مراجعات

وليد الخشاب

ورد مسموم: سينما صوفية عن الحياة والزمن

2019.03.01

مصدر الصورة : السينما دوت كوم

ورد مسموم: سينما صوفية عن الحياة والزمن

فيلم: ورد مسموم
المخرج: أحمد فوزي صالح
انتاج عام: 2018

يدور «ورد مسموم»، الفيلم الروائي الأول للمخرج أحمد فوزي صالح، في عالم المدابغ بمصر القديمة، وهو مستوحى من رواية أحمد زغلول الشيطي «ورود مسمومة لصقر». لكن المخرج اختار أن يركز في سيناريو الفيلم على خط سردي واحد من الرواية وعلى عدد محدود جدًا من شخصياتها، ليصنع قصيدًا سينمائيًّا صوفيًّا، وسياسيًّا معًا. 
فيلم «ورد مسموم» فيلم شديد المصرية، ليس بمعنى انغماسه الشديد في واقع المدينة المصرية وتصويره لشقاء العاملين في منطقة بين/بين، على الحدود بين القاهرة الفاطمية والعاصمة الحديثة، بل بمعنى تجذره العميق في باطن الأساطير الشعبية المصرية. فالفيلم يمكن قراءته على أنه إنتاج حديث لقصة إيزيس وأوزوريس وابنهما حوريس. وقد ذكر زغلول الشيطي في حوار له على موقع المدن في 12 و13 ديسمبر 2018 أن الدكتورة منى النموري قد قدمت ورقة علمية قارنت فيها بين «تحية»، إحدى بطلات روايته، والربة المصرية القديمة إيزيس. لكن المخرج فوزي صالح يذهب بالتوازي بين الثالوث المصري القديم: إيزيس، أوزوريس، وحوريس، وبين شخصيات فيلمه، إلى أبعد مدى.
العشق المقدس والحب المحرم
يدور الفيلم في معظمه حول تصوير عشق المحارم بين الشابة «تحية» وأخيها «صقر»، وهو عشق لا يتجاوز حدود المجاز والعبث بالكلمات إلى منطقة ممارسة محرمة. لكن البنية البصرية الشاملة للفيلم تدمغ القصة كلها بقوة وحسية و«حيوية» هذه العلاقة. فالإيقاع البصري للفيلم مبني على تكرار سعي الأخت بين البيت ومدبغ الجلود حيث يعمل أخوها، سعي ذي مسار معلوم بين نقطتين: من البيت تحمل عامود الأكل، إلى المدبغ تؤانسه وهو يأكل، ثم إلى البيت ثانيةً، حاملةً الأواني الفارغة. كأن هذا المسار هو سعي شخصية أمٍ مقدسة تهرول بين نقطتين، بحثًا عن شربة ماء تروي بها ظمأ ابنها. أو كأنه سعي إيزيس للملمة أشلاء زوجها أوزوريس. هذا الالتباس بين دوري الزوج المعشوق والابن المحبوب الذين يلعبهما الأخ «صقر» حيال أخته «تحية»، هو تذكار للحظة في الوعي الجمعي المصري والدين الشعبي في البلاد، عندما تم تحوير العلاقة بين إيزيس وأوزوريس وإلباسها ثوبًا مسلمًا، جعل الإمام الحسين يحل محل أوزوريس، والسيدة زينب تحل محل إيزيس.
يلفت النظر أن الأخ اسمه «صقر»، وأن الصقر هو المعادل الطوطمي للإله حوريس. لو مددنا المجاز على استقامته، لاعتبرنا أن «تحية» هي تجسد حديث لإيزيس، لكنها تعشق أوزوريس (زوجها) وحوريس (ابنها) معًا. وتتضح العقدة بشكل أكثر جلاء عندما نتذكر أن أوزوريس وإيزيس في الأسطورة المصرية القديمة كانا أخوين وزوجين معًا. مع تحول مصر إلى الإسلام، اختفت من العلاقة بين أوزوريس وإيزيس رابطة الأخوة بينهما، ثم تم إحلال شخصيات إسلامية لتلعب الدور الأسطوري الذي كانت تلعبه الشخصيات الفرعونية، أو دورًا قريبًا. فمثلًا دور الأب الفادي الذي كان يلعبه أوزوريس، تحول إلى دور الأخ الفادي، وأصبح الإمام الحسين هو الذي يلعبه. ودور الزوجة/الأم باعثة الحياة الذي كانت تلعبه إيزيس، تحول إلى دور الأخت الحاضنة، التي تقوم تجاه «عيالها» بدور أمومي، وتولت السيدة زينب أخت الإمام الحسين هذا الدور.
رأيي أن شخصية «تحية» في «ورد مسموم» تعيش أزمة اقتصادية ونفسية وصدمة قيمية هزتها، وجعلتها تسترجع لحظة روحية سابقة على الإسلام المصري، لا تكتفي فيها الأخت بأن تكون أختًا حاضنة تلعب دورًا أموميًّا، مثل السيدة زينب، بل تعود إلى جذور أوزيرية تكون فيها الأختُ زوجةً أيضًا. ويزداد الاختلاط الناتج عن الصدمة، فيتحول العشق المحرم - الذي يملك على «تحية» جسدها- من علاقة إيزيسية بين أخت وأخيها، إلى علاقة أوديبية بين إيزيس/الأم/»تحية» وحوريس/الابن متجسدًا في جسد الأخ «صقر». 
ما طبيعة الصدمة التي تعيشها «تحية»؟ ما توصيفها المحدد؟ لا يتيح الفيلم معلومات تفسر الزلزلة التي تعيشها «تحية». لكن يمكن أن نتصور أنها صدمة العمل، أو صدمة الحدود، أو صدمة دخول رأس المال إلى بيوت أبسط العمال في أبعد الأماكن عن مراكز إدارة الأموال في العالم. صدمة نزول «تحية» إلى العمل كعاملة نظافة في أحد المولات الفخمة وتحملها مسؤولية ميزانية البيت طول السنة، وتناقض دورها الاجتماعي الحالي مع الدور الاجتماعي التقليدي للأخت الآنسة التي يفترض على أخيها الذكر أن يتحمل مسئوليتها، في إطار منظومة اجتماعية تقليدية. أو صدمة حياة «تحية» اليومية حيث تتحرك على الحدود بين عالمين وبين قاهرتين.
بمعنى ما، فيلم «ورد مسموم» فيلم عن العولمة بوحشيتها وبخيالاتها الغاوية الرهيبة معًا. العولمة في الفيلم لا تقتصر على كون المكان -حي المدابغ- هو مقلوب المدن العصرية الجميلة التي تشكل واجهة العولمة النضرة، ولا على كون الشباب الذين يحاولون السفر في هجرة «غير شرعية» إلى إيطاليا يتمثلون العولمة بوصفها العالم كله كسوق محتمل للعمل، ولا يكتفون بالبحث عن العمل في إطار حدود الدولة القومية أو الإقليم السياسي-الثقافي (العربي في حالتنا). حضور العولمة طاغٍ بفعل الجغرافيا الخيالية، التي جعلت من إيطاليا جزءًا ماديًّا من فضاء الحياة اليومية في المدابغ كما صورها الفيلم. فكلما فتحت «تحية» نافذة بيتهم المطلة على الشارع الضيق، ظهرت أمامها لوحة مكتوبٌ عليها إشارة للمشروع الإيطالي لدعم وتطوير منطقة المدابغ. ذلك هو التجلي الخيالي لمكان العولمة: أن تفتح «تحية» شباك شرفتها في حي فقير شبه عشوائي على أطراف القاهرة القديمة، لتجد نفسها على بعد أمتار قليلة من مجاز إيطالي ومن مجاري مكشوفة. 
مقابل تعبير الجغرافيا الخيالية عن تساوق وتوافق الشرق والغرب بصريًّا في المدابغ، تدهشنا «الجغرافيا النفسية» بتساوقاتها الصوتية. إيقاع الفيلم الصوتي يحكمه صوت منتظم لآلة من آلات الدباغة، تسمعه في كثير من مشاهد الفيلم، لا سيما المشاهد الصامتة. لكن لأن الإيقاع يبدو هكذا إيقاعًا لخلجات النفس، فهو يدهشنا بتغلغله في دخيلة الشخصيات كلها، لا سيما الأخت وأخيها. وبالتالي يتبدى لنا ذلك الإيقاع كتنويعة على إيقاع الذِكْر الصوفي الذي يوقعه الذاكرون بأنفاسهم أو بالدف. إيقاع الذِكْر وإيقاع الآلة - أي إيقاع الإنتاج الروحي وإيقاع العمل- متغلغلان في دخيلة النفوس بالضرورة، وكذلك في خلفية وعي الشخصيات، أي في نسيج لحمهم الحي.
ما العمل؟
«ورد مسموم» ليس مجرد فيلم عن حياة العمال المطحونين وأسرهم، بل هو فيلم عن العمل من حيث هو منظومة متكاملة، لا تنتج فقط -في حالتنا هذه- جلدًا مدبوغًا، بل هي تمثل واحدًا من أقسى حالات استغلال رأس المال لجهد العامل وصحته. فالعمل في المدابغ، كما يصوره الفيلم، يؤدي إلى استغلال العمال -ليس فقط لأنه يحول جهدهم إلى تراكم لثروات يكنزها رأس المال من بيع نتيجة جهدهم- لكن يؤدي أيضًا إلى القضاء على صحتهم، لتعرضهم للأبخرة السامة أثناء عملهم في دبغ الجلود. هكذا، فمساهمة العمال في إنتاج سلعة فاخرة (الجلد المدبوغ)، يتوجه جزء كبير منها للتصدير ولصناعة منتجات فاخرة، تنتهي إلى تكوين فائض القيمة الناتج عن تسليعها والتجارة فيها، وهو فائض هائل لا ينال العامل منه إلا الفتات. صور الفيلم ومونتاجه تؤكدان أن «ورد مسموم» ليس فقط فيلمًا عن إنتاج الجلود، بل هو فيلم عن العمل بوصفه إنتاجًا للنفايات. ليس المقصود فقط نفايات عملية الدبغ، من بقايا جلود وشعور ومن مواد كيماوية سامة ومسرطنة، بل المقصود أن الفيلم عن إنتاج العمال أنفسهم بوصفهم نفايات بشرية تتخلف عن عملية إنتاج السلع الفاخرة.
يُنتِجُ الفيلمُ رؤية تكشف أن العمال يتحولون لنفايات في عملية الإنتاج الاستغلالية. وتفصح تلك الرؤية عن نفسها عندما نرى في بدايات الفيلم عاملًا يسقط من الإعياء، ثم تتأكد تلك الرؤية على مدار الفيلم، حيث نرى في خلفية الصورة بانتظام عمالًا وقد هَدَهم التعب. بالتالي يتضح أن أول كادر في الفيلم، والذي يصور مجرى مياه مكشوفًا، وأول حركة في الفيلم، وهي حركة المياه، لا يعرضان حركة الحياة المرتبطة في المخيلة بصورة المياه. بل هما في واقع الأمر يظهران حركة النفايات، لأن الماء الذي نراه هو ماء المجاري المكشوفة، حاملة نفايات حي المدابغ كله. وفي الإطار نفسه تتكشف فاعلية حركة الورد في الفيلم. فهو ورد مسروق من المقابر، تلتقطه «تحية» من على شواهد قبور تجاور قبر أبيها، ثم يلفت نظرنا أنها تلقي الورد في المجاري المكشوفة حين تؤكد اتفاقها مع الساحر على صناعة «عمل» يصيب أخاها بالمرض ويبعده عن حبيبته. وبهذا يصير الورد -الذي هو في العادة رمز تجدد الحياة- وردًا مسمومًا مختلطًا بالنفايات السامة للمدابغ، كأنه تجسيد مجازي لحركة الموت. بهذا تنقلب فاعلية الورد من صورة مرتبطة بالحياة والحب، إلى العكس: صورة تعانق الموت، وتمثل حركة الموت، لا حركة الحياة. ومع ذلك فالموت -مثل النفايات- هو جزء من الحياة، لا مجرد نقيض لها.
بهذا المعنى أيضًا نفهم أن النفايات ليست مجرد ما تلفظه عملية الإنتاج. بل إنها تتحول إلى جزء من الحياة، نتيجة لتحولها هي بذاتها إلى سلعة. نتابع في الفيلم تحول نفايات عملية دباغة الجلد إلى جيلاتين وصمغ، ثم نرى الأم تستخدم مكعبات الصمغ الخارجة من المدبغ في عملها في حياكة الملابس في مشغل. بالمنطق نفسه، نفهم معنى عمل «تحية». فهي تكسب عيشها من وظيفتها كعاملة نظافة في مراحيض مول، أي أن عيشها واستمرارية حياتها يتم تمويلهما من التعامل مع الفضلات البشرية وتنظيف المراحيض. لا نكاد نرى من المول إلا التواليت. بصريًّا يؤكد هذا اتجاه الفيلم لبناء مكان «خفي» وسري: مكان الأمعاء، المجاري، الشوارع الخلفية والخفية، مكان المراحيض. كأن مكان الفيلم هو مقلوب الوجه «الجميل» المرفه لطبقات المجتمع مالكة الثروات، تلك الطبقات التي مكانها هو المحلات الفاخرة، حيث تعرض المنتجات الجلدية الراقية، وواجهات عرض البضائع الفاخرة في المولات.
الفيلم إذن ليس فقط عن إنتاج الطبقة العاملة ورديفتها البروليتاريا الرثة في منظومة عمل تخدم قطاع الرفاهية في الإنتاج الرأسمالي، وتحول البشر إلى نفايات، كعَرَض من أعراض إنتاج المادة الخام للسلع الفاخرة (مثل الجلود). هو فيلم عن تحويل النفايات نفسها إلى جزء لا يتجزأ من حياة البشر، ليس فقط لأن البشر يعيشون وسط النفايات أو جنبها، لكن لأنهم يكسبون عيشهم منها. بالتالي، تظهر النفايات في الفيلم مظهرًا أساسيًّا من مظاهر نشوء الطبقة العاملة والبروليتاريا الرثة، الناتج عن عملية الإنتاج نفسها. هكذا دون حرف واحد من أدبيات اليسار المعتادة أو غير المكرسة، تتبدى مادية الفيلم التاريخية.
أليجوريات سينمائية
باستثناء «تحية» وأخيها «صقر» وأمهما لا يكاد يكون هناك شخصيات «حقيقية» في الفيلم إلا الشخصية الجمعية لسكان المدابغ. فاهتمام الفيلم بتتبع هذه الشخصيات ونقل كلامهم للمشاهد لا يترك مكانًا لأحد خارج هذ الأسرة، إلا لشخصية جمعية هي سكان المدابغ الذين يحيطون بتحية وأخيها ويتبادلون معهما الحديث ويشاركونهما المصير. يمكن اعتبار هذا الجانب الجمعي في بناء الفيلم جزءًا من ميراث سينمائي يخلق شخصيات جماعية كمعادل للجماهير، كما في تراث السينما السوفييتية في عقديها الأولين. ويتسق هذا مع كون الفيلم منغمسًا في عالم المدابغ كحي وصناعة، وكأن الشخصية الجمعية للسكان أحد مظاهر الشخصية المركزية في الفيلم كله: الحي نفسه كمكان ومجاز وعَرَض ناجم عن حالة اقتصادية واجتماعية.
يتبادر إلى الذهن فورًا أن «ورد مسموم» فيلم واقعي عن المكان. فهو يدور بأكمله في عالم المدابغ ومساكن العاملين في المدابغ ولا تكاد تخرج الكاميرا عن هذه الدائرة المكانية إلا لدقائق معدودة في مشاهد تعد على أصابع اليد الواحدة. وتصوير تفاصيل المكان وفقره، واختيار أماكن كثير منها حقيقي يزيد من اندراج الفيلم في عالم الواقعية المكانية. لكن «ورد مسموم» فيلم عن الزمن بقدر يفوق بكثير قدر احتفاءه بالمكان. لا يتسع المجال لتحليل حركة الزمن في الفيلم بشكل وافٍ. أكتفي بإشارة لعلاقة الشخصيات بزمن أسطوري/فولكلوري، يبدو في دائريته عودة لزمن قديم، غير تاريخي، لكن له قوة وسلطة الحكايات التأسيسية، مثل قصة إيزيس التي حللت علاقة الفيلم بها، أو قصة شفيقة ومتولي (مع ملاحظة أن القصة الأخيرة كانت واقعة حقيقية، تحولت بفعل الشغف الشعبي بها إلى جزء من الفولكلور المصري الحديث).
إن المتأمل في تاريخ السينما لابد وأن يندهش من ذلك الخيط الذي يمتد من الميلودراما التاريخية الرائعة: «شفيقة ومتولي» لعلي بدرخان إلى «ورد مسموم» لأحمد فوزي صالح. الرابط بين الفيلمين هو كونهما من أجرأ الأفلام العربية في إشارتهما المرهفة لمجاز تخالجه فكرة حب المحارم، ولعلاقة بين أخت وأخيها تتسم بالعاطفية الشديدة، المربكة أحيانًا، مع اختلاط صورة المرأة فيهما بصورة الوطن. قد نتفق ونختلف حول كون «تحية» أليجورية أو تجسيدًا مجازيًا لمصر. لكن يصعب أن نختلف على كون «شفيقة» في فيلم «شفيقة ومتولي» إشارة إلى مصر. فمصير الشخصية التي تلعبها سعاد حسني هو مجاز واضح لفكرة بيع مصر لروحها بل وجسدها إلى معسكر التبعية للهيمنة الغربية أثناء حفر قناة السويس، في إسقاط واضح على علاقة مصر بالمعسكر الغربي -الجديدة وقت عرض فيلم بدرخان في 1978. 
ما يعنيني هنا هو أن الشخصية النسائية المحورية في الفيلمين كانت تجسيدًا لمصر، وفي الوقت نفسه كانت مرتبطة بأخيها بشكل يزيد عن الارتباط «العادي» بين أخ وأخته. فكرة حب المحارم غير مفصلة في «شفيقة» وإن كانت ملموسة في لهفة شفيقة على أخيها عندما أُجبِر على الرحيل ليشارك في حفر القناة. لكن لو قبلنا بهذه المقدمة، لظهر لنا كيف أن هناك مثلثًا مجازيًا يتكرر عبر فيلمي «ورد» و»شفيقة»: أخت-أخ-مصر. في الفيلمين أخت تمثل مصر، تحب أخاها بشدة، وتتعذب بسبب بعده عنها، الذي يتحقق فعلا في «شفيقة»، ويخيم كتهديد مستمر في «ورد». في فيلم بدرخان، تنقلب العلاقة الأوزيرية: فالأخ/متولي/أوزوريس يغيب، لكن الأخت/شفيقة/إيزيس لا تجوب البلاد طولًا وعرضًا بحثًا عنه، بل هي تسافر كثيرًا مستسلمة لقدرها بعد أن تاجرت بجسدها. وينتهي الأمر في قصة شفيقة الفولكلورية إلى أن الأخ يمزق جسد الأخت بالسكين، أي أنه يقوم بعكس ما قامت به إيزيس من تجميع لأجزاء جثة أخيها. ومن هنا تبدو قصة شفيقة مغرقة في التشاؤم، على عكس القصة المصرية القديمة التي تتكلل بعودة الأخ للحياة ولو للحظة. في فيلم بدرخان، لا تقل قصة شفيقة تشاؤمًا، حتى وإن كان قتل شفيقة يتم على يد أتباع الباشا الفاسد الذي باع ذمته للرأسماليين الغربيين أصحاب مشروع القناة.
في «ورد مسموم»، لا تموت الأخت التي تمثل مصر، لكنها تتسبب في أذى للأخ يكاد يقتله، أولًا حين تعمل له «عملًا»، وثانيًا حين تشي به للشرطة كي تمنعه من الهجرة. من هنا، يتفق «ورد مسموم» مع نموذج قصة إيزيس من حيث سعي الأخت للملمة لحظات منتزعة/ممزقة من حياة أخيها، حين يتوقف زمن عمله اليومي، حيث تحضر له و جبته في وقت الراحة، مثلما لملمت إيزيس مِزَقَ جثة أخيها؛ أو حين «تجمعه» تحية بأرض مصر، حيث تتسبب في فشل هجرته، مثلما أعادت إيزيس جثة أخاها إلى مصر. لكن الفيلم يخالف نموذج قصة إيزيس، لأن الأخت هي التي تؤذي أخاها، ولا تكتفي بـ «لملمة» أشلائه المعنوية.  
يظل مثيرًا وغامضًا معًا أن المرأة الوطن في الفيلمين ترتبط بعلاقة «اندماجية» ملتبسة مع الأخ، الذي يمثل الأمل والحماية. في «شفيقة ومتولي» يبدو هذا الحب تجليًا للطاقة العاطفية اللانهائية -التي تتجاوز كل «الحدود»- والتي تليق بشخصية تمثل تجسيد الأنوثة بلام التعريف وتجسيد الوطن بكل معانيه. أما في «ورد مسموم»، فيبدو هذا الحب الملتبس انعكاسًا لعلاقات القهر في المجتمع. وحشية الرأسمالية تطحن الوطن/»تحية»، فتتلمس الحماية لدى ابن الوطن/أخيها. لكنها تعكس العنف الذي تعيشه في المجال العام على حياتها في المجال الخاص. كما تطبق الرأسمالية على أنفاس العمال البسطاء في المدابغ، تقوم «تحية» بخنق «صقر» إذ تحاصره بعنايتها وبغيرتها من علاقته بفتاة أخرى وبإحباطها محاولته للهجرة. بهذا المعنى «ورد مسموم» ليس فقط أكثر جرأة من «شفيقة ومتولي» من حيث تصويره للحب الملتبس، لكنه أكثر تعقيدًا في تصويره لمن هو ضحية أو جلاد في القصة.