فنون
مي عامرالطريق الأبوي لنسوية الفن!
2025.03.15
مصدر الصورة : آخرون
الطريق الأبوي لنسوية الفن!
حتى لا تكون بومر.. عايزين من الفن إيه؟[1] كان عنوان مجموعة دراسية حرة أقمتها في سيلاس عام 2024، قبلها أنهيت الماجستير عن تأثير الأغانى الشعبية والمهرجانات في الأطفال وبعدها في الدكتوراه حللت صياغة الأدوار الجندرية في الأغاني المعاصرة وعلاقة المراهقين/ات بتلك الجندرية وتأثيرها في جندريتهم في الواقع.
انطلقت الدراسات من انشغالي بتساؤلات حول علاقة الفن بالمجتمع، وسط أصوات تُحمِّل أفلام محمد رمضان زيادة نسب العنف في المجتمع، وتجد مضمون المهرجانات محرضًا على تعاطي المهرجانات، أما المؤسسات الرسمية كنقابة المهن الموسيقية فتشن حربها على مغني المهرجانات وعلى الجانب الآخر تستجيب المؤسسات القضائية لبلاغات المحامين حول اتهام الفنانين/ات وحتى مقدمى/ات المحتوى بتحريض المجتمع على الفساد الأخلاقي في ظل الكلمات المطاطة الموجودة في القوانين ومنها: "التعدي على مبادئ وقيم الأسرة المصرية"، في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018[2]، فضلًا عن "جريمة الحَس على الفسق والفجور" الواردة في قانون مكافحة الدعارة فى الجمهورية العربية المتحدة لسنة 1961[3]، لم تحدد قيم ومبادئ الأسرة المصرية ولا نعرف بالضبط ما هو الفسق والفجور ولكنها اتهامات نالت الأشخاص في الواقع وتجاوزت مداها حتى طالت الأعمال الفنية.
الفن والمجتمع.. الدائرة المغلقة التي نظنها مفتوحة
إن التساؤل حول دور الفن في المجتمع انبثق كسؤال فلسفي وجودي طرحه أرسطو وأفلاطون، في لحظة انطلاق المسرح الإغريقي بدراماه حول الآلهة وبصياغته للميثولوجيا، وفيها نظرة إلى الفن باعتباره محاكاة للواقع لها وظيفة تطهيرية تُعرف بـ"Catharsis"، وهنا انطلقت الإشكاليات حول تأثير الفن في أخلاقيات المجتمع، بعدها ومع بزوغ الأديان واتخاذها الشكل المؤسسي، نُظر إلى الفن كأداة "تربوية" تسهم في تعزيز العبادات التأملية والفلسفية في قلوب المتدينين، فرُسمت الجداريات بالكنائس، وزُخرفت المساجد والمعابد، وظهر المسرح الكنسي والشعر الصوفي وغيرها من الفنون التي ارتبطت بالأديان بشكل مباشر، ولهذه المرحلة تأثيراتها في تدجين الفن والفنانين حيث بزغت الفنون التي وافقت رؤى السلطة السياسية والدينية وهمشت كل محاولة للخروج على السلطتين، إلا أنها المرحلة التي حافظت على تلك الفنون وبنيت عليها تطوراتها فيما بعد في المرحلة الكلاسيكية والحداثية وما بعد الحداثية فيما بعد.
ربما لم تكن هذه المقالة مساحة للخوض في تاريخانية الفن، ولكن مما سبق يمكننا فهم المرحلة الأبوية التي نشأ فيها الفن وساهمت في تطوره في أشد اللحظات ضعفًا، ويفسر لنا كيف نال الفن بعضًا من حريته أثناء الثورات والحركات الاجتماعية فيما بعد والتي طرحت تساؤلاتها من جديد حول وظيفة الفن في المجتمع والتي أصبحت تتسع في رأيي لاختلاف المنظور الذي نرى به الفن وليس لعَمدية من قبل الفنانين/ات في تولى فنهم لوظائف جديدة، ترصد لينا ديسناياك (lina Dissanayake) عام 1995 في مقالتها "أين وإلى من تأتي/ تذهب الفنون؟[4]" وظائف متعددة للفن وهي الجمالية والتعبيرية والرمزية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والعلاجية، ولأنني لست ميالة إلى تحليل الفن من منظور وظيفي فإنني أميل إلى تأمل نظريات الفن كونها تتسع للتفكير في الفن باعتباره مدى حياتي وليس أداة يمكن ترسيخها لهدف محدد.
تتنوع نظريات الفن وفقًا لعلاقته بالمجتمع، والغاية من وجوده، وتأثيره في الحياة. فمثلًا تنادي نظرية "الفن للمجتمع" بأن الفن يجب أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي والتعبير عن قضايا الناس، وهو ما نجده في الفنون الثورية والفنون الملتزمة التي تهدف إلى إثارة الوعي والنقد. أما نظرية "الفن للفن" فترى أن الفن غاية في حد ذاته، لا يحتاج إلى وظيفة اجتماعية أو أخلاقية، بل يُقدَّر لجماله وقيمته الفنية المجردة، وهي فكرة روَّج لها عديد من الحداثيين. بينما تطرح نظرية "الفن للحياة" رؤية أكثر توازنًا، حيث ترى أن الفن مرتبط بالحياة اليومية، يعكس التجربة الإنسانية، ويؤثر فيها، ما يجعله جزءًا من الواقع الإنساني وليس مجرد كيان مستقل. كل من هذه النظريات يعكس رؤية مختلفة لدور الفن في المجتمع والحياة.
لا أميل إلى استخدام نظرية واحدة في تحليل الفنون ولكن كوني إنثربولوجية فلا يمكنني تحليل الفن بعيدًا عن سياقي نشأته وانتشاره، لذا ففي كل مرة أشرح فيها علاقة الفن بالمجتمع لا أجد تشبيهًا أوقع من الدائرة المغلقة، يختار الفنان التعبير عن ذاته في سياق اجتماعي ونفسي يشكلان هذا العمل الفني الذي يخرج للمجتمع ويؤثر فيه ثم يقوم المجتمع بدوره في تشكيل فنانين/ات وأعمال فنية مختلفة لتخرج تلك الأعمال وتعيد دورها التأثيري في الدائرة وهكذا.
لذا فإن القول بأن الفن ذو قدرات خارقة في التأثير في جمهوره وأنه يمتلك القدرة وحده على التغيير المجتمعي مسألة مشكوك في صحتها وعليه فإن محاسبة الأعمال الفنية على دورها التوعوي والتربوي والأخلاقي تمثل خطورة على الفن نفسه بل وتعيد أيضًا اللحظة الأبوية والسلطوية التي نشأت في كنفها الفنون وعانت حتى تخلصت نسبيًّا منها.
الفن والنسوية.. المصير المشترك والنزاع الدائم
في محاولة للمرور سريعًا على الملامح العامة للتاريخ النسوي، نجد أن الحركة النسوية نشأت كرد فعل على التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتطورت عبر موجات تاريخية متعددة. بدأت بالموجة الأولى في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مركزة في حقوق المرأة القانونية، وخاصة حق التصويت. أما الموجة الثانية، التي ظهرت في الستينيات والسبعينيات، فقد تناولت قضايا أعمق مثل المساواة في العمل، والتحرر الجسدي، والحقوق الإنجابية. جاءت الموجة الثالثة في التسعينيات، مشددة على التنوع والاختلافات العرقية والجندرية داخل النسوية نفسها. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، كان هناك من يؤرخ لظهور الموجة الرابعة التي تستفيد من التكنولوجيا والإعلام الرقمي لتعزيز قضايا المرأة عالميًّا، مع التركيز في مناهضة العنف والتحرش. تطور النسوية يعكس سعي النساء المستمر إلى تحقيق العدالة والمساواة في مختلف المجالات.
وبتأمل تاريخانية الفن والحركة النسوية نجد أن هناك مساحات متقاطعة وكفاحًا مشتركًا، فتلك اللحظة التي قسمت فيها الأدوار الجندرية وفقًا للملكية والمؤسساتية في بداية ظهور الأديان السامية، هي نفسها التي دجنت الفن ليكون معبرًا عن صوت السلطتين الدينية والسياسية، وفي تلك اللحظة التي استطاعت فيها الرأسمالية بلورة نفسها كسلطة أكبر تقبض على اقتصاد العالم، سلَّعت أجساد النساء في الدراما والمسرح والإعلان، ووضعت معايير النموذج المثالي الأبيض ونكلت بكل ما هو مختلف عنها، وعندما ظهرت الحركات التحررية ونالت على ذلك النساء بعضًا من حقوقها، استطاعت أن تشارك في الإنتاج الفني الذي انتصر لأدواره التعبيرية والتحررية وصار مساحة للمعارضة، ولما نجحت الحركات التحررية في إحراز أهدافها بعد نضال طويل وظهرت تيارات النسوية السوداء والنسوية الإسلامية، ظهرت على غرارها أعمال فنية مراعية لتقاطعات التمييز الجندري والعرقي، حتى لو صح زعم القائلين بأن تطورات التكنولوجيا والعوالم الرقمية أنتجت موجة نسوية رابعة فنفس التكنولوجيا غيرت في عمليات إنتاج ونشر وتوزيع الفنون.
في رأيي أن النضالين الفني والنسوي اتخذا مصائر مشتركة، ولكن هل بالضرورة تترجم جهود هذه النضالات للصوابية السياسية الفنية؟
تعرف الصوابية السياسية في الفن على أنها الالتزام باستخدام تعابير وتمثيلات فنية تراعي الحساسيات الاجتماعية والثقافية، بهدف تجنب التمييز أو الإقصاء ضد أي فئة مجتمعية. ظهرت هذه الفكرة بقوة في العقود الأخيرة كجزء من الحركات المناهضة للعنصرية، والتمييز على أساس الجنس، والخطابات المعادية لفئات معينة، تظهر الصوابية السياسية في الفن في عدة أشكال، منها: التمثيل الأكثر شمولًا من خلال تعزيز تنوع الشخصيات والأصوات في الأعمال الفنية، بحيث تشمل مختلف الأعراق، والطبقات، والجنسيات، والهويات الجندرية، تجنب التنميط والابتعاد عن الصور النمطية التي قد تعزز أفكارًا مسبقة أو تكرّس أشكالًا من التمييز والاحتفاء بالتنوع.
لقد كانت التجربة الأمريكية في الصوابية السياسية في الفن أكثر التجارب الجدلية والجديرة بالتأمل، حيث شهدت الولايات المتحدة تحولات كبيرة في طريقة تناول الفن للموضوعات الاجتماعية والسياسية بسبب تأثير الصوابية السياسية. حيث بدأت مع الحركات الحقوقية في الستينيات التي سعت إلى إزالة الصور النمطية التمييزية، ثم ترسخت في التسعينيات مع ظهور ثقافة "الوعي المجتمعي"، ما أدى إلى إعادة تقييم الأعمال الفنية القديمة وفقًا لمعايير جديدة. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في الألفية الجديدة، أصبحت الرقابة المجتمعية أقوى، ما دفع شركات الإنتاج إلى تقديم تمثيلًا أكثر تنوعًا، لكنه أحيانًا أُجبر على اتباع توجهات معينة. في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الفنية مقاومة لهذه الظاهرة، حيث انتقد بعض الفنانين مثل ديف تشابيل وريكي جيرفيه تأثيرها في حرية التعبير.
ما لا شك فيه أن القدر الذي روعيت به معايير الصوابية السياسية في الأعمال الفنية الأمريكية، لا يتناسب أبدًا مع تاريخ الدولة الاستبدادي في احتلال الشعوب والسيطرة عليها وإنما كان صورة مزيفة تبدو عادلة ظاهريًّا ولكنها تحفظ التمييز وتبجله، ما يجعل النظر في نقد الصوابية السياسية في الفن في محله والذي ارتكز على تقييد حرية التعبير وفرض معايير صارمة على ما يمكن قوله أو تصويره، ما يحد من حرية الإبداع، كما عزز الرقابة الذاتية والخوف من الإلغاء، في ظل ثقافة الإلغاء Cancel Culture، والنزوح نحو التبسيط والمبالغة في تضخيم قضايا بعينها، ما قد يضعف الحوار الجاد حول تعقيد تغييرها، بل وتهمش قسرًا بعض الآراء على أنها "غير مقبولة" حتى لو كانت تُطرح بنية جيدة، ما يمثل خطرًا حقيقيًّا على حرية الإبداع الفني لأن فرض معايير صارمة على الفن قد يؤدي إلى تكرار أعمال موجهة ومحدودة الأفكار، بدلًا من ترك المجال للإبداع الحر والتجريب.
كنسوية، أتفق مع الأصوات النسوية التي كشفت عن خطورة الصوابية السياسية على قضايانا ومنهم الباحثة نانسي فريزر (Fraser) عام 1997 التي رأت أن التركيز المفرط في "الاعتراف الثقافي" قد يأتي على حساب "إعادة التوزيع الاقتصادي"، ما قد يُضعف النضال النسوي الحقيقي، أما الباحثة كاميلا باجليا (Paglia) فقد انتقدت عام 1994 الصوابية السياسية باعتبارها تفرض رقابة صارمة على الخطاب، ما يمنع الكشف عن واقعية المجتمع الأبوية ويؤثر في مناقشة قضايا حساسة، مثل: الجنسانية، الرغبة، والعلاقات بين الجنسين. أما كريستينا وهوف سومرز (Sommers) فيرون في عام 1994 أن الصوابية السياسية تعزز خطاب الضحية، حيث يتم تصوير النساء على أنهن دائمًا مقموعات، بدلًا من التركيز في تمكينهن كفاعلات سياسيات واجتماعيات. ويعزز من تضخيم فكرة الحماية الذي قد يؤدي إلى سياسات تحمي النساء بشكل مفرط، بدلًا من تعزيز استقلاليتهن، وعن التنوع والتمييز العنصري تؤكد بيل هوكس (Hooks) عام 1984 على أن النسوية يجب أن تكون حساسة تجاه الاختلافات بين النساء، بدلًا من فرض رؤية أحادية للصوابية السياسية لا تأخذ الفروق الطبقية والعرقية في الاعتبار.
حكاية الفن والنسوية في مصر
امتد النقد النسوي للفن في مصر عبر مراحل مختلفة، متأثرًا بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها الحركات النسوية المصرية. وقد ركّز هذا النقد في تحليل تمثيلات المرأة في الفنون المختلفة، من السينما والمسرح إلى الفنون التشكيلية والأدب، سعيًا إلى فهم كيف تعكس هذه الفنون البنية الذكورية وتعيد إنتاجها أو تقاومها، ويمكن تقسيم ذلك النضال إلى عدة مراحل:
المرحلة الأولى: من الخمسينيات إلى السبعينيات والتي تماشت مع التغيرات السياسية بعد ثورة 1952، حيث تغيرت صورة المرأة في الفنون، و بدأت تظهر كعاملة ومناضلة، كما في أفلام فاتن حمامة وشادية التي جسّدت شخصيات نسائية قوية، وفي رأيي أن هذه الشخصيات كانت أحيانًا انعكاسًا لأيديولوجيا الدولة أكثر من كونها تعبيرًا حقيقيًّا عن استقلالية النساء.
في الستينيات والسبعينيات، بدأت الكاتبات النسائيات والنسويات مثل رضوى عاشور ونوال السعداوي في تقديم نقد نسوي أكثر وضوحًا للأدب والفن، منتقدات كيف تعكس الأعمال الفنية هيمنة الثقافة الذكورية حتى في صور النساء القويات.
أما المرحلة الثانية من الثمانينيات إلى الألفية الجديدة فتمثلت في صعود الخطاب النقدي النسوي في الجامعات المصرية والمؤسسات الثقافية، ظهر تحليل أكثر عمقًا لتمثيلات النساء في السينما والتلفزيون والفنون التشكيلية. وأعدت المؤسسات النسوية والحقوقية، مثل: المرأة الجديدة، والمرأة والذاكرة، ومركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، – تقاريرها عن ذكورية الخطاب في الدراما والسينما محللة للكيفية التي تعزز الأنماط التقليدية والصور المنمطة عن النساء.
كباحثة استفدت بتلك التقارير التي استهدفت تقديم رؤى تحليلية تفكيكية وبنيوية للبناء الجندري في الفنون الجماهيرية وعلى رأسها الدراما والسينما، حافظت تلك التقارير على دورها كمرآة تحليلية لخلق وعي مجتمعي حول خطورة تنميط النساء وتأثير ذلك في قضاياهن، بل واتخذت تلك المؤسسات مسارات لخلق منظور جندري مع الفنانين/ات والصحفيين/ات يساعدهم على إنتاج خطاب حساس جندري، دون المساس بحريتهم الإبداعية، في رأيي أنها كانت المرحلة الأكثر وعيًا بموقعيات الباحثين/ات والفنانين/ات وربما التي لم تستمر بعد ذلك.
المرحلة الحالية والثالثة بعد ثورة 2011، وعندما أصبح العالم الافتراضي بحجم الواقعي، بل وأصبح التريند أقوى من الأحداث الكبرى الواقعية، يتحرك النقد النسوي أحيانًا إلى مساحات سلطوية، ففي يناير 2020 قدم المجلس القومي للمرأة شكوى إلى إدارة موقع "جوجل" لوقف بث أغنية "سالمونيلا"، بدعوى أنها تحمل رسالة تهين المرأة وتنتقص من حقوقها، وتدعو إلى التنمر وتعد تحريضًا صارخًا على الاعتداء عليها.
في مارس من نفس العام وعلى صفحة نسوية نشرت جولي بيطار مقالة أو بيانًا تدين فيه ذكورية المهرجانات ووصفتها بأنها "ليست فن أصلًا وإنما هي عنف ممنهج ضد النساء وسموم للعقول المتلقية الضعيفة"، مع الاستشهاد ببعض الكلمات من مهرجانات مختلفة تعبر عن أنماط مختلفة للعنف ضد المرأة، ورأيي أن بيطار حاسبت منتجي المهرجانات بعيدًا عن سياقهم وطالبتهم بما لا تستوعبه خلفيتهم الطبقية والجندرية.
خلال السنوات الأخيرة تدير مؤسسات المجتمع المدني منحًا فنية تقدم إلى الفنانين والفنانات وتطرح أجندتها الحقوقية على الإنتاج كشرط لنيل الجائزة، ولهذه المحاولة تأثيرها في إنتاج فنون بديلة عن الإنتاج السائد ذكوري الخطاب ولكنه يهمل حرية التجربة الإبداعية في التعبير عن قضايا أخرى.
في رمضان من كل عام تخرج الأصوات بهتافات ضد بعض المسلسلات، متناسية تمامًا خلفيات منتجيها وتطالبهم بوعي اجتماعي وثوري وتحرري واضعين إياهم ومحتواهم على مسطرة حقوقية موحدة وبعيدة عن واقعية المجتمع.
منذ أيام كانت الحلقات الأولى للمسلسل الكوميدي "أشغال شاقة" الذى بدأت حلقاته الأولى باستدعاء الفنانة السودانية إسلام مبارك لقيامها بدور عاملة منزل نيجيرية، كما قامت الفنانة فدوى عابد بدور سيدة متعددة العلاقات تحاول الوصول إلى اب ابنها من خلال الـDNA، أما ناهد السباعي فقامت بدور خادمة تتعاطى الحشيش بشكل يومي. اعتبر البعض أن دور مدينة مدعاة إلى العنصرية تجاه ذوات البشرة السمراء وتقدم المحامي أيمن محفوظ ببلاغ رسمي إلى المجلس القومي للمرأة في مصر، اتهم فيه المسلسل بالإساءة إلى صورة المرأة المصرية.
هذه الأصوات جميعها اتفقت على الزج بالفن في الصوابية السياسية، حتى وصلت الفجاجة إلى محاسبة الأعمال الكوميدية (الكوميديا التي تعتمد في الأساس على المبالغة)، وترى أن عليها مراعاة معايير هي في الأصل غير موجودة في المجتمع، فرغم حرص المسلسل على عدم الإشارة بأي نوع إلى التنمر على سواد بشرة مدينة، وكانت المحورية المبالغة حول قوة الجسد والاكتئاب الناجم عن تعاطي أدوية فقد الشهية، ورغم معاقبة العاملة على تعاطي المخدرات، ومعاقبة السيدة متعددة العلاقات، فإنه يُهاجم لمجرد تقديم النموذج.
خاتمة
في بداية حديثي ذكرت انتهائي من بحثي الماجستير والدكتوراه حول علاقة الأطفال والمراهقين بالأغاني، في كل مرة بدأت كلتا الدراستين كنت متيقنة من التأثير الكبير للأغانى في جمهورها من الأطفال والمراهقين ولكن انتهت كل من الدراستين إلى أن حجم التأثير مرتبط بعوامل ديموغرافية مختلفة كالطبقة والجندر والمستوى الاجتماعي ومستوى الوعي داخل الأسرة، وبتأكيد على أهمية قراءة المحتوى الفني من منظور النظريات التي تفترض فعالية الجمهور وليس سلبيته، وقدرته على اختيار الفنون التي تحقق له إشباعاته وتقدر احتياجاته.
لذا فإن الصراع بين الفن والنسوية يحتاج إلى مزيد من فتح الأعين على المعركة الموحدة وإدراك أن السبيل واحد والتغيير حلم مشترك، يبدأ ببناء وعي جمعي ورصد لخطوات التطور وليس أبدًا بالصراع والضبط والرقابة والاستنجاد بالسلطة لأن ببساطة الطريق الأبوي إلى نسوية الفن.. مسدود.
1- صفخة سيلاس على فيس بوك وبوست الحلقة
2- نص القانون على موقع منشورات
https://manshurat.org/node/31487
3- نص القانون على موقع منشورات
https://manshurat.org/node/12703
4- E Dissanayake · 1995 · Cited by 2341 — Originally published in 1992 by The Free Press, a division of Macmillan, Inc. First University of Washington Press edition, paperback, 1995. Third printing ...
383 pages
ترشيحاتنا
