عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

أرثر تاونند

أسئلة محورية حول تصعيد إسرائيل للحرب ضد إيران

2025.06.22

مصدر الصورة : آخرون

ترجمة: أشرف إبراهيم

المقال الأصلي منشور في جريدة  Socialist Worker العدد: 2960 في تاريخ 16 يونيو 2025 [1]

 

يندفع الآن الشرق الأوسط بسرعة نحو حرب إقليمية، والمسؤول عن ذلك هو إسرائيل. فقد صرّح نتنياهو أن دولة إسرائيل (الإرهابية) ستواصل الحرب على إيران "لأي عدد من الأيام قد يتطلبها الأمر".

لقد أشعلت إسرائيل فتيل الحرب يوم الخميس 12 يونيو عندما قصفت منشأة نطنز النووية، مدعية أن إيران تطور فيها أسلحة دمار شامل. وقد أدى هذا الهجوم "الدقيق" كما يفترَض إلى قَتَلَ مدنيين، كان من بينهم أطفالًا، بالإضافة إلى اغتيال شخصيات رئيسية في النظام الإيراني. وفي المقابل ردَّت إيران بسلسلة من الهجمات الانتقامية على إسرائيل كردٍّ على هذا العدوان.

وخلال اجتماع مجموعة السبع (G7) يوم الاثنين 16 يونيو، تحدَّث زعماء الغرب عن "خفض التصعيد" و"الدبلوماسية"، بينما هم أنفسهم من يسلحون ويمولون الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة، وعدوانها على امتداد الشرق الأوسط كله.

لماذا هاجمت إسرائيل إيران؟

تزعم إسرائيل أنها مضطرة "للدفاع عن نفسها" عبر تدمير القدرات النووية الإيرانية. لكن في الواقع، تحرك نتنياهو كان مدفوعًا بالديناميكيات السياسية الداخلية في إسرائيل وبالاعتبارات الإمبريالية الأوسع.

منذ بدأت إسرائيل حملتها للإبادة الجماعية في غزة، كانت إستراتيجية نتنياهو هي توسيع الحرب على جبهات متعددة في الشرق الأوسط، بما في ذلك غزو لبنان، ضربات جوية على إيران، والسيطرة على مزيد من الأراضي في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.

وقد أضعفت هذه الاعتداءات النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصًا عبر إضعاف حزب الله في لبنان. كما سَعَتْ إسرائيل إلى نقل الحرب للخارج جزئيًّا لتأمين دعم الولايات المتحدة لمخططها في غزة. إلا أن قسم من الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة كان يخشى من أن وحشية إسرائيل ستثير مقاومة في الدول العربية. وصحيح أنه باعتبار إسرائيل حليفًا رئيسيًّا للولايات المتحدة، لم يكن هناك شك في دعمها، لكن نتنياهو أراد دعمًا لـ"النصر المطلق" ضد المقاومة الفلسطينية، وشيكًا على بياض لحرب لا تنتهي. ولإسكات أي انتقاد -حتى لو كان طفيفًا- راهن نتنياهو على توسيع الحرب لترسيخ الدعم الأمريكي. وهو يعلم أنه عندما تحين اللحظة، ستدعم الولايات المتحدة الدولة الإسرائيلية دائمًا.

والمؤكد أن نتنياهو مدفوع بالأزمة الداخلية في إسرائيل. فحكومته الحالية تستند إلى دعم اليمين المتطرف: وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وإذا فقد دعمهم، ستسقط حكومته. يرتبط هذا بالانقسام الأعمق داخل المشروع الصهيوني حول أفضل طريقة لقمع الفلسطينيين، فالصهاينة "الليبراليون" يفضلون الفصل العنصري، بينما اليمين المتطرف يدعو إلى الإبادة. وتخشى بعض الجهات داخل المؤسسة الإسرائيلية من أن الاحتلال الدائم لغزة سيؤدي إلى حالة دائمة من التمرد المسلح. وهم قلقون أيضًا من أن إسرائيل قد تفقد شرعيتها بصفتها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط.

لكن اليمين المتطرف يريد تطهير غزة عرقيًّا، والانطلاق للهجوم عبر المنطقة. وقد سبق لسموتريتش أن قال إن البرنامج النووي الإيراني "الذي يهدد إسرائيل والعالم الغربي بأسره يجب أن يُنهى". ولكسب دعم اليمين المتطرف، تحلم حكومة نتنياهو بالقضاء على الفلسطينيين بالكامل وتحقيق الهيمنة المطلقة في الشرق الأوسط.

لكن جذور سياسات الحرب التي تتبعها حكومة نتنياهو أعمق من مجرد انقسامات داخل الصهيونية، إذ إن إسرائيل مصممة على تحطيم النظام الإيراني وسط تزايد المنافسة الإمبريالية في الشرق الأوسط بين القوى الإقليمية والعالمية.

ما الذي يغذي التنافس بين إيران وإسرائيل؟

إيران وإسرائيل تتنافسان على السلطة والنفوذ في المنطقة. الدولة الإرهابية (إسرائيل) تحظى بدعم غربي كبير، وقد مكنها الدعم العسكري الغربي من ارتكاب الإبادة في غزة. لكن إسرائيل لم تعُد تعتمد على المساعدات الاقتصادية الغربية كما في السابق. فقد سمح لها الدعم الأولي بتطوير اقتصادها، خاصة في مجال التكنولوجيا والصناعات العسكرية. لذا ورغم كونها لا تزال الحارس الغربي في المنطقة إلا أنها صارت أكثر جرأة في تحركاتها.

ومن الهام ملاحظة أن صعود إسرائيل كقوة إمبريالية إقليمية يحدث في سياق أزمة الإمبريالية الأمريكية. فبعد تدخلات كارثية في العراق وأفغانستان في العقد الأول من الألفية، تراجعت هيبة وقوة أمريكا في المنطقة. وقد خلق هذا الفراغ فرصة لقوى إقليمية مثل إسرائيل وإيران لتوسيع نفوذها.

تلقى إيران دعمًا من روسيا والصين، وإن كان بدرجات متفاوتة. روسيا هي المورِّد الرئيسي للسلاح، بينما تشتري الصين نحو 90% من النفط الإيراني، ما منح إيران بعض المجال للتنفس وسط العقوبات الغربية. وبسبب العقوبات الأمريكية، تراجعت صادرات النفط الإيرانية من 119 مليار دولار في 2009-2010 إلى 8.9 مليار دولار في 2019-2020. وقد وسَّعَت إيران نفوذها بدعم جماعات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

ورغم أنه لا إسرائيل ولا إيران قوتان عالميتان، إلا أن خصومتهما مبنية على ديناميكيات النظام الإمبريالي العالمي القائم على التنافس بين الدول الرأسمالية.

ما دور ترامب؟

اللافت أن الهجوم الإسرائيلي على نطنز جاء قبل مفاوضات نووية بين إيران والولايات المتحدة. ففي عام 2015، وقَّعت إيران والولايات المتحدة خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث وافقت إيران على تقليص تخصيب اليورانيوم مقابل اتفاقيات تجارية. لكن في 2018، وتحت ضغط من نتنياهو، انسحبت إدارة ترامب الأولى من الاتفاق. وحاليًّا، يحاول ترامب استعادة الاتفاق للتركيز على المنافس الرئيسي لأمريكا: الصين. وكانت الصين قد رعت معاهدة سلام بين السعودية وإيران في 2023، في مؤشر على تراجع نفوذ أمريكا.

لقد زار ترامب الشرق الأوسط لتعزيز علاقات أمريكا مع دول الخليج والنظام السوري الجديد. وشعر نتنياهو بالتجاهل عندما لم يزُر إسرائيل، وخشي أن تتراجع مكانة إسرائيل في رؤية ترامب للمنطقة. وبعد الهجوم على إيران، انسحبت إيران من المحادثات. وصرّح وزير الخارجية عباس عراقجي أن مواصلة المحادثات أمر "غير مبرر" في ظل "وحشية" إسرائيل.

وقد ألمح ترامب إلى إمكانية انضمام أمريكا لهجوم على إيران، لكنه يستخدم حاليًّا تهديد الحرب كورقة ضغط. هذا التردد ناتج عن سعي ترامب لمعالجة أزمة "الهيمنة" الأمريكية، أي قدرتها على فرض إرادتها دون منازع. لقد صارت الإمبريالية الأمريكية أضعف وأكثر توترًا، بينما برزت الصين كمنافس أقوى. وقد عززت الصين علاقاتها مع الدول العربية، فهي مستورد رئيسي للنفط الخليجي، وتملك شراكات إستراتيجية مع عدة أنظمة، منها إيران، وتستثمر في مبادرة "الحزام والطريق". وقد أصبح ترامب يائسًا من تعزيز النفوذ الأمريكي في مواجهة الصين.

ما الآثار الأوسع؟

الولايات المتحدة عالقة في مأزق، فهي تدعم إسرائيل، لكنها لا تريد حربًا إقليمية. فالإمبريالية الأمريكية مشغولة بالفعل على عدة جبهات: الشرق الأوسط، أوكرانيا، وآسيا والمحيط الهادئ. لكن منطق التنافس الإمبريالي قد يقود إلى الحرب، وهو ما ستكون له عواقب بعيدة المدى:

- أولًا، مزيد من الموت والدمار للشرق الأوسط والشعب الفلسطيني.

- ثانيًا، صدمات في الاقتصاد العالمي.

لقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة تصل إلى 13%، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع مع استهداف إسرائيل للحقول النفطية الإيرانية. وبصفتها صاحب نفوذ في سوق الطاقة، تسعى الولايات المتحدة للسيطرة على النفط لأن الصين تعتمد بشدة على نفط الخليج. لكن حرب الرسوم الجمركية التي شنها ترامب تٌظهِر أن الصدمات الاقتصادية ليست مفيدة لقوة إمبريالية متراجعة. وبالتالي، ورغم أن ضرب الحقول النفطية الإيرانية يضر بإيران والصين، فإنه يضر الولايات المتحدة أيضًا بسبب تأثيره في الاقتصاد العالمي. وقد يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى استفادة روسيا، التي ترفض حاليًّا مطالب ترامب في مفاوضات الحرب الأوكرانية.

كيف يؤثر هذا في فلسطين؟

يرى كثيرون داخل المقاومة الفلسطينية والحركات الداعمة لتحرر فلسطين أن إيران جزء من "محور المقاومة" ضد الإمبريالية الغربية. لكن تاريخ النضال الفلسطيني يُظهر أن الاعتماد على قوى إقليمية لا يؤدي إلى التحرر. لقد وصل النظام الإيراني إلى الحكم بعد الثورة عام 1979 التي أطاحت بالشاه المدعوم من الغرب. وإيران اليوم دولة رأسمالية تحكمها طبقة دينية محافظة تتبع الإسلام الشيعي. ورغم أنها قوة إمبريالية "صغيرة"، لكنها تطمح إلى الهيمنة الإقليمية.

وقد واجه النظام الإيراني موجات من التمرد الشعبي، أبرزها حركة "المرأة، الحياة، الحرية" في 2022، لكنه سحقها، وله تاريخ في قمع الحركات الاجتماعية والتنظيمات العمالية. وهو يصور نفسه كداعم لفلسطين، لكنه يفعل ذلك فقط لتعزيز نفوذه. وخلال الربيع العربي عام 2011، دعم النظام الإيراني نظام الأسد في سوريا، ودفع حزب الله إلى التدخل لصالح الديكتاتور السوري. وقدساهمت إيران في إغراق الثورة السورية في الدماء. وقد أدى سقوط الأسد وغزو إسرائيل للبنان إلى إضعاف النفوذ الإيراني، لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يمنع الاعتماد عليها لتحرير فلسطين.

السبب الأساسي هو أن إيران تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. فهي تعلن تضامنها مع فلسطين لكنها تعلم أن التدخل العسكري المباشر لتحرير فلسطين سيخلق معارضة تهدد مصالحها. وبالقطع من حق إيران أن ترد على إسرائيل، وعلينا أن نعارض الهجمات الوحشية على الشعب الإيراني. لكن النضال الحقيقي من أجل تحرير فلسطين يبدأ بمواجهة الإمبريالية. وهذا يتطلب حركة جماهيرية في المنطقة لا تتحدى إسرائيل فقط، وإنما تتحدى أيضًا الطبقات الحاكمة والأنظمة القائمة. فإيران لن تتردد في إبرام الصفقات مع أمريكا -الداعم الرئيسي للإرهاب الإسرائيلي- عندما يخدم ذلك مصالحها.

لقد أظهرت ثورات الربيع العربي عام 2011 قوة المقاومة الجماهيرية في تحدي الحكام والإمبريالية، وعزل إسرائيل. وعلينا نحن في الغرب تصعيد الضغط ضد إسرائيل ومن أجل إيقاف جميع مبيعات الأسلحة لها.


1- https://socialistworker.co.uk/palestine-2023/key-questions-about-israels-escalation-of-war-in-iran/?fbclid=IwY2xjawLCMGxleHRuA2FlbQIxMQBicmlkETFnWHpvOWlEU1VHVFFhNEhSAR6jcgE1UnqPqRXgdpHIrieRATaYsGlCjMJ7thqSIwAMVzX2PZwaKpJwx6L9Pg_aem_0abVWsOE2APFQM3nOim6yQ