رؤى

محمد أبو الغار

وباء كورونا.. هل ينجح التطعيم في إنهاء الأزمة؟

2021.06.01

مصدر الصورة : موقع منظمة الصحة العالمية

وباء كورونا.. هل ينجح التطعيم في إنهاء الأزمة؟

 

هناك احتمالات ألا تلتزم بعض دول العالم الثالث بالتوزيع حسب نكان إنتاج لقاح جديد يستغرق نحو 5 سنوات للانتهاء من التجارب وأنه آمن ولا يسبب مضاعفات على المدى البعيد.. هذا العام أنتج اللقاح في فترة زمنية قياسية ووافقت عليه الجهات الرقابية.سبة احتمالات الإصابة بالمرض، والبدء بمن يعملون في الرعاية الصحية ثم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة 

تاريخيًّا تسببت بعض الأوبئة في كوارث إنسانية خطيرة وأبادت ملايين من البشر، ولكن جميع هذه الأوبئة وبعد أن فتكت بالبشر دون تطعيمات ولا أمصال ولا مضادات حيوية ضعفت الإصابة بها، وتحولت من وباء في العالم كله أو في أحد أقطاره إلى أحد الأمراض المتوطنة، وأصبحت مستمرة طول الوقت وبأعداد قليلة في بعض البلاد. على سبيل المثال الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت من 50 إلى 100 مليون مواطن في العالم بدأت في ربيع 1918 وانتهت في ربيع 1920. وقتلت في مصر 180 ألف حين كان تعداد مصر 13 مليونًا فقط. الكورونا التي غطت العالم كله منذ نهاية 2019 وما تزال مستمرة حتى كتابة هذا المقال، أصابت 48 مليون نسمة وقتلت 1.6 مليون نسمة في العالم.

كان ظهور المضادات الحيوية ووسائل الطب الحديث سببًا في انخفاض الوفايات كثيرًا، مقارنة بالوباء الذي حدث منذ نحو مئة عام، ولكن بقي ابتكار وتصنيع اللقاح هو حجر الزاوية في منع المرض، خصوصًا إذا استطعنا تطعيم الأغلبية العظمى من السكان، لأن نسبة الوفيات ما زالت مرتفعة في كبار السن وفي أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وضعف المناعة.

ومنذ أن بدأ التطعيم في الأسبوع الثاني من ديسمبر 2020 في إنجلترا وأمريكا أصبح التطعيم  حديث الساعة، هل هو أمن؟ أي نوع أكثر أمانًا؟ ما  الأنواع؟ ما المخاطر؟ ما قدر الفاعلية؟ ما تكلفته؟ متى يبدأ تطعيم المصريين ومتى ننتهي من هذا الوباء ونعود للحياة الطبيعية.

وجاء اللقاح (الفاكسين) ليكون الحل الحقيقي لإنهاء هذا الوباء. وتجرى التجارب الآن على 57 لقاحًا في المراحل الإكلينيكية على الإنسان، و86 لقاح في المراحل قبل الأكلينيكية وقد بدأت التجارب في مارس 2020 في مختلف بلاد العالم.

كان إنتاج لقاح جديد يستغرق نحو 5 سنوات للانتهاء من التجارب، والتأكد من فاعليته، وأنه آمن وأعراضه الجانبية بسيطة، ولا يسبب مضاعفات على المدى البعيد. هذا العام أنتج اللقاح في فترة زمنية قياسية، ووافقت عليه الجهات الرقابية بسرعة فائقة وساعد على ذلك ضخ مليارات الدولارات ساعدت على الانتهاء من الأبحاث بسرعة ولشدة الحاجة للقاح وافقت السلطات عليه بسرعة. 

وهناك أربعة أنواع من اللقاحات. أولها: اللقاحات الجينية (Genetic) ويستخدم فيها جزء من جينات الفيروس RNA تحقن لتستقر داخل خلايا الإنسان ليقوم الجسم بإنتاج الأجسام المضادة، ومنها:

● لقاح فايزر بيونتك (Pfizer/Biontech) : وهو لقاح أنتجته شركة بيونتك الألمانية الصغيرة، واضطرت إلى أن تتحالف مع الشركة العملاقة الأمريكية فايزر، كي تكون قادرة على إنتاج مئات الملايين من الجرعات وتغطي العالم كله.

أقرت هيئة الصحة الفيدرالية الأمريكية نتائج المرحلة الثالثة من تجارب اللقاح للتحصين ضد الكورونا (كوفيد 19)، وقدمت شركة فايزر بيونتك التقرير في 92 صفحة وكان قرار الهيئة من 53 صفحة. ومن النظرة الأولى على نتائج التقرير يبدو واضحًا أن النتائج أكثر من رائعة. هذا اللقاح يضمن حماية من العدوى بنسبة 95% بعد الجرعة الثانية و52% بعد الجرعة الأولى، وتعطى الجرعة الثانية بعد 3 أسابيع من الجرعة الأولي. وثمن الجرعة 25 - 37 دولار. وقد دفع ترامب للشركة مبلغ 1.6 مليار دولار ثمن جرعات سوف تنتج، ودفعت كل من بريطانيا وكندا مبالغ كبيرة أيضًا. ويتطلب اللقاح حفظه في درجة 70 درجة مئوية تحت الصفر وتسخن الزجاجة التي تحوي خمس جرعات بطريقة معينة  ثم تحفظ بين درجتي 2 و 25 مئوية وتستخدم في غضون 6 ساعات. 

الأعراض الجانبية: الأعراض الجانبية أكثر حدوثًا من الأعراض الجانبية للقاح الإنفلونزا الموسمية. وأكثرها حدوثًا هي درجات مختلفة من الاحمرار في مكان الحقنة، وتحدث في 84% من الحالات. والإرهاق في 63% والصداع في 55% وألم في العضلات في 38% ورعشة في 32% وآلام في المفاصل في 54% وارتفاع في درجة الحرارة في 14%. أما المضاعفات الشديدة فنسبة حدوثها نصف في المئة، وهي تضخم في الغدد الليمفاوية في أنحاء مختلفة من الجسم. وربما تكون هناك أمور غير معروفة عن تأثير هذا اللقاح على المدى الطويل.

أما عن مدة الفاعلية هل هي شهور أم سنوات. فلا أحد يعرف الإجابة على هذا السؤال ولا على درجة فاعليته والأمان في مجموعة معينة مثل الحوامل والرضع واللذين عندهم ضعف في المناعة. وهناك توصية باستخدامه اللذين سبق إصابتهم بالفيروس

وقد تقدمت فايزر بيونتك بطلب الموافقة في 20 نوفمبر 2020 لإعطائه للمواطنين فوق 16 عامًا والجرعة 30 ميكروجرام تكرر بعد 3 أسابيع. وقد تمت المرحلة الثالثة من التجارب على 44000 مشارك أخذ نصفهم اللقاح والنصف الآخر أخذ محلول ملح. ووجد أنه يمنع العدوى للشخص في 95% في الحالات. وكان اللقاح مؤثرًا بنفس الدرجة بعض النظر عن الجنس أو اللون أو العمر. وثبت أن فوائد التطعيم أكبر بكثير من أي أعراض جانبية، وطلبت الهيئة من الشركة باستمرار متابعة المرضى لفترات طويلة لاكتشاف أي مضاعفات تحدث لاحقًا.

وقد تمت الموافقة عليه من الهيئة الفيدرالية الأمريكية للدواء FDA وبدأ تعاطي هذا اللقاح في إنجلترا وأمريكا بدءًا من 12 ديسمبر 2020.  والسؤال هل سوف تؤثر الموافقة على لقاح فايزر على إنتاج لقاحات من شركات أخرى؟ هناك احتمال لأن الكثيرين ربما لا يوافقون على الدخول في تجارب جديدة في وجود لقاح ناجح.

أمان الاستخدام والتخوف من تعاطيه

في استقصاء لمعهد جالوب الأمريكي في نوفمبر 2020 أظهرت النتيجة أن 58% من الأمريكيين يرغبون في تعاطي اللقاح فور وجوده وارتفعت هذه النتيجة من 50% في شهر سبتمبر. وخوف الناس راجع للسرعة الفائقة التي أنتج بها اللقاح مقارنة بسنوات طويلة كان يتم فيها إنتاج اللقاحات. ويوكد الدكتور فاوتشي الخبير الأمريكي أن السرعة لم تؤثر على ضمانات الأمان. كما أكد الخبراء إنه ليس من المنطقي بعد التأكد من فاعلية وأمان اللقاح الانتظار عدة أعوام بينما الفيروس يقتل عشرات الآلاف. والسبب في القلق هو أن كلاً من لقاء فايزر ومودرنا يعتمد على طريقة جديدة في تصنيع اللقاحات لم تستخدم من قبل.

إن طريقة التخزين تحت درجة برودة شديدة غير ممكنة في الثلاجات العادية، وتحتاج لأجهزة ومعدات خاصة لتحقيق هذه الدرجة من الحرارة المنخفضة. وثم يأتي بعد ذلك نقل هذه الثلاجات الخاصة بالطائرات ثم إلى أماكن التوزيع. إذ أنه بعد إخراج الحقن من الثلاجة وبعد التسخين بطريقة معينة يجب أن تؤخذ في ظرف 6 ساعات. ودول العالم الثالث ليست مجهزة بهذا النوع من الثلاجات، ومن المستحيل ضمان مدة الست ساعات، ولذا أعتقد أن تطعيم فايزر بيونتك سوف يكون مناسبًا فقط لدول أمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا واليابان وأضيف إليهم إسرائيل.

وقد مر تحضير هذا اللقاح كمثل جميع اللقاحات والأدوية بعد الانتهاء من التجارب المعملية ثم على الحيوانات تدخل التجارب في مرحلة الإنسان وتمر بثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: تجري على عدد قليل من المتطوعين للتأكد أنه لا توجد أعراض أو مضاعفات خطيرة. 

المرحلة الثانية: لتحديد الجرعة المناسبة من اللقاح أو أي دواء.

المرحلة الثالثة: تجري على أعداد كبيرة، ويقسَّم الذين سوف بأخذون اللقاح إلى نصفين بالقرعة عن طريق الكمبيوتر نصفهم يأخذ اللقاح والنصف الآخر يأخذ حقنة محلول ملح ولا يعلم المتطوع ولا الطبيب ولا الممرضة من أخذ اللقاح ومن أخذ محلول الملح. الكمبيوتر فقط هو الذي يعلم. وفي النهاية يحسب عدد المصابين بالكورونا من كلا المجموعتين والفارق في عدد الإصابات هو الذي يشير إلى نسبة نجاح اللقاح. وقد أجريت المرحلة الثالثة في الولايات المتحدة والأرجنتين والبرازيل وألمانيا وجنوب أفريقيا وتركيا.

وأسفرت النتائج عن أن حالة واحدة فقط من الذين أخذوا اللقاح أصيب بحالة شديدة من الكورونا.

● لقاح مودرنا: وهي شركة أمريكية، وطريقة تصنيعه مشابهة للقاح فايزر. ويعتمد على حقن مادة جينية من الفيروس تدخل الجسم وتنتج أجسام مضادة تحمي الإنسان من الإصابة (RNA) . وقد دفعت الحكومة الأمريكية مليار دولار للشركة للمساعدة، وكانت أول شركة تبدأ في التجارب على 20 ألف متطوع ونسبة النجاح كانت 94% والأفراد القلائل الذين أصيبوا بالكورونا بعد تعاطي اللقاح كان مرضهم بسيطًا. وباعت الشركة للحكومة الأمريكية 100 مليون جرعة مقابل 1.5 مليار دولار واشترى الاتحاد الأوروبي 160 مليون جرعة وفعلت كندا واليابان وقطر نفس الشيء. الجرعة حقنة في العضل وأخرى بعد أسبوعين وبحفظ في درجة حرارة 20 تحت الصفر أي مثل الديب فريزر deep freezer.

النوع الثاني من اللقاحات:

استخدم فيروس الكورونا بعد قتله واستخدام المادة الوراثية به أو إدخال الفيروس الميت أو جزء منه داخل فيروس آخر حميد غير مؤذ وهذه هي الطريقة المعتمدة منذ فترة طويلة في تصنيع اللقاحات ضد الفيروسات، وهناك العديد من الشركات في المراحل المتقدمة من إنتاج هذا اللقاح.

● لقاح أسترا زينيكا (إنجليزي/سويدي) مع جامعة أكسفورد وهو فيروس ضعيف مضاف إليه ماد تنشيط الأجسام المضادة ضد الكورونا. جُربت المرحلة الثالثة على 11636 متطوع في إنجلترا والبرازيل بنصف الجرعة وحققت 90% حماية وحين استخدمت الجرعة كاملة حققت 62%، والحماية في المتوسط كانت 72% ويأخذ المريض جرعتين. وبدأت الشركة تجربة كبيرة جديدة لتحديد نسبة الحماية بدقة وتحديد إذا كانت مختلف الأعمار سوف تستفيد منه. وتجري التجربة الجديدة على 30 ألف متطوع، ويتميز هذا اللقاح بأنه مماثل للقاحات المصنعة سابقًا لفيروسات مختلفة وبالتالي لا يتوقع أن تظهر منه مضاعفات مفاجئة وهي يحفظ في الثلاجة العادية دون تجميد وثمن الجرعة 3 دولارات فقط، ولذا فهو الأكثر مناسبة لدول العالم الثالث من حيث السعر وطريقة النقل والحفظ، وينتظر الموافقة عليه في نهاية يناير في أوروبا ولكن موافقة أمريكا سوف تتأخر.

● جونسون وجونسون: بدأت دراسة المرحلة الثالثة في نوفمبر على 60 ألف متطوع وميزة ههذا اللقاح أنه يحتاج جرعة واحدة لكن يمكن إعطاء جرعتين ونجحت الشركة في تصنيع لقاحات مماثلة ضد الإيبولا في أثناء الوباء، وكذلك لقاح نزلات البرد الموسمية بنجاح. وهو مماثل للقاح أسترا زينيكا، وينتظر أن يكون متوفرًا في مارس/أبريل 2021 وسوف ينتجون بليون جرعة في هذا العام وثمن الحقنة 10 دولارات ويحتاج لثلاجة عادية. وقد اشترت أوروبا 200 مليون جرعة مقابل 2 بليون دولار، واشترت أمريكا 100 مليون جرعة مقابل 1 بليون دولار. وستظهر نتائج المرحلة الثالثة في يناير 2021. ويتم بعد ذلك إجراءات التسجيل والموافقات.

النوع الثالث: يتم حقن نوع معين من البروتينات كي ينتج الجسم أجسام مضادة لها، والتجارب في المرحلة الأخيرة والتطعيم حقنتان بينهما ثلاثة أسابيع، وتنتجه شركة نوفاناس الأمريكية وقد تعاقدت على بيع 2 بليون جرعة للهند، وينتظر أن تظهر نتائج المرحلة الثالثة في أوائل 2021.

النوع الرابع: اللقاحات الميتة أو التي تم إضعافها

● سينوفارم الصيني: شركة صينية تملكها الدولة الصينية أنتجت اللقاح بالتطريقة التقليدية بحقن فيروس ميت كي يحمس خروج أجسام مضادة مشابه إلى أسترا زينيكا. وتمت تجربته على 31000 متطوع من 15 دولة بمشاركة شركة من الإمارات، وأعلنت أن نسبة الحماية 86% ولكنها لم تفصح على بعض التفاصيل، ولم ترد الشركة على تساؤلات أسوشييتد بِرس، وقد سُجِّل اللقاح في عشرة دول منها المغرب، وأعلنت الصين أن مليون مواطن قد حقنوا باللقاح ويحفظ في درجة حرارة 2 - 8 مئوية وهو مناسب لدول العالم الثالث.

● اللقاح الروسي سبوتنك: بدأ التطعيم به في روسيا قبل بداية التجربه في المرحلة الثالثة وهو من جرعتين، ويقول الروس إن نسبة الوقاية 92 - 95% وهو مماثل للقاح أسترا زينيكا وثمن الجرعة 10 دولار، وبعد الإعلان عن بدء التطعيم توقفوا ثم في نوفمبر وبدأوا حملة مليونية للتطعيم. ولا بد من توفر معلومات كافية عن نتائج الأبحاث قبل استخدامه خارج روسيا.

● لقاح شركة سينوفال الصينية: حقنتان، ويحفظ في الثلاجة العادية وهو يحقن فيروسات ميته ويتوقع أن يحقق نجاحًا كبيرًا.

● موفاكسين الهندي (حقنتان بينهما 3 أسابيع) يحفظ في درجة حرارة الغرفة. في بداية المرحلة الثالثة وسوف تظهر النتائج في مارس 2021.

وتذكر مجلة Scientific American  إن اللقاح آمن، ولكن إذا كانت هناك مضاعفات خطيرة بنسبة واحد في الألف فقط؛ فإن ذلك يعني إصابة مئة ألف مواطن بالمضاعفات حين نقوم بتطعيم مئة مليون مواطن. وعلى الناحية الأخرى فإن الحكومة الأمريكية تشجع مواطنيها على أخذ اللقاح وسوف يأخذه الرؤساء السابقون أوباما وبوش وكلينتون علنًا لتشجيع المواطنين.

من هذا يتضح أن اللقاح الأكثر مناسبة لمصر هو لقاح أسترا زينيكا / أكسفورد أو جونسون وجونسون بعد انتهاء التجربة الإضافية التي تجرى الآن.

اللقاح الصيني الإماراتي مشابه له ونتائجه تبدو جيدة، ولكن لا بد من مراجعة السلطات الصحية المصرية لكل تفاصيل والأرقام التي أجريت، لأن بعض المصادر أشارت إلى بعض الغموض فيها. وأرجو أن تستطيع القضاء بنسبة كبيرة على الفيروس اللعين حتى تستطيع أن توقف إنهاك الاقتصاد المصري بالكورونا.

مشكلات التوزيع واحتمالات الفساد

هناك احتمالات ألا تلتزم بعض دول العالم الثالث بالتوزيع حسب نسبة احتمالات الإصابة بالمرض، والبدء بمن يعملون في الرعاية الصحية، ثم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، ثم بقية الناس بنظام معين. ويقول جوهانسون كونينج إن احتمالات سرقة اللقاح وبيعه في السوق السوداء موجودة، وكذلك عدم الالتزام بتوزيعه حسب القواعد والطبية، بحيث يأخذه السياسيون وكبار المسؤولين، وخصوصًا في دول العالم الثالث موجودة بكثرة. ويجب على الدول المانحة التأكد من توزيعه حسب القواعد الطبية الموضوعة والواقع أن الدول الغنية قد حجزت معظم جرعات اللقاح، وربما لا يبقى شيء للدول الفقيرة إلا بعد فترة طويلة؛ خصوصًا وأن الدول الغنية قد حجزت 4 مليار جرعة.

أعلن روب ليشيتا بأن الدول الغنية في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان وأستراليا قد حجزوا جرعات من اللقاح تكفي لحماية شعوبهم بل وتزيد، وقال إن فردًا واحدًا كل عشرة في دول العالم الثالث سيكون متاحًا له الحصول على اللقاح قبل نهاية 2021. واشترت الدول الغنية، التي تمثل 14% فقط من سكان العالم، الجزء الأكبر من اللقاح. وقد طالبت دول العالم الثالث أن تحصل منظمة الصحة العالمية على تكنولوجيا اللقاح لإنتاجه للعالم الثالث. ودون تغيير حقيقي لن يحصل الملايين من الفقراء من دول العالم الثالث على اللقاح لسنوات طويلة قادمة. 

لماذا لا يتساءل البعض عن عدم محاولة مصر إنتاج اللقاح؟

الحقيقة أنه كانت عند مصر فرصتان للحداثة، الأولى في أوائل القرن التاسع عشر عندما صعد محمد علي إلى الحكم، واستطاع التخلص من حكم المماليك، وبدأ نهضة علمية وصناعية بالتعاون مع فرنسا، وقامت صناعات مصرية قوامها إنتاج الأسلحة وإنشاء مدرسة طبية حديثة لعلاج الضباط والجنود. ولكن غرور السلطة ومحاولة التوسع فوق القدرات الذاتية أدى إلى تحطيم الأسطول المصري بالقوى الأوروبية، ووقعت مصر معاهدة 1840 التي منعت مصر من الخروج إلى الحداثة بالكامل، في هذه الفترة بدأنا نهضة مصرية بالتوازي مع نهضة اليابان والنهايات كانت مختلفة تمامًا.

الفرصة الثانية جاءت إلى عبد الناصر في خمسينيات القرن العشرين؛ حين كانت الظروف المحلية بعد تعليم مجموعة كبيرة من المصريين وتشبعهم بالعلم والفكر الحديث خلال الفترة الليبرالية من النصف الأول من القرن العشرين، مهيئة لأن يقوموا بنهضة علمية واقتصادية تقوم على الحداثة. وفي هذه الفترة كانت الهند ومصر قد استقلا حديثًا وكلاهما كان عنده نفس المجموعة من المتعلمين والقواعد والأجهزة القادرة على إحراز التقدم وكانت فكرة نهرو التي قالها لعبد الناصر "إننا نحتاج إلى مراكز علمية بحثية متطورة محدودة، يتعلم فيها ويعمل وينتج صفوة العلماء، لأننا غير قادرين على تقديم تعليم متطور للملايين من الهنود". وفعلاً أنشأ عبد الناصر هيئة الطاقة الذرية والمركز القومي للبحوث وعدة مراكز أخرى، ولكن نهرو استطاع في نظام ديموقراطي تحقيق الحرية الكاملة لهذه الهيئات والأجهزة لتعمل؛ وفي غضون عقدين من الزمان أصبحت الهند أكبر الدول التي تنتج البرمجيات، ولديها قنبلة نووية وصواريخ مصنعة محليًّا وواحدة من أكبر صناعات الدواء في العالم. وفي مصر أديرت هذه المراكز بطرق بيروقراطية يتحكم فيها أهل الثقة، وليس أهل العلم، ودخلنا في النفق المظلم بسبب سوء التقدير وهزمنا في 1967 الهزيمة التي قتلت مصر، وما يزال تأثيرها مستمرًا حتى الآن. وهنا السبب الرئيسي في عدم قدرتنا على تصنيع اللقاح لأننا لا نملك إمكانية البحث العلمي في العلوم الأساسية. حتى الآن والدولة في جميع المراحل السياسية استطاعت تكبيل وقتل البحث العلمي الأساسي ووضعه تحت مقصلة البيروقراطية وضرورة تحكم السلطة في كل شيء.