مراجعات

طه عبد المنعم

«المزحة القاتلة».. كل ما تريد أن تعرفه عن الجوكر

2021.04.01

«المزحة القاتلة».. كل ما تريد أن تعرفه عن الجوكر

تصدر فيلم الجوكر إخراج تود فيليكس Todd Phillips وبطولة واكين فينكس Joaquin Phoenixعلى أكبر عدد من ترشيحات جوائز الأوسكار؛ إذ نال ١١ ترشيحًا، منها جائزة أفضل فيلم، وانتهى به الحال إلى حصوله على جائزتين فقط؛ أحدهما للممثل الأمريكي واكين نفسه، وهو أول أوسكار أفضل ممثل يحصل عليه بعد ثلاثة ترشيحات في سنوات سابقة، وهذه هي المرة الثانية التي تحقق فيها شخصية الجوكر جائزة الأوسكار، بعد أن حصل الممثل الأسترالي الراحل هيث ليدجر Heath Ledger على جائزة أفضل ممثل عن دور الجوكر في فيلم "باتمان فارس الظلام The Dark Knight" عام ٢٠٠٨، والجائزة الثانية هي أوسكار الموسيقى التصويرية للمُلحنة الأيسلندية هيلدر جودنادوتير Hildur Gudnadottir.

وقبل هذا الحدث بشهر واحد أصدرت دار نشر المحروسة في معرض القاهرة الدولي للكتاب ترجمة لرواية لجرافيك الأشهر المزحة القاتلة The Killing Joke، التي كتبها ألن مور Alan Moore ورسمها بريان بولاند Brian Bolland في طبعة خاصة Batman Noir، وهي سلسلة خاصة تسعى لإعادة إصدار قصص باتمان الشهيرة في ثوب جديد بالأبيض والأسود فقط. وكما يقال فكل ما تريد معرفته عن الجوكر موجود في هذا الكتاب المصور.

بداية يجب أن ندخل عالم المزحة القاتلة قبل إجابتنا على سؤال العنوان، وسنمر بالتأكيد على الفيلم السينمائي. وبدلاً من المتوقع والمفترض والحتمي الكتابة عنه، سأخوض أولاً للإجابة على أبسط وأعقد سؤال عن ماهيّة الجوكر.

إنه العدو اللدود لفارس الظلام dark knight وأمير الجريمة the Clown Prince of Crime، ولقب برنس الجريمة لم يأت من فراغ، فكلمة prince مشتقة من الكلمة اللاتينية القديمة primus capere بمعنى "أن تكون الأول" والتي خففت لـ princeps وأصبحت تعنى in the first في المكان والمكانة، والبرنس ليس فقط ابن الملك أو الوريث الشرعي، ولكنها تطلق أيضًا على الحاكم.

فكل المجرمين من أول البطريق Penguin (الذي يحب أن يصف نفسه Gentleman of crime) وذو الوجهين Two Face (المدعي العام السابق للمدينة قبل التحول إلى مجرم) إلى بين Bane (الألم؛ المصارع الذي يكسر ظهر باتمان حرفيًّا)؛ يخشونه ويقدرون مهابته في عالم الجريمة، حتى ليكس لوثر Lex Luthor يتحدث معه باحترام يليق ببرنس عالم جوثام السفلي. وحين أطلق اسم أمير الجريمة على الجوكر، فهذا يعني أنه أول ورائد المجرمين كلهم في مدينة جوثام، والبعض يعتقد أنه ظهر قبل وجود باتمان نفسه، (وهو ما لمحه الفيلم الأخير بذكاء)، فنحن لا نعرف أصل أو هوية هذا المجرم إطلاقًا.

حتى قرر ألين مور أن يخبرنا أصل قصة هذا المهرج في رواية الجرافيك المزحة القاتلة The Killing Joke عام ١٩٨٨، والملاحظ في هذه الرواية أن تاريخ المهرج المحكي هو فلاش باك للقراء فقط، فما زال عالم باتمان لا يعرف من هو، فحتى هذا التاريخ المفترض لا نعرف اسم الجوكر الحقيقي.

استغرق بريان بولاند عدة سنوات لرسم قصة ألن مور، وفي النهاية صدرت عام ١٩٨٨. متابعون عالم DC يقولون إنها تغريدة خارج السرب، ومن تلك النقطة ظهرت عدة نقاشات وجدالات، أولها هل المزحة القاتلة جزء من سلسلة أحدات أو استمرارية DC، أم خارج عالمها؟ خصوصًا وأن القصة في كتاب واحد من ٤٦ صفحة فقط (دون أجزاء أو تسلسل). تراوحت الإجابات بين نعم ولا، مع عدد ضخم من التفسيرات. ولكن الأهم أن تفاعل وشهرة ورواج الجرافيك نوفيل أرغمهم في دي سي على تغيير حوادث ابطال آخرين، مثل حادثة شلل باربرا جوردن إثر إطلاق الجوكر النار على عمودها الفقري، وجعلها مُقعدة، فتحولت من باتجيرل Batgirl إلى الأوراكل Oracle.

القصة التي دفعها آلان مور للرسم، تحوي كثيرًا من الفلسفة وقليلاً من عنف الأبطال الخارقين المعتاد، قليل من الكادرات وكثير من الأحاديث. آلان مور الذي كتب المراقبون Watchmen عام ١٩٨٧ والتي تحتل رقم واحد في أفضل ١٠٠ كوميكس في التاريخ، وكتب فيها تاريخًا بديلاً للأبطال الخارقين ولأميركا نفسها، إذ فازت في حرب فيتنام، ولم تنكشف فضيحة ووترجيت قط، واستمر نيكسون في الحكم. وهو يقول إنه لم يحب المزحة القاتلة، وحين ينظر إليها الآن، يعتقد أنه وضع وزنًا ميلودراميًّا على الشخصية لم تكن مصممة لحمله. ولكن هذا السبب تحديدًا الذي زاد شعبية القصة، فقد بلورت شخصية البطل وغريمه، ونقلت الصراع إلى مستوى أعلى، وتُقرأ كقصة منفصلة عن تاريخ باتمان، وهو أحد الأسباب المهمة لصدور النسخة العربية لها، وأيضًا لا غنى عنها لفهم ماهية الصراع بين الاثنين.

ومن الطريف أن نذكر أن القصة بدأت بمشهد المطر وهو ينهمر على الأرض، وانتهت بنفس المشهد، نفس الكادر، في إشارة إلى أن الحال بقي على ما هو عليه، لم يتغير شيء في علاقة بطلي العمل باتمان والجوكر. بينما يذهب باتمان دون سبب معين إلى مأوى آركام Arkham Asylum وحينما يدخل على المسجون تفتتح القصة بجملة "كان هناك رجلان في مأوى المخبولين". باتمان يريد التحدث مع الجوكر المسجون لحل المعضلة الأزلية بينهما.. عما سيحدث لنا في النهاية... قد تقتلني.. قد أقتلك. ربما عاجلاً أو آجلاً.. لا أفهم لماذا يجب أن تكون علاقتنا مهلكة إلى هذا الحد، لكني لا أريد أن يكون هلاكك على يدي". وفى موضع آخر يقول لمساعده ألفريد "كل هذه السنين وأنا لا أعرف عنه أكثر مما يعرف عني.. كيف يمكن لشخصين أن يكره كلاهما الآخر إلى هذه الدرجة دون أن يعرف أي منهما الآخر".

يطلق الجوكر النار على ابنة مفوض الشرطة في مدينة جوثام جيمس جوردان James Gordon أمامه، ويخطفه محاولاً أن يدفعه للجنون، ويبعث دعوة لغريمه باتمان ليشهد، أو ليثبت له أن يوم واحد سيء One Bad Day قد يدفع المرء للجنون، مثلما حدث معه، ومثلما - يظن - أنه حدث مع باتمان.

تتخيل القصة ذكريات للجوكر عن ماضيه، تحكي عن هذا اليوم السيء، ولكنه في موضع آخر يقول "أتعرف لقد حدث لي أمر كهذا.. أنا لست متأكدًا مما حدث لي بالضبط. أتذكره في بعض الأحيان بطريقة ما.. وفي وقت آخر اتذكره بطريقة أخرى.. إن كان مُهما أن يكون لي ماض، فأنا أفضل أن تكون اختياراتي متعددة! لكن فكرتي أنني أصبحت مجنونًا، حين رأيت العالم ما هو إلا مزحة بشعة، أصبت بالجنون كالأبله.. أعترف".

بعد صفحات من العراك والقتال بينهما، ينتهي الأمر بأن يقفا يتحدثان، وكأنهما يستكملان المحادثة التي أرادها باتمان في بداية القصة، ويدعوه إلى طريقة أخرى لتسويه الأمور بينهما، ليساعده على إعادة تأهيله ومعالجته، ولكنه يرد بأن الأوان قد فات، ويذكر له نكتة (لا داعي لحكيها لكم، فهي ممتعة للقارئ، وسيستكشف منها شكل العلاقة بين المخبولين؛ باتمان والجوكر) ويضحكان عليها في النهاية، وللمرة الأولى الفريدة، يضحك باتمان المعروف بسوداويته وصرامته الشديدة.

الخلاف أو الجدل الثاني الذي نشأ مع رواج المزحة القاتلة هو: هل قتل باتمان الجوكر؟ ففي الصفحة الأخيرة تعلو ضحكات الشخصيتين وتخف ضحكة الجوكر وتختفي، وتظل ضحكة باتمان العالية. ظل هذا السؤال يبحث عن إجابة طويلاً، حتى نشر موقع على الإنترنت السكريبت الأصلي الذي كتبه ألن مور من قصة المزحة القاتلة، وفيها يذكر بوضوح أن باتمان لم يقتل الجوكر (نقاش لماذا لا يقتل باتمان الجوكر؟ سنتناوله لاحقًا بشكل فلسفي)، في إشارة إلى أن الاثنين أحياء للنهاية، وستظل الدائرة لا تنتهي، يقبض باتمان على الجوكر ويحبسه في مأوى آركام، ويهرب الأخير ويرتكب جرائم ويطارده فارس العدالة، وبعد قتال ينتصر باتمان ويقبض عليه ويحبسه وتكرر القصة مرارًا وتكرارًا.

وهو ما عبرت عنه قصة رجل برئ An Innocent Guy من كتابة ورسوم بريان بولاند ونُشرت مع المزحة القاتلة في طبعة ديلوكس deluxe edition عام ٢٠٠٨ وهي طبعة أعاد فيها براين تلوين القصة التي صدرت عام ١٩٨٨، وأضاف خاتمة، كما تحظى هذه الطبعة بمقدمة، وبعض سكتشات الرسام. أعادت DC إنتاج طبعة جديدة من روائعها في سلسلة بعنوان باتمان نوار Batman Noir للمزحة القاتلة، وأضافت إليها قصة من صفحتين بعنوان نشأة الجوكر Origin Of The Joker وأضافت ألبوم صور لأشهر الأغلفة التي رسمها بريان، وهي التي ترجمها محمد عبد الله سامي، ونشرتها دار نشر المحروسة في الطبعة العربية من المزحة القاتلة.

لم يتجرأ أي خط قصصي storyline على التطرق لأصل قصة أمير الجريمة بعد ذلك قط، إلا مؤخرًا. فالكاتب لم يتوقف في رواية المزحة القاتلة عند أصل قصة origin story لأمير الجريمة، ولكنه أراد بيان التشابهات بين البطلين، فالدافع وراء كتابة رواية المزحة القاتلة "أن باتمان والجوكر هما وجهان لعملة واحدة"، فيوم واحد فقط one bad day عانى منه الجوكر وباتمان حوَّل الأول إلى أمير الجريمة، والثاني إلى فارس الظلام (لاحظ أن dark في لقب باتمان ليس كناية عن اللون الأسود للرداء والعباءة، ولم يُقصد به أن شخصية باتمان تعمل في الظلام، لكنها تشير إلى روح الفارس السوداء، وإلى ما يحمله من ظلام وعبء نفسي أكبر مما يُحتمل).

الجوكر وباتمان ابنا المدينة؛ باتمان سافر وتعلم وعاد يقاتل في المدينة التي أسهم والده في بنائها، والجوكر صعد وكافح من وحلها وأزقتها وسوادها. يقضي باتمان حياته في البحث عن معنى للمأساة العشوائية التي حدثت لوالديه بمحاربته الجريمة، في حين أن الجوكر يعكس عبثية الحياة وكل ظلمها العشوائي بارتكابه الجريمة. يستخدم كلاهما الخوف كقوة، يستخدم باتمان الخوف لنزع الاعترافات من المجرمين، وخصوصًا الخوف من السقوط، والجوكر يستخدم نفس تلك القوة التي بحد تعبيره "لا يمكن شراؤها بالمال".

كل ما نعرفه عن الجوكر أن يتصرف بجنون، أو بالتعبير الأمريكي Not playing with a full deck وبالرغم من ذلك فإنه يضع خططًا محكمة غير تقليدية، فهل نستسلم لاتهامه بالجنون كدافع ومحرك لجرائمه؟ مع العلم أن ما يتصل بقضايا الجنون معقد، ويحمل كثيرًا من الأوجه ووجهات النظر، وقد يقع في منطقة التحليل النفسي والمرض العقلي.

من الطريف أن نحكي قصة الطبيبة النفسية هارين كوينزل Dr. Harleen Quinzel التي استطاع الجوكر التلاعب بعقلها في أثناء جلسات التحليل النفسي في مصحة آركام، وحولها إلى تابع له باسم هارلي كوين Harley Quinn ولهذا أقول إن الاقتراب من منطقة جنون الجوكر من خلال التحليل النفسي والمرض العقلي له مخاطره التي كشفها ظهور تلك الشخصية.

دعنا نقترب من جنون الجوكر من ناحية الفلسفة، وبالتحديد نقاشات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (١٩٢٦ - ١٩٨٤)، فله إسهامات واضحة في حقل تعريض مجموعات من الناس المهمشة ووصمهم بالجنون. فالاشتباك مع تحليلات فوكو جعل كثير من الناس يتساءلون: هل هناك جنون حقًا؟ وعشاق الجوكر يتساءلون هل الجوكر مجنون حقًا؟ ولكننا سنقر أن هناك أنواعًا من الاختلال العقلي التي يعاني منها شخص ما يقال وقتها إنه مجنون. فقد ذكر فوكو في كتابه المهم تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي "إن الجنون هو المرآة التي دون أن تعكس شيئًا واقعيًّا، فهي تعكس سرًا". وعليه سنفترض أن الجوكر، على الرغم من أنه يحمل سرًا وقدرًا من العبقرية، فإنه يعاني واحدًا أو أكثر من حالات الاختلال العقلي، يمكن معها أن نصفه أنه مجنون. فما مظاهر الاختلال العقلي التي يعاني منها الجوكر؟

أولاً: هو يعامل البشر على أنهم أشياء، فقد يقتل شخصًا ما لمجرد إثبات وجهة نظره، فهو لا يحمل أي ضغينة أو كراهية لضحاياه.

ثانيًا: ليس هناك أفضل من مقولة ألفريد بينيوورث (Alfred Pennyworth) لباتمان في فيلم فارس الظلام The Dark Knight (٢٠٠٨) "بعض الرجال لا يبحثون عن أي شيء منطقي، مثل المال. فلا يمكن شراؤهم أو تخويفهم أو حتى التجادل والتفاوض معهم. بعض الرجال يريدون مشاهدة العالم يحترق فقط".

والبعض، ومنهم كاتب هذه السطور، يعتقد أن جنون الجوكر مستمد من جنون باتمان. فمن المؤكد أننا سوف نجد بعض أنواع الاختلال العقلي عند بروس وين Bruce Wayne نفسه، بناءً على أن يوم سيئ واحد one bad day جعل بروس واين الرجل الوطواط، محارب الجريمة، المصبوغ بسوداوية تجعله يستحق لقب فارس الظلام. نظام باتمان تقابله فوضى الجوكر، سخرية أو هزليه الجوكر تقابلها سوداوية باتمان، تجنب استخدام الأسلحة النارية يقابله استخدام الجوكر مسدسة اللعبة الشهير الذي يطلق علمًا مكتوبًا عليه صوت طلقة، تكنولوجيا باتمان تقابلها أكثر الوسائل بدائية كالجازولين والديناميت عند الجوكر.

قصة المزحة القاتلة فيها سمات ستدمغ عالم الجوكر بعد ذلك، فارتكابه الجرائم لمجرد إثبات وجهة النظر نراها في فيلم كريستوفر نولان The Dark Knight، وأيضا نرى الاحتمالات العديدة لنشأة وماضي الجوكر التي أداها هيث ليدجر Heath Ledgerببراعة. الماضي المفترض للجوكر في المزحة القاتلة يتشابه كثيرًا في تاريخ نشأة الجوكر في فيلم تود فيليكس وواكين فينكس، ولكنه لم يتوقف عند ذلك فاستعار من فيلم ملك الكوميديا The King of Comedy وفيلم سائق التاكسي Taxi Driver والذي قام ببطولتهما روبرت دي نيرو Robert De Niro والذي يشارك أيضًا في فيلم الجوكر ٢٠١٩.

التقليد القديم ألا وجود للجوكر من غير باتمان، قضي عليه في فيلم تود فيلبس ٢٠١٩، فتم تناول اليوم السيئ الذي تعرض له الاثنان بشكل أكثر عمقًا، فقد حوَّل الأول إلى بطل وفارس لأنه إنسان سوي، أو ليس مريضًا نفسيًّا، لكن اليوم السيئ حوَّل الثاني لمجرم لأنه مريض نفسي بالأساس. والسبب في مرضه النفسي لم يكن من ضغوط المجتمع، لأن حتى ضغوط المجتمع حولت المهمشين إلى ثائرين، لكن الجوكر لم يهتم بالثورة.

لماذا لا يقتل باتمان الجوكر؟ لماذا لا يخلصنا منه ومن جرائمه؟

جرائم القتل لا تتوقف وتصل إلى الدائرة المقربة إلى فارس الظلام؛ جيسون تود Jason Toddروبن الثاني في رواية الجرافيك "موت في العائلة" A Death in the Family، ويتسبب في شلل باربرا جوردن Barbara Gordon باتجيرل السابقة في رواية الجرافيك «المزحة القاتلة»، وأيضًا معظم مواطني جوثام ومساعديه وأتباعه، ومع ذلك لا يقتص باتمان (الملقب بفارس الاقتصاص The Caped Crusader!) من الجوكر. والحجة في صالح قتل الجوكر واضحة وصريحة، فلو قتل باتمان الجوكر، فسيمنع بالتأكيد كل الجرائم التي سيرتكبها الجوكر في المستقبل، هذا لو سلمنا أنه مريض نفسي وغير مسؤول عن جرائم ارتكبها سابقًا، بمعنى أن قتله ليس عقوبة عن الجرائم السابقة، بل أيضًا التخلص منه وبدرجة معقوله من النفعية، وقاية للمجتمع وللمصلحة العامة!

الرد التقليدي عند باتمان هو أنه لو قَتل، لن يمنعه هذا الفعل من أن يكون في نفس سوء أو فساد المجرمين الذي يقاتلهم، أو أنه سيعبر خط أحمر لن يستطيع أن يرجع عنه، وهو ما يعتبر البعض إن مقاومة قتل الجوكر في حد ذاتها قوة خارقة. فمن سخرية القدر أن يأتي موت الجوكر على يد سوبرمان وليس باتمان. ففريق العدالة المكون من سبعة أبطال خارقين، باتمان الوحيد الذي لا يمتلك قوى خارقة، وسوبرمان أقوى الأبطال الخارقين على الأرض.

نعرف أن باتمان يرفض القتل واستخدام الأسلحة النارية بكل أنواعها، وقد نجد مبرر لذلك للقصة المشهورة التي صنعت هويته نفسها، وهي حادثة قتل والديه التي شاهدها بعينة وهو صغير على يد مجرم متشرد بمسدس. ولكننا لا نعرف قصة أو أصل أو هوية للجوكر فهل نستطيع تفهم أعماله الإجرامية أو نقدم لها مبررًا أو هدفًا أو غرضًا، فهو لا يسعى للمال أو النفوذ أو تلك الأشياء التقليدية التي يسعى إليها المجرمون العاديون!

ومثلما كانت المزحة القاتلة خارج السرد القصصى للمؤسسة دي سي، ففيلم الجوكر ٢٠١٩ أيضا خارج عالم دي سي ولكنه سيفعل ما فعلته المزحة القاتلة، سيؤثر بشكل كبير على رؤيتنا للجوكر، فالكثيرون تعاطفوا معه واعتبروه رمزًا فوضويًّا للثورة. وهو ما حدث فعلاً في عالم الكوميكس، فأحدث قصص باتمان سمت الجوكر باسم الفارس الأبيض White Knight، تدور في عالم موازٍ منفصل عن العالم الأصلي الذي تدور فيه قصص باتمان الذي أتم منذ عدة شهور عامه الثمانين، وفيها الجوكر هو البطل وباتمان هو الشرير. ورغم القصة الطويلة فهو يكتشف دواءً يشفيه من جنونه، ويتحول إلى رجل صالح عبقري يقنع أهل مدينة جوثام ببراءته ومساوئ طرق وأساليب باتمان، فينقلب الكل حتى الشرطة وعائلة باتمان ضده. نرى وجهه نظر مختلفة للأعمال الإجرامية التي ارتكبها الجوكر الذي أصبح اسمه الأصلي جاك نيبر Jack Napier (دون الدخول في أصله أو هويته) وتصفح عنه مدينة جوثام وتؤيده ليكون نائبها في الحكومة. الجوكر لن ينتهي، وسيظل يصنع سرديات متنوعة وسيكون أطول عمرًا من باتمان نفسه.