مراجعات

دار المرايا

«ربيع جديد».. مجتمعات مقهورة وشعوب ثائرة

2022.01.01

«ربيع جديد».. مجتمعات مقهورة وشعوب ثائرة

يتتبع كتاب «ربيع جديد» الصادر حديثًا عن صفصافة للنشر والتوزيع، الموجة الثانية للانتفاضات العربية التي تفجرت في الشمال الأفريقي (السودان/ الجزائر)، والغرب الآسيوي (العراق، ولبنان، وإيران) من خلال سرد تاريخي للبلدان، ثم ينتقل بنا إلى منهج تحليلي قائم على قراءة للحراكات وفقًا لظروف نشأتها الاجتماعية، وحالتها السياسية، ومن خلال المنهجين نستطيع بناء وجهة نظر تجاه دول ما بعد الكولونيالية، ومشاريعها المختلفة التي غذت لدى قطاعات كبيرة من شعوبها أشكالاً متنوعة من السيطرة الدولتية على الاقتصاد بأشكالها الريعية، والمصرفية ما أدى إلى اندماج متزايد في التكتلات الرأسمالية العالمية دون مساهمة حقيقة، مكتفية بدور الخاضع لشروط الرأسمالية بخاصة الخليجية التي رأت في الانتفاضات المختلفة منذ عام 2011 تهديدًا لشبكاتها السياسية، والاقتصادية مع قلة الاهتمام بالقطاعات الصناعية ليس هذا فحسب بل أسهمت الدول في تطوير بنيتها الأبوية التي غيبت بموجبها أي دور للشعوب في استكمال بناء مجموعاتها السياسية.

نخب وانقلاب

تحلل عزة مصطفى، وسارة عباس الحراك السوداني ضمن تاريخ السودان منذ لحظة استقلاله عام 1956 مرورًا بلحظاته التاريخية التي تصارعت فيها النخب السياسية، والجيش كأغلب بلدان المنطقة العربية ما يجعل الحراك السوداني ذا إرث تاريخي في القلب منه النضالات العمالية، والمهنية لذلك ليس غريبًا أن يقود (تجمع المهن السودانيين) المشهد السياسي في مختلف مراحل الحراك السوداني.

لا يجب النظر إلى الحراك السوداني باعتباره لحظة انتفاضة ضد نظام عمر البشير، بل هو عملية إنقاذ لما تبقى من الدولة السودانية من خلال مشاركة سياسية عملت الدولة السودانية طيلة عقود على طمسها، وإحلال العنف كفاعل سياسي، وإن كنا نتكلم عن تجمع (المهنيين السودانيين) باعتباره الجهة السياسية التي جلست على مائدة المفاوضات مع مؤسسات الدولة فيجب الإشارة إلى الدور الذي لعبته القوى غير السياسية من حركة طلابية، و احتجاجات نسائية أتت جمعيها من مناطق التهميش السياسي، وهنا تمت استعادة السياسة كمجال تتجاذبه أطراف مسيسة وغير مسيسة.

وعلي الرغم من جلوس تجمع المهنيين مع مؤسسات النظام الأمنية، والعسكرية فإن الباحثتين تستشعران قلقًا متزايدًا من النفوذ السياسي لتلك المؤسسات، وبخاصة بعد توقيع وثيقة عام 2019، والتي غابت عنها آليات الانتقال الديمقراطي، وتفكيك أدوار الجيش، والاعتراف بالحشد السريع (الجنجويد) كمؤسسة من مؤسسات الدولة رغم تكوينها الريعى، وعلاقاتها بالخارج، وهو إنجاز يضاف إلى مؤسسات الدولة، وليس إلى القوى المدنية.

 ومع ما قدمته الباحثتان من قراءة جيدة حول الحراك السوداني فإنه يجب النظر في عدة نقاط:

-أزاح الحراك السوداني نظام البشير من الحكم، ذلك النظام المعروف بنزعته الإسلامية، لكن الفصل استبعد تمامًا النزعة الإسلامية من أي مبحث بداخله، لكن كيف سينظر إلى الحركات الإسلامية في السوان، وهل لها مستقبل في ترتيبات السودان الجديد؟ وما الأشكال التي سوف تنتهجها الحركة الإسلامية سواء في المستقبل القريب أو البعيد؟

-اختزال الحراك السوداني في القوى السياسية، المنضوية تحت قيادة (تجمع المهنيين) دون التطرق إلى قضايا العدالة الاجتماعية في خطاب القوى السياسية؟ وما التصور الاقتصادي المهيمن على كل النخب السودانية؟

ويشير الفصل إلى نقطة مهمة تغيب عن التفاعلات السياسية العربية بالمؤسسات الأمنية، وهي: مخاطبة الطبقات الدنيا في المؤسسات العسكرية والأمنية، هذا على صعيد التفاعل السياسي، بينما وجه نقدًا ممتازًا حول نخبوية الحركة النسائية التي تنقسم بين رؤي نخبوية ترى في التمثيل السياسي انتصارًا للمرأة، فيما تميل النساء الفقيرات لخطاب التمكين الاجتماعي والاقتصادي أي نسوية اجتماعية أكثر منها سياسية.

سياسة/ مهمشون

قدم الباحثان حمزة حموشان، وسلمي العمري واحدة من أهم القراءات السياسية أو الاستنتاجات الاجتماعية؛ إذ ارتكز فصل الجزائر على الربط التاريخي بين التجربة الاستعمارية الفرنسية، ومجابهتها للحراكات الريفية في القرن التاسع عشر. تلك التجربة التي ستتكرر في حراك الجزائر 2019، إذ استكملت النخب المدينية منذ لحظة الاستقلال عام 1962 الإرث الاستعماري تجاه المناطق الريفية والمهمشة والاكتفاء بالدور الريعى.

هذه القراءة تدحض تصورين: الأول متعلق بدولة ما بعد الاستقلال؛ إذ رأى الباحثان أن الدور النضالي ضد الاستعمار الأوروبي عمل على إجلاء المُستعمرين مع الإبقاء على منظومات عملهم لكن في ثوب دولة وطنية، وهنا يصبح الماضي النضالي بالنسبة لدولة ما بعد الاستقلال أداة تستطيع من خلالها تقييد منظومات العمل النضالي السابقة، والعمل على احتوائها لصالح رؤى اجتماعية ترى في السكان المحليين وعاءً للتجارب الرأسمالية ومشاريع الإصلاح الاجتماعي.

مثلت فترة الخمسينيات تصاعدًا في الخطاب الحضري للمقاومة الجزائرية (جبهة التحرير الوطني) ما أسهم في بلورة توجه مديني/ برجوازي في مقابل المقاومة الريفية التي قُمعت سابقًا خلال القرن التاسع عشر، ومع إعلان الاستقلال عام 1962 تم استيعاب منظمة التحرير باعتبارها منظومة حكم هنا تلقفت الدولة الناشئة الأسلوب الاستعماري في منظومة الدولتية. أما التصور الثاني الذي يدحضه الفصل فهو التصور المؤامراتي حول نشأة الإسلام السياسي؛ إذ يرى تصاعد الإسلام السياسي كخطاب سياسي، ثم كقوى إمبريالية أمرًا عاديًّا في ظل تغيير داخل أبنية النظام الجزائري، واعتماده على منظومة اقتصادية نيولبيرالية، ما جعل الإسلام السياسي يتنامى على صعيد الفئات الأفقر بفضل خطابه الوعظي والخدمي تعويضًا عن تردي خدمات الدولة.

 أسهمت انتفاضة أكتوبر 1988 في استمرارية توجه الدولة الجزائرية النيوليبرالي، من الناحية السياسية، وذلك بفتح المجال العام لمختلف التيارات، ومنها التيار الإسلامي بالطبع الذي تصاعد إلى أروقة السلطة ما أنتج (العشرية السوداء). وقد تولى بوتفليقة الحكم بعد عشرية سوداء فاستكمل ما بدأته الدولة الجزائرية من سياسات اقتصادية نيولبيرالية منذ منتصف الثمانينيات، لكنه أتى في فترة تاريخية عالمية تمحورت حول خطاب الإدارة الأمريكية، واستفادت الأخيرة من التجربة الجزائرية مع جعل الدولة الجزائرية تتعمق أكثر في السردية الأمريكية فيما يخص الوضع الخارجي، أما في الداخل فقد ارتسمت معالم سياسة تلقي باللوم على الشعب وتتهمه بالتأخر، والتخلف، وليست الدولة، واستطاع بوتفليقة إدارة صراع النخب الأمنية لصالحه بالحفاظ على العائد الريعى ما جعله وجهة آمنة لنظام هش منالداخل.

ونستطيع القول إن العلاقة بين الدولة الجزائرية، ومواطنيها مرت بعدة مراحل تاريخية منذ الاستقلال إلى العسكرة إلى السياسات الاقتصادية النيولبيرالية إلى صراعها مع الإسلاميين، وضمن هذه المراحل أصبحت الدولة تعمل لصالح نخب مدينية في تهميش واضح للريف والصحراء، تجسدت بوادره عامي 2011، و2015 في حركة احتجاجية على سياسات الدولة الاقتصادية، والاجتماعية ما جعل الحراكات الجزائرية بحاجة لخطاب مختلف. وهنا تجسدت الأمازيغية (اعترف بها كلغة عام 2011) كخطاب احتجاجي وهوياتي جامع لكل الجماهير، بخاصة ضد مشروعها الرامي لاستخراج الغاز الصخري ما يعني إضعاف وإزالة مجتمعات صحراوية. وقد راكم الحراك الجزائري عام 2019 خبرات ثقافية، واحتجاجية ليشمل الحركة الطلابية والنسائية حتى جماهير الكرة أسهمت من خلال المدرجات بإطلاق شعاراتها في موجات الاحتجاج، ما يجعل الدور الثقافي في الحراك الجزائري متنوعًا بين حركة الشارع، والفضاء الافتراضي، في مواجهة سيطرة الدولة الإعلامية مع توسع جماهيري قادم من المناطق المهمشة، لكن مع هذا لم يبلور الحراك منظومة سياسية تقود الحراك، وهذا ما يسيمه الفصل (ثوار بلا تنظيم).

تشرذم/طائفية

يشترك المتابعون لأنظمة الطائفية العربية كنموذجي العراق، ولبنان في أن تلك الطائفية وليدة أنظمة ذات إرث انقلابي، ومعادٍ لتنويعاتها الإثنية، والدينية لكن الباحث زيدون الكناني من خلال الفصل العراقي يقدم ملمحًا تاريخيًّا يعود بالطائفية إلى النموذج الاستعماري البريطاني الذي قرأ النخب العراقية وفقًا لثنائية (الأصدقاء والأعداء)؛ حيث النخب السنية تمثل الأصدقاء بينما الشيعية هم الأعداء؛ بخاصة وأن النزعة الشيعية بلورت نفسها كخطاب احتجاجي ومشكلة كردية. وهنا تشكلت الدولة العراقية كمُشكل طائفي منذ الأساس بالإضافة إلى الرؤية المقلوبة لتطور الطائفية فإن الصورة الإجمالية للدكتاتوريات العربية ترى نفسها أنظمة تقدمية علمانية، وأن الاحتلال الأمريكي سلم العراق للشيعة، ومن ورائها إيران.

تحيلنا هذه السردية إلى ما ذكره فالح عبد الجبار حول التحول الديني للسياسات البعثية التي رأت في الشيعية توجهًا لبناء هوية عراقية موحدة، واستخدام رموز إسلامية شيعية تخدم ذلك. وكان هذا الاستقراء ضروريًا لفهم التطورات الداخلية لمنظومة البعث الذي لم يتمسك بالحلول العلمانية طيلة الوقت، بل أراد استيعاب الرموز الشيعية ضمن ترتيبات الدولة العراقية. كما يدحض الفصل السردية المتعلقة بدوائر الاحتلال الأمريكي التي اختلفت بشأن المؤسسات العراقية في ترتيبات فترة ما بعد صدام بين المبعوثين بول بريمر وجاي جارنر؛ فالأول أراد تطهير العراق من البعث، بينما الثاني استنكر تدمير البنية التحتية. أما عن الوجود الشيعي، فالكاتب يرصد ملمحين مهمين: الأول بخصوص تحالفاته الأمريكية التي اتفقت على تفكيك بنية البعث، أما الملمح الثاني: التنوع بداخل الكتلة الشيعية بين تيار صدري، ومحاولة إيران بناء تحالفات بداخل التيار الصدري، أبرزها إنشاء عصائب الحق بقيادة قيس الخزعلي.

يأتي حراك العراق 2019 استكمالاً لموجات التظاهرات التي بدأت منذ عام 2011 ضد سياسات المحاصصة، والبطالة والتهميش، لكن المميز هذه المرة أنها أتت من قلب المناطق الشيعية، بينما ظل الجانب السني مهمشًا لتصاعد النزعة الأمنية ضدهم بسبب تنظيم داعش. ونستطيع التأكيد على أن التحركات السياسية في الشارع العراقي كبقية النماذج تعتمد على الشارع، ومع أنها تمثل بدايات لبناء مشروع سياسي فإن لحظة كورونا أسهمت في إعادة بناء قوة الدول في مواجهة شعوبها من خلال إجراءات الاستثناء والحظر.

هويات وبنوك

يعتمد الباحثان جاد صعب وجوي أيوب على قراءة اقتصادية/سياسية الهدف منها تفكيك الأساطير المؤسسة للهوية اللبنانية من خلال البحث عن جذور الطائفية المتراكمة منذ عقود داخل النخب السياسية والشارع، مع التركيز على النخب السياسية اللبنانية التقليدية، وكيفية تفاعلاتها من جانب، والتطورات السياسية التاريخية التي اعتمد عليها الحراك اللبناني 2019 من جانب آخر، لنرى أنفسنا أمام متخيل لبناني أكثر منه هوية لبنانية موحدة.

في البدء لا بد من التذكير بأن الهويات الوطنية تأسست على أفكار متخيلة، لكنها في الوقت نفسه تمتلك القدرة على بناء الهوية من خلال مظاهرها القومية كالمتاحف والمناهج الدراسية والانتصارات العسكرية، لكننا في الواقع اللبناني نجد أننا أمام متخيل لا هوية لبنانية وطنية، إذ أسهمت الظروف الاستعمارية بشقيها العثماني والفرنسي في استحداث نموذجين؛ الأول: العائلة المصرفية، والثاني: الجنرال التوافقي، وبينهما الميثاق الوطني كرعاية مباشرة للطائفية اللبنانية. ويجب علينا التركيز على النظر إلى اتفاقية الطائف 1989 التي أنهت الحرب الأهلية باعتبارها العامل الوحيد الذي بلور حزب الله كفاعل سياسي ضمن المكون السياسي، والحقيقة أننا نجد مبالغة حول تقدير الدور الدولي في السياق اللبناني (لا نغفل أهميته بالمناسبة) لكن هذه النظرة تغفل الظروف الداخلية التي جعلت من النفوذ الشيعي يتبلور سياسيًّا في نموذج (حزب الله). وكذلك التركيز على حدود العنف، والحقيقة أن النموذج اللبناني منذ القرن التاسع عشر ارتكز على الحروب الأهلية كفاعل لضمان تفوق الجماعات السياسية كالمارونية (1840: 1896)، ثم السنية (حوادث 1958)، والشيعية خلال الحرب (1975: 1990). (2) وقد جاء الحراك اللبناني كمحاولة سعى من خلالها المجتمع اللبناني إلى إيجاد حيز لنفسه في وجه التدخلات الخارجية العربية منها والأجنبية، لكن في الوقت ذاته أتت موجة الربيع العربي بمعادلين جديدين داخل الشأن اللبناني؛ الأول: إضعاف قوة سوريا الأسد التي طالما لعبت دورًا في تمزيق عرى المجتمع اللبناني، ومع تدخل حزب الله في الثورة السورية تزايد ضعف الاقتصاد اللبناني ما انعكس على قطاعات البنية التحتية والخدمات المقدمة، بخاصة أزمة النفايات، والتي نتج عنها ميلاد حركة (طلعت ريحتكن) عام 2016. والثاني: استيعاب جموع جديدة غير مسيسة للساحة السياسية اللبنانية بعيدًا تمامًا عن النخب التقليدية وارتباطاتها الخارجية خاصة الفئات الشبابية تلك التي ستقود الحراك اللبناني عام 2019.

تفجر الحراك اللبناني وسط ظروف اقتصادية بالغة السوء من اقتطاع لمعاشات الجنود المتقاعدين، ونظام مصرفي يدير الاقتصاد من خلال الشركات الخاصة، وعدم وجود تقاطع واضح بين القطاع العام أو الخاص، واستمرار المحسوبية. هذه العوامل الاقتصادية مع الميراث السياسي جعلت الدولة اللبنانية تدور حول الأفراد، وليس العكس أنتج حراكًا لبنانيًا تجاوز النزعة الطائفية، والمثير للدهشة أيضًا أنه تصاعد من المناطق الخاضعة لحزب الله ما يشير إلى محاولة بناء خطاب سياسي يبتعد تمامًا عن النخب السياسية التقليدية.

إمبريالية ومقاومة

تموضع الباحثة فريدا عفاري النزعة العسكرية الإيرانية ضمن سياقاتها الطبيعية التي بدأت منذ عهد الشاه، واستكملها الخميني بخطابه الإسلامي، وأن الشعارات من قبيل (الموت لأميركا)، و(المجد للمستضعفين) ليست سوى غطاء إمبريالي كحالة مميزة للرأسمالية الإيرانية التي تشكلت على يد شاه إيران. وتتميز إيران عن بقية الدول المشار إليها بنزعتها العسكرتارية التي تتنوع بين خطاب مقاومة للخارج، وبناء مؤسسات عسكرية داخلية على شاكلة الحرس الثوري الإيراني. وهنا تظهر الإمبريالية العالمية كخطاب حاضر في المكون السياسي الإيراني.

لا يرتكن الفصل إلى الدولة الإيرانية بل يرصد تحولاتها الخارجية والداخلية، بخاصة علاقاتها مع المناطق ذات الأقليات العربية والكردية، وكيف أن الحراك الإيراني عام 2019 تولد من المناطق المهمشة التي تأثرت بالهيكلية الصناعية التي تقودها الحكومة الإيرانية. ونرى في الحالة الإيرانية عكس الصورة المنقولة إلينا؛ باعتبارها مجتمعًا تغيب عنه السياسة والحركات الاجتماعية، وأن الكل وراء الجمهورية الإسلامية، وخطابها الإمبريالي، لكن هذه القراءة تحاجج السردية التقليدية، وتقدم لنا صورة لمجتمع حيوي على عكس الصورة الجزائرية؛ فالنموذج النسوي الإيراني على سبيل المثال تميز بحالة من الاستقطاب الإسلامي/ الماركسي نتيجة الفكر المناهض لدولة الشاه، وخطابها التحديثي، وبقيام الثورة الإسلامية تبنت خطابًا ذكوريًّا معاديًا لإصلاحات الشاه، على عكس السرديات التي نرى من خلالها الثورة الإسلامية باعتبارها نبتًا شيطانيًّا. ويركز الباحث على نقطة مهمة متعلقة بالحركات الاشتراكية وخطابها ذي الرؤية الستالينية التي رأت في الخميني نموذجًا رائدًا ضد الإمبريالية الغربية، وهو ما غاب عن الحركات الإسلامية التي استلهمت رؤى الماضي؛ خاصة خطاب الخلافة، لبناء مشروعها السياسي، على عكس الخميني الذي انطلق من خطاب المقاومة لحشد مختلف القوى الإيرانية.

الرسالة التي يقدمها لنا كتاب (ربيع جديد) أن الحركات الاحتجاجية ليست وليدة نزعة مؤامراتية كما تروج الدول ونخبها الريعية وبرجوازيها القدماء، بل وليدة ظروف تاريخية تشكلت منذ دولة ما بعد الاستقلال. فإبعاد الناس عن المجال السياسي قد يفلح على المدى القصير، لكنه سيظل حالة استنثائية، ويستكمل الكتاب رسالته بأن يضعنا أمام خيار مقاومة الدولة الحديثة من خلال بناء خطابات سياسية. فمهما غابت السياسة عن الواقع المديني فالحراكات التي تتبعها الكتاب نشطت دائمًا من خلال الأطراف المهمشة التي رأت فيها الدول مجرد فوائض ريعية.

المراجع

1/ فالح عبد الجبار: العمامة والأفندي سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني، ترجمة: أمجد حسين، منشورات الجمل، ط1، 2010، ص 372.

2/ يتناول فواز طرابلسي في كتاب (الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان) العوامل الداخلية التي أسهمت في صعود القوى الشيعية الجديدة وليست التقليدية التي استندت عليها الحقبة الشهابية في الخمسينيات والستينيات مثل آل العبد لله، إذ تجسدت تطلعات جديدة للطبقات الاجتماعية والإنتلجنسيا في شخص موسى الصدر الذي خلفه فيما بعد السيد حسن نصر الله.

انظر: فواز طرابلسي: الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان، دار الساقي، ط1، 2016، ص 50،51.