عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

أشرف إبراهيم

عدوان إسرائيل متعدد الجبهات – مؤشرات وتوقعات

2025.06.28

مصدر الصورة : آخرون

مشهد متصاعد من العنف ومستقبل غامض

 

في فجر 7 أكتوبر 2023، انهارت أسطورة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يُقهر". هجومٌ مفاجئ من المقاومة الفلسطينية اخترق أكثر المستوطنات تحصينًا، وكشف  ثلاث أزمات وجودية  لإسرائيل: تبدأ با نهيار الردع الأمني  وفشل استخباراتي تاريخي، مرورًا بتصدع الوحدة الداخلية  واحتجاجات مليونية ضد حكومة نتنياهو، وكشف التبعية للإمبريالية ، وكونها مشروعًا استعماريًّا لا يصمد دون دعم غربي. لكن بدلًا من مواجهة هذه الهزيمة، اختارت إسرائيل تصدير أزمتها عبر حرب إقليمية.

من خلال التحول في إستراتيجيتها العدوانية، حيث انتقلت من سياسة "الاحتواء" إلى "التوسع العدواني" عبر أربع جبهات متزامنة: غزة (حرب الإبادة)، الضفة الغربية (تصاعد الاستيطان والاغتيالات)، لبنان (المواجهة مع حزب الله)، وسوريا وإيران (ضربات جوية متعمقة). هذا التصعيد لم يغير ديناميكيات الصراع فحسب، بل كشف عن تحولات عميقة في البنية الداخلية الإسرائيلية والدعم الغربي، مع تداعيات إقليمية ودولية غير مسبوقة.

 

جذور العدوان: من "الرصاص المصبوب" إلى "طوفان الأقصى "

 

- السياق التاريخي: تشكل حرب 2008-2009 علي غزة "عملية الرصاص المصبوب" نموذجًا أوليًّا للإستراتيجية الإسرائيلية الحالية. خلال 22 يومًا، قتلت إسرائيل 1,417 فلسطينيًّا (80% مدنيون)، ودمرت 46,000 منزل، بينما فشلت في كسر قدرات المقاومة الصاروخية، وانتهت الحرب بهدنة هشة بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني.

- خرق الهدنات: كما في 2008، انتهت هدنة يونيو 2023 بعد 162 خرقًا إسرائيليًّا، منها اغتيال قادة حماس وفرض حصار خانق، ما دفع الفلسطينيين إلى الرد. 1

- التطور النوعي : الانتقال من حروب "محدودة الزمن" (2008، 2014) إلى حرب "مفتوحة" اليوم، مع تطبيع فكرة الإبادة عبر تجويع 2.3 مليون فلسطيني في غزة.

 

جدول مقارن: الاعتداءات الإسرائيلية علي غزة منذ 2008

 

السنة

الحرب

المدة

التدمير

القتلى الإسرائيليون

القتلى الفلسطينيون

2008

الرصاص المصبوب

22 يومًا

46,000 منزل

13

1,417

2014

الجرف الصامد

51 يومًا

20,000 منزل

73

2,310

2023

طوفان الأقصى

300 + يوم

70% من البنية التحتية

1,200

40,000

 

وانعكست سلسلة الحروب المتواصلة في هيمنة اقتصاد الحرب علي الموازنة الصهيونية، التي تعد الأكبر في العالم كنسبة من الناتج الإجمالي للبلدان.

 

المؤشر

2022

2025

التغير

الإنفاق العسكري (% من الناتج)

4.5%

8.8%

95%

المساعدات العسكرية الأمريكية

3.8  مليار

5.1 مليار

34%

خسائر الاقتصاد الفلسطيني

-

18 مليار

-

 

المصدر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

 

التصعيد متعدد الجبهات: إستراتيجية "الهروب إلى الأمام "

 

         أ . غزة: من "القضاء على حماس" إلى "التطهير الديمغرافي "

تجاوز عدد القتلى 40,000 فلسطيني (40% أطفال)، مع تدمير متعمد للمستشفيات ومحطات المياه. ووفقًا لمجلة "لانسيت"، تركز إسرائيل في قتل الشباب والأطفال لضمان "تقليص ديمغرافي" يحد من النمو السكاني الفلسطيني المستقبلي. 3

          ب. الضفة الغربية: الاستيطان كحرب صامتة

تصاعد الاغتيالات اليومية (200+ منذ أكتوبر)، مع توسع استيطاني قياسي (10,000 وحدة جديدة عام 2024)، بهدف ضم الضفة فعليًّا.

          ج. لبنان وسوريا: تصدير الأزمة

تبادل 5,000+ صاروخ بين إسرائيل وحزب الله، مع ضربات إسرائيلية متكررة لأهداف في دمشق وحمص، بهدف التغطية علي جرائم إسرائيل في غزة عبر جبهة ثانوية. 4

           د. إيران: الضربات الاستباقية وتفكيك التحالفات

العمليات العسكرية المكثفة التي شملت القصف الجوي والطائرات المسيرة لمنشآت نووية ومصافي نفط، وهو ما توجته أمريكا بقصف عميق للمنشآت النووية المحصنة باستخدام قاذفاتها الإستراتيجية B2 مع استخدام قنابل ثقيلة لم تكن تتوفر لإسرائيل. 5

وهو ما ردت عليه إيران بقصف الداخل الإسرائيلي بصواريخها الباليستية، التي كشفت أسطورة "القبة الحديدة" التي لم تتمكن من التصدي للجزء الأكبر من الصواريخ الإيرانية.

 

الواقع الإسرائيلي الداخلي: تناقضات هيكلية

 

           أ. الانهيار الاقتصادي: ثمن الحرب الباهظ

نشر معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل ورقة بعنوان: "تداعيات استمرار الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي - ثلاثة سيناريوهات"، وذلك لاستشراف التداعيات الاقتصادية متعددة الأوجه للحرب على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 10 شهور، حيث تواجه إسرائيل مفترق طرق كبيرًا لن يشكل موقفها العسكري والجيوسياسي فحسب، بل مستقبلها الاقتصادي أيضًا.

ثلاثة سيناريوهات قاتمة   :

         1- استمرار الوضع الراهن : نمو لا يتجاوز 1% عام 2024، مع ارتفاع الدَّين العام إلى 70% من الناتج المحلي.

         2- التصعيد مع لبنان : انكماش اقتصادي 10%، عجز موازنة 15%.

         3- اتفاق هدنة : نمو محتمل 4.6% عام 2025، لكن مع استمرار "كلفة المخاطرة".

ومقارنة بالحروب السابقة تشبه تداعيات 2024 "العقد الضائع" بعد حرب 1973، حيث الركود وارتفاع الإنفاق العسكري. 7

- تطور الدَّين العام الإسرائيلي (% من الناتج المحلي)

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي. 8

          ب. الانقسام المجتمعي: حكومة تصطدم بالشارع

خلقت حكومة نتانياهو المدعومة من اليمين المتطرف انشقاقًا كبيرًا داخل المجتمع الإسرائيلي خاصة بين عرب 48 واليهود العلمانيين ويشكلان معًا نسبة 20% من المجتمع، ويرفض هؤلاء خطاب الحكومة المتطرف والعدواني وينظمون احتجاجات أسبوعية تطالب بعودة الأسرى وإسقاط نتنياهو.

 

الدعم الغربي: بين المصلحة والانتهازية

 

           أ. الولايات المتحدة: دعم لا يتزعزع رغم الجرائم

تدور المنطقة العربية من خلال الحكام في فلك النفوذ الأمريكي، حتي لو سمحت لهم بالمناورة الكلامية من وقت إلى آخر عبر نقد إسرائيل أو الانضمام إلى تحالفات اقتصادية واعدة، لكن تظل أمريكا تغترف من الأموال العربية خاصة من دول النفط، حيث عاد ترامب من زيارته الأخيرة للخليج باتفاقات تصل الي 5 تريليونات دولار من الصفقات والاستثمارات، لم يكن من الممكن الحصول علي هذه الصفقات دون وجود التهديد الإسرائيلي في المنطقة.

تمثل إسرائيل "مسمار جحا" الذي يمنع المنطقة من تطوير مشروع تنموي مشترك يعظم من استخدام الموارد الهائلة لصالح شعوب البلدان العربية. 9

العدوانية الصهيونية تحقق هدفين في آن بالنسبة إلى السياسة الأمريكية والغربية، فهي تعرض قدرات الأسلحة الأمريكية وتطورها وهو ما انعكس في استمرار السيطرة الأمريكية علي سوق توريد السلاح العالمي، الذي تشكل المنطقة العربية أكبر مشترٍ في هذا السوق بما يمثل ثلث قيمته الاجمالية.

ومن جهة أخري يدفع التهديد الصهيوني بالحكام العرب إلى الانصياع أكثر للنفوذ الأمريكي لتجنب "مصير" المقاومين، الذي يقدم باعتباره تهورًا غير محسوب العواقب، وهو ما تحاول إسرائيل وأمريكا ترسيخه عبر وحشية العدوان المتصاعد في كل اشتباك جديد ليكون رادعًا من مجرد التفكير في تحدي الهيمنة الصهيو-أمريكية. 11

          ب. أوروبا: تناقض بين الحكومات والشعوب

علي الرغم من هزيمة المحافظين في بريطانيا بسبب سياسات دعم إسرائيل، وتنظيم احتجاجات مليونية في باريس وبرلين 12 استمرت الحكومات الغربية في توريد السلاح لإسرائيل (ألمانيا، إيطاليا) رغم الإدانة اللفظية لجرائم الحرب الصهيونية، كما شاركت في العدوان علي إيران علي الأقل استخباراتيًّا وتوفير الغطاء السياسي بمنع أي قرارات أممية بالإدانة.

 

المواقف العربية: من التطبيع إلى المقاومة الخجولة

- محور التطبيع :

تتوزع المواقف العربية على ثلاثة محاور، يشكل محور التطبيع (الإمارات، البحرين، المغرب) الجزء البارز وهو لا يكتفي بالصمت أو التأييد الضمني للجرائم الصهيونية، بل يصل إلي حد المشاركة والدعم في العمليات العسكرية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. سواء في سلاسل الإمداد والتوريد أو توقيع صفقات تسليحية مع إسرائيل (آخرها صفقة المغرب في مطلع يونيو الجاري لشراء معدات عسكرية من إسرائيل). 13

- محور المقاومة (الجزائر، العراق، اليمن)

وهو يقدم دعمًا سياسيًّا ولوجستيًّا إلى فلسطين، مثل مشاركة الحوثيين في تعطيل الملاحة البحرية المتوجهة إلى إسرائيل من مضيق باب المندب والقصف المتقطع للداخل الإسرائيلي بالصواريخ الباليستية.

- محور الوسطية (مصر، قطر، السعودية)

حيث تبنت مصر دور الوسيط بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، مع الاستمرار في رفض فتح معبر رفح بالكامل. بينما جمدت السعودية التطبيع الذي كان متوقعًا مع إسرائيل، واكتفت بتمويل محدود للمساعدات للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.

 

 

سيناريوهات المستقبل: أربعة مسارات محتملة

* المسار 1- التصعيد الإقليمي :

لا يمكن استبعاد افتعال إسرائيل لسبب ما لشن حرب واسعة جديدة مع حزب الله أو ايران (راجع تصريحات ترامب الأخيرة بعد وقف إطلاق النار مع إيران) والمؤكد أنه لو تكرر سيقود المنطقة إلي حرب إقليمية واسعة تشمل من اليمن جنوبًا إلى إيران والعراق شرقًا ولبنان شمالًا، مع تدخل غربي مباشر بقيادة أمريكية.

* المسار 2- جمود دموي:

استمرار حرب غزة بوتيرة منخفضة (تطهير عرقي وإبادة على مدى متوسط) لتفريغ القطاع تدريجيًّا من خلال النزوح والقتل، مع تصعيد متقطع في لبنان يحافظ علي أجواء الحرب المنعشة للصهيونية والتطرف والمصالح الأمريكية. مع انهيار النظام الصحي والإنساني في غزة (مجاعة جماعية).

* المسار 3- هدنة هشة :

تشمل صفقة تبادل أسرى مع انسحاب إسرائيلي جزئي من غزة، وتشكيل حكومة فلسطينية (تتبع السلطة الفلسطينية) جديدة بضغط دولي.

* المسار 4- انهيار إسرائيلي داخلي:

انهيار ائتلاف نتنياهو، مع انتخابات مبكرة، وتصاعد الاحتجاجات تطالب بمحاكمة القادة على جرائم الحرب.

 

الخاتمة: عدوان يولد مقاومة.. وسيناريو "الفينيكس "

 

العدوان الإسرائيلي الحالي هو الأوسع منذ 1948، لكنه يكشف تناقضًا صارخًا: فشل "أقوى جيش في المنطقة" في كسر إرادة مقاومة وليدة. التكلفة باتت باهظة: اقتصاد منهار، انقسام مجتمعي، وعزلة دولية متصاعدة. وأزمة في الغرب، الذي رغم دعمه، بدأ يدرك أن إسرائيل صارت عبئًا إستراتيجيًّا في لحظة تحول العالم نحو المحيط الهادئ. السيناريو الأرجح هو "صعود فنيكس جديد" مقاومة فلسطينية تعيد تشكيل نفسها من تحت الأنقاض، مدعومة بتحول جيوسياسي تقوده دول الجنوب، بينما تواجه إسرائيل مصير "الدولة المنبوذة" القائمة على القوة والإبادة. 14

* نماذج من أشكال المقاومة الناجحة خلال المواجهة مع الصهيونية:

الحدث

الآلية

أمثلة ناجحة

المقاومة المسلحة

حرب عصابات شعبية

كتائب القسام في جنين

الإضراب العمالي

شل الاقتصاد المرتبط

إضرابات موانئ الجزائر 2024

المقاطعة الشاملة

عزل إسرائيل عالميًّا

حملة (BDS) سحبت استثمارات بقيمة 50 مليار دولار من إسرائيل

مع احتمالات حدوث تصدعات في دولة عربية أو أكثر تسمح بتصاعد الحركة الجماهيرية سواء بإسقاط أو حتي اهتزاز استقرار أحد الأنظمة وهو من المؤكد لن يشمل دعم المقاومة للصهيونية التي هي أكبر داعم لنظم الحكم العربية.