مراجعات
إسماعيل الأشول"قصة حزب العمل الشيوعي السوري".. سيرة تجربة نضالية
2020.04.01
عرض كتاب “قصة حزب العمل الشيوعي السوري (1976-1992) فصل من تاريخ اليسار في سوريا”
الناشر: دار المرايا للإنتاج الثقافي – القاهرة
الطبعة الأولى 2020
المؤلف: راتب شعبو
"قصة حزب العمل الشيوعي السوري".. سيرة تجربة نضالية
لم تكد حرب يونيو1967 تضع أوزارها، بهزيمة مذلة للعرب، حتى خرجت الصحف السورية بعنوان باللون الأحمر: "انتصرنا"!
من رحم هذه المفارقة، تكوَّنت، بشكل عفوي، خلال السنوات التالية للهزيمة، حلقات شبابية في سوريا، مشغولة بالهم العام، والقضية الوطنية، يجمعها نزوع ماركسي، لتتطور لاحقًا إلى تنظيم يحمل اسم رابطة العمل الشيوعي (1976) التي تحولت إلى حزب العمل الشيوعي السوري (1981) قبل أن يصفى باعتقال آخر قياداته في عام 1992.
هذا ما يخبرنا به الكاتب راتب شعبو، في كتابه الصادر حديثًا عن دار المرايا للإنتاج الثقافي، تحت عنوان: "قصة حزب العمل الشيوعي السوري (1976 - 1992) فصل من تاريخ اليسار في سوريا"، والذي يرصد فيه تجربة الحزب التي مرت بمراحل شتى، قبل أن تجهض بفعل الضربات الأمنية المتلاحقة. "لا يمكن فهم استمرار سلطة الأسد وحزبها إلا بوصفه الوجه الآخر لهزيمة القوى السياسية المعارضة وإعدامها".
لم تكن هزيمة يونيو السبب الوحيد في نشوء الحلقات الماركسية، إذ شهدت تلك الفترة صعودًا عالميًا لما عرف باسم "اليسار الجديد"، وكان أبرز مظاهر هذا الصعود انتفاضة مايو 1968 الطلابية في فرنسا، بحسب المؤلف.
ويتساءل شعبو: "إذا كانت هزيمة حزيران قد ألمت بسلطة يسارية، لماذا أدت هذه الهزيمة إلى انزياح سياسي نحو اليسار في سوريا؟ لماذا لم تؤد الهزيمة إلى وأد اليسار السوري الذي كان على رأس السلطة المهزومة مثلما أدت هزيمة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة إلى تراجع حاد في التيار اليساري العالمي؟
ويجيب: قد نتلمس الإجابة على هذا السؤال خارج نطاق سوريا. فحين كانت السلطة "اليسارية" تنحسر شعبيًّا ودوليًّا وعربيًّا وعلى مستوى مراكز القوى في الداخل، كان ثمة رياح يسارية تهب في غير مكان من العالم خارج سورية، بما في ذلك العالم العربي".
الحلقات الماكسية
ينقل المؤلف عن كامل عباس في كتابه "حزب العمل الشيوعي في سورية والمستقبل، رؤية من الداخل"، خارطة للحلقات الماركسية في النصف الأول من عام 1974 أي قبل الاجتماع الموسع الذي عقد في النصف الثاني من العام نفسه، كما يلي:
"حلقة في مدينة اللاذقية لها فروعها في ريف جبلة واللاذقية، وحلقة في دير الزور، وحلقة في جامعة دمشق أغلب أعضائها طلاب في كلية الطب، وحلقة في جامعة حلب، وحلقة في الغالب أغلب رموزها فلاحون تأثروا بالإصلاح الزراعي هناك، وحلقة داخل الجيش العربي السوري على الحدود السورية الإسرائيلية قي الجولان أبرز رموزها ضباط وجنود يؤدون الخدمة الإلزامية هناك، بالإضافة إلى حلقات أخرى".
على مدار ثلاثة اجتماعات موسعة، التقت الحلقات الماركسية، بهدف التواصل والتعارف، لكن لم تنجح في الوصول إلى صيغة تنظيمية لها اسم "رابطة العمل الشيوعي" قبل الاجتماع الثالث الموسع الذي عقد في حلب أواخر صيف 1976.
الرابطة
من الحلقات المتناثرة تنظيميًّا وغير الموحدة تمامًا نظريًّا وسياسيًّا، والتي بقيت دون اسم، انتقلت الحركة السياسية -التي نحن بصدد التأريخ لها- إلى الرابطة ذات الاسم المحدد والهيكلية التنظيمية المركزية وذات الخط الاستراتيجي الواحد؛ ثم بعد ذلك من المنظمة "الرابطة" إلى الحزب.
وعرفت الرابطة نفسها في لائحتها التنظيمية كما يلي: "رابطة العمل الشيوعي فصيل ماركسي لينيني مهمته المركزية العمل الجاد مع بقية الفصائل الماركسية اللينينية في الساحة السورية لبناء فرع سوري للحزب الشيوعي العربي، هدفه رفع وعي وتنظيم وتعبئة الطبقة العاملة وحلفائها الطبقيين لإنجاز الثورة الاشتراكية بالأفق الأممي البروليتاري". وتعتبر الرابطة أن من شروط العضوية "الالتزام بالماركسية اللينينية (باعتبارها أيديولوجية الطبقة العاملة) منهجًا في التحليل ومرشدًا في العمل وموقفًا من المجتمع والكون".
كما جمعت الرابطة بين ميلين لا يجتمعان عادة: الميل إلى تأصيل الفهم الماركسي للواقع، بالعودة إلى "الأصول" ماركس أولاً ثم لينين ثانيًا، والميل إلى الفعل وفرض الذات والتأثير في اللحظات السياسية، وهو ما جعل الرابطة هدفًا لحملات قمع متواصلة تعرض لها التنظيم طول تاريخه.
ويوضح شعبو: في فترة "الحلقات" طغى الميل الأول، ولكن بعد التحول السياسي وظهور الاسم النضالي "رابطة العمل الشيوعي"، بدأ الميل الثاني بالبروز، حتى بات يمكن القول إنه على الرغم من التميز بالاهتمام النظري والكتابي للرابطة والحزب، فإن العلامة الفارقة في تلك التجربة هي الكفاحية العالية والفعل المستمر.
الحلقات الماركسية والمنظمات الفلسطينية
وخلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي -كما يقول الكتاب- لعبت المقاومة الفلسطينية دور المستقطب الوطني للكثير من السوريين الذين تركوا تنظيماتهم القومية أو انجذبوا كمستقلين للعمل الوطني. وشكَّلت منظمات المقاومة مصنعًا للكثير من الناشطين السوريين الذين دفعهم "الجرح الوطني أو القومي" للانخراط فيها ثم البحث والتأمل في مسائل نظرية أساسية متعلقة بموضوع التحرير، والاهتمام بدراسة التجارب العالمية.
ووفق المؤلف، فإن أول ظهور مؤثر للانزياح الماركسي الذي اعترى الفكر القومي عقب الهزيمة، كان على الساحة الفلسطينية باعتبارها الساحة الأكثر حرارة ودينامية. فقد ارتبط تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بالانزياح اليساري الماركسي في حركة القوميين العرب. كما ارتبط نشاط الكثير من عناصر الحلقات بهاتين المنظمتين.
في مواجهة القمع
في مواجهة التنظيم كانت السياسة الأمنية للنظام السوري استئصالية، استهدفت أيضًا المحيط الاجتماعي له من أصدقاء أو أقارب، واستهدفت حتى من قرأ جريدة الحزب، وقد كانت سجون النظام السوري تحفل بالكثيرين من "قارئي الجريدة".
ولم يكن قمع النظام السوري وحده في خانة تحديات الرابطة، بل إن بعض الفصائل واجهت الرابطة "باللامبالاة الكاملة وبالتشكيك والاتهام والمواقف النرجسية".
"على العموم، نشأ جو مكهرب وغير بناء بين الرابطة وبقية الأحزاب والتنظيمات الشيوعية السورية الأخرى، التي لم يكن الجو فيما بينها بناء أيضًا، ولكنه كان ساكنًا لأن هذه القوى كانت متقاربة في الركود السياسي والتنظيمي".
صحيح أن الرابطة لم تكف، حتى اليوم الأخير، عن نقد الأحزاب الأخرى ومطالبتها بالمزيد من الجذرية والفاعلية والالتزام بقضايا الشعب، كما تراها الرابطة، إلا أن هذا لا يخفي أن هذه الأخيرة اقتنعت منذ وقت مبكر، فيما يبدو، بأن طريق "ربط العمل الشيوعي" مغلق، وسارت بالتالي في طريقها وحيدة.
كانت الرابطة النبتة الشيوعية الوحيدة التي لم تكن فرعًا من الشجرة الأم (الحزب الشيوعي السوري)، وكانت أيضًا، وربما بسبب ذلك، التنظيم الشيوعي الذي تمايز عن بقية الفروع بأنه لم يشهد انقسامات.
ماركسية ضد أخرى
طبيعة الفكر الماركسي هذه هي طبيعة مقاومة للتقادم والتنحي، فهي تتيح بروز تيارات فكرية ماركسية تعارض ماركسية تيارات أخرى، وتتيح الكلام عن ماركسية سوفيتية وأخرى صينية وأخرى تروتسكية.. إلخ. هناك إذن أصل منشىء يصعب قتله، وحتى لو فشلت فروعه، ذلك أنه يمتلك قدرة على أن يكون أصلاً لفرع جديد ينشد النجاح. والواقع أن الحلقات الماركسية حاولت أن تكون هذا الفرع الجديد.
كان الحاضر الأكبر في كامل هذه التجربة، وما يشابهها من تجارب، هو القمع والتعسف قبل أي شيء آخر. فلم تجد الرابطة (ثم الحزب) طول تاريخها زمنًا «طبيعيًّا» للتفكير الحر من القلق والتوتر والخوف.
إجمالاً، سجل الحزب ما بين عامي 1977 وحتى عام 1993 -من واقع الكتاب- اعتقال 815 من أعضائه، من مختلف الفئات والأعمار والمهن.
تشويه
لاحقت الحزب حملات تشويه رسمية شتى، اضطرته -كما يروي راتب شعبو- إلى الدخول في معركة دفاعية مثيرة للشفقة "كأن يضطر الحزب الذي كرس جل نضاله للمسألة الوطنية، أن يدافع عن نفسه ضد تهمة العمالة لإسرائيل. وأن يضطر الحزب الذي كان خطه شديد الوضوح في الموقف من الإخوان المسلمين ومعاداتهم، إلى الدفاع عن نفسه ضد تهمة التعاون مع الإخوان المسلمين. وأن يضطر الحزب الذي كان دائمًا يبجل النشاط الدعوي ويعتبره مهمة مركزية، والذي لم يحمل عناصره في الداخل أي سلاح مهما يكن، لتبرئة نفسه من تهمة المسؤولية عن عمليات تفجير استهدفت حافلات نقل ركاب في مارس أبريل من عام 1986، وراح ضحيتها المئات من المدنيين وتبنتها جماعة الإخوان المسلمين".
سمح هذا الضباب التشويهي بتغطية استخدام الرصاص في عمليات اعتقال عناصر الحزبد كما ساهمت حملة التشويه في تبرير عمليات تعذيب وحشية مورست ضد معتقلي الحزب اُستخدمت فيها وسائل تعذيب "متطورة" أدت إلى إعاقات دائمة عند البعض.
"الضغط الأمني الذي يتعرض له التنظيم السري الذي فشل في التحول إلى تنظيم جماهيري (بغض النظر عن الأسباب) يرهقه وينمي فيه الحس الأمني ويدفعه إلى اعتماد دفاعات أمنية، منها مواجهة إرهاب الأجهزة الأمنية بإرهاب مضاد غايته الردع وسد الثغرات الأمنية التي يمكن أن تشكلها العناصر الضعيفة في التنظيم". هذا هو معنى تهديدات الحزب بأنه "لن يقف مكتوف الأيدي تجاه حالات الانهيار والتخاذل والخيانة".
عميل في الحزب
شكل جو التوتر الأمني، خلفية تمكن من فهم القضية التي كانت علامة نافرة في تاريخ الحزب لأنها بلا سابقة وبلا لاحقة، نقصد مسار التعاطي العنفي مع زهير سعود (صارم). وهو عضو في الحزب تعامل مع الأجهزة الأمنية لمدة تقارب السنة، وساهم في تمكين أجهزة الأمن من اعتقال أكثر من عشرة من الكوادر الحزبية ومن كشف العديد من بيوت التنظيم، وما أدى إليه ذلك من مآس فردية وحزبية، قبل أن يكتشف في أواسط يوليو 1987، فخضع لمحاكمة حزبية اعترف فيها بتعامله مع أجهزة الأمن وبالأضرار التي ألحقها بالحزب، الأمر الذي ساعد على تصحيح قراءة الحزب لأسباب بعض الاختراقات الأمنية، والتي نسبت خطئًا إلى اعترافات لعناصر اعتقلت حديثًا، مما حمل هؤلاء عبئًا معنويًّا أمام رفاقهم، وقد أصدرت اللجنة المركزية بيانًا سياسيًّا بعد محاكمة صارم، تفضح فيه دور العميل وتعتبر أن اكتشافه أسقط رهان شعبة الأمن العسكري على إنهاء التنظيم.
كان صارم قد اعتُقل في أيام 1986، مع رفيق آخر هو (محمد الصمودي)، وخرج بعد يوم واحد من اعتقاله، من جراء تسوية مع ضباط الأمن، وبالتحديد مع رئيس فرع فلسطين وقتئذ (مظهر فارس)، كي يلتزم كالعادة في اليوم التالي بمواعيده الحزبية من دون أن يثير ريبة الحزب.
بعد التأكد من حقيقة تعامل صارم مع المخابرات، استدرج إلى بيت عربي يسكنه أحد رفاق الحزب في حي ركن الدين في دمشق، لكي يلتقي مع أعضاء المحكمة الحزبية التي تألفت من أكرم البني، ونزار مرادني، ووجيه غانم، وعدنان محفوض، وبرئاسة عبد العزيز الخير. واستمرت المحاكمة ثلاثة أيام، اعترف خلالها صارم بأفعاله وبخيانته وبالأضرار التي ألحقها بالحزب، وسُجلت اعترافاته صوتيًّا وكتابيًّا.
ومن الإجراءات التي نوقشت: تصفيته جسديًّا، أو مساعدته للخروج إلى لبنان لإبعاده عن الحزب وعن ضغط أجهزة المخابرات السورية، أو توليد عاهة جسدية دائمة لديه أسوة بالعاهات التي سببها التعذيب بمعتقلي الحزب، أو تركه لشأنه مع إصدار بيان تشهير بممارساته، وتلقينه درسًا من خلال تعريضه لألم جسدي بالضرب.
فاز الاقتراح الأخير. وقام ثلاثة من شباب الحزب بنقله إلى منطقة في الغوطة قريبة من جوبر، وهناك تعرض للضرب بالعصي ما أدى إلى كسر في ساقه، ولضمان علاجه بعد الضرب، كُلف أحد الرفاق بالاتصال بسيارة الإسعاف والانتظار بعيدًا حتى يطمئن إلى وصول السيارة إلى المكان.
القطب الثالث
كانت مجزرة حماة في فبراير 1982 أول اختبار جدي واجهه الحزب بعد مؤتمره التأسيسي. اتخذ الحزب القرار بالمضي على سياسته وتحليله السابقين، بإدانة طرفي الصراع البرجوازيين اللذين يتغذيا على دم الشعب السوري.
أنهى بيان الحزب عن أحداث حماة رهان النظام على استقطاب الحزب، إذ كان البيان، وتبعًا للموقف الدائم للحزب من الصراع الدائر حينها، يحمل على وحشية وطائفية الإخوان المسلمين بالدرجة نفسها التي يحمل فيها على وحشية وطائفية النظام.
من البيان على سبيل المثال: "وقد أظهر الإخوان المسلمون أنفسهم على حقيقتها خلال يومي الأربعاء والخميس (3 - 4) الشهر (شباط)، حيث سيطروا على أجزاء مهمة من المدينة؛ الأمر الذي أتاح لهم الانتقام بطريقة وحشية من عشرات الناس، نساءً وأطفالاً ورجالاً، وقد تم الذبح الفاشي في الكثير من الحالات وفق قوائم معدة مسبقًا، وقد ذبح الأطفال على مرأى من ذويهم، كما حصل أن أبيدت عائلات بكاملها تنتمي إلى حزب البعث الحاكم وسائر أجهزته الأمنية والاجتماعية، وعلى أطراف المدينة أوقفت السيارات، وفُرز المواطنون على أساس الانتماء الطائفي وتم ذبح العلويين جهارًا".
وجاء في البيان أيضًا: "وقد ذكر شهود عيان أن آلاف القنابل من مختلف العيارات ومن مختلف الأسلحة نزلت حاملة الدمار على الأحياء، وحين جاء دور قوات المشاة في تمشيط المدينة حيًّا حيًّا نفذت ذلك من خلال أفظع الأعمال الوحشية والممارسات البربرية، فنهبت المخازن ودمرت البيوت على ساكنيها وقتلت المواطنين الأبرياء بشكل جماعي وانتهكت الأعراض بكل وقاحة..".
ويخلص البيان إلى: "قد أثبتت الأحداث بما فيه الكفاية أنه لا حياة في سورية اليوم لأي خط سياسي ليس في مواجهة الحلف الرجعي الأسود ورأس حربتهم الإخوان المسلمين بكل وضوح وحزم، كما هو في الوقت نفسه في مواجهة النظام وبنفس الوضوح".
نقطة النهاية
تمكن النظام بعد متابعة استخباراتية على مدى أشهر، من اعتقال المجموعة القيادية الأخيرة في أواخر عام 1992 وأوائل عام 1993، إذ جرى اعتقال: نعمان عبدو، وتهامة معروف، ومحمود عيسى، وضحى عاشور العسكري. وفي أواخر عام 1993، شنت حملة اعتقالات أخيرة أغلبها على الطلاب من مصياف، كما اعتقل كامل عبد الله (نقيب في الجيش)، وسيليا عباس، ورغداء حسن، وطالب إبراهيم، وصالح زينة، وكامل عدلة، وإياد حاطوم.
شكلت هذه الحملة نقطة النهاية في التاريخ النضالي للحزب.
مع نهاية هذا التاريخ، استعرض المؤلف آخر ما قاله الحزب قبل أن تجهز عليه آلة القمع الرهيبة، بضعة سطور من المقالة الأخيرة "عرس الديكتاتورية"، كناية عن الاحتفالات التي سبقت الاستفتاء على الديكتاتور "الأبدي"، في 2 ديسمبر 1991، وهي سطور تشف، إلى جانب الرفض الصريح لمظاهر "عرس الديكتاتورية" اللا معقولة، عن شعور مرير بالهزيمة: "جموع تحشد في الساحات والشوارع كل يوم، مظاهر "تزيين" فاجرة، بشر بوجوه شاحبة، وعيون قلقة، حركات انفعالية بلا معنى محدد، تذكر بمظاهر الاحتفالات الهيستيرية لجموع مستلبة.. مشهد من الخضوع والاستلاب، من النفاق والتزلف، من التضليل والتشويه، من الكذب على الذات والوطن والشعب، يساق إليه الناس كالقطيع. بكل مشاعر الذل والمرارة إمعانًا في إهانة شعبنا وترسيخ الهزيمة عميقًا، لكي يبقى مستكينًا للديكتاتورية الفظة إلى الأبد.. وبعد ذلك، من المشروع والمفهوم تمامًا، أن يسأل البعض السؤال التالي: هل الجموع التي توجد في الساحات يوميًّا تقريبًا، تشارك بسبب خوفها من القمع فقط. أي هل يكفي القمع لتفسير كل ما يجري بهذا الشأن؟".
في هذا التساؤل، كما هو واضح، شعور عميق بالإحباط وبالهزيمة.