, Part Two (Moscow: Progress Publishers, 1968), 45–46

36- See Foster and Burkett, Marx and the Earth, 10–107.

37- للحصول على شرح نقدي لمدى إخفاق الحسابات الاقتصادية الرأسمالية في دمج الأعمال المنزلية وأعمال الإعاشة (التي تقوم بها النساء بشكل رئيسي) والطبيعة في حسابات القيمة المضافة، انظر

Marilyn Waring, Counting for Nothing (Toronto: University of Toronto Press, 2009). On Georgescu-Roegen’s position, see John Bellamy Foster and Paul Burkett, Marx and the Earth (Chicago: Haymarket, 2016), 135.

38- Jason W. Moore, “The Capitalocene, Part II: Abstract Social Nature and the Limits to Capital” (June 2014): 29, http://researchgate.net; accessed April 13, 2018.

39- Patel and Moore, A History of the World in Seven Cheap Things, 101.

40- وكما كتب بول باران «يمكن النظر لقانون القيمة باعتباره مجموعة من المقترحات التي تصف السمات المميزة للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي الخاص بحقبة معينة في التاريخ تسمى الرأسمالية. يتسم هذا التنظيم بانتشار وسيطرة مبدأ المقايضة في العلاقات الاقتصادية (وليس الاقتصادية وحسب) بين أفراد المجتمع؛ عن طريق إنتاج (وتوزيع) السلع والخدمات باعتبارها سلعًا أساسية، ومن خلال إنتاجها وتوزيعها من قبل منتجين مستقلين بمساعدة العمالة المأجورة لسوق مجهول بهدف تحقيق الربح»...وبهيمنة قانون القيمة هذا، يختلف النظام الرأسمالي عن جميع الأنظمة الأخرى؛ فيختلف عن العصور القديمة حيث سيطرت العبودية على ظروف الإنتاج والتوزيع؛ وعن النظام الإقطاعي الذي اعتمد على شبكة متكاملة من الحقوق والواجبات والأعراف والتقاليد، وكذلك يختلف عن الاشتراكية التي يصبح فيها التخطيط المبدأ الأساسي السائد» (Paul A. Baran to Stanley Moore, August 5, 1960, in Paul. A. Baran and Paul M. Sweeezy, The Age of Monopoly Capital [New York: Monthly Review Press, 2017], 253

41- Moore, Capitalism in the Web of Life, 14, 191.

 تفضي حقيقة وجود جزء كبير من الطبيعة أو النظام الأرضي بالضرورة خارج دورة القيمة لرأس المال إلى مفارقة لودريديل، حيث يدمر تعزيز الثروات الخاصة، في الاقتصاد القائم على تبادل السلع، الثروة العامة (لا سيما ثروة الطبيعة غير المتضمنة في الاقتصاد). تعتمد الثروة الخاصة على الندرة كأحد شروطها، وبالتالي على تدمير وفرة الطبيعة، كالمياه النظيفة الوافرة والهواء الصالح للتنفس وما إلى ذلك. إن محاولة دمج كل من الثروات الخاصة والعامة بمفهومها هذا داخل «قانون القيمة»، كما هو الحال في تحليل مور، لا يخلط الأمور إلا في حالة إسقاط التناقضات بين إنتاج السلع الرأسمالي وعالم الطبيعة ككل- أي بين السارق والمسروق. انظر

Foster, Clark, and York, The Ecological Rift, 53–72

42- Moore, Capitalism in the Web of Life, 14, 17.

43- يذهب مور إلى أن الرأسمالية تنتج أو تساعد في إنتاج عالم الطبيعة، واضعة أنشطة العالم المادي وأنشطة المجتمع بفعالية على نفس المستوى. يقف ماركس على النقيض من ذلك، إذ يفسر ان أقصى ما يمكن أن يحققه أي شكل من أشكال الإنتاج الاجتماعي هو تغيير الشكل الذي تحدث من خلاله العمليات البيوكيميائية وتغييرها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إخلالها والدفع نحو عواقب غير متوقعة، وخطرة على الأغلب. ومن ثم، فإن الحديث عن الإنتاج البشري للطبيعة هو كأن تعزو صفات خارقة للطبيعة أو قوى إلهية إلى المجتمع الإنساني. من خطابات كارل ماركس إلى كوجلمان 

(New York: International Publishers, 1934), 73; Marx, Capital, vol. 1, 133–34; Foster, Marx’s Ecology; Brett Clark and Richard York, “Rifts and Shifts: Getting to the Root of Environmental Crises,” Monthly Review 60, no. 6 (2008): 13–24.

44- Moore, Capitalism in the Web of Life, 69–70.

45- Jason W. Moore, “Value in the Web of Life, or, Why World History Matters to Geography,” Dialogues in Human Geography 7, no. 3 (2017): 327–28, Capitalism in the Web of Life, 53–54, 65–66, 73, and “The Rise of Cheap Labor,” in Moore, ed., Anthropocene or Capitalocene (Oakland: PM, 2016), 98. لقد تأثر نقد تحليل مور الموسع المتعلق بالقيمة بعمل كامران ناييري، “Capitalism in the Web of Life—A Critique,” Climate and Capitalism, July 19, 2016, http://climateandcapitalism.com; Jean Parker, “Ecology and Value Theory,” International Socialism 153 (2017); Ian Angus, “Do Seven Cheap Things Explain the History of Capitalism?” Climate and Capitalism, January 10, 2018; Andreas Malm, The Progress of this Storm (London: Verso, 2018), 178–96

46-  Moore, Capitalism in the Web of Life, 67.

47-  Moore, Capitalism in the Web of Life, 101–02.

بتعريف المصادرة باعتبارها أمرًا قائمًا على «عمل» الطبيعة بشكل عام، والادعاء في الوقت نفسه أيضًا بأن المصادرة في حد ذاتها سرقة، يصنف مور ضمنا كل الممتلكات والإنتاج البشري باعتبارهما سرقة. وعلاوة على ذلك، لا يوجد أي أساس هنا للتمييز بين المصادرة البرجوازية (الملكية) وغيرها من أشكال المصادرة (الملكية) الأخرى، وهو التمييز الذي يكمن في صميم تحليل ماركس نفسه.

48-  لا يشير مور إلى العمل البشري خارج الاقتصاد الرسمي وحسب، بل على الأحرى إلى كل «الأعمال» التي تنفذ في العالم المادي أيضًا.

 Moore, Capitalism in the Web of Life, 95..

49-  Moore, Capitalism in the Web of Life, 54.

جادل هورنبيرج بأن «محاولات مور في وضع نظرية لمصادرة الإطار البيئي للطبيعة تسفر عن اصطلاح فضفاض وغامض» الأمر الذي يلقي فيه اللوم على «العقيدة الماركسية». لا تعكس مقاربة مور أي أوجه قصور متأصلة في النظرية الماركسية، إنما بالأحرى إهمال مور نفسه للتمييز النظري الحاسم في النمط الماركسي الكلاسيكي. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح شديد في محاولته استخدام المصطلح الماركسي، خارج إطاره المفاهيمي الضروري، لتطوير نظرية تمحو الاختلافات بين المصادرة البرجوازية وكل أشكال المصادرة الأخرى (وذلك بالاعتماد على مفهوم المصادرة بشكل عام) وكذلك الاختلافات بين العمل الاجتماعي البشري وبذل أو إنفاق العمل/الطاقة في الكون. ولا يمكن القام اللوم في أي من هذا على ماركس أو النظرية الماركسية.

Alf Hornborg, Global Magic (London: Palgrave Macmillan, 2016), 169

50- Moore, Capitalism in the Web of Life, 71. 

لكي نكون واضحين، ليس هناك أدنى شك أن الرأسمالية تعتمد على المصادرة المادية للطبيعة بشكل عام وقدر فائق أكبر من أي وقت مضى. وهكذا يكتب مور عن عملي الخاص أن «رؤية فوستر كانت لتطرح الرأسمالية باعتبارها عملية فائضة، والتي تتطلب المزيد من الطبيعة الرخيصة لمجرد الاستمرار أو البقاء». وخلافًا لذلك، فإن القضية هي كيف يتعلق هذا الأمر بالقيمة والتراكم والمصادرة والأزمة البيئية في ظل الرأسمالية. Moore, Capitalism in the Web of Life, 84..

51-  Patel and Moore, A History of the World in Seven Cheap Things, 81, 95.

52- Marx, Grundrisse, 357–58. لمناقشة جيدة لبعض هذه القضايا، انظرAli Douai, “Value Theory in Ecological Economics,” Environmental Values 18 (2009): 257–84.

53- Moore, Capitalism in the Web of Life, 71, 101–02, “Value in the Web of Life,” 328, and “The Rise of Cheap Labor,” 89 

تجدر الإشارة إلى أن نظرية الإيجار الكلاسيكية، والتي كانت معنية بإدماج الموارد الطبيعية في الاقتصاد الرأسمالي والتي كانت أساسية لتحليل ماركس الاقتصادي في هذا المجال، يتجاهل بالكامل في الرأسمالية في شبكة الحياة.. 

On the ecological aspects of Marx’s rent theory, see Burkett, Marx and Nature, 74–75, 90–103.

54-  Moore, “Value in the Web of Life,” 327, Capitalism in the Web of Life, 85, 137, 236. 

للمزيد عن الوحدوية الاجتماعية لمور انظر

 Moore, Capitalism in the Web of Life, 85.

وللنقد انظر، 

John Bellamy Foster, “Marxism in the Anthropocene: Dialectical Rifts on the Left,” International Critical Thought 6, no. 3 (2016): 393–421; John Bellamy Foster and Brett Clark, “Marx’s Ecology and the Left,” Monthly Review 68, no. 2 (2016): 1–25.

55-  حول جدلية الحدود والحواجز انظر، Marx, Grundrisse, 334–35, 409–10, 539; Foster, Clark, and York, The Ecological Rift, 53–72, 284–86.

56-  فيما يتعلق بالتناقضات التي تنشأ عندما يُنظر إلى الأزمة الإيكولوجية بشكل أساسي على أنها مسألة أزمة اقتصادية ناجمة عن زيادة تكاليف الموارد الطبيعية، وليس فيما يتعلق بتدهور الطبيعة نفسها، انظر

John Bellamy Foster, “Capitalism and Ecology: The Nature of the Contradiction,” Monthly Review 54, no. 4 (September 2002): 6–16.

57-  Marx, Capital, vol. 1, 637–38, vol. 3 949.

58  Marx, Capital, vol. 3, 369; Marx and Engels, Collected Works, vol. 5 (New York: International Publishers, 1975), 52; John Bellamy Foster, “Capitalism and the Accumulation of Catastrophe,” Monthly Review 63, no. 7 (December 2011): 1–17; Saito, Karl Marx’s Ecosocialism, 239–55.

59-  Marx, Early Writings, 318.

60  Foster, Clark, and York, The Ecological Rift, 53–72.

 [جايمس ميتلاند الإيرل الثامن للودريدل؛ كتب مايتلاند تحقيقًا في طبيعة وأصل الثروة العامة (1804 و1819)، والذي قدم فيه المفهوم الذي أصبح يعرف باسم “مفارقة لودرديل”: هناك علاقة عكسية بين الثروة العامة والثروة الخاصة. [المترجم]

61-  Marx, Capital, vol. 1, 871, 927.

62- John Bellamy Foster and Hannah Holleman, “Weber and the Environment,” American Journal of Sociology 117, no. 6 (2012): 1650–55.

63-  Marx, Capital, vol. 1, 926.

64- Sven Beckert, Empire of Cotton (New York: Vintage, 2014); Fraser, “Behind Marx’s Hidden Abode”; Fraser, “Expropriation and Exploitation in Racialized Capitalism”; Dawson, “Hidden in Plain Sight”; Foster and Clark, “The Expropriation of Nature”; John Smith, Imperialism in the Twenty-First Century (New York: Monthly Review Press, 2016); Mike Davis, Planet of the Slums (London: Verso, 2007).

65- Eric Hobsbawm, The Age of Capital (New York: Vintage, 1996).

66- Paul M. Sweezy, “The Communist Manifesto Today,” Monthly Review 50, no. 1 (May 1998): 8–10.

67- Karl Polanyi, The Great Transformation (Boston: Beacon, 1944), 178.

68- Costas Lapavitsas, Profiting without Producing (London: Verso, 2013), 141–46.

69- Marx, Capital, vol. 1, 742.

70-  يعتمد إطار مور الخاص بالطبيعة الرخيصة اعتمادًا كبيرًا على التقديرات النقدية للخدمات البيئية أو خدمات النظام البيئي التي طورتها اقتصاديات البيئة النيوكلاسيكية.

Moore, Capitalism in the Web of Life, 64. 

انظر أيضًا

the critique of natural-capital theory in John Bellamy Foster, “The Ecological Tyranny of the Bottom Line,” in Richard Hofrichter, ed., Reclaiming the Environmental Debate (Cambridge, MA: MIT Press, 2000): 135–53.

71- Ian Angus, Facing the Anthropocene (New York: Monthly Review Press, 2016), 54–58; J. R. McNeill and Peter Engelke, The Great Acceleration (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2014), 184–90.

72-  Karl Marx, Capital, vol. 3 (London: Penguin, 1981), 754.

73- Curtis White, The Barbaric Heart (Sausalito: PoliPoint, 2009).