هوامش

غادة محمد

محمد بن سلمان وحدود التغيير في السعودية

2018.01.01

مصدر الصورة : CNN

محمد بن سلمان وحدود التغيير في السعودية

ربما لم يكن كثيرون خارج المملكة قد سمعوا باسم الأمير محمد بن سلمان آل سعود قبل ثلاث سنوات، عندما منحه والده منصب وزير الدفاع، ليصبح أصغر وزير دفاع في العالم، حيث كان في التاسعة والعشرين.

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح محمد بن سلمان الرمز الأبرز والأكثر إثارة للجدل ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة العربية بأسرها. وفي ظل الخطوات الجريئة التي اتخذها داخليًا وخارجيًا، فقد أصبح يوصف من قِبل بعض المعلقين بأنه أخطر رجل في العالم، بينما يراه آخرون حامل لواء  التغيير في المملكة والمنطقة. ولعل الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية منذ تولي والده العرش عقب وفاة الملك عبد الله في يناير 2015، يسير في اتجاه تقويض كثير من الأسس التي بنيت عليها المملكة.

تركيز السلطة في الداخل

بدأ المسار السياسي للأمير محمد في سنة 2007، عندما عُين مستشارًا لمجلس الوزراء. وبعد ذلك بعامين، أصبح مستشارًا خاصًا لأبيه الذي كان حاكمًا للرياض. كما عمل بعد ذلك رئيسًا لديوان والده عندما كان وليًا للعهد. وفي أبريل 2015، أصبح ولي ولي العهد بعد إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود، ثم صعد إلى منصب وليّ العهد في يونيو 2017 بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه.

ومنذ تولي الملك سلمان الحكم، شهدت المملكة تركُّزا غير مألوف للسلطة لصالح الأمير محمد. فقد أصدر الملك سلمان بعد أيام من توليه الحكم قرارًا بإنشاء كل من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، المخول بالإشراف على السياسة الاقتصادية للدولة وأداء الحكومة، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية، وكلاهما برئاسة الأمير محمد. كما منحه الملك رئاسة شركة النفط الحكومية أرامكو.

في تلك الأثناء، اُتخذت عدة قرارات اقتصادية عبَّرت عن رؤيته الاقتصادية، حيث رُفعت أسعار الوقود وجرى تقليص المزايا الممنوحة للموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين. كما طرح ما أُطلق عليه رؤية «2030» الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص اعتماد المملكة على النفط. وفي إطار هذه  الرؤية، كشف الأمير عن مشروع «نيوم» وهو مدينة استثمارية كبرى شمال غربي المملكة، تكلفتها 500 مليار دولار. وعيَّن الأمير بعد توليه منصب وليّ العهد نحو 30 من شباب العائلة المالكة الموالين له لمساعدته في تنفيذ قراراته.

لكن الخطوة الأهم في تركيز السلطة كانت القرار الذي اتخذه الملك سلمان في نوفمبر الماضي بإعفاء عدد من الوزراء من مناصبهم، وتشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسة الأمير محمد قامت بعد ساعات من تشكيلها باتخاذ قرارات باعتقال 159 شخصًا بينهم أمراء ورجال أعمال ومسؤولون حكوميون. واعتُبر القرار خطوة لا تهدف فقط إلى إزاحة أي معارضة لنفوذه المتنامي، بل استهدفت أيضًا إجبار هؤلاء على التنازل عن جزء من ثروتهم في مقابل حريتهم، بغرض تمويل مشروعاته الكبرى، وقد قال بن سلمان في حوار صحفي إنه يتوقع أن تجلب حملته ضد الفساد 100 مليار دولار إلى خزينة الدولة.

مواجهة «الأفكار المتطرفة»

على صعيد آخر، اتُخذت خطوات غير مسبوقة في اتجاه إضفاء طابع أكثر انفتاحًا على المملكة، حيث قررت الحكومة في مايو 2016 الحد من سلطة هيئة الأمر بالمعروف في مراقبة سلوك الناس، وإنشاء الهيئة العامة للترفيه. وجري تنظيم حفلات موسيقية في المملكة، وأذاع التليفزيون حفلاً لأم كلثوم للمرة الأولى منذ عقود. وتقرر السماح بإنشاء دور السينما، وأصدر الملك مرسومًا يمنح النساء الحق في قيادة السيارات ابتداءً من منتصف العام الجاري. وبدأ السماح للنساء بالمشاركة في الاحتفالات العامة.

وبالتوازي مع ذلك، تعهد بن سلمان بمكافحة الأفكار «المتطرفة»، مما كان وراء صدور قرار من الملك بتشكيل مركز لمراقبة تأويلات الأحاديث. وأوصى مجلس الشورى بالسماح للنساء للمشاركة في «الرئاسة العامة للإفتاء»، الهيئة الوحيدة المسموح لها بإصدار الفتاوى في المملكة.

سياسة خارجية هجومية

لم  تكن السياسة الخارجية لبن سلمان أقل دراماتيكية. وكانت البداية في مارس 2015، عندما شن عملية «عاصفة الحزم» لمواجهة الحوثيين -المدعومين من إيران- الذين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء قبل شهور من ذلك التاريخ. وقد كلفت هذه المغامرة المملكة عشرات المليارات، وعرضّت السعودية لإدانات قوية بسبب المأساة الإنسانية الناتجة عن الحصار السعودي لليمن. واتخذ بن سلمان نزوعًا هجوميًا تجاه لبنان وصل إلى احتجاز رئيس الوزراء سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، وعدم الإفراج عنه إلا بعد وساطة فرنسية وضغوط أمريكية. وترددت أنباء عن وضع الرئيس اليمني رهن الإقامة الجبرية. وبالتوازي مع ذلك صعّد من لهجته الهجومية ضد إيران، واصفًا المرشد الأعلى بأنه «هتلر جديد في الشرق الأوسط» لا ينبغي التسامح معه.

ومن ناحية أخرى، أشارت تقارير إخبارية متعددة إلى اتصالات سرية بين مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى ومسؤولين إسرائيليين. وقام محمد العيسي رئيس رابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة، الوزير السابق والمقرب من الأمير بن سلمان، بزيارة كنيس يهودي في فرنسا، والتصريح بأن العنف ضد الإسرائيليين غير مبرر. وترددت أنباء عن ضغوط قام بها بن سلمان على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للقبول بما سُمى «صفقة القرن» يتم بمقتضاها التنازل لإسرائيل عن الضفة الغربية في مقابل 10 مليارات دولار، وإقامة دولة فلسطينية على قطاع غزة يمكن أن تمتد إلى أجزاء من سيناء. وقيل إن السعودية حصلت على موافقة إسرائيل على مشروع «نيوم» الذي سيضم جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازلت عنهما مصر للسعودية في العام الماضي.

وعن طريق توقيع صفقات سلاح قيمتها 460 مليار دولار، دُفعت 110 منها فورًا والباقي سوف يسدَد على 10 سنوات، استطاع الأمير محمد تأمين التأييد الأمريكي لسياساته الداخلية والخارجية، حيث أعلن ترامب عن ثقته في صحة الإجراءات التي تتخذها القيادة السعودية في أعقاب حملة القبض على الأمراء ورجال الأعمال في نوفمبر. وشجع هذا الدعم بن سلمان على اتخاذ موقف متشدد في مواجهة قطر، حيث تم قطع الصلات مع قطر وفرض حصار عليها بعد أسبوع من زيارة ترامب للمملكة، في مايو من العام الماضي.

طموحات كبرى

يشير الأداء النزق الذي تبناه بن سلمان إلى أن الأمير الشاب مدفوع بطموح لقيادة العالم الإسلامي السني ومواجهة النفوذ الإيراني. لكن هذا الطموح ما كان له أن يتحول إلى إجراءات على الأرض لو لم تكن الأمور في المنطقة والعالم مهيأة لذلك. ذلك أن السنوات القليلة الماضية خلقت واقعًا يفتح آفاقًا جديدة لجيل الأحفاد، ويوجب في الوقت نفسه إجراء تغيرات جوهرية في سياسة المملكة داخليًا وخارجيًا إذا كان لها أن تعزز من نفوذها القيادي في المنطقة.

فعلي الصعيد الخارجي، عززت الحروب الأهلية في سوريا واليمن، والحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق بشكل نوعي من النفوذ الإيراني في المنطقة. وبالتالي، فقد أصبحت مواجهة هذا الدور أولوية كبرى بالنسبة للملكة كي تحافظ على مكانتها في العالمين العربي والإسلامي. وفي الوقت نفسه، سمح إجهاض المد الثوري في مصر-الذي لعبت فيه السعودية دورًا أساسيًا- بتشكيل محور سعودي-إماراتي-مصري مدعوم من إسرائيل لمواجهة أي أفق للتغيير في المنطقة، ومواجهة النفوذ الإيراني. وشجع وصول مرشح يميني عنصري إلى البيت الأبيض القيادة الجديدة في المملكة على التعامل بعنف مع كل من يتبنى نهجًا غير متوافق مع أهدافها. ومن هنا كان عدم التسامح مع السياسة القطرية التي تتخذ نهجًا مهادنًا مع إيران وتستضيف المعارضين للنظام المصري، إسلاميين وغير إسلاميين. وفي السياق نفسه، كان السعي لبناء جسور الثقة مع إسرائيل ولو على حساب تصفية القضية الفلسطينية.

وداخليًا، تطلَّب الدور الجديد إجراء تغيرات جذرية تصل إلى تهديد الأسس التي ارتكزت على أساسها المملكة منذ أسسها الملك عبد العزيز سنة 1932.

فقد أخل الصراع مع الأمراء ورجال الأعمال بالتوازن التقليدي بين الحاكم وبين العائلة المالكة، وبعلاقة الشراكة وتبادل المصالح مع نخبة الأعمال في المملكة. من ناحية أخرى، فإن إحداث انقلاب جذري في المناخ الثقافي والطبيعة شديدة المحافظة للمجتمع السعودي، بهدف تغيير صورة المملكة أمام العالم، يقوض التحالف الوثيق بين آل سعود وآل شيخ، أحفاد محمد بن عبد الوهاب، وهو التحالف الذي تأسس في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، واستطاع الصمود خلال ما يزيد على قرنين من الزمن

واقتصاديًا، أدى انخفاض أسعار البترول والإنفاق على حرب اليمن إلى ارتفاع عجز الموازنة إلى مستويات قياسية، وهو ما قوبل بإجراءات تقشفية غير مسبوقة، كان آخرها رفع سعر البنزين بنسبة تتراوح بين 82 و126 بالمائة مع بداية العام الجديد. ومن شأن ذلك أن يزيد العبء الملقى على كاهل الفقراء، الذين تقدر نسبتهم بنحو 20 بالمائة من السكان. ومن اللافت للنظر أن هذه الإجراءات التقشفية صاحبتها أنباء عن الإنفاق الباذخ للأمير، حيث قيل إنه اشترى قصرًا في فرنسا قيمته 300 مليون دولار ويخت قيمته 550 مليونًا ولوحة ثمنها 450 مليونًا هي الأغلى في العالم.

وفي كل الأحوال، فإنه بالرغم من الظروف المواتية التي سمحت لنفوذ محمد بن سلمان بالتمدد بقوة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لكن القدرة على السير قدمًا في هذا الاتجاه تتوقف على عوامل متعددة، لعل من أهمها قدرته على تحسين الوضع المالي. وهنا يطمح بن سلمان لبيع حصة قدرها 5 بالمائة من أصول شركة أرامكو، متوقعًا أن تجلب للخزانة 100 مليار دولار، وهو التقدير الذي يشكك فيه المستثمرون. من ناحية أخرى، وبالرغم من النجاحات التي حققها التحالف بقيادة السعودية على الأرض في اليمن، لا يبدو أن الاستنزاف الناتج عن المشاركة في الحرب من المرجح أن يتوقف في القريب العاجل. وثالثًا، تظل الآمال التي يعلقها بن سلمان على مشروع «نيوم»، وعلى قدرته على جذب الاستثمارات وإحداث تغيير اقتصادي جذري في المملكة، محل تجربة في السنوات المقبلة. من ناحية أخرى، يظل تحقيق طموحات بن سلمان الخارجية رهنًا بتوازنات القوي بين المعسكرين السني والشيعي ومستقبل الحراك الشعبي في مواجهة القوى المهيمنة المعادية للتغيير في المنطقة.