عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

تحقيقات

راجي مهدي

ماذا نعرف عن البرنامج النووي الإيراني؟ - الجزء الثاني

2025.06.28

تصوير آخرون

ماذا نعرف عن البرنامج النووي الإيراني؟ - الجزء الثاني

 

لقد تخلصت إيران من ثمانية أطنان من اليورانيوم المخصَّب معظمها تم شحنه إلى روسيا بموجب اتفاق 2015، والتزمت بسقف تخصيب لأغراض سلمية وبحثية، غير أنه في عام 2018، أعلنت الإمبريالية الأمريكية انسحابها من الاتفاق النووي بذريعة عدم شفافية إيران فيما يخص أنشطتها النووية السابقة، وأن الاتفاق لم يضع حدًّا لبرنامج إيران الصاروخي أو تمويلها للجماعات المسلحة في الإقليم. أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران ما دفع الأخيرة إلى إعلان استئنافها برنامجها النووي في 2019، وفي 2020 أعفت نفسها بالكامل من الالتزام بأي من بنود الاتفاق، ليصدر البرلمان تشريعًا يسمح بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وقد أدى اغتيال محسن فخرزادة في نفس العام -الذي يعد أبا المشروع النووي الإيراني- بالإضافة إلى عمليات تفجير وتخريب داخلية في مفاعل آراك -الذي كانت إيران قد أغلقت قلبه بالخرسانة المسلحة وفقًا لاتفاق 2015- إلى تسارع خطوات إيران نحو تخصيب اليورانيوم بمعدل 60% وتركيب آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة والتوسع في التنقيب عن معدن اليورانيوم وإنتاجه من عدة مواقع أهمها في بندر عباس.

مع عودة الديمقراطيين، تم استئناف المفاوضات في إبريل 2021، غير أن إيران طلبت ضمانات بعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مجددًا، وهو ما لم يحدث، وتزامن ذلك مع الدعم الإيراني لروسيا في حربها مع أوكرانيا ما جعل الغرب يشك في جدوى التفاوض. فالحقيقة أن اتفاق 2015 كان محاولة غير مكتملة استهدفت بها القوى الغربية ليس فقط كبح برنامج إيران النووي بل وأيضًا بدء مسار يفكك طموحات إيران الإقليمية وارتباطاتها الدولية وتحالفاتها مع الصين وروسيا.

كما أسلفنا، استهدفت إيران خلق منظومة نووية محلية تتضمن عمليات إنتاج اليورانيوم وتخصيبه بالاعتماد على مصادر محلية، وقد تعاونت في ذلك مع الصين سواء في التبادل التكنولوجي أو في إنشاء شبكة من المناجم في بندر عباس وأرداكان ويزد وكذلك في بناء منشآت تحويل اليورانيوم الخام إلى يورانيوم صالح للدخول في الدورة النووية. حيث اعتمدت على تكنولوجيا الطرد المركزي وكذلك حاولت استخدام تكنولوجيا فصل اليوارنيوم المشع باستخدام تقنية الليزر وخاصة في مركز طهران النووي للأبحاث، كما أنشأت مركزًا في لاشكار آباد لنفس الغرض غير أن جهود إيران في هذا الصدد لم تتخطَّ حدود المحاولات البحثية.

قلعة فوردو

بدءًا من 2002، كان موقع نطنز النووي هو الموقع الإيراني الرئيس لتخصيب اليورانيوم، غير أن إيران سعت بدءًا من 2006 إلى بناء موقع جديد للتخصيب هو موقع فوردو قرب مدينة قم، بشكل سري بدأت إيران في بناء موقع فوردو تحت أرض منطقة جبلية تجعله حصينًا على الاختراق وتم تصميمه ليحتوي ساحتين قادرتين على احتواء 3000 جهاز طرد مركزي متطور. دخل الموقع في الخدمة بدءًا من عام 2011، وضم في عام 2013 ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي من طراز IR-1 تصل بمعدل التخصيب إلى نسبة 5%. طبقًا للاتفاق النووي عام 2015، كان من المفترض أن يتحول فوردو إلى مؤسسة بحثية غير أنه بعد فشل الاتفاق، أضافت إيران ثلاث مئة جهاز طرد مركزي طراز IR-6 إلى طاقة الموقع لتبدأ بتخصيب اليورانيوم وصولًا إلى نسبة 60%. تلك الطاقة التخصيبية للموقع وضعته هدفًا أمام الضربات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية بالإضافة إلى أن حصانته الجغرافية وضعته بحق كقلب للمشروع النووي الإيراني، حيث لم تمتلك إسرائيل القدرة العسكرية على تدميره كما فعلت مع المشروع النووي العراقي واحتاجت إلى قاذفات القنابل الإستراتيجية الأمريكية كي تُحدِث به فقط ضررًا سطحيًّا بحسب التقارير الأخيرة.

يمكن القول إن فوردو هو قمة هرم المشروع النووي الإيراني لأنه يضم الطرازات الأحدث من أجهزة الطرد المركزي القادرة على الوصول إلى يورانيوم مخصب بنسبة 60%، غير أن موقع نطنز النووي الذي تعرض لقصف إسرائيلي متكرر هو أحد المواقع الهامة أيضًا، لأنه ينتج يورانيوم مخصب بنسبة 20% و5% وبدونهما لا يمكن لفوردو العمل.

بالنظر إلى إحصائيات اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي العاملة في مفاعلات إيران بعد سقوط الاتفاق مع الغرب سنجد أن إيران بدءًا من 2021 بدأت في إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، 60%بكميات 114، 18 كجم على الترتيب، ثم 386 و62 كجم عام 2022 ثم 567، 128 عام 2023 ثم 839 و182 عام 2024. اعتمدت إيران بحسب المصادر المتاحة على نشر مجموعات كثيفة من أجهزة الطرد في نطنز وفوردو، بحيث وصلت أعدادها في نوفمبر 2024 إلى 42 مجموعة من طراز IR-1 و37 من طراز IR-2 و13 مجموعة من طراز IR-4 و15 مجموعة من طراز IR-6 وهو الطراز الأحدث الذي يُعتقد أنه موجود حصريًّا في فوردو. والمقصود بالمجموعات هو تركيب أجهزة الطرد في شكل متواليات بحيث يمر من خلالها اليورانيوم ليتم تنقيته من الشوائب وهذا مفهوم التخصيب، أي زيادة نظير اليورانيوم U-235 عير تنقيته من شوائب معدن اليورانيوم U-238. الطرازات الأحدث من أجهزة الطرد هي القادرة على إنتاج يورانيوم أكثر نقاء وبزيادة ضخ اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في مفاعل فوردو، كان يُعتقد أن المفاعل في إمكانه زيادة إنتاجه من اليورانيوم المخصب 60% من 4.7 كجم في الشهر إلى 37 كجم في الشهر.

إذا صحت التقارير والصور التي نُشرت بعد الضربة الأمريكية على فوردو، التي أشارت إلى وجود شاحنات في محيط الموقع قبيل الضربة بيومين، وإذا صحت التقارير الإيرانية عن نقل مخزون اليورانيوم من الموقع إلى مكان آمن، فإن السعي الإسرائيلي الأمريكي لتكسيح المشروع النووي الإيراني يكون قد تلقى لطمة عنيفة، حيث أن التكهنات تشير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% كان قد وصل إلى 182 كجم وهو ما يضعها على العتبة النووية. بينما وصل مخزونها من يورانيوم مخصب بنسب 5% و20% إلى 2595 كجم و840 كجم على الترتيب، وهو ما يؤهلها إلى إنتاج مزيد من اليورانيوم عالي التخصيب بمجرد أن تستأنف برنامجها.

ما بعد العدوان

تتضارب التقارير حول مدى الضرر الذي أصاب المواقع النووية الإيرانية بفعل العدوان الإمبريالي الصهيوني، ما هو أكيد أن موقع فوردو كان هدفًا لضربتين إسرائيليتين في 12 و16 يونيو بالإضافة إلى الضربة الأمريكية، أضف إلى هذا استهداف مواقع نطنز وآراك وشركة إيران لصناعة أجهزة الطرد المركزي في كرج ومركز طهران للتكنولوجيا النووية. ليس واضحًا بالضبط ما إذا كانت الضربات قد ألحقت ضررًا فادحًا بالبنية التحتية النووية لإيران بما في ذلك كوادرها العلمية، غير أن إيقاف الحرب يحتمل أن يكون نتيجة لما تعرضت له إسرائيل من خراب واسع بفعل الصواريخ الإيرانية وعدم قدرة ترامب على الالتحاق بنتنياهو في قصف إيران نتيجة الانقسام الواضح في أوساط النخبة الحاكمة الأمريكية. بالإضافة إلى ما قد يجلبه خيار حرب شاملة على إيران من فوضى عارمة في المنطقة.

ما هو أكيد أن النظام الإيراني قد خرج من الحرب بصورة نصر، والصورة هنا هي أنه على مدار ما يقارب من عشرة أيام من القتال استطاعت إيران الرد، وإنتاج مشاهد دمار غير مسبوقة في قلب الأرض المحتلة. ما هو أكيد أيضًا أن رد الصاع بالصاع أو المحاولة في كل مرة كانت تخترق فيها الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي الإيراني قد أفشل محاولة نتنياهو لتوسيع انتصاره في الإقليم، على الأقل وقفت تلك المحاولة عند حدود إيران برغم من خسائرها الإستراتيجية في لبنان. لم تسلم إيران برنامجها النووي أو ما تبقَّى منه، وتأجَّل الحسم وإن كانت انعكاسات حرب الأيام العشرة تلك لم تتجلَّ بكامل صورتها سواء في الداخل الإيراني أو في السلوك الإسرائيلي التالي، وهو تأجيل لن يطول في تقديرنا، ما هو أكيد أن الحرب انتقلت للمرة الأولى إلى الداخل الإيراني في انقلاب درامي لكل الخطط الإستراتيجية التي مارست إيران بموجبها لعبتها السياسية في الإقليم وهي بصدد تلمُّس البدائل. ما هو أكيد أيضًا أن الصهيونية فشلت في فرض إرادتها بالنار، للمرة الأولى منذ اندحارها في لبنان عامَ 2006، لذا فالأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، تسوية شاملة أو توسيع الحرب.